الثلاثاء، 25 فبراير 2025

بعد طول انتظار

تأليف : امل شانوحة 

 

الصُدفة الغريبة !


اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي :

- امي !! امي !! لما تركتنا ورحلتي ؟!

وحضنتها بقوّة وهي منهارة بالبكاء ! قبل ظهور والد الطفلة ، وهو يعتذر منها .. وآثار الصدمة والتعجّب ظاهرة في عينيّه :  

- آسف لما فعلته ابنتي .. لكنك حقاً ، تُشبهين زوجتي كثيراً !

السيدة : واين هي الآن ؟

فأجاب بحزن : توفيّت قبل شهريّن

فصرخت ابنته ، وهي مازالت تحتضن السيدة :

- ابي ، لا تقلّ هذا !! امي بخير ، الا تراني أحتضنها ؟!

فربتتّ السيدة على ظهرها بحنان ، وهي تقول للأب بشفقة :

- يبدو انها تفتقد امها كثيراً ! 

الأب بقهر : وانا ايضاً اشتقت لزوجتي


السيدة : هل حقاً أشبهها لهذه الدرجة ؟!

الأب : كأنك هي ! وخاصة لمعة عينيّك .. ليتني لم أحذف صوّرها قبل ايام ، لأريتك إحداها .. لكني فعلت في محاولة لنسيانها ومتابعة حياتي .. وهاهو القدر يجمعني بتوأمتها ! .. (ثم تلفّت حوله) .. أعتذر منك ! لا اريد التسبّب لكِ بمشاكل مع زوجك 

السيدة بخجل : لست متزوّجة

فلم يستطع إخفاء ابتسامته : 

- أحقاً ! أقصد..

فقاطعته : لا تسرح بخيالك ، أنا اكبر منك

- وكم عمرك ؟

- ٤٦

- وانا قاربت الخمسين

السيدة باستغراب : مستحيل ! تبدو بالثلاثينات 


الرجل بارتباك : وكذلك انتِ ! بصراحة لا ادري كيف أفاتحك بالموضوع.. لكني مهندسٌ مدنيّ ، وشقتي مُجهّزة بكل شيء .. فهل يمكننا.. أقصد لأجلها

وأشار لإبنته التي ترفض الإبتعاد عنها !

السيدة بابتسامة : حسناً فهمت

وأعطته رقم أخيها ، وهي تقول بخجل :

- يمكنك الإتصال به ، ومفاتحته بالموضوع.. لربما هناك نصيبٌ بيننا!

الرجل بسعادة : ان شاء الله ، يحصل قريباً .. أشعر بذلك من كل قلبي

وشدّ ذراع ابنته ، للإبتعاد عنها :

- هيا أتركيها تُكمل تسوّقها ..ودعينا نُحاسب عن أغراضنا 

الفتاة وهي تمسح دموعها : لا !! لن أترك امي.. دعها تذهب معنا

فانحنى نحو ابنته ، وهو ينظر للسيدة :

- من يدري .. ربما في المرة القادمة ، تأتي معنا للتسوّق لمنزلنا 


وغمز السيدة بغزل .. فمسحت السيدة رأس ابنته بابتسامةٍ خجولة .. ثم جرّت عربتها مُبتعدة ، وهي تشكر الله بإعطائها املٍ للزواج بسنّ العنوسة! 

قائلةً في نفسها ، بارتياح :

((اخيراً فُرجت ، بعد طول انتظار !)) 

***


خارح السوبرماركت .. وقفت بانتظار سيارة اجرة ، لتُفأجأ بسيارة الرجل تقف امامها :

- يمكنني إيصالك الى منزلك

فردّت بحياء : صعبٌ جداً .. لا اريد للجيران ان يرونني برفقة رجلٍ غريب

ففتحت ابنته الباب ، وهو تقول بحماس :

- رجاءً امي ، إركبي معنا !!

الأب : لا تقلقي ، سأتوقف بعيداً عن عمارتك .. فأنا بحاجة لمعرفة عنوانك ليوم خطوبتنا

 

ورغم شعورها بأنه تصرّفٌ غير لائق ، لكنها وافقت بعد إلحاحّ الصغيرة على الركوب بجانبها (بالمقاعد الخلفيّة)

^^^


وفي الطريق .. أعطتها شوكولا 

السيدة : لا اريد ، شكراً لك

فردّت الفتاة بضيق : لكنها المُفضلّة لديكِ ! 

فنظر والدها من مرآته الأماميّة ، وهو يقول :

- هذا صحيح ، فأمها تعشق هذا النوع من الشوكولا 

فقالت السيدة في نفسها : ((الصغيرة ترغب بشدّة ان أُشابه امها بكل شيء!))

الأب : رجاءً ، تناولي ولوّ لقمةً واحدة .. فأنا اعرف ابنتي جيداً ، عنيدةٌ للغاية 

الفتاة بإصرار : إنظري امي ، إشتريت واحدة لي ايضاً .. دعينا نأكلها معاً ، كما نفعل دائماً !!

وتناولت الفتاة شوكولاتتها بسعادة .. فلم تجد السيدة مانعاً من تذوّق بعضها

***


في المساء .. فتحت السيدة عينيّها بصعوبة ، وهي تشعر بدوّارٍ وألمٍ فظيعيّن ! 

ثم نظرت حولها بعيونٍ زائغة ، لتجد نفسها بغرفة عمليّات .. وهي مستلقيّة على بطنها فوق سريرٍ طبّي !

وحين لمست مصدر الألم ، وجدت لصقةً طبيّة كبيرة على الجزء السفليّ من ظهرها! 


ولم تفهم ما جرى ! قبل دخول الأب الى غرفتها الشبه مُعتمة ، وهو يقول بضيق :

- هآ انتِ إستيقظتي اخيراً .. بعد طووووول انتظار

فتذكّرت قولها الجملة نفسها ، بمعنى مختلف ! 

وسألته بقلقٍ وتعب :

- ماذا حصل ؟! .. كنت توصلني الى منزلي ، فأين انا الآن ؟! 

فردّ الأب : خطفتكِ بعد تذوّقكِ الشوكولا المُخدّرة 

- ماذا ! ولماذا خطفتني ؟!

- الا تعرفين ثمن الكليّة بالسوق السوداء ؟

السيدة بصدمة : يا لعين !! هل انت من تجّار الأعضاء البشريّة ؟! 

- لا تقلقي ، لستِ الضحيّة الوحيدة .. فقبلك 27 سيدة لقينّ المصير ذاته ..فأنا استخدم وسامتي للإيقاع بالعانسات البائسات امثالك.. وعلى فكرة ، عمري 35 سنة فقط ..  

- وكيف تورّط ابنتك بتجارتك القذرة ؟!

- ومن قال انها ابنتي ؟


ثم نادها.. فدخلت الصغيرة وهي تُدخّن السيجار..

السيدة بدهشة : كيف تسمح بتدخينها بهذا العمر ؟!

فردّت الفتاة بلؤم : لا تحدّثيني كأني طفلة ، أنا اكبر منك سنّاً 

- ماذا !

فردّ الرجل : صحيح ، هي قاربت الستين من عمرها.. وتُعدّ اهم زعماء تجّار الأعضاء في البلد .. وانا احد رجالها المُخلصين

السيدة : أتقصد انها تعاني من ذلك المرض ؟!

الفتاة بضيق : هو مرض يشبه التقزُّم ، دون تشوهات جسديّة .. فقد وقف نموي بعمر العاشرة .. ففكّرت باستغلال إعاقتي للكسب الماليّ.. واخترت أوسم رجال عصابتي ، للإيقاع بالسيدات اليائسات امثالك 


السيدة : وكيف عرفتما انني عزباء ؟!

الرجل : مئة دولار لحارس مبنى ، او لخادمة منزل كفيلة بمعرفة اسرار المنطقة بأكملها ! لهذا نختار السيدات اللآتي تجاوزنّ سن الزواج ، للإيقاع بهن .. بشرط ان يكنّ فقراء او من الطبقة المتوسطة .. فهذه الحيلة لا تنتطلي على السيدات الثريّات 

السيدة بعصبية : ستنالا جزائكما ، اعدكما بذلك !! 


وحاولت النزول من السرير ، وهي تشعر بألمٍ شديد ..

الشاب : ماذا تظني نفسك فاعلة ؟!

ثم نظر لزعيمته ساخراً :

- تعتقد اننا سندعها تذهب بعد معرفتها بوكّرنا ، الموجود بأحد الأنفاق الارضيّة المهجورة 

السيدة بعصبية : أخذتما كليّتي ! ماذا تريدان بعد ؟!!

الشاب بلؤم : قرنيّة عينيك الزرقاوتيّن ، ورئتك ، وكبدك..

وأكملت الفتاة بخبث : والأهم من ذلك !! قلبك البريء الطيّب ..لكننا بدأنا بأسهل الأعضاء .. وتركناك تستيقظين من المخدّر ، لتفضيلي شرح ما حصل للضحايا قبل إنتقالهنّ للعالم الآخر .. يعني يمكنكِ القول : لإراحة ضميري 


ثم نادت الجرّاح ، الذي دخل الغرفة ومعه ابرة المخدّر ..

الفتاة : هيا قمّ بواجبك !!

فتوجّه نحو السيدة التي حاولت الهرب منه ، لكنه تمكّن من غرز الإبرة في ذراعها


وقبل استسلامها لمصيرها المشؤوم .. إقتربت الفتاة منها ، وقبّلت رأسها :

- سأشتاق اليك ، يا ماما الحبيبة

وكان هذا آخر ما سمعته ، مُتزامناً مع ضحكاتهم الساخرة .. قبل ان تنام نومتها الأبديّة !


السبت، 22 فبراير 2025

الجريء والخجولة

تأليف : امل شانوحة 

المصعد المُعطّل


في حفلة رأس السنة ، المُقامة على سطح شركةٍ تجاريّة .. تعطّل المصعد اثناء نزوله للطابق الأرضيّ .. لتعلق الموظفة الجديدة الخجولة مع الشاب الّلعوب (ابن المدير ونائبه) 


وبعد طرقهما على باب المصعد وصراخهما بعلوّ صوتهما ، رضخا للأمر الواقع بالبقاء في المصعد لحين انتباه احد العاملين بالشركة على تعطّله ، على امل إنقاذهما قبل الإحتفالات الصاخبة !


وتكوّرت الصبيّة في زاوية المصعد .. بينما تعمّد الشاب الوسيم على الجلوس قربها ، مُتجاهلاً إرتباكها وعدم نظرها اليه !

ليسألها بصوته الرخيم : 

- لم أركِ من قبل ! هل توظّفت حديثاً في شركة ابي ؟ 

فأومأت برأسها إيجاباً.. 

الشاب : غريب ! يبدو شكلك مألوفاً

وحاول رفع رأسها ، لرؤيتها جيداً .. لتُفاجئه بردّة فعلها : بإبعاد يده بعنف !


فقال مبتسماً : أُحب الشرسات اللآتي يدّعين العفّة

الموظفة بحزم : رجاءً إبتعد عني !! 

