الاثنين، 30 ديسمبر 2019

الملحمة البشريّة !

تأليف : امل شانوحة


للطلبات الخاصّة فقط 

خرجت النادلة راشيل من عملها المسائي في منتصف الليل , متوجهة للشارع الرئيسيّ لإيقاف سيارة اجرة .. 

وهناك شعرت برجلٍ مشرّد سكران يمشي خلفها بخطواته المترنّحة وهو يراقبها بعينيه الحمراوتين , مما أشعرها بالخوف .. فقرّرت التوجّه لشارعٍ فرعي مظلم لم تمشي فيه من قبل , هرباً منه ..
وحين دخلته , قال لها المشرّد محذّراً :
- انتبهي !! من يدخل هناك لا يخرج ابداً  

ورغم ذهابه في حال سبيله , الا انها اكملت سيرها لعلمها بوجود زقاقٍ صغير يوصلها الى مترو الأنفاق .. 

وحين وصلت الى مبنى قيد الإنشاء , إنتبهت للافتة صغيرة تشير الى محل جزارة أُفتتح حديثاً قرب موقف السيارات التابع للمبنى .. فنزلت الى الكراج عبر ممرٍّ دائريّ طويل , بإضاءةٍ خافتة على جوانبه .. 

وحين وصلت لمحل ركن السيارات , وجدته خالياً !
فقالت في نفسها , وهي تنظر الى ساعتها : 
- الوقت متأخّر , ربما الملحمة مغلقة الآن 

لكنها اكملت سيرها مُتتبعة اشارات الأسهم ..الى ان وصلت الى سرداب في آخره بابٌ حديديّ مكتوباً عليه : ((ملحمة الطلبات الخاصّة)) 
وكان بإحدى جانبيّ الممرّ : واجهة صغيرة تطلّ على خلفيّة المتجر 

وقبل ان تدقّق النظر لما يوجد خلف الزجاج الأسود , أُضيء نورٌ أحمر فوق الباب الرئيسيّ جعلها تقترب نحوه , دون الإنتباه للرجل الذي كان يطرق بخوف على الزجاج للفت انتباهها , قبل أن يُصاب بساطورٍ رُميّ على ظهره , لتتناثر دمائه على كامل الزجاج المُعتم!

وحين دخلت راشيل لداخل الملحمة .. وجدتها صغيرة الحجم , حيث تحوي فقط ثلاجتين كبيرتين لعرض اللحوم .. فأخذت تنظر للمنتجات الى حين قدوم البائع ..

وبعد عشر دقائق , نادت بعلوّ صوتها : 
- الا يوجد أحدٌ هنا ؟!!
فخرج اللّحام مسرعاً من الداخل , بردائه الأبيض الملطّخ بالدماء ! قائلاً بارتباك : 
- آسف لم اسمعك , كنت أضع العجل في الثلاجة
- لا بأس 
فسألها بقلق : 
- هل انت من اعضاء الملحمة ؟
- ماذا تقصد ؟
اللّحام : يعني هل دخلتي الى هنا ببطاقة المتجر ؟
- لا , لكني وجدت الباب مفتوحاً 
فتمّتم بضيق : يبدو هناك عطلاً بالقفل الخارجيّ ! 

وهنا أشارت راشيل الى لحمةٍ طويلة مع عظمها معروضة في ثلاجة اللحوم , وسألته ممازحة :
- عفواً ما هذه ؟! انها تشبه أذرعتنا  
فاصتنع الإبتسامة : لا طبعاً .. هي قدم غزال
- لم ارى لحم غزال من قبل .. لونه ورديّ , وبه الكثير من العضل ! 
- نعم , لكنه لذيذٌ للغاية 
- أحقاً !

ثم نظرت لبقية اللحوم المعروضة ..
- لما تبدو لحومكم مختلفة عن بقية الأسواق ؟ ..أقصد من ناحية الشكل واللون !
اللّحام : يا آنسة .. هذا متجر للأغنياء فقط
- لم افهم !
- نحن نبيع لحوماً نادرة 
راشيل : تقصد جميعها لحوم غزلان ؟
- لا , هناك لحوم لحيواناتٍ نادرة .. فماهو طلبك بالتحديد ؟
- كنت اريد لحماً مفروماً لشطائر الهمبرجر .. لكني أخاف ان اطلب , ويكون سعرها غالي

اللّحام : هي بالفعل غالية .. فهذه العيون مثلاً.. 
راشيل مقاطعة بدهشة : لحظة ! تبدو كأنها عيون بشريّة 
اللّحام بارتباك : لا طبعاً .. 
- بالعادة عيون المواشي تشبه عيون القطط , اليس كذلك ؟
اللّحام : انها عيون اسماكٍ كبيرة ونادرة
- أتبيعون الأسماك ايضاً ؟ لكني لا ارى هنا سوى اللحوم ! 
فتجاهل كلامها , وأكمل قائلاً : 
- المهم ... سعر العين الواحدة ب 50 دولار
- هذا كثير !

