الأربعاء، 6 مارس 2024

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة 

الطيّبة والشريرة


دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :  

- إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ..ودعّ نائبك يوقّع عقود البيع..

مقاطعاً بحزن : الألم ليس برأسي ، بل بقلبي

- مصابك كبير.. رحم الله زوجتك

فردّ بعصبية : كم كانت عنيدة !! أصرّت على قيادة السيارة بنفسها .. لوّ تركت سائقي يأخذها للسوق ذلك اليوم ، لما توفيّت وتركت ابني في غيبوبة منذ شهور

السكرتيرة : هل ستبقيه في المستشفى ؟

- لا ، أفكّر جديّاً بإعادته للمنزل

- اذاً تحتاج للممرّضة


جاك : سأبحث عن واحدة ..

السكرتيرة مقاطعة : إبنة اخي ممرّضةٌ جيدة ، وأختها التوأم مُدبّرة منزلٍ ممتازة .. وطالما خادمتك عادت لبلدها ، فالأفضل توظيفهما معاً.. فهوب (أمل) تهتم بالقصر ، وأختها جاكلين بإبنك الصغير

- هل لديها خبرة بتمريض الأطفال ؟

السكرتيرة بفخر : هي الأولى على دفعة المعهد ، ولديها الكثير من شهادات التقدير

- اذاً إرسليهما الى قصري بعد العصر

***


وبدأت الأختان العمل في قصره.. هوب تهتم بالطبخ وترتيب المنزل ، وجاكلين بالطفل الغائب عن الوعيّ منذ بداية السنة.. ولأن جاك رجلٌ ثريّ ووسيم ، فقد اثار اهتمام جاكلين التي تحلم دائماً بتحسين مستوى حياتها بسبب غرورها بجمالها اللافت ، بعكس أختها هوب ذات الجمال المتواضع (فهما توأمتان غير متشابهتيّن) 


ومع الوقت .. صارت جاكلين تهتم بتحضير قهوة جاك وتنسيق ملابسه وترتيب مكتبه بالقصر ، مُهملةً بذلك ابنه المريض

لهذا اضّطرت هوب لإمضاء الوقت مع الولد (8 سنوات) فور انهاء عملها .. مع تغيّر حفائضه وتحميمه من وقتٍ لآخر .. وهي التي تذكّر جاكلين بمواعيد تغيّر الأمصال ، كغذائه الوحيد.. كما أمضت العديد من الليالي بقراءة القصص له ، بعد تعلّقها بالصغير النائم

***


وذات يوم .. دخلت جاكلين الى غرفة الصبي ، لتجدها تحاول دغدغته وإضحاكه ! 

فقالت لها بلؤم : انت تضيعيّن وقتك مع هذا المعاق

وكانت هوب تمسك بيد الصغير الذي ضغط على اصابعها .. فعاتبت اختها:

- جاكلين !! لقد أزعجه كلامك

- هل تصدّقين فعلاً انه سيستعيد وعيه ؟ 

هوب : طبعاً !! فكل من كان بغيبوبة ، استيقظ يوماً ما 

- ربما بعد سنواتٍ طويلة .. وأنا لن انتظر كل هذه المدة

- ماذا تقصدين ؟!

جاكلين : حالياً أُخطّط للزواج من والده .. وأتمنى حينها ان يكون ميتاً ، فأنا لا اريد ابنه في حياتي


هوب بعصبية : لقد بالغتي في احلامك .. فحن موظفتيّن لدى السيد جاك ، ولا داعي لتُغرمي به !

- لا يهمّني موضوع العشق والغرام .. المهم أن اصبح سيدة القصر

- أهذه كل اهتماماتك بالحياة ؟!

جاكلين : وماذا يوجد اهم من المال والسلطة ؟

- حرامٌ عليك ..انت تهملين الصغير كثيراً ، وأحياناً تنسين وضع الأمصال..

مقاطعة بلؤم : اذاً ضعيها انت !!

هوب بضيق : انت تعلمين ان والدي لم يُكمل تعليمي ، مثلك..  

