تأليف : امل شانوحة
بعد ان انتهت من وضع بعض الحاجيات الضرورية في قبوها تحسّباً للعاصفة القادمة .. انتبهت (بعدما نظرت من نافذة الصالة) أنها لم تركن السيارة في مرآب بيتها ! فأسرعت للخارج دون ان تقفل باب المنزل .. حيث كانت الرياح في الخارج تُنذر بقُرب الإعصار من منطقتها
وبعد ان اطمأنت على سيارتها , عادت الى الداخل ..
لكن قبل ان تنزل لتحتمي في القبو , سمعت صوتاً قادماً من مطبخها !
فاقتربت ببطأ وهي تحمل عصا البيسبول , فوجدت هناك رجلاً مشرّداً يتناول بعض الخبز الذي أخرجه من الثلاجة ..
فصرخت بخوف وهي تلوّح بالعصا امامه :
- هاى انت !! ماذا تفعل في بيتي ؟!
فرفع يديه محاولاً تهدأتها :
- إهدأي سيدتي واخفضي العصا ! فأنا لم آتي لأؤذيك
- هيا اخرج من هنا حالاً , والاّ اتصلت بالشرطة !!
وفي هذه اللحظات .. بدأت النوافذ ترتجّ لقرب العاصفة من الحيّ الذي تسكن فيه ..
المشرّد بقلق : سيدتي ..ان خرجت الآن , فسيقتلني الأعصار ..هل يرضيك ذلك ؟
ومع إزدياد هبوب الرياح , كانت السيدة في حاجة ماسّة الى خطةٍ سريعة لإخراج هذا المتطفّل بثيابه القذرة من منزلها ! وما ان سمعت مواء قطة , حتى إدّعت امامه أنها نسيتها في الخارج ..
- حسنا لا تبكي سيدتي , سأنقذها لك
فقالت وهي تتظاهر بالبكاء : ارجوك بسرعة , قبل ان تقذفها العاصفة بعيداً وتموت
وما ان خرج المشرّد من بيتها حتى أقفلت بابها بإحكام ..
وبعد عودته مع القطة الصغيرة , تفاجأ بها تشير اليه (من خلف زجاج بابها) بأن يرحل بعيداً !
وكان الرجل يحاول ان يحمي وجهه من شدّة الرياح , حاضناً القطة الخائفة بكلتا يديه , فترجّاها قائلاً :
- حسناً سأذهب .. لكن ارجوك إنقذيها حتى لوّ لم تكن قطتك ..واعدك بأن أذهب في طريقي .. عليك ان تثقي بكلامي
ولم تتحمّل السيدة منظر القطة الصغيرة الخائفة , فأمسكت بقبضة بابها وهي مازالت ترفع عصا البيسبول مُهدّدة :
- سأفتح الباب وآخذها منك , لكن ان قمت بأيّةِ حركة مفاجئة فسأضربك بالعصا ..أفهمت ؟!!
فأومأ المشرّد برأسه إيجاباً..
وبعد ان أعطاها القطة .. غطّى رأسه بقبعة جاكيته الممزّق , وابتعد بخطواتٍ متثاقلة من امام بابها وهو لا يدري اين يختبأ مع إقتراب الخطر
فشعرت السيدة بتأنيب الضمير , وعادت ونادته :
- هاى انت !! تعال بسرعة .. لندخل قبل قدوم العاصفة
فركض مسرعاً نحو البيت , وهو يشكرها على منحه فرصة للنجاة
وبعد ان أقفلت باب منزلها .. قالت له :
- لن اسمح بأن تموت بسببي .. هيا بنا !! من الأفضل ان نختبأ داخل القبو المصنوع من الحجر الصلب فهو أقوى من الجدران الخشبية .. لكن ايّاك ان تضع يدك الوسخة على فرش بيتي الجديد !!
فكتم المشرّد امتعاضه من كلامها الجارح , لأن العاصفة بإمكانها قلع المنزل بما فيه , لكن حتى في ظلّ هذه الظروف الإستثنائية مازالت تشمئزّ منه , كما يفعل معظم الناس تجاه المشردين !
وأكملت قائلة بنبرة تهديد ناتجة عن شعورها بالخوف تجاه هذا الغريب :
- وان قمت بأيّ عملٍ خاطىء , فسأرديك قتيلاً بهذا المسدس
ووضعت يدها على جانب قميصها , فابتسم الرجل لأنه يعرف بأنها لا تحمل سلاحاً , لكنه فضّل السكوت والموافقة على كلامها
ثم بسرعة نزلا نحو القبو بعد ان اهتزّ المنزل بعنف أرعب كُلاً منهما
***
وكان القبو مُهيّئاً للطوارىء حيث وضعت به السيدة بعض الطعام والمعلّبات وكذلك البطّانيات ومياه الشرب وكشّافات النور
المشرّد بدهشة : هذا جيد ! يبدو انك تهيّأتِ جيداً للعاصفة ؟
- طبعاً ..الم ينذرونا بقدومها في الأخبار منذ ايام ؟
- أحقاً ! انا اليوم فقط حتى عرفت بالأمر
- الا تشاهد التلفاز ؟!
- انا مشرّد يا سيدتي .. ولوّ لم اسمع بالصدفة الناس تتكلّم في الطريق عن هذا الخطر , لبقيت في الشارع مُعتقداً انها عاصفة عادية وستمرّ كغيرها!
- الم تحذركم البلدية ؟!
فأجاب بحزن : لا احد يهتمّ بالمشردين سيدتي , ولوّ فعلوا لما تركونا نعاني من برد الشتاء
- أعانكم الله .. خذّ هذه البطانية وتدفأ جيداً
- شكراً لك
السيدة : سأعدّ لنا بعض القهوة ..
- عليك ان تسرعي قبل انقطاع الكهرباء
- لا تقلق فلديّ مولّد .. لكنه فوق بالمطبخ
- كان من الأفضل لوّ خبأته هنا
- زوجي مسافر منذ الأيام , وهو ثقيلٌ عليّ لأحمله
- عفواً على سؤالي .. لكن لما لم تذهبين مع زوجك ؟
- هو مسافر منذ شهر تقريباً .. وعندما عرف بقدوم العاصفة , فضّل البقاء هناك
بدهشة : يا ساتر ! أفضّل النجاة بنفسه على إنقاذ زوجته ؟!
- لا تحكم عليه .. فهو ارسل لي بطاقة سفر , لكن جميع الرحلات متوقفة منذ البارحة , ولهذا عدّت من المطار الى بيتي
- والله لوّ كان يريدك معه لفعل ذلك مُسبقاً , لا ان ينتظر حتى آخر لحظة
- ماذا تقصد ؟!
- لا يهمّ ..
ثم عمّ الصمت بينهما , الى ان ظهر صوتٌ قوي من فوقهم ..
فقال المشرّد :
- أسمعتي ؟ اظنّ ان العاصفة أصبحت فوقنا تماماً !
واذا بأركان المنزل ترتجّ بقوّة , مما أخاف السيدة كثيراً حيث صارت تصرخ بخوف :
- لا اريد ان اموت !! لا اريد ان اموت !!!
فرفع صوته قائلاً :
- تعالي بقربي وابتعدي عن السلالم.. هيا !!!!
