السبت، 29 يونيو 2019

مقهى كابوس


إعلان لأصدقاء كابوس :




أُعلن للكابوسيين إعادة افتتاح مقهى كابوس .. 
وستقوم السيدة سوسو وبقيّة المشرفات باستقبال تعليقاتكم من جديد , وهو القسم الوحيد الذي أُعيد إفتتاحه .. 
على أمل ان يعود الموقع أقوى ممّا كان في القريب العاجل , بإدارة الأستاذ اياد والمشرّفين الأعزاء
مُتمنيّة من الله ان تدوم صداقاتكم طويلاً .. 
دمتمّ بخير أيها الكابوسيين المخلصين

الخميس، 27 يونيو 2019

النوايا الملتوية

تأليف : امل شانوحة


الفتاة الغامضة !

عقدت المديرة إجتماعاً عاجلاً للفتيات (طلاّب المرحلة المتوسطة) في ساحة المدرسة الروسية.. 
واثناء جلوسهم هناك .. سمعوا اغنية اطفال قديمة , وُضعت في إذاعة المدرسة !

ثم قدمت اليهم المديرة بوجهٍ مُتجهّم ! برفقة رجلٍ يلبس بذلةً رسمية , مع اثنين من الحرس .. وسألتهنّ بمكبّر الصوت :
- من قامت بتنزيل هذه الأغنية من مكتبة المدرسة , ظهر البارحة ؟

فاستغربت الطالبات من سؤالها ! ..لكن إحداهنّ إقتربت نحوها بقلق , وهي تقول : 
- هذه انا , استاذة
فصفعتها بقوّة امام الجميع , قائلةً بغضب :
- أأنت من قمتِ بسرقة معلوماتٍ خطيرة للدولة , وإرسالها للعدو ؟

فشهقت الفتيات بدهشة ! .. بينما أجابتها الصبية وهي تبكي بخوف:
- كنت أبحث في الإنترنت عن أغنية سمعتها في طفولتي .. لكني دخلت بالخطأ على صفحاتٍ مُبهمة قبل إيجادها , فأنا لست خبيرة بالحاسوب

وهنا سألها الرجل : ما اسمك يا آنسة ؟
فأجابته الصبية بخوف : جاكلين .. هل انت شرطي ؟
- انا من مخابرات الدولة , وسأقبض عليك بتهمة الجاسوسيّة  

ثم طلب من حارسيه وضع الأغلال في يدها .. واقتيادها الى سيارتهم السوداء المظلّلة , المركونة خارج المدرسة .. 

وبعد خروجها .. حصلت ضجّة وصغبٌ كبير بين الطالبات المعترضات على ما حصل مع زميلتهنّ ! 
فأعلنت لهم المديرة بحزم :  
- تمّ طرد الطالبة جاكلين من مدرستنا !! وهذا قرارٌ نهائي , ممنوع الإعتراض عليه ... وبذلك نُنهي إجتماعنا لهذا اليوم !! ..الآن لتعدّ كل طالبة الى فصلها .. هيا !! ماذا تنتظرون ؟

وعادوا الى صفوفهنّ , وهنّ مازلنّ يتحدثنّ عن مصير جاكلين المجهول ! 
*** 

في المركز الروسيّ .. جلست جاكلين لوحدها في غرفة التحقيق , بينما كان رئيس المخابرات يراقبها من الغرفة المقابلة , بواسطة مرآة مظللّة تفصل بينهما..

فاقترب منه الظابط وهو يسأله :
- هل تظنها حقاً جاسوسة ؟ .. فهي لم تتجاوز 15 من عمرها!
الرئيس : الم تسمع آخر الأنباء ؟.. اميركا على وشك إعلان الحرب ضدّنا , ومن الطبيعي ان يزرعوا جواسيساً بيننا , كيّ يرسلوا لهم معلوماتٍ مهمّة عن اسلحتنا النوويّة .. 
- لكنها تبكي منذ ساعة ! 
- بالطبع , فهي خائفة بعد إنكشاف امرها 

الضابط : رغم إن كل الأدلّة تُدينها , لكني مازلت لا أصدّق ان فتاةً بعمرها استطاعت إختراق ملفّاتنا العسكريّة السرّية .. فهذا الأمر يحتاج الى خبرةٍ واسعة بالإنترنت !
- معظم هاكرز هذه الأيام من اليافعين , فهم يفوقونا ذكاءً بهذا المجال 
الضابط : إذاً دعني أحقّق معها لنتأكّد من الأمر ؟ 
الرئيس : حسناً إفعل , وسأراقبكما من هنا
***

بعد مرور ساعة على التحقيق .. مازالت تصرّ إنها لم تعلم بخطورة الصفحات التي إخترقتها , وبأنها رغبت فقط في إيجاد تلك الأغنية اللعينة!!

واستمرّت بالبكاء وهي ترتجف بخوف , قائلةً : 
- كما قلت سيدي .. انا لا أتقن اللغة الروسية جيداً , فوالدايّ مُطلقان ..وقد عشت مع امي في اميركا معظم سنوات حياتي .. وانا التي أرغمتها على العودة الى روسيا السنة الفائتة , كيّ أبقى قريبة من والدي .. وكما ترى , مازالت لغتي ركيكة .. حتى مع الدروس الخصوصية , مازالت لديّ اخطاء املائية تحرجني امام زملائي ..ويمكنك سؤال معلمتي التي تعاقبني دائماً بواجباتٍ إضافية !
الضابط : يا آنسة جاكلين .. إختراقك للموقع العسكريّ ليس السبب الوحيد لإعتقالك , بل نسخك لمقطعٍ خطير يُصوّر معملنا النوويّ من الداخل , وإرساله الى جهةٍ مجهولة في اميركا هو ما جعل السلطات العليا تطالب بالقبض عليك في أسرع وقتٍ ممكن .. فلمن أرسلتي ذلك الفيديو ؟

جاكلين : لصديقتي القديمة , بعد فشلي في الخروج من ذلك الموقع الغريب 
الضابط : وماذا قالت لك ؟
- هي لم تفتحه اصلاً , بل طلبت مني إغلاق جميع الصفحات .. ثم ارسلت لي رابط لموقعٍ مُتخصّص بالأغاني القديمة .. 
- لكن الأغنية التي كنت تبحثين عنها روسية , وهي لتنويم الأطفال 
- أعرف هذا , فصديقتي ايضاً من اصول روسية .. 
الضابط : ولما لم نستطع الوصول الى حاسوبها بعد تلك المحادثة؟ 
جاكلين : لا ادري .. ربما تعطّل ثانيةً , فحاسوبها قديم  

الضابط : ولما اخترتي ان تقومي بتلك الأبحاث من كمبيوتر مكتبة مدرستك؟
- لأن الإنترنت هناك أسرع من بيتي .. (ثم ارتشفت الماء بيدها المرتجفة) .. سيدي .. ماذا سيحصل الآن ؟
- إتصلنا بوالديك , وهما على وشك الوصول 
جاكلين بقلق : وهل ستحقّق معهما ؟
الضابط : بالطبع !! لنتأكّد من كلامك  
جاكلين بقلق : وماذا لو حصل العكس ؟
- ستُسجنين على الأقل عشرين سنة بتهمة الخيانة , او سيتمّ طردك مع امك الى خارج روسيا 
فبكت الفتاة بقهر : لا ارجوك !! لا تفرّق عائلتي من جديد
  
وانفجرت بالبكاء .. فتركها الضابط , وعاد الى الغرفة المقابلة ليسأل رئيسه عن رأيه بالتحقيق , قائلاً له :
- سيدي , لا أظنها تكذب .. فهي تبدو كفتاةٍ صغيرة إخترقت بالخطأ صفحاتٍ تابعة لأسرار الدولة !

ففكّر الرئيس قليلاً , قبل ان يقول : 
- سننتظر لحين سماع والديها , كلاً على حدة .. وإن أكّدوا انها ليست خبيرة بلغتنا او بعلم الحاسوب , نُطلق سراحها مع مراقبتها جيداً لعدة شهور للتأكّد من حسن نواياها اتجاه البلد .. كما سنراقب  حواسيب وهواتف عائلتها , واصدقائها ان لزم الأمر .. 
- كما تشاء سيدي
***

ومرّت الأسابيع .. لازمت فيها جاكلين منزل امها بعد طردها من المدرسة .. حتى ان إنترنت منزلهم المراقب , لم تدخله لفترةٍ طويلة .. ويبدو ان والديها عاقباها بذلك , او ان ما جرى لها أرعبها كثيراً!
***

بعد شهرين من الحادثة .. أصرّت إحدى صديقاتها على أخذها الى الكرنفال.. 
وفي السوق , قالت لها :
- هيا جاكلين , ذوقي إحدى أطعمتنا الشعبيّة
جاكلين بيأس : فقدّت شهيتي منذ إتهامهم لي زوراً  
- لا تفعلي ذلك بنفسك , فوجهك شاحبٌ جداً
- اساساً لم أكن أرغب في الخروج من المنزل , فلما أصرّيت عليّ القدوم الى هنا ؟

صديقتها : لأني اشتقت اليك .. وكذلك زميلاتنا بالفصل .. فبرغم انك إنضممّت لمدرستنا لشهرين فقط , لكن تفوّقك الدراسي جعلك مميزة بيننا .. كما ان لا احد منّا صدّق انك متورّطة بالجاسوسية , التي بسببها أضاعوا مستقبلك العلميّ !
- لا تقلقي عليّ , سأعود مع امي الى اميركا خلال الأسابيع القادمة , وهناك أكمل ما فاتني .. فرغم عشقي الكبير لبلدكم , الا ان العيش فيه صعباً للغاية !

فسكتت الصبية قليلاً , قبل ان تسألها بتردّد :
- جاكلين , صارحيني رجاءً .. فأنا صديقتك المقرّبة , واريد مصلحتك.. 
جاكلين : ماذا تريدين ؟
- هل فعلاً اخترقتي مواقع للأسلحة النوويّة الروسية ؟
جاكلين بعصبية : أأنت ايضاً ! ..ماذا عسايّ ان أفعل بتلك المعلومات السخيفة ؟.. كل ما هنالك , ان حظي السيء جعلني أبحث بفضول عن اغنية كانت تغنيها لي جدتي الروسية قبل طلاق والدايّ , والتي علقت في رأسي اللعين اثناء دراستي في المكتبة .. فلم أجد نفسي الا وانا ابحث عنها , مُستعينةً بترجمة جوجل الغبي الذي ترجم عباراتي بشكلٍ خاطىء .. وبدل ان يرسلني الى مواقع للأغاني القديمة , أرسلني لموقع عسكريّ خطير ! 
- حسنا اهدأي جاكلين , كنت أحاول الإطمئنان عليك 

وهنا لمحت جاكلين امرأة تتجوّل في السوق , فقالت لصديقتها :
- آه تلك جارتنا ! سأذهب للسلام عليها , وربما أعود معها الى عمارتنا 
صديقتها : حسناً إذهبي , وسأحاول زيارتك قبل يوم سفرك لتوديعك .. 

وودّعتها جاكلين , وذهبت ناحية المرأة .. بينما ركبت صديقتها في سيارةٍ سوداء متوقفة قرب الكرنفال .. 
وبعد ان ازالوا عنها أجهزة التنصّت , قالت لهم :
- أسمعتم كل شيء ؟
الضابط : نعم , وسجّلناه ايضاً
الصبية بعصبية : أرأيتم !! صديقتي جاكلين ليست متورّطة بالتجسسّ كما تدّعون 

الضابط  : وانا لم اكن مقتنعاً بذلك منذ البداية.. في جميع الأحوال ..قام خبيرنا بتقوية الرقابة على صفحاتنا العسكريّة بالإنترنت , كيّ لا يتم إختراقها من جديد 
الصبية : وماذا عن جاكلين ؟
- سنتوقف عن مراقبتها , لتُكمل حياتها كما تشاء
***

في هذه الأثناء .. إبتعدت جاكلين والمرأة عن ضجيج الكرنفال , وتكلّما سويّاً باللغة الإنجليزية .. حيث سألتها جاكلين :
- هل استفدتمّ من المعلومات التي أرسلتها لكم ؟
المرأة : نعم , وحالياً يدرسون الطريقة المناسبة لتعطيل معملهم النوويّ .. فقد ضاق المسؤولون ذرعاً من تهديداتهم المتكرّرة , ورغبتهم في افتعال حربٍ عالميةٍ ثالثة 

جاكلين : وماذا عن مكافأتي ؟ فأنا عشت في روسيا لأكثر من سنة مع والداين وهميين عينتموهما لي .. مع انه لا ضرورة لذلك ! فأنا استطيع القيام بمهمّتي لوحدي
- فعلنا ذلك , لأنه لا يمكنك استئجار منزل او القيام بأمورٍ بنكيّة بهيئتك هذه .. المهم !! هذا شيك بمبلغٍ كبير , مُكافأة على تحمّلك لبردهم القارص .. كما ضفنا عليه تعويض نهاية خدمتك 
جاكلين باستغراب : ماذا ! لكني عميلةٌ سرّية محترفة , أتقن سبع لغات وأملك خبرةً واسعة بالكمبيوتر
- نعلم ذلك , لكن رئيسنا يرى بأنك اخطأت حين أجريت تلك الأبحاث الخطيرة من مكتبة المدرسة

جاكلين بعصبية : لم يكن لديّ حلٌّ آخر , فجميع مقاهي الإنترنت مراقبة .. لهذا ظننت بأن المدارس معفية من قيودهم اللعينة !! .. كما انني اتخذت الحذر والحيطة حين بدأت بحثي وأنهيته في مواقع الأغاني , فبهذه الحجّة إستطعت الخروج من المأزق .. بالإضافة لإتقاني دور الفتاة الساذجة البريئة .. ولولا ذلك , لكنت أعذّب حتى اليوم في معتقلاتهم اللاّ إنسانية .. وبعد كل هذا التعب والقلق والأرق , تستغنون عن خدماتي بدل حصولي على ترقية محترمة! 

