تأليف : امل شانوحة
خرجت النادلة راشيل من عملها المسائي في منتصف الليل , متوجهة للشارع الرئيسيّ لإيقاف سيارة اجرة ..
وهناك شعرت برجلٍ مشرّد سكران يمشي خلفها بخطواته المترنّحة وهو يراقبها بعينيه الحمراوتين , مما أشعرها بالخوف .. فقرّرت التوجّه لشارعٍ فرعي مظلم لم تمشي فيه من قبل , هرباً منه ..
وحين دخلته , قال لها المشرّد محذّراً :
- انتبهي !! من يدخل هناك لا يخرج ابداً
ورغم ذهابه في حال سبيله , الا انها اكملت سيرها لعلمها بوجود زقاقٍ صغير يوصلها الى مترو الأنفاق ..
وحين وصلت الى مبنى قيد الإنشاء , إنتبهت للافتة صغيرة تشير الى محل جزارة أُفتتح حديثاً قرب موقف السيارات التابع للمبنى .. فنزلت الى الكراج عبر ممرٍّ دائريّ طويل , بإضاءةٍ خافتة على جوانبه ..
وحين وصلت لمحل ركن السيارات , وجدته خالياً !
فقالت في نفسها , وهي تنظر الى ساعتها :
- الوقت متأخّر , ربما الملحمة مغلقة الآن
لكنها اكملت سيرها مُتتبعة اشارات الأسهم ..الى ان وصلت الى سرداب في آخره بابٌ حديديّ مكتوباً عليه : ((ملحمة الطلبات الخاصّة))
وكان بإحدى جانبيّ الممرّ : واجهة صغيرة تطلّ على خلفيّة المتجر
وقبل ان تدقّق النظر لما يوجد خلف الزجاج الأسود , أُضيء نورٌ أحمر فوق الباب الرئيسيّ جعلها تقترب نحوه , دون الإنتباه للرجل الذي كان يطرق بخوف على الزجاج للفت انتباهها , قبل أن يُصاب بساطورٍ رُميّ على ظهره , لتتناثر دمائه على كامل الزجاج المُعتم!
وحين دخلت راشيل لداخل الملحمة .. وجدتها صغيرة الحجم , حيث تحوي فقط ثلاجتين كبيرتين لعرض اللحوم .. فأخذت تنظر للمنتجات الى حين قدوم البائع ..
وبعد عشر دقائق , نادت بعلوّ صوتها :
- الا يوجد أحدٌ هنا ؟!!
فخرج اللّحام مسرعاً من الداخل , بردائه الأبيض الملطّخ بالدماء ! قائلاً بارتباك :
- آسف لم اسمعك , كنت أضع العجل في الثلاجة
- لا بأس
فسألها بقلق :
- هل انت من اعضاء الملحمة ؟
- ماذا تقصد ؟
اللّحام : يعني هل دخلتي الى هنا ببطاقة المتجر ؟
- لا , لكني وجدت الباب مفتوحاً
فتمّتم بضيق : يبدو هناك عطلاً بالقفل الخارجيّ !
وهنا أشارت راشيل الى لحمةٍ طويلة مع عظمها معروضة في ثلاجة اللحوم , وسألته ممازحة :
- عفواً ما هذه ؟! انها تشبه أذرعتنا
فاصتنع الإبتسامة : لا طبعاً .. هي قدم غزال
- لم ارى لحم غزال من قبل .. لونه ورديّ , وبه الكثير من العضل !
- نعم , لكنه لذيذٌ للغاية
- أحقاً !
ثم نظرت لبقية اللحوم المعروضة ..
- لما تبدو لحومكم مختلفة عن بقية الأسواق ؟ ..أقصد من ناحية الشكل واللون !
اللّحام : يا آنسة .. هذا متجر للأغنياء فقط
- لم افهم !
- نحن نبيع لحوماً نادرة
راشيل : تقصد جميعها لحوم غزلان ؟
- لا , هناك لحوم لحيواناتٍ نادرة .. فماهو طلبك بالتحديد ؟
- كنت اريد لحماً مفروماً لشطائر الهمبرجر .. لكني أخاف ان اطلب , ويكون سعرها غالي
اللّحام : هي بالفعل غالية .. فهذه العيون مثلاً..