لكنها تجمّدت في مكانها , فاضطر المشرّد لشدّها من يدها ليبعدها عن الدرج .. وما ان فعل ذلك , حتى تساقطت بعض الأحجار من فوق في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه !
فقالت له بارتباك وهي واقعة بالقرب منه : يا الهي ! كان رأسي سيُشجّ حتماً بتلك الحجارة ..شكراً لك يا ..
- اسمي جاك
- وانا اسمي جاكلين ..
وابتسمت في وجهه لأوّل مرّة !
***
وبعد قليل .. تفاجآ بانقطاع الكهرباء , وكردّة فعلٍ منها : صرخت بخوف مُبتعدةً عنه , وهي تترجّاه بخوف :
- ارجوك لا تؤذيني يا جاك !!
فقال بدهشة وضيق : بالطبع لن اؤذيك ! هل تظنينني رجل عصابات ؟! (وبنبرة غاضبة من شكوكها اتجاهه) .. هيا أضيئي كشّافات النور , وكفّي عن الدراما يا امرأة !
وبعد ان استردّت انفاسها مع إنارتها لنور الكشّاف الخافت , قامت بالإعتذار منه قائلة :
- آسفة .. لا ادري لما صرخت كالمجنونة هكذا ؟!
يحاول كتم غيظه : لا بأس سيدة جاكلين .. أتفهّم خوفك من غرباء .. (ثم وقف قائلاً) .. سأحاول الصعود الى فوق لأشعال المولدّ , فالجوّ سيصبح بارداً هنا مع انقطاع المدفأة الكهربائية
- لا !! انتظر قليلاً حتى تهدأ العاصفة .. فالكشّافات والبطانيات تكفينا الآن
ثم اعطته كشّافاً يدوياً .. فأخذه وبدأ يستكشف به القبو للبحث عن ايّ شيء يستفيدان منه ..فانتبه لوجود موقدٍ حديدي قديم مركوناً بأحدى الزوايا ..وعندما انتبهت جاكلين على اهتمامه بالموقد , قالت له :
- لقد اشتراه زوجي من احدى المزادات التي تُقام للأشياء القديمة .. وفي يومها تشاجرت معه بسبب هذه الخردة , وبالنهاية رميتها هنا
- بل من الجيد انه اشتراه , فهو يعمل بالحطب .. ويمكنني استخدام بقايا الدرجة الخشبية التي حطمتها الأحجار لتدفأتنا
- لكن انا وزوجي حاولنا قديماً إشعاله وفشلنا
- لا تقلقي , فأنا لديّ خبرة بالأشياء القديمة
وبالفعل استطاع بمهارة اشعال الموقد الحديدي القديم , الذي لم يستخدمانه فقط لتدفئة المكان بل للشواء عليه بعض النقانق المعلّبة
جاكلين بدهشة : من اين تعلّمت كل هذا ؟
- في الجيش علّمونا الكثير من المهارات التي تُبقينا أحياءً , فبالأضافة لفنّ الأسلحة نتعلّم ايضاً الإسعافات الأولية وطريقة إيقاد النار ومهارات ربط الحبال , وكذلك صنع ..
مقاطعة : لحظة لحظة ! هل كنت تعمل في الجيش ؟!
- نعم , وبالفرقة الخاصة ايضاً
- وكيف أصبحت مشرّداً ؟!
فسكت قليلاً وهو يتذكّر اليوم الذي تغيّرت فيه حياته :
- لقد اعطوني امراً بضرب منشأة تابعة للإرهابين , لكني رفضت تنفيذ قرار التفجير بعد معرفتي بوجود عائلات للاجئين تسكن بداخله ..ولرفضي تنفيذ الأوامر تم طردي من الجيش دون ايّ تعويض مالي , حتى انهم منعوني من العمل بأيّ فرعٍ عسكريّ آخر !
- يا الهي ! ماهذا الظلم ؟!
بحزن : هذا ما يُسمّى بقانون الغاب , سيدتي
- ولما لم تعدّ الى منزل اهلك ؟
- انا يتيم الوالدين , وتربّيت في دور الرعاية الإجتماعية .. وعندما انهيت مرحلة المتوسطة التحقت بالثانوية العسكرية , وكنت متفوقاً على الجميع ..وظننت بأن الدنيا ستبتسم لي اخيراً , لكني عدّت الآن الى نقطة الصفر !
- ولما لم تبحث عن وظيفةٍ أخرى ؟
- أتقصدين خارج السلك العسكري ؟!
- نعم
- لم افكّر يوماً بذلك !
- الا تجيد اموراً أخرى ؟
- بل أجيد كل شيءٍ يدويّ
- اذاً لماذا لا تنضمّ للكشّافة المدرسية ؟
- تقصدين ان اكون مسؤولاً عن تنظيم الرحلات البرّية لطلاب المدارس ؟
- بالضبط .. فهم سيتعلّمون منك الكثير من المهارات التي اكتسبتها من عملك في العسكرية
فسكت المشرّد قليلاً وهو يفكّر بالأمر , ثم قال لها بابتسامة : اتدرين سيدة جاكلين.. كلامك جعلني أتخيّل نفسي اجلس في البريّة برفقة المراهقين , واخبرهم بآخر الليل عن بطولاتي التي خضّتها في المعارك ..
تبتسم له : اظنّ ان هذا سيعجبهم
- اعدك أن افكّر بالموضوع , في حال خرجنا من هنا احياءً ..
***
وبعد قليل.. تناولا الطعام الذي قام المشرّد بشوائه في الفرن القديم .. ثم جلست جاكلين تراقبه وهو يأكل طعامه بالشوكة والسكين كرجلٍ محترم
وانتبه هو على نظراتها المندهشة , فابتسم قائلاً :
- لقد تعلّمت اصول الأتيكيت بإحدى الدورات العسكرية , فحلمي كان الإنضمام الى الفرقة الملكية البريطانية .. فبالرغم انني عشت معظم حياتي في أميركا , لكن الميتم اخبرني ان امي من اصولٍ بريطانية
- وهل تعرف من هي امك ؟!
- نعم .. فأنا يتيم ولست لقيطاً .. فوالدي توفيّ بحادث عندما كانت امي حاملاً بي .. اما هي فقد توفيت بالسرطان وانا في عمر الثالثة
- آسفة لحدوث ذلك
- لا تهتمي .. (تنهد بضيق) لقد حاولت كثيراً البحث عن اقارب امي في بريطانيا لكن دون جدوى .. ربما كانت يتيمة هي الأخرى , من يدري ! اساساً تعوّدت على خيبات الأمل , وظلم الناس لي
- لا تلمّ نفسك .. فأنت لم تفعل ايّ شيءٍ خاطىء ..بل رفضك لأوامر العسكرية الجائرة دليلٌ على روح الإنسانية التي تمتلكها.. وسيأتي يوم ويعوّضك الله عن كل آلامك .. كل ما عليك فعله الآن هو التخطيط لمستقبلك والبدأ من جديد
- معكِ حق .. واعدك أن احاول من جديد فور تخطّينا لأزمة العاصفة
وهنا انتبه على وجود مذياعٌ قديم مرمياً في زاوية القبو..
- هل يعمل ذلك الراديو ؟
جاكلين : لا ادري , لم أجرّبه !
- يبدو ان زوجك من مُحبّي الأشياء القديمة
- نعم , وهذا ما يغضبني منه !