المرأة : أظن رئيسنا يفكّر في الإستعانة برجلٍ محترف في المرة القادمة 
جاكلين بعصبية : لا !! هذا خطأ , فرجلٌ أجنبي سيلفت الأنظار حتماً .. اما امرأة مثلي في الأربعينات من عمرها , حبسها القدر في جسد فتاةٍ صغيرة لا ينمو ابداً , هو ما يجعلني مناسبة لتلك المهمّات الصعبة
- ولأجل ذلك نريدك ان تعودي سريعاً الى اميركا , قبل ان تلاحظ المخابرات الروسية مرضك النادر , الذي قد يفضح أمر جمعيتنا السرّية ..

جاكلين : وماذا سأفعل هناك , فأنا من اصول أوروبيّة كما تعلمين ؟
- سنعيّنك في مهمةٍ مُشابهة لما فعلته هنا
جاكلين بدهشة : ماذا ! ظننتكم تساعدون الأمريكان في حربهم القادمة ضدّ روسيا ؟
- نحن لا تهمّنا الدول , كل ما يهمّنا هو إشعال حربٌ عالمية تدوم طويلاً , وتتسبّب في القضاء على ملايين البشر  

جاكلين : أتدرين .. احياناً اتساءل , من تكونون بحقّ الجحيم ؟!! 
المرأة بلؤم : أنصحك عزيزتي ان تنفذي الأوامر دون طرح الكثير من الأسئلة التي قد تؤذي مستقبلك , اليس هذا ما علّمناه لك حين انضممّت الينا وانت طفلة يتيمة ؟
جاكلين بقلق : آسفة , لن اسأل مجدداً .. 
المرأة : أحسنت !! والآن أمسكي .. هذا جواز سفرك الجديد , بإسمٍ مُغاير ... وحين تصلين الى اميركا , تستقبلك عائلتك الجديدة التي عيّناها لك , لأننا سنرسل امك الحالية لمهمةٍ أخرى
- كما تشاؤون 

ثم افترقا .. لتعود جاكلين الى بيتها , لبدء التحضيرات لسفرها القريب 
***

بعد سنة .. تجوّلت جاكلين في الأزقة الشعبية الأمريكية الفقيرة بثيابها البالية , وهي تبدو كأطفال الشوارع .. لذلك لم يلاحظها حرس النادي الليليّ حين تجاوزتهم الى خلفيّة الكازينو ..

وهناك إستطاعت بجسدها الهزيل التسللّ من النافذة الضيقة لقبو المرقص 
واختبأت خلف طاولة مرمية في الزاوية .. 

وانتظرت لبعض الوقت .. الى ان رأت أحد مسؤوليّ الدولة ينزل الى هناك برفقة فتاة ليل , وهو يترنّح مخموراً .. 
فبدأت بتصوير الحدث على جوالها : حيث قام بالإعتداء على المرأة بقسوة , رغم مقاومتها له !

وبعد انتهاء الأمر وصعود المسؤول الى فوق , قام حرسه بقتلها بناءً على طلبه .. ثم أخرجوا جثتها من هناك , وأقفلوا القبو من جديد .. 
لتخرج بعدها جاكلين من النافذة العلويّة بصعوبة , وتعود الى الشارع ..
***

وتحت عامود النور .. قامت بنشر الفيديو على اليوتيوب , تحت عنوان : فضيحة رجل الدولة , السيد الفلاني .. 
ثم اتصلت بجمعيتها السرّية وهي تقول :
- نفّذت المهمّة !! رجاءً ارسلوا المبلغ على حسابي 

وركبت درّاجتها القديمة مُتجهة الى بيتها في حيٍّ شعبي فقير , والتي تستخدمه ك وكرٍ سرّي ! 
***

ولم تمضي ساعات .. حتى انتشر الفيديو الفاضح بكل وسائل التواصل الإجتماعي , ممّا أثار ضجةً إعلامية كبيرة تسبّبت في اعتقاله بتهمة الإعتداء والقتل .. وهو المسؤول السياسيّ الأول التي ساهمت جاكلين في تنحيته عن مهامه في الدولة .. لكنه حتماً لن يكون الأخير !  

السبت، 22 يونيو 2019

شبكة المتورّطون

تأليف : امل شانوحة


تجارة الأطفال !

في ليلةٍ باردة .. نام المشرّد فوق قصاصات الكرتون وهو يتغطّى ببطانيته القذرة , قرب بوّابة نفق القطار .. واستفاق فجأة بعد إحساسه بشيءٍ قاسي يُرمى على ظهره ! 

وحين إدار رأسه , رأى رجلاً يشير الى سيارةٍ صغيرة وهو يقول :
- لقد أصبحت لك !!
وابتسم له ابتسامةٍ مريبة , قبل نزوله الأدراج للحاق بالقطار..

وحين عدّل المشرّد جلسته , رأى مفاتيحاً بجانبه ! 
فتعجّب من تخلّي الرجل عن سيارته بهذه السهولة , وإن كانت تبدو مستعملة 
فأسرع نحوها لمعاينتها من الداخل ..

وفي بادىء الأمر ..ظنّ المشرّد ان السيارة مُعطّلة , لكن صوت محرّكها بدى قويّاً , كما ان خزّانها مليء بالوقود !

ففكّر في نفسه بقلق :
((لما أهداني ذلك المجنون سيارته ؟! ..هل ملّ منها ؟ ام انه على وشك شراء سيارةٍ جديدة ؟ .. ربما كان سكراناً ولم يُدرك ما فعله ؟!.. او انه مجرّد شخصٌ كريم , أشفق عليّ حين رآني نائماً في الشارع بهذا الجوّ البارد ؟.. لا ادري , لكن حدسي يشعرني بأن هناك شيءٌ مريب في الموضوع !))

وبعد ان قادها المشرّد لبعض الوقت , ركنها على جانب الطريق لتفتيشها جيداً .. 

وحين فتح صندوقها , وجد فيه : رفشاً , وشريط لاصق .. وكيس من الحلوى .. وحبلٌ سميك .. وكشّاف كبير يستخدم في التخييم .. كما فاحت من الصندوق رائحةً قذرة .. وظهرت في زواياه , بقعٌ داكنة بلون الدماء ! ممّا زاد من شكوكه .. 

فعاد الى السيارة لتفتيش درجها (بجانب المقوّد) .. فرأى فيه جوّالاً قديماً , لكنه غير معطّل ! 
وحين بحث فيه : وجد صوراً لأطفال مقيدين داخل أقفاصٍ حديديّة , والخوف بادٍ على وجوههم ! 

فوقع الجوّال من يده بعد تسارع دقّات قلبه , لعلمه بأن السيارة أُستخدمت في عمليات خطف الأطفال !

وكانت الفيديوهات المُسجّلة على الجوّال محذوفة بالكامل , فيما عدا فيديو مخيف : لثلاثة اطفال يبكون في مكانٍ مظلم , يُضاء لثوانيٍ بنورٍ ساطع يخترق شقوق السطح , قبل ان يخفت من جديد!

ففكّر في نفسه : ((لا تبدو كأنوار الكشّاف , بل كأنها .... ضوء منارة ! .. (ثم تنهّد بضيق) .. يا الهي ! ماذا أفعل الآن ؟.. هل أرسل الأدلّة الى الشرطة ؟.. أم أتأكّد من الموضوع اولاً))

ولم يجد نفسه الا وهو يقود سيارته الى هناك .. 
***

حين وصل قرب المنارة .. قام بتفتيش الشاطىء بحثاً عن المكان الذي يستخدمه المجرمون كسجن للأطفال 

وبعد ساعة من الذهاب والإيّاب في تلك المنطقة .. وجد كشكاً صغيراً بعيداً عن البحر , مرسوماً عليه شطيرة نقانق ..لكن حجمه كان صغيراً بالنسبة لأقفاصٍ حديدية تستوعب خمسة اطفال على الأقل (كما ظهر بالفيديو) 

رغم هذا شعر برغبةٍ في معاينته.. واستخدم الكشّاف لرؤيته من خلال الشقوق الخشبيّة .. فوجده خالياً من الداخل ! لكنه لمح قفلاً كبيراً على أرضيته .. فلم يجد نفسه الا وهو يكسر باب الكشك .. ثم استخدم الرّفش (من صندوق السيارة) لكسر قفل الأرضيّة الصدأ..  

وكان حدسه في مكانه , حيث ظهرت امامه ادراج تصله الى قبوٍ مظلم !
***

في الأسفل .. وجد نفس المكان الذي ظهر بالفيديو , حيث ساهم نور المنارة على إضاءة المكان المعتم من وقتٍ لآخر .. واول ما لاحظه هو الرائحة القذرة الخارجة من الأقفاص الفارغة , مُختلطة مع رائحة السمك العفنة القادمة من شباكٍ مرمية في الزاوية , والتي لاحظ المشرّد أنها تحرّكت للحظة !

وحين ركّز كشّافه نحوها , رأى ولداً (8 سنوات) يختبأ تحتها .. 
وحين اقترب منه , صرخ الولد بخوفٍ شديد :
- ارجوك لا تقتلني !!
فقال المشرّد : إهدأ بنيّ , أتيت لمساعدتك

وما ان أمسك يده لإخراجه من هناك , حتى فقد الولد (شاحب الوجه) وعيه من شدة الخوف والجوع .. ويبدو انه هرب من خاطفيه , واختبأ اسفل الشباك لساعات وربما لأيام ! 

فحمله المشرّد وأسرع بالخروج من القبو مُتوجهاً للسيارة , ثم انطلق به الى أقرب مستشفى 
***  

حين استيقظ المشرّد (بعد نومه فوق كراسي الطوارىء , بانتظار علاج الولد) وجد شرطيان بقربه , واللذان أصرّا (رغم رفضه ومقاومته) على أخذه الى مركز الشرطة للتحقيق معه حول الولد الذي أحضره وهو على وشك الموت !
***

وكما هو متوقع .. لم يصدّق المحقق كلامه , رغم انه أعطاه عنوان القبو السرّي , لكنه رفض إرسال رجاله لمعاينته !.. وأودعه السجن بانتظار محاكمته 
***

في اليوم التالي .. زاره المحامي المُعيين من قبل الدولة , للدفاع عنه في يوم محاكمته التي ستبدأ بعد شهر .. والذي أخبره :
- كيف تريدهم ان يصدّقوا بأن المجرم أهداك سيارته , وبداخلها كل الأدلة التي تدينه !  
المشرّد : لكن هذا ما حصل بالفعل , أحلف لك !! 
ففكّر المحامي قليلاً , ثم قال : 
- إن كان هذا صحيحاً , فربما اراد توريطك بالموضوع قبل هروبه .. 
المشرّد : او انه لم يتوقع بأن ذكائي سيوصلني الى وكرهم القذر
المحامي : ربما ! على كلٍ سنعرف الحقيقة حين يستردّ الولد صحته , فشهادته ستحسم القضية .. وفي حال شهد ضدّك , ستحاكم بجرم تجارة الأطفال 

المشرّد بضيق : يا الهي ! .. (ثم سكت قليلاً).. عندي سؤال , سيدي 
- تفضّل 
- ماذا تفعل تلك العصابة بالأطفال ؟
المحامي : حسناً , سأفترض انك بريء وأجيبك .. الأطفال تُخطف لثلاثة اسباب : الصغار منهم يُباعون للأثرياء العقماء بغرض التبنّي .. والقبيحون او اطفال الشوارع يسلّموهم الى تجّار الأعضاء الذين بالعادة يقتلونهم بعد إجراء العملية .. اما الفتيات الجميلات والأولاد الوسيمون يُباعون لبيوت الدعارة .. هل فهمت الآن ؟
المشرّد بضيق : نعم , فقد سمعت عن اولئك الملاعيين اثناء عيشي في الشوارع لأكثر من سنتين

المحامي : واين كنت قبلها ؟
المشرّد بحزن : في شقتي الصغيرة قبل ان تستولي عليها طليقتي .. وبعدها بإسبوع طُرّدت من عملي كنادل بعد ان أوقعت العصير بالخطأ على ثياب رجلٍ أصرّ على مديري بطردي ! وقد حاولت بعدها كثيراً إيجاد عملٍ آخر , لكن دون جدوى .. فعشت على بقايا الطعام التي تُرمى بالحاويات خارج المطاعم .. الى ان أعطاني ذلك الرجل سيارته , لتوريطي بجرائمه اللعينة!! 
المحامي : وهل تستطيع وصفه لنا ؟
- لمحته لثوانيٍ فقط , قبل نزوله الى محطة القطار .. وكان رجلاً أربعينيّ , مفتول العضلات .. هذا كل ما أذكره !