- لأنك تشبهين امي التي لا يحبها ، بينما أشبه عمّاتي الفاتنات

- عيبٌ عليك ان تتكلّمي هكذا عن امك المرحومة !

جاكلين : كانت ضعيفة الشخصيّة ، مثلك تماماً

- هل أصبحت طيبة القلب ضُعفاً هذه الأيام ؟!

- وغباءٌ ايضاً !! إهتمي انت بالصغير .. فعليّ التركيز على جمالي هذه الفترة ، لألفت نظر جاك إليّ


هوب بدهشة : جاك هكذا ، دون ألقاب !

- ولما لا ، فهو سيصبح زوجي قريباً .. وسأذكّرك بذلك ، يا غيّورة 

- انا لا اغار منك !! انت تتوهمين ذلك

جاكلين بغرور : بلى !! فلطالما كانت الأنظار مُصوّبةً نحوي .. لأني جميلة ومتعلّمة ، وانت فتاةٌ عاديّة لم تنهي مرحلة الثانوية

- لا يهم كل هذا ، المهم صفاء القلب والنيّة الحسنة ..

مقاطعة بسخرية : إبقي على مثاليات والدتك .. فطيبة قلبك لن تنفعك بشيء ، بل ستصبحين عانسٌ فقيرة .. آه ! هل سمعتي .. وصل حبيبي ، سأذهب لاستقباله


وبعد خروجها من الغرفة ، تمّتمت هوب بقلق :

((كان الله في عونك ، سيد جاك.. (ونظرت للصغير) ..وفي عونك انت ايها الملاك النائم ، في حال اصبحت زوجة والدك بالفعل !))

***


بمرور الأيام .. نجحت جاكلين بإثارة إعجاب جاك الذي ذهبت معه الى مطاعمٍ فاخرة ، بعد تمثيلها ببراعة : إهتمامها بإبنه وخوفها عليه!

لكنه مع ذلك اراد الإطمئنان اكثر قبل خطبتها ، فوضع كاميرا في غرفة ابنه دون علم الصبيتيّن..


ليجد ان هوب هي التي تهتم بالصغير معظم الوقت ! بينما جاكلين تدخل غرفته مُتأففة لتغيّر الأمصال ، بعد إلحاحٍ متواصل من اختها الحنونة ..


كما استمع لمشادةٍ كلاميّة بين الأختيّن :

جاكلين : انت تغارين مني !!

هوب بضيق : قلت لك الف مرة إن الأشياء التي تهمّك ، لا تهمني !!

- أتدرين يا توأمي اللعين !! عندما أتزوج جاك ، سأبقيك في قصري كخادمةٍ لي ولأولادي 

- أتعلمين شيئاً .. رغم اننا توأمتان ، إلاّ اننا لا نشبه بعضنا بشيء ! فأنت جميلة من الخارج ، وقبيحة من الداخل..

جاكلين مقاطعة بعصبية : هذا أفضل من قضاء حياتي ، كقبيحةٍ مثلك .. فالرجال الأثرياء لا يهمّهم طيبة قلب المرأة بقدر جمالها ، ليفاخر بها امام طبقته المخمليّة .. وقريباً جداً ، سترين خاتم خطبتي الإلماسيّ .. بينما انت منهمكة بتغيّر حفاضات الصبيّ القذر .. والآن سأذهب للتزيّن ، فقد قارب موعد عودة حبيبي من شركته


وبعد ذهابها .. سمع جاك (من خلال الكاميرا) هوب وهي تكلّم ابنه بعيونٍ دامعة :

- هيا يا صغيري .. دعني ارى عينيّك الجميلتيّن .. الم تشبع من النوم ايها الكسول ؟ الم تشتاق لزملائك في المدرسة ؟ أكيد لديك معلمة تفضّلها عن غيرها ، وهي قلقة عليك الآن .. ماذا عن والدك ؟ الم تشتاق الى حضنه ؟ هيا يا صغيري ، إفتح عينيك لترى خالتك هوب التي تهتم بك ، وتحبك كثيراً..  (ثم تنهّدت بشفقة).. كما تشاء ايها الوسيم ، لن اضغط عليك .. إن كنت تريدني ان اقرأ لك قصةً ثانية ، فاضغط على يديّ .. أحسنت يا بطل !! سأقرأ قصة اشتريتها خصيصاً لك .. 


