السبت، 12 أكتوبر 2024

العميل الخائن

تأليف : امل شانوحة 

المنطقة المُستهدفة 


في منطقةٍ أمنيّةٍ مُشدّدة ، سكن فيها معظم المقاومين والقادة .. والتي عُدّت لسنوات مكاناً آمناً ، بسبب التفتيش الدقيق عند مدخل المجمّع..إندلعت الحرب ، لتُصبح اكثر منطقة خطرة بعد إستهداف العدوّ لمنازل المطلوبين فيها ! 

وفور هروب الحرس المسؤولين عن أمن منطقة الأثرياء ، تكاثر وجود اللصوص الذين يبحثون بين ركام الفلّل عن المال والذهب .. ليتفاجأوا بأن معظم البيوت خلت من الأشياء الثمينة ! 


وفي خُضمّ المعارك التي استمرّت اكثر من شهرين .. ذاع صيت مواطنٍ مُغترب تنقّل بين الأحياء ، لطمأنة النازحين (المشرّدين من بيوتهم) على بنائه مساكن لهم فور انتهاء الحرب ! مما جعله مُهاباً في المنطقة الأمنيّة التي سكن بها مُؤخّراً ، رغم خوف اتباعه الجدّد من إصابته بصواريخ العدوّ

***


وفي يوم ، إستهدف القصف مبنى سكنيّ من ثلاثة طوابق.. قتلت جميع سكّانه ، ما عدا رجلٍ كان ينام في الشرفة (حسين ، الضابط في الأمن العام) .. 

ومن قوّة الصاروخ الفراغيّ ، سقط فوق شجرة بموقف سيارات مبناه .. جعله الناجي الوحيد هناك !


وفي المستشفى .. لاحظ حسين إختفاء عقده الذي يضع فيه خاتم زوجته المتوفاة ، والذي لم يزله من رقبته لسنوات ! 


فسأل الممرّضين عنه ، حتى رجال الإسعاف الذي نقلوه للطوارئ .. لكن لا احد منهم رأى العقد الذي يصعب وقوعه بالإنفجار ، لقصر طوقه ! وقد ضايقه هذا الموضوع ، اكثر من خسارة شقته .. 


وبعد خروجه من المشفى ، إنتقل للعيش عند اقاربه في المبنى المجاور للعمارته المُهدّمة ، والتي تضرّرت بشكلٍ بسيط من الصاروخ المُوجّه بدقّة نحو الهدف !

***


وبعد ايام ، واثناء جلوسه بشرفة منزل قريبه .. لاحظ أمراً لافتاً : وهو رجل التوصيلات يدخل للمبنى المجاور .. وهو يشبه الرجل (مُخفياً وجهه بخوذة دارّجته الناريّة) الذي دخل عمارته قبل الإنفجار بقليل !

فقال حسين في نفسه ، بدهشة :

((يالا قوّة قلبك ! مازلت توصل الطلبات ، رغم نجاتك من الموت بإعجوبة المرّة الفائتة ؟!))


وظلّ يراقبه من الشرفة ، لحين نزول الدليفري وهو يحمل حقيبة ظهره بصعوبة ! 

حسين : ترى ماذا اعطوه الجيران ، ليمشي بصعوبة كأنه يحمل طوباً ؟!


وهنا شعر برغبة للنزول من المبنى وملاحقة رجل التوصيلات ، لربما يحصل منه على عنوان المطعم الذي مازال يعمل رغم القصف العنيف لهذه المنطقة بالذات !


ولحقه بسيارته ، الى أن دخل الدليفري الى منزل المغترب الشهير ! فظن حسين بأن الثريّ طلب طعاماً ، فهو بالنهاية يسكن وحده 

لكنه استغرب من عدم خروج الدليفري لوقتٍ طويل !

حسين : مابه تأخّر هكذا ؟! اريد سؤاله عن رقم المطعم ، لربما أعزم اهل قريبي على استضافتهم لي

***


وبعد قليل ، قرّر حسين الذهاب للسوق.. 

