الاثنين، 30 يناير 2023

الأمومة المُختطفة

تأليف : امل شانوحة 

 

إنقاذ طفل


دخلت الطبيبة النسائيّة غرفة الولادة ، لتجد الحامل تبكي بمرارة ! فسألتها باستغراب:

- مابك ؟! انت على وشك ولادة طفلٍ سليم صحيّاً ، فما المشكلة؟

الأم : انه الولد السابع .. وأكبر ابنائي في الجامعة ، وابنتي مخطوبة .. لهذا لم أخبر أقاربي بالحمل ، خوفاً من استهزائهم .. فأنا أنتظر أن أصبح جدّة ، وانظري لحالتي الآن

- واين زوجك ؟

- سافر قبل شهرين للخارج 

الطبيبة : وما رأيه بحملك ؟

- هو يحب الأطفال عموماً ، لكني كبرت على هذه المسؤوليّة المُرهقة 

- حسناً لأولّدك اولاً ، ثم نتناقش بالموضوع 

*** 


بعد إنجاب طفلها .. حقنتها الطبيبة بإبرة منوّم ، لخسارتها الكثير من الدماء 

 

ثم حملت الطفل الى الغرفة المجاورة ، حيث تتعالج امرأة ثريّة من العقم .. ووضعت الرضيع في حضنها ، وهي تقول بخبث :

-عشرة آلاف دولار ، وأسلّمك هذا الطفل الجميل

الثريّة بدهشة : يا الهي ! انه رائع بالفعل .. هل هو لقيط ؟

الطبيبة : لا ، لكن امه لا تريده .. فهي لديها ستة غيره 

- سأدفع ما تريدينه .. بشرط نسبه لي بملف المستشفى ، لمتابعة زوجي اوراقه الرسميّة 

- لا تقلقي ، سأهتم بالموضوع 

***


بعد ساعة ، إستيقظت الأم .. لتخبرها الطبيبة بموت ابنها بعد دقائق من ولادته ، وبأنها أرسلته للدفن !

فصرخت الأم غاضبة :

-بأيّ حق تدفنينه قبل ان اراه ؟!!

الطبيبة : كان موظّف المشرحة في طريقه الى المقبرة لدفن ميتٍ مجهول الهويّة ، فسلّمته جثة ابنك ..

الأم مهدّدة : عندما يعود زوجي ، سيرفع قضيّة ضدّكِ .. فمن حقنا دفنه بمقابر العائلة

الطبيبة بلا مبالاة : أخبرتك بما حصل 


فأزالت الأم البطانيّة عنها بعصبية : اريد العودة حالاً الى منزلي !! 

لتوقفها الطبيبة : مازال نزيفك حادّاً ، ستخرجين غداً صباحاً 

فانهارت الأم باكية :

- كنت اريد رؤية وجهه الصغير 

الطبيبة : كان مشوّهاً .. لم اردّ إخبارك بذلك

الأم بصدمة : الم تقولي إن صحّته جيدة حسب الأشعّة ؟

- احياناً الأشعة لا تظهر كل العيوب الخلقيّة .. (ثم اقتربت منها) ..الم تكوني قلقة من مسؤوليته ؟ هاهو توفّى باكراً

فبكت الأم بقهر : هذا ذنبي ، كان عليّ الرضاء بقضاء الله وقدره

وتركتها الطبيبة وهي تشعر بتأنيب الضمير !

***  


في الغرفة التالية .. إرتفع صراخ الطفل الجائع بعد رفضه الرضاعة من عدّة امهات حديثي الولادة .. ممّا أجبر الطبيبة على إعادته الى غرفه امه الحقيقية ، وهي تقول :

- أعرف ان نفسيّتك متعبة .. لكن هذا الطفل يرفض الرضاعة من امه او من زجاجة الحليب .. وانت حليبك يتدفّق بقوة .. ما رأيك لوّ ترضعيه ؟ فأمه قلقة عليه ، فهو طفلها الأول  


فوافقت الأم .. وما أن وضعت الطفل في حضنها ، حتى شعرت بأنه ابنها فور اشتمام رائحته ! خاصّة أن شكله يشبه اولادها كثيراً .. 

لكنها فضلت الصمت ، لتتأكّد من شكوكها اولاً ..


وبالفعل ، نام الطفل بعد أن شبع من حليبها .. وعندما ارادت الطبيبة أخذه للغرفة المجاورة ، قالت الأم :

- من خبرتي بالأطفال الرضّع ، هم يحتاجون رضعةً كل ساعة .. دعيه عندي الليلة ، وغداً تعيدينه لأمه فور خروجي من المستشفى  


فوافقت الطبيبة وهي تخفي قلقها من كشف حيلتها ، التي قد تؤدي لطردها من نقابة الأطباء !

***


بعد خروج الطبيبة .. سارعت الأم بالإتصال بإبنها الجامعيّ الذي حضر على عجل ، لتخبره بشكوكها.. 

فنظر الشاب للطفل وهو يقول :

- نعم ، هو يشبهنا تماماً !

امه : بما ان تخصّصك في المختبرات الطبيّة .. هل تستطيع أخذ عيّنة من دمه وعيّنة مني ، لتأكّد انه ابني ؟

ابنها : جيد إن حقيبتي الطبّية معي .. سأفعل ذلك فوراً

- بسرعة !! قبل أن تأتي الطبيبة المريبة الى هنا

***


لم تظهر نتيجة فحص الدم بمختبر الجامعة إلاّ صباحاً ، مُؤكدةً شكوك الأم التي كانت ترتّب اغراضها للخروج من المستشفى .. 

وعندما أخبرها ابنها بالنتيجة ، مُقترحاً تبليغ ادارة المستشفى عن محاولة خطف الطبيبة لأخيه ..

قالت الأم :

-لا !! عندي إقتراحٌ أفضل 


وحملت طفلها متوجهةً الى المرأة الثريّة التي كانت تتآمر مع الطبيبة بصوتٍ منخفض على إنهاء الأوراق الرسميّة للطفل ..

الطبيبة بارتياح : آه ! أخيراً حضر الطفل .. هاته من يدك 

إلاّ أن الأم إقترحت شيئاً مختلفاً على المرأة الثريّة :

- منزلي بالجبل ، وزوجي مسافر .. ما رأيك لوّ تقيمي معي بضعة اسابيع لحين فطمي طفلك ، وتعوّده على بودرة الحليب ؟ وانا مستعدة لإرضاعه ، وتعليمك بعض الأمور الأساسيّة برعاية الأطفال ، فلي خبرة بهذا المجال 


فشعرت السيدة الثريّة بالقلق ، واتصلت بزوجها العجوز الذي وافق على بقائها مع الأم لبعض الوقت ، الى أن يتعوّد الطفل عليها ..

***


أسرعت الثريّة بترتيب اغراضها للذهاب مع الأم ، بعد رفض الطفل ترك أحضانها الدافئة .. حيث فشلت محاولات الطبيبة لإبعاده عنها .. فهو ينفجر بالبكاء ما أن تحتضنه السيدة ، ويهدأ فور اشتمام رائحة امه الحقيقية .. 


فقادت السيدة سيارتها الفارهة خلف سيارة الشاب الصغيرة برفقة امه والطفل ، باتجاه منزلهما الجبليّ 

***


داخل الكوخ المكّون من طابقٍ ارضيّ وعلويّ ، تفاجأت السيدة برؤية الأولاد الآخرين : بدءاً بالصبيّة المخطوبة ، وإخوتها الأربعة من سن 9 حتى 12.. والذين اجتمعوا حول الطفل ، وهم يسألون امهم بحماس :

- أهذا اخانا ؟

فاضّطرت الأم للكذب ، قائلةً بحزن :

- لا للأسف ، اخوكم وُلد ميتاً .. هذا ابن السيدة ، وهي بضيافتنا لبعض الوقت .. فأنا سأرضع صغيرها ، الى ان يتعوّد عليها ..

فاقترب اكبرهم من الطفل وهو يقول :

- لكنه يشبهنا تماماً !  

لكن امه أسكتته بنظراتها الحادّة ، التي لم يفهمها سوى ابنها الكبير ..


وبعد أن أرتها غرفة الضيوف ، رتّبت الثريّة ثيابها في الخزانة وهي متضايقة من صغر منزلهم .. دون علمها بأن الأم في الطابق العلوي تُخبر اطفالها بالخطة التي فكّرت بها جيداً .. 

ابنتها باستغراب : ولما تريدين مضايقة ضيفتنا ، يا امي ؟!

الأم : سأخبركم لاحقاً .. كل ما عليكم فعله بالأيام القادمة هو إتعابها بصراخكم ولعبكم المشاغب وصراعكم على كل شيء .. اريدها ان تكره جميع الأولاد  


ابنها : وماذا عن الطفل ؟

الأم : انا مضّطرة لإرضاعه ، وإعادته اليها كلما نام .. هكذا حتى تنجح خطتي .. وإيّاكم إخبار والدكم بشيء ، فهو لا يعلم إنني انجبت طفلاً ميتاً

- لكنه سيعود بعد شهر !

الأم : الى ذلك الوقت نكون حللّنا المشكلة ، لكني بحاجة لمساعدتكم .. كونوا سيئين قدر الإمكان منذ الفجر حتى آخر الليل ، واستمرّوا على ذلك كل يوم .. مفهوم !!

- كما تشائين امي !

***


في الأيام التالية .. عاشت المرأة الثرية اوقاتاً صعبة مع الأولاد المشاغبين الذين يتشاجرون على أتفه الأسباب ! 

وشعرت بالإشمئزاز من تناولهم الغداء معها على طاولة الطعام .. ففي كل وجبة يسقطون العصير او يتلاعبون بالأكل ، او يبكون بهستيريا لغيرتهم من بعض .. 

وقد حاولت تعليمهم إتيكيت الطعام دون فائدة .. عدا عن صراخهم العالي كلما لعبوا بالقبو اسفل غرفتها ! فيوقظوا صغيرها دائماً ، مما أجبرها على تركه مع امهم في الطابق العلويّ ..

 

اما طبخ ابنتها الصبية فبالكاد يؤكل ، فهي ليست خبيرة بأعمال المنزل .. فحاولت الثريّة تعليمها بعض الوصفات التي تعلّمتها من جدتها .. فمنزل الجبل لا يوجد به هاتف او انترنت ، لطلب الطعام الجاهز .. كما انه بعيد عن المنازل الأخرى ..


وكل هذا جعلها تحاول خطف الطفل في الصباح الباكر اثناء نومهم ، لتتفاجأ بعطلٍ في محرّك سيارتها ! دون علمها بأن الشاب الجامعيّ أزال إحدى قطعها ، كيّ لا تفرّ بأخيه الأصغر .. 