- لا تقلقي عزيزتي .. لست غبيّاً للتحرّش بك ، بوجود كاميرا المصعد ..فهذا سيوقعني في مشاكل قانونيّة ، خاصة انك تبدين أصغر من 18 ! ام انك اكبر؟

فلم تجبه ، وحاولت الإنشغال بجوّالها..


الشاب : لا تتعبي نفسك ، فالأجهزة لا تعمل هنا 

فأعادت جوّالها بضيق الى حقيبتها اليدويّة ..

الشاب : طالما انت خجولة ، فلما اشتركتِ بحفلة رأس السنة ؟!

- زملائي أُرغموني على ذلك 

- آه فهمت .. وعندما ضايقتكِ زحمة السطح ، قرّرتِ العودة لمنزلك قبل حلول منتصف الليل .. تماماً كسندريلا

وأمسك حذائها..

الشاب : اساساً تشبهينها بمقاس قدمك الصغيرة !

فأبعدت يده بعنف للمرّة الثانية ، قائلةً بعصبيّة :

- رجاءً إتركني وشأني ، وإلاّ سأصرخ بعلوّ صوتي !!

الشاب ساخراً : صرخنا قبل قليل ، ولم يسمعنا احد 


فعادت لتكوّر على نفسها من جديد ، وهي تُبعد نظرها عنه ..

الشاب : يبدو انك لا تثقين بنفسك ، مع ان شكلك لا بأس به !

فنظرت اليه ، كأنها غير مُصدّقة ما قاله !

الشاب بابتسامةٍ خبيثة : آه ! أعرف هذه النظرة جيداً.. يبدو ان والديّك لم يمدحانك طوال حياتك ، وربما عانيّتي من التنمّر في دراستك .. وأظنك تملكين موهبةً ما ، تُخفينها عن الجميع .. وبواسطتها تُخرجين غضبك المكبوت ، اليس كذلك ؟

فأجابته بصدمة : كيف عرفت ؟!

فقال بغرور : عزيزتي ، الفتيات بالنسبة لي كتابٌ مفتوح ..فهنّ يُلاحقنني كالذباب منذ صغري .. هيا إخبريني ، ماهي موهبتك ؟

فلم تجبه..


الشاب بنبرةٍ جادّة : إسمعيني جيداً !! لديّ الكثير من العشيقات ، ولا أنوي إضافة أخرى على قائمتي .. لكننا عالقان هنا ، وأحاول تضيّع الوقت .. فمازالت هناك ساعة على منتصف الليل ، وساعة اخرى على انتهاء الحفل .. فهل سنمضي كل هذا الوقت صامتيّن ؟

- ولما لا ؟

الشاب : سيكون مللّاً لا يُطاق ، ولن تكون بداية جيدة للسنة الجديدة

- طالما لديك الكثير من المُعجبات ، فلما تركت الحفل ؟! 

- لم أترك ضيوفي ، بل كنت مُستمّتعاً للغاية .. لكني اردّت النزول للموقف ، لإحضار شيءٍ من سيارتي .. ولسوء حظي علقت معكِ 

الفتاة بعصبية : بل لسوء حظّي انا !!

- هيا لا تكوني مُتزمّتة هكذا ، إخبريني بهوايتك ؟


فسكتتّ قليلاً ، قبل ان تقول : لديّ موهبة التخطيط الدقيق 

الشاب باستغراب : ماهذه الهواية الغريبة ؟!

- أقصد إيجادي الحلول المناسبة للمشاكل العالقة

- مثل ماذا ؟

الفتاة : الأمر يفوق تفكيرك

فردّ بسخرية : يالا تواضعك ! اراهن انك كنتِ مُتفوّقة في الدراسة ؟

- نعم !! بعكسك

الشاب : بهذه معك حقّ .. ومع ذلك تخرّجت بسهولة من الجامعة ، بسبب واسطة ابي .. فأنا من عائلةٍ ثريّة 

- واضحٌ جداً

- اكيد واضح .. فملابسي من أفخم الماركات ، بينما انت..

الفتاة مقاطعة : لم أتوظّف لكيّ أتفاخر بهذه السخافات !! 


الشاب : حسناً لنغيّر الموضوع ..هل لديك إخوة ؟

فتنهّدت الفتاة بحزن : اختٌ واحدة

- تكبرك ام تصغرك ؟

- تصغرني

الشاب : ولما لم تأتي للحفلة ؟ فقد سمحنا للموظفين بإحضار شخصيّن من عائلاتهم 

- هي تقضي وقتها في مكانٍ افضل

الشاب : يبدو بينكما غيرة وتنافس ! حسناً دعيني أتحدّث عن نفسي .. انا الوريث الوحيد لأملاك والدايّ الضخمة .. وكما تلاحظين .. فأنا شابٌ وسيم للغاية ، يعني حلم كل فتاة

- ليست كل الفتيات !!

الشاب بدهشة : غريبٌ امرك ! يعني تعرفين انه بإمكاني طردك بسهولة ، مع هذا تجادلينني بكل أريحيّة .. باعتقادي تشبّثك برأيك هو سبب حياتك البائسة 

- بل كانت حياتي مثاليّة

الشاب : كانت ؟!

الفتاة بحزن : قبل قيام احدهم بتدمير عائلتي

الشاب باهتمام : ماذا حصل ؟!


وهنا سمعا شخصاً ينادي من خارج المصعد :

- هل يوجد احدٌ بالداخل ؟!!

فسارعت الفتاة بالنهوض ، والطرق على الباب بقوّة :

- نحن عالقيّن منذ نصف ساعة

العامل : حسناً ، سأصلح العطل بالحال !!


فنهض الشاب ، ووقف قريباً منها : 

- لم تكملي قصة عائلتك ؟

فقالت بلؤم : المصعد سيتحرّك بعد قليل ، لا داعي لمشاركتك همومي  

^^^


وبعد دقائق ، تابع المصعد نزوله للأسفل.. ثم راقبها الشاب وهي تخرج من موقف الشركة .. فلحقها بسيارته ، وهو يناديها :

- توقفي !! هل تظني من السهل إيجاد سيارة اجرة بآخر ساعة من ليلة رأس السنة ؟!

الفتاة والجوال بيدها : احاول الإتصال بأوبر ، لا تقلق بشأني

- مستحيل !! لن تجدي سيارة إجرة مُتفرّغة مع إقتراب موعد الإحتفالات.. تعالي أُوصلك منزلك ، وفي الطريق تُكملين قصتك

- الم تكن تريد اخذ شيءٍ من سيارتك ، والعودة للحفل ؟!

الشاب : ستكون هناك سهرات اخرى .. فمن الصعب عليّ ترككِ ، بعد أن أثرتِ اهتمامي .. يعني نوعك المُتزّمت ، لم يمرّ عليّ من قبل! 

- هل ملّلت النساء اللآتي تلاحقنك باستمرار ؟

- تقصدين الرخيصات و..

فقاطعته غاضبة : لم يكنّ جميعاً رخيصات !!

باستغراب : ولما غضبتِ هكذا ؟! 


فصمتتّ وهي تراقب الشارع ، بانتظار مرور سيارة اجرة .. بعد إعادة جوالها بتأفّف لحقيبتها ..

الشاب : هل فرغ شحنك ؟

- نعم للأسف !

- اذاً لا تعانديني ، دعيني اوصلك الى منزلك 


فدخلت بضيق الى سيارته ، وهي تقول :

- لوّلا تأخر الوقت ، لما وافقت على الركوب معك 

الشاب : تصبحين اجمل عندما تكونين مُطيعة

^^^


وفي الطريق..

- الن تكملي قصتك ؟

الفتاة باستغراب : ايّة قصة ؟!

- قصة خراب عائلتك .. هل والداك مُطلّقان ؟

فردّت بحزن : للأسف !

- هل حصل ذلك حديثاً ؟

الفتاة : قبل عام وبضعة اشهر

- هل بسبب الخيانة ؟ 

الفتاة بغضب : لا تدعني أصفعك الآن !!

- يا فتاة ! لما تنتابك نوبات غضبٍ مفاجئة ؟! هل انت ممسوسة بالجن والعفاريت ؟!

- ابي وامي مُخلصيّن لبعضهما ، لكنهما لم يتحمّلا مصابهما الكبير.. ولا تسألني ماهو ، لأن جرحه مازال يؤلم قلبي حتى اليوم 

الشاب : يبدو غير مستعدّة للفضّفضة بعد ! 

فأومات برأسها إيجاباً..

الشاب : الهذا أجبرك زملائك على حضور الحفلة ؟

- وهربت قبل ملاحظتهم إختفائي

- اذاً صار من واجبي تحسين نفسيّتك

الفتاة بقلق : ماذا تقصد ؟!

وقاد سيارته بطريقٍ فرعيّ .. 


الفتاة بخوف : الى اين تذهب ؟! هذا الطريق لن يوصلني للعنوان الذي أعطيتك اياه!

- أريد ان أريك فلّتي الفخمة

- ومن قال انني اريد رؤيتها ! 

الشاب : لا تقلقي ، سنتحدّث فقط 

- انا لا اثق بك

- يبدو وصلتك الإشاعات القذرة ! لكني لست من النوع الذي يُجبر احد على مصاحبتي .. فلديّ عشرات الإختيارات : معظمهنّ ممثلات مشهورات وعارضات ازياء ، وفاتنات من دولٍ اجنبيّة .. هل تظني سأختار فتاةً مُعقّدة لإمضاء سهرة رأس السنة معها ؟ كل ما اريده هو فهم مشكلتك 

الفتاة بتهكّم : وهل انت طبيبٌ نفسيّ ؟

- امي من اهم الأطباء بالبلد .. وعلّمتني العديد من العلاجات والأساليب النفسيّة ، خصوصاً فهم لغة الجسد .. وحسب تصرّفاتك ، تبدين كالبركان على وشك الإنفجار ! لهذا أجدك مثيرة للإهتمام .. فأنا اريد معرفة الموضوع الذي يُضايقك لهذه الدرجة ؟ وهل له علاقة بطلاق والديّك ؟ 

فالتزمت الصمت..

الشاب : جيد !! طالما لا تقاومين ، فأنت على طريق العلاج

^^^


ثم توقف امام فيلا فخمة صغيرة ..

الشاب : هذه الفيلا أستخدمها للعطل الإسبوعيّة ، لأني اعيش بقصر والدايّ.. لهذا اخترتها صغيرة ، لحبي للخصوصيّة دون وجود خدمٍ حولي .. هيا دعيني اريك اياها من الداخل

^^^


وفي الصالة ، اراد أن يُريها الطابق العلويّ .. لكنها أصرّت على الجلوس بجانب المسبح ، الموجود في حديقته بأسوارها العالية  

الشاب : لكنه يوجد غرفٌ رائعة بالأعلى

- الضيوف لا يصعدون لغرف النوم

- وماذا لوّ اعتبرك اكثر من ضيّفة ؟ 

الفتاة بحزم : إسمعني جيداً !! سأخرج من منزلك فور شحن هاتفي ، للإتصال بأوبر الذي سيعيدني الى منزلي

- إذاً سأحضر الشاحن .. يمكنك اختيار العصير الذي سنشربه معاً


وصعد للطابق العلويّ .. وكان المطبخ مُتصلا بالصالة المُطلّة على الحديقة .. ففتحت الثلاجة ، لتجد كافة المشروبات الكحوليّة .. فاختارت عصيراً غازيّاً 

^^^


وعندما نزل للحديقة ، وجدها تضع كأسيّن على الطاولة وهي شاردة الذهن ! فجلس على الكرسي المجاور لها ، وهو يقول : 

- الم تختاري سوى البيبسي ؟! 