فتساءل جاك باهتمام : ((هل فعلاً ضغط ابني على يدها ؟! إن فعل ذلك ، فهو تطوّرٌ جديد بحالته الصحيّة .. عليّ سؤال هوب عن حالته ، فور عودتي للمنزل)) 

***


وفور وصوله ، تجاهل جاكلين التي تنتظره عند باب القصر بكامل اناقتها .. وتوجّه مباشرةً لغرفة ابنه .. مما ضايقها كثيراً !


وعندما دخل .. وجد هوب تمسك يد ابنه وهي تقرأ القصة بحماس ، مع تغيرها للأصوات حسب الشخصيّات الكرتونيّة ! والتي تفاجأت بجاك يسألها باهتمام :

- هل فعلاً يتجاوب معك ؟! 

هوب بارتباك : نعم .. فالقصة التي تعجبه ، يشدّ بها على يدي .. فأضعها مع مجموعة القصص التي سأعيدها له لاحقاً 

وأشارت الى مكتبة ابنه .. فقال جاك باستغراب :

- لا اذكر انني اشتريت له كل هذه القصص !

هوب : أحضرتها له من مصروفي

جاك : ولماذا !

- لأني آمل ان تكون الدافع لإستيقاظه  

- وهل لديك امل بذلك ؟ 

هوب : أكيد !! لا يأس مع الحياة.. إن اردّت ، جرّب بنفسك .. لربما يتجاوب معك ايضاً


وجلس جاك بجانب سرير ابنه ، مُمسكاً بيده .. ثم همس في اذنه :

- اريد ان آخذ رأيك بشيء .. هل تريدني ان أخطب ممرّضتك جاكلين؟

فضغط الصبي على يده بقوة ، وهو عاقد الحاجبيّن !

فسألته هوب بدهشة : ماذا قلت له ؟! .. يبدو غاضباً ! 

فابتسم جاك : أظن اقتراحي لم يعجبه .. سأحاول من جديد


ثم همس في اذن ابنه :

- ام تفضّل زواجي بهوب التي تقرأ لك القصص ؟

فابتسم الصغير وهو مُغمض العينين !

جاك بصدمة : يا الهي ! انه يسمعني فعلاً 

هوب : نعم .. فأنا قرأت العديد من المقالات عن المرضى الذين استيقظوا بعد سنوات من غيبوبتهم ، والتي وصفوها بمنامٍ طويل .. كأنهم في فقّاعة صابون ، يسمعون كل شيءٍ حولهم .. ويميّزون الأشخاص الذين يدخلون غرفهم من خلال عطورهم .. حتى انهم يشعرون بمن يرغب بشفائهم ، ومن يتمنى موتهم من خلال طاقتهم السلبيّة والإيجابيّة اتجاههم ! 


وهنا تدخل جاكلين الغرفة :

- جاك .. لدينا حجز في المطعم ، أنسيت ؟!

فنظر اليها بدهشة لمناداتها إسمه هكذا ، فقالت بارتباك :

- آسفة سيد جاك ، لكني لا اريد التأخّر عن موعدنا 

جاك : كنت قلقاً على ابني ، لكن يبدو ان هوب تقوم بعملٍ جيد

جاكلين بلؤم : وما يدريها بالتمريض ؟ فهي مجرّد خادمة

جاك معاتباً : كيف تقولين ذلك عن اختك الوحيدة ؟!

جاكلين : هي لم تدرس التمريض ، وأفضّل عدم إقترابها من ابنك


جاك : ابني ليس بحاجة لممرّضة ، بل لأمٍ حنونة  

- لكن انا لديّ أم !

قالها الصغير بعد سماعه كلامهم .. فحضنه ابوه باكياً :

- حبيبي ! إستيقظت أخيراً

ابنه باستغراب : كنت نائماً يا ابي ، فلما كل هذه الدموع ؟!

