الثلاثاء، 15 يوليو 2025

لقب بلا حقوق

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

غدر الورثة 


في ليلةٍ باردة ، إستيقظت صبيّة (عشرينيّة) في مكانٍ غريب ! لتجد سائقها الستينيّ (المتوظّف حديثاً بالقصر) يُقدّم لها الطعام .. فسألته عن مكان تواجدها ؟ وسبب خطفه لها ؟! 

وقبل ان يُجيبها ، سمع صوت سيارة تقف خارج منزله .. فأسرع بتكميم فمها ، وإنزالها بالقوّة الى قبوّ منزله .. وأمرها بعدم إصدار صوت ، مُهدّداً بقتلها !


وعندما سمعت صوت أخيها الكبير في الخارج .. حاولت الصراخ ، لكنها توقفت بعد سماع سؤاله للخاطف : إن كان قتلها ؟!

فأكّد السائق إتمامه المهمّة ! 

فسأل اخوها : وكيف اتأكّد من موتها ؟

الخاطف : يمكنك نبش قبرها الذي حفرته حديثاً في مقبرة القرية 

اخوها : لا !! يكفي ان تُحضر ملابسها المُلطّخة بالدماء ، ليتأكّد اخوايّ بتخلّصي منها 


وكان هذا الحوار ، صدمة حياتها ! فهي لديها ثلاثة إخوة كبار من والدها الذي تزوّج امها كزوجةٍ ثانية .. وبعد وفاته ، كتب كل املاكه لها 


وفي هذا الصباح ، كانت في طريقها الى المحامي لتقسيم الميراث بشكلٍ عادل بينها وبين إخوانها الذين خطّطوا مع سائق العائلة بخطفها لخارج المدينة وقتلها ، لحصولهم على الميراث !


ليختم اخوها اتفاقه ، بالقول :

- لن تحصل على مال الا بعد تقديم دليل موتها غداً ، وهذا قراري النهائي !!


ثم صوت محرّك سيارته يبتعد عن المكان ، ليتبعه خطوات الخاطف وهو ينزل اليها ! والذي فتح باب القبو وهو يحمل سكيناً كبيراً :

- سمعتِ بنفسكِ إتفاقي مع اخيك .. احتاج ملابسك المُلّطخة بالدماء للحصول على المال


ولم تستطع الصراخ بسبب الرباط القماشيّ حول فمها ، بعد فشلها بفكّ الحبل عن يديّها وقدميها المُقيّدين بالكرسيّ الحديديّ في ذلك القبوّ المُعتم ! 

***


بعد انتهاء عزائها ، وتردّد إخوانها على مكتب المحامي للإسراع بتقسيم الورثة بينهم .. بدأت احداثٌ غريبة تحصل في منازلهم ! كسماع احدهم لقهّقهتها المميزة خلف نافذة غرفة نومه ! والآخر إشتمّ عطرها النفّاذ على ملابسه ، والتي كادت تُسبّب طلاقه من زوجته .. والثالث وجد صوراً فوتوغرافيّة تجمعه بأخته في طفولتهما ، مُتناثرة فوق سريره ! 


بعدها صاروا يتلقّون رسائل نصيّة من جوالها الذي دُفن معها (حسب كلام الخاطف) والتي تلومهم على قتلهم لها ، وهي تذكّرهم بمحبّتها وعطفها عليهم قبل وفاة والدهم! 

***


قبل نهاية الشهر .. إجتمع الإخوة الثلاثة في قصر والدهم الذي اصبح خالياً بعد مقتل اختهم (التي توفيّت امها اثناء ولادتها) لمناقشة الأحداث الغريبة التي حصلت معهم  


الأخ الأكبر بعصبيّة : لابد ان السائق حصل على جوال اختنا الذي يُرسل منه ، لابتزازنا بمزيدٍ من المال !!

الأخ الأوسط : لكن الرسالة التي وصلتني تُذكّرني باعتنائها بي ، بعد كسر قدمي قبل سنوات .. فكيف لسائق وظّفته انت (الأخ الكبير) قبل شهرين ، من معرفة ذلك ؟!

الأخ الصغير : وانا وجدّت صور طفولتنا على سريري ، وهي من تحتفظ بهم ! أتظنونها حيّة ؟!

الكبير : مستحيل !! فالخاطف أحضر ملابسها الملوّثة بالدماء ! 

الصغير مُعاتباً : كان عليك نبش قبرها بنفسك !!

الكبير بعصبية : ومن لديه الجرأة للذهاب لمقبرة القرية مساءً ، لحفر القبور!!  

الوسطاني : كان الأصحّ لوّ قتلناها بأنفسنا .. لا ادري لما وكّلنا سائقها بذلك!

الكبير : أتريد توريطنا بجريمة قتل ؟! خاصة ان معظم شوارع مدينتنا مزوّدة بالكاميرات

الصغير : معه حق .. اساساً تعمّدنا حضور عرس قريبنا ، ليكون حجّة غيابنا اثناء خطفها ! 


فتمّتم الكبير بندم : كان عليّ تسميمها ، كما فعلت مع ابي

الأخ الصغير بصدمة : ماذا قلت ؟! هل انت من قتلت والدنا ؟!

فالتزم الكبير الصمت .. فتوجّه الصغير بسؤال اخيه الوسطانيّ :

- هل كنت تعلم بذلك ؟!

الوسطاني : اثناء غيابك ، أخبرنا عن نيّته بكتابة املاكه لإبنته بعد حصولها على منحةٍ دراسيّة بالطبّ ! وعندما خطّط اخي لتسميم طعامه ، لم أعترض .. لأنه برأيّ ظلمنا بحرماننا من الميراث

الصغير معاتباً : لا اصدّق ما اسمعه ! هو لم يحرمنا من شيء .. وكان رحيماً معنا.. 

الكبير مقاطعاً بغضب : تتكلّم وكأنك ملاك !! لا تنسى انك شريكنا بقتل اختنا 

الصغير : انت اخبرتني أن السائق الجديد عرض عليك خطفها لقريته ، بعد قراءته مقالاً عن خسارة ثروّتنا بسببها.. وبعدها أخبرتماني بموتها ! ظننت في البداية انكم ستخيفانها فقط ، للتنازل عن حقوقها 

الوسطاني : لا داعي لمناقشة الماضي .. المهم الآن ، ان نستعجل بتقسيم الميراث بيننا  


وانتهى الإجتماع باتفاقهم على الذهاب لمكتب المحامي ، في ظهر اليوم التالي 

***


الا انه في الصباح الباكر ، تفاجأ الأخ الأكبر والأوسط باقتيادهما لمركز الشرطة بعد حصول المحقّق على تسجيلٍ صوتيّ لهما (اثناء تواجدهما بقصر الوالد) يكشف إعترافهما بقتل اختهما الوحيدة لأجل الميراث ! بالإضافة لجريمة الأخ الكبير بتسميم والده !


فسأل المحقّق الأخ الكبير : هل تنكر إعترافك بالتسجيل الصوتي ؟

فأجاب غاضباً : لا ! لكن اخي الصغير حذف كلامه الذي يُثبت تورّطه معنا بجريمة اختنا 

المحقق : وماذا عنك ؟

الوسطاني : اخي الصغير الماكر ، تخلّص منا بعد تسجيله إعترافنا سرّاً .. وكما قلت بالتحقيق .. اخي الكبير هو من خطّط ، للتخلّص من ابي.. وهو الذي اتفق مع السائق على قتل اختي 

المحقق : لكنك لم تعترض ؟

الوسطاني : ردّة فعلي مُشابهة لأخي الصغير 

المحقق : للأسف لا نملك دليلاً ضدّ اخيكما الصغير على تورّطه بالجريمتيّن .. اما السائق فقد بحثنا عنه في السجلّات المدنيّة ، ويبدو ان اسمه الذي توظّف به مزوّراً .. اما كوخه بالقرية ، فكان خالياً ! 

الأخ الكبير : وماذا سيحصل لنا ؟

المحقق : ستعرفان بالمحكمة 

***


في يوم المحاكمة .. تمّ إعفاء الأخ الصغير من العقوبة ، بعد كشفه الجريمة (عقب تقديمه التسجيل المُدين لأخويّه) 

اما الأخ الأكبر : فصدر الحكم بالسجن عشر سنوات على قتله والده ، مع الشروع بقتل اخته ! 

بينما حُوكم الوسطاني بسنةٍ فقط ، لتستّره على جريمة تسميم طعام ابيه .. اما جريمتهما بحق اختهما ، فسقطت بعد تنازلها عن حقها بمقاضتهما !


وكان قدوم الأخت الى المحكمة ، صدمة للإخوة الثلاثة ! التي نجحت بإقناع الخاطف بالتغاضي عن قتلها ، مقابل جائزةٍ ماليّة ! 

***


بعد خروجها من المحكمة ، وجدت السائق بانتظارها .. فدخلت سيارته ، مُعاتبة :

- الم تحصل على مكافأتك على مساعدتي بتخويفهم ؟ لم اتيت الى هنا ؟ إن رآك اخي الصغير ، سيبلّغ الشرطة عن تورّطك بخطفي السابق 

السائق : لأن عملي معكِ لم ينتهي بعد

وفاجأها بوضع قماشة المخدّر على انفها ، لتسقط مغشيّة عليها في سيارته !

***


إستيقظت مساءً في كوخٍ بالقرية ، لتجد سائقها يشاهد التلفاز 

- لما خطفتني مجدداً ؟! أتطمع بمزيدٍ من المال ؟! واين انا الآن؟

السائق : هذا بيتي الحقيقي ، غير الكوخ الذي استأجرته بالقرية المجاورة لإتمام اتفاقي مع اخيك الكبير

- وماذا تريد مني ؟

- اريد ان أُريك الحقيقة 

ووضع شريط فيديو قديم ، لتظهر امها على التلفاز !

الصبية بصدمة : كيف حصلت على فيديو لأمي التي توفيّت اثناء ولادتي؟! 

السائق : هي ستخبرك بنفسها 


وكانت الأم (في الفيديو) منهارة بالبكاء ، وهي تناشد شخصاً ان يسامحها على تخلّيها عن حبه ، بعد إعترافها بحملها إبنته !

وبعد انتهاء الفيديو ، قالت الصبيّة بصدمة :

- لم افهم شيئاً ! من ذلك الشخص الذي تحدّثت امي عنه ؟

السائق بحزن : هذا انا .. فقد غيّرت اسمي قبل العمل لديكم 

الصبية بدهشة : هل كنت حبيب امي ؟!

- امك من قريتي .. وقد أحببنا بعضنا منذ الطفولة .. لكن والدك اللعين عاد من المدينة ثريّاً .. وأغرق اهلها بالهدايا ، حتى وافقوا على تزويجها له .. رغم علم اهالي القرية بعلاقتي الوطيدة معها .. ومع ذلك انتقلت معه للمدينة ، دون ان تخبرني بحملها مني


الصبية بقلق : أتقصد انني ابنتك ؟!

- نعم .. ووصلني هذا الفيديو بشهرها التاسع ، كأنها تعلم بموتها اثناء ولادتك .. لكني بالسنوات الماضية لم اجرؤ على المطالبة بك ، لأنك عشتي بقصرٍ فخم ، وتعلّمتي بأفضل المدارس .. وانا لا استطيع توفير الرفاهيّة لك 

فصرخت الصبيّة بعصبية : ومالذي تغيّر الآن ؟!!