راشيل مقاطعة بدهشة : لحظة ! تبدو كأنها عيون بشريّة
اللّحام بارتباك : لا طبعاً ..
- بالعادة عيون المواشي تشبه عيون القطط , اليس كذلك ؟
اللّحام : انها عيون اسماكٍ كبيرة ونادرة
- أتبيعون الأسماك ايضاً ؟ لكني لا ارى هنا سوى اللحوم !
فتجاهل كلامها , وأكمل قائلاً :
- المهم ... سعر العين الواحدة ب 50 دولار
- هذا كثير !
اللّحام : اسعارنا تبدأ من هذا المبلغ
راشيل : وماهو أغلى شيء عندكم ؟
- القربان الكامل ب 5000 الآف دولار
راشيل باستغراب : قربان !
اللّحام بتلعثم : أقصد .. جاموسٌ كامل
- ومن يريد شراء هذه الكمية من اللحوم ؟
- يشتريها من لديه حفلة شواء كبيرة , ان لم يكن لديك مانع !!
- ولما تتكلّم معي بهذه العصبية ؟!
فتنهّد اللّحام بضيق : إسمعي يا آنسة .. الوقت متأخر , وأنصحك بالعودة الى بيتك
- هل تطردني من هنا ؟
- المكان لا يناسبك .. رجاءً ارحلي قبل ان يأتي اللعين مع حارسيه ..
راشيل باهتمام : من تقصد ؟
فأجابها رجلٌ عجوز من الخلف (بعد دخوله المحل) :
- يقصدني انا .. (ثم قال للّحام) .. جيمي !! عدّ الى الداخل .. وعقابك فيما بعد
اللّحام جيمي بخوف : لكن سيدي ..
العجوز بنبرةٍ آمرة : قلت إذهب !!
فدخل اللّحام الى خلفيّة الملحمة , وعلى وجهه علامات الفزع !
وهنا اقترب منها الرجل العجوز ببذلته الرسميّة , وخلفه الحارسين الشخصيين , ليسألها باهتمام :
- من دلّك على ملحمتنا يا آنسة ؟
راشيل : رأيت اللافتة وانا في طريقي الى محطة القطارات
- اليس خطراً على صبية جميلة مثلك التجوّل في الشوارع بهذا الوقت المتأخر ؟
- انا اعمل نادلة في مطعمٍ قريب من الشارع العام
- آه فهمت .. وهل ترغبين الشراء من لحومنا المميزة ؟
- كنت سأفعل , لكن موظفك أخبرني ان اسعاركم غالية بسبب ندرة لحومكم
العجوز : هي غالية بالفعل , لكن ليست نادرة .. فالفضوليون يزودونا باللحوم مجاناً
- لم افهم !
- ستفهمين بعد قليل
وأشار الى حارسيه اللذان اسرعا نحوها .. حيث أمسك احدهما ذراعيها بإحكام , بينما قام الآخر برشّ المخدّر على انفها .. ثم حملاها الى قبو الملحمة المظلم ..
وآخر ما سمعته قبل ان يُغمى عليها هو صوت العجوز يأمر حارسيه بالذهاب الى المخزن بالشاحنة لإحضار الطلبية الجديدة !
***
إستفاقت راشيل بعد قليل وهي تشعر بالدوار والغثيان , لتجد يديها مقيدتين في الحائط بالسلاسل .. فظلّت تصرخ بعلوّ صوتها :
- أنقذوني !!! هل يسمعني أحد ؟!! .. انا عالقة هنا !!!
***
بعد ساعة .. أُضيئت انوار القبو , لتظهر الأرضيّة وكأنها صُبخت بلون الدماء !
ثم نزل الرجل العجوز وحده اليها وهو يلبس رداء اللّحامين , حاملاً بيده ساطوراً كبيراً .. واقترب منها قائلاً :
- لحم الصبايا العذراوات هو المفضّل لديهم
راشيل بفزع : لحمي انا ! .. هل ستقطّع جسدي بالساطور ؟!!
