الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

رسالة الإنتحار المرعبة !

تأليف : امل شانوحة

ضميري يقتلني !!!

((لا استطيع تحمّل المزيد !!!! فلم يعدّ هناك مكاناً كافياً لدفن الجثث !  وبرُغم أعدادهنّ الكثيرة الاّ ان ليندا وحدها تصرّ على ملاحقتي , مع انها قُتلت منذ سنواتٍ طويلة ! فلما لا أرى من بين تلك النسوة , سوى وجهها الشاحب المخيف ؟! حقاَ لم يعدّ في إمكاني تحمّل تأنيب الضمير , لهذا قرّرت اليوم ان ألتقي بهنّ جميعاً في الجحيم .. الوداع ايتها الدنيا التعيسة بكلّ ما أعطيتني من ذكرياتٍ لعينة))

قرأ المحقق هذه الرسالة الورقية مرّاتٍ عدّة دون ان يفهمها ! فلما كتبها هذا الشاب قبل ان يشنق نفسه مباشرةً عبر شاشة الفيسبوك , حيث شاهدها الآلاف ؟! لكن لا احد من متابعين قناته المريبة قرأ مضمون رسالة انتحاره التي أربكت جهاز الشرطة التي أعطت الإذن بتفتيش منزل الشاب تفتيشاً دقيقاً للبحث عن بقايا الضحايا الذي أعترف ضمنياً في رسالته بقتلهنّ ... فأين يا ترى أخفى جثث النساء , ومن يكونوا ؟!
***

ومرّ شهرٌ كامل .. تمّ البحث فيه بكل جزءٍ من منزل الشاب المنتحر , حتى انهم حفروا قبو بيته لثلاثة امتار , وكسروا كل الجدران الداخلية , لكنهم مع هذا لم يجدوا أثراً لأيةِ جثة ! 
فلما كذب في رسالته الأخيرة ؟ امّ انه قام بدفنهنّ في مكانٍ آخر ؟! 
وهذا ما كان يخطر في بال المحقق , خاصة ان منزل الشاب يقع قرب غابةٍ صغيرة مُهملة (موجودة بأطراف القرية) .. 
وقد حصل المحقق على الإذن بتفتيش الغابة مُستعيناً بفرقة خاصة من الشرطة مع كلابها المدرّبة .. لكنهم ايضاً لم يجدوا ايّ شيءٍ مريب هناك ! 
***

وبمرور الوقت .. أُغلقت القضية من قِبل ادارة الشرطة بحجة ان المنتحر كان مضطرباً عقلياً , لكن مع هذا ظلّ حدس المحقق يقنعه بأن ما كُتِبَ في رسالة الإنتحار صحيحاً .. 
***

وبعد يومين من اغلاق القضية .. ذهب المحقق مجدداً الى الغابة التي تمّ نبش ارضها بالكامل , وهناك اقترب منه رجلاً كبير في السن :
- هل بامكاني سؤالك .. مالذي كانت تفعله الشرطة بالغابة طوال الشهرين الماضيين ؟

لكن المحقق لم يرغب في اخباره بفرضيّة الجثث لأنه لم يُردّ إثارة البلبلة في القرية , مع انعدام وجود الأدلة .. فسأل العجوز قائلاً :
- إخبرني اولاً ..هل انت من السكّان القدامى للقرية ؟ فأنا نُقلت الى مركزكم منذ وقتٍ قصير ..
العجوز : نعم انا عشت هنا طوال حياتي , وأعرف تقريباً كل شخصٍ فيها
- جيد .. وهل تعرف الشاب الذي انتحر منذ ثلاثة اشهر ؟ 
العجوز : نعم , لكنه كان قليل الكلام .. وهو اصلاً غريب عن القرية
المحقق باهتمام : ماذا تقصد ؟!

- هو قِدمَ الينا منذ سنة فقط .. من القرية المجاورة , على ما اعتقد ..لكنه كان منعزلاً عن الجميع .. حتى ايام الاعياد كان يحبس نفسه في المنزل !
- وماذا كان يعمل ليعيش ؟ 
- سألته مرة .. وقال ان عمله كلّه على الإنترنت , ولهذا لا يخرج كثيراً !