اللّحام : اسعارنا تبدأ من هذا المبلغ 
راشيل : وماهو أغلى شيء عندكم ؟
- القربان الكامل ب 5000 الآف دولار
راشيل باستغراب : قربان !
اللّحام بتلعثم : أقصد .. جاموسٌ كامل 
- ومن يريد شراء هذه الكمية من اللحوم ؟
- يشتريها من لديه حفلة شواء كبيرة , ان لم يكن لديك مانع !! 
- ولما تتكلّم معي بهذه العصبية ؟!

فتنهّد اللّحام بضيق : إسمعي يا آنسة ..  الوقت متأخر , وأنصحك بالعودة الى بيتك 
- هل تطردني من هنا ؟
- المكان لا يناسبك .. رجاءً ارحلي قبل ان يأتي اللعين مع حارسيه ..
راشيل باهتمام : من تقصد ؟

فأجابها رجلٌ عجوز من الخلف (بعد دخوله المحل) :
- يقصدني انا .. (ثم قال للّحام) .. جيمي !! عدّ الى الداخل .. وعقابك فيما بعد
اللّحام جيمي بخوف : لكن سيدي ..
العجوز بنبرةٍ آمرة : قلت إذهب !!
فدخل اللّحام الى خلفيّة الملحمة , وعلى وجهه علامات الفزع ! 

وهنا اقترب منها الرجل العجوز ببذلته الرسميّة , وخلفه الحارسين الشخصيين , ليسألها باهتمام :
- من دلّك على ملحمتنا يا آنسة ؟
راشيل : رأيت اللافتة وانا في طريقي الى محطة القطارات 
- اليس خطراً على صبية جميلة مثلك التجوّل في الشوارع بهذا الوقت المتأخر ؟
- انا اعمل نادلة في مطعمٍ قريب من الشارع العام
- آه فهمت .. وهل ترغبين الشراء من لحومنا المميزة ؟
- كنت سأفعل , لكن موظفك أخبرني ان اسعاركم غالية بسبب ندرة لحومكم 
العجوز : هي غالية بالفعل , لكن ليست نادرة .. فالفضوليون يزودونا باللحوم مجاناً 
- لم افهم !
- ستفهمين بعد قليل

وأشار الى حارسيه اللذان اسرعا نحوها .. حيث أمسك احدهما ذراعيها بإحكام , بينما قام الآخر برشّ المخدّر على انفها .. ثم حملاها الى قبو الملحمة المظلم .. 

وآخر ما سمعته قبل ان يُغمى عليها هو صوت العجوز يأمر حارسيه بالذهاب الى المخزن بالشاحنة لإحضار الطلبية الجديدة !
***  

إستفاقت راشيل بعد قليل وهي تشعر بالدوار والغثيان , لتجد يديها مقيدتين في الحائط بالسلاسل .. فظلّت تصرخ بعلوّ صوتها :
- أنقذوني !!! هل يسمعني أحد ؟!! .. انا عالقة هنا !!!
***

بعد ساعة .. أُضيئت انوار القبو , لتظهر الأرضيّة وكأنها صُبخت بلون الدماء ! 

ثم نزل الرجل العجوز وحده اليها وهو يلبس رداء اللّحامين , حاملاً بيده ساطوراً كبيراً .. واقترب منها قائلاً :
- لحم الصبايا العذراوات هو المفضّل لديهم 
راشيل بفزع : لحمي انا ! .. هل ستقطّع جسدي بالساطور ؟!!
- وماذا كنت تظنين اننا نبيع في ملحمتنا ؟
- أتقصد ان جميع اللحوم التي رأيتها فوق هي لحوماً بشريّة؟!
- هذا صحيح

راشيل وهي تبكي بخوفٍ شديد : يا الهي ! كيف لم تُحقّق الشرطة في اختفاء كل اولئك الضحايا ؟
العجوز : لأن معظمهم من المشرّدين والمهجّرين , والفضولين أمثالك
راشيل بغضب : ومن المتوحشين الذين يشترون منكم لحماً بشريّاً؟
- بالحقيقة هم قسمين : عبّاد الشياطين الذين يعشقون اللحم البشريّ لأنه مملّح على حسب قولهم .. فأنا لم أتذوقه حفاظاً على صحتي , ولأنني أشمئزّ من ذلك

راشيل : ومن القسم الثاني ؟
العجوز : سيحضرون خلال ثواني , فمواعيدهم دقيقة جداً .. 3 – 2 - 1 ..هاهم وصلوا !!

