الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

الحب الصعب

تأليف : امل شانوحة 

 

الرهينة البريئة


قبل تحريك سيارتها ، تفاجأت بقماشةٍ رطبة تُطبق على انفها من الخلف ! وقبل إغمائها ، شاهدت الخاطف المُقنّع من المقعد الخلفيّ لسيارتها


بعد قليل ، سمعت صوتاً يأمرها النزول من السيارة.. وبصعوبةٍ بالغة فتحت عينيها ، لترى المُقنّع المُسلّح يسحب ذراعها بعنف.. ولشعورها بالدوّار ، سقطت بقوّة على الأرض !

فتنهّد الخاطف بضيق : 

- اللعنة ! هذا ما كان ينقصني


وحملها مُرغماً الى منزلٍ يبدو بعيداً عن بقيّة المساكن (هذا ما لاحظته مع ضبابيّة الرؤية بسبب المخدّر) 

ثم رماها فوق فراشٍ بسيط في غرفةٍ فارغة ، وهو يقول :

- ستبقين هنا الى أن يُقرّر القائد مصيرك ، ايتها الخائنة

فقالت بدهشة وتعب : ماذا تقول ؟! من انت ؟ ومن قائدك ؟ انا لا افهم شيئاً!

- سأحبسك بالغرفة لحين وصوله من السفر 


ثم أقفل الباب عليها .. فحاولت الوقوف .. لكنها عادت للسقوط ، غائبةً عن الوعيّ فوق الفراش الصوفيّ !

***


في المساء ، شعرت بيدٍ تُبعد غرّتها عن وجهها بحنان ! لتلمح عيون الخاطف (من خلف قناعه) وهو يتأمّلها اثناء نومها.. فتكوّرت على نفسها ، بخوف :

- ماذا تريد مني ؟!

- لا تقلقي ، لن ألمسك كيّ لا أُغضب القائد

- من قائدك ؟ ولما أمرك بخطفي ؟!


لكنه لم يجيبها ، بل اكتفى بالإشارة لشطيرةٍ امامها مع قارورة ماء

- كلي عشائك.. وستجدين بزاوية غرفتك ، حمام صغير خاصٌ لك.. سأحسن ضيافتك ، رغم خيانتك للبلد

فقالت بدهشة : خيانتي للبلد ! ماذا تقصد ؟!

الخاطف : لا يحقّ لي قول المزيد

- رجاءً أخبرني بما يحصل !!


لكنه تجاهلها ، مُكملاً طريقه نحو باب الغرفة .. فنادته بنبرةٍ مُنكسرة:

- على الأقل دعني أتصل بأهلي ، لأخبرهم بأني نائمة عند صديقتي

الخاطف : هل انا مجنون لأعطيك جوّالك ، حتى تتصلي برؤسائك لقصف المكان

- عن ماذا تتحدث ؟! انا امرأة بسيطة ، ولا دخل لي بالعمليّات العسكريّة !

بعصبية : إخرسي !! ونامي بهدوء


وأقفل الباب من جديد ، وتركها مُحتارة مما سمعته !

***


واستمرّ الوضع عدّة ايام.. إعتاد فيها الخاطف وضع الطعام امامها ، والخروج من الغرفة دون التحدّث معها .. لهذا لم تتعرّف عليه (بقناعه السميك) والذي أصرّ على كتمان شخصيّة من أمره بخطفها! 


ومن وقتٍ لآخر .. شعرت بالخاطف يدخل غرفتها ، ليسرح بجمالها الناعم اثناء نومها ! وبدورها تظاهرت بالنوم ، خوفاً من إعتدائه عليها

***


وفي إحدى الليالي.. تنصتّت على الباب ، لسماع حديثه على الجوّال :

((الو .. سيد علي ، تأخّرت كثيراً بالعودة للبنان ! نعم أعرف بإغلاقهم المطار بعد الغارات الإسرائيليّة على الجنوب ، لكن ماذا بشأن حبيبتك ؟ أقصد طالما انت متأكّد من خيانتها للحزب ، فدعني أقتلها.. حسناً اهدأ سيدي .. لن ألمسها ، لحين إيجادك طريقة لأخذها من هنا.. تصل بالسلامة))


وأغلق الخاطف المكالمة ، وهو يتمّتم بضيق :

- ياله من رجلٍ عنيف ! مالذي جعلني اعمل لديه ؟! 