الفتاة : لا أحب الخمور والدخّان 

- لست متفاجئاً ، فأنت تبدين مثاليّة بالنسبة لي : كالقطة الصغيرة او الصوص الذي مازال في البيضة !.. تذكّريني بموظفة قديمة ، كانت ساذجة مثلك 

- وماذا حصل لها ؟

الشاب : فجأة لم تعد تداوم ! فوظّفنا غيرها

- الم تسأل عنها ؟

- ولما افعل ؟ شركتنا من اهم شركات البلد ، والكثير يتمنّون التوظّف فيها .. آه صحيح ! لم اسألك بعد .. بأيّ قسم تعملين ؟

الفتاة : الأرشيف في قبوّ الشركة 

- ولما وافقتي العمل هناك ؟!

- تعلّمت الإدارة والحاسوب واللغة الإنجليزيّة في معهدٍ بقريّتي .. لهذا وظّفوني هناك ، لعدم امتلاكي شهادةً جامعيّة 

الشاب : لهذا لم اركِ من قبل ! جيد ان المصعد علق فينا .. هيا إشربي عصيرك ، وحاولي الإسترخاء قليلاً .. فأنت لم تخبريني بسبب طلاق والديّك و..

 

وبدأ يتثاءب..

الشاب باستغراب : غريب ! بالعادة لا أنعس بهذا الوقت المُبكّر 

ثم نظر الى ساعته..

- عشر دقائق ، ويبدأ العدّ التنازلي لسنة الجديدة .. وطالما فلّتي على هضبةٍ مرتفعة ، سنشاهد معاً المُفرقعات بالسماء

وهنا سقط العصير من يده ..

الشاب بقلق : يا الهي ! لما يدي اصبحت ثقيلةً هكذا ؟!

الفتاة : ماذا بشأن قدميّك ؟

الشاب برعب : لا استطيع تحريكهما ! مالذي يحصل لي ؟!!


وهنا اضاءت الفتاة جوالها على صورة صبيّة اخرى ..

- هل تتذكّرها ؟

الشاب بدهشة : هذه الموظفة التي شبّهتك فيها ! 

- والتي اختفت فجأة ، اليس كذلك ؟

الشاب بقلق : من انت ؟

- انا اختها الكبرى .. أتدري مالذي حصل لها ؟ إنتحرت بعد رفضك الزواج بها ، حزناً من الفضيحة التي انتشرت بقريتنا المُتحفّظة ، بعد خبر حملها الغير شرعي منك.. وبعد موتها ، تفرّق والدايّ .. وعشت مع جدتي .. (ثم مسحت دمعتها) .. كانت اختي طموحة للغاية .. وتفوّقت بدارستها الجامعيّة لأنها تحلم بالثراء والشهرة ، فهي تكره حياة الريف .. لهذا كانت ضحيّةً سهلة لك .. وبعد موتها ، قرّرت دراسة الإدارة بالمعهد .. لكن للأسف وظيفتي بإرشيف شركتك ، منعني مقابلتك .. حتى بالحفل لم تنتبه عليّ ! الى ان سمعتك بالصدفة تُحدّث صديقك بأنك نسيت المخدّر بسيارتك ، والذي تنوي وضعه خفيةً في كوب ضحيّتك القادمة .. وانك ستنزل للموقف بعد انهاء رقصتك معها .. فأسرعت لعامل المصعد ، ورشوّته بالمال ، لكيّ يوقف المصعد بنا لنصف ساعة على الأقل .. وعندما أتينا الى هنا وصعدت لغرفة نومك ، وضعت دواءً في مشروبك .. 


الشاب بألم ، وهو يحاول تحريك اطرافه المُتصلّبة : 

- مالدواء الذي وضعته ؟!

- انا طبيبةٌ بيطريّة .. وهذا دواء نضعه للأحصنة ، لشلّ حركتها اثناء ولادتها المُتعسّرة .. هو دواء غير مميت ، ويدوم ساعة على ابعد تقدير .. لكن معك سيدوم العمر كلّه

بخوف : ماذا تقصدين ؟!

فنظرت الى ساعتها :

- بعد قليل ستنطلق المُفرقعات المدويّة ، حينها لن يسمع احد صراخك

فانهار باكياً :

- لم اقصد التلاعب بأختك ، بل هي لاحقتني بكل مكان !!

الفتاة بلؤم : لا تهمّني تبريراتك.. الم أخبرك إن هوايتي ، هي التخطيط الدقيق ؟ ولي اكثر من عام انتظر هذه اللحظة ، للإنتقام لأختي الوحيدة 


ثم نظرت لساعتها وهي تعدّ :

- 3 – 2 – 1 .. (ثم بصوتٍ عالي) .. سنةٌ سعيدة !!


وما ان انطلقت المُفرقعات الصاخبة .. حتى رمته من الكرسي ، ليسقط دون حراك على الأرض ! ثم دفعته بكل قوّتها باتجاه المسبح  


واثناء محاولته الطفوّ بأطرافه المشلولة ، تلاشت صرخاته اليائسة مع ارتفاع موسيقى الإحتفالات بالفلّل المحيطة في مجمّع الأثرياء .. بينما تستمّر بالضغط فوق رأسه ، لبقائه اسفل الماء .. الى ان غرقت جثته لعمق المسبح !

^^^


وفي الوقت الذي امتلاءت السماء بالمفرقعات الناريّة ، كانت تجلس في سيارة اوبر في طريقها الى منزل جدتها بالقرية .. بعد انتقامها من قاتل اختها ومُدمّر عائلتها ، عقب إحقاقها العدالة لجميع الفتيات اللآتي تلاعب بمشاعرهنّ على مدى سنواتٍ طويلة !


الأربعاء، 19 فبراير 2025

سفر البر

تأليف : امل شانوحة 

 

عابر سبيل


اضّطر رجل لأخذ زوجته وابنه الصغير مساءً الى المدينة المجاورة ، بعد سماعه خبر احتراق مصنع العائلة (الخاصّ بالأقمشة المستوّردة) التي يعتاش عليها هو وبقيّة إخوته !


وكان شارداً طوال الطريق وهو يفكّر باحتماليّة فشل رجال الإطفاء بإنقاذ المصنع الضخم ، مما سيؤدي لإفلاس كل افراد عائلته !


وفي طريق السفرّ البرّي الطويل ، في تلك الليلة باردة .. لم يتواجد في الشارع سوى سيارة قديمة امامهم ! وقد لاحظ الأب تسرّب البنزين من اسفلها.. فأطلق بوق سيارته ، لتنبيه السائق العجوز بإطفاء سيجارته بالحال

لكن العجوز أشار بيده لتجاوز سيارته ، وإكمال طريقه دون إزعاجه!

فتمّتم الأب بامتعاض :

- كما تشاء ايها الخرِف


ليلاحظ بمرآته الجانبيّة : ان العجوز توقف جانباً ، بعد خروج دخان من مقدّمة سيارته !

فقالت زوجته :

- المسكين تعطّلت سيارته بهذا البرد القارص ، والطريق خالي من السيارات !

فردّ زوجها : لم يعجبني تصرّفه الغير لبق معي ، دعيه يتدبّر اموره


ولم يمضي ثواني ، حتى سمعوا إنفجاراً خلفهم !

الزوجة بصدمة : يبدو ان سيارته احترقت ! 

زوجها بعصبية : الغبي !! نصحته بإطفاء سيجارته مع وجود تسرّب البنزين 

الإبن بفزع : ابي ! دعنا نعود اليه ، ربما يكون عالقاً بسيارته المُحترقة 


فعاد الأب للخلف ، ليجد العجوز يقف بعيداً عن سيارته التي مازالت تشتعل!

فأطلّت الأم من النافذة ، وهي تقول للعجوز : 

- الحمد الله على سلامتك ، يا عم !!

وضغطت على يد زوجها ، للتحدّث معه .. رغم شعوره بعد الإرتياح لملامح العجوز الصارمة ! لكنه رضخ لطلبها ، قائلاً له :

- يمكننا إيصالك للمحطّة القادمة !!


في البداية ، لم يهتم العجوز بمبادرة الرجل ! لكن بعد لمحه الولد ، تنهّد قائلاً : 

- يبدو لا حلّ آخر امامي 


وأوشكت الأم على ترك مقعدها الأمامي ، لكنه سارع بالجلوس بجانب الصبيّ في المقاعد الخلفيّة !

فتابع الأب القيادة وهو يقول :

- اذا كان معك جوّال ، فابلغ احد اقاربك بحادثة احتراق سيارتك

فردّ العجوز : لا أهل لي

فسألته الأم باستغراب : أحقاً ! يعني لا زوجة ولا اولاد ؟!

العجوز بضيق : انا وحيد بهذه الدنيا 

الأب : وماذا كنت تفعل بطريق السفرّ ؟!

العجوز : طردتني قبيلتي ، لقلّة إنجازاتي بالفترة الأخيرة .. ففكّرت الإنتقال للمدينة المجاورة لحياةٍ جديدة

الأم باستغراب : قلّة إنجازاتك ! الا يرحمون كبر سنك ؟!

زوجها باستنكار : لحظة يا عم ! عن أيّةِ قبيلة تتحدّث ؟! فمدينتا والمدينة المجاورة  لا توجد فيهما قبائل بدويّة ؟!

العجوز : بلى !! يوجد العديد منا ، لكننا بعيدون عن الأماكن المزدحمة 


ثم مسح رأس الصبيّ ، وهو يسأله :

- كم عمرك ؟

- سبع سنوات

العجوز : أتدري ان لون بشرتك وشعرك جميليّن للغاية ؟

(وكان الولد يعاني من مرض البهق ، الألبينو)

الولد بحزن : لكن زملائي يستهزأون مني ، وينادونني بالعجوز او رجل الثلج !

العجوز : لا تهتم لكلامهم ، فأنت كنزٌ لا يقدّر بثمن


فاستغرب الوالدان من اهتمام العجوز بإبنهما ، والإستمرار في محادثته لبعض الوقت ! وقرّرا تركه على راحته ، لربما مُشتاق للأجواء العائليّة  

^^^


الى ان وصلوا لمفترق طرق ! فأوقف الأب سيارته وهو يقول باستغراب : 

- سافرت كثيراً بهذا الطريق ، وهذه اول مرّة ارى الشارع الفرعيّ ! 


ليتفاجأ بالعجوز يضع سكينته الصغيرة الحادّة على رقبة ابنه ، وهو يقول بنبرةٍ حازمة :

- هذا هو الطريق الذي سنسلكه !! 

فنظرت الأم بفزع للخلف ، بينما صرخ الأب غاضباً :

- ماذا تفعل ايها المجنون ؟!!

العجوز : الطريق الفرعي سيعيدني الى قبيلتي

الأم بقلق : وما دخلنا بهم ؟!