ولخوفها من العودة للكوخ ، مشت مسافةً طويلة وهي تحمل الطفل .. لكنها لم تجد سيارة اجرة بذلك المكان المقطوع .. 

وحين لمحت الشاب يبحث عنهما بسيارته ، نادته لإعادتهما لكوخ الجبل بعد أن جاع الصغير.. وهي تُصبّر نفسها على اليوم الذي حدّدته الأم لفطمه عن حليبها ، كيّ تأخذه لقصرها 

***


في الأيام التالية ، زادت تصرّفات الأولاد غرابة ! حيث استعارت الصبية ملابسها دون اذنها .. ودخل الصغار غرفتها اثناء نومها ، فلا وجود للأقفال على الأبواب .. كما استخدامهم لدورة المياه القريبة منها ، وترك المياه مفتوحة ، او رميهم المناديل على الأرض! 


كل هذا أفقدها صوابها ، وجعلها تصرخ على امهم بهستيريا :

- ربّي اولادك جيداً ، فهم كقرود الغابة !! لما تنجبينهم إن كنت تتركينهم يتصرّفون دون ارشادٍ منك او تربية ؟ 

الأم بمكر : وماذا أفعل ، جميع اولادي عنيدين ومشاغبين .. ولوّ بقيّ طفلي حياً ، لشابهم بتصرّفاتهم الصعبة


وقد أرعبها كلامها ، فهي لا تريد تربية طفلٍ يُرهقها في المستقبل ! مما جعلها تُراجع قرارها تلك الليلة 

***


وفي اليوم التالي ، وأثناء تناولهم الغداء .. مسح الولد يديه القذرتين بفستانها الغالي ، فصفعته بقوة امام امه التي اقتربت منها بعيونٍ حادة..

فقالت السيدة بخوف : هو من بدأ اولاً ، إنظري كيف وسّخ فستاني 


فحاولت الأم الحفاظ على هدوئها ، وأخرجت نتيجة المختبر من جيبها وهي تقول بحنق :

- كم دفعتي للطبيبة مقابل طفلي ؟ 


فارتبكت الثريّة كثيراً ، خاصّة بعد تجمّع الأولاد حولها وهم ينظرون اليها بحقد (بعد معرفتهم الحقيقة) قائلاً أصغرهم :

- لن نسمح لك بخطف أخينا !!

فارتعبت السيدة لوجودها وحدها بكوخهم بأعلى الجبل ! 

- رجاءً اهدأوا ، واسمعوا قصتي اولاً


فجلس الأطفال حولها بالصّالة ، وبجانبهم امهم التي تحمل طفلها وهي تقول:

- تكلّمي ، كلنا اذانٌ صاغية


فأخبرتهم السيدة عن والدها الذي باعها لشريكه الذي يكبرها بعشرين سنة ، والذي يعاني من ضعف الإنجاب .. ولأنه لا يريد نسب المشكلة اليه ، فقد دفع آلاف الدولارات لعلاجها ، رغم انه لم يثبت عقمها بفحوصاتها الطبّية! 

وايضاً لرغبتها الشديدة بإنجاب طفلٍ يؤنس وحدتها ، لسفر زوجها الدائم للخارج لمتابعة اعماله .. وتركها وحيدة مع خدم القصر ، بعد منع اهلها من زيارتها ! 

لهذا طلبت من الطبيبة إيجاد حلٍ لها مقابل جائزة ماليّة .. لتتفاجأ بإحضارها الطفل الى غرفتها ، بعد ساعة من عرضها المغري !


الأم : كنت أريدك أن تواجهي صعوبة تربية الأولاد بعصرنا هذا ، لذلك تركتهم دون رقابة او عتاب على تصرّفاتهم السيئة معك .. (ثم تنهدت بحزن) .. صحيح انه اثناء حملي رفضت الإنجاب بعمري الذي تجاوز الأربعين .. لكنه يبقى طفلي من لحمي ودمي ، ولن اتخلّى عنه بكنوز الدنيا 

السيدة : آسفة ، لم أقصد إيذاء مشاعرك .. (ثم فكّرت قليلاً).. يبدو انني سأوافق على اقتراح زوجي بتبنّي طفلٍ يتيم ، مع أن معظمهم اولاد حرام

الأم : ليس كلهم ، فهناك اباء تخلّوا عن اطفالهم بسبب الفقر .. اسألي إدارة الأيتام عن ماضيهم 

السيدة : هذا ما سأفعله ، فلا حلّ آخر امامي ..رغم انني عشقت طفلك كثيراً

فقال أحد الأولاد بحماس : يمكنك زيارتنا متى شئت !!

السيدة بقلق : معاذ الله !


فضحكوا جميعاً ، قائلةً الصبيّة :

- نحن لسنا بهذا السوء يا خالة ، فقط خفنا على خسارة اخينا 

السيدة ممازحة : أتعبتموني فعلاً .. فبسببكم كرهت الطعام والنوم ، لكن لا بأس .. فهمت أن الأولاد يحتاجون لجهد واهتمامٍ متواصل ، ولا اظنني قادرة على ذلك في الوقت الراهن 

الأم : ألن تتبنّي طفلاً يتيماً ؟

- ربما لاحقاً .. أفكّر حالياً بإكمال دراستي الجامعيّة ، وربما التخصّص بمجال التعليم .. فرؤيتي للطلاّب الصغار ستشبع رغبتي بالأمومة .. فربما حرمني الله الخلفة ، لأنه لا طاقة لي بهم.. فشكراً على درسكم القاسي الذي غيّر طريقة تفكيري بالحياة 


احد الأولاد : ونحن نشكرك يا خالة على تعليمنا آداب الطعام والجلوس ، وكيفيّة التحدّث بلباقة مع الآخرين  

السيدة : لا اظنكم استفدّتم من معلوماتي 

- بل العكس ، حفظناها تماماً !! 

- وسنطبقها بعد رحيلك

السيدة بسخرية : يالا سعادتي ! 

فضحكوا من جديد..


فسألت السيدة الأم : 

- هل يمكنني زيارة طفلك من وقتٍ لآخر ؟

الأم : متى شئتِ عزيزتي .. وسامحني عمّا حصل ، فعلت ذلك لحماية طفلي 

السيدة : أفهمك جيداً.. (ثم سكتت قليلاً).. ماذا بشأن الطبيبة الماكرة ؟

فردّ الشاب الجامعيّ :

- زوجها أستاذي بالجامعة ، سأخبره بما حصل وأدعه يتكفّل بالأمر .. وأن يجبرها على ردّ المال لك 

السيدة : لا تهمّني النقود ، فقد تعلّمت منكم الكثير واكتسبت صداقتكم .. كان قصدي ، عقاب الطبيبة ادرايّاً 

الشاب : شخصيّة زوجها قويّة ، وأظنه قادر على تأديبها.. فهو من النوع الذي يهمّه سمعة عائلته ، خاصة إن هدّدته بتوصيل نتيجة المختبر لإدارة المستشفى


السيدة : حسناً هناك مشكلة ثانية ، كيف سأعود الى منزلي وسيارتي معطّلة؟

الشاب : كنت أزلت منها قطعة مهمّة ، خوفاً من هروبك .. سأعيدها بالحال ، فقد تعلّمت الطريقة بالإنترنت

السيدة باستغراب : الم تخبروني بأنه لا وجود للإنترنت بالمنطقة ؟! 

الصبية : بل يوجد لدينا انترنت وهاتف ارضيّ ، لكننا أطفأنا الجهاز طوال الأسابيع الثلاثة ، كيّ لا تطلبي المساندة من احد

السيدة : ايها الملاعين !!


فضحك الأطفال بعد أن حضنوها ، لتوديعها .. ثم قبّلت الصغير والدموع في عينيها .. وعادت الى قصرها بسيارتها الفارهة .. 


بينما استعدّ الأولاد لتنظيف المكان وإعادة كل شيءٍ مكانه ، لاستقبال والدهم القادم من سفره غداً لرؤية طفله ، دون علمه بما حصل .. بعد أن تعاهد الأولاد مع امهم على كتمان السرّ للأبد !


السبت، 28 يناير 2023

عروس البحر

تأليف : امل شانوحة 

 

الرحلة المشؤومة


في ذلك العصر .. تجمّع عشرة من مشاهير الغناء والتمثيل داخل قاعة صغيرة بانتظار طائرتهم ، بعد انتهاء حفل تكريمهم الليلة الماضية .. 


واثناء تواجدهم هناك ، إقترب منهم الصحفيّ الشهير .. 

فقالت إحداهن بضيق :

- رجاءً ، لا نريد المزيد من المقابلات الصحفيّة 

الصحفي بإحراج : بالحقيقة .. أتيت لإجراء مقابلة سريعة مع الفائزة بالمسابقة العربية للقصّة القصيرة ، وهي قادمة الى هنا بعد قليل 

- وهل ستركب معنا ؟

الصحفي : لا ، طائرتكم خاصّة بكم .. بينما هي من ركّاب الدرجة الأولى بالطائرة السياحيّة .. ولأنه لا يوجد سواها ، أرسلوها الى هنا..


فسألته عجوز مشهورة بتنبؤاتها المستقبليّة ، والتي كانت ضمن المكرّمين بالحفل : 

- ما إسم الكاتبة ؟

وما أن أخبرها به ، حتى قالت :

- الأفضل أن توثّق مقابلتك معها ، عبر تسجيل إجاباتها على جوّالك .. فالصحافة العالميّة ستطلبها منك لاحقاً

الصحفيّ بدهشة : العالميّة !

البصّارة : نعم ، فبعض اعمالها ستصل للهوليوود 


فسألتها فنانة باستغراب : توقعتي ذلك من معرفتك لإسمها فقط ؟!

البصّارة : بل رأيت اكثر من ذلك.. فهي تعبت كثيراً للوصول الى هذه المرتبة ، بعد أن سحرتها قريبتها بتعويذةٍ لا يمكن فكّها ، والتي ربطت قميصها بثلاث عقدٍ دمويّة : أحدِها لمنعها من الزواج ، والثانية لتعسّر رزقها ، والثالثة لنفور الناس منها .. رغبةً في تعسير حياتها ، بعد أن أخبرتها المشعوذة بمستقبلها الباهر ! 