وإذّ بأطيافٍ ضوئية تخترق جدران القبو باتجاهها ! لتتشكّل بهيئة رجالٍ مخيفين , على رأسهم قرونٌ ضخمة وأرجلهم حوافر ماعز  
فصرخت راشيل بعلوّ صوتها , وهي تنتفض فزعة !!!! 
فقال لها العجوز :
- اهدأي رجاءً , فأنت تضايقين الجنّ
راشيل بصدمة وهي منهارة تماماً : الجن !
فقال لها كبيرهم : نعم , فنحن نعشق عظامكم المقرمشة
راشيل بخوف : عظامنا !

العجوز : آه نسيت ان أخبرك .. فبعد بيع لحومكم للمهوسين البشريين الذي عادة يكونوا من الأغنياء محبّي المغامرات الغريبة ..او عبّاد الشياطين كما ذكرت سابقاً , أبيع العظام لهم ..(وأشار الى الجن).. اما جلودكم , فأغلّف بها تماثيلي الخزفيّة في المعرض الذي سأفتتحه قريباً في تاريخ ..  
الجني مقاطعاً : لا تطلّ الكلام يا رجل وأقطع قدمها , لنتذوّق عظامها

فردّ العجوز : برأيّ بترها سيؤدّي لهدر الكثير من دمائها الطاهرة .. لذا أقترح ان تغرزوا اسنانكم في جسدها وتمتصّوها الى آخر قطرة دمٍ فيها  
الجن بحماس : فكرةٌ رائعة !
العجوز : والآن سأترككم على راحتكم .. (ثم صعد الأدراج وهو يقول).. سأنادي اللّحام لينزل اليكم بعد قليل , ويفصل لحمها عن عظمها كيّ تأخذوه معكم .. اراكم لاحقاً 

وفور خروج العجوز من القبو , بدأت الجن تحلّق حولها .. وراشيل تحاول بكل قوتها الإفلات من قيودها الحديدية .. 

وفجأة ! إنفتح باب الثلاجة العملاقة (الموجودة في الطرف المقابل للقبو) ليخرج منها رجلٌ محاولاً الزحف بصعوبة , وهو يجرّ خلفه مصرانه التي خرجت من جسده المبتور الى نصفين !

وعلى الفور !! طفت الجن نحوه , لتتنافس على سحب احشائه وتذوقها .. وهو يتلّوى صارخاً بألمٍ شديد ..

بهذه اللحظات .. إقترب اللّحام جيمي من راشيل بحذر وفكّ قيودها , هامساً في اذنها :
- أهربي فوراً .. هيا بسرعة !!

وانطلقت راشيل بأسرع ما يمكنها الى فوق .. لتخرج من الملحمة نحو ممرّات الكراج .. ومنه الى الشارع الفرعيّ خارج المبنى قيد الإنشاء .. وظلّت تركض بالزقاق المعتم , الى ان وصلت أخيراً للشارع العام .. 

ومن حسن حظها انها رأت سيارة اجرة متوقفة على الجانب الآخر , فلوّحت بيدها ليقترب منها .. 
وحين ركبت في مقاعده الخلفية , سألها السائق :
- الى اين يا آنسة ؟
راشيل وهي تنهج بفزع : أيّ مكان بعيد عن هنا .. إنطلق بسرعة , ارجوك!!
***

بعد ربع ساعة ..وفي الطريق نحو بيتها , سألته :
- هل معك جوّال يا سيد ؟
السائق : لماذا ؟
راشيل : اريد الإتصال بالشرطة , فجوّالي وقع مني في المتجر الملعون 
- وهل تريدين الإبلاغ عن صاحب الملحمة الذي ينظّف المجتمع من المشردين واللصوص واولاد الشوارع ؟
فصرخت راشيل بفزع : من انت ؟!!.. أظهر وجهك حالاً 

فأنزل شاله الذي كان يغطّي نصف وجهه , وأزال قبعته ليظهر ذلك العجوز المرعب !
فحاولت راشيل فتح بابها , لكنه كان موصداً باحكام ..