- عندما رأيت صورتك بالصحيفة ، إهتزّ كياني لشبهك الكبير بأمك .. وبعد قراءتي المقال : عن غضب إخوتك بعد خسارة ثروّة والدهم ، علمت انهم سيخطّطون للقضاء عليك .. فتقدّمت لأخيك الأكبر بوظيفة سائق .. بل انا من اقترحت عليه خطفك ، كيّ أحميك منهم .. 


ثم رمى ظرف المال التي قدمته له ، امامها :

- انا لا اريد مالك يا ابنتي .. اريد فقط ان تعيشي معي ، لما تبقى من عمري .. فأنا كبرت بالسن ، وأحتاج من يؤنس وحدتي 

الصبيّة بعصبية : لن اصدّق ما قلته ، حتى أُجري فحص DNA

- كنت اتوقع ذلك .. وانا مستعد للذهاب معك غداً للمشفى ، لإجراء كل الفحوصات اللازمة

^^^


وبعد ايام ، ظهرت النتيجة مُربكة .. فهو لم يكن والدها فحسب ، بل هناك قرابة تجمعه بأبيها الحقيقي ! 

ليخبرها : بأنه ابن عمه .. وبذلك لن تضّطر لتغيير لقبها ، فالثريّ ايضاً من اهالي قريته

^^^


ووصل الخبر لأخاها الأصغر الذي سارع برفع قضيّة إبطال استحقاقها الميراث ، مُستندًا على نتائج الحمض النووي الذي يُثبت أنها ليست ابنة والده شرعاً.. 


وبالفعل خسرت ميراث والدها الثريّ ، مع إحتفاظها بلقب العائلة !

***


وقبل تركها المدينة ، زارت قبر والديّها المُتجاوريّن .. قائلةً لأمها :

- انت لم تخوني زوجك ، بل هو حرمك حبيبك الفقير .. لهذا اسامحك 


ثم قالت لوالدها الثريّ :

- جيد انك توفيّت قبل معرفتك بأن ابنتك المُدلّلة ، ليست من نسلك .. اشكرك على كل اهتمامك ومحبّتك لي ، واعتنائك بدراستي .. لن انساك ابداً .. لكن عليّ العودة لأبي الحقيقي ، فهو بحاجة اليّ 


وقبل خروجها من المقبرة ، إلتقت بأخيها الصغير الذي قدم لزيارة قبر والده .. 

مشهدٌ صامت ، لا عتاب ولا كلام ! كأن اعينهما تستذكرا طفولتهما ومراهقتهما معاً ، فهو يكبرها بسنتيّن فقط .. لكنها بالنهاية ، ليست من عائلته !

وأمضى كلاً في طريقه ، كأن حياتهما السابقة مُجرّد وهمٍ كبير ! 

***


وبعد عوّدتها للقرية .. قرّرت تحويل منحتها الدراسيّة الى الطبّ البيطري ، لمساعدة المزارعين والرعاة في قريتها الفقيرة ..

ورغم تدهوّر حالتها الماديّة ..الا ان الأهالي استقبلوها بحفاوة ، لحبهم الشديد لأمها 


ولم يمضي وقت .. حتى تعوّدت على حياتها الريفيّة ، بعد زواجها من طبيب عيادتهم الذي خطف قلبها بجمال شكله وأخلاقه العالية .. ليكون تعويضاً إلهياً عن كل خيباتها الماضية !  


الجمعة، 11 يوليو 2025

مسابقة الثقة

كتابة : امل شانوحة

الأقنعة المزيّفة


دخل دكتورٌ جديد الى قاعة علم النفس ، وهو يقول للطلّاب :

- سأدرّسكم مادةً إختياريّة ، ستزيد من علاماتكم النهائيّة .. بدايةً عليكم إخراج اوراقاً بيضاء ، يمكنكم تركها فارغة إن لم تشعروا برغبة للمشاركة بتجربةٍ أكاديميّة ، عبارة عن مسابقةٍ ميدانيّة .. كل ما عليكم فعله ، هو كتابة إسميّن من زملائكم : احدهما صديقكم المقرّب ، والآخر تعتبرونه عدوّاً !


فلم يشارك بالمسابقة سوى 12 طالباً .. والذي أخبرهم بنهاية المحاضرة : أن يأتوا للجامعة ليلاً ، في يوم العطلة !

***


في ليلةٍ باردة ، بملعب كرة السلّة بأنواره الخافتة .. وصل الدكتور ومعه حقيبة جلديّة ، وهو يقول ل 12 طالباً :

- أحسنتم !! أتيتم على الموعد 

فسأله احدهم : لا يوجد بالجامعة سوى حارسها ، الذي أدخلنا بناءً على طلبك .. فما موضوع المسابقة ؟!

ففتح الدكتور حقيبته .. ليشهقوا برعب ، بعد رؤيتهم ل 8 مسدسات !


ولم يكتفي الدكتور بذلك ، بل وزّعها عليهم .. بينما أوقف الطلبة الأربعة (الذين لم يحصلوا على السلاح) بالطرف الآخر من الصالة!


الدكتور : سأراقبكم من الغرفة العلويّة للملعب ، بينما تحدّدون مصير زملائكم الأربعة (طالبتان وطالبان) 


إحدى الطالبتيّن بقلق : لم افهم شيئاً ! لما جعلتنا في مواجهة لأسلحتهم ؟! وهل هي مسدسات حقيقيّة ؟!

فأجابها الدكتور بحزم : 

- كل مسدس يحوي رصاصةً واحدة حقيقيّة .. وأنا سأتكفّل بدفن جثثكم الأربعة ، في حال قرّر زملائكم الثمانية القضاء عليكم .. ليس هذا فحسب ، بل سيحصلون على درجةٍ جيدة بمادتي ، بالإضافة لجائزة عشرة آلاف دولار .. كل ما عليهم فعله هو الإختيار بين القتل او الإنقاذ  


ثم نظر للطلّاب الثمانية الذين أمسكوا المسدسات بأيدٍ مُرتجفة :

- كل واحدٍ منكم يُعتبر الصديق المُقرّب لإحدى الضحايا ، اما الآخر فهو العدوّ الذي يكرهونه .. وعلى الضحايا الأربعة إستمالة قلوبكم ، لإقناعكم بعدم قتلهم خلال نصف ساعةٍ فقط .. والتي تبدأ الآن !!


وظهر العدّ العكسي على شاشة الملعب ! بينما أكمل الدكتور كلامه :

- المسابقة عبارة عن إمتحان الثقة .. يعني هل سيقتلك صديقك ام عدوك ؟ سنعرف الإجابة قريباً 


ثم نظر للضحايا الأربعة :

- ابدأوا بإقناعهم بعدم قتلكم ، فالوقت يمضي سريعاً .. بالتوفيق للجميع !!

وخرج من الصالة ، تاركاً الطلّاب في ارتباكٍ كبير !

^^^


اول الضحايا كان اريك الذي توجّه لصديقه بالكلام :

- انت صديقي منذ مرحلة المتوسطة .. وتعرف جيداً انني دخلت علم النفس لأكون بجانبك ، رغم ان علاماتي كانت تؤهّلني لدراسة الهندسة .. فقط لأنني أُقدّر صداقتنا لست سنوات .. كبرنا معاً ، وتشاركنا همومنا وأحزاننا .. لعبنا ودرسنا سوياً .. والبارحة فقط ، كنا نخطّط المشاركة بالبحث القادم .. هل سأهون عليك يا صديقي ؟

ثم وجّه كلامه لعدوه :

- انا آسف على كل شيء .. رفضّت صداقتك منذ البداية.. ولم أعطك فرصة للتعرّف عليك .. وهذا ذنبي .. رجاءً إقبل اعتذاري

فقال العدوّ وهو مازال يوجّه سلاحه نحو اريك ، بابتسامةٍ لئيمة :

- غريب كيف تعطيك الحياة فرصة للإنتقام !

^^^


وجاء دوّر الضحيّة الثانية ، وهي ديانا التي قالت لصديقتها باستغراب :

- أمازال السلاح بيدك ؟! الم تكوني تخافين الدماء والجرائم ؟! 

لكن صديقتها التزمت الصمت ، وهي مازالت تُمسك السلاح بيدٍ مرتجفة ! لتُجيبها العدوّة :

- لطالما رفضتِ صداقتي يا ديانا ، لكن هذه التجربة ستغيّر رأيك بي 

^^^


ثم تكلّم الضحية الثالثة : جاك .. قائلاً لصديقه :

- لا ادري ما سأقوله لك ، فأنت تعرفني جيداً.. ولوّ كنت مكانك ، لما تردّدت ابداً برميّ سلاحي.. لكن القدر جعل مصيري بين يديك ، يا صديقي!

ليجيب عدوه :

- جاك !! هل يمكنك الوثوق بي ، حتى لوّ كنا خصميّن منذ يومنا الأول بالجامعة ؟!

^^^  


ثم جاء دوّر الضحيّة الرابعة : جاكلين التي قالت لصديقتها بذهول :

- لا أصدّق انك توجّهين المسدس نحوي ، وكأننا غريبتان !

فقالت عدوّتها بحنق :

- مازلت لليوم أتذكّر تنمّرك عليّ في مرحلة الإبتدائية .. وشاءت الأقدار ان نجتمع بذات الإختصاص ، ليكون مصيرك اليوم بين يدايّ! 

*** 


ومرّت الدقائق بسرعة ، والأصدقاء والأعداء مازالوا مُتردّدين بأخذ القرار .. بينما الضحايا الأربعة يرتجفون خوفاً ..

لينتفض الجميع بعد سماع صوت الدكتور من الميكرفون يقول :

- مازال امامكم دقيقتان فقط لإنهاء المسابقة .. على الضحايا الأربعة إسترحام زملائهم للمرة الأخيرة !!


وهنا تبدّد الإرتباك .. لا مجال للإنهيار النفسي .. يجب ضبط النفس !! فالجميع بموقفٍ مُحرج ، حيث يتصارع العقل والقلب مع ضيق الوقت ! 

^^^


فبدأ اريك بالكلام مع صديقه بعيونٍ دامعة :

- فقط تذكّر يا صديقي كل لحظاتنا الجميلة معاً .. ومصيري بالنهاية ، يعود لك

ثم قال لعدوّه :

- ظلمتك برفض صداقتك دون مبرّر .. لا اطلب السماح ، فقط فرصة للنجاة

فردّ عدوّه بقسوة :

- تأخّرت كثيراً بالإعتذار

^^^


وجاء دوّر ديانا التي قالت لصديقتها :

- انت أخبرتني مراراً انني في مقام اختك .. وقد فعلت كل شيء لتقويّة صداقتنا ..الآن جاء دوّرك لإثبات صدق نيّتك اتجاهي

ثم قالت لعدوّتها :

- أعدك ان تغاضيتِ عن أذيّتي ، ان أُعيد التفكير بصداقتنا

^^^ 


ثم تكلّم جاك مع صديقه :

- هذا امتحانٌ قاسي لصداقتنا ، فاثبت أنك جديرٌ بالثقة 

ثم قال لعدوّه :

- صحيح انك لا تعرفني جيداً .. لكن هل حقاً ستلوّث يديّك بالدم لأجل مسابقةٍ نفسيّة ؟!

^^^


اما جاكلين فقالت لصديقتها :

- إن كنتِ ترين انني لا استحق الموت ، فاخفضي سلاحك رجاءً!! 