- بل هذا من حسن حظنا , فالجوّالات مُعطّلة الآن بسبب العاصفة , لهذا دعينا نستمع الى النشرة الجوية من المذياع
- حسناً اعطني ايّاه
وأخرجت بعض البطاريات من إحدى الكشّافات الثلاثة , ووضعتها في الراديو القديم .. ثم جلسا يستمعان لتحذيرات الحكومة للمواطنين في ظلّ هذه الأزمة , وهما يشربان الشايّ ويأكلان بعض الحلويات لتدفأتهما , بالأضافة للبطانيات السميكة التي يتلحّفون بها
***
وقد امضيا الوقت وهما يلاعبان القطة الصغيرة التي تعوّدت سريعاً عليهما , والتي ما ان شربت بعض الحليب حتى نامت في حضن المشرّد الذي وضعها جانباً بعد ان غطّاها بشاله القديم ..
ثم قال للسيدة :
- أسمعتي ؟!
- انا لا اسمع شيئاً
بارتياح : بالضبط ! يبدو ان العاصفة هدأت اخيراً
- اظن ذلك .. الحمد الله .. هل نصعد الآن الى فوق ؟
المشرّد : دعيني اولاً أُبعد هذه الأحجار عن الأدراج المتكسّرة
ومن ثم فتحا الباب الحديدي السميك للقبو الذي كان يفصله عن باقي المنزل
***
ولحسن حظها لم يتحطّم سوى نوافذها الزجاجية , بعكس منازل الجيران التي تهدّم جزءٌ كبير من جدرانهم !
المشرّد وهو يتفحّص البيت : إحمدي ربك سيدة جاكلين فوضع بيتك سليم
- وماذا عن النوافذ ؟ كيف سأنام في هذا البرد ؟!
- لا تقلقي , سأساعدك بتغطيتها بالأخشاب ..لكن ما ان تُفتح الطرقات ويهدأ الوضع بالبلد , حتى تحضرين بعض العمّال ليصلحوها لك ..لا تنسي ذلك
- أكيد
ثم اخرجت من جيبها مفتاح المرآب واعطته ايّاه ..
- ستجد في المرآب بعض الألواح الخشبية , كما ماكينة التقطيع .. فزوجي يهوى النِجارة
- ممتاز !!
- هل تعرف كيف تدير الماكينة ؟
- اخبرتك سيدتي بأنني اتقن جميع الأعمال اليدوية.. وسأبدأ فوراً بالعمل
وقام في البداية بأخذ مقاسات النوافذ .. ثم ذهب الى المرآب وبدأ بقصّ الواح الأخشاب الكبيرة لأحجامٍ مُناسبة .. ثم اغلق بها النوافذ المُحطّمة مُستخدماً مسدس المسامير ..
وبعد ان انتهى.. قال لها مُمازحاً :
- صار بإمكانك النوم بطمأنينة دون القلق من دخول مُتطفّل يُعكّر صفوَ يومك
- معاذ الله يا جاك .. بل ارسلك اهل ليّ لتساعدني في هذه المحنة , وسامحني ان كنت قسيت عليك في البداية
- لا الومك ابداً .. (ثم بدأ بلمّلمة العدّة) .. سأعيدها الى المرآب , ومن ثم اذهب في طريقي
- ما رأيك ان تستحمّ اولاً , وانا سأعطيك من ملابس زوجي التي ستدفأك اكثر من الملابس الرقيقة التي تلبسها , فالجوّ مازال بارداً في الخارج
- لكني لا اريد اتعابك
- هذا أقل ما يمكنني فعله لردّ الجميل
***
وبعد قليل .. صعد المتشرّد الى الطابق العلوي ليستحمّ بعد ان أعطته المنشفة والملابس..
وفي هذه الأثناء ..قامت جاكلين بوضع بعض الأغراض الضرورية داخل الحقيبة التي كان يستخدمها زوجها في رحلاته البرّية , بالإضافة لسريرٍ بلاستيكي تابع للكشّافة , كما صنعت لجاك بعض السندويشات لتساعده في رحلته ..
وعندما نزل من فوق , تفاجأت به بعد ان حلق شعره وذقنه الطويلة ! حتى انه بدا لها بثيابه الجديدة وكأنه رجلٌ من الطبقة الراقية !
- يا الهي يا جاك ! والله لم اعرفك ..تبدو وكأنك ممثل هوليوود!
مبتسماً : لا تبالغي سيدة جاكلين .. (وبعد ان شاهد الحقيبة الكبيرة) .. مالذي في يدك ؟!
- وضعت فيها بعض الحاجيات لك
- ولما اتعبت نفسك ؟
- ليتني استطيع مساعدتك اكثر
- لا تقلقي عليّ , لأني فكرت قبل قليل باستغلال موضوع الإعصار لتحسين وضعي
- لم افهم !
- سأذهب غداً الى البلدية واخبرهم بأن اوراقي الرسمية التي كنت سأقدّمها للوظيفة الجديدة طارت جميعها مع منزلي الذي اكتسحه الأعصار , وانني بحاجة ماسّة الى سكنٍ ووظيفة
- يعني تختلق لهم قصة !
- اعرف انها كذبة , لكنها ستكون بداية لإنطلاقة جديدة .. واظن ان ثياب زوجك ستساعدني كيّ ابدو لهم كرجلٍ محترم
- وانت بالفعل كذلك يا جاك
- شكراً لذوقك ..واعدك بأن لا اتكاسل في الحصول على وظيفةٍ محترمة , فلا يأس مع الحياة
- جميلٌ ان اسمع منك هذا الكلام المتفائل
وهنا ! سمعا صوت امرأة تقول لجيرانها بصوتٍ عالي , وهي تقف في الشارع :
- الحمد الله !! لقد عادت خدمة الجوّالات
وبسرعة أخرجت جاكلين جوالها لتتأكّد من الخبر
- نعم الحمد الله , هاهو يرنّ
- هل تتصلين بزوجك ؟
فهزّت برأسها موافقة ..
وكان هو على وشك الذهاب , لكنه توقف بعد سماعها تقول بارتباك :
- الو .. من انتِ ؟! ولما جوال زوجي معك ؟!
ثم سمعها تقول غاضبة :
- اريك ايها اللعين !! اتركتني اعاني وحدي في العاصفة لتقوم انت بخيانتي ؟! ..ماذا تقول ؟ لا اسمعك ..لمن صوت بكاء الطفل هذا ؟!
ثم سكتت قليلاً وهي تستمع الى إجابة زوجها .. ومن ثم بدأت الدموع تنهمر على خدّيها , مما اقلق جاك كثيراً والذي سمعها تقول لزوجها بعصبية :
- يعني الا يكفي انك مدمن عمل , وتمتلك قلباً قاسياً .. والآن تخبرني بأن لديك طفلاً من حبيبتك ! .. اللعنة عليك يا اريك !! ..لا !! اصمت واسمعني جيداً !! فور عودتك الى هنا سأطالبك بالطلاق ..ماذا ! لا تريد العودة .. هذا أفضل !! اذاً سأدعّ المحامي يُنهي اوراق زواجنا , ايها الخائن اللعين !!