- وماذا كنت تظنين اننا نبيع في ملحمتنا ؟
- أتقصد ان جميع اللحوم التي رأيتها فوق هي لحوماً بشريّة؟!
- هذا صحيح
راشيل وهي تبكي بخوفٍ شديد : يا الهي ! كيف لم تُحقّق الشرطة في اختفاء كل اولئك الضحايا ؟
العجوز : لأن معظمهم من المشرّدين والمهجّرين , والفضولين أمثالك
راشيل بغضب : ومن المتوحشين الذين يشترون منكم لحماً بشريّاً؟
- بالحقيقة هم قسمين : عبّاد الشياطين الذين يعشقون اللحم البشريّ لأنه مملّح على حسب قولهم .. فأنا لم أتذوقه حفاظاً على صحتي , ولأنني أشمئزّ من ذلك
راشيل : ومن القسم الثاني ؟
العجوز : سيحضرون خلال ثواني , فمواعيدهم دقيقة جداً .. 3 – 2 - 1 ..هاهم وصلوا !!
وإذّ بأطيافٍ ضوئية تخترق جدران القبو باتجاهها ! لتتشكّل بهيئة رجالٍ مخيفين , على رأسهم قرونٌ ضخمة وأرجلهم حوافر ماعز
فصرخت راشيل بعلوّ صوتها , وهي تنتفض فزعة !!!!
فقال لها العجوز :
- اهدأي رجاءً , فأنت تضايقين الجنّ
راشيل بصدمة وهي منهارة تماماً : الجن !
فقال لها كبيرهم : نعم , فنحن نعشق عظامكم المقرمشة
راشيل بخوف : عظامنا !
العجوز : آه نسيت ان أخبرك .. فبعد بيع لحومكم للمهوسين البشريين الذي عادة يكونوا من الأغنياء محبّي المغامرات الغريبة ..او عبّاد الشياطين كما ذكرت سابقاً , أبيع العظام لهم ..(وأشار الى الجن).. اما جلودكم , فأغلّف بها تماثيلي الخزفيّة في المعرض الذي سأفتتحه قريباً في تاريخ ..
الجني مقاطعاً : لا تطلّ الكلام يا رجل وأقطع قدمها , لنتذوّق عظامها
فردّ العجوز : برأيّ بترها سيؤدّي لهدر الكثير من دمائها الطاهرة .. لذا أقترح ان تغرزوا اسنانكم في جسدها وتمتصّوها الى آخر قطرة دمٍ فيها
الجن بحماس : فكرةٌ رائعة !
العجوز : والآن سأترككم على راحتكم .. (ثم صعد الأدراج وهو يقول).. سأنادي اللّحام لينزل اليكم بعد قليل , ويفصل لحمها عن عظمها كيّ تأخذوه معكم .. اراكم لاحقاً
وفور خروج العجوز من القبو , بدأت الجن تحلّق حولها .. وراشيل تحاول بكل قوتها الإفلات من قيودها الحديدية ..
وفجأة ! إنفتح باب الثلاجة العملاقة (الموجودة في الطرف المقابل للقبو) ليخرج منها رجلٌ محاولاً الزحف بصعوبة , وهو يجرّ خلفه مصرانه التي خرجت من جسده المبتور الى نصفين !
وعلى الفور !! طفت الجن نحوه , لتتنافس على سحب احشائه وتذوقها .. وهو يتلّوى صارخاً بألمٍ شديد ..
بهذه اللحظات .. إقترب اللّحام جيمي من راشيل بحذر وفكّ قيودها , هامساً في اذنها :
- أهربي فوراً .. هيا بسرعة !!
وانطلقت راشيل بأسرع ما يمكنها الى فوق .. لتخرج من الملحمة نحو ممرّات الكراج .. ومنه الى الشارع الفرعيّ خارج المبنى قيد الإنشاء .. وظلّت تركض بالزقاق المعتم , الى ان وصلت أخيراً للشارع العام ..