وانتهت الزيارة بعد ان وعده المحامي بأن يطلعه على حالة الولد الصحيّة من خلال تواصله مع أهله (الذين فرحوا كثيراً بعودته) .. فشهادته كفيلة بإنقاذه من السجن لعشرين سنة على الأقل , في حال ثبتتّ التهمة عليه ! 
***

بعد ثلاثة اسابيع , وفي قاعة المحكمة التي ضجّت بالصحافة ومسؤوليّ جمعيات حقوق الطفل .. إنتظر المشرّد بدء المحاكمة وهو ينظر الى الولد الذي قدِمَ مع اهله للشهادة , والذي يبدو انه لا يتذكّره جيداً !

وحين دخل القاضي الى القاعة , طلب من الولد الجلوس بجانبه على المنصّة لطرح الأسئلة عليه .. 

لكن حين تمعّن الصبي في ملامح القاضي , صرخ بعلوّ صوته وهو يشير اليه بفزع .. وبدوره ظهر عليه الإرتباك الشديد ! فأسرع بإصدار حكمه : بحبس المشرّد عشرين سنة بتهمة الإتجار بالأطفال , دون إعطائه الإذن للمحامي بالدفاع عنه ! 

فضجّت القاعة بالإعتراض , لعدم سماعهم شهادة الصغير والمشرّد !
وقام الحرس بإخلاء القاعة بناءً على اوامره .. 

واقتادوا المشرّد الى السجن المركزي , بعد ان وعده المحامي بإعادة المحاكمة , ورفع شكوى على القاضي الذي خالف قانون المرافعات !
***

في اليوم التالي .. نشرت الصحافة خبر المحاكمة السريعة المشبوهة .. وعُرضت على قنوات الأخبار : الفيديو المُسرّب من داخل المحكمة لردّة فعل الولد وفزعه من القاضي الذي يبدو انه رآه من قبل !

وعلى الفور !! إنتشرت إشاعة بتورّط القاضي بشبكة كبار المسؤولين المتورّطين باستئجار الأطفال للدعارة .. ممّا أجبره على التنحي عن عمله , دون التحقيق معه بشأن الشبهات ! بعد حصوله على دعم الجهات العليا التي قامت بتبرأته , مُكتفيةً باستقالته ! 

وفي الأيام التالية .. تجمّعت الناس الغاضبة امام بيته , وهم يرفعون شعارات : ((القاضي الفاسد)) .. ورموا الكثير من القاذورات والبيض على منزله وسيارته مُترافقاً مع أقذع الشتائم , ممّا أجبره على تغير محل سكنه الى جهةٍ غير معروفة !
***

ورغم كل ما حصل , لم يقم أحد بتبرئة المشرّد من التهمة .. حيث أصرّت الصحافة على أنه أحد رجال الشبكة المتورّطين بخطف الأطفال الفقراء من الشارع ! 

فبقيّ لعدة اسابيع مسجوناً بمفرده في الزنزانة , الى ان ضمّوا اليه سجينٌ آخر : ضخم البنية , مفتول العضلات .. والذي حاول المشرّد تجنبه قدر الإمكان , بعد ان أرعبته نظراته اتجاهه !
***

وفي إحدى الليالي .. وبينما كان المشرّد ينام في سريره .. قال له المجرم من السرير السفليّ : 
- كم أشفق عليك يا جاك .. فكبار المسؤولين ورّطوك بوساختهم كيّ يبعدوا الشبهات عن أنفسهم .. فشبكتهم ضخمةٌ جداً , وتضمّ أرفع الشخصيات بالبلد !  
فسأله المشرّد باهتمام : وما ادراك بذلك ؟!
فقال له المجرم الضخم : سأجيبك بعد ان تربط الحبل حول رقبتك  

ورفع له حبلاً , أخرجه من داخل وسادته.. 
فقفز المشرّد من سريره مُرتعباً !

فقال له المجرم بابتسامةٍ صفراء , وهو يربط طرف الحبل على شكل مشنقة :
- أظنك تتساءل كيف أدخلت الحبل الى هنا ؟ 
فأومأ المشرّد برأسه ايجاباً , ونظرات الخوف بادية على وجهه !

فأجابه : يا مسكين يا جاك .. انت الحلقة الأضعف في القضية , وعليهم التخلّص منك .. لكن ليس بقتلك , فهذا يُثير المزيد من الشبهات .. 
ومدّ الحبل اليه وهو يقول : أترى تلك الحلقة الموجودة في السقف .. اريدك ان تصعد فوق سريرك لتربط الحبل فيه , ثم تضع الطرف الآخر حول رقبتك .. وانا سأحملك , ثم أرميك لتسقط مشنوقاً 

فسأله المشرّد وهو يرتجف خوفاً : ولماذا تريد قتلي ؟!
- الم تفهم بعد ؟ المكان السرّي الذي كشفته بفضولك تابع لأقوى عصابة في البلد , وهي تعمل منذ سنوات على خطف أجمل الأطفال لتسلية كبار المسؤولين .. والقاضي الشاذّ أحد عملائهم القدامى .. اما الصبي الذي وجدته هناك .. فهو الوحيد الذي تمكّن من الهرب , بعد ان نسي المجرم إقفال قفصه .. لكنه لم يستطع الخروج من القبو المقفل بإحكام , فبقيّ لثلاثة ايام مختبأً تحت الشباك .. وربما تظن نفسك بطلاً لإنقاذك حياته .. لكن برأيّ موته كان أفضل من تذكّره تلك التجارب المريرة التي خاضها مع رجالٍ قساة , قاموا باستئجاره أكثر من مرة .. اما عن تلك الشبكة , فلا أحد يتجرّأ القبض على المتورطين فيها .. وطالما انك أثرت ضجّةً اعلامية , فقد قرّروا التخلّص منك على هيئة إنتحار .. فليس في سجلاّت السجن شيء يدل على انني شاركتك الزنزانة في الأيام الماضية .. وبدورهم وعدوني بالحصول على حرّيتي , في حال نفّذت لهم المهمّة .. لذا لا اريدك ان تضيّع وقتي , والاّ كسرت جميع ضلوعك , وجعلتك تتمنى الموت ألف مرة !! ..فهيا كنّ مطيعاً , واصنع مشنقتك في الحال !!

فنفّذ المشرّد اوامره مُرغماً , وجسده الهزيل يرتجف بقوة .. ليقوم الرجل الضخم بحمله .. ثم رميه بقوة , أدّت لكسر عنقه .. وبعد عدّة انتفاضات , توقف جسده عن الحراك ! 
***

بعد قليل , فتح رئيس السجن باب الزنزانة .. وحين رأى جثة المشرّد مُعلّقة بالسقف , قال للمجرم :
- أحسنت يا جون !! .. والآن لملمّ أغراضك دون ترك دليل خلفك .. والحقني كيّ نُفرج عنك .. 
- وهل سترسلون صورة إنتحاره للصحافة ؟ 
رئيس السجن : بالطبع !! سنفعل أيّ شيء لحماية شبكتنا السرّية
فقال المجرم مبتسماً : كنت متأكّداً انك ايضاً متورّطٌ بالأمر
الرئيس مهدّداً : إن نطقت بكلمة , أعلّقك مكانه
(وأشار للمشرّد) ..
فقال المجرم وهو يخرج من السجن مع أغراضه :
- لا تقلق , لست غبياً مثله .. والآن أخرجني من هذا الجحيم
***

بعد شهرين , وفي وقت الظهيرة .. كان ذات الرجل (الذي أهدى سيارته للمشرّد) يجلس في سيارته الفارهة , خارج نادي رياضي للجمباز ..

فأتاه إتصال من القاضي , أجاب عليه الرجل بنبرةٍ حادّة :
((لا !! لا يمكنك استئجار ولدٌ آخر بعد ان فاحت رائحتك , وأصبح الجميع يعلم بتورّطك بشبكة الدعارة  .. نعم نعم , أفهم انه تمّ تبرأتك .. لكني أخشى ان تكون مراقباً من الصحافة , او من عائلة إحدى الضحايا .. فأنا لن أعرّض نفسي او اعضاء عصابتي للخطر .. لذا أبحث عن شخصٍ آخر يؤمّن طلباتك .. فأنا مشغولٌ الآن مع زبون أرفع منك مستوى .. ورجاءً , لا تحدّثني مجدداً .. أخاف ان يكون هاتفك مُراقب .. سلام)) 

ثم قام رجل العصابة بالإتصال بشخصٍ آخر , وهو يراقب الفتاة الصغيرة اثناء خروجها من النادي , قائلاً بالجوّال : 
((نعم سيدي .. قريباً ستصبح العصفورة في قفصك , فأنا اراقبها الآن .. لا ليست برفقة والدها , بل مع سائق العائلة .. لا تقلق , استطيع التخلّص منه بسهولة .. عليّ إقفال المكالمة الآن , للحاق بهما .. سلام))

ثم أخرج مسدساً وقماشةً مبلّلة بالمخدّر من الدرج , ووضعهما على الكرسي بجانبه .. وأسرع باللحاق بسيارة الفتاة , وهو يتمّتمّ : 
((سيسعد الوزير كثيراً بعارضة الأزياء الصغيرة .. فهي فاتنة وحيويّة .. لكن ليس بعد الآن)) .. 

وضحك بمكرٍ وخبث , وهو يلحق بالسيارة بعد توغّل سائقها في الغابة التي تفصلهم عن منزل عائلة الفتاة التي لن تراهم بعد اليوم !

الثلاثاء، 18 يونيو 2019

حُب إفتراضي

تأليف : امل شانوحة


وقعتُ في شباكه ! 

قام ابن سعاد بعمل صفحة لها على الفيسبوك في عيد ميلادها الخمسين , وضمّها الى جروب لعشّاق الأدب والشعر التي تهوى قراءته .. 

ومع الوقت .. إندمجت امه في المشاركة والتعليق على القصص والأشعار مع اصدقائها الجددّ , ممّا خفّف من قسوة حياتها مع زوجٍ جلِف الطباع 

وفي إحدى الأيام .. نشرت نثرٍ حزين قامت بتأليفه , آثار إعجاب المشتركين .. وبدورها شكرتهم على تعليقاتهم اللطيفة ودعمهم لها 
ومع استمرار نجاح أشعارها في موقعٍ مُتخصّص للكتّاب المبتدئين , إزداد عدد متابعيها على صفحتها الخاصة , ممّا قوّى ثقتها بالنفس التي كانت مهزوزة بعد ثلاثين سنة من زواجٍ خاليٍ من أيّةِ مشاعر!

وكان أكثر الداعمين لها : رجلٌ من جيلها لديه اهتمامات ادبيّة , والذي شجّعها على مواصلة الكتابة التي لم تُهمّ يوماً والد إبنيها الذي بات يعاتبها على قضاء وقتٍ طويل على جوّالها 
***

وفي إحدى الأيام .. تفاجأت سعاد برسالةٍ قصيرة من هذا المتابع يطلب محادثتها على صفحته على الفيسبوك , لأخذ رأيها بشعرٍ ألّفه قبل نشره في الموقع المشتركان به

فكلّمته على الخاص ..لتمتدّ المحادثة بينهما لساعتين , تطرّقا فيها لمواضيع الأدب , ومصاعب الحياة بشكلٍ عام 

وبعد إنهاء المكالمة .. شعرت سعاد بفرحةٍ ممزوجة بالمرارة , حيث قالت في نفسها بقهر:((كم هو جميل ان نجد شخصاً يشاركنا أحلامنا وطموحنا .. لكن حياتي لم تكن يوماً عادلة !)) 
*** 

مع الأيام .. تطوّرت الصداقة بينها , حيث شاركها الكاتب أحمد همومه مع زوجته النكدية التي يتحمّلها فقط من أجل ابنه !  
فنصحته سعاد بالصبر على مصابه , رغم إحساسها برغبةٍ دفينة لتشجيعه على قرار الطلاق المتردّد في اتخاذه ! 