ثم اتصل بشخصٍ آخر :

((لن اسامحك ابداً !! فأنت ورّطتني مع السيد علي .. ما دخلي انا بخطف النساء ؟ انا قنّاصٌ محترف ، ولست حارساً لخطيبته الحسناء!!))


وهنا فهمت زينب جزءاً مما حصل ! وانتظرت إنهاء مكالمته ، لطرق باب غرفتها بقوّة ..

الخاطف بضيق : ماذا تريدين الآن ؟!

- رجاءً إفتح الباب ، اريد محادثتك بأمرٍ مهم


فلبس قناعه قبل فتحه القفل :

- ألم تتناولتي عشائك قبل قليل ؟ ماذا تريدين ايضاً ؟!!

- هل (علي المولى) هو من أمرك بخطفي ؟!

الخاطف بقلق : هل كنت تتنصتين عليّ ؟!

فردّت بعصبية : بماذا اتهمني اللعين ، بعد رفضي الزواج به ؟!!

- وكيف ترفضينه وهو من قادة الحزب المُهمّين ؟!

- لأنه عنيفٌ جداً ، وهناك شكوك من كونه عميلاً لإسرائيل


فضحك الخاطف ساخراً :

- أهو العميل ام انتِ ؟

- بالله عليك ..لما تجنّدني اسرائيل وانا لم أكمل تعليمي ، ولا دراية لي بالأمور التقنية او العسكريّة ، ولا أتقن لغة العدو ؟

الخاطف : لا علم لي بمن تكونين .. لكن طالما قائدي أخبرني انك خائنة للوطن ، فستبقين هنا حتى يفتحوا المطار .. وهو يتصرّف معك على طريقته

- الم تفهم انه ينتقم مني ، لرفضي له ؟ .. فأنا لا دخل لي بالتجسّس والعمالة ، صدّقني !!

- لن أصدّق حرفاً مما تقولينه


وقبل خروجه من الغرفة ، أمسكت ذراعه بقوة :

- رأيتك اكثر من مرة ، وانت تتأملني اثناء نومي .

فارتبك قائلاً :

- إيّاك إخبار السيد علي بذلك !

- أتدري ما سيفعله إن أمسك بي ؟ سيعتدي عليّ مراراً ، قبل قتلي .. هذا إن لم يستمتع بتعذيبي اولاً.. هل تقبل بتشويهه جمال الفتاة التي انت مُعجبٌ بها ؟


وقد هزّ كلامها كيانه ! لكنه اكتفى بالخروج السريع ، وإقفال الباب عليها من الخارج

فطرقت الباب بقوة ، وهي تقول :

- على الأقل تحقّق من براءتي ، كيّ لا تندم طوال حياتك !!!

^^^


ولم يستطع الخاطف النوم تلك الليلة ، وهو يتساءل في نفسه :

((أمعقول انه اتهمها ظلماً للإنتقام منها ؟ أيعقل ان يكون هو الخائن ؟! سأتحقّق من الأمر بسرّيةٍ مُطلقة .. لأني حقاً لا اريد لأحدٍ أن يلمسها ، حتى خطيبها السابق .. يبدو انني اغار عليها بالفعل !))

***


وخلال الإسبوع التالي .. بدأ تحقيقه في الملفات والمعلومات التي وصلت لإسرائيل ، والتي كانت السبب في اغتيالاتٍ متواصلة لقادة الحزب في الحرب الجارية على لبنان.. ليستنتج بأن معظم من استهدفهم العدو الفترة الماضية كانوا على عداوة مع علي الذي يبدو انه يختبئ بالغربة لحين انتهاء الحرب ! 


وظلّ الخاطف يبحث في مكتب قائده الى ان وجد قصاصات داخل آلة تمزيق الورق ، عبارة عن فاكس بلغةٍ عبريّة : لحوالةٍ ماليّة لعلي ، بعد إرساله معلومات عن ضحيّة قُتلت قبل يومٍ واحد من سفره ! حينها تأكّد من كلام زينب الذي عاد اليها .. لتتفاجأ بدخوله دون قناع هذه المرة !


الخاطف : معك حق ! علي هو الخائن ، وأراد توريطك بدلاً منه

زينب : هل صدّقتني الآن يا ..

- إسمي حسين .. إسمعيني جيداً يا زينب !! علينا الهرب فوراً ..فقد علمت قبل قليل أن علي تسلّل الى لبنان بحراً ، وهو في طريقه الى هنا

^^^


وأسرعت بركوب سيارة الخاطف المُظلّلة التي تنقّل بها في شوارع مظلمة ..قبل إيقافها بين الجبال !