وبعد ساعتين .. مرّ بجانب منزل الثريّ ، ليجد درّاجة رجل التوصيلات مازالت في الخارج !

حسين : هل الدليفري يعمل حارساً في منزل المغترب ؟! بدأت أشكّ بأمره! 


ولأن حسين يعمل ضابطاً ، خطر بباله البحث عن ماضي الثريّ الذي ظهر فجأة ، ليصبح معشوق النازحين الذي وعدهم بإصلاح حالهم فور انتهاء الحرب ! 

ليكتشف امراً صادماً ..فهذا المغترب تسرّح حديثاً من سجن اوربي بعد اتهامه بعدة سرقات من سطوّ منازل ومحال تجاريّة ، حيث أمضى شبابه مُتنقلاً بين السجون ..وعاد للبلد قبل ايام من بدء المعارك ! وفور سكنه بالمنطقة الآمنة ، زادت حالات قصف منازل القادة ومقاومين.. 


والشيء المشترك : ان جميع المنازل المُستهدفة ، خلت تماماً من المال والذهب حسب اقوال اللصوص الذين قُبض عليهم هناك ! 

حينها تذكّر حسين بأن خادمته فتحت الباب لشخص اثناء وجوده بالشرفة ، وبعدها لاحظ دخاناً اصفراً ينتشر في منزله .. وقبل استسلامه للنوم المفاجئ ، سمع طائرةً حربيّة تحلّق فوق المكان ، قبل دقائق من قصفها العمارة !


كما تذكّر محاولته الوقوف مترنّحاً لرؤية الخادمة التي لم تستجب لندائه ، ليلاحظ نور ليزر يتحرّك على شرفته.. كأن أحداً من الشارع يُشير للمبنى ، قبل ثواني من دويّ الإنفجار الكبير !


لهذا قرّر حسين مراقبة الثريّ بصمت دون إخبار مركزه ، كيّ لا يطردوه من العمل .. فالمغترب اكتسب مكانةً كبيرة بين الأهالي ، وبوقتٍ قياسيّ بسبب مساعداته الإنسانيّة لهم !

***


وفي إحدى الليالي ، واثناء مراقبته منزل المغترب .. شاهد خروج الدليفري (بخوذته السوداء) وهو يقود درّاجته باتجاه إحدى الفللّ .. 


بعدها شاهده وهو يخرج من الفيلا ، حاملاً حقيبة الظهر الثقيلة .. ليقف بعيداً ، وهو يشير بقلم الليزر نحو المبنى مع اقتراب طائرة العدو المُسيّرة (درون) ..


ولم تمضي دقائق ، حتى قُصفت الفيلا بصاروخٍ من بارجةٍ بحريّة .. حوّلتها لأحجارٍ مُتناثرة !

حينها تأكّدت شكوك حسين من أن الثريّ هو عميل للعدو ! إستغلّ مكانته الزائفة بين الناس للتحرّك بحرّية بأرجاء المنطقة المشدّدة امنيّة ، دون قيام الحرس بتفتيشه او تفتيش منزله كبقية سكّان المنطقة! 


وبسرعة أبلغ حسين قادة الحزب بما حصل ، مُرسلاً لهم فيديوهات المراقبة التي سجّلها على جوّاله.. ليسارع حرس الحزب باقتحام منزل الثريّ الذي امتلأ بالذهب والمال والحواسيب والجوّالات المسروقة من المنازل المُستهدفة قبل تفجيرها ! ومنها عقد حسين الذي فيه خاتم زوجته (الذي سرقه منه ، اثناء إغماءته في الشرفة) 

***


وبعد التحقيق العنيف معه .. إعترف بأنه لصّ محترف ، عاد لوطنه للإستفادة من الإضطراب الشعبيّ مع تصاعد وتيرة الحرب.. وانه شعر بالأسى على كل المباني التي هُدمت دون سرقتها ، وإهدار الأشياء القيّمة في الشقق المُدمّرة ! 