ومع الوقت .. وجدت نفسها تشاركه تجاربها القاسية مع زوجها الذي  يعتبرها خادمة له ولأبنائه !
فصار أحمد يشجّعها على الإنفصال , بعد تزويجها ابنتها وسفر ابنها للخارج ..

لكنها برّرت رفضها خوفاً من كلام الناس , وخسارة ولديها بعد صبرٍ دام طويلاً ! 
***

في عيد الأم .. ارسل احمد بطاقة تهنئة الى سعاد التي شكرته لأنه تذكّرها , بعكس زوجها الذي لم يؤمن يوماً بفرحة الأعياد ! 
***

بعد أشهر من بدء صداقتهما .. إنقطعت اخبار سعاد فجأة ! 
وحين فتحت صفحتها من جديد , وجدت عشرات الرسائل من احمد يريد الإطمئنان عليها ! 

فأخبرته انها كانت في المستشفى بعد ان ضربها زوجها بعنف لأنها تأخّرت بتقديم العشاء له .. لكنها الآن بخير , ورضوضها بدأت تتشافى ! 

فغضب احمد غضباً شديداً , وطلب منها تطليقه على الفور !! 
فحاولت تهدأته بأنها ليست المرة الأولى , وأنها تعوّدت على مشاجراته العنيفة .. فالمجتمع بالنهاية لا يُحبّذ طلاق المرأة , خاصة في مثل عمرها  

ففاجأها أحمد قائلاً : اللعنة على الناس جميعاً !! الا تخافين ان يقتلك ذلك الحقير , او يصيبك بعاهة مستديمة في ثورة غضبه القادمة ؟.. طلقيه يا سعاد وانا سأتزوجك 

فارتبكت سعاد كثيراً بعد قراءتها جملته الأخيرة ! 
وبتردّدٍ شديد , كتبت له (على الجوال) : 
- أحقاً تنوي الزواج بي يا احمد ؟!
- بالتأكيد !! فقد وجدّت بك كل شيء أبحث عنه منذ مدةٍ طويلة 
- أخاف بعد ان أخرب بيتي , تتراجع عن كلامك
أحمد : سامحك الله يا سعاد ! نحن لسنا بمراهقيّن .. ولكيّ أثبت لك حسن نوايايّ , قرّرت تطليق زوجتي في نهاية هذا الأسبوع .. ثم أتزوجك فور انتهاء عدّتك , ما رأيك ؟  

سعاد باستغراب : وكيف أخذت هذا القرار المصيريّ دون رؤية صورتي؟! 
أحمد : حين رفضّتِ طلبي المرة الماضية , لم أردّ الضغط عليك ثانيةً .. ثم أنا رجلٌ عقلاني ولا تهمّه المظاهر ..وما أعجبني بك هو روحك الطيبة وذكاءك ..كما موهبتك الأدبية المميزة , وهذا يكفيني يا سعاد 

سعاد بارتياح : انت لا تدري كم كنت بحاجة لسماع ذلك .. شكراً لك .. لكني مازلت خائفة من ردّة فعل ابنائي بعد اتخاذي لهذه الخطوة الجريئة؟
أحمد : هما لم يعودا صغاراً يا سعاد , وانت ضحيّت الكثير لأجلهم ..وحان الوقت لتعيشي حياتك , فنحن لا نحيا في الدنيا سوى مرةً واحدة .. الا تريدين ان تكوني سعيدة ؟ .. وإن كنت قلقة بشأن المال , فأنا رجلٌ ميسور الحال واستطيع الإهتمام بك .. وربما نسافر سويّاً لرؤية العالم .. فما رأيك؟
- دعني أفكّر قليلاً , فالموضوع ليس سهلاً عليّ

أحمد : حسناً , خذي وقتك .. اساساً سأكون مشغولاً هذه الفترة بإجراءات الطلاق .. وبعد إنهاء علاقتي بتلك الشيطانة , أتصل بك لأعرف الجواب .. ولا اريدك ان تشعري بالذنب لقرار إنفصالي عن زوجتي , فنحن كنّا سنتطلّق عاجلاً ام آجلاً , فزواجي بها كان أكبر غلطة في حياتي , وأشكرك لأنك كنت السبب في اتخاذي القرار لإنهاء هذه المعاناة ... ألقاكِ قريباً عزيزتي

وأنهى المحادثة , تاركاً سعاد في قمّة الحيرة والإرتباك !

بهذه الأثناء .. دخل زوجها الغرفة غاضباً , بعد عودته من العمل :
- أمازلت على جوالك اللعين ؟!! قومي يا امرأة , وجهزي لي غدائي 
فأجابته سعاد بقوة : 
- إفتح البراد وكلّ ما شئت , فأنا لست خادمتك !!
الزوج بدهشة : ماذا قلتي ؟!

وقبل ان ينزع حزامه ليضربها كعادته , صرخت بغضب :
- أقسم بالله إن لمستني ثانيةً , أقطع يديك .. هل فهمت ؟!! 
فتراجع للخلف وهو لا يصدّق ما سمعه , فهي المرة الأولى التي تواجهه فيها منذ زواجهما ! 
- هل جننتِ يا امرأة ؟!
- نعم !! واريد الطلاق منك حالاً 
- أبهذا العمر ؟

سعاد بحزم : لم يعد يهمّني شيء !! فأنا لا اريد الإجتماع بك في الأخرة , يكفي حياتي التي دمّرتها لي .. والآن طلقني ودعني أخرج من هذا السجن اللعين !!
فقال لها باستهزاء : يبدو ان رأس البقرة الغبية نضج وصار يتخذّ القرارات المصيريّة ..
مقاطعة بغضبٍ شديد : لا تناديني هكذا !! أنا أذكى منك ومن كل عائلتك , ايها الجاهل المتخلّف !!

واشتدّ النزاع بينهما , الى ان قالت :
- ان كنت رجلاً , طلّقني .. انا أتحدّاك !!
وهنا لم يعد باستطاعته تحمّل وقاحتها , فقال لها : 
- أخرجي من بيتي !! ..أنت طالق يا سعاد

فأسرعت بتوضيب حقيبتها وهي تشعر براحةٍ لا مثيل لها .. 
ثم راقبها طليقها وهي توقف سيارة أجرة , وتبتعد عن منزله التي عاشت فيه معظم سنوات عمرها !
***

فتحت العجوز باب منزلها , لتتفاجىء بإبنتها تحضنها بفرح ! 
الأم بقلق : لما حقيبتك معك ؟! هل تشاجرتما من جديد ؟
فأجابتها سعاد بابتسامةٍ عريضة : 
- بل طلّقت الحقير يا امي , وانتهى أمره أخيراً !!
***

مع مرور الوقت .. حاولت الأم كثيراً إعادتها عن قرارها , لكن سعاد أصرّت على إكمال اوراق الطلاق التي ارسلتها لها المحكمة بعد ايام , دون الإكتراث بغضب ولديها من قرارها الذي أذى سمعة العائلة .. حيث قدِمَ ابنها من السفر على عجل , لزيارة امه برفقة اخته المتزوجة  

وفي بيت الجدة , عاتبتها ابنتها قائلة :
- لقد وضعتني يا امي في وضعٍ حرج امام زوجي وأهله !
فأجابتها سعاد بهدوء : وما دخلهم بالموضوع ؟ ...انا تحمّلت قساوة والدك من أجلك انت واخيك .. والآن بعد ان أطمأنيّت عليكما , إنتهى دوري .. وحان الوقت لأرى مستقبلي
ابنها بغضب : عن أيّ مستقبل تتكلمين يا امي بعد بلوغك سن الخمسين ؟!!

فأجابته بحزم : تأدّب يا ولد !! فأنا لم أمت بعد .. (ثم تنهّدت بضيق) .. لا داعي للقلق , فلن أطلب منكما مالاً واستطيع الإهتمام بنفسي جيداً  
ابنتها بقلق : ومن اين يا امي ؟ انت لا تعملين ولم تكملي دراستك
سعاد بغضب : لم أكمل الجامعة لأني حملت بكِ .. ولأن والدكِ الأحمق.. 
فقاطعها ابنها بعصبية : رجاءً لا تشتمي ابي !!

سعاد : لطالما كنت تشبه اباك .. لكن لا يهم , قريباً سيتحسّن وضعي.. ولا تسألاني كيف .. (ثم وقفت قائلة) .. يمكنكما الآن الذهاب الى بيتكما , فأنا متعبة واريد النوم 

فخرجا من منزل جدتهما غاضبين , وهما يظنان بأنها فقدت عقلها!
***

ولم تقبل سعاد بنصائح امها العجوز وصديقاتها القدامى , كما لم ترضى بتدخل أحد من الأقارب للصلح بينها وبين طليقها .. 
واستطاعت إيقافهم عند حدّهم بعد مناقشاتٍ حادّة دارت بينهم , أدّت الى مقاطعة الجميع لها ! 

وبعد هدوء العاصفة .. أرسلت ملخصاً بما حصل لحبيبها أحمد , تُبشّره بتنفيذها رغبته , على أمل ان يجتمعا معاً في القريب العاجل  
***

بعد يومين .. ظهر على صفحة سعاد بأن أحمد قرأ رسالتها أخيراً , بعد غيابه طوال الشهر الفائت .. وانتظرت ردّه بفارغ الصبر .. الا انها تفاجأت به يحظرها من صفحته , دون ان يقول شيئاً ! 

ورغم انه كان واضحاً تهرّبه منها , الا ان سعاد لم تستوعب الأمر ! وبدأت تختلق له الأعذار الوهميّة  
***

بعد إسبوع , بدأ اليأس يسري داخل روحها المُحطّمة ! 
وذهبت الى صديقتها لتخبرها بما حصل , والتي قالت مُعاتبة :
- لا أصدق يا سعاد انك إنخدعتِ بأحد ذئاب الإنترنت ! فالخبيث هدم بيتك وهرب 
- لا يا مروى , أحمد ليس رجلاً طائشاً .. وأعتقد ان زوجته قرأت كلامي , فقامت بحظري
- لا يعقل عزيزتي إنه لم يلاحظ ذلك طوال المدة الماضية  

فتنهّدت سعاد بضيق : أعرف ذلك .. لكن رجاءً يا مروى لا تضغطي عليّ انت ايضاً , يكفيني مقاطعة ابنائي واصحابي والأقرباء .. حتى ان امي وقفت ضدّي ! ..الأسوء ان مالي بدأ ينفذ , ومعاش ابي التقاعدي بالكاد يكفي والدتي 
- رجاءً لا تبكي .. (وقامت بإعطائها بعض المال)..

سعاد بغضب : كلّه من اللعين أحمد !! فبالرغم من مساوىء طليقي الا انه لم يقصّر يوماً بشأن المال , وهذا ما جعلني أتحمّل قساوته .. ولولا ان أحمد وعدني بالزواج , لما تجرّأت على طلب الطلاق منه.. (ثم تنهّدت بضيق) ..الأسوء ان ابنائي قاطعوني , وهذا يُجبرني على إيجاد وظيفة في أسرع وقتٍ ممكن ..(ثم تسكت قليلاً) .. أفكّر في تدريس الطلّاب اللغة العربية التي أتقنها , لكن أخشى أن لا يقبلوني لأني لا أحمل شهادةً جامعية

مروى : سأحاول حلّ مشكلتك بعد عودتي من زيارة اهلي
- هل ستسافرين قريباً ؟
- نعم , وسأبقى في القرية قرابة شهرين .. آه صحيح !! ما رأيك لوّ تبقين في بيتي الى حين عودتي .. فربما بُعدك عن الناس , يُحسّن من نفسيتك المُرهقة  
سعاد : والله لا تدرين كم انا محتاجة لذلك .. شكراً جزيلاً لك .. 
- اما عن صديقك احمد .. فعندي الحلّ لتأكّد من نواياه 
سعاد باهتمام : وكيف ؟

وأخبرتها مروى أنها ستفتح لها حساباً جديداً , تضع على غلافه : صورة فتاةٍ فاتنة بملامح شرقية , تختارها من النت .. ثم ترسل منه طلب صداقة تخبره فيها : إنها أُعجبت بوسامته الظاهرة في صورة صفحته ..
كما أطلعتها على الأسلوب الجديد التي يجب ان تحادثه فيه .. 