جاك بقلق : أتستطيع تحريك يديّك وقدميّك ؟

فحرّك الصبي أطرافه ، وهو يقول :

- نعم ابي ! مالذي حصل ؟ .. وأين امي ؟!


فقالت جاكلين بلؤم ، بعد ضيقها من تعافي الصبي الذي لا تريد تحمّل مسؤوليته : 

- امك ماتت !!

الولد بصدمة : ماذا !

وانهار باكياً .. فصرخ جاك بوجه جاكلين :

- هل جننت !! أهكذا تخبرين الصبي بالأمر ؟!!

فأجابت بلا مبالاة : هو سيعلم بكل الأحوال

جاك بغضبٍ شديد : انت مطرودة !!

جاكلين بصدمة : ماذا ! لا .. ابنك بحاجةٍ لي ، فأنا اعرف حالته الصحيّة ..

جاك مقاطعاً : هو ليس بحاجة لإنسانة عديمة الرحمة مثلك !! 


فنظرت بغيظ لأختها هوب :

- ماذا فعلتي ؟!! كيف جعلته يكرهني بهذه السرعة ؟!

فأجاب جاك : اختك لا دخل لها بالموضوع

وأشار لكاميرا الغرفة ، وهو يقول :

- لقد شاهدت كل شيء : وقاحتك مع اختك ، وقساوتك بالتعامل مع ابني اثناء مرضه .. والآن أخرجي من منزلي !!

جاكلين بغرور : أتظنني سأتوسّل للبقاء معك ؟ فأنا بسهولة يمكنني إيجاد غيرك .. لأني فاتنة ، والجميع يتمنّاني .. انت تكفيك هذه الخادمة الجاهلة!!

وخرجت من القصر ، وهي تتوعّد اختها بالإنتقام !

***


وبمرور الوقت ، تعلّق جاك وابنه بهوب الطيبة .. 

وذات يوم ، وعند إحضار ابنه من المدرسة .. سأله بالسيارة : 

- ما رأيك لوّ تعيش هوب معنا للأبد ؟

ابنه بسعادة : نعم ابي !! فأنا احبها كثيراً

- اذاً دعنا نختار خاتم الخطوبة ، لمفاجأتها الليلة بطلب يدها

***


وفي الوقت الذي كانت تعيش فيه هوب اجمل ايامها مع زوجها الحنون وابنه ..كانت جاكلين متورّطة مع ثريٍّ عجوز ، هو زعيم أكبر عصابة مخدرات بالبلد .. لكن هذا لم يهمّها بسبب إسرافه بتدليلها ، دون علمها بأن حياتها ستتحوّل لجحيم عندما تقرّر العصابة المنافسة الإنتقام منه بخطفها .. وكل هذا بسبب غرورها وطمعها الذي أخسرها اختها الوحيدة ! وقريباً جداً ، حياتها بأسوء طرق التعذيب المؤلمة             


الأحد، 3 مارس 2024

الجريمة المثاليّة

فكرة : الأستاذ عاصم
كتابة : امل شانوحة

 

القاتل الغامض !


كانت القضيّة غامضة لدرجة انهم استدعوا أفضل محقّقٍ بالمنطقة ، بعد إيجادهم جثة شابٍ مطعون في حوض الإستحمام .. والغريب إن حمامه كان مقفلاً من الداخل ! حيث اضّطرت الشرطة لكسر الباب ، بعد انزعاج الجيران من رائحة تحلّل جثته.. 

ولم يكن مُنتحراً بقطع شراينه بل مطعوناً بعدّة اجزاءٍ من جسمه ، دون عثورهم على اداة الجريمة بالقرب منه ! كما لا أثر للدماء في بقيّة الشقة ، مما يؤكّد ان الطعن حصل بالحمام الضيّق الذي لا يمكن لأحد الإختباء به .. فكيف حصلت الجريمة ؟!


ولم يكن امام المحقّق إلاّ السؤال عن القتيل الذي يبدو انه سكن المنطقة منذ عام دون أن يكون لديه صداقات ، حتى علاقته بالجيران سطحيّة .. ومع ذلك شهدت جارته برؤيته يدخل شقته اكثر من مرة برفقة سيدة تكبره سناً.. 