فسألها فنانٌ شاب باهتمام : أحقاً لا يمكنها الزواج ؟

البصّارة : مستحيل !! فهي متزوجة بماردٍ من الجن ، دون علمها .. والذي احتفظ بسحرها في منزله بأعماق البحر .. وهو غيورٌ للغاية ، وسيقتل كل من يحاول إنقاذها

الفنان باستنكار : انت تبالغين طبعاً  

البصّارة : أظنك لا تصدّق بالسحر ؟

الفنان : أعرف انه موجود ، لكنه ليس بهذه القوة 

فقال الصحفيّ وهو ينظر لصبيّةٍ ثلاثينيّة في طريقها اليهم : 

- أظنها وصلت 


واقترب منها ، ليجدها متفاجئة من وجود المشاهير بالقاعة التي أخبرها مسؤول المطار بالتوجّه اليها (بعد حصولها على تكريمٍ بحفلةٍ ثانية ، خاصّة بالكتّاب العرب) 

 

فسلّمت عليهم من بعيد بارتباك .. ثم جلست بجانب الصحفيّ الذي سألها باهتمام عن اعمالها (بعد تصديقه نبوءة البصّارة التي لم تخبّ توقعاتها سابقاً) 

***


بعد مقابلةٍ سريعة .. نادتها البصّارة للإقتراب منها ، لتقول لها :

- لا تحزني عزيزتي .. فأعمالك ستُشهر ، وإن لم تشاهديها 

الكاتبة بقلق : ولما لن أراها ؟!


وقبل أن تجيبها ، ناداها موظّف المطار للصعود الى مقعدها بالدرجة الأولى في طائرتها السياحيّة التي ستقلع قبل الطائرة الخاصّة بالمشاهير .. 


فسلّمت عليهم على عجل ، وتوجّهت الى هناك بحقيبتها الصغيرة ..دون علمها بأنها أثارت إعجاب الفنّان الشاب الذي لم يزحّ عينيه عنها طوال المقابلة ، بعد أن أعجبته بجمالها الطبيعيّ وردودها الذكية ، بعكس تصنّع الفنّانات بعملياتهنّ التجميليّة المشوّهة !


كما لم تعرف الكاتبة أنه استطاع نقل فيديوهاتها وصورها الى جواله ، بعد نسيان جوالها امام طاولة المشاهير اثناء مقابلتها الصحفيّة السريعة .. دون أن يتسنّى له رؤيتهم ، بعد أن ناداهم موظّف المطار للصعود لطائرتهم الخاصّة 

***


إختار الفنّان مقعداً بعيداً عن بقيّة زملائه ، لمشاهدة فيديوهات الكاتبة (وهو يضع السمّاعات).. ليتفاجأ بجمال صوتها وخفّة دمها التي صوّرتها بفيديوهاتها مع اخوتها ، مما جعل قلبه يخفق بشدة .. 


فقام من كرسيه متوجهاً للبصّارة ، ليسألها بصوتٍ منخفض عن ما قصدّته من كلامها المُقلق للكاتبة ؟

فأخبرته بنبرةٍ حزينة بأنها شاهدت رؤية سريعة عن موت الكاتبة قريباً ، وشهرة اعمالها بعد وفاتها !


ورغم عدم تصديقه بكلام المتنبّئين ، الا أن توقعها أثار رعبه .. 

وفور لمحه من النافذة : للعمّال وهم يزيلون السلّم عن الطائرة السياحيّة ، حتى سارع بالنزول من الطائرة ، وسط دهشة زملائه المشاهير ! 

ليطلب من العمّال السماح له بصعود الطائرة السياحيّة ، بعد أن وعدهم بدفع ثمن التذكرة من الداخل ..

***


في الطائرة السياحيّة ، قسم الدرجة الأولى .. جلست الكاتبة وحدها ، مُغمضةً عينيها بإرهاق ، لعدم نومها منذ يومين بسبب حماسها لحضور اول تكريمٍ لها ..


لتتفاجأ بالفنّان يجلس بجانبها ، وهو يقول لاهثاً : 

- لحقت بك بآخر لحظة

فسألته بدهشة :

- أتركت طائرتك الخاصّة لأجلي ؟!

- نعم

الكاتبة بقلق : ولماذا ؟!

الفنان مبتسماً : لا ادري ، اريد التحدّث معك قليلاً .. أقصد بشأن اعمالي المستقبليّة ، فأنت كاتبة وانا ممثل .. فهل لديك قصصاً تصلح لشخصيّتي ؟ 

ففكّرت قليلاً ، قبل أن تقول : 

- نعم ، لديّ قصة مناسبة لك  


وبعد إقلاع الطائرة .. إستمع إليها باهتمام ، وهي تحكي تفاصيل قصتها الفريدة التي أعجبته ، لدرجه إعطائها رقمه الخاصّ للتواصل معه ، وإرسال المزيد من قصصها ، لتحويلها الى افلام عربية ومسلسلات .. مما أسعدها كثيراً..

***


بعد ساعة ، بدأت المضيفات بتوزيع الوجبات الغذائية .. 

وكانت المضيفة المسؤولة عن قسم الدرجة الأولى أجنبية .. فسألت الفنان اولاً باللغة الإنجليزية : إن كان يريد وجبة دجاج او لحم ؟ 


وبعد إعطائه وجبته ، عادت المضيفة لتسأله : 

- ماذا بشأن زوجتك ؟

فأجابها مبتسماً :

- زوجتي تحب الدجاج.. (ثم نظر للكاتبة) .. اليس كذلك عزيزتي ؟

فأومات الكاتبة برأسها خجلاً ..


وبعد ذهاب المضيفة ، عاتبته الكاتبة برقّة :

- لما لم تخبرها اننا زملاء عمل ؟

فقال مبتسماً : ستعرفين الجواب في المستقبل القريب


وغمزها برومنسيّة .. بينما حاولت تجاهل الوضع المربك ، باستعدادها لتناول وجبتها .. وهو يراقبها بطرف عينه ، سعيداً بمعرفتها لأتيكيت الطعام ..فهو معروف بحرصه الشديد على واجهته امام الناس ، واهتمامه بأدقّ التفاصيل

***


بعد ذهاب الكاتبة الى دورة المياه .. شعر الفنّان بصداعٍ مُفاجئ ، جعله يريح عينيه قليلاً.. 

حينها شاهد مناماً غريباً : كأنه يسبح في بحرٍ نتن ! ليرى امرأة ترمي قميصاً في البحر ، بعد ربطه بثلاثة عقدٍ صعبة .. فتذكّر كلام البصّارة .. وغاصّ في البحر ، ملاحقاً القميص التي وضعت بداخله حجارة ثقيلة لإغراقه.. وهو مصممّ على فكّ سحر حبيبته ..


وظلّ يغوصّ ، الى أن وصل لمنزلٍ زجاجيّ بعمق البحر .. ليجد بإحدى غرفه ، صندوقاً قديماً بداخله القميص المعقود ! 

وبصعوبة استطاع فكّ العقدة الأولى ، لتظهر ورقة فيها كلمة ((الرزق)) مكتوبة بالدماء ! 

وفكّ الثانية ، ليجد كلمة ((نفور الناس منها)) .. 


فعرف إن العقدة الثالثة : هي لحرمانها من الزواج .. وقبل فكّها ، سمع صوتاً مهيباً من خلفه :

- إبتعد عن زوجتي ايها الحقير !!

وكان كائناً ازرقاً مخيفاً ، نصفه انسان ونصفه سمكة ! 

فعرف انه زوجها المارد من العالم الآخر .. 


وهنا ! إستيقظ ، ليجد الكاتبة تضعّ جهاز الأكسجين على وجهها ، بهلعٍ شديد .. وهي تشير له بوضع جهازه المتدليّ فوق رأسه .. بينما ركّاب الدرجة السياحيّة يصرخون من خلفه ، اثناء هبوط الطائرة بقوّة نحو البحر 


ولم يعرف إن كان هذا حلماً ام حقيقة ، حتى قامت الكاتبة بوضع الأكسجين على انفه ، وهي تقول بخوف : 

- قلّ الشهادة !! سنموت جميعاً


وخلال ثواني ، غمرت المياه هيكل الطائرة .. ليشاهد الفنّان يداً زرقاء ضخمة ، تسحب حبيبته من نافذتها المحطّمة ! 

فسارع بفكّ حزام الأمان للّحاق بها ، قبل غرقه مع هيكل الطائرة بركّابها المئة ..

وآخر شيءٍ شاهده : هو المارد الأزرق يقول له :

- شكراً لإحضارك زوجتي ..


وتابع الجني الغوصّ ، مُمسكاً بيد الكاتبة (فاقدة الوعيّ) نحو منزله الزجاجيّ في الأعماق .. بينما يصارع الفنّان لالتقاط أنفاسه ، والذي فشل بالوصول لسطح الماء .. ليغرق مع بقيّة الركّاب في رحلتهم المشؤومة !  


الخميس، 26 يناير 2023

العمارة الطَبقيّة

تأليف : امل شانوحة 

الجزيرة المأهولة


سمعت جنيفر صوت طائرة درون الصغيرة خارج نافذة غرفتها ، التي تُستخدم في توصيل طعامها الذي طلبته من جزيرة المطاعم الفاخرة ، القريبة من بلدتهم المسمّاة بجزيرة المروج لاحتوائها على سهولٍ واسعة تمّ تحويلها لمزارع ومراعي ، بعكس الجزر الأخرى ذات التضاريس الصعبة! 


وبعد تناول طعامها ، وصلها إتصال من خطيبها الذي يسكن في الطوابق العليا لعمارتها ، ليُخبرها بفسخ خطوبته لها ! 

مما أزعجها ، لدرجة رميها الجوال من نافذتها المفتوحة .. ويبدو أن إشعاعات جوالها أضرّت بنظام الحماية الإلكتروني المحيط بالعمارة ، الذي يحجب الأصوات من الخارج ! 


فاقتربت من نافذتها وهي منصدمة لسماعها للمرة الأولى أصوات الناس في الشارع الذين يعيشون في اكواخٍ محيطة بعمارتهم (ذات الثلاثين طابقاً) ..وهو المبنى الوحيد في جزيرة المروج !


لكن التعتيم الإلكتروني الموجود اسفل العمارة مازال يمنعها من رؤيتهم جيداً ، فهم يبدون كملابس متحرّكة بوجوهٍ قاتمة ! 

فهل صحيح ما سمعته : بأنهم غير بشريين ! لهذا يمنع سكّان عمارتها العجائز (من كبار الأثرياء) شبابهم ونسائهم الخروج من المبنى الذي يتوفّر به كل ما يحتاجونه ؟!


ورغم إن تلك الإشاعة المخيفة ردّدها الأهالي والمعلّمين (في صفوف التعليم داخل العمارة) على مدار سنوات ، إلاّ أن جنيفر لم تقتنع بها يوماً ! فهي خرّيجة صحافة بعد حصولها على شهادتها من الإنترنت ، من مثقفي الجزيرة المجاورة التي يسكنها الأساتذة القدامى للمعاهد والجامعات الذين تجمّعوا هناك.. 