سعاد بعصبية : ما هذا الكلام يا مروى ؟! أبهذا العمر تريديني ان أغازله بكلامٍ لا يناسب أخلاقي وعمري ؟!! 
- ربما لن تضّطرين لذلك , لأني سأختار صورة لفتاة بثيابٍ فاضحة .. فإن كان محترماً كما تقولين , سيُلغي رسالتها على الفور .. ولنعتبره إمتحاناً لإخلاصه لك 

بعد تردّدٍ كبير , قبلت سعاد إرسال طلب صداقة له من صفحتها الجديدة 
ثم عادت الى بيتها وهي قلقة بأن يقوم أحمد بمغازلة الصبية التي انتحلت صفتها !
***  

في المساء .. أجاب احمد على الرسالة قائلاً :
- اهلاً آنسة ريم .. وانا ايضاً أعجبتني صورتك , تبدين كعارضة ازياء ..كم عمرك ؟
فأجابته سعاد بيدين مرتجفتين : 26 سنة
- ألست كبيراً عليك ؟
- أحب الرجال الناضجين .. هل يمكننا التعرّف ؟
- بالطبع عزيزتي ريم

فسقط الجوّال من يد سعاد , وقلبها يرتجف بسرعة .. فهو قبِلَ بسهولة التعرّف على فتاة تبدو من صورتها انها سيئة السمعة ! رغم انه في السابق أخبرها بأنها اول امرأة يكلّمها بالإنترنت بعد إعجابه بموهبتها الأدبية , وحُسن أخلاقها بالردّ على متابعيها 

ومرّت ساعات .. تابع فيها أحمد مغازلة ريم بكل أريحيّة , كأنه متعوّد على فعل ذلك !

بعد انتهاء المكالمة .. حاولت سعاد ان ترسل له رسالة من صفحتها القديمة , لكنه لم يزيل الحظر عنها بعد !
***

ومع مرور الأيام .. أخبر أحمد ريم إنه رجل مطلّق بلا اولاد ,  ومعلوماتٌ أخرى مُغايرة لما أخبرها به في الماضي ! 
***

وفي إحدى الليالي , كتب لها : 
- ما رأيك يا ريم لوّ نتزوج في الصيف القادم ؟ 

فانهارت أحلام سعاد بعد تأكّدها من خبث نواياه التي أدّت الى هدم بيتها , واحتقار الناس لها !
فكتبت بحزن (على لسان ريم) :
- اولاً أصدقني القول .. هل أحببت امرأة قبلي على الإنترنت؟ 
فأجاب : لم يكن حباً .. لكني حاولت مساعدة امرأة للهروب من حياتها البائسة .. وحين قامت بذلك , إنتهى دوري معها ..
فكتبت سعاد والدموع على وجنتيها : الم تكن مميزة بالنسبة لك ؟
- كانت امرأة عجوز , وأنا أحب الفاتنات امثالك عزيزتي

فرمت سعاد جوالها على الأرض , لتنهار باكية فوق سريرها بعد ان تحطّمت جميع آمالها !
***

بعد ايام من التفكير المطوّل , حادثته من جديد ..
فأجابها بلهفة : اين كنت يا ريم ؟ لما قطعت إتصالك بي فجأة ؟ الا تعلمين بأن النوم جافاني من شدة قلقي عليك ! 
فقالت سعاد بنفسها بغيظ : ((يالا قلبك المرهف , ايها الخائن اللعين !!)) 

ثم كتبت : كنت اريد التأكّد بأنك ستشتاق اليّ , في حال غبت عنك فجأة .. 
- ما هذا الكلام يا ريم , انا لا أطيق صبراً لرؤياك .. ولن أُنهي هذه المكالمة قبل ان تعطيني موعداً أقابلك فيه 

ففكّرت سعاد قليلاً .. ثم كتبت له عنوان مطعمٍ قريب , يلتقيان فيه غداً بعد الظهر .. 
فوافق بحماس !! بينما كتمت سعاد غيظها بصعوبة .. 

وأمضت ليلتها وهي تخطّط للإنتقام منه !
***

في اليوم التالي .. سبقته سعاد الى هناك , وجلست في آخر المطعم  

وبعد نصف ساعة , رأته يدخل وهو في قمّة أناقته ! ثم جلس وطلب كوب قهوة .. 

ومرّ الوقت بطيئاً على كلاهما .. حاول فيها احمد الإتصال مراراً على ريم , لكن خطها ظلّ مُقفلاً ! 

وبعد ساعة .. بدأ أحمد يتململّ وهو يلتفت يميناً ويسارا , ونحو الطريق الظاهر من واجهة المحل .. حتى ان عيناه إلتقتا اكثر من مرة مع سعاد (التي لا يعرف شكلها) التي حاولت عدم لفت انتباهه 

ثم رنّ جواله , وسمعته سعاد من بعيد وهو يحادث زوجته التي يبدو انها تريده ان يحضر ابنه من المدرسة لأنها ستتأخر في العمل .. فحاول التهرّب بحجّة إنشغاله بموعد عملٍ مهم .. لكنه أغلق المكالمة وهو يتأفّف بغضب , بعد موافقته مُرغماً على فعل ذلك .. 
***

وفور خروجه من المطعم , لحقته سعاد بسيارتها ..الى ان عرفت عنوان المدرسة .. وكانت تنوي اللحاق بهما الى المنزل , لكن الإشارة الحمراء حالت بينهما .. لتعود الى بيتها وهي تخطّط ليوم الغد
***

في ظهر اليوم التالي .. ذهبت سعاد باكراً الى مدرسة ابنه (10 سنوات) لتجده واقفاً في انتظار امه التي يبدو ان من عادتها التأخّر عليه .. 
فاقتربت منه وهي تقول :
- انت مروان ابن المهندس أحمد ؟ 
- نعم , من انت ؟
سعاد : انا معلمتك الجديدة , سأبدأ بتدريسكم غداً .. ولأني أعيش بجوار منزلكم , فقد طلبت مني امك إحضارك لإنشغالها في العمل .. لذلك اشتريت الكثير من الحلوى لنتسلّى بها في الطريق .. هيا بنا 

في بادىء الأمر تردّد الصبي في الذهاب معها , لكن بعد رؤيته الكيس المليء بالحلوى , ركب سيارتها ! 
وأخذته الى منزل صديقتها (التي تعيش فيه هذه الفترة) .. 

وهناك عرفت منه رقم جوال امه .. 
فاتصلت بها لتخبرها : بأنها معلمته الجديدة , وأنها اضطّرت لأخذه الى بيتها بعد ان أصيب بوعكةٍ صحيّة .. وأعطتها عنوان المنزل  
***

بعد ساعة .. وصل فيديو لأحمد من جوّال زوجته .. 
وحين فتحه : رأى زوجته وولده مقيدان بالكرسي , وهما مُكمّما الفم ! 

ثم رأى امرأة تلوّح بسكينٍ ضخم امامها , وهي تقول : 
- هل عرفتني يا أحمد ؟ انا سعاد .. قمت بخطف زوجتك وابنك .. وهما الآن في قبو منزلي .. وان أردّت رؤية ابنك من جديد , عليك ان ترسل على جوال زوجتك , صورة لورقة الطلاق .. سأمهلك يومين فقط للذهاب الى المحكمة وتطليقها .. من بعدها أطلق سراحهما .. وعلى فكرة !! جعلتها تقرأ جميع رسائلك القديمة لي , وكلامك المُسيء عنها , وكيف أوهمتني بالزواج لتخرب بيتي .. كما أريتها رسائلك الغرامية الفاضحة مع ريم , التي هي انا ايضاً .. وباتت تعرف انك رجل غير جدير بالثقة ..(ثم وجّهت الكاميرا اليها) .. أنظر الى المسكينة كيف تبكي بقهر ..

ثم ظهر بالفيديو سعاد وهي تسألها : الا تريدين الطلاق من هذا الخائن ؟
فأومات زوجته برأسها إيجاباً , وهي تبكي بخوف 

وتابعت سعاد كلامها : 
- ارأيت يا أحمد , هي لا تمانع ذلك .. لهذا لا أريد المماطلة في الموضوع .. إرسل صورة عن وثيقة الطلاق , لأدعهما وشأنهما ..لكن في حال اتصلت بالشرطة , سيصلك اول أصبع من ابنك الصغير.. 

وانتهى الفيديو , لينهار احمد من شدة خوفه على عائلته من تلك المجنونة ! 

وأسرع الى سيارته .. لكنه لم يصل للمحكمة في الوقت المناسب لتأخّر الوقت.. فحاول الإتصال على جوال زوجته , لكنه كان مغلقاً! 

وطوال تلك الليلة لم يستطع النوم وهو يفكّر بطريقة للخروج من هذا المأزق 
***  

في ظهر اليوم التالي .. وصلت سعاد صورة لورقة الطلاق (على جوال المخطوفة) والتي أرتها لزوجته التي ما زالت مقيدة مع ابنها في القبو 
حيث قالت سعاد بفرحٍ وارتياح : 
- هاهو طلّقك عزيزتي , وصار بإمكانكما الذهاب
ثم فكّت رباطهما ..

وقبل ان يسرعا بالخروج , نادتها قائلةً :
سعاد : على فكرة !! عليك ان تعلّمي ابنك أن لا يُحادث الغرباء , فهو أخبرني بإسم الشركة التي تعملين بها .. وعنوان اهلك .. ومحل خاله في وسط البلد .. لهذا ان حاولتي الإتصال بالشرطة , فلن يكون صعباً عليّ إختطافه من جديد , حتى لوّ غيّرتِ مدرسته .. وحينها لن أضمن عودته اليك حيّاً  

فردّت الأم وهي ترتجف :  لن أخبر أحداً بما حصل .. أحلف لك!! 
سعاد : أحسنتِ !! كما أريدك ان تنسي أحمد تماماً , فهو أصبح ملكاً لي .. ولا تقلقي عزيزتي , سأعاقبه على خيانته لنا .. الآن خذي ابنك , وإغربي عن وجهي !! 

فأسرعت مع ابنها للخارج , لتقود سيارتها مُبتعدة عن المكان
***

في هذا الوقت .. إتصلت سعاد بأحمد , لتطلب لقاءه في الحديقة العامة..
فصرخ عليها غاضباً (من الجوال) : 
- اين زوجتي وابني ؟ اريد ان أكلّمهما في الحال !!!
سعاد بحزم : هما في مكانٍ آمن ..لكن لن أخبرك بعنوانه , قبل ان نلتقي وجهاً لوجه .. سأكون في الحديقة بعد ساعة .. كُنّ على الموعد !!
***

ووصل الى هناك بأسرع ما يمكنه ..
وركبت سعاد معه بكل هدوء , وكأن شيئاً لم يكن ! وحين أصرّ أحمد على معرفة ما حصل لعائلته , شعر بنصل السكين في خاصرته بعد ان أخرجته من حقيبتها .. وهي تأمره بالذهاب مباشرةً الى المحكمة لعقد قرانهما ! 
فقاد سيارته الى هناك مُجبراً , خوفاً من تهوّرها 
***

وفي الطريق .. قالت له بعصبية , وهي تمسح دموعها : 
- تحمّلتُ عذاب زوجي الحقير ثلاثين سنة ! قبل ان تأتي وتقنعني بالطلاق الذي خسرت به اولادي وجميع معارفي .. لتعود انت الى حياتك مع زوجتك التي تخونها يومياً بمغازلة الأخريات ! .. فهل ظننت إنني لن أعاقبك على خذلانك لي ؟!! 
فأجابها بلؤم : أتدرين .. كان زوجك مُحقّاً بضربه لك , فأنت امرأةٌ مجنونة 

وقد استفزّها كثيراً بهذا الكلام , فقامت بجرح ذراعه بالسكين .. فنشب عراكٌ بينهما , إستطاع فيه أحمد أخذ السلاح بالقوة , ورميه في الشارع .. لتحاول بعدها السيطرة على المقود , رغم سرعة السيارة التي بدأت تترنّح يميناً ويسارا ..وهي تصرخ بهستيريا :
- ستتزوجني غصباً عنك يا أحمد !!!

وظلاً يتشاجران على المقود , الى ان صدمت السيارة بعنف عامود الكهرباء !
*** 

في تلك الليلة .. جلست طليقته وابنه بجوار سريره في المستشفى , وهما يستمعان للطبيب الذي طمّأنهما قائلاً :
- بعد قليل يستيقظ السيد أحمد من العملية .. وستتشافى رضوضه وكسوره خلال شهرين .. عافاه الله

وبعد خروجه , سأل الولد امه بقلق :
- امي .. هل سنعود الى بيتنا بعد شفاء ابي ؟
فأجابته بقهر : ربما .. وربما لا
***

بعد شهر .. عادت مع ابنها وزوجها أحمد (الذي يتوكّأ على عكازه) الى المنزل الذي كتبه بإسمها كشرط عودتها اليه .. وذلك بعد ان قدّم لها الكثير من الإعتذارات والوعود بعدم مغازلة الفتيات على الإنترنت من جديد 
*** 

وفي التُربة .. وقف طليق سعاد امام قبرها , وهو يقول بازدراء :
- ضيعتِ عِشرة 30 سنة , وخسرتِ ولديك وسمعتك امام الناس من اجل حب إنترنت , ايتها المُتصابية العجوز ! .. كم كنت محقاً حين لقّبتك بالبقرة الغبية 

وخرج من المقبرة , وهو يلعن اليوم الذي تزوّجها فيه ! 