ثم اغلقت الهاتف وهي مصدومةٌ تماماً ..فحاول جاك تهدأتها :
- سيدة جاكلين .. ارجوك اهدأي
وهي تمسح دموعها بعصبية : اللعين يخونني يا جاك , أتصدّق ذلك ؟!
ثم أسندت رأسها فوق صدر جاك بعد ان انهارت بالبكاء المرير , فربت على ظهرها بحنان وهو يقول لها :
- الن تعطه فرصة ثانية ؟!
- كيف يا جاك , كيف ؟! أبعد ان أصبحت لديه عائلة ! .. (ثم تنهدت بضيق) وما يؤلمني اكثر انه منعني من الإنجاب لعشرة سنوات بحجة ان عمله يتطلّب الهدوء والتركيز , لكن الغريب ان هذه المشكلة اختفت مع ابن حبيبته ! ..آه يا جاك .. لقد حرمني من ان اصبح اماً رغم معرفته جيداً بعشقي للأطفال ورغبتي في انجاب الكثير منهم !
- اذاً برأيّ عليك الحصول على ملكية هذا البيت كتسوية طلاقك من ذلك السافل
- بالتأكيد سأفعل !! فهذا المنزل من حقّي , لأنه هو من خانني وليس انا
- أحسنتِ يا فتاة !!
ثم حمل الحقيبة (التي أعدّته له) وهو يقول بتردّد : مع اني والله لا اريد ان اتركك وانت بهذه الحالة , لكن عليّ الذهاب قبل مغيب الشمس
- لحظة !! انتظرني قليلاً
ثم صعدت بسرعة الى فوق ..وعادت ومعها محفظتها ..
لكن وقبل ان تخرج منها المال , أوقفها قائلاً :
- لا !! انا لن آخذ منك مالاً .. يكفي ما أعطيتني إيّاه من اغراض
- هيا خذها يا جاك , ولا تعاندني .. فهي ستفيدك في بحثك عن الوظيفة
- لا اريد يا جاكلين .. اقصد سيدة جاكلين
الاّ انها عادت وأوقفته قبل خروجه من المنزل , قائلةً :
- جاك توقف !! إعتبرهم ديناً ترُدّه لي لاحقاً ..على الأقل هذا سيعطيني الأمل لرؤيتك مجدّداً
فابتسم لها بحنان .. ثم أخذ منها المال بتردّد :
- حسناً , واعدك بأن أردّهم لك قريباً .. وشكراً لك على كل شيء .. إعتني بقطتنا الصغيرة , سيدة جاكلين
ثم ودّعها وذهب .. بينما قامت هي بالإتصال بمحاميها لحلّ مشكلتها مع زوجها الخائن
******
وبعد مرور سنة .. تفاجأت جاكلين برجلٍ محترم بلباسه الرسمي يقف امام بابها , فقالت له دون ان تنظر اليه :
- لا شكراً , لا اريد شراء شيء
وقبل ان تغلق الباب في وجهه , قال لها :
- انا لست بمندوب مبيعات يا جاكلين !
بدهشة : من ؟ جاك ! آسفة لأني لم اتعرّف عليك .. تفضّل بالدخول
وفي الداخل .. أخبرها بأنه أخذ بنصيحتها وعمل في كشّافة المدارس .. وبخلال سنة اصبح المنظّم الرسمي لرحلات عدّة مدارس , مما سمح له بشراء منزلٍ صغير في الشارع المقابل لمنزل جاكلين ..
جاكلين : هذا رائع يا جاك !! انا سعيدة لأن امورك تحسّنت بشكلٍ ملحوظ
جاك : الحمد الله .. ماذا عنك ؟
- لقد طلّقته اخيراً , وحكم لي القاضي بالمنزل بعد ثبوت خيانة زوجي ..واعمل حالياً في المكتبة القريبة من هنا
- ولما لا تعملين في جمعيتنا ؟
- تقصد في تنظيم الرحلات المدرسية ؟
فأجابها بحماس : نعم !! وبذلك نعمل سويّاً
- وهل سيقبلونني ؟
- عزيزتي , انا مدير الجمعية .. بالتأكيد سأقبلك
- حسناً .. اعدك بأن افكّر بالأمر
- اتدرين يا جاكلين .. انا ممتنٌّ جداً لك لسماحكِ بإختبائي في منزلك يوم العاصفة
فقالت له ممازحة : لم يكن لأجلك يا جاك , بل لأجل القطة ..هل نسيت ؟
فضحك قائلاً : نعم صحيح , واين المشاغبة الآن ؟!
فنادت جاكلين القطة (بعد ان كبر حجمها) والتي نزلت من فوق الأدراج .. ..وفور رؤيتها لجاك حتى قفزت في حضنه !
جاكلين بدهشة : يا الهي .. مازالت تذكُرك !
وهو يلاعب القطة : بالطبع .. فأنا من انقذتها من العاصفة , والحيوانات وفيّة لأصحابها ..(ثم سكت قليلاً) .. اتدرين يا جاكلين .. عندما التقيت بك اوّل مرّة كنت مُحطّماً ويائساً من الحياة , وليس عندي هدف اعمل لأجله .. لكن بسببك تغيّرت كل حياتي ..فشكراً جزيلاً لك
- لا تبالغ يا جاك , فأنا لم افعل شيئاً .. بل انني مُمّتنة لعودتك الى هنا
- بالتأكيد سأعود لأردّ ديني ... أنسيتي ؟
- لا تقلّ هذا .. كان مبلغاً زهيداً
- بل دينٌ كبير , ولأجله عملت ليل نهار .. وجاء اليوم لأردّه لك .. لكني سأحتاج الى سنواتٍ طويلة لأوفّيه كاملاً لك ..هذا في حال قبلتي بعرضي
باستغراب : ايّ عرض ؟!
وفاجأها بأن جثا على ركبته , رافعاً اليها الخاتم ..وهو يقول بارتباك :
- هل تتزوجيني يا جاكلين ؟
فسكتت من شدّة الصدمة ! مما زاد من ارتباكه :
جاك : اعرف ان حجم الماسّة صغير , لكني اعدك بأن أحضر لك في المرّة القادمة ..
فإذا بها تضمّه بحنان , قائلةً :
- لوّلم تعرض عليّ الزواج الآن , لفقدّت ثقتي بجميع الرجال
- أحقاً ! ظننت انك لن تقبلي برجلٍ التقيت به مشرّداً
- بل انت لم تذهب يوماً من خيالي , وكنت البطل الذي أعانني في اسوء يومٍ مرّ بحياتي .. ومعدن الرجال الحقيقي لا يظهر الاّ في تلك الظروف الصعبة ..
وبعد ان حضنها , وضع الخاتم في يدها ..
فقالت له : من كان يُصدّق ان العاصفة ستكون سبب سعادتنا ؟!
- ستكون قصةً مثيرة نحكيها لأولادنا في المستقبل
جاكلين بدهشة : ابنائنا !
فأجابها بابتسامة أنارت وجهه : نعم !! الكثير والكثير من الأطفال الذين سندلّلهم كثيراً , ونكون أفضل والدين لهم .. اعدك بذلك حبيبتي جاكلين
فارتمت في صدره وهي تبكي دموع الفرح بعد ان تحقّقت امنيتها بالزواج من زوجٍ شهم ووالدٌ حنون لأولادها التي لا تطيق صبراً لإنجابهم .