ومن حسن حظها انها رأت سيارة اجرة متوقفة على الجانب الآخر , فلوّحت بيدها ليقترب منها ..
وحين ركبت في مقاعده الخلفية , سألها السائق :
- الى اين يا آنسة ؟
راشيل وهي تنهج بفزع : أيّ مكان بعيد عن هنا .. إنطلق بسرعة , ارجوك!!
***
بعد ربع ساعة ..وفي الطريق نحو بيتها , سألته :
- هل معك جوّال يا سيد ؟
السائق : لماذا ؟
راشيل : اريد الإتصال بالشرطة , فجوّالي وقع مني في المتجر الملعون
- وهل تريدين الإبلاغ عن صاحب الملحمة الذي ينظّف المجتمع من المشردين واللصوص واولاد الشوارع ؟
فصرخت راشيل بفزع : من انت ؟!!.. أظهر وجهك حالاً
فأنزل شاله الذي كان يغطّي نصف وجهه , وأزال قبعته ليظهر ذلك العجوز المرعب !
فحاولت راشيل فتح بابها , لكنه كان موصداً باحكام ..
فضحك العجوز :
- هل كنت تظنين انني سأدعك تهربين بهذه السهولة ؟ فأنا تركتك في القبو لأمتحن أمانة لحّامي الجديد .. لكنه سيلقى مصير اللّحامين السابقين , أصحاب الضمائر الحيّة .. اما انت !! فقرّرت تحنيطك كتمثالٍ جميل في غرفة نومي
فحاولت راشيل بكل قوتها ركل الزجاج الفاصل بينها وبين السائق , لكن قواها خارت بعد اشتمامها للمخدّر الذي رُشّ على وجهها من أنبوبٍ خفيّ مُعلّق بسقف السيارة , لتسقط مغمياً عليها فوق المقاعد الخلفية .. وفور سكون حركتها , حوّل العجوز مسار السيارة عائداً لملحمته البشريّة المرعبة !
للطلبات الخاصّة فقط
خرجت النادلة راشيل من عملها المسائي في منتصف الليل , متوجهة للشارع الرئيسيّ لإيقاف سيارة اجرة ..
وهناك شعرت برجلٍ مشرّد سكران يمشي خلفها بخطواته المترنّحة وهو يراقبها بعينيه الحمراوتين , مما أشعرها بالخوف .. فقرّرت التوجّه لشارعٍ فرعي مظلم لم تمشي فيه من قبل , هرباً منه ..
وحين دخلته , قال لها المشرّد محذّراً :
- انتبهي !! من يدخل هناك لا يخرج ابداً
ورغم ذهابه في حال سبيله , الا انها اكملت سيرها لعلمها بوجود زقاقٍ صغير يوصلها الى مترو الأنفاق ..
وحين وصلت الى مبنى قيد الإنشاء , إنتبهت للافتة صغيرة تشير الى محل جزارة أُفتتح حديثاً قرب موقف السيارات التابع للمبنى .. فنزلت الى الكراج عبر ممرٍّ دائريّ طويل , بإضاءةٍ خافتة على جوانبه ..
وحين وصلت لمحل ركن السيارات , وجدته خالياً !
فقالت في نفسها , وهي تنظر الى ساعتها :
- الوقت متأخّر , ربما الملحمة مغلقة الآن
لكنها اكملت سيرها مُتتبعة اشارات الأسهم ..الى ان وصلت الى سرداب في آخره بابٌ حديديّ مكتوباً عليه : ((ملحمة الطلبات الخاصّة))
وكان بإحدى جانبيّ الممرّ : واجهة صغيرة تطلّ على خلفيّة المتجر
وقبل ان تدقّق النظر لما يوجد خلف الزجاج الأسود , أُضيء نورٌ أحمر فوق الباب الرئيسيّ جعلها تقترب نحوه , دون الإنتباه للرجل الذي كان يطرق بخوف على الزجاج للفت انتباهها , قبل أن يُصاب بساطورٍ رُميّ على ظهره , لتتناثر دمائه على كامل الزجاج المُعتم!