العجوز : قرّرت العودة ، بعد إيجادي طريقة للإعتذار عن تقصيري بالعمل 


ثم نظر للصبي بفخر :

- انت الحلّ لكل مشاكلي .. لهذا كفّ عن البكاء ، يا بطل !!

فصرخ الأب فزعاً :

- ماذا تريد من ابني ، ايها المنحرف ؟!!

العجوز : قبيلتي ستهتم به 

الأم بخوفٍ شديد : وماذا يريدون من ولدٍ صغير ؟! 

العجوز بابتسامةٍ صفراء : دمه النقيّ الطاهر

الوالدان بصدمة : ماذا !

العجوز : دم المُصاب بالبهق فاتح ، ولذيذ كالعسل 

الأب صارخاً : من ايّة قبيلةٍ مُريبة انت ؟!! 

العجوز : لا تستعجل الإجابة .. إكمل سيرك بالطريق الفرعي ، وإلاّ ستشهدان مجزّرة بالمقعد الخلفيّ 

^^^


فسارع الأب بتحويل مسار سيارته ، للعودة من حيث أتى ! بينما حاولت الأم برعب ، سحب جوالها من حقيبتها للإتصال بالشرطة 

لكنها توقفت بعد سماع العجوز يقول :

- آه على فكرة !! لا تحاولان طلب النجدة ، فطاقتي تُعيق ذبذبات جوّالاتكما  

الأب بعصبية : طاقة ماذا !

وأخرج جوّاله الذي فشل في تشغيله ، وكذلك جوّال زوجته الذي كان مشوّشاً تماماً !


العجوز : لما تحبان المجادلة والإعتراض ؟! هل نسيتما ان مصير ابنكما بين يدايّ؟!

الولد بصوتٍ مرتعش ، والسكين مازالت على رقبته : 

- امي .. انا خائفٌ جداً

الأم وهي تمسح دموعها : حبيبي .. لا تبكي رجاءً

الأب : سأنقذك بنيّ ، لا تقلق 

العجوز : لا تستمع لهما ، فهما عاجزان اكثر منك .. (ثم قال للأب بحزم) ..هيا انظر امامك !! وتابع السير  

^^^


فأكمل القيادة حتى وصلوا لصحراءٍ مُقفرّة..

الأب : ماذا الآن ؟!

العجوز : لنخرج جميعنا من السيارة

الأب بعصبية : عدّ الى قبيلتك ، واترك عائلتي وشأنها !! 

العجوز : هل انت غبيّ ؟ أخبرتك بأنهم طردوني بقرار جماعي .. لهذا لن يستقبلونني ، قبل تقديم ابنك كهديّةٍ لهم .. هيا إنزلا ، لتوديعه


فسارا مُرغميّن خلف العجوز الذي مازال يضع السكين على رقبة ابنهما المنهار بالبكاء ..الى ان وصلوا لكثبانٍ رمليّة كثيفة !

الأب : توقف !! لم نعد نرى شيئاً بعد ابتعادنا عن انوار الشارع

العجوز : لا تقلق ، فقد وصلنا أخيراً .. الآن ودّعا ابنكما الذي لن تريّاه مجدداً 

الأب وهو يتلفّت حوله : لا يوجد احدٌ هنا ، لا خيّم ولا مواشي ! أعدّ ابني ، قبل هجومي عليك !! 

العجوز بتردّد : يبدو انكما تستحقان تفسيراً لما حصل .. حسناً كيف ابدأ ؟ .. انا من قبيلة الجنّ الترابيّة

الوالدان بصدمة وخوف : ماذا !

العجوز : جني ، ما الغريب في الموضوع ؟!

الأم : هل تريدنا ان نصدّق ان جنياً يقود سيارة ؟


العجوز : معك حق ، فنحن كائنات هلاميّة لا يمكننا السيطرة على عالمكم الماديّ ..لهذا تجسّدت عجوزاً بشريّاً لنقلي للمدينة المجاورة.. وبعد تعطّل سيارته الخردة ، رميت السيجارة فوق بنزينه المُتسرّب .. ولوّ أمعنتما النظر داخل السيارة المحترقة ، لرأيتما جثته المُتفحّمة.. لكني استنسخته قبل موته .. لذلك ترياني على هيئته ، وإلاّ لتوقف قلبكما من شكليّ الحقيقي المرعب .. كما تابعت تنكّري لكيّ توصلا الصبيّ الى قبيلتي التي تسكن اسفل هذه الصحراء.. وسأقدّمه قرباناً لرئيسي الشيطانيّ الذي يعشق دماء مرضى المُهق.. لكن لا تقلقا ، خطف ابنكما لن يكون مجاناً.. فهذا النوع من القرابين النادرة يساوي ثقله ذهباً.. لهذا يقوم مشعوذوا البشر بخطفهم على الدوام في كل بقاع الأرض ، خصوصاً تنزانيا وكينيا .. إنتظروني قليلاً.. سأوصل ابنكما لعرش زعيمي ، ثم أُخرج لكما ثمنه


وقبل ان يستوعبا ما قاله ! ضرب بقدمه فوق الكثبان الرمليّة التي سحبته مع الصغير لباطن الأرض ! 


 وانهار الوالدان لاختفاء ابنهما ، وصارا يحفران بأيديهما بهستيريا .. لكنهما لم يجدا سوى التراب !

وعندما يأسا .. أرادا العودة لسيارتهما للتوجّه لأقرب مركز شرطة ، والإبلاغ عن الحادثة المشبوهة !


لكن قبل إدارة ظهرهما ، خرج نورٌ من اسفل التراب ! قبل ظهور كيسٌ كبير من الخيّش.. فظنا ان ابنهما بالداخل.. 

وانهارت الأم خوفاً ان يكون بداخل الكيس : اشلاء ابنها وعظامه

 

لكن الأب تجرّأ على الإقتراب ، مُحاولاً فتح الكيس بيديه المرتجفتيّن .. لينصدم بامتلائه بالعملات الذهبيّة ! مع ورقة مكتوباً عليها :

((علمت قبل قليل ان مصنع عائلتك احترق بالكامل.. يمكنك بهذا المال إعادة بنائه ، لتصبح رئيس إخوتك ، بعد ان كنت مُهمّشاً بينهم.. وعلى فكرة !! جميع افراد قبيلتي يشكرونك على مذاق ابنك اللذيذ.. برأيّ إنسيا وجوده ، وانجبا غيره .. وإن كان طفلكما الجديد مُصاباً بذات المرض ، فتأكّدا أن قبيلتي ستُرسل غيري لخطفه.. فهكذا وليمة لا يمكن تفويتها))


وفجأة ! ارتفعت ضحكات متعدّدة من اسفل الصحراء .. فسارع الأب بحمل كيس الخيّش الثقيل ، والركض مع زوجته الى سيارته التي أكمل قيادتها للمدينة المجاورة.. بعد وضع كيس الذهب ، مكان الصغير بالمقعد الخلفيّ ..وهما يشعران بمشاعر مختلطة بين فقدان ابنهما ، وبين الثرّوة الضخمة التي تفوق ما حلماه به طوال حياتهما !


الأحد، 16 فبراير 2025

الأدلة الجرمية

كتابة : امل شانوحة 

 

مستودع الشرطة


في مستودع مركز الشرطة بالعاصمة ، رُصّت صناديق بلاستيكيّة فيها ادوات استخدمت بجرائم قتل منذ بداية العام..

وفي ليلةٍ الباردة ، أطلّت سكينة مطبخ كبيرة من صندوقها ، للتحدّث مع سكينة جيب صغيرة : 

- مازلت لا أصدّق انه تمّ استخدامك في عملية قتل المغني المشهور؟! 

سكينة الجيب : وهل يُعقل مثلاً ان يحمل القاتل (الذي امتلكني) سكيناً ضخمة مثلك وهو يخترق الجمهور ، لقتل المطرب المغرور ؟

- أقصد ان نصلك صغير ، ليتسبّب بالموت ؟!

- صغير ، لكنه حادّ كسيف سامورايّ.. فقد استطعت بسهولة قطع الشريان السباتي في رقبة ذلك المتغطرس الذي مات قبل وصوله للمشفى.. ماذا عنك ؟


سكينة المطبخ : صدّقي او لا تصدّقي .. إستخدمتني امرأة خمسينيّة في تقطيع زوجها لأجزاءٍ ، وضعتهم في اكياس نفاياتٍ متعدّدة !

- وهل كان ظالماً لها ؟

- هو بالأكثر بخيل .. ويبدو انها بذلك اليوم لم تتحمّل الجوع ، فطعنته اثناء لومه على شرائها بعض الخضار ، التي أكلتها لاحقاً بعد إضافة كبِده!  

سكينة الجيب بصدمة : أحقاً أكلت جزءاً منه ؟!

- هو حرمها طعم اللحم منذ زواجها به .. ولوحشيّة جُرمها ، حصلت على السجن المؤبّد

سكينة الجيب : وانا ايضاً حصل الشاب (الذي استخدمني) على الأعمال الشاقة طوال حياته


فأطلّت عصا بيسبول من صندوق بلاستيكي آخر ، قائلةً بعصبيّة : 

- ما بكما تثرّثران بصوتٍ عالي هذه الليلة ؟!!

فهمست سكينة الجيب لسكينة المطبخ ، بضيق : 

- هاهي العصا المُلطّخة بالدماء تُقاطع سهرتنا من جديد !

سكينة المطبخ بصوت عالي : مساء الخير ، ايتها العصا القوية !! تعالي وشاركينا قصة الدماء التي تغطّي مقدّمتك ! 

العصا باشمئزاز : صاحبي استخدمني في قتل زوجته التي وجدها مع عشيقها ، بعد عودته باكراً من السفر 

سكينة الجيب باهتمام : يعني ضربها على رأسها مراراً حتى الموت؟!

العصا : نعم ، وكنت قلقة ان يكسرني لنصفين من شدّة غضبه

سكينة المطبخ : وهل قتل عشيقها ايضاً ؟

العصا : لا ، تمكّن اللعين الهرب من النافذة

- وهل حُكم عليه بالمؤبّد مثل قضايانا ؟

العصا : فقط عشرين سنة .. فالمحكمة قدّرت ألمه وقهره ، لحظة اكتشافه الخيانة


وهنا سمعوا جلبة ! فنظروا للصندوق البلاستيكي في الخزانة المواجهة لهم ، التي خرجت منها سلّسلة حديديّة وهي تقول :

- على الأقل ماتوا ضحاياكم بسرعة .. اما انا ، فتعذّب كثيراً

العصا : وماذا حصل ؟

السلّسلة : ربطني بأقدام مديره العجوز الذي علّقه بالسقف بالمقلوب ، حتى انفجر رأسه الشائب بالدماء !

سكينة الجيب : ولما هذه الوحشيّة ؟!

السلّسلة : لأنه طرده وحرمه من تعويضه ، بعد لومه على شيء فعله وريثه المُدلّل ! 

سكينة المطبخ : اذاً كان عليه قتل ابن مديره الذي تسبّب في طرده !


وهنا خرج وشاحاً من نفس صندوق السلّسلة ، وهو يقول :

- لقد فعل ذلك بواسطتي.. فبعد تعليقه المدير بقبوّ معمل الشوكولا.. صعد لمكتب ابنه ، وخنقه بوشاحه حتى الموت

العصا : وهل حكموا عليه بالمؤبّد ؟

الوشاح : بل الإعدام بالكرسي الكهربائي ، بسبب ارتكابه لثلاثة جرائم

سكينة المطبخ : تقصد اثنان فقط ؟!