بعكس الإقطاعيين الذين بنوا عمارتها ، للسيطرة على المزراعين من خلال رواتبهم الزهيدة !


وهنا خطرت ببالها فكرةً مجنونة ، وهي النزول للشارع عن طريق سلالم الحريق الغير مستخدمة طوال عشرين سنة من عيشها في المبنى الكئيب ..

ولحسن حظها إن عاملة النظافة نست إقفال الباب التابع لطابقها .. فتمكّنت النزول ، حتى وصلت للطابق الأول .. لتجد أن السلالم غير موصولة بالأرض ، منعاً من تسلّق الفقراء اليهم .. 


فخرجت من إحدى النوافذ وهي تحاول النزول بحذر ، مُستعينةً بالقضبان الحديديّة المحيطة بالمبنى من كل جانب .. 


ليلاحظها ولدٌ في الشارع ، أشار اليها بحماس .. لتعلو صرخات الناس وهم يطالبونها بالعودة للداخل قبل إيذاء نفسها .. مما أربكها وجعلها تسقط بقوة على الأرض ، أفقدتها الوعيّ !

***  


إستيقظت بعد قليل في عيادة المُجبّر الشاب (جيمس) الذي رأت وجهه لأول مرة .. وأخبرته عن نظام التعتيم الذي منع سكّان عمارتها من رؤية الفقراء بوضوح لسنواتٍ طويلة ! عدا عن نظام التعليم الذي أرعبهم منذ الصغر : بأنهم أشباح تسكن الجزيرة !


فأجابها جيمس بقهر : كبار الأثرياء لا يريدونكم أن تشفقوا علينا ، فهم تعمّدوا الفصل العنصري بين افراد الشعب 

جنيفر بغيظ : كل هذا بسبب الحرب العالمية الثالثة ، والقنابل النوويّة التي رمتها الدول العظمى بحكّامها الحمقى ، الذين حوّلوا دول العالم الى جزرٍ عائمة في المحيطات !

- ولهذا حُشرت جميع الطبقات الإجتماعيّة في اماكن محدودة .. (ثم تنهّد بضيق) ..لنحمد الربّ أنهم سمحوا للفقراء ممّن نجى من التسونامي الكبير ببناء اكواخهم المتهالكة حول عمارتكم الوحيدة التي استحوذ فيها الأثرياء على طوابقها العليا ، بينما سكن المثقفون والتجّار طوابقها السفلى ! ..ولا أدري كم ستدوم العنصريّة بين الناس .. وما فائدة جمع الأثرياء لأموالهم ، طالما تغرق الجزر كل عام ؟!

- أحقاً ما تقوله !


جيمس : نعم ، الم تسمعي بغرق الجزيرة العسكريّة قبل سنتين ؟

- لا ! فالأخبار محصورة برجال عمارتنا الذين تجاوزوا سن الستين .. فهل ستغرق جزيرتنا ايضاً ؟

- إن حصل ذلك ، فستحصل مجاعة كبيرة .. فنحن من نمدّ بقيّة الجزر بالمزروعات واللحوم ، عدا عن الأسماك التي سمح لنا الأثرياء بتناولها .. فبقيّة المنتجات مخصّصة لاستهلاك سكّان عمارتكم ، او لتصديرها لتجّار الجزر الأخرى !

جنيفر : كنت أشعر دائماً أنهم ظلموا ابناء جيلي بسجنا في العمارة ، ولم اكن اعلم انكم تعانون  اكثر منا !  

- عمارتكم بها كل شيء .. مول صغير ومدارس ونادي رياضي وملاهي ترفيهية على السطح ..ويمكنكم السفر للجزر المجاورة متى شئتم

- لا تصدّق كل ما تسمعه ..فنحن كالعصافير داخل قفص .. صحيح انه ذهبيّ ، لكنه يبقى قيداً لحرّيتنا .. ثم المروحيات والسفن الفخمة تخصّ كبار الأثرياء ، اما نحن فممنوع علينا الخروج من غرفنا ..


جيمس : وكيف تقضون وقتكم ؟

-على الإنترنت

جيمس بصدمة : أمازال يعمل ؟!

-نعم ، لكنه محدود بشقّق العمارة  

المجبّر بقهر : الحياة ليست عادلة ! .. المهم ، أنهيت ربط ذراعك .. ومن حسن حظك انه التواءٌ بسيط .. رجاءً عودي لعمارتك ، فلا أريد مشاكل مع المسؤولين 


لكنها أصرّت على القيام بجولة في المناطق الشعبيّة ، وتصوير سكّانها بكاميرتها التي مازالت سليمة ..

***


بعد جلوسها خلفه على درّاجته الناريّة ، بدأت بتصوير الحياة الصعبة التي يعانيها المزارعون والصيادون بسبب إهمال الأثرياء لهم .. فشوارعهم بلا انوار .. ووسائل مواصلاتهم تعتمد على شاحنات نقل البضاعة ، او الدرّاجات الهوائيّة والناريّة مع القليل من الدواب.. كما منعوا عنهم الدراسة ، فمعظمهم جهلاء وأمّيين.. لكن رغم فقرهم إلاّ انهم كرماء ، حيث دعوها لتناول الطعام معهم .. ورغم خلوّه من اللحوم ، لكن طبخهم للخضراوات لذيذٌ للغاية .. 


وقضت الصبيّة نهارها بالتحدّث مع النساء والشيوخ عن المشاكل التي يعانون منها ، وهي تنوي مشاركة الفيديوهات مع الشباب الأثرياء 


وفي نهاية رحلتها المشوّقة .. شاهدت غروب الشمس امام البحر برفقة المجبّر ، بعيونٍ دامعة وهي تقول بحسرة :

-لا يحقّ لهم منعنا من النزول للشاطىء ، والشعور بالنسمات المنعشة


وقبل أن يجيبها جيمس .. شاهدت المروحيّة وهي تنثر رماد احد الأثرياء بالبحر ، بعد حرق رفاته بالمحرقة الموجودة في قبو العمارة .. 

لتعلو صرخات الناس على الشاطىء :

- لتذهب الى الجحيم ايها الملعون !!


جنيفر بضيق : انتم تكرهوننا بالفعل !

جيمس بيأس : ضعي نفسك مكاننا ..نعمل ليل نهار لنحصل على رواتب بالكاد تكفي لشراء طعامنا المكوّن من بقايا الخضروات واللحوم الفاسدة ..لكن ماذا نفعل ؟ هذا مصيرنا ، وعلينا تقبّل الأمر

جنيفر بحزم : مُحال !! سأقوم بثورة على قوانينهم الجائرة .. أعدك بذلك

***


قبل حلول المساء .. عادت لعمارتها ، بعد إرشائها الحارس العجوز بضعف راتبه الشهريّ .. وصعدت الى غرفتها دون شعور والديها باختفائها ، لانشغالهما بأعمالهما على الإنترنت !


بينما تواصلت جنيفر هاتفياً مع زملائها واصدقائها الأثرياء ، للإلتقاء غداً في نادي العمارة ، لمناقشة أمرٍ ضروريّ

***


وفي اليوم التالي ، وداخل النادي الذي لا يدخله العجائز المتزمّتين .. أرتهم ما صوّرته بحيّ الفقراء..


فقال أحدهم بدهشة : لا أصدّق انك تجرّأتي على مخالفة قوانين العمارة الصارمة !

جنيفر : كان على أحدنا المجازفة .. المهم ، ما رأيكم بما شاهدتموه؟ 

- كنت أظنهم اشباحاً !

جنيفر : لم نعدّ صغاراً لنصدّق تلك الخرافات

- مهما يكن !! يبقون غوغائيّن وجهلاء ، والأفضل عدم الإقتراب منهم 


جنيفر بعصبية : ومن نكون لنمنع عنهم المال الذي يجنونه بتعب ، من رعايتهم المتواصلة للمزروعات والمواشي ؟ وعلى أيّ اساس نستحوذّ على أرباح محاصيلهم ، وفي المقابل نحرمهم الكهرباء والإنترنت والتعليم وبناء مستشفى خاصّ بهم ؟! من نحن لنقرّر مصير آلاف البشر ؟!  


ثم صارت تكلّمهم عن روعة العيش بحرّية خارج مبناهم الكئيب

فسألها أحدهم باهتمام : أحقاً منظر البحر جميل ؟ 

جنيفر : هو اجمل بكثير مما رأيناه بنظّارات الواقع الإفتراضي .. صدّقوني ، حياتنا تضيع هنا .. فلا فائدة من وجودنا إن لم نحسّن مجتمعنا ، بما تعلّمناه على أيدي علماء العالم 

فوافقوا على إقامة ثورة شبابية مفاجئة ، ظهر الغد.. 

***


في الموعد المحدّد .. نزل الشباب والمراهقين عبر سلالم الحريق بعد كسر بابه .. ولم يستطع الأهالي وكبار المسؤولين ، ولا حتى الحارس العجوز منعهم الوصول للشارع لأول مرة في حياتهم ..


وعلى الفور !! تجمّع الناس حولهم ، لتعلن جنيفر بمكبّر الصوت الذي معها:

-يمكنكم الصعود لعمارتنا لاكتشافها من الداخل !!


وسرعان ما هجم الفقراء ، صعوداً على الأدراج (بعد إيقاف المسؤول للمصاعد) ليبدأوا باستكشاف الشقق الفخمة بعد خلع بابها 

 

مما ارعب كبار الأثرياء الذين هربوا نحو السطح .. لتتمكّن عدّة مروحيات من نقلهم سريعاً لجزيرةٍ قيد الإنشاء ..

***


بعد هروبهم .. هلّل الفقراء فرحاً من قرار الشباب الأثرياء بالسماح لأولادهم بالتعلّم بمدرسة العمارة .. وكذلك إستخدام العيادة المتطوّرة داخلها ، بالإضافة لوسائل الترفيه .. ووعدوهم بإصلاح شوارعم ، وإعمار منازلهم باستخدام خبراتهم العلمية التي سيشاركونها معهم .. وبشّروهم بزيادة رواتبهم ، حيث تمكّن كبار الأثرياء من تهريب ذهبهم دون نقودهم التي تركوها في خزنات شققهم ، بإرقامٍ سرّية يعرفها ابنائهم المشاركين بالثورة الفجائية ، والتي سيستخدمونها لنشر العدالة الإجتماعية بين طبقات الشعب في جزيرة المروج

***


لم يمضي شهر .. حتى شعر الأثرياء (داخل قصورهم بالجزيرة الحديثة) بالفزع ، بعد عطلٍ مفاجىء لإنترنتهم ، قطع تواصلهم مع العالم ! 