وحين دخلت راشيل لداخل الملحمة .. وجدتها صغيرة الحجم , حيث تحوي فقط ثلاجتين كبيرتين لعرض اللحوم .. فأخذت تنظر للمنتجات الى حين قدوم البائع ..
وبعد عشر دقائق , نادت بعلوّ صوتها :
- الا يوجد أحدٌ هنا ؟!!
فخرج اللّحام مسرعاً من الداخل , بردائه الأبيض الملطّخ بالدماء ! قائلاً بارتباك :
- آسف لم اسمعك , كنت أضع العجل في الثلاجة
- لا بأس
فسألها بقلق :
- هل انت من اعضاء الملحمة ؟
- ماذا تقصد ؟
اللّحام : يعني هل دخلتي الى هنا ببطاقة المتجر ؟
- لا , لكني وجدت الباب مفتوحاً
فتمّتم بضيق : يبدو هناك عطلاً بالقفل الخارجيّ !
وهنا أشارت راشيل الى لحمةٍ طويلة مع عظمها معروضة في ثلاجة اللحوم , وسألته ممازحة :
- عفواً ما هذه ؟! انها تشبه أذرعتنا
فاصتنع الإبتسامة : لا طبعاً .. هي قدم غزال
- لم ارى لحم غزال من قبل .. لونه ورديّ , وبه الكثير من العضل !
- نعم , لكنه لذيذٌ للغاية
- أحقاً !
ثم نظرت لبقية اللحوم المعروضة ..
- لما تبدو لحومكم مختلفة عن بقية الأسواق ؟ ..أقصد من ناحية الشكل واللون !
اللّحام : يا آنسة .. هذا متجر للأغنياء فقط
- لم افهم !
- نحن نبيع لحوماً نادرة
راشيل : تقصد جميعها لحوم غزلان ؟
- لا , هناك لحوم لحيواناتٍ نادرة .. فماهو طلبك بالتحديد ؟
- كنت اريد لحماً مفروماً لشطائر الهمبرجر .. لكني أخاف ان اطلب , ويكون سعرها غالي
اللّحام : هي بالفعل غالية .. فهذه العيون مثلاً..
راشيل مقاطعة بدهشة : لحظة ! تبدو كأنها عيون بشريّة
اللّحام بارتباك : لا طبعاً ..
- بالعادة عيون المواشي تشبه عيون القطط , اليس كذلك ؟
اللّحام : انها عيون اسماكٍ كبيرة ونادرة
- أتبيعون الأسماك ايضاً ؟ لكني لا ارى هنا سوى اللحوم !
فتجاهل كلامها , وأكمل قائلاً :
- المهم ... سعر العين الواحدة ب 50 دولار
- هذا كثير !
اللّحام : اسعارنا تبدأ من هذا المبلغ
راشيل : وماهو أغلى شيء عندكم ؟
- القربان الكامل ب 5000 الآف دولار
راشيل باستغراب : قربان !
اللّحام بتلعثم : أقصد .. جاموسٌ كامل
- ومن يريد شراء هذه الكمية من اللحوم ؟
- يشتريها من لديه حفلة شواء كبيرة , ان لم يكن لديك مانع !!
- ولما تتكلّم معي بهذه العصبية ؟!
فتنهّد اللّحام بضيق : إسمعي يا آنسة .. الوقت متأخر , وأنصحك بالعودة الى بيتك
- هل تطردني من هنا ؟
- المكان لا يناسبك .. رجاءً ارحلي قبل ان يأتي اللعين مع حارسيه ..
راشيل باهتمام : من تقصد ؟
فأجابها رجلٌ عجوز من الخلف (بعد دخوله المحل) :
- يقصدني انا .. (ثم قال للّحام) .. جيمي !! عدّ الى الداخل .. وعقابك فيما بعد
اللّحام جيمي بخوف : لكن سيدي ..
العجوز بنبرةٍ آمرة : قلت إذهب !!