زينب بقلق : اين نحن ذاهبان ؟!

حسين : سنكمل سيراً على الأقدام .. هيا إمسكي يدي ، فالطريق وعرة

^^^


وبعدها نزلا في إحدى الأنفاق السرّية للحزب ، حيث رُصّت الأسلحة والصواريخ على كلا الجنبيّن ! لذلك مشيا بحذر وهما يُضيئان كشّافاتهما اليدويّة .. الى أن وصلا للمقرٍّ في الأسفل ، مليئاً بالجنود المحاربين الذين تفاجأوا بوجودها بينهم !

فسأله القائد العسكري : من هذه يا حسين ؟!

- زوجتي

فنظرت زينب اليه بدهشة ! لكنها فهمت من نظرته ، انه يريد حمايتها من كتيبة الشباب المتواجدين هناك.. وأكمل قائلاً :

- آسف لإحضارها الى هنا ، لكنهم قصفوا بجانب منزلي وأردّت حمايتها

القائد : اذاً استخدما الغرفة الداخلية

حسين بامتنان : شكراً سيدي

^^^


وأدخلها الغرفة وهو يقول :

- إقفلي الباب على نفسك ، ولا تفتحي إلاّ لي.. فنحن سنمثّل امامهم اننا مُتزوجيّن

زينب بقلق : وهل ستنام معي بالغرفة ؟!

حسين : مُضّطر لذلك.. لكن لا تقلقي ، سأفترش الأرض بينما تنامين على السرير الحديديّ.. سنبقى هكذا الى ان أجد طريقة لتهريبك خارج البلاد.. المهم ان لا يعرف احد انك خطيبة علي ، وإلاّ سنقع في ورطةٍ كبيرة

***


وأمضت زينب هناك عدة ايام .. وهي تستمع لإطلاق الصواريخ من النفق ، مع تهليلات النصر كلما ضربوا مراكز مهمّة بإسرائيل ! 

بينما انشغل حسين باتصالاته الخاصة لتهريب زينب الى قبرص ، قبل عثور علي عليهما او نجاح اسرائيل بقصف النفق بمن فيه !

***


وبإحدى الليالي ، أيقظها حسين وهو يهمس لها :

- هيا بنا

زينب بقلق : الى اين ؟!

- سنسافر بحراً الى قبرص 

- ألن أودّع اهلي ؟

حسين مُنبّهاً : إيّاك الإتصال بأحد ، لحين تخلّصنا من الخائن علي الذي يبحث عني في كل مكان ، ليقتلني بعد تهريبك منه

***


وبالفعل وصلا الى قبرص بعد رحلةٍ بحريّةٍ طويلة.. واستأجرا بيتاً صغيراً ، كلاً لديه غرفته الخاصة 

***


وبعد اسبوع ، قالت له :

- لا يمكننا المتابعة هكذا

حسين : ماذا تقصدين ؟

- دعنا نتزوّج

بدهشة : أحقاً !

زينب : ربما ان عرف علي بزواجنا ، يتركنا وشأننا

- انا اعرفه اكثر منك ، لا شيء سيُهدّئ باله إلاّ قتلنا

- أفهم من ذلك انك ترفض فكرة زواجنا ؟!

حسين : لا طبعاً ! لنذهب الآن ، ونتزوّج مدنيّاً .. هيا بنا !!

***


وبعد الزواج .. ظلّ حسين متوتّراً ، حيث اعتاد مراقبة محيط منزله كل مساء .. الى ان اكتشف مُقنّعاً يحاول إجتياز الحديقة ! فسارع الخروج اليه ، وهو يشهر السلاح في وجهه..

المقنّع وهو يرفع يديه مُستسلماً :

- رجاءً لا تقتلني !!

حسين هامساً : إخفض صوتك ، لا اريد لزوجتي ان تستيقظ

- اذاً الإشاعة صحيحة ! لقد تزوّجت خطيبة قائدنا

فعرفه حسين من صوته :

- حيدر ! أهذا انت ؟! 

فأزال حيدر قناعه :

- هو يبحث عنك في كل مكان .. وينوي تعذيبك ببطء الى أن تتمنّى الموت ، حسب كلامه !

حسين : إسمعني جيداً .. سأعطيك كل الأدلّة على خيانته للوطن .. أريدك إيصالها للقادة العليا ، قبل ان يضحي بهم لإسرائيل

حيدر بصدمة : أحقاً ما تقول !