وبذلك حرموا من طلب الطعام الجاهز من جزيرة المطاعم .. مما أجبرهم على زراعة ارضهم والصيد لحين انتهاء ازمتهم التي أشعرتهم بأهمية الفقراء ، لكن بعد فوات الأوان !

***


لم تنتهي السنة ، حتى احتفل الشعب بزواج جنيفر الثريّة من جيمس (المجبّر المتواضع) بحفلٍ حضره الجميع ، كونه اول زواج بين طبقتين مختلفتين ، لكنه حتماً لن يكون الأخير

***


في إحدى الأيام ، وقبل صعود الصيّاد الى قاربه .. شاهد قارورة قرب الشاطىء ، بداخلها رسالة مكتوبة :

((نحن اثرياء العالم المحتجزين بالجزيرة الحديثة ، أصابنا عطلٌ بالإنترنت لم نتمكّن إصلاحه حتى الآن .. نشعر بالجوع معظم الوقت ، فلا خبرة لنا بالزراعة والصيد .. رجاءً لمن يجد رسالتي : أن يرسل لنا سفينة او عبّارة تُعيدنا الى عمارتنا الفخمة بجزيرة المروج ، كيّ نحكم الفقراء بحسن إدارتنا وحكمتنا الفريدة))


فمزّق الصيّاد الرسالة ، وهو يتمّتم بضيق :

-مازال المتغطرسين يظنون انهم يملكوننا ! 


ثم نظر للجزيرة البعيدة (التي هربوا اليها الأثرياء) ، قائلاً في نفسه: 

- فلتنفعكم اموالكم التي أذّليتمونا بها لسنواتٍ طويلة .. موتوا جوعاً ايها الملاعين !!


ونثر القصاصات الممزّقة بالهواء ، وهو مُمتنّ للعدالة الإلهيّة التي سادت اخيراً بجزيرة المروج بعد طول ظلمٍ وعناء !


الاثنين، 23 يناير 2023

تسجيل صوتي لقصتي السابقة (الطفل المنغولي)

  قام الأخ أحمد محمد سنان بالإخراج الصوتي لقصتي السابقة : ((الطفل المنغولي)) بمساعدة اصدقائه .. فلهم جزيل الشكر والثناء 

الرابط :

https://www.youtube.com/watch?v=sc-jyYHyUvU




الأحد، 22 يناير 2023

المشفى المشبوه

كتابة : امل شانوحة 

وردة شبابي


الدكتور : توقف قلبه ، أعطني الجهاز الكهربائي !!

وبعد ثلاث صعقاتٍ قوية ، مازال جهاز القلب يصدر رنيناً متواصلاً ومزعجاً ، مُؤكّداً وفاة المريض العجوز ..


الطبيب متنهّداً بضيق : أنقلوه الى المشرحة ، لحين وصول اهله لاستلامه

الممرّض بقلق : دكتور ! هذا ثالث مريض يموت خلال اسبوع .. إن انتشر الخبر ، سيُشاع عن سوء علاجنا لمرضانا

- هل جميعهم من كبار السن ؟

- حتى الآن .. نعم

الطبيب : اذاً لن يجادلنا الأهل بشأنهم ، فهم يتوقعون الأسوء لهم  

وغطّى وجه المريض بالملاءة ، وخرج من الغرفة .. 


وقبل جرّ الممرّض للسرير ، أوقفته سعاد الأربعينيّة (رئيسة الممرّضات):

- دعه هنا ، سأتصل بموظف المشرحة لأخذه .. إذهب لتفقّد المرضى الآخرين بممرّ العناية المركّزة

*** 


بجانب المصعد .. تأفّف احمد (الثلاثيني) وهو يجرّ سرير المريض المتوفي ، لإنزاله للمشرحة .. فاقتربت منه سعاد :

- سأنزل معك لوضع البيانات على باب ثلاّجته

- نعم نعم .. كالعادة

***


في المشرحة ، سألته :

- اراك متضايقاً اليوم يا احمد ، ما المشكلة ؟ الم يعجبك العمل في مشفانا ؟

احمد : لم أكمل شهريّ الأول ، ونقلت للآن عشرة موتى للمشرحة ! والموظفون في قسمي ينادونني بعزرائيل .. فحسب كلامهم : بأن عدد الموتى زاد بعد عملي معكم ! 

- هم يغارون من نشاطك .. فأنت شاب مفتول العضلات ، بينما هم على وشك التقاعد ، فلا يحزنك كلامهم .. هل انت مشغول بعد الظهر ؟

- سأذهب لزيارة امي

سعاد بضيق : أفي كل مرة تزورها ! لما ترفض تناول الغداء معي؟!

- لم أقصد ذلك ! انا فقط..

مقاطعة بإصرار : سأعزمك على حسابي.. هناك مطعمٌ رائع قريب من هنا

- حسناً ، كما تشائين

***


بعد ايام .. غضبت سعاد من الممرّضة الجديدة ، لإعطائها ابرةً خاطئة لولدٍ صغير بدل العجوز (الذي ينام بالسرير المقابل ، بغرفتهما المشتركة) مما أدّى لوفاته ! 


لتضجّ المستشفى بصراخ الوالدين الّلذين صُعقا بموت ولدهما ، بعد عمليّته السهلة لاستئصال اللّوزتين ! 

فحاولت سعاد إفهامهما ما حصل : وأنه حُقن بإبرة مسيّل الدم عن طريق الخطأ ، أدّى لنزيفٍ حادّ .. فاختنق الطفل بدمائه اثناء نومه! 


وبحضور الشرطة .. برّرت الممرّضة الجديدة باكيةً : أن سعاد طلبت منها حقن الصغير بأبرةٍ عبّأتها (سعاد) بنفسها .. 

لكن رئيسة الممرّضات إستطاعت النجاة من هذه المصيبة ، بعد مراجعة الشرطة لكاميرات المراقبة : ورؤية الممرّضة الجديدة تسحب الإبرة من الطاولة دون إذن سعاد المشغولة بحاسوبها ، والتي كانت ستعطيها للمريض العجوز .. 


فاكتفت الإدارة بطرد الممرّضة الجديدة ، وإعطاء إنذار لسعاد التي تنفّست الصعداء بعد تقبّل العائلة لمصابها الكبير .. 

وكالعادة نزلت للمشرحة لكتابة بيانات الجثة الصغيرة

*** 


لم تمضي شهور ، حتى بدأت جائحة كورونا .. ومعها ازداد عدد الموتى الذين اكتظّت بهم غرفة المشرحة .. 

وقرّرت سعاد المداومة في القبو مع احمد لإنهاء البيانات سريعاً ، قبل إرسال الجثث للدفن الجماعيّ

***


بعد سنتين ، إنتهت مشكلة كورونا .. ومع هذا مازال عدد الموتى ثابتاً كل اسبوع ! 

وانتشرت إشاعة عن رداءة المستشفى ، مما أجبر أفضل الأطباء فيها لتركها والعمل بمستشفياتٍ اخرى .. كما تجنّب المرضى الدخول اليها ، بعد تشاؤمهم منها ، حيث سمّوها : ((مستشفى عزرائيل)) 


وبذلك اضّطرت الإدارة لطرد بعض الموظفين ، لقلّة المرضى بالمستشفى .. إلاّ ان سعاد وافقت على تقليل معاشها ، والبقاء في المستشفى القريب من منزلها ، على حدّ قولها ! 

***


في ظهر أحد الأيام ، طرق احمد باب مكتبها .. فاستقبلته سعاد بابتسامةٍ عريضة :

- الوسيم احمد عندنا ! يا اهلاً وسهلاً  .. كيف خطرنا على بالك ؟ هل أتيت للإطمئنان عليّ ؟

احمد بتردّد : بصراحة .. قدمت لتوديعك

- ماذا !

- لم يعد يناسبني قلّة الراتب 

فقالت على عجل : أدفع لك من راتبي

- لحظة يا آنسة ، لم اكمل كلامي .. انا احتاج لمصاريف كثيرة ، لأني مُقدم على الزواج من ابنة عمي و..

مقاطعة بعصبية : أستتزوج انت ايضاً ؟!! 

- عفواً !


سعاد غاضبة : جميع الأطباء الذين عرفتهم تزوجوا ، حتى المطلّقين منهم .. وبعد أن رضيت بتقليل مستوى تطلّعاتي ، ووافقت على موظفٍ بسيط .. تتركني انت ايضاً ، للزواج من قريبتك ! 

- لا افهم سبب غضبك

فاقتربت منه بعصبية : مالذي لا يعجبك بي ؟ انا آنسة متعلّمة وجميلة ، بل فاتنة الجمال !! ولديّ منزل وسيارة ، ومن عائلةٍ محترمة ..ماذا تريد اكثر من مواصفاتي الرائعة ؟ 


احمد بارتباك : لطالما اعتبرك زميلة

بغضب : زميلةٌ فقط !! أهذا جزائي بعد كل ما فعلته لأجلك

- وماذا فعلتي لأجلي !

سعاد : لا تعرف اذاً .. كنت أقتلهم لأراك ، ايها الغبيّ !!

احمد بصدمة : ماذا قلتي ؟!

- كنت أحقن العجائز الميؤوس منهم بإبرةٍ قاتلة ، كيّ اراك  

احمد غاضباً : هل جننت ؟! أتقتلين ولداً صغيراً لتخيّلاتك الرومانسية الحمقاء ؟!

- لا ! ذاك كان خطأ الممرّضة الغبية .. فقد كنت أنوي قتل العجوز الذي بجانب سرير الصغير 

احمد مهدّداً : لابد للإدارة من معرفة جريمتك الشنعاء !!


سعاد بخبث : جريمتي ، بل قلّ جرائمي .. فكل من مات بالكورونا ، قطعت عنهم الأكسجين ، للنزول الى القبو والتحدّث معك.. كم مرة أحضرت لك الغداء على حسابي ؟ عدا عن الهدايا الثمينة بمناسباتٍ عدّة .. ماذا عليّ فعله لتحبني ، ايها الأحمق ؟.. لما حكم القدر عليّ بالعنوسة ؟! اليس لديك عينين لترى جمالي ، او قلب لتشعر بحبي لك ؟!


ففاجأها أحمد بإخراج جواله ، قائلاً :

- لقد سجّلت كل اعترافك

- انت كاذب !

فأسمعها بعض ما قالته..


سعاد بصدمة : لا يعقل هذا ! لم ارك تضغط زرّ التسجيل 

احمد : خطيبتي شعرت باهتمامك الزائد بي ، وأخبرتني بشكوكها حولك .. فضغطت زرّ التسجيل قبل دخولي غرفتك ، لأسمعها بأن لا شيء بيننا .. وإذّ بي أسجّل إعترافك الخطير الذي سأنقله لمدير المستشفى ، لأخذ الإجراءات القانونيّة ضدّك 


وما ان ادار ظهره ، حتى أخرجت ابرة القتل الرحيم من جيبها (التي عبّأتها سابقاً ، لقتل المريض الجديد) وحقنتها في رقبته .. لتشاهده وهو ينتفض امامها على الأرض .. 