فدخل اللّحام الى خلفيّة الملحمة , وعلى وجهه علامات الفزع !
وهنا اقترب منها الرجل العجوز ببذلته الرسميّة , وخلفه الحارسين الشخصيين , ليسألها باهتمام :
- من دلّك على ملحمتنا يا آنسة ؟
راشيل : رأيت اللافتة وانا في طريقي الى محطة القطارات
- اليس خطراً على صبية جميلة مثلك التجوّل في الشوارع بهذا الوقت المتأخر ؟
- انا اعمل نادلة في مطعمٍ قريب من الشارع العام
- آه فهمت .. وهل ترغبين الشراء من لحومنا المميزة ؟
- كنت سأفعل , لكن موظفك أخبرني ان اسعاركم غالية بسبب ندرة لحومكم
العجوز : هي غالية بالفعل , لكن ليست نادرة .. فالفضوليون يزودونا باللحوم مجاناً
- لم افهم !
- ستفهمين بعد قليل
وأشار الى حارسيه اللذان اسرعا نحوها .. حيث أمسك احدهما ذراعيها بإحكام , بينما قام الآخر برشّ المخدّر على انفها .. ثم حملاها الى قبو الملحمة المظلم ..
وآخر ما سمعته قبل ان يُغمى عليها هو صوت العجوز يأمر حارسيه بالذهاب الى المخزن بالشاحنة لإحضار الطلبية الجديدة !
***
إستفاقت راشيل بعد قليل وهي تشعر بالدوار والغثيان , لتجد يديها مقيدتين في الحائط بالسلاسل .. فظلّت تصرخ بعلوّ صوتها :
- أنقذوني !!! هل يسمعني أحد ؟!! .. انا عالقة هنا !!!
***
بعد ساعة .. أُضيئت انوار القبو , لتظهر الأرضيّة وكأنها صُبخت بلون الدماء !
ثم نزل الرجل العجوز وحده اليها وهو يلبس رداء اللّحامين , حاملاً بيده ساطوراً كبيراً .. واقترب منها قائلاً :
- لحم الصبايا العذراوات هو المفضّل لديهم
راشيل بفزع : لحمي انا ! .. هل ستقطّع جسدي بالساطور ؟!!
- وماذا كنت تظنين اننا نبيع في ملحمتنا ؟
- أتقصد ان جميع اللحوم التي رأيتها فوق هي لحوماً بشريّة؟!
- هذا صحيح
راشيل وهي تبكي بخوفٍ شديد : يا الهي ! كيف لم تُحقّق الشرطة في اختفاء كل اولئك الضحايا ؟
العجوز : لأن معظمهم من المشرّدين والمهجّرين , والفضولين أمثالك
راشيل بغضب : ومن المتوحشين الذين يشترون منكم لحماً بشريّاً؟
- بالحقيقة هم قسمين : عبّاد الشياطين الذين يعشقون اللحم البشريّ لأنه مملّح على حسب قولهم .. فأنا لم أتذوقه حفاظاً على صحتي , ولأنني أشمئزّ من ذلك
راشيل : ومن القسم الثاني ؟
العجوز : سيحضرون خلال ثواني , فمواعيدهم دقيقة جداً .. 3 – 2 - 1 ..هاهم وصلوا !!
وإذّ بأطيافٍ ضوئية تخترق جدران القبو باتجاهها ! لتتشكّل بهيئة رجالٍ مخيفين , على رأسهم قرونٌ ضخمة وأرجلهم حوافر ماعز
فصرخت راشيل بعلوّ صوتها , وهي تنتفض فزعة !!!!
فقال لها العجوز :
- اهدأي رجاءً , فأنت تضايقين الجنّ
راشيل بصدمة وهي منهارة تماماً : الجن !
فقال لها كبيرهم : نعم , فنحن نعشق عظامكم المقرمشة
راشيل بخوف : عظامنا !
