تأليف : امل شانوحة
الصُدفة الغريبة !
اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي :
- امي !! امي !! لما تركتنا ورحلتي ؟!
وحضنتها بقوّة وهي منهارة بالبكاء ! قبل ظهور والد الطفلة ، وهو يعتذر منها .. وآثار الصدمة والتعجّب ظاهرة في عينيّه :
- آسف لما فعلته ابنتي .. لكنك حقاً ، تُشبهين زوجتي كثيراً !
السيدة : واين هي الآن ؟
فأجاب بحزن : توفيّت قبل شهريّن
فصرخت ابنته ، وهي مازالت تحتضن السيدة :
- ابي ، لا تقلّ هذا !! امي بخير ، الا تراني أحتضنها ؟!
فربتتّ السيدة على ظهرها بحنان ، وهي تقول للأب بشفقة :
- يبدو انها تفتقد امها كثيراً !
الأب بقهر : وانا ايضاً اشتقت لزوجتي
السيدة : هل حقاً أشبهها لهذه الدرجة ؟!
الأب : كأنك هي ! وخاصة لمعة عينيّك .. ليتني لم أحذف صوّرها قبل ايام ، لأريتك إحداها .. لكني فعلت في محاولة لنسيانها ومتابعة حياتي .. وهاهو القدر يجمعني بتوأمتها ! .. (ثم تلفّت حوله) .. أعتذر منك ! لا اريد التسبّب لكِ بمشاكل مع زوجك
السيدة بخجل : لست متزوّجة
فلم يستطع إخفاء ابتسامته :
- أحقاً ! أقصد..
فقاطعته : لا تسرح بخيالك ، أنا اكبر منك
- وكم عمرك ؟
- ٤٦
- وانا قاربت الخمسين
السيدة باستغراب : مستحيل ! تبدو بالثلاثينات
الرجل بارتباك : وكذلك انتِ ! بصراحة لا ادري كيف أفاتحك بالموضوع.. لكني مهندسٌ مدنيّ ، وشقتي مُجهّزة بكل شيء .. فهل يمكننا.. أقصد لأجلها
وأشار لإبنته التي ترفض الإبتعاد عنها !
السيدة بابتسامة : حسناً فهمت
وأعطته رقم أخيها ، وهي تقول بخجل :
- يمكنك الإتصال به ، ومفاتحته بالموضوع.. لربما هناك نصيبٌ بيننا!
الرجل بسعادة : ان شاء الله ، يحصل قريباً .. أشعر بذلك من كل قلبي
وشدّ ذراع ابنته ، للإبتعاد عنها :
- هيا أتركيها تُكمل تسوّقها ..ودعينا نُحاسب عن أغراضنا
الفتاة وهي تمسح دموعها : لا !! لن أترك امي.. دعها تذهب معنا
فانحنى نحو ابنته ، وهو ينظر للسيدة :
- من يدري .. ربما في المرة القادمة ، تأتي معنا للتسوّق لمنزلنا
وغمز السيدة بغزل .. فمسحت السيدة رأس ابنته بابتسامةٍ خجولة .. ثم جرّت عربتها مُبتعدة ، وهي تشكر الله بإعطائها املٍ للزواج بسنّ العنوسة!
قائلةً في نفسها ، بارتياح :
((اخيراً فُرجت ، بعد طول انتظار !))
***
خارح السوبرماركت .. وقفت بانتظار سيارة اجرة ، لتُفأجأ بسيارة الرجل تقف امامها :
- يمكنني إيصالك الى منزلك
فردّت بحياء : صعبٌ جداً .. لا اريد للجيران ان يرونني برفقة رجلٍ غريب
ففتحت ابنته الباب ، وهو تقول بحماس :
- رجاءً امي ، إركبي معنا !!
الأب : لا تقلقي ، سأتوقف بعيداً عن عمارتك .. فأنا بحاجة لمعرفة عنوانك ليوم خطوبتنا
ورغم شعورها بأنه تصرّفٌ غير لائق ، لكنها وافقت بعد إلحاحّ الصغيرة على الركوب بجانبها (بالمقاعد الخلفيّة)
^^^
وفي الطريق .. أعطتها شوكولا
السيدة : لا اريد ، شكراً لك
فردّت الفتاة بضيق : لكنها المُفضلّة لديكِ !
فنظر والدها من مرآته الأماميّة ، وهو يقول :
- هذا صحيح ، فأمها تعشق هذا النوع من الشوكولا
فقالت السيدة في نفسها : ((الصغيرة ترغب بشدّة ان أُشابه امها بكل شيء!))
الأب : رجاءً ، تناولي ولوّ لقمةً واحدة .. فأنا اعرف ابنتي جيداً ، عنيدةٌ للغاية
الفتاة بإصرار : إنظري امي ، إشتريت واحدة لي ايضاً .. دعينا نأكلها معاً ، كما نفعل دائماً !!