فجلست امامه بهدوء ، وهي تقول :

- أحببتك كالدكتور طارق الذي تزوّج غيري ، فعطّلت فرامل سيارته ليموت هو وعروسته بعد نزولهما من الجبل.. وأحببتك كسمير : جرّاح القلب الذي فضّل ابنة الجيران عليّ ، فضربته بالعصا الحديديّة على رأسه حتى الموت ، بموقف عمارته .. وأحببتك كفؤاد زميلي في الجامعة وحبيبي الأول ، الذين وجدوا جثته منتحرة من الطابق العاشر ، دون أن يشكّ احد انني دفعته من شرفته .. وهآ انت تموت الآن ، ويموت معك جزءاً من قلبي ! ..لما تصرّون على إذبال وردة شبابي ؟!


وهنا سمعت صرخة الخادمة (التي مرّت من امام مكتبها ، ورأت احمد واقعاً دون حراك)

فاضّطرت سعاد للقول لها :

- إسرعي بمناداة الطبيب !! 

الخادمة بخوف : ماذا حصل له ؟!

سعاد : يعاني من سوء التنفس ، إذهبي وناديه فوراً !!


ثم أخفت سعاد الإبرة القاتلة في جيبها .. وسرعان ما قدم حرّاس أمن المستشفى الذين منعوا الجميع من الإقتراب من الجثة ، في انتظار قدوم المحقّق  


وهنا تذكّرت سعاد جوّال احمد ! فحاولت جاهدة العودة الى مكتبها .. لكن الأمن منعوها من الإقتراب .. 

فعلمت انه كُشف امرها ! فبمجرّد سماع المحقّق لاعترافها المسجّل ، ستسجن مؤبداً او تحصل على الإعدام ..


فانسحبت بهدوء بين الموظفين الذين تجمّعوا امام الجثة ..ونزلت لموقف السيارات للمستشفى .. 

لكن لسوء حظها ، لم يدرّ المحرّك بأيّةِ طريقة .. 

فركضت للخارج لإيقاف سيارة اجرة تعيدها لمنزلها ، لأخذ جواز سفرها والسفر لأوروبا.. 


لكن زحمة السير جعلتها تصل متأخرة لبيتها.. 

وهذا ما جعل الشرطة توقفها قبل صعودها الطائرة ، لأن جوال احمد سجّل كل شيء : حتى اعترافها بقتل الطبيبين وزميلها الجامعيّ ! 

***


لاحقاً .. أقتيدت للمحاكمة التي ضجّت بأهالي الموتى الذين طالبوا بإعدامها بإبرةٍ قاتلة تحقيقاً للعدالة الإنسانيّة ، بعد تحوّلها من ملاك الرحمة الى ملاك موتٍ لا يرحم !

*****

ملاحظة :

القصة مستوحاة من احداث حقيقية لممرّضة امريكية قتلت 30 مريضاً لترى حبيبها الحانوتيّ !

رابط المقال :

https://www.youm7.com/story/2019/5/20/%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D9%85%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AA%D9%84%D8%AA-30-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%B6%D8%A7-%D8%A8%D9%85%D8%AE%D8%AF%D8%B1-%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%89/4249906 


الجمعة، 20 يناير 2023

البئر المهجور

تأليف : امل شانوحة 

الوعد المؤجّل


في ذلك العصر .. قاد احمد سيارته الأجرة في الطريق العام ، قبل رؤيته عجوزاً يمشي بسرعة ، وهو يتلفّت حوله بارتباكٍ شديد !

فتوقف بجانبه ، ليسأله :

- هل تريدني أن أوصلك لمكانٍ ما ؟


فأسرع العجوز بفتح باب السيارة ، والجلوس في المقعد الخلفيّ .. مُتنهّداً بارتياح :

- مشيت لساعتين ، دون توقف سيارة واحدة لمساعدتي !

احمد : واين تريد الذهاب ؟

- إكمل سيرك للأمام ، يا بنيّ

***


في الطريق .. سأله احمد :

- نحن نسير منذ ساعة ، وقريباً سنصل للطريق الصحراويّ..فأين منزلك يا عم ؟ هل تريد ..


وقبل إكمال سؤاله ، شعر بنصل سكينٍ حادّ يوضع على رقبته ! لدرجة جعلته ينحرف بالسيارة يميناً ويساراً .. فصرخ احمد غاضباً:

- أتهدّدني بالسلاح ، وانا احاول مساعدتك ؟!!

العجوز بحزم : إسمعني جيداً !! اريدك أن تتعمّق بالصحراء 

- سنعلق بالرمال !

- ليس قبل قطعنا مسافةً جيدة فوق الكثبان الرمليّة 

احمد بعصبية : ماذا تريد بالضبط ، هل انت مجنون ؟!!

العجوز : لا أنصحك بإثارة أعصابي ، فأنا مستعد لارتكاب جريمة لإنقاذ عائلتي

- وما دخل عائلتك بالأمر ؟!


فأبعد العجوز السكين عن رقبة أحمد ، قائلاً بضيق :

- حسناً ، سأخبرك القصة منذ البداية .. كنت بمثل عمرك حينما سمحت لعسكريّاً تائهاً بالطريق ، بالركوب معي .. ففي زماني لم يملك الكثيرون السيارات.. 

أحمد بعصبية : إكمل يا عم !!

- كان صامتاً طوال الوقت .. قبل أن يُفاجأني بلكمةٍ قويّة ، أفقدتني الوعيّ ! وحينما استيقظت ، وجدّت نفسي بالصحراء ، وسيارتي مسروقة .. وربما خطّط لبيعها قطعاً ، فهي أفضل من رواتب العسكريين القليلة ! 


احمد باهتمام : ثم ماذا حصل ؟

- مشيت مسافةً طويلة في الظلام الدامس ، الى ان رأيت مواقد النار لخيام البدو .. ومن شدة جوعي ، إقتحمت مجلس النساء بعد اشتمامي رائحة طعامهن .. مما أغضب رئيس القبيلة الذي لم يرضى بسماع حجّتي ، وأمر برميّ في بئرهم الجافّ الذي أمضيت فيه ثلاثة ليالي مع العقارب .. وعندما أوشكت على الموت ، خطرت ببالي فكرة : وهي الإستفادة من قطعتي الخشب المرمية في قعره .. فصرت أحشر كل قطعة بفراغات حجارة البئر ، ثم أقف عليها .. لأعود وأحشر القطعة الثانية فوقها..


احمد : يعني حوّلتهما الى ادراج ؟

- بالضبط !! إلى أن خرجت من قبري ، آخر الليل .. واستغلّيت نوم الملاعين لسرقة إحدى الخيول .. وحين وصلت للشارع العام في الصباح ، أطلقت سراح الحصان ..وركبت في شاحنة ، أعادتني الى منزلي 

احمد : حسناً ، وما دخلي انا بالموضوع ؟

- لم أنهي قصتي بعد .. لسوء حظي سرقت حصان ابن زعيمهم ، ويبدو احدهم إقتفى أثري .. 

احمد : وهل عرفوا عنوان منزلك ؟

- وأحرقوه بالكامل 

- وماذا عن عائلتك ؟

العجوز : كنت أعيش وحدي أنذاك .. 

- وهل انت متأكّد أن البدو فعلوا ذلك ؟

- ليس لديّ اعداء غيرهم 


احمد : قصتك حزينة

- هذه الحادثة أصابتني بالنحس ، فلم أتوفّق بعدها ابداً ! وخسرت عدة اعمالٍ متتالية ، حتى أصبحت مشرّداً بالشوارع .. الى ان ساعدني اهل الخير ، ووظّفوني كحارس عمارة .. وزوّجوني من امرأةٍ يتيمة ، أنجبت لي طفلاً قبل ايام  

احمد : اذاً تحسّنت حياتك ، فلما خطفتني ؟! 


وهنا ! انغرزت السيارة بالرمال ، فصرخ أحمد غاضباً :

- هل انت سعيدٌ الآن ؟!!

فعاد العجوز يهدّده بالسكين : ترجّل من السيارة 

- ماذا تريد مني يا رجل ؟ عدّ لزوجتك وطفلك

- هذا ما اريده بالفعل .. هيا إنزل دون جدال

***


بعد أن مشيا مسافةً طويلة على الأقدام ، وصلا لبئرٍ مهجور .. فقال العجوز وهو مازال يضع السكين في ظهر الشاب :

- هنا رموني الملاعين 

احمد : واين افراد القبيلة ؟

- الحادثة حصلت منذ عشرين سنة ، أكيد انتقلوا لمكانٍ آخر

- وماذا تريد مني ؟

العجوز : اريدك أن تنزل للأسفل بهدوء .. وسأحاول إخراج سيارتك من الرمال ، للعودة الى عائلتي 

احمد بعصبية : ومن قال اتني سأفعل ؟!! ولماذا تعاقبني على شيءٍ لم افعله؟!

- وهل حقاً صدّقت قصّة الخشبتين اللتيّن حوّلتهما لأدراج ؟ 

- وكيف اذاً نجوّت من البئر ؟ 


العجوز : ظهر ملك الجان الذي يعيش في البئر .. فترجّوته أن لا يقتلني .. فطلب من اولاده حملي الى فوق ، بشرط إحضاري قرباناً يحلّ مكاني.. لكني فرّرت من الصحراء ، عائداً لحياتي النحسة .. وبعد إنجاب ابني ..رأيت تهديداً مكتوباً بالرماد على جدار غرفته : ((إحضر قرباناً ، او نأخذ طفلك مكانه)) .. وما أن دخلت زوجتي ، حتى اختفت العبارة ! فعرفت انها رسالة من ملك الجان ، لعدم إيفائي الوعد .. فخرجت كالمجنون وانا ابحث عن ولدٍ او امرأة تمشي وحدها بالشارع ، لخطفها بالسكين الذي احمله .. لكني فضّلت خطف شخصٍ يقود سيارة ، لأصل سريعاً لبئر الصحراء .. ومن سوء حظك انك توقفت لمساعدتي.. والآن إسرع بالنزول ، وخلّصني من الكابوس الذي دام عشرين سنة !


وحاول العجوز غرز السكين في خاصرة الشاب ، لإجباره على القفز بالبئر .. لكن الشاب أقوى منه جسدياً ، وتعارك معه بقوة .. حتى تمكّن من إسقاط السكين من يد العجوز ، ودفعه بقوة للخلف .. 