العجوز : آه نسيت ان أخبرك .. فبعد بيع لحومكم للمهوسين البشريين الذي عادة يكونوا من الأغنياء محبّي المغامرات الغريبة ..او عبّاد الشياطين كما ذكرت سابقاً , أبيع العظام لهم ..(وأشار الى الجن).. اما جلودكم , فأغلّف بها تماثيلي الخزفيّة في المعرض الذي سأفتتحه قريباً في تاريخ ..
الجني مقاطعاً : لا تطلّ الكلام يا رجل وأقطع قدمها , لنتذوّق عظامها
فردّ العجوز : برأيّ بترها سيؤدّي لهدر الكثير من دمائها الطاهرة .. لذا أقترح ان تغرزوا اسنانكم في جسدها وتمتصّوها الى آخر قطرة دمٍ فيها
الجن بحماس : فكرةٌ رائعة !
العجوز : والآن سأترككم على راحتكم .. (ثم صعد الأدراج وهو يقول).. سأنادي اللّحام لينزل اليكم بعد قليل , ويفصل لحمها عن عظمها كيّ تأخذوه معكم .. اراكم لاحقاً
وفور خروج العجوز من القبو , بدأت الجن تحلّق حولها .. وراشيل تحاول بكل قوتها الإفلات من قيودها الحديدية ..
وفجأة ! إنفتح باب الثلاجة العملاقة (الموجودة في الطرف المقابل للقبو) ليخرج منها رجلٌ محاولاً الزحف بصعوبة , وهو يجرّ خلفه مصرانه التي خرجت من جسده المبتور الى نصفين !
وعلى الفور !! طفت الجن نحوه , لتتنافس على سحب احشائه وتذوقها .. وهو يتلّوى صارخاً بألمٍ شديد ..
بهذه اللحظات .. إقترب اللّحام جيمي من راشيل بحذر وفكّ قيودها , هامساً في اذنها :
- أهربي فوراً .. هيا بسرعة !!
وانطلقت راشيل بأسرع ما يمكنها الى فوق .. لتخرج من الملحمة نحو ممرّات الكراج .. ومنه الى الشارع الفرعيّ خارج المبنى قيد الإنشاء .. وظلّت تركض بالزقاق المعتم , الى ان وصلت أخيراً للشارع العام ..
ومن حسن حظها انها رأت سيارة اجرة متوقفة على الجانب الآخر , فلوّحت بيدها ليقترب منها ..
وحين ركبت في مقاعده الخلفية , سألها السائق :
- الى اين يا آنسة ؟
راشيل وهي تنهج بفزع : أيّ مكان بعيد عن هنا .. إنطلق بسرعة , ارجوك!!
***
بعد ربع ساعة ..وفي الطريق نحو بيتها , سألته :
- هل معك جوّال يا سيد ؟
السائق : لماذا ؟
راشيل : اريد الإتصال بالشرطة , فجوّالي وقع مني في المتجر الملعون
- وهل تريدين الإبلاغ عن صاحب الملحمة الذي ينظّف المجتمع من المشردين واللصوص واولاد الشوارع ؟
فصرخت راشيل بفزع : من انت ؟!!.. أظهر وجهك حالاً
فأنزل شاله الذي كان يغطّي نصف وجهه , وأزال قبعته ليظهر ذلك العجوز المرعب !
فحاولت راشيل فتح بابها , لكنه كان موصداً باحكام ..
فضحك العجوز :
- هل كنت تظنين انني سأدعك تهربين بهذه السهولة ؟ فأنا تركتك في القبو لأمتحن أمانة لحّامي الجديد .. لكنه سيلقى مصير اللّحامين السابقين , أصحاب الضمائر الحيّة .. اما انت !! فقرّرت تحنيطك كتمثالٍ جميل في غرفة نومي
فحاولت راشيل بكل قوتها ركل الزجاج الفاصل بينها وبين السائق , لكن قواها خارت بعد اشتمامها للمخدّر الذي رُشّ على وجهها من أنبوبٍ خفيّ مُعلّق بسقف السيارة , لتسقط مغمياً عليها فوق المقاعد الخلفية .. وفور سكون حركتها , حوّل العجوز مسار السيارة عائداً لملحمته البشريّة المرعبة !