فخرجت قدّاحة وصفيحة بنزين من ذات الصندوق ، قائلةً القدّاحة بابتسامةٍ ماكرة :

- بل ثلاثة !! فقد أحرق المصنع بعد هربه .. مُتسبّباً بإفلاس الورثة الذين طالبوا بإعدامه ، لتدميره صناعةً ناجحة منذ نصف قرن ! وبسبب فظاعة جرمه ، تمّ إعدامه الإسبوع الفائت


وهنا خرجت رصاصة من صندوقٍ مجاور ، وهي تقول بغرور :

- جميعكم وسائل بدائيّة ! اما انا !! فأُعتبر الحلّ الأمثل لإنهاء حياة أيّ شخص 

العصا : وهل تركك الجاني في مسرح الجريمة ؟!

الرصاصة : بل أخرجوني من دماغ القتيل .. 

صفيحة البنزين : وهل أمسكو الفاعل ؟

الرصاصة : مازالوا يتتبعونه ، فهو قاتلٌ متسلّسل ..

 

سكينة الجيب : للأسف ، جميعنا أدلّة لجرائم قبيحة ! 

سكينة المطبخ : برأيكم ماذا سيفعلون بنا ، بعد إغلاق قضاياهم ؟!


وهنا تحدّث صندوق كرتوني مليء بالملفّات القديمة ، موضوع اسفل الخزانة :

- كما فعلوا بغيركم

السلّسلة بقلق : ماذا تقصد ؟

الصندوق : كل عام يقومون بإحراق ادلّة القضايا المحلولة

سكينة المطبخ برعب : ولما لا ينظّفونا من الدماء ، ويبيعونا بسوق الخردة؟!

الصندوق : ومن سيشتريك لتقطيع الخضار ، بعد استخدامك في تقطيع جثّة؟

فتنهّدت تنكة البنزين بضيق : هذا صحيح ! فالبشر كائنات متشائمة للغاية.. اسألوني انا !! فأنا بالعادة أتواجد في صناديق سياراتهم ، وأسمع مشاداتهم الكلاميّة مع مرافقيهم او من خلال الجوّالات .. هم مُتذمّرون للغاية !

سكينة الجيب بخوف : أقلت انهم يفعلون ذلك كل عام ؟!

الصندوق : تقريباً

العصا بقلق : ونحن اجتمعنا منذ سنة ، إن كانت حساباتي صحيحة.. فهل سيقومون..


وقبل إكمال كلامها ، دخل شرطي وهو يقول لعامل النظافة :

- إفرغ ما بداخل الحافظات البلاستيكيّة .. ثم خذهم الى المحرقة

عامل النظافة : وماذا بشأن صندوق الملفّات ؟

الشرطي : لم يأتي وقته بعد .. إتركه بالمستودع


وصارت الأدوات (أدلّة الجرائم) ترتعش رعباً ، قبل جمعهم بكيس زبالة كبير .. ولم يسمع أحد نحيبهم وبكائهم ! سوى الصندوق القديم المُغبرّ ، المليء بملفّات القضايا التي لم تُحلّ بعد (لغموضها ونقص الأدلّة) 


وبعد خروج زملائه الذين تجمّعوا في كيس العامل الذي أعاد قفل المستودع ..تنهّد الصندوق بضيق ، وهو يقول :

- لن أفتقدهم طويلاً .. فقريباً ستُملأ جميع الحافظات البلاستيكيّة بالأسلحة الداميّة ، فأطماع البشر وجرائمهم لا نهاية لها !


الجمعة، 14 فبراير 2025

المُعجب السرّي

تأليف : امل شانوحة 

الشهرة الموجعة 


- هذا كثير !! لم اعدّ أحتمل سيّطرتك وخياناتك المُتكرّرة ، عليك تطليقي الآن!!

قالتها المُطربة المشهورة الأربعينيّة (نجلاء) غاضبةً ، وهي ترمي معطفها الفروّ فوق سريرها في فلّتها الفخمة ..

فردّ زوجها بلؤم : وهل تظني الأمر سينتهي بهذه السهولة ؟

بقلق : ماذا تقصد ؟!

- لن أخرج من هذه العلاقة خاسراً

- الآن ظهرت على حقيقتك ! كم تريد لتطليقي ؟

بابتسامةٍ صفراء : نصف ثروّتك

نجلاء بصدمة : هل جننت ؟! جمعت مالي من تعبي الخاص ، منذ تسجيل صوتي ببداية شبابي  

- ومن غيري أدار حفلاتك ، وأوصلك للجمهور الغفير ؟ انا مدير اعمالك !! ولوّلا علاقاتي الإجتماعيّة مع كبار المُنتجين ومؤلفي الأغاني والمُلحّنين ، لما حقّقتي شهرتك الحاليّة .. ولكانت موهبتك أُقتصرت على أعراس أقاربك وأصدقائك ، فلا تنكري فضلي عليك !!

نجلاء : سأدعّ المحامي يتكفّل باتفاقيّة طلاقنا 

- وانا أثقّ به ، فهو من معارفي.. لكن أُخبرك منذ الآن ، لن أطلّقك قبل حصولي على نصف ثروّتك .. وهذا قراري النهائيّ !!


وخرج من فلّتها ، مُتوجهاً الى جناحه المُعتاد بالفندق .. تاركاً نجلاء بحالةٍ نفسيّة صعبة .. فهو اول شخص أحبّته في حياتها ، وتزوّجته رغم انه بعمر والدها ! 

***


بعد ساعات من بكائها المرير ، وهي تتذكّر ماضيها البريء قبل شهرتها .. تصفّحت موقعها على الإنترنت لقراءة تعليقات المُعجبين ، لعلّ ذلك يُحسّن من نفسيّتها المُتعبة! 

وكما توقعت ، وجدت ذات الشخص (الذي يُلقّب نفسه : بالمُعجب السرّي) اول المُعلّقين على أغنيّتها الجديدة ، وهو يُغرقها بالمديح (كما يفعل منذ سنوات) فهو اكثر متابعٍ مُخلص لمسيرتها الفنّية ، طوال عشرين سنة !


ولأوّل مرّة خطر ببالها التعرّف عليه ، وطلبت منه التحدّث على صفحتها الخاصة ..

^^^


ولم تمضي نصف ساعة .. حتى ارسل رسالة شكر على تواضعها ، لتواصلها معه كما يحلم دائماً 


والغريب ان حديثهما كان سلساً للغاية ، كأنها تعرفه منذ سنوات ! وهو بدوّره يحفظ طباعها جيداً ، رغم ظهورها للجمهور بشخصيّةٍ مُغايرة عن شخصيّتها الحقيقيّة البسيطة .. فشكّت بمعرفته لها قبل شهرتها ! فسألته عن اسماء المدارس والجامعة التي تعلّم فيها ؟ 

فأجابها :

- كنت متأكّداً من نباهتك وذكائك ! شكوكك في محلّها .. درست بنفس جامعتك ، لكن باختصاصٍ مُغاير .. وكنت حينها مسؤولاً عن نشاط الطلاّب .. وانا من اقترحت غنائك في حفلة تخرّجنا الموسيقيّ 


نجلاء بدهشة : كنت طالبةٌ خجولة ، فكيف عرفت بموهبتي الغنائيّة؟!

- سمعتك بالصدفة وانت تغنين وحدك في ملعب كرة السلّة ، بانتظار فريقك .. وكنتِ مُندمجة ، لدرجة انك لم تريني في المُدرّج ! وأذكر تردّدكِ بالموافقة ، بسبب خجلك الوقوف على المسرح.. لكن يبدو ان التصفيق الحارّ من الطلاّب والأساتذة ، زوّد ثقتك بموهبتك الفريدة ، خاصة لإتقانك طبقات الصوت العالية .. ومالا تعلمينه ، انني وكّلت أحدهم بنشر الحفلة على الإنترنت .. وبعدها علمت بتوقيعك عقداً مع الإذاعة الوطنيّة ! 

نجلاء : يعني انت سبب شهرتي ؟!

فردّ بتواضع : معاذ الله .. انت أصبحت نجمة ، بسبب ادائك المميّز وموهبتك الرائعة وإصرارك على النجاح .. لكني تعهّدت بدعمك طوال حياتي ، بتعليقاتٍ إيجابيّة على اغانيك الجديدة 


وبسبب ذوّقه بالحديث معها ، طلبت صوّرته.. فأرسل صوّرته الجامعيّة

نجلاء : الآن تذكّرتك ! كنت وسيماً للغاية ، وجميع الطالبات تتمنّين التكلّم معك.. لكني لم أفكّر يوماً بالتقرّب منك ، بسبب شخصيّتي الخجولة .. هل يمكنك إرسال صوّرتك الحاليّة ؟


فأرسل صوّرته بالطقم الرسميّ .. لتجده اكثر وسامة ، رغم انه في اواخر الأربعينات (مثلها ، فهو من جيلها)


فسألته ان كان متزوّجاً ؟ 

ليخبرها بأنه ارمل ، ولديه ابنٌ يُكمل تعليمه بالخارج .. وحالياً يعيش وحده مع ذكريّات الماضي .. فرغم انها اول فتاة أُعجب بها ، لكن ظروف الدراسة لم تسمح تقرّبه منها 

وسألها إن كانت سعيدة بزواجها من مدير اعمالها ، المعروف بإدمانه الكحول وعصبيّته مع الصحفيين ؟!

ولأنه وضع يده على جرحها ، لم تجبه .. بل طلبت رقم جوّاله ، لمحادثته مباشرةً.. 


وأمضيا الليلة في محادثةٍ طويلة ..وهي تشكي همّها من زوجها الطمّاع الذي كان يُجبرها عل العمل حتى اثناء مرضها الجسديّ وإرهاقها النفسيّ ، لأجل المال الذي يصرفه على الفتيات الرخيصات!


فقال لها : لم تسأليني بعد عن مهنتي ؟ 

- آه صحيح ، ماذا تعمل ؟

- محامي الأسرة.. وإن كنت لا تصدّقيني ، إبحثي عن اسمي بالإنترنت ..فأنا أشهر محامي مُتخصّص بمواضيع الطلاق والنفقة ..ومستعد لاستلام قضيّتك مجاناً


فوافقت بشرط : أخذ إجرته من القضيّة .. فقبل طلبها ، بعد إصرارها على ذلك

***


باليوم التالي ، عارض زوجها تغيير محاميها القديم (لخوفها من وقوفه في صفّ زوجها ، لأنه صديقه المُقرّب) وأصرّت على محاميها الجديد ، دون ان تخبره بأنه زميلها في الجامعة 

***


ومرّت شهور المحاكمة ببطءٍ شديد.. بالنهاية نجح محاميها بإجبار زوجها على قبول عشرة بالمئة من ثروّتها ، مقابل طلاقها والإحتفاظ بفلّتها .. بعد أن هدّده بفضح تجاوزاته الإخلاقيّة للإعلام .. فوافق مُجبراً على هذه التسويّة ، بالإضافة لاستقالته من إدارة اعمالها (حسب طلبها) 

^^^


وبعد توقيع الطليق للمعاهدة : بعدم الإقتراب منها او منزلها ، او الإتصال بها .. إحتفلت نجلاء مع محاميها على تخلّصها من الكابوس الذي لازمها لسنواتٍ طويلة


لتبدأ علاقتها به .. والتي إقتصرت على المحادثات الهاتفيّة ، واللقاء بالحفلات الغنائيّة ، دون إثارة انتباه الإعلام على علاقتهما العاطفيّة..