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

يأجوج ومأجوح

كتابة : امل شانوحة


 
سنلقّن العالم درساً لن ينسوه ابداً !!

بعد بلوغ أجاج سن المراهقة ذهب مع صديقه الى كهف الأجداد لمشاهدة الرسومات المحفورة عليه , والتي تصفّ الحياة الموجودة خلف السدّ الحديديّ الذي يمنعهم من رؤية العالم 

فقال صديقه : هذه المرة الخامسة التي تأتي بي الى هنا , ومازلت لا أفهم ما يعجبك بهذه الرسومات المُبهمة ؟!
أجاج : الا يهمّك ان تعرف مالذي ينتظرنا خلف هذا السدّ ؟
صديقه بيأس : وهل سننجح حقاً في حفره ؟ .. نحن عشنا في باطن الأرض آلاف السنين , وربما هذه الحيوانات التي رسمها أجدادنا لم يعد لها وجود .. هذا ان كانت اسطورة القائد ذوّ القرنين صحيحة .. لِذا دعّ عنك هذه الخيالات , فسدّنا اللعين لا ينفع صهره بالنار ولا الحفر .. (ثم مشى مُبتعداً وهو يقول).. ليس امامك يا أجاج الاّ أن ترضى بقدرنا الكئيب 
***

وفي إحدى الليالي .. طلب جدّ أجاج ان يراه قبل ان يموت , فجلس بجانبه حزيناً ..
الجد وهو يسعل بألم : الرجال لا تبكي يا أجاج .. وقد طلبتك لأخبرك بمنام رأيته قبيل ولادتك , ولم أشاركه مع أحد من ذريّتي التي زادت عن ألف رجل .. 
أجاج باهتمام : وماذا رأيت فيه ؟
- بأنك انت من سيفتح السدّ 

أجاج بدهشة : أحقاً ! وكيف ؟
- لا ادري , عليك ان تجد الطريقة لفعل ذلك .. (ثم تنهّد بضيق) ..كنت أتمنى أن أرى العالم معكم , لكن يبدو ان جيلكم هو من سينتقم لنا جميعاً .. وهذا ما أكّده لي المشعوذ الذي فسّر رؤيايّ 
- وهل تصدّق كلامه يا جدي ؟
- نعم .. لأنه حين كان يحفر جحره وهو شاب , ظهر له شيطان أخبره بالمستقبل بعد تنّصته على ما أُنزل على رسولٍ أسمه محمد والذي أخبر قومه : بأننا سنخرج من هذا الجحيم بآخر الزمان , بعد نزول نبيٍ آخر إسمه عيسى والذي سينجح بالقضاء على الدجّال الذي أخبرتك بقصته سابقاً

أجاج : كم أشفق على اهل الأرض , سيواجهون اولاً خطر الفناء بسبب الملحمة الكبرى (هرمجدون) .. ومن بعدها يعانون من مجاعة لثلاث سنوات , قبل ان يأتي الدجّال ويقضي على ما تبقى من المؤمنين .. ثم نخرج نحن اليهم , لنأكل الأخضر واليابس ! 
جده معاتباً : ماذا تقول يا ولد !! هذا حقنا , فذوّ القرنين ظلمنا حين حرمنا من الدنيا , فهي ملك للجميع وليست لهم فقط
- الم يفعل ذلك لأننا كنا مفسدين بالأرض ؟

الجد بغضب : كنّا ومازلنا !! بل سنخرج أسوء من السابق .. إسمعني جيداً يا أجاج .. إيّاك ان تضعف امامهم .. عليك انت واصحابك ان تعذّبوا صغيرهم قبل كبيرهم .. وتستمتعوا بنسائهم قبل قتلهنّ .. ولا تنسوا ان تدمّروا مدنهم وتحرقوا اراضيهم بالكامل , بعد ان تأكلوا وتشربوا كل ما تجدونه امامكم من نباتاتٍ وحيوانات وينابيعٍ وانهار , كيّ يموت الفارّون منهم جوعاً وعطشاً.. فهذا زمان يأجوج ومأجوج .. فلا تسمح لشيء ان يوقفكم عن احتلال العالم ..عدّني بذلك يا أجاج !!

فهزّ حفيده رأسه موافقاً , وهو يُخفي إستيائه من الوحشية الكامنة في نفوس قومه ضدّ البشر المسالمين ! 
***

بعد مرور سنوات .. أصبح أجاج شاباً قويّاً , وعُيّن مسؤولاً عن الحفريات 

وفي إحدى الليالي , فكّر في نفسه قائلاً :
((نحن كلما توقفنا عن العمل ليلاً يذهب تعبنا هباءً لعودة السدّ كما كان , فلابد من تغير طريقة الحفر المُتبعة لتكون شاملة لكل الوقت))

ومع ذلك فضّل الإحتفاظ بفكرته , خوفاً من ان يُقتل بسبب مخالفته لأوامر ملكهم الجائر 
***

وفي صباح اليوم التالي , أعدّ نفسه لتنفيذ الخطة .. فأظهر الوهن بجسده والرغبة في أخذ قسطاً من الراحة , كيّ يستعد للعمل ليلاً 

وفي المساء .. كان العامل الوحيد الذي ينقر بمعوله الصخر ..وحين تعب وقرّر العودة الى بيته .. وضع يده على الحفرة الصغيرة التي أحدثها في السدّ , قائلاً في نفسه :
((سأكمل عملي غداً من حيث توقفت ... بمشيئة خالق الكون))
ثم عاد مرهقاً الى حجرته تحت الأرض , وأطفأ نور شعلته لينام على الفور
***

وفي اليوم التالي .. إستيقظ أجاج على صوت تصفيق وصفير قومه وتهليلاتهم , ودقّ الطبول وزغاريد النساء ! 

فقفز مسرعاً للأعلى.. وكاد يسقط من هول الصدمة حين رأى حفرته مازالت كما هي ! وقبل ان يخبرهم بما حصل , أصدر ملكهم أمراً بتكسير الجدار بجوار الحفرة , ظنّاً بأنها نقطة ضعف السدّ الحديديّ .. 

وعلى الفور !! بدأ الرجال العمل على قدمٍ وساق , وطرقوا السدّ بمعاولهم بنشاطٍ وحماس , ليبدأ الجدار بالتصدّع ! وهلّلت النسوة مع سقوط الأحجار على التوالي .. 

وفجأة ! عمّ الصمت حين ظهر نور الشمس من خلال الثقب الصغير الذي يصلهم بالعالم الخارجي .. فتوقفوا عن العمل بانتظار ان يلقي ملكهم النظرة الأولى لما ينتظرهم خلف السدّ , والذي صرخ قائلاً بسعادة :
- هناك بحر خلف الجبل ! ..هيا إكملوا الحفر !! .. والليلة سنأكل مالذّ وطاب من الطعام والشراب .. فالأرض منذ اليوم أصبحت ملكٌ لنا وحدنا!!!!

وارتفعت الهتافات والتهليلات مُتزامناً مع طرقات المعاول , بعد ان دبّ النشاط والأمل في نفوس الجميع .. 
الى ان صرخ أحدهم قائلاً :
- السدّ سينهار !! تراجعوا للخلف فوراً 

وبالفعل انهار السدّ , ليقف الجميع مذهولاً امام منظر غروب الشمس في البحر ! 
وهنا صرخ ملكهم قائلاً :
- أوقدوا مشاعلكم , فالظلام سيحلّ قريباً .. وآمركم جميعاً !! ان تقتلوا كل من ترونه امامكم عقاباً لعدم إنقاذهم لنا من حبسنا , رغم اننا ذُكرنا في كتبهم السماوية , لذلك لن نرحم أحداً منهم .. وسنريهم بطش وجبروت يأجوج ومأجوج .. والآن !! إنطلقوا نحو الحرّية 

وهجموا كالجراد الى خارج السدّ , بنيّة تدمير الدنيا التي حرموا منها عدّة قرون !
***

وراقب أجاج قومه وهم يبيدون سكّان القرية الأولى التي وصلوا اليها , بعد ان أحرقوا منازلهم وقتلوا رجالهم واعتدوا على نسائهم واطفالهم , وأكلوا كل شيءٍ وجدوه امامهم !

ومع مرور الأسابيع .. لاحظ أجاج إختلاف اشكال سكّان الدول التي يجتاحونها مع تعدّد لغاتهم , لكن قومه لم يكن يهمّهم سوى القضاء على حضارات الشعوب وكل شيءٍ جميل يصادفهم !  
***

ومع مرور الوقت .. إنتشرت أخبار وحشيتهم وفظائعهم بين الناس , ودبّ الرعب والفزع بأهالي المدن المجاورة .. وفرّوا بعائلاتهم الى أعالي الجبال , تاركين أراضيهم الزراعيّة ودوابهم التي أُكلت نيئة من القبيلتين الهمجيتين التي لم يفهم أحد لغتهما المنقرضة ! وبدورهم استمتعوا بالطعام الجديد الذي يختلف مذاقه عن طعم الضبّ والثعابين والسحالي والدود التي عاشوا عليها طوال عمرهم اسفل الجبل .. وحتى الأنهار والبحيرات شربوها بالكامل بعد ان استلذّوا بطعمها العذب المختلف عن رواسب المطر التي كانت تصل لأسفل الجبل وهي مُحمّلة بالأتربة والأعشاب .. 

وكان نهمهم وجشعهم لا حدود له , لدرجة انه حين وصل أجاج مع مجموعته الى بحيرة طبريّة تفاجؤا بجفافها ! ولذلك طلب من اصدقائه الإسراع قدماً قبل ان ينهي من سبقوهم على مصادر الحياة  
***

وفي الجهة المقابلة , وتحديداً في بلاد الشام .. دخل رجل على والده العجوز في المسجد وهو يلهث مرتعباً :
- ابي تعال معي بسرعة !! 
العجوز : الى اين ؟
- لقد أخبرنا سيدنا عيسى قبل قليل : ان يأجوج ومأجوج خرجوا من السدّ , وهم في طريقهم الينا بعد ان دمّروا كل المدن التي مرّوا بها حتى أوشك العالم على الهلاك ! وقد طلب الله منه ان يأخذنا الى جبل الطور , لأنه ليس باستطاعتنا محاربتهم الاّ بالدعاء
العجوز : إذاً خذّ عائلتك وارحل معهم , فالطريق الى مصر صعبةٌ عليّ 

ابنه بقلق : وماذا ستفعل وحدك هنا ؟!
- سأظلّ أصلي وأدعي , الى ان يأخذ الله روحي .. أرجوك بنيّ ! توقف عن البكاء , واذهبوا سريعاً قبل ان يصلوا اليكم..  
فحضنه مودّعاً , وطلب منه الدعاء لهم بالنصر .. ثم تركه ليلحق بالنبي عيسى والمؤمنين القلائل الذين نجوا من الفتن والمصائب السابقة التي مرّت بشكلٍ متلاحق عليهم ! 
***

حين وصل يأجوج ومأجوج برائحتهم النتنة واسلحتهم البدائية الى الشام , انشغلوا بالبحث داخل البيوت الخاوية عن بقايا المؤن الغذائية .. 

في هذا الوقت , تفاجأ أجاج بالرجل العجوز يصلي وحده بالجامع بكل طمأنينة , رغم صرخات قومه المرعبة التي علت في كل زاوية من البلدة .. فوقف خلفه يراقبه باستغراب !

وقبل ان ينهي العجوز صلاته , وقع ميتاً فوق سجّادته بعدما أصابه أحد الجنود بسهمٍ في ظهره .. 
فعاتبه أجاج بغضب : 
- كنت دعه ينهي صلاته اولاً !! 
صديقه بحزم : إسمع يا أجاج !! إيّاك ان ترأف بهم .. الم تسمع اوامر ملِكنا بإبادتهم جميعاً , كيّ نحيا وحدنا على الأرض ؟ 
- وكيف سنفعل ذلك بعد ان أحرقتم الزرع وقتلتم الماشية ؟! فقد نموت من الجوع لاحقاً , لأننا لا نملك خبرة بالزراعة او برعاية .. 