ليسقط العجوز بالبئر المهجور من جديد ! ويسمع احمد صرخته المدويّة بعد انكسار قدميه .. 


لكن صرخته لم تكن مرعبة ، بقدر الصدى الذي ظهر من الأسفل : 

- أخبرتك منذ البداية بأنك قرباني .. يا اولاد !! خذوه لباطن الأرض

فبكى العجوز في قعر البئر : رجاءً سيدي ، أعطني فرصة جديدة

- أعطيناك عشرين سنة ، وحان وقت تسديد دينك


وتراجع احمد خائفاً للوراء ، بعد خروج لهيب النار من فوهة البئر ! متزامناً مع صرخات العجوز المتألمة وهو يحترق بالأسفل .. 


ثم ركض باتجاه سيارته التي حاول جاهداً إخراجها من الرمال .. الى أن أعادها للطريق العام ، بعد عقده العزم على ترك مهنة سائق الأجرة للأبد! 


الأربعاء، 18 يناير 2023

الحارس المتفاني

تأليف : امل شانوحة 

 

الإبن البارّ 


تجاوزت شهرتها العالم العربي بعد غنائها بعدّة لغات ، بسهراتٍ فنّية حول العالم .. إسمها الحقيقيّ سلمى لكنها انشهرت بإسم إليزابيل التي تمتّعت بقوّة صوتها وتعدّد طبقاته التي عجزت عنها فنّانات عصرها ، حتى أصبحت أيقونة الغناء العربي .. 

هذا عدا عن جمالها الخلاّب الذي تغزّل به الشعراء والمؤلفين ، خاصة سمير : المُلحّن الذي رافقها منذ بداية نشاطها الفنّي بعمر المراهقة ، بينما يكبرها بسبع سنوات .. 


ومنذ نجاحها بأغنيتها الأولى التي بيعت منها آلاف الأشرطة بثمانينات القرن الماضي ، أصبح سمير مهووساً بها.. فهو لم يلحّن بحياته لسواها ، ولم يعشق احداً غيرها ! وكان الجميع في الوسط الفنّي يعرف بعلاقتهما البريئة واحترامهما الكبير لبعضهما .. 


لكن هذا لم يمنع الشاب السياسيّ النافذ في عصرها ، من وضعها ضمن لائحة الفتيات اللآتي يرغب بمواعدتهن .. فلا احد من الفنّانات استطاعت رفض طلبه بعد إنتشار صيته ، بتعذيبه وقتل كل من حاولت تجنّبه او التأخّر عن مواعيده المحددّة ! 

حتى المتزوجات منهن ، لم يسلمنّ من شرّه .. وبعضهن إعتزلت الفن رغم نجاحها ، او هاجرت للخارج هرباً منه .. لتجدها الشرطة مقتولة بظروفٍ غامضة ، حتى أصبح حبه لعنة لا يمكن الإفلات منها !

***


وفي ذلك المساء .. تلقّت إليزابيل إتصاله المشؤوم بصوته الأجشّ وهو يبشرّها باختياره لها ، وإرسال رجاله لأخذها اليه .. 

فانهارت باكية امام وليد (حارسها الشخصيّ) الذي فاجأها بإخراج مسدسه ، فور سماعه سياراتٍ تقترب من حديقة قصرها .. آمراً إليزابيل بالإختباء بغرفتها ، وعدم الخروج مهما حصل .. 

فقالت بخوف :

- هل جننت يا وليد ؟! سيقتلك رجاله

- هذا إن لم اقتلهم اولاً .. هيا بسرعة !! ولا ترتعبي من صوت الطلقات .. لن أتركك وحدك ، أعدك بذلك


فصعدت وهي ترتجف بقوة ، وأقفلت بابها بإحكام .. 

بينما خرج حارسها نحو الجنود الخمسة الذين ترجّلوا من سيارتهم العسكريّة ، فور منعهم دخول القصر .. 

قائلاً قائدهم :

- هل جننت ؟ نحن مُرسلون من قبل السيد .. 

وليد مقاطعاً : أعرف اللعين الذي ارسلكم !!

- كيف تتجرّأ على قول ..


وقبل إكمال كلامه .. سقط الواحد تلوّ الآخر برصاصات وليد القنّاص ، حتى قتل اربعة منهم .. 


بينما سارع قائدهم الجريح الى سيارته .. وقبل خروجه من حديقة القصر ، صرخ وليد بعلوّ صوته : 

- إخبر سيدك أنني سأقتل كل من يقترب من السيدة إليزابيل !! 

فتمّتم قائد الجنود غاضباً : ستندم ايها الحقير  


وبعد هروبه .. دفن وليد الجثث الأربعة في الحديقة ، كيّ لا تخاف إليزابيل منهم  

***


بعد ساعة .. وقبل انتهائها من حزم حقيبتها للهرب مع حارسها ، قدِمَ السياسي الشاب بنفسه مع ثلاثة من اقوى رجاله الى القصر !


وكانت إليزابيل مازالت في غرفتها ، اثناء مراقبتها حارسها وهو يُطلق النار عليهم من نافذة صالة القصر .. ولأنه خبير بالسلاح ، تمكّن من قتل الرجال الثلاثة ..مما ارعب السياسيّ الذي حاول الهرب .. 

إلاّ ان وليد أصاب عجلته الأماميّة ، جعلته يفقد السيطرة على سيارته ويصطدم بجدار الحديقة.. 


ثم توجّه وليد نحوه ، ليجده ينزف من رأسه الذي ارتطم بقوة في المقوّد .. وكان رافعاً يديه وهو ينصحه بالهدوء والترويّ ، فوالده رئيس الحكومة وسيعدمه إن لم يعد سالماً..

لكن هذا لم يمنع وليد من إفراغ مسدسه برأس الشاب الفاسد !


فنزلت إليزابيل فزعة اليه ، وهي تبكي بأحضان حارسها الشجاع :

- ماذا فعلت يا مجنون ؟! هو الإبن الوحيد للرئيس الذي سيقتلك مع عائلتك ، وكل من يمتّ لك بصلة !! 

وليد : انا يتيم ، وانت كل عائلتي .. رجاءً اتصلي بالملحّن سمير ، فهو الوحيد القادر على إنقاذك .. احبك جداً ، لا تنسي ذلك


ووضع مسدسه في فمه ، وأطلق النار منتحراً .. وسط صراخ إليزابيل الهستيريّ

***  


في تلك الليلة الباردة .. لم يكترث احد لصوت الطلقات القادمة من رأس الجبل المبني عليه قصر إليزابيل الفخم ، ظناً بأنها إحدى حفلاتها الصاخبة 


اما هي ، فسمعت نصيحة وليد : واتصلت بحبيبها سمير الذي سارع بالقدوم اليها .. وأخذِها الى منزله في الأرياف ، البعيدة عن العاصمة 

***


لم تُعرف الحادثة إلاّ بنهاية الإسبوع .. بعد مرور معجبين بجانب القصر ، واشتمامهم لرائحة الجثث المتحلّلة ! 

ووصل الخبر للإعلام : عن مقتل ابن الرئيس في قصر الفنانة المشهورة التي اختفت عن الأنظار لسنتين ، بعد زواجها من الملحّن 

 

وقبل ولادة طفلها الأول .. سمع احد رجال المخابرات صوت غنائها المميز ، اثناء مروره بين اكواخ المزارعين ! 

وسرعان ما وصل الخبر لمكتب رئيس الجمهورية الذي طالب بإحضارها مع زوجها الى مخزنٍ سرّي مُخصّص لتعذيب معارضيه! 

وكان متواجداً في القبو : الطبيب النسائيّ ، لعلم الرئيس بحملها بالشهر الأخير ..

***


في البداية أخبرتهم إليزابيل بالحقيقة ، وأن حارسها هو من قتل ابنه ورجاله .. 

لكن الرئيس لم يصدّق ذلك ، وأصرّ على معاقبة زوجها بدلاً عنه ! لتشاهدهم وهم يعذّبون حبيبها حتى الموت ..


وكانت رؤيتها لجثته تُرمى بالأسيد ، سبباً في ولادتها المبكّرة .. وفقدان عقلها الذي جعلها تعيش في دار المجانين حتى نهاية عمرها!

***


كل التعذيب الذي ذُكر في المقطع السابق ، شاهده الزوجان من خلال كوابيسهما المتكرّرة .. دون معرفة السبب الذي جعلهما يريان المنام المزعج ذاته ، الذي لم يعيشانه في الواقع !

  

فما حصل بالحقيقة : أن صديق وليد (المنتحر) إستطاع تهريب إليزابيل وزوجها للخارج عن طريق البحر ، قبل دقائق من وصول جنود الرئيس الى كوخهم في الريف (بعد انكشاف مخبأهما)  


وعاشا بالغربة مع ابنهم الوحيد الذي راقبهما كل مساء ، وهما يلحّنان أغاني ألّفاها سويّاً .. وسجّلاها ضمن أشرطة إحتفظا بها ، لأبنهما الذي وعدهما بنشرها يوماً ما.. 

فرغم وفاة رئيس الجمهورية منذ سنوات إلاّ انهما مازالا يخافان من رجاله ، لذا طلبا نشرها بعد وفاتهما !


فهما عاشا بالغربة بهويّاتٍ مزوّرة طوال حياتهما ، دون علم اصدقائهما الأجانب بموهبتهما المميزة .. واعتاشا من بقالةٍ افتتحاها من مالٍ كان بحوزتهما ، لحظة هروبهما من الوطن.. 


وبعد كبرهما في السن ، تكفّل ابنهما الذي أصبح عالماً فيزيائيّ بكل مصاريفهما .. والذي شاهدهما كل ليلة وهما يشكران الله على الحارس وليد وصديقه الّلذين أنقذا حياتهما من السياسي الفاسد ووالده الظالم

***


لكني ايها القرّاء سأكشف لكم السرّ الذي لا يعرفه والدايّ (إليزابيل والملحّن سمير) : وهو أن الكوابيس التي يشاهدانها باستمرار ، هي لذكرياتٍ حصلت بالفعل !


فالحارس وليد ، كان جباناً وهرب فور رؤيته الجنود الخمسة يقتحمون قصرها ! لتصبح رهينة السياسي الفاسد الذي استغلّها لشهور ، قبل قيام ابي الشجاع بتهريبها الى الأرياف

لكن فرحتهما لم تكتمل بعد تمكّن رئيس الجمهوريّة من القبض عليهما  وإذابة جسد ابي امام عينيها ، ممّا أفقدها عقلها .. 


اما انا ، فرماني بدار الأيتام بالخارج .. فتبنّاني استاذٌ جامعيّ حرص على تعليمي ، لأصبح عبقرياً بالعلوم .. 