فهل قتلته عشيقته ؟ .. الأمر مشكوكٌ فيه ، لأنه يبدو انه قاوم قاتله بكل قوته.. وحسب اقوال جارته : فالسيدة هزيلة الجسم ، بينما هو رياضيّ .. اذاً لابد أن قاتله رجلٌ قويّ البنيّة. .فهل له علاقة بعشيقته التي خانته ؟ ام هو قوّادها ، ام احد اقاربها ؟ ام ان القاتل شخصٌ آخر لا علاقة له بحبيبة القتيل التي لا أثر لها ، رغم انتشار خبر الجريمة بكل المنطقة ! 


وحسب اقوال الشاهدة الوحيدة : أن عشيقته زارته قبل اسبوع من انبعاث رائحة تحلّل الجثة الكريهة ، مما يؤكّد انها آخر من شاهدته حيّاً .. دون علم أحد بمن تكون ، كأنها قدمت من حيٍّ بعيد ! 

***


لاحقاً انتشرت اشاعة : إن شقة المغدور مسكونة ، وأنه قُتل بواسطة الجن والعفاريت التي اقتحمت حمامه المُغلق ! لكن هذا الكلام لم يقنع المحقّق ، خاصة موت القتيل بملابسه ، رغم وجوده بحوض الإستحمام .. وهذا يدل ان قاتله أدخله الى هناك عنّوة ، لطعنه حتى الموت .. ربما لعدم رغبته بإثارة الفوضى بالشقة ، واضّطراره لمسح الأدلّة.. كما يبدو ان القاتل حرص على لبس ثيابٍ سميكة ، غطّى بها كل جسمه .. لعثورهم على بقايا صوف تحت اظافر القتيل الذي حاول جرح قاتله ، للحصول على عيّنة (DNA) تُستخدم لاحقاً في المختبر ! وهذا يدلّ انه قُتل عن سبق إصرار وترصّد ، بعد أخذ القاتل احتياطاته بعدم ترك أثرٍ خلفه بمسرح الجريمة! 


كما لا وجود لدعسة طينٍ هناك ، رغم ان الجريمة حصلت في اسبوعٍ ماطر .. وكأنه قبل اقتحامه الشقة ، لبس مطاطاً فوق حذائه.. فمن ذلك الشخص الذي خطّط لجريمةٍ مثاليّة ؟! هل هو عدوٌّ سابق للقتيل ؟ ام شخصٌ مهووس بالأفلام البوليسيّة ؟!

***


مرّ شهر دون عثور المحقّق على دليلٍ واحد يُرشده للقاتل الغامض ! وأوشك على تقيّد القضيّة ضدّ مجهول .. 


وفي ليلتهم الأخيرة بمسرح الجريمة .. إجتمع المحقّق مع افراد الشرطة ورئيس مركزه اسفل المبنى ، بعد قيامهم بإغلاق الشقة بالشمع الأحمر بعد فشلهم بحلّ الّلغز.. 


واثناء انشغال المحقّق مع الشرطة بإبعاد الناس المتجمّهرة هناك .. إقتربت عجوز (تسكن في المبنى المقابل ، للمبنى الذي وقعت فيه الجريمة) من رئيس مركز الشرطة وهي تحمل ببغائها ، وتشير نحو شخصٍ بعيد وهي تقول :

- رأيت ذلك الرجل يتشاجر مع القتيل في الشارع 

فقال رئيس الشرطة :

- انت مخطئة يا خالة ..فالشخص الذي تشيرين اليه ، هو المحقّق بالقضيّة

العجوز : انا اقول الحقيقة ..رأيته يصعد خلف الشاب الى العمارة ، غاضباً .. وبعد اقل من ساعة ، نزل وهو يزيل القفّازين عن يديه والمطّاط البلاستيكيّ عن حذائه .. وإن كنت لا تصدقني .. فببغائي كان معي وحفظ جملة من شجارهما ، وهو يردّدها دائماً..