ثم قالت لعدوّتها :

- أعتذر عن كل شيء .. وأعدك ان نكون صديقتيّن مُقرّبتين إن لم تقتليني الآن

فضحكت عدوّتها بسخرية :

- كم انا سعيدة بخضوعك الذليل امامي ، ايتها المغرورة المُتغطرسة 

***


ثم أغمض الضحايا الأربعة اعينهم ، وقلوبهم تلهج بالدعاء .. اثناء قيام الدكتور بالعدّ التنازلي :

- 5 ..4..3..2..


وقبل نطقه الرقم الأخير ، إنطلقت اربع رصاصاتٍ فقط ! قبل انطفاء الصالة ، ليظهر صوت انفاس المشاركين الثقيلة ..


وعندما اضيئت الصالة من جديد .. رأوا الدكتور في الملعب وهو يضع قطراتٍ من دوائه ، اسفل انوف القتلى الثلاثة (اريك وديانا وجاكلين) .. بينما جاك يقف مرتجفاً ، بعد نجاته من المسابقة الدمويّة! 


وبعد دقائق .. إستيقظ الضحايا الثلاثة ، وسط دهشة زملائهم ! 

ليقول الدكتور :

- الرصاصات لم تكن حقيقيّة ، لكنها كشفت نواياكم المُبطنة !! هل تظنونني مُجرماً لإرتكاب جريمةٍ في ملعب الجامعة ؟! هي رصاصات تُشبه إبر المخدّر المؤقتة

 

ثم حاول الضحايا الثلاثة الوقوف مُترنّحين عقب استيقاظهم من المخدّر ، بعد ان تركت الرصاصات المطاطيّة إحمراراً على جباههم وقمصانهم (جهة القلب) !


ثم بدأ الدكتور بتحليل ما حصل ، قائلاً لجاك :

- انت الوحيد الذي نجوّت من الرصاص ، بعد ان اختار صديقك وعدوّك كسر قواعد مسابقتي !.. فهنيئاً لك !!

ثم قال لإريك :

- يبدو اختياراتك بالحياة صحيحة ! فصديقك لم يطلق النار عليك ، بعكس عدوّك 

وقال ديانا :

- اما انت !! فحصل الأمر بشكلٍ عكسيّ ! صديقتك أطلقت النار عليك ، بينما فضّلت عدوّتك ترك السلاح !

ثم قال لجاكلين :

- للأسف ، انت اسوأهنّ حظاً .. فكلا صديقتك وعدوّتك قرّرتا قتلك ! عليك إعادة التفكير بشروط الصداقة لديك 


ثم قال للجميع :

- الجائزة لم تكن ماليّة ، بل الوعيّ الجديد لمفهوم الحياة .. فبعد هذه التجربة ، ستعيدون تعريف المبادئ في نفوسكم .. (ثم نظر للثمانية الذين يملكون السلاح) .. ضعوا اسلحتكم هنا ، وعودوا الى بيوتكم !! 

ثم قال للضحايا الأربعة :

- اما انتم !! فعليكم الكتابة بدفتري عن ملخّص تجربتكم القاسية لهذه الليلة ، والتي سأضمّها الى كتابي الجديد 


وخرج الثمانية وهم يشعرون بالإحراج من زملائهم الأربعة الذين انشغلوا بكتابة التالي بدفتر استاذهم ..  

اريك :

((انا سعيد بصديقي الذي لم يخذلني ابداً .. اما عدوّي ، فسأكون اكثر حرصاً منه))


بينما كتبت ديانا :

((لا أصدّق إن عدوّتي رفضت ايذائي ، بعكس صديقتي التي حتماً سأفسخ علاقتي بها بعد هذه التجربة .. بينما سأتقرّب اكثر من عدوّتي التي أثبتتّ حسن نواياها اتجاهي ، وبسببها سأعيد تعريفي لمعنى الصداقة))


بينما كتب جاك :

((رغم قساوة التجربة الا انني سعيد بأن كلا صديقي وعدوّي إختارا العدالة على الظلم .. انا فخورٌ بكلاهما))


اما جاكلين فكتبت بعيونٍ دامعة :

((فقدّتُ ثقتي بكل الناس بعد هذه التجربة المريرة ، فكلا صديقتي وعدوّتي قرّرتا قتلي ! سأكون اكثر حرصاً باختياراتي المستقبليّة))

***


لاحقاً .. نُشر كتاب الدكتور الجديد التي سرد فيه احداث مسابقته النفسيّة .. والتي ختمها بالقول :

((الطبّ النفسي لا يعالج فقط العقد الماضية ، بل يكشف النوايا الحقيقيّة خلف الأقنعة المزيّفة ..مسابقتي كانت حرباً بين العقل والقلب .. الضمير والخيانة .. الصداقة والعداوة .. ورغم أهميّة تجربتي الا انها لن تُدرّس بالمناهج ! لكنها ستُخلّد في وعيّ من عاشها ، ولآخر يومٍ في حياتهم !))  


الثلاثاء، 8 يوليو 2025

الحب البريء

تأليف : امل شانوحة 

الحب الطفوليّ


في الموعد المحدّد .. إجتمع 24 شاب وصبيّة (بين الثلاثين والعشرين عاماً) داخل صالة فيها شاشة كبيرة ، بعد تلبيّتهم دعوة حصلوا عليها من مصدرٍ مجهول !

دون فهم الحضور سبب إصرار مُرسل البطاقة على حضورهم بكامل اناقتهم ومعهم صورهم بمرحلة الروضة ، ايّ بعمر الخمس سنوات !


كما كان مكتوباً ببطاقة الدعوة : رقمٌ محدّد لكراسيهم ! بحيث يجلس كل شاب بجانب صبيّة لا يعرفها  

وقبل التحدّث فيما بينهم ، انطفأت الأنوار .. وعُرض شريط فيديو ، يبدو انه صوّر على مدى سنوات داخل صفوف الروضة !


حيث ركّز المصوّر على ثنائيّات كل صفّ (ولد وبنت) اللذيّن كانا واضحاً الإنجذاب القويّ بينهما.. حتى انهما بكيا في كل مرة حاولت فيها المعلمة إبعادهما عن بعض 


ففي بعض الفيديوهات ظهر الولد اكثر تعلّقاً بصديقته .. بينما في فيديوهاتٍ أخرى ظهر العكس : حيث كان جليّاً غيرة الفتيات من زميلاتهنّ اللآتي حاولن التقرّب من احبّائهن ، بمقاطع لطيفة للغاية !


وبعدها ظهرت امرأة عجوز على الشاشة ، وهي تقول :

- ربما لا تتذكّرونني ، لكني علّمتكم جميعاً في مرحلة الروضة .. وكنت أصوّر كل طفليّن أحبّا بعضهما في صفوفي .. مع كتابة جميع المعلومات عنهما في دفتر مذكّراتي : كأسمائهما الكاملة وعناوين منازلهما ووظائف والديهما .. لا ادري لما فعلت ذلك طوال مسيرتي المهنيّة ! ربما لأنه لم يتسنّى لي الشعور بالحب ، بعد إمضاء عمري في التعليم .. لهذا كان يُفرحني رؤية اطفالٍ وجدوا توأم روحهم بعمرٍ صغير .. (ثم سكتت قليلاً).. أتدرون ان بعض الأولاد الذين ظهروا بالفيديو ، هو انتم ؟


فشهق الجمهور بدهشة ، وهم يتلفّتون حولهم بارتباك ! خصوصاً للشخص الذي يجلس بجانبه .. لتكمل المعلمة قولها :

- نعم !! كما تلاحظون ، تعمّدت وجود فراغات بين كل ثنائيين .. فكل شاب يجلس الآن امام صديقته المُقرّبة في الروضة.. صحيح انكم اقل عدداً من الأطفال الذين ظهروا بالفيديو .. ذلك لأنني قبل دعوتكم ، قمت ببحثٍ شامل عن جميع تلاميذي العاشقين ، لأجد ان معظمهم تزوّج من شخصٍ آخر غير حبيبته بالروضة .. اما انتم !! فقد تأكّدت قبل حضوركم ، بأنكم عزّاب او مُطلقيّن .. لهذا لا مانع من لقائكم بحبّكم القديم .. سأدعكم الآن تتعرّفون على بعضكم من جديد ، بعد ان فرّقتكم الدنيا لسنواتٍ طويلة


وانطفأت الشاشة مع اضاءة الصالة .. ليقوم كل شاب بعرض صوره وهو صغير على الصبيّة التي تجلس امامه .. 


وماهي الا دقائق ، حتى استردّوا بعضاً من ذكرياتهم القديمة .. لتمتلأ الصالة بالضحكات العفويّة ، والإبتسامات الخجولة .. 

ولم ينتهي اللقاء ، الا بتبادل أرقام جوّالاتهم  

***


خلال الأشهر التالية ، حصلت المعلمة على الكثير من البطاقات لحضور اعراس من جمعتهم بتلك الصالة .. مع رسالة شكر على تذكيرهم بحبهم الأول .. 


وبالفعل حضرت اعراسهم بعد ان أهدتهم مقاطع الفيديو القديمة ، ليشاركوها مع اطفالهم مستقبلاً 


وعادت الى منزلها وهي سعيدة بإثبات نظريّتها : أن الحب الأصدق بحياة الإنسان ، هو حب الطفولة ! 


الأحد، 6 يوليو 2025

الوسيط الخفي

تأليف مُشترك بين : الأستاذ عاصم وامل شانوحة 

الراقي والمسحورة


في مساء ، إحدى القرى الشعبيّة .. إقتربت سيدة من زوجها وهي تقول :  

- بعد قليل سيأتي المُعالج لرؤية لمى 

 الأب بضيق : تقصدين شيخاً من اولئك الدجّالين النصابين ؟

الأم : هي ابنتنا الوحيده ، وسنفعل ما يلزم لعودتها الى طبيعتها .. ثم هذا ذنبك !! فأنت من ارسلتها للغربة ، لتعود الينا كقوطيّةٍ مُلحدة !

- بعد تخرّجها من الثانوية بعلاماتٍ متفوّقة ، أردّتها ان تصبح طبيبة القرية .. ما يُدريني أن اخلاقها ستفسد هكذا ؟!

- لن نتجادل من جديد .. فالراقي على وشك القدوم 

الأب باستهزاء : حتماً سيفشل ، كما فشل الشيوخ الأربعة قبله 


وقبل إكمال كلامه ، طُرق باب منزلهم .. وكان الراقي في الأربعين من عمره .. يرتدي قميصاً ابيضاً وبنطال جينز ، وليس ثوباً فضّفاضاً كبقيّة الشيوخ ! والذي سارع بسحب نفسٍ أخير من سيجارته ، قبل رميها خارج المنزل وهو يلقي التحيّة على الوالديّن !


الأم باستغراب : هل انت شيخ.. 

مقاطعاً : لست شيخاً ، بل مُعالج روحاني ونفسي وسلوكي.. لكن الناس تظنني راقياً دينياً.. ولا بأس في ذلك ، فأحياناً أستخدم القرآن بجلسات علاجي  

الأب : لن نتحدث عند الباب ، من فضلك تفضّل !! 

وجلسوا جميعاً في الصالة .. 