فضحك العجوز :
- هل كنت تظنين انني سأدعك تهربين بهذه السهولة ؟ فأنا تركتك في القبو لأمتحن أمانة لحّامي الجديد .. لكنه سيلقى مصير اللّحامين السابقين , أصحاب الضمائر الحيّة .. اما انت !! فقرّرت تحنيطك كتمثالٍ جميل في غرفة نومي

فحاولت راشيل بكل قوتها ركل الزجاج الفاصل بينها وبين السائق , لكن قواها خارت بعد اشتمامها للمخدّر الذي رُشّ على وجهها من أنبوبٍ خفيّ مُعلّق بسقف السيارة , لتسقط مغمياً عليها فوق المقاعد الخلفية .. وفور سكون حركتها , حوّل العجوز مسار السيارة عائداً لملحمته البشريّة المرعبة !

الأحد، 29 ديسمبر 2019

اسماء القصص الفخورة بها حتى الآن

تأليف : امل شانوحة


خلاصة عملي ل 22 سنة ! 

كتبت قصتي الأولى في سن 19 .. وبدأت النشر في هذه المدونة مع بداية عام 2016 .. والى الآن يوجد فيها ولله الحمد اكثر من (300) منشور .. جميعها من وجهة نظري لا بأس بها .. لكن هناك قصص انا فخورة بها , وكتبتها هنا للقرّاء الجدّد مع نهاية العام الرابع للمدونة .. وهي من الأحدث للأقدم .. أتمنى ان تعجبكم :  

- ارواحٌ ثائرة (قصة قصيرة)
- سيرة حياة عزرائيل (دينية)
- لغز نفسي (قصة نفسيّة)
- المستوى التالي (قصة رياضية) 
- كورونا (مستوحاة من أحداث واقعية)
- إفناء البشريّة (واقعية) 
- غريبوا الأطوار ...(قصة مخيفة)
- النرجسيّة ...(قصة نفسيّة)
- زائرٌ فضائيّ ...(خيال علمي)
- سوق المشرّدة ...(دراما اجتماعية)
- المول المهجور ...(مخيفة)
- يأجوج ومأجوج ...(دينية)
- عالم الحشرات المخيف ...(خيال علمي)
- عاشق القهوة ...(فانتازيا)
- شيطانٌ في الجنة ...(قصة قصيرة)
- الحب والحرب ...(رومنسية)
- للراغبين في الإنتحار ...(مخيفة)
- المصعد المسكون ...(مخيفة)
- حياةٌ بلا جريمة ...(آكشن)
- الطبّاخ الصغير ...(اطفال)
- هلوسة الإعتقال ...(نفسيّة)
- سبقٌ صحفي ...(دراما اجتماعية)
- لعبة المجرمون ...(آكشن)
- زيارةٌ عابرة ...(دراما اجتماعية)
- السفينة المهجورة ...(مخيفة)
- تجارب اداء مخيفة ...(مخيفة)
- زواج القصّر ...(دراما اجتماعية)
- إنسانٌ بلا هويّة ...(دراما اجتماعية)
- ارواح في مهبّ الريح ...(رومنسية)
- إنتحار العشّاق ...(رومنسية)
- شاهدة على المجّزرة ...(حروب)
- قلبي محرمٌ عليك ...(دراما الحروب)
- نهاية أغنى رجل في العالم ...(مستوحاة من احداث حقيقية)
- جزيرة ابليس ...(مخيفة)
- رواية الصديق الخيالي ...(رواية) 
- معاناة عانس ...(دراما اجتماعية) + (مُتضمنّة شعر من تأليفي)
- إحتلال منزل ...(مخيفة)
- السجين الهارب ...(دراما اجتماعية)
- تدمير العقول ...(قصة طويلة)
- يوميات ابليس ...(دينية)
- آلام الحرب ...(حروب)
- المشعوذة ...(مخيفة)
- طفلة في المصعد ...(دراما اجتماعية)
- القنّاص والأشباح ...(حروب)
- ابني الزومبي ...(مخيفة)
- الطفلة والسفّاح ...(مخيفة)
- الحافلة المظلمة ...(بوليسية)
- رداء الإخفاء ...(دراما اجتماعية)
- طبّاخة السجن ...(دراما اجتماعية)
- الملاك الصغير ...(دراما اجتماعية)

وهناك قصة اعمل عليها حالياً , سأنهي بها هذا العام .. وسأحاول نشرها قريباً بإذن الله .. دمتم جميعاً بخير 

الخميس، 26 ديسمبر 2019

سفّاح المنشار

تأليف : امل شانوحة


 
أنقذيني أرجوكِ !!