***


ولم يمضي عام ، حتى بكت فرحاً بعد جثيّه على ركبته فوق المسرح ، طالباً الزواج بها ..امام جمهورها الذي صرخوا بعلوّ صوتهم ، للموافقة على طلبه .. 

وبعدها احتضنته بسعادةٍ غامرة ، بعد لبسها خاتم الزواج.. وهي مُمتنة لله ان جمعها بتوأم روحها الذي ظلّ مُخلصاً لها منذ بدء مشوارها الفنّي ، الى أن تحقّق حلمه بالزواج من عشقه الأول.. 

ليُكملا حياتهما بمحبّةٍ وتفاهم مع طفلهما الصغير الذي ورِثَ وسامة والده ، وموهبة امه الغنائيّة المميّزة !


الأحد، 9 فبراير 2025

ذريّة إبليس

تأليف : امل شانوحة 

العقوبة المُضاعفة


قبل خروج إبليس من الجنة (بعد رفضه السجود لآدم) وعند البوّابة الذهبيّة ، طلب من جبريل التجوّل في قصره العاجيّ الفخم للمرّة الأخيرة !

فردّ جبريل : لا يمكنني السماح لك بذلك ، فقد صدر الحكم الإلهيّ بطردك .. وعليّ تسليمك للملكيّن اللذيّن سيُعيدانك للأرض .. ولن تكون وحدك ، فسيهبط آدم وحوّاء في بلديّن مُتفرّقين ، كعقابٍ آخر على فشلهما بالإمتحان (أكل الثمرة المُحرّمة) 


إبليس بغيظ : وانا بدوري سأنغّص حياتهما ، وحياة ذريّتهم للأبد !!

- عرفنا جميعاً نواياك الخبيثة التي بُحتَ بها قبل قليل .. واحمد ربك انه استجاب لطلبك بحياةٍ أبديّة ، بعكس حياة البشر المؤقّتة

إبليس بقهر : أعدك انه طوال حياتي ، سأعمل جاهداً أن لا أُحرق وحدي في جهنم .. وسأحرص على تربية ابنائي بالوسّوسة لذريّة آدم ، صغيرهم قبل كبيرهم !!

جبريل باستغراب : لحظة ! هل قلت ذريّتك ؟!

- نعم

- يبدو انك لم تُنصت جيداً للحكم الذي صدر ضدّك !

إبليس : بلى ، تمّ طردي بشكل نهائي من الجنة


جبريل : بالإضافة لعُقمك

إبليس بصدمة : ماذا !

- نعم ، لن تصبح لك ذريّة مُطلقاً

- وكيف اذاً سأوسّوس لأبناء آدم ؟!

جبريل : إفعل ذلك بنفسك

- لكنه حتماً سيُنجب الآلاف ، بل ملايين بشر !! كيف سأُضعّضع إيمانهم جميعاً؟!

جبريل : بالتأكيد لن أعطيك حلولاً لمشكلتك ، عليك تدبّر امرك وحدك

ثم نادى الحارسيّن (الملكيّن) لإعادته الى الأرض

***


وبعد نزول إبليس مقهوراً مذلولا ، وهو يرى الملكيّن يصعدان وحدهما للسماء .. تجمّع الجن حوله : بعضهم يُواسي مصيبته ..والبعض الآخر : متشوّق لمعرفة اخبار الجنة ، ووصف جمالها من الداخل .. لكن الأكثريّة كانوا شامتين به ! خاصة بعد حربه السابقة مع الملائكة ضدّهم ، وطرد قادتهم للبحر


لكن لا احد منهم علم بعقوبة عقمه ! حيث تودّدت له اجمل نساء الجن ، للزواج بها.. لكنه تردّد بشأن ذلك ، كيّ لا تضعف هيّبته ومكانته بين قبيلته

***


وبمرور الوقت .. كثُر اطفال الجن اللقطاء ، بعد تفشّي الفساد بينهم (بمساهمة من إبليس وخططه المدمّرة لأخلاقيّات المجتمع) قبل انشغاله عنهم ، بأمور البشر 


ولأن كل جهوده ضاعت بالإبادات الإلهيّة للأقوام الفاسقة ، فقد أسعده إلغاء العقاب الجماعي بعد بعثة الرسول محمد .. حينها ركّز اكثر على القادة البشريين (الذين لديهم تأثير وسلطة على قبائلهم) فهو ليس لديه الوقت والطاقة لإفساد جميع البشر ، لهذا اكتفى برؤساء الدول الكبرى والشخصيّات المهمّة حول العالم .. 


وقام بذلك عن طريق إستيلائه على دار الأيتام (الخاصة بالجن) وتجنيدهم لخدمته ، مُدّعياً انهم ابنائه ! لكنه اكتشف مع الوقت انهم لا يملكون ذكائه ، مما أجبره على قتل كل جني فشل بالمهمّة الموكّلة اليه 

لهذا تضاعف عدد الصالحين من البشر ، على الفاسدين من الإنس والجن ! رغم نجاح إبليس في إقناع الزعماء بفتح سجون التعذيب لمعارضيهم ، والتقليل من عدد السكّان.. كما تشجيعه على الشواذّ والحدّ من الإنجاب ، لتخفيف مهمّته الصعبة 


لكن مهما حاول جاهداً ، مازال اتباع إبليس اقل من البشر المُتديّنين الذين يزدادون بالآلاف ، بل الملايين كل عام.. حتى الحروب العالميّة والأوبئة المميتة لم تقضي عليهم ! 

^^^


الى ان أتى يوم ، انهار فيه إبليس بعد تنقّله من بلدٍ لآخر للوسّوسة لكبار المسؤولين البشريين .. لعدم قدرته على توكيل مهامه الصعبة للجن الذين لا يملكون جديّته بالعمل !

فقرّر إغراق نفسه ، بوضع الأثقال بقدميه اثناء سباحته في المحيط الهائج ، لتخليص نفسه من مهمّته الشاقّة

وكانت آخر كلماته :

- ظننت الحياة الأبديّة رائعة ، لكنها خانقة دون ذريّة .. الوحدة قتلتني!  


وبالفعل بدأ يغرق رويداً رويدا ، حتى اوشك على خروج روحه !

^^^


وهنا استفاق من كابوسه المُفزع وهو يلتقط انفاسه بصعوبة ، بعد شعوره بماءٍ بارد يُرشّ عليه ! فإذا هو حفيده الأخرق يسكب العصير على وجهه ، بعد تعثّره بسجّاد مكتبه ! 


وبالوقت الذي توقّع فيه صراخ جده ، تفاجأ بإبليس يحتضنه وهو يقبّل وجنتيه الصغيرتيّن بسعادة ! قائلاً بارتياح :  

- حفيدي الشيطانيّ !! آه يا حبيب جدك ، لا تدري كم اشتقت لرؤية قُرنيك الصغيرتيّن

^^^


وأكمل ليلته وهو يشعر بالإمتنان لعدم حرمانه من الخِلفة ، رغم استحقاقه لذلك ! وإلاّ لكانت مهمّته بإفساد البشر شبه مستحيلة .. لكن بفضل نسله الشيطانيّ ، إقتصر دوّره على وضع الخطط المدمّرة ، وتسليم المهام لأبنائه واحفاده الشياطين الذين يتميّزون بخبثٍ مُضاعف عن قبائل الجن المتنوّعة .. مما أعطاه أملاً لتدمير البشريّة جمعاء ، كما يحلم دائماً !


الجمعة، 7 فبراير 2025

التربية والتعليم

تأليف : امل شانوحة 

المهنة الشاقة


كانت فرحتها لا توصف حين وصلها قرار نقلها لأهم مدرسة في المنطقة ، كمكافأة عن عملها الدؤوب والمخلص لسنواتٍ طويلة في مدرستها الشعبيّة ، حتى وصل صيتها المُبدع لوزارة التعليم التي نقلتها للمدرسة المتطوّرة الخاصّة بالأثرياء

واحتفلت مع زوجها وأولادها بهذه المناسبة بعد تضاعف راتبها ، مما سيسهّل حياتهم ..

***


لكن منذ يومها الأول هناك ، شعرت بالدونيّة والنقص بجانب زميلاتها اللآتي يلبسنّ أطقماً رسميّة فاخرة مع أغلى المكياج والعطور ! وكونهنّ يعلمهن قدومها من مدرسة الفقراء ، جعلوها ضحيّة تنمّراتهن وملاحظاتهنّ الّلاذعة ، غير مكترثات بشهادات التقدير الكثيرة التي نالتها من نجاحاتها المتوالية بامتحانات الوزارة لتطوير الأداء السنوي للمعلمات !

^^^


وكأن نقدهنّ القاسي لا يكفيها ! فقد عانت من سوء اخلاق طلاّبها في المرحلة الإبتدائية ، بسبب تربيّتهم على يد الخادمات اللآتي سمحن بإمضاء جلّ وقتهم على الجوّالات والحواسيب (رغم صغر سنهم) بغياب إشراف الأهل ! مما جعل بعضهم يتعمّق بمواضيع تخصّ الكبار ، ونقل المعلومات الخاطئة لزملائه.. 


والأسوء انها لا تستطيع تأديبهم ، فهو مخالف لسياسة المدرسة التي تمنع المعلمات من رفع اصواتهن او استخدام نبرةٍ حازمة ! فالطلاّب بالنسبة لهم : زبائن لا يريدون خسارة أقساطهم السنويّة الضخمة ، لهذا يحاولون ارضاء الأهل على حساب تهذيب وتعليم اولادهم !


فلم يكن امامها سوى استخدام مكافأة الحلوى التي تعطيها للمجتهدين ، كطريقة لتشجيع الآخرين على المذاكرة.. لتنصدم باليوم التالي بقيام طالب (اكثرهم مشاغبة وكسلاً) بتوزيع شوكولا فاخرة على زملائه .. ولم يكتفي بذلك ، بل حذّرهم من تناول حلوى المعلمة الرخيصة المُضرّة للصحّة !

^^^


فاتخذت اسلوباً آخر : وهو إستغلال حصص الفراغ ، لتوعيّتهم بقصصٍ هادفة اجتماعية .. لتجد بعضهم يُخرجون جوّالاتهم وهم يضعون السمّاعات لمشاهدة مقاطعهم المُفضلّة ، بدل تضيّع وقتهم بقصصٍ تافهة (حسب وصفهم) !


لم يكتفوا بذلك ، بل سخروا مراراً من ملابسها التي لبستها اكثر من مرة ، بعكس بقيّة المعلمات اللآتي اعتدنّ تغيّر فساتينهنّ كل يوم ! مما تسبّب بمشاكل بينها وبين زوجها ، لمطالبته بملابس جديدة وعطرٍ فوّاح وبعض ادوات الزينة .. فنصحها بعدم صرف راتبها على اشياء تافهة ، واستخدامه بتصليح اعطال منزلهما.. مما زاد الخصام بينهما ، جعلها تنام مع اولادها بعيداً عنه !