ثم نظرت للطيّر :

- هيا كوكي !! قلّ جملة الرجل الغاضب من جديد

فقال الببغاء : ((إبتعد عن زوجتي ، ايها الغريب الحقير !!))

وكان بصوت المحقّق الذي ما أن سمع الببغاء ، حتى حاول الهرب بسيارته .. قبل أن يأمر رئيسه بنقله لمركز الشرطة ، وسط دهشة الجميع ! 

***


وهناك اعترف بشكّه بزوجته ، بعد اهتمامها الزائد بنفسها بالأونة الأخيرة .. فراقبها ليجدها تخرج من شقة الشاب بملابس أخرى ، مؤكّدةً خيانتها ! 

فخطّط جيداً للجريمة.. ثم انتظر الشاب بالشارع ، وهدّده بترك زوجته .. لكن الشاب ردّ بحقارة : بأنه يهتم بها ، اثناء انشغاله بالعمل ! 


فلم يكن امامه إلاّ تنفيذ خطة الإنتقام .. حيث لم يتوقع الشاب ان يصعد خلفه ، ويرنّ جرس منزله !

وما ان فتح الباب .. حتى سارع المحقّق بخنقه ، وشدّه بقوّة باتجاه الحمام .. ليقوم بطعنه بحوض الإستحمام حتى الموت.. 


ثم وضع مفتاحاً صغيراً ، بدل المفتاح الأصليّ لباب الحمام الذي أغلقه من الخارج بمفتاحٍ خاص بالشرطة التي لم تنتبه على استبداله المفاتيح ! 


وكان متأكداً ان لا احد سيحلّ الّلغز ، خاصة بعد تدميره للأدلّة الباقية دون شعور فريق المختبر الجنائي بذلك : كتمزيقه صورة زوجته مع عشيقها التي وجدها بدرج غرفة النوم .. كما إعادته المفتاح الأصليّ ، بعد خلعهم باب الحمام .. 


لكن لسخرية القدر : إستدعاه رئيسه للتحقيق بجريمته التي كادت تكون مثاليّة ، لولا أن فضحته العجوز الفضوليّة باللحظة الأخيرة !


فسأله رئيس المركز الذي حقّق معه بنفسه :

- انت تعمل معنا منذ عشرين سنة ، وكشفت عشرات الجرائم الغامضة .. فلما ضيّعت مستقبلك هكذا ؟!

المحقّق بقهر : لا تحكم عليّ .. فلوّ عرفت بخيانة زوجتك ، لفعلت الشيء ذاته .. فلا شيء يؤلم أكثر من غدر ، أعزّ الناس اليك !

الرئيس : آه صحيح ! ماذا فعلت بزوجتك ؟ هل واجهتها بفعلتها ؟

فالتزم المحقّق الصمت..

الرئيس بعصبية : تكلّم !! ماذا فعلت بها ؟!

لكنه لم يجيب !

الرئيس : انا اعرف رقم منزلك

واتصل مراراً ، دون جواب !

الرئيس بقلق : هل قتلتها ايضاً ؟!

المحقّق : هذه المرة لن اساهم بحلّ لغزّ اختفائها..

وابتسم بخبث !


الجمعة، 1 مارس 2024

الوحش الدخانيّ

تأليف : امل شانوحة 

المعمل المشبوه


أُفتتح مصنعٌ وسط مدينةٍ صغيرة لا يديريه صاحبه إلاّ مساءً ، مُزعجاً السكّان المئة بدخانه الأسود الذي يكتم الأنفاس ، مما أجبرهم على غلق النوافذ وإضاءة المراوح رغم النسيم العليل بالخارج!


وفي إحدى الليالي .. خرجت أخت وأخوها الى الشرفة وهما يراقبان الدخان الأسود المُتصاعد باتجاه شقةٍ علويّة للمبنى المجاور.. 

فتساءلت الأخت بقلق : الا تلاحظ إن المالك العجوز لم يعد يخرج للشرفة ، كعادته كل مساء ؟!

الأخ : علينا الإطمئنان عليه ، لربما مات اختناقاً من الدخان ..فهو الأكثر تضرّراً من بين المباني المحيطة بالمعمل .. آه لحظة ! هل تري شيئاً يتحرّك بالشرفة ؟!