المعالج : اودّ سماع حكاية ابنتكما قبل رؤيتها ؟ 

الأب وهو يشعر بالندم : كلّه بسببي.. فقد ارسلتها الى اميركا لدراسة الطب ، لتعود بعد اربع سنوات .. وكأن صدمتنا برسوبها لا يكفي ! فقد أصبحت فتاةً شقيّة ، تُناقض إبنتنا السابقة بكل شيء 

المعالج : إشرح اكثر ، لوّ سمحت 

فأكملت الأم وهي تتنهّد بضيق : 

- يعني غاضبة طوال الوقت ، وألفاظها بذيئة .. وتصرّ على سماع موسيقى صاخبة ، بكلماتٍ غير مفهومة ! حتى انها وشمت جسدها ، وثقبت وجهها بالحلق الرخيص .. وتتعمّد اللون الأسود في طلاء أظافرها وملابسها الضيّقة .. كما تفاجأنا قبل ايام ، بأعقاب السجائر وقوارير الخمر اسفل سريرها .. مما أجبرنا على حبسها في غرفتها ، كيّ لا ينتشر صيتها السيء في قريتنا المُحافظة ! 


الأب : وقد أحضرنا قبلك رقاةً محترفين .. احدهم قال انها محسودة بعينٍ قوية .. والأخر رجّح انه مسّ من جني عاشق .. والثالث أكّد انه سحرٌ اسود من إحدى الأقارب الحقودين !

الأم بحزن : ورغم إختلافهم في تحديد مشكلتها ، الا انهم اتفقوا بأن علاجها صعب  

المعالج : وهل هي بغرفتها الآن ؟

الأم : هي تنام نهاراً ، وتسهر طوال الليل.. وأظنها مشغولة بجوالها الآن 

المعالج : هل يمكنكِ إحضار حبلٍ سميك ؟

الأب بقلق : هل ستقيّدها ، كما فعل احد الشيوخ ؟ 

الأم : حتى ان احدهم جلدها ، بحجّة طرده للشيطان الذي يتلبّسها ! 

المعالج : الحبل هو لمنع هربها من العلاج ، فأنا لا استخدم العنف مع مرضايّ .. المهم ان اراها لوحدي .. فهل هناك مشكلة بذلك ؟

الأب : لا ، سنكون بالصالة ان احتجت لشيء 

^^^


ثم دخل المعالج غرفتها ، وقفل الباب خلفه .. مما أفزع لمى التي شتمه بلفظٍ بذيء لعدم استئذانه اولاً .. لكنه فاجأها بوضع كرسي قرب سريرها ، وإشعال سيجارته بهدوء .. 

لمى غاضبة : من انت ايها الحيوان ؟!! وماذا تفعل في غرفتي ؟!! 

- انا الذي سيربّيك من جديد

لمى باستهزاء : لم اسمعك ، أعدّ ما قلته !

- انا المعالج الذي سيؤدّبك ، ويُرشدك للطريق المستقيم .. لتعودي الى  طبيعتك ، وتكفّي عن تعذيب اهلك 

- لا يبدو من مظهرك انك تمتّ لدين بِصلة ! فأنا لم ارى شيخاً يُدخّن ويلبس الجينز من قبل ! هل انت شيخ مودرن او ما شابه ؟!

المعالج : لا تهمّني المُسمّيات..ومن فضلك اعتدلي في جلستك .. والأفضل ان ترتدي شيئاً مُحتشماً

- وهل تجد صعوبة في غضّ بصرك ؟ ام تخشى على نفسك الإنحراف ؟ 

- لنقلّ انك مستفزّة فحسب ..هيا نفّذي ما قلته دون جدال  !!


فقهّقت لمى ساخرة ، وهي تتمطّى بإغراء على سريرها :

- ما رأيك لوّ البس النقاب لأجلك ؟

المعالج : لا داعي لذلك .. تكفي عباءة واسعة وغطاء رأس ، فوق بيجامتك القصيرة

لمى بلؤم : ولما عليّ تنفيذ كلامك من الأساس ؟ فيمكنني بسهولة الصراخ بعلوّ صوتي ، لجعل كل من يسمعني يظن بك السوء 

المعالج : يبدو استخدمتي هذا التهديد مع الرقاة السابقين ، لتركك وشأنك .. لكني هنا لمساعدتك ، فلا تعتبريني عدوّك 


ثم أخرج فلاشة من جيبه ، ووضعها في جهاز اللابتوب الخاص بها:

- رجاءً أضيئي حاسوبك ، لرؤية مقطعٍ مهم 

فقامت مُتثاقلة نحو مكتبها ، قائلةً باستهزاء : 

- حسناً لنرى أيّ الأفلام يُشاهد شيخنا الموقّر 


وبمجرد فتحها الفلاشة ، إرتفع صوت سورة البقرة في ارجاء غرفتها .. فأغلقت أُذنيها بعصبية ، وهي تحاول إخراج الفلاشة من حاسوبها 

ولتوقعه ردّة فعلها .. سحبها من خاصرتها ، ورماها فوق السرير .. ثم استخدم الحبل لربطها جيداً ، وهي تصرخ بعلوّ صوتها .. لكن والداها لم يدخلا الغرفة لإنقاذها ، بناءً على طلب المعالج الذي لم يهتم بشتائمها القذرة وهي تخدشه بأظافرها وتركله .. بل صفعها مراراً ، حتى فقدت وعيها ! 


ثم تناول بخاخّ ماء وجده بحمامها ، ورشّ بها وجهها ..  

فاستفاقت مذهولة ومُرهقة .. وسورة البقرة مازالت تصدح في غرفتها ! 


فإذّ بها تُركّز بصرها في عينيه .. ثم تنتفض بقوة ، الى ان تمكّنت من فكّ حبالها وهي تقول بحزم : 

- أظننت ان حبيبي لن ينقذني ؟!! 

المعالج باهتمام : من تعنين ؟

- الجني العاشق الذي استحضرته مع رفاقي القوطيين ، ليتلبّس جسدي 

- ولما فعلتِ امراً خطيراً كهذا ؟!

- لأني اشعر بالوحدة ، ولأن حبيبي لن يتخلّى عني ابداً .. وهو سيعاقبك على قسوتك معي

- انت تتوهّمين .. فأنا اعرف الجن العاشق جيداً ، وهو ليس متواجداً معك الآن


لمى بعصبية : وكيف اذاً فكّكت الحبال عني ؟!!

- لأني لم اربطها من الأساس .. اصحابك اوهموك بذلك ، لكيّ تنضمّي لمذهب القوطي .. لكنك مازلتي وحيدة ويائسة ..

- انت مخطئ !! انا اراه في منامي ، هو يحتضنني دائماً

- مجرّد اوهام .. إن كنتِ فعلاً تشعرين بالوحدة ، يمكن ان أصبح صديقك 

فضحكت ملء شدقيّها : انت بالفعل شيخ مودرن ! ظننت ستعرض عليّ ، ان اكون إحدى زوجاتك الأربعة

فطأطأ المعالج رأسه حزناً : انا رجلٌ مطلّق

- لم استغرب ذلك .. فأيّ امرأة تقبل العيش مع دجالٍ مثلك

- لست مشعوذاً ، بل معالج روحيّ .. المهم لم تخبريني بعد ، اين ترغبين الذهاب معي .. الى السينما ام المول ؟

لمى : يا الهي ! لا اصدّق ما اسمعه .. انت فريد من نوعك حقاً !

- عليك الوثوق بي اولاً ، قبل تمكّني من علاجك .. 

- لا ترفع سقف آمالك ، فعائلتي مُحافظة ولن ترضى بصداقتك لي

المعالج بابتسامة ثقة : اذاً لأحصل على ثقتهم اولاً ..  

***


بعد توالي جلسات الراقي الشفائيّة ، تحسّنت تصرّفات لمى بشكلٍ ملحوظ .. وصارت تطيع والديها دون اعتراض ، كأنها عادت لشخصيّتها اللطيفة السابقة .. حتى انها تخلّت عن زيّها القوطي الكئيب ، واستبدلته بفستانٍ طويل ! 

لهذا سمحا للراقي بأخذها بنزهةٍ صغيرة بأطراف القرية ، كجلسة نهائيّة لعلاجٍ دام شهراً .. وذلك قبل عودته لقريته المجاورة (كما أخبر عائلتها)

***


لكنه حلّ المساء ، ولم يعيد الراقي لمى الى بيتها ! 

مما اقلق والداها اللذين لا يعرفا عنه ، سوى عيشه مع امه العاجزة  

وأجرى ابوها عدّة اتصالات .. الى ان وصل لرقم الأم ، التي اجابت بدهشة :

- نعم ، ابني احمد كان راقياً ممتازاً 

الأب بقلق : ماذا تقصدين ب(كان) ؟!

الأم : هو مات قبل عامين بطلقٍ عشوائيّ بإحدى اعراس قريتنا الذين عيّنوا خادمة لخدمتي بعد وفاته ، لأني امرأةٌ عاجزة .. لما تسأل عن المرحوم ؟ 

- هل يمكنك ارسال صورة ابنك على جوالي ؟ الأمر ضروري


وما ان رأى ذات الرجل ، حتى كاد يُغمى عليه .. وأنهى المكالمة سريعاً  

وصار يُحدّث نفسه ، بقلق : 

((اذاً من ذاك الرجل الذي سمحت ببقائه وحده مع ابنتي ، طوال جلسات العلاج ؟!))

***


في العالم السفليّ ، سجد الراقي امام عرش ابليس الذي قال بفخر :

- أحسنت يا بطل !! أحضرت لي قرباناً انثويّاً ، كما طلبت منك 

فالتفتتّ لمى للراقي معاتبة :

- ولما كل هذا ؟! كنت وثنيّة بالمذهب القوطيّ ، واؤمن بوجود الشياطين .. فلما اردّت علاجي بالقرآن ، طالما ستوصلني اليه ..(وأشارت لإبليس).. ثم كيف لم تحترق بالآيات القرآنيّة ، طالما انت جني ؟!

فتحوّل الراقي لشكله المخيف :

- لست جنياً ، بل ابن ابليس المُتخصّص بإحضار القرابين البشريّة .. وتلك لم تكن آيات قرآنية ، وانت لم تلاحظي ذلك بعد تنويمك مغناطيسيّاً .. اما عن سبب هدايتك اولاً : فهو لكيّ أحرّرك من سجن والديّك المُتخلّفيّن .. ثم لزعزعة ثقة اهالي قريتك بالرقاة وبالعلاج الروحاني بشكلٍ عام ، بعد انتشار خبر اختطافك .. كما انك فتحتِ البوّابة بين العالميّن ، لمزيد من القرابين

لمى بفزع : ماذا ! هل ستخطفون غيري ؟

فأجاب ابليس : 

- بالتأكيد !! ففتيات قريتك مُلتزمات دينيّاً ، وانا احب القرابين الطاهرة .. طعمها الذّ بكثير

فانتفضت لمى برعبٍ شديد :

- هل ستأكلونني ؟!

ابليس : ليس نيئة ، فاللحم الغير مطبوخ يسبّب لي وعكةً صحيّة

ثم طلب سيفه ، لذبحها بنفسه .. بعد قيام ابنه (الراقي) بتقيّدها فوق البلاطة الساخنة

***


بهذه الأثناء .. فتّش والدها غرفتها بالكامل ، لإيجاد دليل على كون الراقي غير بشري .. فوجد الفلاشة التي كان يضعها بحاسوب ابنته ، والتي فيها الرقية الشرعيّة .. حيث بدأ الفيديو بآياتٍ قرآنيّة صحيحة .. لكن بعد خمس دقائق ، تحوّلت لطلاسم سحريّة ! لتظهر ابنته فزعة على شاشة الكمبيوتر ، بعد تمكّنها من تسجيل فيديو قصير وهي تقول لوالدها :

((ابي إنقذني منه !! هو ليس بشريّاً ! فعيونه تتحوّل لعيون قطة .. انا خائفة ، رجاءً إخرجه من غرفتي))

قبل انقطاع التسجيل .. ليظهر صوت الراقي وهو يردّد كلمات ، بترنيمة أشبه بالتنويم المغناطيسي .. أسقطت الأب على الأرض ، مغشيّاً عليه !