فشكره المحقق على هذه المعلومات المهمّة .. وعاد الى مكتبه في مركز الشرطة للبحث عن عنوان منزل الشاب في القرية الثانية .. وقد وجده بعد بحثٍ طويل 
***

وفي اليوم التالي .. ذهب المحقق الى هناك.. وبعد ان وصل الى مكتب رئيس البلدية في القرية الثانية , سأله عن هويّة الشاب المنتحر .. فعرف منه معلوماتٍ غريبة ! 
فالشاب كان لقيطاً تم تبنّيه من قِبل زوجين لا يُنجبان .. وقد توفيت امه في عمر الخامسة , وظلّ يعيش مع والده بالتبني الى ان رحل من منزله دون رجعة !

المحقق : أتقصد ان والده توفي , ام انه رحل من القرية ؟!
رئيس البلدية : لا احد يعلم ما حصل له , ولا حتى ابنه ! .. اساساً هو كان رجلاً سكّيراً ووالداً قاسياً , لهذا اصبح ابنه مضطرباً نفسياً .. ولذلك لم أتفاجىء حين أخبرتني بانتحاره لأنها النتيجة المتوقعة لتربية والده العنيفة معه , هذا عدا عن موقع منزلهما المخيف !  
المحقق باهتمام : ماذا تعني ؟!
- كانت عائلته في البداية تعيش في وسط القرية كأغلبية السكّان , لكن بعد وفاة ام الصبي انتقل الأب مع ابنه الصغير الى بيتٍ مهجور موجود قرب حقول الذرة  
المحقق : غريب ! وبيت الشاب في القرية التي أعمل بها موجوداً ايضاً قرب غابةٍ مهجورة ..فلما يختارا دائماً الأماكن البعيدة عن البشر ؟!

رئيس البلدية : لا ادري , لكن جارتي أخبرتني يوماً : بأنها رأت الشاب يخرج من حقل الذرة ليلاً , وبيده مجرفة .. ومن بعدها لم نعد نرى والده  في القرية !
- أتظنّ انه قام بدفنه هناك ؟!
- من الأفضل ان تستعين بالكلاب المدرّبة لتعرف هذا الجواب 
- سأفعل .. سؤال أخير .. هل هناك فتيات في منطقتكم إختفينّ خلال السنوات الماضية ؟

ففكّر رئيس البلدية قليلاً , ثم أجاب : 
- نعم .. فتاتين .. منذ سبعة سنوات تقريباً .. وكانتا سيئتا السمعة .. وكنّ نلقبهما ((بمشاغبتيّ القرية)) 
- آه فهمت .. وهل هناك مفقودات غيرهما ؟ 
- نعم .. فقبل سنواتٍ طويلة .. لا أدري متى بالضبط .. أتت الينا حافلة مُحمّلة بالبنات الرخيصات للإحتفال برأس السنة عندنا .. وقد أحدث هذا بلبلة وغضب لدى العائلات المحترمة في قريتي
- وماذا حصل لهنّ ؟

- أختفت من بينهنّ فتاةٌ آسيوية ! مما أرعب الباقيات , فهربنّ من منطقتنا قبل يومٍ واحد من الإحتفال المُنظّم .. وقد ارتاح الجميع من رحيلهنّ المفاجىء , حتى انني سمعت أحدهم يقول : بأن هذا سيعلمهنّ درساً كيّ لا يفكّروا ثانيةً بتوسيخ سمعة بلدتنا  
- وهل تذكر من قال هذه العبارة بالضبط ؟
فسكت رئيس البلدية قليلاً , ثم قال : 
- آه نعم , تذكّرت !! .. لقد قالها والد الشاب المنتحر !  
المحقق بابتسامة وبارتياحٍ شديد : وهذا ما أردّت معرفته !!
***

وقد استطاع المحقق فتح القضية من جديد بعد اكتشافه لهذه المعلومات الجديدة المهمّة , لكنه وعد مديره بأنه سيغلق الموضوع ثانيةً في حال لم يجد ايةِ جثة خلال شهرين .. 

ومع بداية الأسبوع .. بدأ تفتيش عناصر الشرطة لمنزل والد الشاب , كما في حقل الذرة القريب من منزلهما المهجور ..
وبعد اربعة ايام فقط .. وجدوا أول جثة مدفونة في الحقول , وكانت لفتاةٍ رخيصة اختفت منذ مدة !
وبعدها بأيام .. وجدوا فتاةً ثانية ..