لهذا خطر في باله التنكّر كرجل توصيلات .. وعندنا يفتحون الباب ، يرمي قنبلةً دخانيّة ، تخدّر الساكنين بالشقة قبل سرقته للأشياء الثمينة الصغيرة 


وبعدها يُشير لطائرة درون بقلمه الليزر على المبنى الذي فيه الرجل المطلوب أمنيّاً ، ليقوموا بتفجيره ! 

وحاول تبرير فعلته : بأن المستهدفين ميتون بجميع الأحوال ، لكن بفضله ماتوا نياماً دون شعورهم بالخوف او الألم .. وانه باع الكثير من الذهب المسروق لمساعدة النازحين بنيّة الحصول على دعمهم ، للترشّح للإنتخابات القادمة .. 


وبسبب جرمه الكبير ، قرّر القائد إعدام العميل الذي تسبّب بمقتل اهم مقاومي الحزب.. لكن حسين كان له رأيٌ آخر : وهو الجزاء من جنس العمل 

وقام بربطه بإحدى المنازل المهجورة .. ثم الإتصال بالعدو من جوّال المغترب .. بعدها تنكّر حسين بزيّ الدليفري ، وهو يشير بذات قلم الليزر على المنزل .. ليسارع العدو بإرسال طائرته الحربيّة .. بينما المغترب مُقيّداً بالداخل وهو منهار بالبكاء ، كلما زاد هدير الطائرة منه .. لتتناثر اشلاء الخائن مع شظايا المبنى المُهدّم ، ويصبح عبرة لكن من سوّلت نفسه خيانة الوطن !


هناك 5 تعليقات:

  1. ما اشبه احداث القصه بما يجري ..احيانا يكون وبالا وعقوبه لمن ظلم بالضم لما جری فيعبرا
    وكل لبيب ..احسنتم امل

    ردحذف
    الردود
    1. يقال ان اشارة الليزر استخدمت فعلاً من العملاء ، لقتل قادة الحزب بلبنان .. كما سمعت احد النازحين يبكي حزيناً على ماله الذي لم يحضره من المنزل ، ظناً بعودته اليه لاحقاً .. فخطر ببالي حسرة اللصوص على الأشياء الثمينة التي لم يكسبوها من المنازل المهدّمة .. سعيدة ان القصة اعجبنك ، استاذ عاصم

      حذف
  2. ما اكثر الخون يبعون انفسهم من اجل متاع دنيا زائفه وصلت لحد السيجاره
    ابدعتي بالقصه وهي واقعه الوقت الحالي ما اكثر من يدعون انهم معكم وهو خنجر بظهرك
    /////
    عن تكملة تعليق القصه السابقه جاك وجاكلين ثنائي الذهبي لاستاذه امل ظهرت شخصيتك الحقيقه فيها وحمد الله على سلاتك وجع الاسنان اصعب شيء الافضل خلع سن العقل لانه يؤلم بس وجع دقائق افضل من بقاءه واصعب شيء بالدنيا وجع الاسنان
    كما قلت لك انا اراك هكذا عمر ال40 هو بوابة بين زمن مضى الطفوله والباب ولكن يمثل النزول تفكيرك ال60 ماهو الا نضوج الافكار فانت كاتبه مرقوه ومحترفه
    وهانحن بانتظار قصة الاستاذه اسمى والله يحميكم ربي

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على كلامك الجميل .. نشرت قصة اختي ، اتمنى ان تعجبك

      حذف
  3. دائما العدوا يحاول صنع عملاء مرتزقة له من ضعاف النفوس لكن المرتزقة ينتهون عبيد المال.
    جميل اسلوب قتل ذلك الكلب

    ردحذف

الأدلة الجرمية

كتابة : امل شانوحة    مستودع الشرطة في مستودع مركز الشرطة بالعاصمة ، رُصّت صناديق بلاستيكيّة فيها ادوات استخدمت بجرائم قتل منذ بداية العام.....