واستطعت بعد جهدٍ كبير من إختراع جهازين سرّيين : احدهما يعيدني لزمن الماضي ، والثاني يسمح لي بتجسّد أجسام الآخرين ! 

^^^


وبعودتي للثمانينات .. تعمّدت قتل وليد (على هيئة إنتحار) لخذلانه امي وعدم دفاعه عنها ، رغم راتبه الخياليّ ! 


اما الرجل الآخر : فلم يكن صديقه ، بل صحفي شُهر بنقده الّلاذع للدولة دون خوفه من العواقب .. وكنت بحاجة لجرأته لتهريب والدايّ للخارج ..

^^^


بعد عودتي معهما للحاضر .. لاحظت تغيّر ألبوم صورنا بالكامل ، والذي امتلأ بلحظاتنا السعيدة كعائلةٍ متماسكة محبّة ! 

بعكس فترة شبابي السابقة التي قضيتها بزيارة امي في مستشفى المجانين ، لأسمعها مراراً وهي تمدح والدي الذي دافع عن حبها حتى الموت !  

***


((والآن بعد أن علمتم سرّي الذي أخفيته لسنوات : إن كان أحدكم يريد تغيّر ماضيه ، فليتصل بي .. لكن بسرّيةٍ تامّة)) 


الاثنين، 16 يناير 2023

كلبي المشاكس

تأليف : امل شانوحة 

المهمّة السرّية


خرج جوني للعب مع كلبه في الساحة القريبة من منزله.. وبعد عدة رمياتٍ ناجحة .. رمى الصحن الطائر بعيداً ، ليخترق أشجار الغابة التي تبعد امتاراً عنه.. فركض الكلب كعادته لإحضارها.


مرّ عشرُ دقائق دون ظهور الكلب ، رغم مناداة جوني له باستمرار ! فقرّر ملاحقته الى هناك..

وقبل تعمّقه في الغابة ، ظهر الكلب امامه وفي فمه الصحن الطائر.. 

فقال له معاتباً :

- اين كنت كل هذه المدة ؟ .. هيا لنعدّ للمنزل ، فقد تأخر الوقت

وعادا قبل حلول الظلام

***


بهذه الأثناء .. وصل حطّابٌ لأطراف الغابة ، ليجد كلباً ميتاً بعضةٍ قويّة في رقبته التي لا تحمل طوقاً بإسمه .. فظنّه كلباً شريداً خسر معركته مع إحدى الذئاب التي قضت عليه ، قبل وقتٍ قصير ! فدفنه ، وأكمل عمله بقطع الأشجار..

***


في المساء.. إستيقظ جوني ، ليجد كلبه واقفاً بجانب السرير وهو يحدّق به دون حرِاك ! 

فقال له بنعاس :

- لما لم تنمّ على وسادتك بالصالة ؟ هيا إذهب ، فغداً مدرسة


لكن الكلب ظلّ ينظر اليه ، وكأنه تجمّد في مكانه !

فرمى جوني لعبته الصوفيّه عليه ، وهو يأمره بالخروج من الغرفة.. فذهب الكلب وهو مازال يراقبه بطرف عينه ! 


وكانت تصرّفات الكلب تزداد غرابة كل يوم ! فمند لعبتهما الأخيرة ، لم يعدّ يتناول طعامه او يلعب مع افراد العائلة .. وكان هادئاً معظم الوقت بشكلٍ مُقلق ! 

***


في ذاك الصباح .. ألحّ الكلب على الصعود مع جوني الى حافلة المدرسة ، ممّا اضّطره لضربه على رأسه لإبعاده عنه !


وما أن تحرّكت الحافلة ، حتى لحقها الكلب دوت نباح .. لذلك تفاجأ جوني برؤيته امام باب المدرسة ! 

فسأله بدهشة : كيف ركضت كل هذه المسافة ، ولماذا تلاحقني ؟


وإذّ فجأة ! يقفز الكلب على رجلٍ يُغطي وجهه بالوشاح ، واقفاً على الرصيف الثاني وهو يراقب الأولاد من بعيد .. 

فحاول حارس المدرسة إبعاده عن الرجل الجريح الذي سارع بالهرب فور وقوع سكينته من جيبه !


وبعد هدوء الوضع ، إنحنى جوني لكلبه وهو يقول : 

- يبدو أن ذلك الرجل أراد خطف أحدِنا ، وإلاّ لما رفض استدعاء الإسعاف .. شكراً لك .. والآن كنّ كلباً مطيعاً ، وعدّ من حيث أتيت  


وما أن قال ذلك ، حتى ركض الكلب عائداً لمنزله !

***


بعد إصرار الكلب على رفض الطعام او الخروج لقضاء الحاجة او اللعب في الخارج (حيث اختصرت حركاته على مراقبة جوني بعيونٍ ثابتة) قرّرت العائلة أخذه للطبيب البيطريّ

***


وفي اليوم التالي ، ذهبت العائلة للعيادة .. لكن الطبيب لم يستطع فحصه بعد هيجان الكلب بشكلٍ غير مسبوق ، أخافهم جميعاً ! حتى عندما تمكّن الممرّض من تثبيته بصعوبة ، إنكسرت حقنة المُهدئ فور دخولها جلده ! قبل قفزه مبتعداً عن الجميع.. فلاحقه جوني ، ليجده مستلقياً امام سيارتهم بهدوء ! فاضّطروا لإعادته للمنزل

***


وفي الطريق ، تناقشت العائلة مشكلته .. واقترح الوالد إحضار كلبة تؤنس وحدته ، فهو بسن التزاوج.. 

فذهبوا الى ملجأ الحيوانات ، لتبنّي كلبة تناسب نوعه .. ووضعوها امامه في السيارة وهم ينتظرون ردّة فعله ، إلاّ ان الكلب ادار رأسه لينام ! بينما تحاول الكلبة التقرّب منه.


وعندما لم تتركه وشأنه ، نبح عليها بقوة ..جعلها تتجمّد في أحضان جوني الذي سأل والده عن السبب ، فأجابه :

- سيحتاجان وقتاً لتعرّف على بعضهما.. لا تقلق ، ستعجبه بمرور الأيام

***


في الصباح التالي ، واثناء استعدادهم للذهاب للمدرسة والعمل ..تفاجأوا بالدماء تملأ الصالة ، من جثة الكلبة المعضوضة بعنف من رقبتها ! بينما كلبهم نائماً في مكانه ، كأنه لا يعلم ما حصل


فأراد الأب التخلّص منه فوراً ، خوفاً أن يكون مسعوراً ويؤذيهم في المستقبل .. خاصة بعد أن اخبره ابنه ما فعله بالرجل الغامض امام المدرسة .. لكن جوني دافع عنه ، لأن وجهه وفراشه خالي من دمائها !


فظنّت الأم أن الكلبة خرجت من المنزل .. فقام حيوانٌ شريد بعضّها ، لتعود وتموت بالصالة .. ورغم استحالة الفرضيّة ، إلاّ انهم تقبلوا الأمر ودفنوا الكلبة بالخارج.. 

ثم ذهبوا لأعمالهم تاركين الخادمة تنظّف المكان ، وهي مازالت مرتعبة من الكلب الذي ظلّ هادئاً طوال النهار !

***


في نفس الليلة .. سمع جوني كلمات لشخصٍ يتحدّث بالجوال من خارج غرفته ! لم يبدو الصوت لوالده ، والذي همس قائلاً :

((علينا انهاء المهمّة سريعاً قبل انكشاف الأمر))

لم يفهم جوني شيئاً ، وعاد للنوم

***


في آخر الليل .. سمع صرخة الخادمة المدويّة ، مما أرعب كيانه ! وجعله يختبئ اسفل سريره ، ظنّاً بأن لصاً اقتحم منزلهم .. 

وظلّت الخادمة تصرخ بألمٍ شديد ، قبل اختفاء صوتها تماماً ! 

فتساءل جوني بخوف : لما لم يحاول والداه إنقاذها ؟! ولما لم ينبح كلبه على الدخيل الشرير ؟! 

وظلّ متجمّداً في مكانه ، الى أن لمح اقدام كلبه تقترب من سريره..


ثم انحنى الكلب برأسه للأسفل .. وكاد منظره المخيف أن يوقف قلب الصغير ، فعيناه حمراوتان مضيئتان كالليزر ، وفمه ملوثاً بالدماء ..والأرعب من ذلك ، انه تحدث معه بذات الصوت الذي سمعه قبل قليل:

((اهلاً جوني .. نحن نبحث عنك منذ 200 سنة لتحقيق النبوءة : فأنت الصبيّ المبارك الذي سينصر سكّان المريخ على الأرض.. لذلك أنقذتك من حارس كوكب الزهرة الذي حاول خطفك اولاً)) 


وقبل أن يستوعب جوني ما سمعه !

إنقضّ الكلب على رقبته ، لحقنه بمخدّرٍ خرج من نابه !


ثم تحوّل الكلب لجسمٍ هلاميٍّ أخضر ، واتصل بقائده الفضائيّ :

- سيدي ، المهمّة انتهت !! أخيراً تحرّرت من هيئة الكلب الذي قتلته وسرقت طوقه.. أتصدق انهم ارادوا تزويجي من كلبةٍ هائجة؟! 

فضحك قائده ، وهو يسأله : 

- وأين الصبي الآن ؟

- سيغفو بعد قليل من اثر المخدّر.. هو لا يعلم بأني قتلت والديه اولاً اثناء نومهما ، لهذا لم يصدرا صوتاً .. بعكس الخادمة التي هجمت عليها بعد خروجها من الحمام ، والتي قاومتني بشراسة .. ومن حسن حظي أن منزلهم بعيداً عن بقية الجيران ، وإلاّ فشلت خطتي 

القائد : أحسنت !! لا تتأخر علينا ، فنحن بانتظارك.. ولا تقلق ، سنحذف كل ما حصل من ذاكرة الصبيّ بعد وصوله الينا

- وانا بدوري سأنقل جوني الى سفينتي المخبأة بكوخ الحطّاب ، ثم أسافر به الى الفضاء

وهذه المحادثة سمعها جوني كاملةً ، قبل فقدانه الوعيّ !

***


لاحقاً ، تمّ إيجاد جثة الحطّاب في كوخه المحروق بوقودٍ لا يشبه أيّة تركيبة مُصنّعة !  

ودفنته الشرطة مع بقيّة الجثث .. واحتفظت بملف جوني الضائع بالأرشيف الذي مرّ على اختفائه عشرين سنة ، دون علم الحكومة بأنه قادم مع جيش الفضائيين لاحتلال الأرض قريباً ، بعد تحقّق نبوءتهم القديمة !


مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...