وتناولت الفتاة شوكولاتتها بسعادة .. فلم تجد السيدة مانعاً من تذوّق بعضها
***
في المساء .. فتحت السيدة عينيّها بصعوبة ، وهي تشعر بدوّارٍ وألمٍ فظيعيّن !
ثم نظرت حولها بعيونٍ زائغة ، لتجد نفسها بغرفة عمليّات .. وهي مستلقيّة على بطنها فوق سريرٍ طبّي !
وحين لمست مصدر الألم ، وجدت لصقةً طبيّة كبيرة على الجزء السفليّ من ظهرها!
ولم تفهم ما جرى ! قبل دخول الأب الى غرفتها الشبه مُعتمة ، وهو يقول بضيق :
- هآ انتِ إستيقظتي اخيراً .. بعد طووووول انتظار
فتذكّرت قولها الجملة نفسها ، بمعنى مختلف !
وسألته بقلقٍ وتعب :
- ماذا حصل ؟! .. كنت توصلني الى منزلي ، فأين انا الآن ؟!
فردّ الأب : خطفتكِ بعد تذوّقكِ الشوكولا المُخدّرة
- ماذا ! ولماذا خطفتني ؟!
- الا تعرفين ثمن الكليّة بالسوق السوداء ؟
السيدة بصدمة : يا لعين !! هل انت من تجّار الأعضاء البشريّة ؟!
- لا تقلقي ، لستِ الضحيّة الوحيدة .. فقبلك 27 سيدة لقينّ المصير ذاته ..فأنا استخدم وسامتي للإيقاع بالعانسات البائسات امثالك.. وعلى فكرة ، عمري 35 سنة فقط ..
- وكيف تورّط ابنتك بتجارتك القذرة ؟!
- ومن قال انها ابنتي ؟
ثم نادها.. فدخلت الصغيرة وهي تُدخّن السيجار..
السيدة بدهشة : كيف تسمح بتدخينها بهذا العمر ؟!
فردّت الفتاة بلؤم : لا تحدّثيني كأني طفلة ، أنا اكبر منك سنّاً
- ماذا !
فردّ الرجل : صحيح ، هي قاربت الستين من عمرها.. وتُعدّ اهم زعماء تجّار الأعضاء في البلد .. وانا احد رجالها المُخلصين
السيدة : أتقصد انها تعاني من ذلك المرض ؟!
الفتاة بضيق : هو مرض يشبه التقزُّم ، دون تشوهات جسديّة .. فقد وقف نموي بعمر العاشرة .. ففكّرت باستغلال إعاقتي للكسب الماليّ.. واخترت أوسم رجال عصابتي ، للإيقاع بالسيدات اليائسات امثالك
السيدة : وكيف عرفتما انني عزباء ؟!
الرجل : مئة دولار لحارس مبنى ، او لخادمة منزل كفيلة بمعرفة اسرار المنطقة بأكملها ! لهذا نختار السيدات اللآتي تجاوزنّ سن الزواج ، للإيقاع بهن .. بشرط ان يكنّ فقراء او من الطبقة المتوسطة .. فهذه الحيلة لا تنتطلي على السيدات الثريّات
السيدة بعصبية : ستنالا جزائكما ، اعدكما بذلك !!
وحاولت النزول من السرير ، وهي تشعر بألمٍ شديد ..
الشاب : ماذا تظني نفسك فاعلة ؟!
ثم نظر لزعيمته ساخراً :
- تعتقد اننا سندعها تذهب بعد معرفتها بوكّرنا ، الموجود بأحد الأنفاق الارضيّة المهجورة
السيدة بعصبية : أخذتما كليّتي ! ماذا تريدان بعد ؟!!
الشاب بلؤم : قرنيّة عينيك الزرقاوتيّن ، ورئتك ، وكبدك..
وأكملت الفتاة بخبث : والأهم من ذلك !! قلبك البريء الطيّب ..لكننا بدأنا بأسهل الأعضاء .. وتركناك تستيقظين من المخدّر ، لتفضيلي شرح ما حصل للضحايا قبل إنتقالهنّ للعالم الآخر .. يعني يمكنكِ القول : لإراحة ضميري
ثم نادت الجرّاح ، الذي دخل الغرفة ومعه ابرة المخدّر ..
الفتاة : هيا قمّ بواجبك !!
فتوجّه نحو السيدة التي حاولت الهرب منه ، لكنه تمكّن من غرز الإبرة في ذراعها
وقبل استسلامها لمصيرها المشؤوم .. إقتربت الفتاة منها ، وقبّلت رأسها :
- سأشتاق اليك ، يا ماما الحبيبة
وكان هذا آخر ما سمعته ، مُتزامناً مع ضحكاتهم الساخرة .. قبل ان تنام نومتها الأبديّة !