إجتمعنا بأسوء الظروف !
بعد ان انتهت من وضع بعض الحاجيات الضرورية في قبوها تحسّباً للعاصفة القادمة .. انتبهت (بعدما نظرت من نافذة الصالة) أنها لم تركن السيارة في مرآب بيتها ! فأسرعت للخارج دون ان تقفل باب المنزل .. حيث كانت الرياح في الخارج تُنذر بقُرب الإعصار من منطقتها
وبعد ان اطمأنت على سيارتها , عادت الى الداخل ..
لكن قبل ان تنزل لتحتمي في القبو , سمعت صوتاً قادماً من مطبخها !
فاقتربت ببطأ وهي تحمل عصا البيسبول , فوجدت هناك رجلاً مشرّداً يتناول بعض الخبز الذي أخرجه من الثلاجة ..
فصرخت بخوف وهي تلوّح بالعصا امامه :
- هاى انت !! ماذا تفعل في بيتي ؟!
فرفع يديه محاولاً تهدأتها :
- إهدأي سيدتي واخفضي العصا ! فأنا لم آتي لأؤذيك
- هيا اخرج من هنا حالاً , والاّ اتصلت بالشرطة !!
وفي هذه اللحظات .. بدأت النوافذ ترتجّ لقرب العاصفة من الحيّ الذي تسكن فيه ..
المشرّد بقلق : سيدتي ..ان خرجت الآن , فسيقتلني الأعصار ..هل يرضيك ذلك ؟
ومع إزدياد هبوب الرياح , كانت السيدة في حاجة ماسّة الى خطةٍ سريعة لإخراج هذا المتطفّل بثيابه القذرة من منزلها ! وما ان سمعت مواء قطة , حتى إدّعت امامه أنها نسيتها في الخارج ..
- حسنا لا تبكي سيدتي , سأنقذها لك
فقالت وهي تتظاهر بالبكاء : ارجوك بسرعة , قبل ان تقذفها العاصفة بعيداً وتموت
وما ان خرج المشرّد من بيتها حتى أقفلت بابها بإحكام ..
وبعد عودته مع القطة الصغيرة , تفاجأ بها تشير اليه (من خلف زجاج بابها) بأن يرحل بعيداً !
وكان الرجل يحاول ان يحمي وجهه من شدّة الرياح , حاضناً القطة الخائفة بكلتا يديه , فترجّاها قائلاً :
- حسناً سأذهب .. لكن ارجوك إنقذيها حتى لوّ لم تكن قطتك ..واعدك بأن أذهب في طريقي .. عليك ان تثقي بكلامي
ولم تتحمّل السيدة منظر القطة الصغيرة الخائفة , فأمسكت بقبضة بابها وهي مازالت ترفع عصا البيسبول مُهدّدة :
- سأفتح الباب وآخذها منك , لكن ان قمت بأيّةِ حركة مفاجئة فسأضربك بالعصا ..أفهمت ؟!!
فأومأ المشرّد برأسه إيجاباً..
وبعد ان أعطاها القطة .. غطّى رأسه بقبعة جاكيته الممزّق , وابتعد بخطواتٍ متثاقلة من امام بابها وهو لا يدري اين يختبأ مع إقتراب الخطر
فشعرت السيدة بتأنيب الضمير , وعادت ونادته :
- هاى انت !! تعال بسرعة .. لندخل قبل قدوم العاصفة
فركض مسرعاً نحو البيت , وهو يشكرها على منحه فرصة للنجاة
وبعد ان أقفلت باب منزلها .. قالت له :
- لن اسمح بأن تموت بسببي .. هيا بنا !! من الأفضل ان نختبأ داخل القبو المصنوع من الحجر الصلب فهو أقوى من الجدران الخشبية .. لكن ايّاك ان تضع يدك الوسخة على فرش بيتي الجديد !!
فكتم المشرّد امتعاضه من كلامها الجارح , لأن العاصفة بإمكانها قلع المنزل بما فيه , لكن حتى في ظلّ هذه الظروف الإستثنائية مازالت تشمئزّ منه , كما يفعل معظم الناس تجاه المشردين !
وأكملت قائلة بنبرة تهديد ناتجة عن شعورها بالخوف تجاه هذا الغريب :
- وان قمت بأيّ عملٍ خاطىء , فسأرديك قتيلاً بهذا المسدس
ووضعت يدها على جانب قميصها , فابتسم الرجل لأنه يعرف بأنها لا تحمل سلاحاً , لكنه فضّل السكوت والموافقة على كلامها
ثم بسرعة نزلا نحو القبو بعد ان اهتزّ المنزل بعنف أرعب كُلاً منهما
***
وكان القبو مُهيّئاً للطوارىء حيث وضعت به السيدة بعض الطعام والمعلّبات وكذلك البطّانيات ومياه الشرب وكشّافات النور
المشرّد بدهشة : هذا جيد ! يبدو انك تهيّأتِ جيداً للعاصفة ؟
- طبعاً ..الم ينذرونا بقدومها في الأخبار منذ ايام ؟
- أحقاً ! انا اليوم فقط حتى عرفت بالأمر
- الا تشاهد التلفاز ؟!
- انا مشرّد يا سيدتي .. ولوّ لم اسمع بالصدفة الناس تتكلّم في الطريق عن هذا الخطر , لبقيت في الشارع مُعتقداً انها عاصفة عادية وستمرّ كغيرها!
- الم تحذركم البلدية ؟!
فأجاب بحزن : لا احد يهتمّ بالمشردين سيدتي , ولوّ فعلوا لما تركونا نعاني من برد الشتاء
- أعانكم الله .. خذّ هذه البطانية وتدفأ جيداً
- شكراً لك
السيدة : سأعدّ لنا بعض القهوة ..
- عليك ان تسرعي قبل انقطاع الكهرباء
- لا تقلق فلديّ مولّد .. لكنه فوق بالمطبخ
- كان من الأفضل لوّ خبأته هنا
- زوجي مسافر منذ الأيام , وهو ثقيلٌ عليّ لأحمله
- عفواً على سؤالي .. لكن لما لم تذهبين مع زوجك ؟
- هو مسافر منذ شهر تقريباً .. وعندما عرف بقدوم العاصفة , فضّل البقاء هناك
بدهشة : يا ساتر ! أفضّل النجاة بنفسه على إنقاذ زوجته ؟!
- لا تحكم عليه .. فهو ارسل لي بطاقة سفر , لكن جميع الرحلات متوقفة منذ البارحة , ولهذا عدّت من المطار الى بيتي
- والله لوّ كان يريدك معه لفعل ذلك مُسبقاً , لا ان ينتظر حتى آخر لحظة
- ماذا تقصد ؟!
- لا يهمّ ..
ثم عمّ الصمت بينهما , الى ان ظهر صوتٌ قوي من فوقهم ..
فقال المشرّد :
- أسمعتي ؟ اظنّ ان العاصفة أصبحت فوقنا تماماً !
واذا بأركان المنزل ترتجّ بقوّة , مما أخاف السيدة كثيراً حيث صارت تصرخ بخوف :
- لا اريد ان اموت !! لا اريد ان اموت !!!
فرفع صوته قائلاً :
- تعالي بقربي وابتعدي عن السلالم.. هيا !!!!