- كأن أحدهم يلوّح لنا !

- يبدو أن العجوز فقد وعيه هناك ، ويحتاج لمساعدةٍ عاجلة


وقبل خروجهما من شرفة منزلهما ، بنيّة التوجّه للمبنى المجاور لإنقاذ الجار .. شاهدا تحوّل الدخان الأسود الى وحشٍ ضخم ، بنصف إنسان ووجهٍ مخيف وذراعيّن ضخميّن ، حمل العجوز المُحتضر .. ثم ابتلعه ، ليزداد كثافة دخانه ! 


وقبل ان يستوعب الأخان ما شاهداه ! لمحهما الوحش الأسود الذي انطلق باتجاه شرفتهما .. فأسرعا للداخل ، وأغلقا الباب الزجاجيّ.. لترطم يد الدخان العملاقة بالباب ، ويتراجع للخلف .. ليعود كدخانٍ عاديّ يتصاعد من المعمل !

***


في اليوم التالي ، لم يصدّق الأهالي ما قاله الأخويّن .. لكنهم شعروا بالقلق لعدم عثورهم على العجوز داخل شقته ، بعد كسرهم الباب الذي كان مقفلاً بإحكام من الداخل !


ولم يكن امام الأخويّن إلاّ الإستعانة بجارهم المصوّر الذي سهر معهما تلك الليلة على شرفة منزلهما ، وهو يحمل كاميرته بصورها التلقائيّة (المميزة بزمن السبعينات)


ولم تكن إلاّ لحظات .. حتى شاهدوا الوحش الدخانيّ يتكوّن من جديد ، فور خروج ابن الجيران الى شرفة الشقة السفليّة للعجوز المفقود .. ليحصل الشيء ذاته ، بعد ابتلاع الوحش للصغير !

***


وفي الصباح .. إنتشر الخبر بأرجاء المدينة الصغيرة ، بعد رؤيتهم للصور المفزعة ! وتجمّع الشباب الغاضبين امام باب المعمل ، بعد منع الحارسان دخولهم اليه .. فانتظروا صاحب المعمل الذي وافق على إغلاقه لعدة ايام ، لحين هدوء غضبهم .. دون انزعاجه من صور الوحش المخيف !

***


باليوم الثالث ، أدار معمله آخر الليل بعد نوم الأهالي .. ليسارع الوحش الدخانيّ بدخول منزل المصوّر الذي نسيّ إغلاق نافذة غرفته .. وكاد يبتلعه ، قبل صراخه بعلوّ صوته مُهدّداً :

- وزّعت صورك على الجميع !! حتى لوّ قتلتني ، سيفضحونك انت وسيدك


وسرعان ما تبدّد الوحش ، ليعود كدخانٍ يتصاعد بشكلٍ عادي فوق المعمل الذي رفض صاحبه إطلاع الأهالي على نوعيّة المواد المُصنّعة داخله ! خصوصاً ان عمّاله الأفارقة يتحدثون بلغةٍ غريبة .. اما حارسا المعمل ، فممنوعا من التواصل مع الأهالي ، وكأن ما يحصل داخل المعمل يرعبهما بشدة !


وقد علم صاحب المعمل بما حصل مع المصوّر ، بعد مواجهته غضباً مضاعفاً من الجيران المستائين على هجوم الوحش على جارهم ، وتهديدهم بإيصال الأمر لإدارة العاصمة .. لهذا إضّطر لإغلاق معمله نهائيّاً .. وفتحه لاحقاً في صحراءٍ بعيدة عن المدن السكانيّة..

***


ومضت شهور لم تحدث مشكلة بالمعمل.. الى ان تجمّع الدخان كوحشٍ عملاق ، أضعاف الوحش السابق ! مُتصاعداً باتجاه السماء ، ليتحوّل لغيمةٍ سوداء توجّهت مباشرةً فوق العاصمة ..وهي تُنذر بمقتل الآلاف ، دون معرفة أحد بالسرّ المرعب الذي يُخفيه صاحب المعمل المشبوه ! 


العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...