بهذه اللحظات .. دخلت الأم ، لترى زوجها دون حِراك ! فسارعت بغلق الحاسوب بكلامه الغير مفهوم .. ثم هزّت جسد زوجها بقوة ، الى ان استيقظ 

- لا وقت الآن لفقدان قوتك وتركيزك .. علينا إبلاغ الشرطة عن خطف الراقي لإبنتنا ، فالوقت تجاوز منتصف الليل

فانهار زوجها ، قائلاً بصوتٍ مُتهدّج :

- لقد تأخرنا كثيراً .. شاهدت ما حصل لإبنتنا ، أثناء إغمائي .. هم يأكلونها الآن !

الأم بفزع : عن من تتكلّم ؟!

- الشياطين الملاعين !!!

وانهار ببكاءٍ شديد ، وسط صدمة زوجته !

***


وزادت الأمور غرابة بعد رحيل عائلة لمى من القرية ، عقب انتهاء عزائها ..رغم عدم وجود جثتها !

فالأهالي بدأوا بسماع صراخ لمى بجوار بيتها المهجور الذي يُضاء وحده كل ليلة ! حتى الأطفال الذين لعبوا هناك ، فرّوا فزعاً بعد سماع موسيقى قوطيّة مرتفعة صدحت فجأة من غرفتها القديمة ! وبعضهم أكّد شعوره بيدٍ تحاول سحبه لداخل المنزل ، عندما حاول إستراق النظر من نوافذها المظلمة .. 


وبسبب تلك الأحداث ، قرّر رئيس بلديّتهم هدم المنزل .. لكن صراخ العاملان بهستيريا اثناء محاولتهما هدم جدار البيت ، جعلت الإشاعة تنتشر بأن المنزل مسكون .. ليتم هجر المكان تماماً !

***


بعد شهر ، وفي اطراف القرية .. 

حاول الوالدان تهدئة ابنتهما التي تصرخ بألمٍ شديد ، بعد ان تحدّتها صديقتها الإقتراب من المنزل المهجور ..

الأم بقلق : هل نأخذها للعيادة ؟

الأب : يبدو شياطين المنزل اللعين أصابوها بالمسّ !

وهنا سمعا طرقاً على بابهم ..

الأب : من سيأتينا بهذا الوقت المتأخر ؟!


وإذ بعجوزٍ يلبس عباءة بيضاء ، وبيده مصحف :

- ارسلوني لعلاج ابنتكم ، فأنا راقي محترف 

الأب باستغراب : ومن ارسلك ؟

الشيخ : لم يقل اسمه ، لكنه دفع أُجرتي مُسبقاً .. هل يمكنني رؤية الممسوسة ؟

الأم : هي بغرفتها ، دعني اوصلك اليها

الشيخ : من الأفضل ان اراها وحدي ، كيّ لا يحاول شيطانها التلبّس بكما 

فدلّته الأم على غرفة ابنتها التي مازالت تصرخ متألمة من الداخل ..


وسمحا له بإقفال الغرفة ، دون علمهما بأن الشيطان ظهر هذه المرة على هيئة شيخٍ متوفي للحصول على قربانٍ جديد لإبليس الذي لن يهنأ قبل إلحاد اهل القريّة وتركهم للدين ، بعد إختفاء بناتهن الطاهرات الواحدة تلوّ الأخرى بشكلٍ غامضٍ ومخيف ! 


الجمعة، 4 يوليو 2025

ثورة العشاق

تأليف : امل شانوحة 

 

المشاعر المكبوتة


إنفصلت مركبة جيم عن المكّوك الفضائي ، ضائعاً بالفضاء وحده بعد انقطاع اتصاله بزملائه ومركز الناسا .. ليبقى مُحتجزاً لساعات في صمتٍ قاتل ، دون إشاراتٍ او طنين .. مجرّد فراغٌ مظلم ، يؤكّد انتهاء احلامه المستقبليّة.. ومع ذلك حاول الرائد الأمريكي توفير طعامه ومياهه المحدودة ، رغم علمه بهلاكه الوشيك ! 


وفجأة ! تسارع كل شيءٍ حوله .. كأن مركبته دخلت في مجالٍ مغناطيسيّ لكوكيبٍ صغير ظهر من العدم !

فسارع الى خرائطه لمعرفة وجهة مركبته ، بعد فقده السيطرة على اجهزته الإلكترونيّة .. ليكتشف انه كويكب جديد لم يلاحظه العلماء بعد ! 


وهنا ادرك أنه امام أمريّن : اما الهبوط بسلام في عالمٍ جديد .. او تحطّم مركبته بالفضاء ، بفعل الجاذبيّة المُحيطة للكويكب المجهول ! 


فأغمض عيناه وهو يتذكّر ماضيه ، وكل الإمتحانات والتجارب القاسية التي مرّ بها ، لكيّ يتم إختياره لمهمّته الإنتحاريّة ! 

^^^


وماهي الا دقائق ، حتى هبط مكّوكه بسلام فوق الكويكب الأسود الذي لم يكن عبارة عن حفرٍ وتلالٍ حجريّة فحسب ! بل مدينةً متكاملة بُنيّت بشكلٍ منظّم ، تحت قبّةٍ زجاجيّة ضخمة .. وبذهولٍ تام ، إقترب من بوّابتها .. ليسمح حارسها العجوز بدخوله ، وهو يسأله بدهشة :

- من تكون يا هذا ؟!

جيم بصدمة : آسف ، لا أفهم لغتك ! لكنك تبدو بشريّاً ، ولست كائناً فضائيّاً!

الحارس : آه ! تتكلّم الإنجليزيّة .. لحظة واحدة 


وأخرج الحارس جهازاً متطوّراً ، يُترجم كلامه للغة السائدة على الكويكب .. وبعد فهمه السؤال ، اجابه : 

- نعم ، نحن بشرٌ مثلك 

جيم : وكيف حصل هذا ؟ ومتى انتقلتم الى هنا ؟! وكيف طوّرتم أجهزتكم مثلنا ؟! 


وقبل ان يجيبه الحارس .. لمح جيم فتاةً بغاية الروعة والبراءة ، تمرّ بالصدفة من هناك ! والتي نادت الحارس من بعيد :

- من معك ، يا عم ؟!!

الحارس : تعالي يا ابنتي !! وخوذي الغريب لمقرّ المخابرات ، فأنا لا استطيع ترك البوّابة .. هو يتكلّم الإنجليزية ، وجيلكم بارعٌ بهذه اللغة المعقّدة 


فتوجّه جيم لها طواعيّةً ، لأن عيونها العسليّة اللامعة أذابت قلبه من النظرة الأولى !

^^^


وفي الطريق .. أخبرته إيزابيلا أنهم من سكّان حضارة مايا ! الشعوب الأصيلة لأميركا الوسطى ، من نسل الهنود الحمر.. ولغتهم هي (بروتو-مايا).. وأن حضارتهم على الأرض تجاوزت 2500 عام 

جيم بصدمة : لكن حضارتكم إندثرت في القرن التاسع بعد الميلاد ، حسب معلوماتي عنكم !

- نعم ، بسبب الجفاف والحروب وتدهوّر الموارد الطبيعيّة .. الى ان علم مشعوذنا بقرب هلاكنا .. وأخبر قائدنا الذي تعاون مع علماء الجن على بناء صاروخٍ ضخم يُخرجنا من الأرض .. 

- وهربتم جميعاً الى هنا ؟!


إيزابيلا : لا ! هذا مُحال .. بل اختار زعيمنا الأول نُخبة من شعبه : كالأطباء والمزارعين والعمّال والموهوبين ، ايّ ما يقارب 500 راكباً فقط .. وبمعاونة الجن والشياطين ، بنينا هذه القبّة الزجاجيّة التي توفّر لنا الهواء والإضاءة والماء للزراعة داخلها .. وانا من الجيل العشرين للناجين 500 .. وقائدنا الحالي هو من سلالة ملكنا الأول الذي حكم هذا الكوكيب.. وعددنا الآن تجاوز 200 الف نسمة .. (ثم تنهّدت بحزن) .. لكن يبدو عددنا لن يزيد مستقبلاً ، بعد تطبيق قانون قائدنا الجائر الذي فرضه قبل عشر سنوات ! 

جيم باهتمام : وماهو ؟

- منع مشاعر الحب بيننا .. وأيّ اثنيّن يتبادلا الودّ ، يتم إعدام احدهما .. وعادةً ما تكون الضحيّة فتاة ، مع إجبار حبيبها على مشاهدة إعدامها.. حتى أننا اضّطررنا لبناء مستشفى المجانين ، بعد ان فقد معظم شبابنا عقولهم عقب خسارة توائم روحهم .. فالحب هنا ، جريمة يُعاقب عليها القانون ! 

- ولما كل هذا ؟!


إيزابيلا : لأن حبيبة القائد خانته مع وزيره ، فقتلهما معاً .. ومن يومها ، حوّل كسرة قلبه لقانونٍ ظالم ، عاقبنا عليه جميعاً ! ولم يكتفي بذلك .. بل وظّف مخابراتٍ عاطفيّة ، بأجهزة مراقبة دقيقة موزّعة بشوارع مدينتنا ، لمنع حتى الإبتسامة ! لهذا نعيش بمشاعر مكبوتة.. حتى الأهالي لا يغدقون الحنان على اطفالهم ، خوفاً من إثارة الشبهات حولهم !

جيم : أتعنين انه لا زواج في مدينتكم ؟

- بلى ، لكنه زواجٌ مُنظّم .. يشترط به عدم التوافق بين العريسيّن : كفارق العمر الكبير بينهما .. او إختلاف مستوى العلم والطبقة الإجتماعيّة .. او فوارق الجمال بينهما .. كما ان المسؤول عن عقد القران ، خبيرٌ بالأبراج .. ووظيفته تزويج بُرجيّن لا يتوافقا معاً ، لضمان عدم وجود مشاعر بين الزوجيّن مستقبلاً .. فالعشق هنا ، خيانة للدولة ! وإن راقبت وجوه سكّاننا ، تجد أعينهم باهتة ومقهورة ، وهدوئهم مُغلّفاً بالخوف .. لذا أنصحك بعدم البقاء عندنا طويلاً .. اما عن مكّوكك المُعطّل .. فلدينا عالمٌ من اصولٍ شيطانيّة ، سيصلحها لك


جيم : وهل ذاك العالم هو من اخترع اجهزتكم المتطوّرة ، كجهاز الحارس للترجمة الفوريّة ؟

- هذا صحيح .. بالإضافة لبلّورة المشعوذ (الموظّف لدى قائدنا) الذي يُطلعنا على اخبار الأرض اولاً بأول .. ولعلمه بأن اللغة الإنجليزية هي السائدة حالياً في عالمكم ، أجبرنا القائد على تعلّمها جميعاً .. وإلا لما استطعت التحدّث معك بطلاقة 

جيم بابتسامة : من حسن حظي ان جميلة الجميلات تُتقن لغتي 

وحاول مسك يدها ، فانتفضت برعب :

- هل جننت ؟! أتريد التسبّب بموتي ؟

- لكننا بعيدان عن بقيّة سكّان كوكبك 

فأشارت الى اجهزةٍ مُتدليّة من السطح الزجاجيّ :

- هذه مجسّات طاقيّة ، تقيس مشاعر الشعب .. وإن أحسّ المراقبون بطاقة حب ، يرسلون الشرطة للقبض علينا معاً 

جيم بابتسامة : معاً ! أهذا يعني ان شعوري متبادل ؟

فاحمرّ وجهها خجلاً .. ثم حاولت الهرب 


جيم باستغراب : لما تبتعدين عني ؟!