وبنهاية الشهرين .. لم تجد الشرطة فقط الجثث الثلاثة , بل ايضاً 17 جثة  اخرى ! وقد أرسلت عظامهنّ الى المشرحة لمعرفة هويتهنّ .. 
كما تمّ نشر هذه المعلومات في كافّة مراكز الشرطة القريبة من منطقة الجريمة لمعرفة اسماء المفقودات من النساء , فوالد الشاب كان يعمل سائق شاحنة لنقل المنتجات الغذائية من المدينة الى القرى المجاورة , وربما أقلّ معه تلك الفتيات ليقوم لاحقاً بالإعتداء عليهنّ , ومن ثم قتلهنّ ودفنهنّ بالحقل القريب من منزله ..
وفي حال كان هذا صحيحاً , فما هو دور الإبن ؟ هل كان يساعده بالإعتداء والقتل ؟ ام انه إكتفى بالتخلّص من الجثث ؟ كما رأته الجارة يفعل ذلك المساء ! 

وقد ظهرت الإجابة مع اكتشاف جثةً مدفونة في قبو منزل والده , حيث أظهر التشريح إنها الأقدم بين الجثث , وقتلت منذ عشرين سنة ! 
وهذا يؤكّد بأن الوالد هو من قام بقتلهنّ , لأن الشاب حينها كان مايزال في الخامسة من عمره .. لكن هل شهِدَ مقتلها , بما انها الوحيدة التي دُفنت في قبو المنزل ؟! .. ولمن تعود صاحبة الجثة الأولى ؟ 

وهنا تذكّر المحقق مضمون رسالة المنتحر , فسأل الشرطي الذي يعمل معه :
- هل هناك فتاة ليل فُقدت منذ عشرين سنة , اسمها ليندا ؟
- سأقوم بالبحث فوراً , سيدي

وبالفعل وجدوا تقريراً قديماً للشرطة في مركز المدينة , حيث ابلّغ فيه القوّاد عن ضياع أحد بنات مرقصه اثناء تواجدهم في هذه القرية قبيل احتفالات رأس السنة (كما اخبره سابقاً رئيس البلدية) وهي من اصولٍ آسيوية واسمها ليندا.. 
المحققّ وهو ينظر الى صورتها : يبدو ان روحها لاحقت الشاب طوال حياته , الى ان أجبرته أخيراً على الإنتحار !  
الشرطي : لكنه كان طفلاً حين ماتت , فهل يُعقل ان يقوم الوالد بتعذيبها وقتلها امام ناظريّ ابنه الوحيد ؟! 
المحقق : لا تنسى انه ابنه بالتبني , وكما قالت لي جارتهم : انه اخبرها مرّة بأنه كرِه تماماً فكرة التبنّي , لكن زوجته المرحومة هي من أرغمته على تحمّل هذه المسؤولية المتعبة !  

الشرطي : وبعد وفاة زوجته وجد نفسه عالقاً مع طفلٍ صغير , خاصة ان عمله يتطلّب منه السفر طوال الوقت
- نعم صحيح .. ولهذا كان يضعه عند جارته التي أخبرتني : بأنه كان صبياً مشاكساً , يحب قلع رؤوس الدمى لبناتها .. حتى انه مرّة رمى بقطتهم من اعلى السلم دون احساسٍ بالذنب !
- أتظنّه كان يحاول تقليد والده ؟! 
المحقّق : لا ادري .. لكني مازلت اشعر بأن الشاب لم يقتل احداً بل قام فقط بدفنهنّ , ولهذا لم نجد جثثاً في منزله الثاني بقريتنا .. وسأحاول إثبات هذه الفرضية للجميع
***

وقد عاد المحقق الى القرية (التي يعمل بها) كيّ يبحث في غرفة الشاب التي انتحر فيها .. فوجد من ضمن اغراضه : دفتراً صغير كتب عليه بعض مذكراته ..وكان أهم ما قاله هو عن ضحية والده الأولى :

(( اللعنة !! لقد رأيت ليندا مجدداً ! فلما لم تبقى الملعونة بمنزل والدي ! وكيف عرفت بعنواني الجديد ؟! 
فقد رأيتها البارحة في منامي , وهي تعاتبني مجدداً لأنني لم اساعدها ..لكن كيف افعل وانا كنت وقتها ولداً صغيراً ! هل كانت تظن انه بإمكاني التبليغ عن والدي خلال سجنه لها لأسبوعاً كاملاً في قبو منزلنا ؟! الا يكفي انني كنت مُجبراً على سماع صراخها المرعب طوال الليل ! 
ووالله حاولت انقاذها اكثر من مرة , وترجّيته كثيراً لكيّ يتركها في حال سبيلها , لكنه دائماً كان يجيبني : بأنه لابدّ التخلّص من الفتيات الرخيصات لتطهير مجتمعاتنا من هذه القذارة .. 