^^^


وكانت اسوء فترات المدرسة بالنسبة لها ، هي فرصة الغداء : عندما تستهزأ زميلاتها من إحضارها بقايا الغداء (التي أعدّته سابقاً في منزلها) ! فجميعهن يشترينّ الطعام الجاهز من المطعم القريب من المدرسة.. مما اضّطرها لتناول الفاكهة فقط ، مُدّعيةً قيامها بحميّةٍ غذائيّة .. جعلتها هزيلة وضعيفة بمرور الأيام..


عدا عن صداعها الدائم ، بسبب رفض الأولاد التوقف عن الصراخ خلال لعبهم بساحة الملعب ، اثناء إشرافها عليهم ! فهم يستغلّون ضعف مكانتها بين الأساتذة لفعل ما يريدون

^^^


كل ما ورد يُعدّ بسيطاً .. امام عتاب المديرة لها ، كلما اشتكت إحدى الأمهات من ضعف ابنها بالمادة التي تُدرّسها.. وإن أخبرتها بمشاغبة ولدها ورفضه التعلّم.. عايرتها بقلّة خبرتها بالتعامل مع اولاد الطبقة الراقيّة !


وبدأ حلمها ينهار بعيد المعلم ، بعد قيام ولد ثريّ برميّ رزمة مالٍ في وجهها ، وهو يقول باستحقار :

- فكّرت كثيراً بنوع الهديّة التي أحضرها لك .. لكن أظنك بحاجة للمال لدفع اجرة منزلك المتهالك ، اليس كذلك ؟


وضحك بقيّة الطلاّب عليها ، جعلها تحبس نفسها بالحمام كيّ لا يروا دموعها !

^^^


وعندما عادت لغرفة المعلمات .. تفاجأت بزميلتها (أكثهرنّ نقداً لملابسها وإسلوب تعليمها) تبكي بحرقة ، بينما تحاول زميلاتها تهدأتها ! بعد إرسال خادمتها صورة (على جوالها) لزوجها وهو يُدخل عشيقته الى غرفتها ، اثناء تواجدها في المدرسة ! 

فقالت وهي منهارة بالبكاء :

- سامحته على خيانته اكثر من مرة ..لكن ان يحضرها الى بيتي ، وفي غرفتي الخاصّة .. فهذه نهاية زواجنا !!


فبدأت كل واحدة تشكي همّها ، في محاولة لتخفيف مصابها :

حيث عانت إحداهنّ من تسلّط حماتها ، وتحكّمها بتربيّة ابنائها

والأخرى مُطلّقة ، ومحرومة من رؤية طفلها

والثالثة يرفض زوجها الصرف عليها لبخله رغم ثرائه ، مما أجبرها على التدريس لتأمين ملابسها وزينتها امامهنّ !

ومنهنّ من اشتكت عقوق اولادها

والأخرى تعاني من زوجٍ مُدمن كحول 

بينما زوج الأخرى مُهدّد بالقبض عليه ، بسبب اعماله الغير مشروعة

اما اكثرهنّ ثراءً : فكانت تعاني من ضرائرها الثلاثة ، وسحرهنّ المتواصل لها .. مما أرهق صحّتها وسلامة عقلها !


بهذه اللحظة فهمت المعلمة الفقيرة ان سعادتهنّ المُزركشة ، ماهي الا واجهة زجاجية مُعتمة ، تُخفي مصائبهنّ الكبيرة !

^^^


فذهبت الى مكتب المديرة لتقديم إستقالتها .. ثم أخذت ملفها ، مُتوجهةً الى مدرستها الشعبيّة القديمة التي استقبلوها بحفاوة ، بعد فقدهم خبرتها وطريقتها الفريدة بالتعليم 


ليس هذا فحسب بل تجمّع الطلاّب حولها وهم يحتضنوها بسعادة ، بعد علمهم بعودة معلّمتهم المميزة الحنونة .. كل هذا أعطاها شعوراً لا يُقدّر بثمن

***


وبعد عودتها لمنزلها ، تفاجأت بموافقة زوجها لقرارها المفاجئ :

- ظننتك ستغضب بعد التخلّي عن راتبي المجزّي !

الزوج : وما فائدة الزيادة الماليّة ، إن كنت تصرفينها على ادوية المُهدئ والصداع والأرق ؟ عدا عن اكتئابك طوال الشهور الثلاثة التي درّستها هناك ، حتى نسيت انا وابنائك ابتسامتك الجميلة وروحك المرحة ! عدا عن مشاجراتنا المتواصلة ، بسبب مقارنة نفسك بأولئك المُتعجرفات.. كما إهدار طاقتك بمدرسة لا تقدّر جهودك ، لا من ناحية الإدارة والأهالي والطلاّب .. وايضاً غيرة زميلاتك من اساليب تعليمك المتطوّرة ، ونقدهنّ المتواصل الذي دمّر ثقتك بنفسك


المعلمة : هذا صحيح ، بعكس مدرستي القديمة التي يعرفون قيمتي جيداً.. (ثم تنهّدت بضيق) .. كنت متوّهمة بأن الأغنياء سعداء ، لكنهم يخفون جروحهم عن أعين الساخرين

الزوج : الرزق ليس مالاً فقط .. بل بركة بالأولاد والصحّة البدنيّة والنفسيّة ، وراحة البال والرضا والطمأنينة ..فالحمد الله على كل شيء

المعلمة بابتسامة : معك حق .. الحمد لله على حياتي الهادئة السعيدة


وحضنته بامتنان لوقوفه معها ، وتحمّله نفسيّتها المُتعبة بالشهور الماضية التي ضيّعتها في مدرسة الجهلاء المُتغطّرسين !


الثلاثاء، 4 فبراير 2025

البوّاب المخيف

تأليف : امل شانوحة 

الهيبة المُصطنعة


لاحظ المستأجر الجديد خوف سكّان العمارة من بوّابهم العجوز الذي يقيمون له الف حساب ! رغم تحكّمه بساعات اضاءة مولّد الكهرباء والماء ، ومواقف السيارات .. كما لا يعترضون على تنظيفه الأدراج مرّة بالشهر ، لكبر سنه .. كما عليهم رميّ نفاياتهم بأنفسهم .. 

اما عن فواتير المبنى : فيتسابقون بدفعها مع بداية الشهر دون تأخير ، خصوصاً راتبه الذي يُعد مُجزّياً بالنسبة لحرّاس المباني الأخرى ! 


وعندما سأل جاره عن السبب ؟ أجابه وهو يتلفّت حوله بقلق :

- أنصحك بالإستماع لكلامه ، دون إغضابه.. فهو خرّيج سجون 

- أكان سجينٌ سابق ؟!

- نعم ، كان سائق شاحنة لنقل البضائع بين مدينتيّن.. وعندما رفض مديره زيادة راتبه .. قتله مع خمسة من موظفي الشركة ، بعد إفراغ رشّاشه برؤوسهم دون رحمة .. وسُجن لأكثر من عشرين سنة! 

المستأجر الجديد بقلق : أمتأكّد من هذه المعلومة ؟!

- طبعاً !! فبعد توظّفه هنا ، قبل خمس سنوات .. أرانا في اجتماع لسكّان المبنى ، صوّرته القديمة بملفّه الحكوميّ .. كما قرأنا قصاصات الجرائد القديمة عن جريمته المروّعة .. ولوّ علمنا بها مُسبقاً ، لما وظفّناه لدينا .. لكننا مُلزمون الآن بطاعته ، كيّ لا نُثير غضبه  

***


بعد شهرين .. نزل المستأجر الجديد لدفع فاتورة المصعد ، للبوّاب الذي كان يلعب مع حفيدته بسعادةٍ غامرة .. حيث شاهد من شقّ الباب المفتوح : ملامح الصغيرة وهي تضحك دون خوف ، بينما يدغدّغها جدّها ببراءة !

فقال في نفسه : ((مستحيل ان يكون هذا مجرماً سابقاً ! سأتأكّد بنفسي من الإشاعات المخيفة عنه))

***


وتوجّه لقريبه الذي يعمل في مركز الشرطة بمدينتهم الصغيرة .. طالباً البحث عن ملفّ البوّاب القديم ، بإرشيف الحاسوب.. لتظهر ذات المعلومات التي يتداولها سكّان عمارته : بنفس الصوّرة ، وتفاصيل الجريمة ! 


لكن المستأجر انتبه على ملاحظة مكتوبة بملف السجين : ان اصبعه الصغير قُطع اثناء عراكه مع سجينٍ آخر ، في معمل النجارة التابع للسجن ! كما تمّ تسريحه باكراً ، بعد تشخيص حالته المرضيّة : بسرطان الدم ! 

***


في اليوم التالي ، ذهب المستأجر للمستشفى (الوحيد الموجود في منطقتهم) 

في البداية رفضوا طلبه ، لكن بعد اتصال مع قريبه الشرطي : وافقوا على بحثه بإرشيف المرضى القدامى .. ليجد صورة السجين بملفّات الموتى ! 

***


فعاد مُندهشاً الى العمارة ! وانتظر تفرّغ البوّاب ، لدخول منزله الصغير (الموجود قرب موقف سيارات المبنى) .. حيث استقبله الحارس بجفاء ، وهو يسأله :

- لما قدمت اليّ ، بعد دفعك جميع الفواتير البارحة ؟!


فنظر المستأجر ليده : تبدو اصابعك سليمة

فأسرع البوّاب بوضع يده في جيبه ، وهو يسأله بنبرةٍ حادّة :

- ماذا تريد ؟!!

فأراه المستأجر تقرير الوفاة (الذي صوّره على جواله ، من حاسوب المشفى) 

- هل انتحلت شخصيّة مُجرمٍ ميت ، بسبب التشابه الكبير بينكما ؟! وقمت بتزوير هويّتك ، لتُطابق الإسم والعائلة ؟


فأخذ البوّاب نفساً طويلاً ، قبل ان يقول :

- هذا اخي الكبير 

المستأجر بصدمة : أأنتما توأمان ؟!

البوّاب بضيق : صحيح .. وكأن التشابه المُربك بيننا لا يكفي ، فقد قرّر ابي تسميّتنا بالإسم ذاته ، ربما لأجل اوراق الضمان ! 

- وكيف يناديكما ؟! 

البوّاب بقهر : اخي يلقّبه البطل .. وانا الغلطة او النسخة الفاسدة ، مع ان الحقيقة مُعاكسة تماماً !

المستأجر : وما سبب التفرقة ؟! 

البوّاب بقهر : أخي وُلد بشخصيّةٍ قوية ، بعكسي .. حيث عشت طوال عمري تحت ظلّه .. فالجميع يقيمون له الف حساب ، بينما يأكلون حقي دون الإكتراث لمشاعري .. حتى ابي ، اعتاد مدحه وذمّي امام الناس .. مما أضعف شخصيّتي كثيراً.. 