صديقه مقاطعاً : الدنيا كبيرة ولن تخلوّ يوماً من مصادر الطعام , ومن عاش مثلنا بظروفٍ صعبة تحت الأرض كحياة النمل لن تصعُب عليه البقاء في هذه الدنيا الواسعة .. والآن تعال معي !! فهناك إشاعة بأن النبي المزعوم هرب مع بعض تابعيه الى بلدة لا تبعد كثيراً من هنا .. فهيا نلحق بهم ونقتلهم جميعاً , ومن بعدها ينتهي القتال لتبدأ حياتنا الهادئة 
***

بعد شهر , وصل قوم يأجوج ومأجوج الى أرضٍ واسعة .. فسأل الملك مشعوذه العجوز : 
- هل بقيّ أحدٌ من البشر ؟

وكان أجاج الوحيد الذي لاحظ إرتباك المشعوذ (الذي يخشى غضب الملك) والذي أجاب :
- لا ابداً .. قضينا عليهم جميعاً 

فنظر الملك الى السماء قائلاً :
- ليس بعد !! فمازالت هناك الملائكة التي أخبرك عنهم الشيطان , اليس كذلك ؟
المشعوذ باستغراب : نعم , لكنهم بالسماء !
فأمر الملك جنوده بحزم : يا رجال !! إرموا بسهامكم ونبالكم ورماحكم الى فوق , كيّ نقتلهم جميعاً .. هيا ماذا تنتظرون ؟!!!

فقاموا بتنفيذ طلبه .. ليتفاجأوا برجوع اسهمهم وعلى طرفها لونٌ أحمر كالدماء ! 
فارتفعت الصيحات قائلين بحماس :
- عاش ملِكنا .. قاتل الملائكة !!
فقال الملك بغرورٍ وجبروت : 
((قهرنا أهل الأرض !! وعلونا أهل السماء !!)

لتعمّ بعدها الإحتفالات بطهي ما تبقى من المواشي في مأدبةٍ عظيمة , إعلاناً بانتصارهم على العالم أجمع .. ورقصوا بسعادة حول شعلة النار 

وفي تلك الليلة .. همس أجاج لصديقه بقلق :
- انا لم أصدّق كلام المشعوذ حين ادّعى موت النبي عيسى وتابعيه جوعاً , فالأنبياء لا تموت هكذا ! 
- ماذا تقصد ؟
أجاج بقلق : أخاف ان يدعي علينا , فيهلكنا الربّ جميعاً 
- عن أيّ ربٍ تقصد ؟! نحن لا نعبد سوى ملكنا
أجاج : قصدّتُ إله الكون 
ثم أخبره بما حصل معه عند حفره السدّ ..
فقال صديقه معاتباً : إخفض صوتك يا أجاج , أتريدهم ان يقتلوك؟! 
- لكن..
صديقه مقاطعاً : دعنا ننام الآن , فغداً هو يومنا الأول الذي سنعيشه بسلام بعد ان خلت الدنيا من الأعداء والمنافسين

وبعد ساعة .. غطّ صديقه بنومٍ عميق كما بقيّة القوم , بينما ظّل أجاج يفكّر وهو خائف من العقاب الإلهي الذي شعر بأنه بات قريباً جداً !
***

إستيقظ أجاج في اليوم التالي على صوت تأوّهات وصرخات من حوله , وفزع حين رأى أنوفهم وآذانهم وعيونهم تنزف دماً ! 

ثم رأى صديقه يُخرج دودة من أنفه , وهو يقول متألّماً : 
- أحسّست بها تخرج من مؤخرة عنقي وتدخل أنفي !
ثم ضرب رأسه بالأرض بألمٍ شديد : يبدو انه يوجد غيرها في رأسي وهي تأكل دماغي الآن , فالصداع لا يطاق .. ساعدني ارجوك !! 

لكن أجاج وقف عاجزاً عن مساعدته او مساعدة الآخرين .. ولم يجد نفسه الا وهو يبتعد عنهم بعد ان سالت دمائهم على الأرض , وقد أصابهم بكاء هستيري من شدة الألم .. حتى ان ملكهم والمشعوذ لم يسلم من هذا البلاء المرعب !

فصعد الى تلّةٍ قريبة لمراقبة الوضع المخيف من فوق , والذي استمرّ طوال النهار .. 
***

ومع حلول المساء , بدأت اصواتهم تخفت بعد تساقطهم الواحد تلوّ الآخر دون حراك .. ولم يفهم أجاج ما الذي يحصل هناك ! لأن لا أحد منهم استطاع إشعال النار من شدة مصابه , فعمّ الظلام في الأسفل .. 
***

في الصباح الباكر .. إستيقظ أجاج بعد ان اشتمّ رائحةً عفنة ! وحين نظر الى قومه , تفاجأ بهم وقد أصبحوا جثثاً هامدة , بينما الدود وحشرات الأرض والطيور تنهش من لحمهم !
- يا للهول ! هل ماتوا جميعاً ؟.. هل انتهت الحياة على الأرض وبقيت وحدي ؟!.. لا لا اريد ذلك !! هذا مخيفٌ جداً
ثم نظر الى السماء قائلاً :
- يا إله الكون !! أعرف انك لم تعاقبني لأني آمنت بك .. وقد دعيتك سابقاً عند السدّ واستجبت لي .. فيا إلهي !! لا تجعلني آخر خلقك ! وإن كان موتي سيغفر ذنبي , فأنا راضٍ بحكمك

وما ان أنهى أجاج دعاءه , حتى رأى شيئاً أفزعه .. حيث بدأ نور السماء يختفي شيئاً فشيئا بعد ان حلّقت فيه آلاف الطيور العملاقة التي يشبه رأسها سنام البخت (الجمل) وهي تقترب نحو المكان ! 
ثم هبطوا على دفعات باتجاه الجثث العفنة , وبدأت كل واحدة منها بحمل أحدهم وأخذه نحو البحر ..

فقال أجاج وهو يرتجف رعباً : لابد ان هذه دعوة النبي عيسى ! كنت متأكّداً بأن الله لن ينصرنا عليه وعلى من معه من المؤمنين .. ما هذا ؟ لا لا تقتربي مني , فأنا لم أمت بعد !!

وإذّ بإحدى الطيور العملاقة تغرز مخالبها الحادّة في ظهره حين حاول الهرب منها , وارتفعت به الى السماء .. 

ومن فوق , شاهد الأعداد الهائلة لجثث قومه التي غطّت مسافات كبيرة من الأرض .. ثم ظهر له البحر من بعيد 
فصرخ بخوف , محاولاً التحرّر من أظافر الطائر : 
- لا ترميني هناك !! انا لا أعرف السباحة .. لاااااااا

وغرق أجاج بأعماق البحر مع غيره من الجثث .. لينهمر بعدها مطرٌ غزير غسلت دمائهم من فوق الأرض , وأخفت بذلك أثرهم من الوجود !
*** 

وعلى جبل الطور .. سجد المسلمون خلف النبي عيسى سجود الشكر , بعد ان أخبرهم بنهاية يأجوج ومأجوج 
فنزلوا من الجبل وهم يحمدون الله على انتهاء البلاء العظيم , عازمين البِدء بعمارة الأرض تحت قيادة النبي عيسى الذي سيملأ الدنيا عدلاً بعد ان مُلأت ظلماً وعدوانا !

الاثنين، 10 يونيو 2019

ما ذنبي انا ؟!

كتابة : أمل شانوحة


 
لن أسامحها ابداً !! 

وصل ماجد الى المطار عائداً من الغربة , بعد ان أخبرته قريبته بأن امه مريضةٌ للغاية .. وذهب الى المستشفى مباشرةً , ليجد امه تحتضر !

فأمسك يدها وهو يبكي بعد إحساسه بقرب أجلها , لشحوب وجهها ونظراتها التائهة .. 
وحاول تلقينها الشهادة , لكنها ظلّت تتمّتم بكلماتٍ غير مفهومة وبصوتٍ أجشٍّ مرعب ..

وفجأة ! تحوّلت عيناها في ثوانيٍ الى عينيّ قطة , جعلته يتراجع للخلف حتى كاد يسقط عن كرسيه ..

في هذه اللحظات .. لفظت امه أنفاسها الأخيرة , مع إرتفاع رنين الماكينة الطبيّة التي تؤكّد توقف قلبها ! 

وحاول الطبيب إنقاذها بالصدمات الكهربائية .. وبعد عدّة محاولاتٍ يائسة , أعلن خبر موتها لإبنها الوحيد الذي انهار باكياً ..
***

في صباح اليوم التالي .. إنتظر ماجد خارج غرفة الموتى ..
وبعد وقتٍ قصير.. خرجت المرأة المسؤولة عن تغسيلها , والخوف بادٍ على وجهها !
فسألها : هل أنهيت عملك بهذه السرعة ؟!
فقالت بارتباك : نعم .. كفّنتها وانتهى الأمر  
وابتعدت عنه مُسرعة !

فدخل الى امه , ليجدها بكفنها الأبيض مُمدّة فوق حوض التغسيل .. فقال في نفسه وهو يقترب من جثمانها : 
((أليس المفترض ان تُكفّن خارج المغسلة ؟!))

وحين كشف الغطاء , تراجع للخلف بهلع بعد رؤية وجهها الذي تحوّل للون الأسود وكأنه محروق !
- ماذا حصل ؟!.. مالذي فعلته المرأة بأمي ؟

في هذه اللحظات .. ناداه الموظف من خارج المغسلة :
- أخّ ماجد !! هل انتهيت من تجهيز امك ؟ فالرجال يستأذنونك لوضعها بالنعش , وحملها الى الجامع للصلاة عليها 

فأسرع ماجد بتغطية وجه امه المرعب .. ومسح دموعه وهو مازال يرتجف من هول ما رأى ! 
ثم أجابه بصوتٍ متهدّج (من الداخل) :
- نعم !! دعهم يدخلون 

ثم حملوها الى المسجد .. يتقدّمهم ابنها بحمل النعش .. والناس والأقارب من خلفهم يذكرون الله ويترحمون عليها 
***

في الجامع .. وقبل ان يُنهي الأمام الصلاة عليها , شبّت نارٌ مفاجئة بالنعش!
فقطع الجميع صلاتهم , وحاولوا إطفاء الجثة .. بينما تجمّد ماجد في مكانه وهو لا يفهم مالذي يحصل مع امه !

وهنا فاجأ الإمام المعزّيين بقوله بضيق وبوجهٍ مُتجهّم : 
- خذوها الى المقبرة مباشرةً !! فلا حاجة للصلاة عليها
ثم خرج من الجامع ..

ولم يفهم الأقارب سبب غضبه ! فحملوا نعشها الى التربة وهم يلتفتون اليها من وقتٍ لآخر , خوفاً ان تشتعل فوقهم من جديد دون سببٍ منطقيّ !
***

وهناك إستقبلهم حفّار القبور قائلاً :
- حفرت قبرها هناك .. هيا بنا !!

وما ان اقتربوا من القبر , حتى كاد النعش يسقط من ايديهم بعد رؤيتهم لثعبان كبير اسود يقبع في الأسفل .. فتراجعوا للخلف ..
وعاتب ماجد العامل بعصبية :
- أتريدني ان أدفن امي فوق الثعبان ؟.. هل جننت ؟!!
فردّ الحفّار بدهشة : والله لم يكن موجوداً قبل دقيقتين , ولا ادري من اين أتى !
فطلب منه حفر قبرٍ جديد لأمه ..
ووضعوا النعش على الأرض في انتظار إنهاء الحفّار لعمله ..

وبعد ان أنتهى , ناداهم لدفنها فيه .. 
فحملوا الأقارب نعشها , واقتربوا من القبر الجديد ..
وقبل ان ينزلوها فيه , إشتعل القبر ناراً ! 
وبالكاد استطاع ماجد الهرب منه , قبل ان تمسك النيران بملابسه (بعد ان نزل اليه اولاً) .. 

بهذه الإثناء.. إقترب منهم امام الجامع الذي كان يراقبهم من بعيد , قائلاً لماجد :
- أفهمت الآن لماذا رفضت الصلاة على امك ؟
ماجد باستغراب ورعب : انا لا أفهم مالذي يحصل معنا !
الإمام بتردّد : يبدو ان القبر يرفض دفن امك بجوار الموتى المسلمين
ماجد باستنكارٍ وغضب : ماذا تقول ؟!! امي مسلمة يا شيخ 
الإمام : نعم ..لكن الذي حصل معها يدلّ على إنها تعاملت بالسحر , وهذا يعني كفرها بالله..

فانصدم الجميع ! .. وصاروا يردّدون : لا حول ولا قوة الا بالله !
ثم وضعوا نعشها على الأرض وبدأوا بالخروج من المقبرة , دون الإكتراث بنداءات ماجد لهم :
- رجاءً لا تذهبوا !! فأمي ليست ساحرة !

وبعد ذهابهم جميعاً , قال له الشيخ :
- لقد رأيت في حياتي امرأتين مثل حالتها , وللأسف هي أغضبت ربها بعمل السحر .. والأفضل ان تدفنها مع المشركين .. (ثم ربت على كتفه) ..كان الله في عونك ..

وتركه وذهب .. فوقف ماجد مذهولاً امام جثة امه ! وعيناه تذرفان الدمع وهو يقول في نفسه :
((أمعقول يا امي !.. هل خسرتي دينك ؟.. ومن أجل ماذا ؟ .. كنت ارسل لك المال دائماً وانا اعمل ليل نهار بالغربة , فلما ضلّيتِ الطريق وخسرتي الدنيا والآخرة ؟ ..لماذا يا أمي ؟!!!))