إيزابيلا بارتباك : لأنك جعلتني أشعر بشيءٍ ، قرأته فقط بالحكايات الخياليّة .. وبسببك ابتسمت لأول مرة في حياتي ، وهذا خطرٌ علينا.. 

جيم مقاطعاً : وانا سأحرق الدنيا لأجل ابتسامتك الرائعة.. فلا شيء اجمل من الحب

إيزابيلا بقهر : الشباب الذين جرّبوا ذلك الشعور ، دفنّاهم بأيدينا .. لذا رجاءً إبتعد عني !!


فحاول حضنها ، لمنع إبتعادها عنه .. ليُفاجأ بشرطي يقترب بسرعة بمركبته الطائرة ! ويصعق جيم بعصاه الكهربائيةّ ، ثم يضعه في مركبته ..وهو يحذّر إيزابيلا الخائفة :

- في المرة القادمة سأسجّنك معه !! 

إيزابيلا برعب : رجاءً لا تأخذه للمركز ، هو سائحٌ أجنبيّ لا يعرف قوانينا جيداً 

- إلتزمي الصمت ، يا فتاة !! وعقابك سيكون لاحقاً


وأخذ جيم الغائب عن الوعيّ للتحقيق معه ..

***


في مركز المخابرات .. إستفاق جيم في غرفةٍ حديديّة دون نوافذ .. قبل دخول المحقق ، لسؤاله عن سبب زيارته كوكبهم ؟ 

فأخبره جيم عن تعطّل مركبته..

المحقق : لا تقلق بهذا الشأن ، فعالمنا يقوم حالياً مع مساعديه بإصلاح مركبتك .. معك 24 ساعة لمغادرة كوكبنا.. ولسوء حظك ، لن تحضر زواج إيزابيلا 

جيم بصدمة : زواجها ! هي لم تخبرني بأنها مخطوبة

المحقق : لم تكن مرتبطة .. لكن بعد سماحها لك بمسك يدها .. وقياسنا نبضات قلبها المتسارعة من خلال إسورتها الإلزاميّة ، عرفنا بحبها لك .. لذا عاقبناها بأن تكون إحدى جواري قائدنا

- وكم عمره ؟

- الأعوام تمرّ ببطء في كوكبنا.. لكن حسب عالمكم ، فقد تجاوز الثمانين عاماً

جيم صارخاً : حرامٌ عليكم !! إيزابيلا لم تتجاوز 18 !

- وانت في الثلاثينات ، ومع ذلك لم يهمّك فارق العمر

- لأني مازلت شاباً .. ولست هرِماً ، كقائدكم الخرِف !!

فشدّ المحقق ذراع جيم بعنف :

- لوّ لم تكن غريباً عن كوكبنا ، لأمرت بإعدامك فوراً !! معك 24 ساعة لمغادرة مدينتنا .. هل فهمت ؟!!


ثم أمر العسكري برميه في الحجز ، الى يوم سفره

***


في السجن .. إلتقى جيم بشابٍ مُعتقل منذ سنوات ، بعد محاولته توعيّة الشباب على فشل الزيجات دون مشاعرٍ مُلتهبة .. وهو من أخبره بعنوان مستشفى المجانين الموجود خلف جبلٍ صخريّ ، تحت قبّةٍ زجاجيّةٍ ثانية .. والمليء بالعشّاق الذين فقدوا عقولهم بعد إعدام احبائهم ! 

جيم بإصرار : اذا سأذهب اليهم !!

السجين : لا احد منا يستطيع رؤيتهم ، لأن الطريق بين مدينتنا والمصحّ النفسي خالي من الأكسجين

جيم : مازلت أحتفظ ببذلتي الفضائيّة ، وسأتوجه اليهم بالخفاء 

- وماذا سيفيديك المجانين ؟!

- سيكونون جيشي لمحاربة الفساد بعالمكم الظالم 

السجين : طالما تملك الجرأة والشجاعة ، سأساعدك على الهرب من السجن 

***


وبالفعل هرب جيم من السجن ، خارجاً من بوّابة عالمهم (اثناء نوم حارسهم) بعد لبسه بذلته الفضائيّة التي اوصلته بعد ساعة الى المصحّ الذي كان خالياً من الموظفين والأطباء بعد دعوتهم لحضور عرس القائد مع إيزابيلا (الجارية رقم خمسين ، فهو اعتاد الزواج من فاتنات شعبه) 


وفي داخل المصحّ .. جمع الشباب لإلقاء خطبته عن اهميّة الحب في حياة البشر ، وضرورة محاربتهم الفساد .. 


فقال المريض الأول الذي وُضع بالمصحّ : 

- إن كنت أتيت لتغيير واقعنا المرير ، فأنا معك حتى آخر نبضة قلب .. هيا يا شباب ، لننضمّ اليه !! ماذا سنخسر اكثر من موت احبائنا ؟

 

مما شجّع بقيّة العشّاق للإنضمام الى جيش جيم ، تحت مسمّى : ثورة العشّاق.. 

حيث استطاع جيم تزويدهم ببذلات الأطباء (الإحتياطيّة) المزّودة بالأكسجين ، لنقلهم الى عالمهم الذين طردوا منه قبل سنوات .. 


وبعد تقيّدهم الحارس العجوز ، تعمّقوا بالنفق اسفل مدينتهم .. ليفاجأوا شعبهم بخروجهم بالعصيّ والأسلحة الضوئيّة التي سرقوها من مخزن الشرطة المتواجد بمخزنٍ داخل النفق السرّي.. 


بهذا الوقت .. لمح جيم حبيبته إيزابيلا تجلس على العرش بجانب القائد العجوز بفستانها الأبيض المزركش ، وعيونها الباهتة ..وزينتها المُصطنعة التي جعلتها تبدو كدميةٍ مكسورة خالية من المشاعر ! 

والتي فور لمحها جيم من بعيد ، وقفت بحماس وهي تلوّح بسعادةٍ غامرة .. جعلت القائد يصفعها ، ويشدّها من ذراعها بعنف ، للجلوس مكانها .. 


مما اغضب جيم الذي استطاع (بمساعدة جيشه) الإستيلاء على ميكروفون المطرب ، لإخبار الشعب (الذين حضروا مُجبرين مراسم العرس) :

- لن اسمح بهذا الزواج الظالم !! فقائدكم لا حقّ له بحرمانكم من مشاعر الحب والعشق

القائد من بعيد ، وهو يشير غاضباً : 

- ايها الحراس !! إقتلوا ذلك الفاسق

جيم بشجاعة : أُفضّل الموت عاشقاً ، على العيش بقلبٍ محطّمٍ مثلك!!


لكن القائد تفاجأ برئيس حرسه يأمر جنوده بإخفاض اسلحتهم ، وهو يقول بقهر :

- انا ايضاً خسرت حبيبتي !


جيم : إسمعوني جيداً !! جميعنا تعرّضنا للخيانة بطريقةٍ او بأخرى ، لكننا لم نبني سجوناً من الألم والقهر 

ثم سأل القائد :

- انت قتلت حبيبتك قبل سنواتٍ طويلة ، فهل نسيتها ؟!!

فارتبك القائد .. ليُكمل جيم كلامه :  

- رغم انها خائنة ، مازلت تحبها حتى الآن .. (ثم اشار الى جيش المجانين).. ماذا عنهم ؟!! انت قتلت حبيباتهم ، رغم إخلاصهن لهم .. فكيف تظن ان الصعقات الكهربائيّة ستُعيد رشدهم ، وتُطفيء نار قلوبهم ؟!! مشاعر الحب لا تصدر من العقل ، بل من القلب .. وهو شيء خلقه الربّ ، لتخفيف متاعبنا وآلامنا بأيامنا الصعبة .. وهو أجمل شعورٍ بالوجود !! لا أسمح لك بحرمان شعبك منه ، فقط لأن حبيبتك غدرت بك .. من حقّ الشباب ان يتزوجوا ممّن يحبون .. اليس كذلك ؟!!!

فهتف الشعب بجميع اعمارهم ، مؤيّدين لجيم !!! 


مما اخاف القائد الذي حاول سحب إيزابيلا من ذراعها ، لإجبارها على ركوب مركبته الطائرة ، ونقلها الى قصره المنيع .. 

فصرخت العروس بخوف :

- جيم .. حبيبي !!!!! ساعدني 


فشهق الجمهور بدهشة ! لأنها اول من تجرّأت على النطق بكلمة (حبيبي) منذ سنواتٍ طويلة .. مما جعل جيم يأمر جيشه الثائر :

- هجوم !!! لا تدعوه يهرب


وإذّ بالحرس ينضمون للشباب برفقة اهاليهم .. مما جعل القائد يتعثّر عن منصّته الخشبيّة ، ويقع بين الحشود .. لينهالوا ضرباً عليه ، وهم ينادون بأسماء احبائهم المقتولين بسبب احكامه الجائرة .. الى ان مات بين ايديهم 


وبعدها حمل الشعب كلا العروسين ، لإتمام مراسم الزفاف .. وسط تهليلاتهم ، وهم يردّدون الأغاني خلف مطربهم ، ضمن مراسم أجمل عرسٍ شاهدوه طوال حياتهم .. بعد شعورهم بشرارة الحب المتطايّر من اعين العريسيّن ، وهما يرقصان بسعادة بعد عقد قرانهما


بعدها طالب كبيرهم ، بتنصيب جيم قائداً عليهم .. لكنه اعتذر قائلاً : 

- لم آتي الى هنا ، طمعاً في الحكم .. بل ارسلني القدر ، للزواج بجميلة الجميلات.. فاسمحوا لي بأخذها معي للأرض

فردّ عالمهم : نحن أصلحنا مركبتك الفضائيّة ، يمكنك السفر مع زوجتك غداً .. لكن الليلة ، ستبقى في فندقنا .. وصباحاً نودّعكما بالورود.. 


وهنا سأله رئيس الحرس : سيد جيم !! قبل بدء شهر عسلك .. وبما انك السبب في خلاصنا ، من تقترح ان يكون قائدنا الجديد ؟

جيم : يمكنكم إجراء إنتخاباتٍ عادلة بين ثلاثة مرشّحين : حضرتك (رئيس الحرس) لوقوفك مع ثوّرة شعبك  .. وعالمكم الخبير بالتكنولوجيا الحديثة .. وبين أقدم شابٍ رُميّ بالمصحّ ، بتهمة عشقه البريء

- لكنه كان مُحتجزاً بمستشفى المجانين لأعوام !

جيم : هو ليس مجنوناً ، بل اكثركم إخلاصاً لمشاعره الصادقة .. وهو من دلّني على نفق مدينتم ، ولولاه لما نجحت ثوّرتنا .. المهم ان من يصل لكرسي الرئاسة ، هو الفائز بتصويت الشعب بشكلٍ عادل

فقال اكبرهم سناً : لا تقلق بهذا الشأن ، سأتكفّل بنفسي بمراقبة نزاهة الإنتخابات .. (ثم قال لشعبه) إحملوا العرسان لفندقنا الذي سنسمّيه منذ اليوم : فندق المحبّة 


لتعلوا أصوات التصفيق والصفير ، مُتزامنةً مع الأغاني الطربيّة اثناء توصيل الزوجان لغرفتهما المُرصّعة بالذهب ! 