لكنها تجمّدت في مكانها , فاضطر المشرّد لشدّها من يدها ليبعدها عن الدرج .. وما ان فعل ذلك , حتى تساقطت بعض الأحجار من فوق في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه !
فقالت له بارتباك وهي واقعة بالقرب منه : يا الهي ! كان رأسي سيُشجّ حتماً بتلك الحجارة ..شكراً لك يا ..
- اسمي جاك
- وانا اسمي جاكلين ..
وابتسمت في وجهه لأوّل مرّة !
***
وبعد قليل .. تفاجآ بانقطاع الكهرباء , وكردّة فعلٍ منها : صرخت بخوف مُبتعدةً عنه , وهي تترجّاه بخوف :
- ارجوك لا تؤذيني يا جاك !!
فقال بدهشة وضيق : بالطبع لن اؤذيك ! هل تظنينني رجل عصابات ؟! (وبنبرة غاضبة من شكوكها اتجاهه) .. هيا أضيئي كشّافات النور , وكفّي عن الدراما يا امرأة !
وبعد ان استردّت انفاسها مع إنارتها لنور الكشّاف الخافت , قامت بالإعتذار منه قائلة :
- آسفة .. لا ادري لما صرخت كالمجنونة هكذا ؟!
يحاول كتم غيظه : لا بأس سيدة جاكلين .. أتفهّم خوفك من غرباء .. (ثم وقف قائلاً) .. سأحاول الصعود الى فوق لأشعال المولدّ , فالجوّ سيصبح بارداً هنا مع انقطاع المدفأة الكهربائية
- لا !! انتظر قليلاً حتى تهدأ العاصفة .. فالكشّافات والبطانيات تكفينا الآن
ثم اعطته كشّافاً يدوياً .. فأخذه وبدأ يستكشف به القبو للبحث عن ايّ شيء يستفيدان منه ..فانتبه لوجود موقدٍ حديدي قديم مركوناً بأحدى الزوايا ..وعندما انتبهت جاكلين على اهتمامه بالموقد , قالت له :
- لقد اشتراه زوجي من احدى المزادات التي تُقام للأشياء القديمة .. وفي يومها تشاجرت معه بسبب هذه الخردة , وبالنهاية رميتها هنا
- بل من الجيد انه اشتراه , فهو يعمل بالحطب .. ويمكنني استخدام بقايا الدرجة الخشبية التي حطمتها الأحجار لتدفأتنا
- لكن انا وزوجي حاولنا قديماً إشعاله وفشلنا
- لا تقلقي , فأنا لديّ خبرة بالأشياء القديمة
وبالفعل استطاع بمهارة اشعال الموقد الحديدي القديم , الذي لم يستخدمانه فقط لتدفئة المكان بل للشواء عليه بعض النقانق المعلّبة
جاكلين بدهشة : من اين تعلّمت كل هذا ؟
- في الجيش علّمونا الكثير من المهارات التي تُبقينا أحياءً , فبالأضافة لفنّ الأسلحة نتعلّم ايضاً الإسعافات الأولية وطريقة إيقاد النار ومهارات ربط الحبال , وكذلك صنع ..
مقاطعة : لحظة لحظة ! هل كنت تعمل في الجيش ؟!
- نعم , وبالفرقة الخاصة ايضاً
- وكيف أصبحت مشرّداً ؟!
فسكت قليلاً وهو يتذكّر اليوم الذي تغيّرت فيه حياته :
- لقد اعطوني امراً بضرب منشأة تابعة للإرهابين , لكني رفضت تنفيذ قرار التفجير بعد معرفتي بوجود عائلات للاجئين تسكن بداخله ..ولرفضي تنفيذ الأوامر تم طردي من الجيش دون ايّ تعويض مالي , حتى انهم منعوني من العمل بأيّ فرعٍ عسكريّ آخر !
- يا الهي ! ماهذا الظلم ؟!
بحزن : هذا ما يُسمّى بقانون الغاب , سيدتي
- ولما لم تعدّ الى منزل اهلك ؟
- انا يتيم الوالدين , وتربّيت في دور الرعاية الإجتماعية .. وعندما انهيت مرحلة المتوسطة التحقت بالثانوية العسكرية , وكنت متفوقاً على الجميع ..وظننت بأن الدنيا ستبتسم لي اخيراً , لكني عدّت الآن الى نقطة الصفر !
- ولما لم تبحث عن وظيفةٍ أخرى ؟
- أتقصدين خارج السلك العسكري ؟!
- نعم
- لم افكّر يوماً بذلك !
- الا تجيد اموراً أخرى ؟
- بل أجيد كل شيءٍ يدويّ
- اذاً لماذا لا تنضمّ للكشّافة المدرسية ؟
- تقصدين ان اكون مسؤولاً عن تنظيم الرحلات البرّية لطلاب المدارس ؟
- بالضبط .. فهم سيتعلّمون منك الكثير من المهارات التي اكتسبتها من عملك في العسكرية
فسكت المشرّد قليلاً وهو يفكّر بالأمر , ثم قال لها بابتسامة : اتدرين سيدة جاكلين.. كلامك جعلني أتخيّل نفسي اجلس في البريّة برفقة المراهقين , واخبرهم بآخر الليل عن بطولاتي التي خضّتها في المعارك ..
تبتسم له : اظنّ ان هذا سيعجبهم
- اعدك أن افكّر بالموضوع , في حال خرجنا من هنا احياءً ..
***
وبعد قليل.. تناولا الطعام الذي قام المشرّد بشوائه في الفرن القديم .. ثم جلست جاكلين تراقبه وهو يأكل طعامه بالشوكة والسكين كرجلٍ محترم
وانتبه هو على نظراتها المندهشة , فابتسم قائلاً :
- لقد تعلّمت اصول الأتيكيت بإحدى الدورات العسكرية , فحلمي كان الإنضمام الى الفرقة الملكية البريطانية .. فبالرغم انني عشت معظم حياتي في أميركا , لكن الميتم اخبرني ان امي من اصولٍ بريطانية
- وهل تعرف من هي امك ؟!
- نعم .. فأنا يتيم ولست لقيطاً .. فوالدي توفيّ بحادث عندما كانت امي حاملاً بي .. اما هي فقد توفيت بالسرطان وانا في عمر الثالثة
- آسفة لحدوث ذلك
- لا تهتمي .. (تنهد بضيق) لقد حاولت كثيراً البحث عن اقارب امي في بريطانيا لكن دون جدوى .. ربما كانت يتيمة هي الأخرى , من يدري ! اساساً تعوّدت على خيبات الأمل , وظلم الناس لي
- لا تلمّ نفسك .. فأنت لم تفعل ايّ شيءٍ خاطىء ..بل رفضك لأوامر العسكرية الجائرة دليلٌ على روح الإنسانية التي تمتلكها.. وسيأتي يوم ويعوّضك الله عن كل آلامك .. كل ما عليك فعله الآن هو التخطيط لمستقبلك والبدأ من جديد
- معكِ حق .. واعدك أن احاول من جديد فور تخطّينا لأزمة العاصفة
وهنا انتبه على وجود مذياعٌ قديم مرمياً في زاوية القبو..
- هل يعمل ذلك الراديو ؟
جاكلين : لا ادري , لم أجرّبه !
- يبدو ان زوجك من مُحبّي الأشياء القديمة
- نعم , وهذا ما يغضبني منه !