وبينما كان يبكي امامها , إقترب منه الحفّار وهو يقول :
- استاذ !! أحضرت لك سيارة الموتى لتأخذها الى المقبرة الموجودة في طرف المدينة .. وكما قال الشيخ : لا مكان لأمك بيننا .. أعتذر منك 

فرضخ ماجد للأمر الواقع , وقام بدفنها في قبر مخصّص للأجانب ومجهوليّ الهويّة ! 

وعاد حزيناً الى بيت امه .. ونام على سريره القديم بعد ان بلّل وسادته بالدموع , وهو يشعر بالخزيّ والعار امام اقاربه ومجتمعه المحافظ
***

في المساء , إستيقظ بعد سلسلة من الكوابيس المفزعة .. 
وبعد شربه الماء , أخذ يفكّر بماضيه محاولاً تذكّر اشياءً غريبة لاحظها على امه قبل سفره الى الخارج .. وهو على يقين إنها لم تنحرف قبل وفاة والده حين كان بالمرحلة الثانوية , فهما عاشا فترة من الضيق المالي بعد إنقطاع راتب والده المتوفي .. 

لكن بعدها بسنة , عاد الوضع أفضل من السابق ! واشترت له امه كل ما يتمناه , وأدخلته معهد للغة الأجنبية وناديٍ رياضيّ .. وأمّنت له مصاريف السفر والدراسة الجامعية في اوروبا .. كما واظبت على إرسال مصروفه الشهريّ , حتى يوم تخرّجه .. ومن بعدها أخبرها بأنه المسؤول عن مصروفها بعد توظيفه في شركةٍ اجنبية محترمة 

بعد عودته للواقع , تساءل في نفسه : ((لما لم اسألها يوماً عن مصدر تلك الأموال ؟ وهل كنتُ السبب في ضلالها ؟ .. عليّ التأكّد من شكوكي , قبل ان ينفجر رأسي من التفكير))
*** 

ثم دخل غرفة امه .. وأخذ يفتش كل ركنٍ فيه : داخل الخزانة وتحت السرير وفي الصناديق المغلقة .. لكنه لم يجد شيئاً من أغراض السحر !

فعاد الى غرفته , وهو يشتمّ الشيخ الذي فضح امه امام الجميع دون أيّ دليلٍ عليها !

وقبل ان ينام , تذكّر شيئاً غريباً حصل في فترة مراهقته :
(((في ذلك المساء , إستيقظ لدخول الحمام .. ومرّ بجانب غرفة امه التي يبدو انها سبقته الى دورة المياه .. 
وحين ألقى نظرة سريعة الى غرفتها , رأى كرتان حمراوتان تتحرّكان داخل الخزانة ! 
فاقترب ببطءٍ وخوف للتأكّد ممّا يراه , لكن امه أمسكته من الخلف.. قائلةً بارتباك :
- هآ انا خرجت , هيا أدخل الحمام..(بنبرةٍ حادّة) .. إذهب يا ماجد !!
وأخرجته من الغرفة , وأقفلت بابها بالمفتاح !)))

وهنا عاد للواقع ليتساءل : 
- ترى مالذي رأيته داخل خزانتها تلك الليلة ؟! فقد أخبرتني باليوم التالي انهما كانتا حشرتان مضيئتان , قامت بقتلهما .. مع اني أذكر إنهما بديا لي كعينين حمراوتين مخيفتين ! فهل كانتا عينا الشيطان الذي تتعامل معه ؟ .. يبدو عليّ تفتيش خزانتها مجدداً 
***

وعاد الى غرفتها .. وبدأ يطرق على ظهر الخزانة من الداخل .. الى ان ظهر صوت صدى خلف أحدِها , كأن فراغاً خلفه ! 
فأخرج كل الأغراض من هناك , ليجد باباً يصله بحجرةٍ صغيرة لا يزيد عرضها عن المترين أخفتها امه خلف الخزانة.. حينها تذكّر بأنها اشترت هذا البيت بعد وفاة والده .. ولم تخبره عنه الا بعد فرش غرفتها اولاً , والتي لم تسمح له يوماً بدخولها.. بل كانت لا تخرج من المنزل قبل التأكّد من إقفالها جيداً ! 

فأضاء جواله لرؤية ما بداخل الغرفة المجهولة : ليجد ما كان يخشاه من مرطبانات بمياهٍ ملوّنة , وعلبة فيها شعر لعدّة اشخاص .. وصندوق به ملابس داخلية : رجاليّة , وأطفال , لكن أكثرها لنساء بمقاساتٍ مختلفة !  
ثم وجد كتاباً كبيراً فيه طلاسم سحر , وحينها تأكّدت شكوكه السيئة حول امه !

وقبل خروجه من هناك حزيناً ومنكسراً , وجد دفتراً بغلافٍ جلديّ .. وحين فتحه , وجده مكتوباً بخطّ امه .. وفيه جداول بأسماء اشخاص مع تاريخ سِحرها لهم , وطريقة السحر , واين أخفت العمل ؟ ..معظمها تعود لأقارب والده مع بعض أقاربها وأصدقاء العائلة .. عدا عن اسماء غريبة صنّفتهم ضمن جدول العملاء , ممّا يؤكّد كلام الشيخ بأنها امتهنت هذا العمل الشائن!

لكن أكثر ما آلمه حين رأى اسم خطيبته الأولى التي تركته قبل ايام من العرس , مُتسببّة بصدمةٍ عاطفية له منعته من الزواج حتى يومه هذا 

فمسح دموعه وهو يقول بدهشة : أأمي التي أبعدتني عن حبيبة الطفولة , رغم معرفتها بعشقي الكبير لها ؟! .. يا الهي , لا أصدّق ما قرأته !  

والأسوء انها قامت برمي سحر تفريقهما في البحر (كما ذكرت في دفترها) وهذا يعني انه يستحيل عودتها اليه , بعكس أغلبية سحر الأقارب التي دفنت أعمالهم بمقبرةٍ قريبة .. وهي نفسها المقبرة التي رفضت بمعجزةٍ إلالهية ان تُدفن فيها !

ولم تشرق شمس اليوم التالي الاّ وقد أخذ ماجد قراره بفكّ اسحارهم جميعاً , مُستعيناً بالعناوين الموجودة بالدفتر 
***

وفي الصباح .. أخبر الشيخ بما وجده , وبدوره أثنى على فكرته .. حتى انه ذهب الى الحفّار لحثّه على مساعدة ماجد بإخراج الأسحار من القبور , ليقوم هو بفكّها بالطريقة الشرعية في وقتٍ لاحق..

فقام الحفّار بنبش القبور مساءً (كيّ لا يحدث بلبلة مع اهالي المتوفيين) وأخرج الأسحار المدسوسة في أفواه الهياكل العظمية وأدبارها ! 
***  

وفي اليوم التالي .. سلّم الحفار الأعمال السحريّة الى ماجد الذي قام بمكافأته مالياً على جهوده .. 

ثم أخذهم الى الشيخ الذي أمضى وقتاً طويلاً بفكّ العقد المربوطة بعد قراءته لآياتٍ معينة عليها .. ثم اتصل بماجد مساءً ليخبره بانهائه للمهمّة الصعبة 
***  

بعد ايام من التفكير والتردّد , قرّر ماجد الذهاب الى اقاربه واصدقائه لتبشيرهم بفكّ اسحارهم القديمة ..

لكنهم استقبلوا الخبر بغضبٍ شديد , وانهالوا بالشتائم على والدته المتوفاة التي عسّرت حياتهم لسنواتٍ طويلة , والذي أثّر سلباً على علاقاتهم الزوجيّة ورزقهم الماديّ .. حتى ان بعضهم طرده من بيته بعد ان منعه من زيارته مجدداً , مُلقباً إيّاه : بإبن الساحرة !
***

وعاد ماجد حزيناً ومهموماً الى بيت امه , وقد قرّر رمي جميع أغراضها التي تُذكّره بها .. 

بعد اسبوع , عرض البيت مع مفروشاته للبيع .. لكن السمسار أخبره : بأن لا يتوقع ان يشتريه أحد بعد انتشار خبر امه , فلا احد سيرغب بشراء منزل تسكنه الجن والشياطين ! 

ولم يكن هذا الكلام صادماً لماجد , لأنه عانى بنفسه من لياليٍ عصيبة بعد رؤيته للكوابيس كل ليلة منذ عودته للوطن , ويبدو ان الجن والشياطين غاضبةً منه بعد فكّه لأسحار امه !
***

في اليوم التالي .. إنتقل الى فندقٍ قريب , بعد ان ضاق صدره بتعليقات الجيران المسيئة لوالدته.. 

وهناك , إتصل به صديقه ليخبره : بأنه قام بالسؤال عن خطيبته السابقة بناءً على طلبه .. وعلم إنها تزوجت وتطلّقت , ولديها طفلاً منه .. وأعطاه عنوان بيتها.. 
وبعد تردّد وتفكيرٍ طويل , قرّر زيارتها ..
***

وقد تفاجأت ريما برؤيته بعد عشر سنوات من الفراق .. 
وبعد ان أدخلته الصالة , أخبرها بما حصل لعلاقتهما .. فاستقبلت الخبر بهدوءٍ غير متوقع !
ماجد بقلق : ريما .. قولي شيئاً
فأجابته بحزن : وماذا تريدني ان أقول ؟ امك سحرتنا وانتهى الأمر.. الأمر الذي يخيفني ان يكون سحرها مستمراً لي , فأنا لم أوفّق حتى اليوم بحياتي العاطفية , فطليقي لم يكن خيبة أملي الأولى .. أقصد الثانية .. فمن بعدك , انخطبت خمس مرات .. وفي كل مرة يتعسّر الموضوع قبل ايام من عقد القران لأسبابٍ مُبهمة!  

ماجد بحماس : اذاً ما رأيك لوّ نتزوج قريباً يا ريما ؟
فأجابته بتهكّم : الم تقلّ ان والدتك رمت سحر تفريقنا بالبحر ؟ فكيف نتزوج بعد ان استحال إبطاله ؟! 
- ربما بموتها إنفكّت جميع الأسحار
ريما بيأس : لا أظن ذلك , فقد قرأت الكثير عن هذا الموضوع .. ويُقال ان السحر الذي لم يُفكّ بشكلٍ نهائيّ , يُبقي حياة الشخص مُتعسّرة لحين وفاته 
- لا تتشائمي هكذا , دعينا نجرّب ان ..

فقاطعته بحزم وبلؤم : قلت لا يا ماجد !! .. اساساً لا استطيع النظر اليك بعد معرفتي بأن تعاستي كل السنوات الماضية كانت بسبب امك 
- ارجوك لا تقولي هذا انت ايضاً .. فقد خسرت جميع أقاربي واصدقائي , رغم انني قمت بفكّ اسحارهم !
- بصراحة لا أحد يستطيع غفران ما حصل
ماجد بضيق : لكنها غلطة امي , ولا ذنب لي فيها !
- نحن نعيش في مجتمع لا ينسى الإساءة ابداً .. والأفضل لك ان ..

ماجد : إكملي , لماذا توقفتي ؟
ريما بتردّد وهي تُخفي دموعها : 
- الأفضل ان تعود للغربة بعد ان خسرت ثقة الناس , ولا أظن أحد سيتعامل معك بعد اليوم .. لهذا سافر يا ماجد وتزوّج من امرأةٍ أجنبية .. لكن إيّاك ان تخبرها بما حصل .. ولا حتى اولادك في المستقبل .. إحفظ هذا السرّ للأبد .. وبدوري سأدعو لك ان تكون حياتك أفضل من حياتي التي دمّرتها والدتك .. (ثم وقفت وهي تمدّ له يدها).. الوداع يا ماجد .. يا صديق الطفولة

لكنه لم يسلّم عليها , وخرج غاضباً من بيتها.. لتنهار ريما بالبكاء وهي تحضن ابنها الصغير ..
*** 

بعد يومين .. أعطى ماجد الشيخ مفاتيح بيت امه , قائلاً :
- أعلم انه لن يشتريه أحد , لهذا تخلّيت عنه .. وقرّرت الهجرة للخارج , وعدم العودة الى هنا .. وبسبب مجهودك معي بفكّ الأسحار , وهبته لك ..فإمّا ان تسكنه او تعطيه لأحد الفقراء , القرار يعود اليك .. 

فشكره الشيخ وودّعه وهو يحثّه على الصبر على مصابه .. ليعود ماجد الى عمله وحياته في الغربة .. 

وكانت آخر أخباره التي وصلت أقاربه : إنه أنجب طفلاً من زوجته الأجنبية .. ومن بعدها إنقطعت أخباره عن الجميع ! 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...