لكن ما يحزنني حقاً هو انني شاهدت لحظة موتها ! 
كان ذلك في منتصف ليلةٍ باردة , حين نزلت الى القبو لأطلب من والدي التوقف عن تعذيبها كيّ انام قليلاً , فشاهدتها تفلت من بين يديه لتحبو بألم على الدرج , وقد امتلأ وجهها بالدماء بعد ان فقأ ابي عينها .. لكنها سقطت فجأة قرب قدمي حين غرز فأسه في رأسها !  
ومازلت أتذكّر الى اليوم نظرة عينها الواحدة , قبل ان تتحوّل الى عينٍ بيضاء بعد خروج روحها .. 
يا الهي كم اكره والدي !! فهو من أجبرني على دفنهنّ الواحدة تلوّ الأخرى .. وقد امتلأ الحقل بجثثهنّ المشوّهة ! 
والأسوء انني كلما حفرت قبراً جديداً , كنت أجد ليندا واقفة بقربي وهي تراقبني بعينها التي لم تفقأ ! 

وحتى بعد قتلي لوالدي , لم تسامحني ! فماذا عسايّ ان أفعل كيّ تتركني ليندا بسلام ؟ وما ذنبي ان أعيش في الجحيم بسبب افعال والدي السكّير ..فأنا لم اقتل في حياتي سوى هذا المجرم .. فلما لا يرتاح ضميري ؟!
كم اتمنى ان يساعدني احد , قبل ان اموت بذنبٍ ليس بذنبي !))

وبعد قراءة المحقق لهذه المذكرات , أصدر أمراً لفريقه بالعودة الى تلك القرية من جديد للبحث عن جثة والد الشاب المفقودة (بعد ان تذكّر ما قاله له رئيس بلديتها عن يوم اختفاء الوالد)..

وقد وجدوه بعد ساعاتٍ من البحث مدفوناً خلف المنزل المهجور , على بعد امتارٍ قليلة من حقل الذرة 
لكن الغريب في الأمر انه لم يكن مقتولاً , بل أظهر تقرير التشريح انه توفيّ بسبب افراطه بشرب الخمور الذي أتلف كبده ! 
فلما كان الشاب يعترف بمذكراته بشيءٍ لم يفعله ! 

وكانت الإجابة عن هذا السؤال عند الطبيب النفسي التابع لمركز الشرطة , حيث أخبر المحقق قائلاً :
- يبدو ان الشاب كان يشعر بتأنيب الضمير لعجزه عن ايقاف الأعمال الإجرامية لوالده , ومع الوقت صار يتخيّل بأنه هو من قام بقتلهنّ جميعاً .. وبعد وفاة والده بشكلٍ طبيعي صار يُقنع نفسه بأنه تصرّف كالأبطال بقتله لوالده الظالم .. لكنه بالحقيقة لم يرتكب ايّ ذنب سوى إخفاء الجثث , مُجبراً من قِبل والده

المحقق : بل ذنبه اكبر من ذلك , لأنه كان بإمكانه ابلاغ الشرطة لتوقيف والده عند حدّه , لكنه فضّل السكوت .. وهذه ايضاً جريمة تستوجب العقاب .. فكما تعرف .. الضحايا لم تكنّ جميعها لبنات الليل , بل بعضها يعود الى فتياتٍ قاصرات هربنّ من منزل عائلاتهنّ لسببٍ او لآخر , وسوء حظهنّ جمعهنّ بوالد الشاب على الطريق السريع .. ولوّ كنّا استطعنا القبض عليهما , لكنّا عاقبنا كلا الوالد والإبن على هذه الجرائم 

الطبيب : وهو عاقب نفسه بالفعل عن طريق الإنتحار ..
فأوما المحقق برأسه موافقاً وهو يقول : هذا صحيح .. (ثم يتنهد بضيق).. اعتقد بأن ليندا وصاحباتها ينتقمنّ الآن منه ومن والده في الجحيم .. 
الطبيب بحسرة : وهذه قصة من بين آلاف القصص التي يدفع فيها الأبناء اخطاء آبائهم .. فيالها من دنيا قاسية وغير عادلة التي نحياها !
***

وقد تم لاحقاً إغلاق القضية ببراءة الشاب , وإسناد جميع الجرائم والتهمّ الى والده الذي كان محظوظاً بأنه لم تنلّ منه يدّ العدالة .. لكنه حتماً سيُنفّذ به حكم العدالة الإلهيّة في يوم الحساب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...