- بل هذا من حسن حظنا , فالجوّالات مُعطّلة الآن بسبب العاصفة , لهذا دعينا نستمع الى النشرة الجوية من المذياع
- حسناً اعطني ايّاه
وأخرجت بعض البطاريات من إحدى الكشّافات الثلاثة , ووضعتها في الراديو القديم .. ثم جلسا يستمعان لتحذيرات الحكومة للمواطنين في ظلّ هذه الأزمة , وهما يشربان الشايّ ويأكلان بعض الحلويات لتدفأتهما , بالأضافة للبطانيات السميكة التي يتلحّفون بها
***
وقد امضيا الوقت وهما يلاعبان القطة الصغيرة التي تعوّدت سريعاً عليهما , والتي ما ان شربت بعض الحليب حتى نامت في حضن المشرّد الذي وضعها جانباً بعد ان غطّاها بشاله القديم ..
ثم قال للسيدة :
- أسمعتي ؟!
- انا لا اسمع شيئاً
بارتياح : بالضبط ! يبدو ان العاصفة هدأت اخيراً
- اظن ذلك .. الحمد الله .. هل نصعد الآن الى فوق ؟
المشرّد : دعيني اولاً أُبعد هذه الأحجار عن الأدراج المتكسّرة
ومن ثم فتحا الباب الحديدي السميك للقبو الذي كان يفصله عن باقي المنزل
***
ولحسن حظها لم يتحطّم سوى نوافذها الزجاجية , بعكس منازل الجيران التي تهدّم جزءٌ كبير من جدرانهم !
المشرّد وهو يتفحّص البيت : إحمدي ربك سيدة جاكلين فوضع بيتك سليم
- وماذا عن النوافذ ؟ كيف سأنام في هذا البرد ؟!
- لا تقلقي , سأساعدك بتغطيتها بالأخشاب ..لكن ما ان تُفتح الطرقات ويهدأ الوضع بالبلد , حتى تحضرين بعض العمّال ليصلحوها لك ..لا تنسي ذلك
- أكيد
ثم اخرجت من جيبها مفتاح المرآب واعطته ايّاه ..
- ستجد في المرآب بعض الألواح الخشبية , كما ماكينة التقطيع .. فزوجي يهوى النِجارة
- ممتاز !!
- هل تعرف كيف تدير الماكينة ؟
- اخبرتك سيدتي بأنني اتقن جميع الأعمال اليدوية.. وسأبدأ فوراً بالعمل
وقام في البداية بأخذ مقاسات النوافذ .. ثم ذهب الى المرآب وبدأ بقصّ الواح الأخشاب الكبيرة لأحجامٍ مُناسبة .. ثم اغلق بها النوافذ المُحطّمة مُستخدماً مسدس المسامير ..
وبعد ان انتهى.. قال لها مُمازحاً :
- صار بإمكانك النوم بطمأنينة دون القلق من دخول مُتطفّل يُعكّر صفوَ يومك
- معاذ الله يا جاك .. بل ارسلك اهل ليّ لتساعدني في هذه المحنة , وسامحني ان كنت قسيت عليك في البداية
- لا الومك ابداً .. (ثم بدأ بلمّلمة العدّة) .. سأعيدها الى المرآب , ومن ثم اذهب في طريقي
- ما رأيك ان تستحمّ اولاً , وانا سأعطيك من ملابس زوجي التي ستدفأك اكثر من الملابس الرقيقة التي تلبسها , فالجوّ مازال بارداً في الخارج
- لكني لا اريد اتعابك
- هذا أقل ما يمكنني فعله لردّ الجميل
***
وبعد قليل .. صعد المتشرّد الى الطابق العلوي ليستحمّ بعد ان أعطته المنشفة والملابس..
وفي هذه الأثناء ..قامت جاكلين بوضع بعض الأغراض الضرورية داخل الحقيبة التي كان يستخدمها زوجها في رحلاته البرّية , بالإضافة لسريرٍ بلاستيكي تابع للكشّافة , كما صنعت لجاك بعض السندويشات لتساعده في رحلته ..
وعندما نزل من فوق , تفاجأت به بعد ان حلق شعره وذقنه الطويلة ! حتى انه بدا لها بثيابه الجديدة وكأنه رجلٌ من الطبقة الراقية !
- يا الهي يا جاك ! والله لم اعرفك ..تبدو وكأنك ممثل هوليوود!
مبتسماً : لا تبالغي سيدة جاكلين .. (وبعد ان شاهد الحقيبة الكبيرة) .. مالذي في يدك ؟!
- وضعت فيها بعض الحاجيات لك
- ولما اتعبت نفسك ؟
- ليتني استطيع مساعدتك اكثر
- لا تقلقي عليّ , لأني فكرت قبل قليل باستغلال موضوع الإعصار لتحسين وضعي
- لم افهم !
- سأذهب غداً الى البلدية واخبرهم بأن اوراقي الرسمية التي كنت سأقدّمها للوظيفة الجديدة طارت جميعها مع منزلي الذي اكتسحه الأعصار , وانني بحاجة ماسّة الى سكنٍ ووظيفة
- يعني تختلق لهم قصة !
- اعرف انها كذبة , لكنها ستكون بداية لإنطلاقة جديدة .. واظن ان ثياب زوجك ستساعدني كيّ ابدو لهم كرجلٍ محترم
- وانت بالفعل كذلك يا جاك
- شكراً لذوقك ..واعدك بأن لا اتكاسل في الحصول على وظيفةٍ محترمة , فلا يأس مع الحياة
- جميلٌ ان اسمع منك هذا الكلام المتفائل
وهنا ! سمعا صوت امرأة تقول لجيرانها بصوتٍ عالي , وهي تقف في الشارع :
- الحمد الله !! لقد عادت خدمة الجوّالات
وبسرعة أخرجت جاكلين جوالها لتتأكّد من الخبر
- نعم الحمد الله , هاهو يرنّ
- هل تتصلين بزوجك ؟
فهزّت برأسها موافقة ..
وكان هو على وشك الذهاب , لكنه توقف بعد سماعها تقول بارتباك :
- الو .. من انتِ ؟! ولما جوال زوجي معك ؟!
ثم سمعها تقول غاضبة :
- اريك ايها اللعين !! اتركتني اعاني وحدي في العاصفة لتقوم انت بخيانتي ؟! ..ماذا تقول ؟ لا اسمعك ..لمن صوت بكاء الطفل هذا ؟!
ثم سكتت قليلاً وهي تستمع الى إجابة زوجها .. ومن ثم بدأت الدموع تنهمر على خدّيها , مما اقلق جاك كثيراً والذي سمعها تقول لزوجها بعصبية :
- يعني الا يكفي انك مدمن عمل , وتمتلك قلباً قاسياً .. والآن تخبرني بأن لديك طفلاً من حبيبتك ! .. اللعنة عليك يا اريك !! ..لا !! اصمت واسمعني جيداً !! فور عودتك الى هنا سأطالبك بالطلاق ..ماذا ! لا تريد العودة .. هذا أفضل !! اذاً سأدعّ المحامي يُنهي اوراق زواجنا , ايها الخائن اللعين !!