- نعم !! انت تعرف جدّيتي بالعمل ، وجميع المستندات معي.. تعال للداخل لأعطيها لك


وبالفعل اعطاه كل الدلائل .. وبدوره وعده حيدر بتوصيلها للمسؤولين بالحزب

***


في الصباح الباكر ، أخذ حسين زوجته الى المطار

زينب باكية : لا اريد السفر لإيران وحدي ، تعال معي

حسين : لديّ عملٌ مهم ، سأنهيه وألحقك.. قريبي ينتظرك بالمطار ، وهو سيوصلك الى منزلنا الجديد

- عدّني ان تبقى بخير

- أعدك حبيبتي

***


وعاد حسين الى لبنان بحراً بعد معرفته باختفاء علي ، عقب انكشاف امره ! فخطّط للنيل منه قبل قتله بقيّة قادة الحزب ، بالمعلومات التي يملكها عن الأنفاق السرّية


واتصل به قائلاً :

- اعرف رقمك السرّي يا علي .. وأريد إخبارك بأن زينب فتاةٌ رائعة ، لا تصدّق كم استمتعت معها بشهر العسل

علي غاضباً : يا حقير !! سأقتلك ببطءٍ شديد

- اذاً لا تكن جبان ، وتعال وحدك للعنوان التالي

^^^


وبالفعل وصل علي وحده ، وهو يشهر سلاحه نحو هضبةٍ مرتفعة في ليلةٍ معتمة ، رغم شرارات الإنفجارات فوق كل جزءٍ من اراضي الجنوب !

علي صارخاً : أخرج ايها الحقير !!

فظهر صوت حسين من خلف الهضبة : 

- إرمي سلاحك اولاً !! دعنا نتقاتل بالأيديّ ، رجلٌ لرجل !!

علي : حسناً لنفعل !! 

ورمى سلاحه جانباً ، ليظهر حسين من خلف الهضبة وهو يقول :

- لا أصدّق انك خسيس لدرجة اتهامك سيدة رقيقة كزينب بخيانتك ، ايها العميل المتواطئ ؟!

علي : انت لا تفهم شيئاً .. وجودي بأمريكا جعلني أكتشف خطة الدول العظمى بإنهاء الحزب تماماً من لبنان ، لهذا رغبت بالكسب الماليّ قبل موتهم جميعاً

حسين بقلق : هل أرسلت جميع المعلومات التي تعرفها لإسرائيل ؟

- ليس كلها .. بل ارسلت بعضها على دفعات ، للحصول على المزيد من المال

حسين : كنت اعلم انه ليس صعباً إستفزازك ، لاستخراج الإعتراف القذر منك .. (ثم صرخ بعلوّ صوته) .. إمسكوه يا شباب !!


وخرج جنود الحزب من خلف الهضبة ، وهو يشهرون السلاح ضدّ علي الذي انهار خوفاً :  

- لم أقصد خيانتكم ، صدّقوني !


لكنهم قيّدوه ، ووضعوه في جيبٍ عسكريّ .. باتجاه سجنهم بأحد الأنفاق ، لتعذيبه حتى الموت ! بينما توجّه حسين لسفينته ، للإبحار نحو قبرص .. ومنها للمطار للقاء زينب ، بعد قراره النهائي بالإبتعاد عن الأحزاب والطوائف ..والعمل بمهنته السابقة ككهربائي ، للإهتمام بزوجته الحامل بمولودهما الأول .


هناك تعليقان (2):

  1. حوار ممتاز وحبكه جديده .. قد يغدو فيلما يوما ما بعد تغير الوضع... هناك نقاط يصعب التعليق عليها للسلامه .. وهي واقع ويوما ما سيعرفون وتسقط الاصنام ..
    قديما قالوا ان الحب قد يفعل ويغير اي شيء
    فماذا لو كان كل الحكام والعسكر في العالم من النساء الحالمات ..اكان يختلف واقعنا وما نحن فيه الان من مجازر ودمار وخراب ..
    لن نعلم الجواب اظن ..
    احسنتي امل ..

    ردحذف
  2. كان اسم هذه القصة (حب تحت القصف) لكن الفيسبوك رفض هذا العنوان العنيف (برأيه) .. فغيّرته ل(الحب الصعب) .. اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف

طبيب الأسنان المشبوه

فكرة : اختي اسمى كتابة : امل شانوحة    جنّية الأسنان جلست سلمى على كرسي طبيب الأسنان وهي ترتجف رعباً ، فهي المرّة الأولى التي تخلع فيها سن ا...