***


في اليوم التالي .. إحتشد الشعب قرب بوّابة مدينتهم الزجاجيّة ، لتوديع جيم وعروسته إيزابيلا اثناء صعودهما لمركبتهما الفضائيّة للعودة للأرض .. بعد اشتراط كبيرهم على جيم : كتمان معلومات كويكبهما السرّي عن الناسا ، لرغبتهم العيش بسلام دون فضول البشر المزعجين .. 

ورغم قلق إيزابيلا من إنتقالها لحياةٍ جديدة ، بعد ولادتها وعيشها طوال حياتها بالفضاء .. لكنها مستعدة للمجازفة ، طالما ستبقى بحماية حبيبها الشجاع الذي حارب حاكمها الظالم ، نصرةً لحبه العذريّ الطاهر !


الاثنين، 30 يونيو 2025

مسابقة حافلة الموت

تأليف : امل شانوحة 

إنتقام الماضي 


وجد عشرة اشخاص انفسهم داخل حافلة دون سائق ، تسير مساءً بشكلٍ دائريّ حول ساحة القرية الخالية من المشاة بعد نوم الأهالي بهذا الوقت المتأخر !


حيث استيقظوا معاً بعد سماعهم صوتاً من مسجّل الحافلة ، لرجلٍ يقول :

- اهلاً بكم في رحلتكم الأخيرة !!

فسأله احدهم بقلق : من انت ؟! وكيف تسير الحافلة وحدها ؟!

الصوت : هذه الحافلة تمّ صُنعها خصيصاً لي .. وانا أتحكم فيها عن بُعد ، بتقنيّةٍ حديثة

- ومالذي تريده منا ؟!

الصوت : لن أفصح عن هدفي الآن .. اردّت فقط إعلامكم بأن الطعام محدود في الحافلة التي تتواجد فيها دوّرة مياهٍ صغيرة.. كما ستجدون اسفل كراسيكم مجموعة من الأسلحة المختلفة مثل : سكين ومسدس وصاعق كهربائي وعصا حديديّة ورذاذّ الفلفل .. وكما تلاحظون ، الأسلحة تكفي نصفكم ! ومن يبقى حيّاً منكم ، يفوز بسيارةٍ جديدة .. بشرط !! ان يقودها خارج القرية دون توقف .. ففي حال عاد الى بيته ، سأقتل بقيّة عائلته وأحرق منزله

احد الركّاب بامتعاض : ولما كل هذا ؟!

راكبة : مالذي فعلنا ، كيّ تعاقبنا بهذه الطريقة الوحشيّة ؟!

راكبٌ آخر غاضباً : اساساً من تكون لتحجزّ حرّيتنا ؟!!


الصوت : إن تذكّرتم الماضي ، ستعرفون السبب .. اما عن مدّة الرحلة ، فهي متوقفة على تصفيّة بعضكم.. فإن بقيّ ناجيٍ وحيد ، سأوقف الحافلة فوراً .. اما ان رفضّتم اللعب ضمن شروطي ، ستبقون داخل الحافلة الى مالا نهاية .. فهي غير مزوّدة بالوقود .. وتقنيّتها الإلكترونيّة المتطوّرة ، تجعلها تسير شهراً بشكلٍ متواصل 

أصغر الركّاب (المراهق) بخوف : سيجدنا احدهم وينقذنا

الصوت : الأبواب والنوافذ ضدّ الكسر .. كما انها كاتمة الصوت ، ومُظلّلة من الخارج.. وانتم تسيرون ضمن ساحة إحتفالات القرية ، التي بالعادة تُفتح صيفاً.. وطالما نحن في فصل الشتاء ، فالأهالي منشغلون بأعمالهم ومدارس اولادهم .. ولن يقترب احد من الساحة ، البعيدة عن منازلهم ومحلاّتهم التجاريّة

- لكنهم سيفتقدون وجودنا ، وسيبلّغون الشرطة عن إختفائنا !

الصوت : لا اظن ذلك .. فبعد ان خطفتكم من سياراتكم ومتاجركم ، واثناء مشيّكم بالشارع برذاذي المُخدّر.. ارسلت لأهاليكم : عن غيابكم الفترة القادمة ، بسبب سفركم للمدينة لموضوعٍ عاجل.. وبعدها تخلّصت من جوالاتكم .. لهذا سينتظرون على الأقل اسبوعاً ، قبل إبلاغهم الشرطة عن إختفائكم .. حتى دوريّات الشرطة لن يخطر ببالها تواجدكم معاً بأطراف القرية .. ما يهمّ الآن ، إن مسابقتي بدأت للتوّ !! وانتم ستحدّدون الفائز بينكم ، بينما سأكتفي بالمراقبة عن..


احدهم مقاطعاً : انت لم تخبرنا بسبب مسابقتك الدمويّة ؟ وهل كان إختيارنا عشوائيّاً؟!

الصوت : بالعكس !! بحثت عنكم بدقّةٍ وحذر .. وعليكم معرفة السبب بأنفسكم .. المهم ان تركّزوا الآن على الطعام والشراب التي تركتها بجيوب كراسيكم .. وهي كما ذكرت سابقاً ، كميّات محدودة .. بينما أراقبكم من كاميراتٍ صغيرة ، وُزّعت بكل أجزاء الحافلة .. ألقاكم لاحقاً !!

وانقطعت المكالمة !


فوقف الراكب (اكثرهم بدانة) وهو يوجّه مسدساً (وجده اسفل كرسيّه) نحوهم :

- من الآن إخبركم ، أنني لن اموت جوعاَ .. لهذا ستعطوني شطائركم وقوارير مياهكم ، لأني أستحقها اكثر منكم .. هيا !! ماذا تنتظرون ؟!!

فأعطوه طعامهم وشرابهم مُجبرين..


فقال احدهم : رجاءً لنهدأ جميعاً !! فنحن لا نريد قتل بعضنا ، لأجل شخصٍ مجنون .. دعونا نفكّر جدّياً بسبب خطفه لنا ، فهو أكّد تعمّده ملاحقتنا بالإسم ! ولنبدأ بوظائفنا ؟


لكن لا احد يعمل بنفس مجال الآخر ! فالعجوزان موظّفان متقاعدان .. والمراهق مازال في الثانويّة .. والسيدة تعمل في متجر ملابس .. والشاب ، عامل نظافة تابع للبلديّة .. وشابٌ آخر كهربائي.. والصبيّة كانت تُجهّز نفسها للسفر ، للدراسة الجامعيّة في المدينة .. وحبيبها السابق (الذي صادف وجوده معها بالحافلة) ملاكم .. والشاب البدين ، عاطل عن العمل .. اما الرجل ، فلديه محل تجاريّ صغير في سوق القرية !


فقال احدهم بضيق : لم نكتشف بعد ، سبب إختياره لنا !

البدين وهو يأكل بقيّة الشطائر بنهم ، قائلاً بلؤم :

- لا تتعبوا انفسكم بالتفكير .. فبجميع الأحوال ، سأفوز انا بالسيارة الجديدة

الشاب (عامل النظافة) ساخراً : أهذا همّك ؟! الطعام والسيارة .. الا تهتم بمنعه رؤية عائلتك من جديد ؟!

البدين بلا مبالاة : أتقصد والدايّ اللذان يرفضا علاج سمنتي او إدخالي نادي رياضيّ لتحسين صحتي ، بعد تجاوز وزني ٢٠٠ كيلو ؟ لا يا عزيزي ، أُفضّل الخروج من القرية قبل توقف قلبي

فردّت السيدة : طالما يُهمّك صحتك ، دعّ لنا بعض الشطائر .. فنحن لا نعلم كم سنبقى هنا


الرجل العجوز بقلق : يا شباب !! إهتموا اكثر بإيقاف الحافلة.. فسيرها بشكلٍ دائريّ يُشعرني بالغثيان .. فأنا رجلٌ كبير ، وعليّ أخذ دواء القلب

المرأة العجوز بخوف : وانا مريضة سكّري ، وأشعر حالياً بالفزع .. وإن لم أحصل على حقنتي ، سأصاب قريباً بنوبة سكّر

البدين بلؤم : ممتاز !! هكذا أتخلّص من اثنين دون خسارة رصاصات مسدسي

عامل النظافة بعصبية : اللعنة عليك !! أتظنه سهلاً بقائك بحافلة مليئة بالجثث ؟

البدين : لا تقلق ، ستنتهي المسابقة قبل تحلّل اجسادكم 

الصبيّة معاتبة : يبدو انك خُلقت دون ضمير !

فقال الرجل ، للبدين : 

- طالما انت قاسي هكذا ، فحاول تذكّر ماضيك .. لربما أذيّت قريباً لذلك المجنون الذي قرّر معاقبتنا على ذنبك ؟!

البدين : لا ، لم افعل شيئاً

عامل النظافة ساخراً : بالتأكيد لم تفعل ، فأنت علقت في مطبخ منزلك طوال حياتك البائسة

البدين باستحقار : إخرس ، ايها العامل القذر !!

فردّ عليه : وماذا ستفعل إن لم أسكت ، ايها الفيل الضخم ؟ اساساً ما كُنا لنسمع تهديداتك ، لولا عثورك على المسدس .. ولوّ كان من نصيبي ، لنسفت بطنك المُترهّل .. لكن يبدو سأكتفي بمقبضي


وضربه على بطنه ، محاولاً اخذ المسدس منه.. ليحصل عراكاً بينهما .. أدّى لكسر رقبة البدين بلكمةٍ قويّة ، وحصول العامل على مسدسه !


فتنهّدت السيدة بارتياح : الحمد الله على تخلّصنا من المشاكس النتن

العجوز للعامل : رجاءً بنيّ ، إخفض مسدسك كيّ لا تخرج منه رصاصةً طائشة


ليُفاجئ العامل الجميع ، بتوجيه المسدس نحوهم !

- ماذا تفعل ؟!

عامل النظافة : طالما انا الوحيد الذي يملك المسدس ، فستطيعون اوامري

- اهدأ قليلاً ، نحن لا نريد مزيداً من القتلى


فأخفى العامل المسدس في خاصرته ، جالساً في مقعد السائق الفارغ وهو يقول :

- سأهدأ في الوقت الراهن .. لكني أؤكّد لكم ، أنني سأكون الناجي الوحيد بهذه الرحلة المشؤومة


وحاول التحكّم بمقوّد الحافلة الذي يتحرّك اوتوماتيكيّاً .. في الوقت الذي انشغل فيه بقيّة الركّاب بكسر الباب والنوافذ .. حتى ان بعضهم صرخ بعلّو صوتهم ، على امل ان يسمعه احد من خارج الحافلة !


بهذه اللحظات .. جلس الشاب (الكهربائي) بجانب الصبيّة الجميلة (الجامعيّة) محاولاً التودّد اليها .. مما أفقد حبيبها السابق (الملاكم) اعصابه ، والذي لكمه بقوة على وجهه ! 


وعلى الفور ! تطوّرت المشادة بينهما ، لاستخدام الحبيب القديم للسكين (الذي وجده اسفل كرسيه) وطعن الكهربائي عدة مرات ، حتى قتله ! 


فصفعته صديقته السابقة على جرمه .. فعاتبها الملاكم بغيظ :

- يبدو انك انجذبتِ له فعلاً ، ايتها الخائنة !

فردّت بحنق : كم مرة أخبرتك بأن علاقتنا انتهت ؟!!