ثم اغلقت الهاتف وهي مصدومةٌ تماماً ..فحاول جاك تهدأتها :
- سيدة جاكلين .. ارجوك اهدأي
وهي تمسح دموعها بعصبية : اللعين يخونني يا جاك , أتصدّق ذلك ؟!
ثم أسندت رأسها فوق صدر جاك بعد ان انهارت بالبكاء المرير , فربت على ظهرها بحنان وهو يقول لها :
- الن تعطه فرصة ثانية ؟!
- كيف يا جاك , كيف ؟! أبعد ان أصبحت لديه عائلة ! .. (ثم تنهدت بضيق) وما يؤلمني اكثر انه منعني من الإنجاب لعشرة سنوات بحجة ان عمله يتطلّب الهدوء والتركيز , لكن الغريب ان هذه المشكلة اختفت مع ابن حبيبته ! ..آه يا جاك .. لقد حرمني من ان اصبح اماً رغم معرفته جيداً بعشقي للأطفال ورغبتي في انجاب الكثير منهم !
- اذاً برأيّ عليك الحصول على ملكية هذا البيت كتسوية طلاقك من ذلك السافل
- بالتأكيد سأفعل !! فهذا المنزل من حقّي , لأنه هو من خانني وليس انا
- أحسنتِ يا فتاة !!
ثم حمل الحقيبة (التي أعدّته له) وهو يقول بتردّد : مع اني والله لا اريد ان اتركك وانت بهذه الحالة , لكن عليّ الذهاب قبل مغيب الشمس
- لحظة !! انتظرني قليلاً
ثم صعدت بسرعة الى فوق ..وعادت ومعها محفظتها ..
لكن وقبل ان تخرج منها المال , أوقفها قائلاً :
- لا !! انا لن آخذ منك مالاً .. يكفي ما أعطيتني إيّاه من اغراض
- هيا خذها يا جاك , ولا تعاندني .. فهي ستفيدك في بحثك عن الوظيفة
- لا اريد يا جاكلين .. اقصد سيدة جاكلين
الاّ انها عادت وأوقفته قبل خروجه من المنزل , قائلةً :
- جاك توقف !! إعتبرهم ديناً ترُدّه لي لاحقاً ..على الأقل هذا سيعطيني الأمل لرؤيتك مجدّداً
فابتسم لها بحنان .. ثم أخذ منها المال بتردّد :
- حسناً , واعدك بأن أردّهم لك قريباً .. وشكراً لك على كل شيء .. إعتني بقطتنا الصغيرة , سيدة جاكلين
ثم ودّعها وذهب .. بينما قامت هي بالإتصال بمحاميها لحلّ مشكلتها مع زوجها الخائن
******
وبعد مرور سنة .. تفاجأت جاكلين برجلٍ محترم بلباسه الرسمي يقف امام بابها , فقالت له دون ان تنظر اليه :
- لا شكراً , لا اريد شراء شيء
وقبل ان تغلق الباب في وجهه , قال لها :
- انا لست بمندوب مبيعات يا جاكلين !
بدهشة : من ؟ جاك ! آسفة لأني لم اتعرّف عليك .. تفضّل بالدخول
وفي الداخل .. أخبرها بأنه أخذ بنصيحتها وعمل في كشّافة المدارس .. وبخلال سنة اصبح المنظّم الرسمي لرحلات عدّة مدارس , مما سمح له بشراء منزلٍ صغير في الشارع المقابل لمنزل جاكلين ..
جاكلين : هذا رائع يا جاك !! انا سعيدة لأن امورك تحسّنت بشكلٍ ملحوظ
جاك : الحمد الله .. ماذا عنك ؟
- لقد طلّقته اخيراً , وحكم لي القاضي بالمنزل بعد ثبوت خيانة زوجي ..واعمل حالياً في المكتبة القريبة من هنا
- ولما لا تعملين في جمعيتنا ؟
- تقصد في تنظيم الرحلات المدرسية ؟
فأجابها بحماس : نعم !! وبذلك نعمل سويّاً
- وهل سيقبلونني ؟
- عزيزتي , انا مدير الجمعية .. بالتأكيد سأقبلك
- حسناً .. اعدك بأن افكّر بالأمر
- اتدرين يا جاكلين .. انا ممتنٌّ جداً لك لسماحكِ بإختبائي في منزلك يوم العاصفة
فقالت له ممازحة : لم يكن لأجلك يا جاك , بل لأجل القطة ..هل نسيت ؟
فضحك قائلاً : نعم صحيح , واين المشاغبة الآن ؟!
فنادت جاكلين القطة (بعد ان كبر حجمها) والتي نزلت من فوق الأدراج .. ..وفور رؤيتها لجاك حتى قفزت في حضنه !
جاكلين بدهشة : يا الهي .. مازالت تذكُرك !
وهو يلاعب القطة : بالطبع .. فأنا من انقذتها من العاصفة , والحيوانات وفيّة لأصحابها ..(ثم سكت قليلاً) .. اتدرين يا جاكلين .. عندما التقيت بك اوّل مرّة كنت مُحطّماً ويائساً من الحياة , وليس عندي هدف اعمل لأجله .. لكن بسببك تغيّرت كل حياتي ..فشكراً جزيلاً لك
- لا تبالغ يا جاك , فأنا لم افعل شيئاً .. بل انني مُمّتنة لعودتك الى هنا
- بالتأكيد سأعود لأردّ ديني ... أنسيتي ؟
- لا تقلّ هذا .. كان مبلغاً زهيداً
- بل دينٌ كبير , ولأجله عملت ليل نهار .. وجاء اليوم لأردّه لك .. لكني سأحتاج الى سنواتٍ طويلة لأوفّيه كاملاً لك ..هذا في حال قبلتي بعرضي
باستغراب : ايّ عرض ؟!
وفاجأها بأن جثا على ركبته , رافعاً اليها الخاتم ..وهو يقول بارتباك :
- هل تتزوجيني يا جاكلين ؟
فسكتت من شدّة الصدمة ! مما زاد من ارتباكه :
جاك : اعرف ان حجم الماسّة صغير , لكني اعدك بأن أحضر لك في المرّة القادمة ..
فإذا بها تضمّه بحنان , قائلةً :
- لوّلم تعرض عليّ الزواج الآن , لفقدّت ثقتي بجميع الرجال
- أحقاً ! ظننت انك لن تقبلي برجلٍ التقيت به مشرّداً
- بل انت لم تذهب يوماً من خيالي , وكنت البطل الذي أعانني في اسوء يومٍ مرّ بحياتي .. ومعدن الرجال الحقيقي لا يظهر الاّ في تلك الظروف الصعبة ..
وبعد ان حضنها , وضع الخاتم في يدها ..
فقالت له : من كان يُصدّق ان العاصفة ستكون سبب سعادتنا ؟!
- ستكون قصةً مثيرة نحكيها لأولادنا في المستقبل
جاكلين بدهشة : ابنائنا !
فأجابها بابتسامة أنارت وجهه : نعم !! الكثير والكثير من الأطفال الذين سندلّلهم كثيراً , ونكون أفضل والدين لهم .. اعدك بذلك حبيبتي جاكلين
فارتمت في صدره وهي تبكي دموع الفرح بعد ان تحقّقت امنيتها بالزواج من زوجٍ شهم ووالدٌ حنون لأولادها التي لا تطيق صبراً لإنجابهم .