المستأجر : الم تتغيّر مشاعر والدك بعد سجن أخيك الكبير ؟ 

- ابي توفيّ قبل تورّطه بالمشاكل .. وبعد سجنه ، عملت حارساً في مبنى بالمدينة المجاورة .. لكن السكّان أتعبوني للغاية .. فطلباتهم لا تنتهي .. ويدفعون اجرتي الزهيدة مُتأخراً .. ويغضبون مني لأتفه الأسباب ! وبعد موت اخي ، انتقلت الى هنا ..

- فخطر ببالك ان تنتحلّ شخصيّته القوية ، بعرض مُستندات وصورٍ تؤكّد ارتكابك لجريمةٍ لا إنسانيّة !

البوّاب : هذا ما حصل بالفعل .. فإنتحال شخصيّة اخي ، خفّف كثيراً من اعباء الحِراسة عليّ 

- لكنك بذلك شوّهت سمعتك بين السكّان ، وفي المنطقة كلّها .. الم يهمّك الأمر؟!

البوّاب : ليس ذنبي اننا نعيش في زمن يُحترم فيه الظالم الشرير ، ويُهان فيه الطيّب البسيط 

- معك حق !


البوّاب : ثم انت لا تعلم الأزمة النفسيّة التي أعيشها ، بادّعائي شخصيّةٍ مُغايرة .. وفي الوقت نفسه لا أنكر فرحتي بالهيّبة الجديدة بين الناس ! حيث أقوم بواجباتي ، دون مضايقات من احد .. كما ان راتبي جيد .. عدا انهم يحسبون حسابي بعزائمهم واحتفالاتهم : بتقديم الطعام الشهيّ لي ، كأني فرد من عائلاتهم !

- هذا لكيّ يحموا انفسهم من شرِّك !

- لا تهمّني نواياهم ، طالما ضميري مرتاح .. فأنا لم اؤذي احداً في حياتي 


ثم سكت الحارس مُطوّلاً ، قبل ان يقول :

- ابنتي تُطالب بعودتي للقرية.. وانا اريد بالفعل العيش مع احفادي بشخصيّتي الحقيقيّة الطيّبة .. كما تعبت من عملي ، وانا بأواخر الستين.. لهذا سأجمع السكّان بعد قليل ، لإعلان استقالتي .. لذا رجاءً لا تخبرهم الحقيقة .. دعني ارحل من هنا ، باحترامي وهيّبتي المُصطنعة  

^^^


وبالفعل ودّعوا السكّان بوّابهم العجوز ضمن حفلةٍ موسيقيّة ، مليئة بالطعام والحلويات .. كما أهدوه بعض المال لحياته الجديدة 


وفي انتظار بوّابهم الجديد (القادم خلال الأيام القادمة) تنفّسوا الصعداء برحيل المجرم السابق عن مبناهم .. دون علمهم بفرحته للتخلّص من الشخصيّةِ الشريرة لأخيه الذي قُدّر شبههما الخارجيّ ، دون المضمون والجوّهر !


السبت، 1 فبراير 2025

الحب الوهميّ

تأليف : امل شانوحة 

عذاب التمثيل


إنتهى المسلّسل الرومنسي الناجح الذي حظيّ بإعجاب ملايين المشاهدين.. 

وبعد انتهاء حفل توديع طاقم العمل .. إقتربت البطلة من البطل قبل ركوب سيارته ، قائلةً بحزنٍ وشوق :

- إنتهى مسلّسلنا بعد سنتيّن من تصويرنا للعديد من المشاهد العاطفيّة الجيّاشة ، الن تقول شيئاً خاصاً لي ؟!

البطل بنبرةٍ باردة : بالتوفيق لك بأعمالك الجديدة

فردّت بعصبية : انت تعلم تماماً ما أقصده !! فقد لمّحت بأكثر من مقابلةٍ تلفزيونيّة ، بأنك حبيّ الوحيد !

البطل : طبيعي ما تشعرين به ، فهو عملك الفنيّ الأول ..وستحظين بعروضٍ أخرى ، وأبطالٍ وسيمين جدّد 

- ماذا عن المشاهدين الذين شعروا بالكيمياء الكبيرة بيننا ، ووصفوا عشقنا بالحبّ المُتمرّد ؟!

- قريباً سينشغلون بعملٍ آخر ، وبأبطالٍ غيرنا .. فلا تهتمي لكلامهم


البطلة بقهر : أمعقول انك لم تشعر بشيءٍ اتجاهي ؟!

- انا خبير بهذا المجال ، بعكسك .. ومع ادوارك القادمة ستتعلّمي إلاّ تدمجي مشاعرك الحقيقيّة بالمشاهد التصويريّة

- انا لم اكن أُمثّل معك !! فكل لمعة عين واحمرار خدّ صُوّرا بمشاهدنا العاطفيّة ، كانت مشاعري الصادقة نحوك

فتنهّد البطل بضيق : دعيني أختصر معاناتك

واقترب منها ، قائلاً بصوتٍ منخفض : 

- مستحيل ان أتزوّج من الوسط الفنيّ .. فأنا شابٌ غيورٌ جداً ، ولن أتحمّل رؤية زوجتي مع ابطالٍ آخرين.. فزوجتي التي سأختارها ، لن يراها احد .. لأني سأحرص على إبعاد عائلتي عن الأضواء طوال حياتي .. لهذا أعتذر إن كنت أوهمتك بطريقةٍ ما ، بإكمال حياتي معك .. مع اني حاولت جاهداً ان لا أتقرّب منك بالكواليس 


وقبل ركوب سيارته ، قالت بصوتٍ حزين :

- ألن اراك مجدّداً ؟!

البطل : ربما بالمهرجانات الفنّية .. إهتمي بنفسك .. ورجاءً ابتعدي قدر المستطاع عن الأدوار الفاسقة ، فهذا سيفطر قلبي.. كما ترين ، نجحت بعملي رغم إصراري بعدم وجود مشاهد لا اخلاقيّة بيني وبين البطلات

فردّت بعصبيّة : طالما تُهمّك سمعتك لهذه الدرجة ، فلما اخترت مجالنا الوسخ ؟!!

- هو لعنةٌ عليّ !! ففي الجامعة اختاروني لبطولة مسرحيّة بسبب وسامتي ، وبعدها توالت عليّ العروض السينمائيّة .. ورغم الإغراءات الماليّة بالسينما القذرة ، إلاّ انني حافظت على سمعتي رغم الإشاعات الباطلة ضدّي .. وأتمنى ان تفعلي الشيء ذاته.. بالتوفيق لك


وقاد سيارته مُبتعداً عن المكان ، تاركاً الممثلة اليافعة مُحطّمة القلب بعد تصديقها الإشاعات : بمبادلته مشاعرها الصادقة !

***


بالشهور التالية ، إنقطع الإتصال بينهما .. ومع ذلك حرصت على اللبس المُحتشم في مقابلاتها التلفزيونيّة مع ردودها المُتزنة ، لإثارة إعجابه بإخلاصها له .. مع رفضها ادوار الإثارة والإغراء ..رغم أنها دخلت الفن بسبب فيديوهات عرضها للأزياء الفاضحة بسن المراهقة على وسائل التواصل الإجتماعي.. لكن يبدو ان عملها مع الممثل الخلوق ، جعلها تُعدّل تصرّفاتها التي أصبحت اكثر نضجاً ورزانة! 

***


لكن كل شيء تغيّر بعد زواجه ! حيث شاهدت فيدو عرسه بالإنترنت ، بدموع القهر والحسرة .. فهي لطالما حلمت بزواجها به على مدى سنتيّن (خلال تمثيلهما أفضل مسلّسلٍ رومنسيّ ، عُرض بالتلفاز الوطني)


ومع انكسار قلبها والعقود المُغريّة ووسّوسة صديقات السوء ، إنخرطت بالتمثيل القذر ! خاصة بعد قبولها مُرغمة لعلاقةٍ عابرة مع سياسي بارز ، هدّد بأذيّة عائلتها إن لم تقبل عرضه بآلاف الدولارات! 

***


وبعد سنوات من عملها بأفلامٍ هابطة .. إلتقت مجدّداً بحبيبها في إحدى المهرجانات الفنّية .. والذي حاول تجنّبها طوال الحفل ، كأنه يشمئزّ منها ! 

الى ان أجبرهما صحفيّ على التصوير معاً ، حينها همس لها :

- أفهمتي الآن لما رفضّت الزواج بك ؟


وابتعد عنها ، قبل رؤيته دمعتها التي سارعت بمسحها ، خوفاً ان يلتقطها أحد المصوّرين كسبقٍ صحفيّ .. قائلةً بنفسها بقهر :

((ما كنت لأنحرف لوّ تزوّجتني ، وحميّتني من الوسط الفنّي القذر))  

***


وازدادت حياتها سوءاً بعد كبرها بالسن دون تقدّم احد للزواج بها ، رغم جمالها الذي بدأ يتلاشى مع مرور الزمن ..فلم تعد تأخد ادوار البطولة (كما فعلت سابقاً) ورضيّت مُرغمة بأدوارٍ ثانوية ، رغم أجرتها الزهيدة !

^^^


الى ان دخلت المستشفى بجرعةٍ زائدة من المخدرات ، كادت تودي بحياتها .. حيث زارها بعض الممثلين التي عملت معهم ، والكثيرين من معجبيها .. مع ذلك تمنّت رؤية حبيبها ، الذي لم يأتي طوال الإسبوع التي تعالجت فيه هناك !


وفي يوم خروجها من المشفى ، لاحظت باقة ورد لم ترها من قبل ! 

واستبشر وجهها بعد رؤية اسمه على البطاقة ، سرعان ما تلاشت الإبتسامة بعد قراءة عتابه : 

((افلامٌ هابطة ومخدّرات ! سقطّتِ تماماً من عيني وقلبي))

 

فانهمرت دموعها قهراً حتى كادت تُصاب بنوبةٍ أخرى ، تُعيدها لفراش المستشفى !

***


وبعد سنواتٍ طويلة ، إعتزلت الفن بعد خسارة اموالها التي كسبتها بالحرام.. 

وبعد تراكم الديون عليها ، اضّطرت للذهاب بنفسها لدار العجزة ، لتأمين طعامها ودوائها !

^^^


وفي يوم ، شاهدت مقابلة لحبيبها وهو يتحدّث بفخر عن احفاده : منهم الطبيب والمهندس والعالم (بعد نجاحه بإبعاد عائلته عن الأضواء ، كما أخبرها سابقاً)


وكان اعتزل الفن قبلها بسنوات .. لكنه استخدم ماله لشراء سلّسلة من المطاعم ، جعلته من الأثرياء .. وفي ختام اللقاء ، سأله الصحفي عن الحب؟ 

فأجابه بشوق :

- لم احب بحياتي ، سوى بطلة مسلّسلنا العاطفي الناجح .. وسأظلّ أحبها حتى مماتي 


فتنهّدت البطلة العجوز ، وهي تقول بصوتٍ مُنكسر : 

- الآن اعترفت ! .. تأخّرت كثيراً يا حُبيّ المُتمرّد

وانهارت ببكاءٍ مرير


بعد طول انتظار

تأليف : امل شانوحة    الصُدفة الغريبة ! اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي : - امي !! امي !! لما تركتنا ور...