وكادت السيدة (وهي خالة الصبيّة جامعيّة) ان ترشّ الفلفل على وجهه (من العبوّة التي وجدتها اسفل كرسيها) لكن رجلٍ آخر سحبها من يدها :

- هل جننتِ ؟!! إن أطلقتها هنا ، سنموت اختناقاً من رائحتها النفّاذة ..خصوصاً لعجزنا عن فتح الباب والنوافذ

الصبية الجميلة : معه حق يا خالتي ، كما ان الرائحة ستقتلني

خالتها : آه ! نسيت انك مصابة بالربوّ .. كنت احاول فقط إبعاده عنك

فردّ الملاكم بلؤم : لا تتدخّلي بشؤوننا ، ايتها العانس !!

الخالة غاضبة : إسكت ايها الحقير !!

الصبيّة بقلق : رجاءً اهدآ قليلاً !!


ثم طلبت من خالتها العودة الى مقعدها ، وهي ستتصرّف مع حبيبها السابق الذي يبدو مازال غاضباً مما حصل ! حيث تبادلا الشتائم .. لينتهي الجدال بصعق الصبيّة له (من الصاعق الكهربائي الذي وجدته اسفل كرسيها) 

مما أفقده صوابه ، وجعله يسدّد طعنةً مباشرة الى قلبها ! 

وبذلك أضيفت جثتان جديدتان الى البدين المقتول (الصبيّة والكهربائي)


بهذا الوقت العصيب ، أُصيبت العجوز بنوبة سكّر.. 

وانشغل بقيّة الركّاب لإنقاذها .. بينما كان عامل النظافة (الجالس بمقعد سائق الحافلة) يصرخ ألماً بعد لمسه سلكاً عارياً ، صعقه كهربائيّاً ! 


فحاول العجوز إبعاده عن المقوّد ، ليُصعق معه .. ويموتا معاً !

وماهي الا دقائق ، حتى لحقتهما العجوز بنوبة السكّر !

^^^


وبعد ساعة من وضع الجثث الستة فوق بعضها بآخر الحافلة ، بعد تساعد الركّاب الأربعة بجرّ البدين للخلف .. مُستفسراً احدهم :

- كيف استطاع صاحب المسابقة تخدير البدين ، وحمله وحده لداخل الحافلة ؟!

- طالما صُنعت الحافلة المتطوّرة خصيصاً له ، لابد انه صنع آلة لحملنا مُخدّرين الى هنا ! فهو يبدو ثريّاً

- هو مجنون وحسب !! 

- دعونا منه ، ولننهي عملنا سريعاً .. لربما بقينا هنا حتى الصباح ، ونحتاج مقاعد فارغة للنوم عليها


بهذه الأثناء ، تمكّن المراهق من كسر جزء من نافذته بعصاه الحديديّة (التي وجدها اسفل مقعده) مُخرجاً نصف جسمه للخارج وهو يصرخ بعلوّ صوته ، طالباً المساعدة .. قبل ان ترتجّ الحافلة بعد دهسها كلباً بالخطأ .. جعلت الزجاج المكسور يخترق كبد الصبيّ ! 

وقد حاول الركّاب الثلاثة إيقاف نزيفه لنصف ساعة ، قبل تسليمه الروح !

^^^


وبعد ساعة .. كان الراكبان على وشك تقسيم الشطيرة الأخيرة (التي لم يأكلها البدين) قبل سماعهما صراخ السيدة (خالة الصبيّة) التي تمكّنت من خلع مقعد الحمام ، وهي تناديهما فرحاً لإيجادها طريقةً للهرب .. وإذّ بالحافلة يزداد سرعتها فجأة ، لتتعثّر الخالة وتسقط بالحفرة (بأرضيّة الحمام) وتُدهس تحت عجلاتها الخلفيّة !


بهذا الوقت لم يهتم الملاكم بمصير السيدة (خالة حبيبته السابقة) وطعن الرجل (صاحب المتجر) الذي اراد أخذ الشطيرة معه ، قبل دخوله الحمام لمعرفة مصير السيدة (فهو لا يثق بالملاكم) 

وبعد انهائه الشطيرة بثواني من شدّة جوعه ، إنتبه أنه الناجي الوحيد! 


فسارع لمسجّلة الحافلة ، وهو يقول بحماس :

- لا ادري ان كنت تسمعني ، لكني الفائز في مسابقتك !!

لتتوقف الحافلة فوراً ! 


الصوت : مبروك يا بطل !!! والآن إجلس في مقعد السائق ، للتوجّه لمكان الجائزة 

الملاكم بدهشة : هل ستسمح لي بقيادة حافلتك ؟!

الصوت : بكل تأكيد !!

- أخاف ان تصعقني بالمقوّد ..

الصوت مقاطعاً : لا !! اطفأت الصعق الكهربائي .. لكني أنبّههك منذ الآن ، بأن الحافلة مُلغّمة .. وفي حال حاولت العودة لمنزلك او طلب المساعدة من سائقي سيارات الطريق العام ، سأقوم ..

الشاب مقاطعاً : لن افعل ، اعدك بذلك !! اريد فقط الخروج من هذا الجحيم

^^^


ثم قادها حتى وصل الى هناك ، مع بزوغ الفجر...

الملاكم بقلق : لما أخذتني الى بحيرة القرية المتجمّدة ؟!

الصوت : لأن مهمّتك الأخيرة هي إغراق الحافلة بالماء

- لكنك وعدتني بسيارةٍ جديدة ؟!

الصوت : وهي متوقفة هناك ، بين الأشجار .. الا تراها ؟

الشاب بحماس : واو ! يالها من سيارةٍ رائعة 

الصوت : وستحصل عليها ، بعد وضعك احد الجثث فوق دوّاسة البنزين .. بينما تخرج من باب الحافلة قبل سقوطها بالماء

- لكن الباب مغلقاً بإحكام !

وقبل إكمال كلامه .. فُتح الباب ، ثم عاد للإنغلاق من جديد !


الصوت : انا أتحكّم بكل شيء .. ضعّ الجثة فوق الدوّاسة .. وقف بجانب الباب الذي فور فتحه لك ، تقفز من الحافلة .. معك خمس ثواني للنجاة

^^^


بعد إنهاء مهمّته الأخيرة.. وقف الملاكم امام البحيرة منصدماً ، وهو يشاهد غرق الحافلة بجثثها التسعة اسفل اللوح الجليديّ !

- لم اكن اعرف ان بحيّرتنا بهذا العمق !


ثم توجّه لسيارته الجديدة .. ليسمع الصوت ذاته من مسجّلتها :

- مبروك السيارة ، يا بطل !!

الملاكم بضيق : أستراقبني هنا ايضاً ؟!

الصوت : لا ، اردّت فقط تهنئتك .. وعليك قيادة سيارتك نحو المدينة ، دون تفكير العودة الى منزلك

- لا تقلق ، لن أفتقد عائلتي النكديّة .. لكني حزين ، لعدم توديع اخي الصغير  

الصوت : ربما تراه بعد سنوات .. هيا انطلق !!

- لحظة ! لم تفهمني سبب إختياري مع اولئك الأشخاص داخل حافلتك؟!


فسكت الصوت قليلاً ، قبل ان يقول بنبرةٍ حزينة :

- قبل خمس سنوات ، أُقيم حفل الحصاد في نفس المكان الذي تحرّكت فيه الحافلة بشكلٍ دائريّ

- صحيح ، نحن نقيم ذاك الحفل مرّة بالسنة

الصوت : اعلم ذلك ، فأنا من اهالي القرية السابقين

الشاب بصدمة : أحقاً ! ومن تكون ؟!

الصوت : وهل تظنني أحمقاً لأخبرك بهويّتي ؟

- آسف سيدي ، إكمل القصة

الصوت : في ظهر ذلك اليوم .. تمكّن ابني وصديقه الهرب من مدرستهما ، لرؤية الحفل الذي منعته الذهاب اليه.. ونزل صديقه اولاً .. وقبل خروج ابني ، أغلق السائق الغبي باب الحافلة على حقيبته .. ليتمّ سحله حتى الموت !

- اذاً الولد المراهق الذي كان معنا هو صديق ابنك ، اليس كذلك؟!

الصوت : نعم .. وهو وانتم ، لم تفعلوا شيئاً لإنقاذ ابني ! حتى انكم لم تصرخوا لإيقاف السائق ، ايها الملاعين !! مع انه قاد حافلته مرتيّن داخل الحفل !

- كنا مذهولين مما حصل ! كما كان هناك الكثيرين غيرنا ، فلما اخترتنا نحن بالذات ؟!

الصوت: لأن احدهم صوّرالحادثة .. لتظهر انت والأشخاص التسعة داخل الفيديو الذي رأيته اول مرة بمركز الشرطة ، قبل استلامي اشلاء ابني .. وطلبت من المحقّق إحتفاظي بالمقطع المؤلم


الملاكم : أذكر ان الأهالي ساهموا بدفع تعويضٍ كبيرٍ ، على فقدان ابنك الوحيد

الصوت : نعم ، واستثمرت ذلك المال بالبورصة بعد انتقالي للمدينة .. وأصبحت ثريّاً ، لدرجة انني طلبت تصنيع هذه الحافلة للإنتقام منكم .. فمجرّد صراخكم كان كفيلاً بإنقاذ ابني ، ايها الجبناء !

- اذاً لماذا لم تقتل سائق الحافلة المُستهترّ ؟!

الصوت : يبدو لم تسمع بما حصل له ! فقد خنقته بسلكٍ حديديّ ، ورميت جثته بالوادي بعد شهر من وفاة ابني .. لكن موته لم يشفي غليلي ! وخطّطت لسنوات ، للإنتقام من المتخاذلين

- معظم اهالي القرية تواجدوا في حفل ذلك العام ، وهم ايضاً لم يفعلوا شيئاً لإنقاذ ابنك .. لكن لسوء حظنا ، ظهرنا وحدنا بفيديو الرجل المجهول!

الصوت : المهم انه انتهى كابوسي أخيراً

الشاب بقلق : وماذا عني ؟!

الصوت : يمكنك الذهاب في طريقك ، فقد نجوّت من انتقامي


فأسرع بقيادة سيارته الجديدة الى خارج القرية..

لكن قبل خروجه من حدود سياجها الحديديّ .. إستيقظ الأهالي على دويّ إنفجارٍ غامض ، دون علمهم بوفاة الملاكم داخل سيارةٍ مجهولة!

***


في مقبرة القرية .. وقف الرجل امام قبرٍ صغير ، وهو يمسح دموعه:

- إنتقمت لك يا بنيّ .. قتلت الذين اكتفوا بمشاهدة موتك بأسوء الطرق ، وأشدّها إيلاماً ! اتمنى ان تحظى بالسلام الروحيّ .. اما الأهالي ، فلن يعلموا بمصير المفقودين الا بعد ذوبان الجليد عن البحيرة .. لذا عليّ ترك القرية نهائياً والهجرة للخارج .. ليت بإمكاني نقل رفاتك معي ، لكني مجبور على تركك هنا .. في امان الله ، يا ابني الوحيد


وخرج من المقبرة .. راكباً سيارته المستأجرة التي ستوصله لمطار المدينة ، ومنها للغربة بعد حصوله على انتقامٍ طال انتظاره !


لقب بلا حقوق

فكرة : اختي اسمى كتابة : امل شانوحة  غدر الورثة  في ليلةٍ باردة ، إستيقظت صبيّة (عشرينيّة) في مكانٍ غريب ! لتجد سائقها الستينيّ (المتوظّف حد...