إستيقظت جسيكا في منتصف الليل على صرخات امرأة خارج منزلها , وهي تطرق الباب بهستيريا :
- إفتحي بسرعة يا جسيكا قبل ان يقتلني اللعين !!!
وفجأة ! خفت صراخها مع ارتفاع صوت المنشار الكهربائي 

وحين نظرت جسيكا بخوف من منظار الباب , رأت ظهر المرأة وهي تترجّى رجلاً مقنّعاً (يحمل منشاراً) بأن لا يقتلها .. لكنه قام بقطع ذراعها اليمنى , ليتلطّخ المنظار بالدماء .. وبعد عدة صرخاتٍ مُفزعة , إختفى صوت المرأة مع انطفاء المنشار ! ..فعلمت جسيكا بأنها قُتلت 

وبعد دقيقتين .. سمعت جسيكا صوت محرّك السيارة تبتعد عن المكان .. فأسرعت الإتصال بالشرطة , وهي تقول بصوتٍ متهدّجٍ خائف :
((الو شرطة .. اعتقد ان هناك جثة امرأة امام بيتي .. ارجوكم اسرعوا الى هنا , قبل عودة سفّاح المنشار))
***

وكانت جسيكا خائفة لدرجة انها لم تفتح الباب للشرطة قبل إزالتهم الجثة بذراعها المبتور , ورأسها المفصول عن جسدها !

وبعد قيامهم بذلك , فتحت لهم بوجهها الشاحب وهي منصدمة من كمية الدماء التي لطّخت بابها , حتى سالت فوق الدرجات الثلاث لبيتها ! 

ورغم سوء حالتها النفسيّة , الا ان المحقّق أصرّ على اجراء تحقيقٍ معها لمعرفة ملابسات الحادث ..
***

بعد ساعة من التحقيق ..
جسيكا : أخبرتك سيدي بأنني لم افتح لها الباب لأنني خفتُ على ولديّ التوأمين , فهما مازالا في أشهرهما الأولى .. والقاتل يحمل منشاراً كهربائي , وبيتي خشبيّ كما ترى .. ففزعت في حال أنقذتها ان يقتحم بيتي ويقتلنا جميعاً .. لهذا أبقيت الباب موصداً  
المحقق : اذاً نريدك ان تأتي غداً الى المشرحة لتري رأس القتيلة كيّ ..
جسيكا مقاطعة بفزع : محالٌ ان أفعل !!

المحقّق : اهدأي سيدتي , علينا ان نعلم ان كنت تعرفينها ام لا 
- لا اظن ذلك
- الم تخبريني قبل قليل انك رأيتي ظهرها فقط من منظار الباب ؟
جسيكا : نعم , لكني متأكدة انها امرأة مجهولة التجأت الى بيتي لأنه بعيد عن بقية المنازل .. فأنا سكنت هنا منذ طلاقي , يعني شهرين فقط ..واهالي القرية لا يعرفونني جيداً 
- حسناً , سنكمل تحقيقنا لاحقاً .. حاولي ان تنامي قليلاً 
- هذا ان استطعت النوم اصلاً 
***

في اليوم التالي .. إنتشر خبر الجريمة في ارجاء القرية , والذي أغضبهم تقاعس جسيكا عن إنقاذ المرأة من قاتلها الغامض.. 
وفي غضون ايام .. لاحظت جسيكا نظراتهم العتابيّة اثناء تسوّقها من محلاّتهم الشعبية ..

وانفجر الوضع بعد اسبوع حين رفض صاحب السوبرماركت البيع لها , فصرخت امام المتسوقين بغضب :
- ماذا كنتم تريدونني ان افعل ؟!! هل أُعرّض طفلايّ للخطر لأجل امرأة لا اعرفها ؟

فأجابتها عجوز : ضعي نفسك مكانها , ماذا سيكون شعورك في لحظاتك الأخيرة في حال رفض أحدنا إنقاذ حياتك ؟
امرأة ثانية بتهكّم : اكيد روح المسيكنة ستلعنك للأبد !! 
وقال البائع لها : اساساً انت غريبة عنّا , ولوّ كنت من اهل القرية لتحلّيت ببعض اخلاقنا الحميدة
وقالت امرأة ثالثة : لا عجب انك امرأة مطلّقة
فخرجت جسيكا من المحل مقهورة وهي تكتم دموعها بصعوبة ..
***

بعد اسبوعين ..زراتها صديقتها القديمة (التي تعرّفت عليها في معهد التمثيل في قريتها الثانية) والتي سألتها :
- اشعر بالقلق عليك وعلى ابنائك بعد ان أخبرتني بقصة السفّاح 
جسيكا بقهر : ديانا ..هل برأيك ما فعلته كان خاطئاً ؟
- لا ابداً .. انت أمّ بالنهاية , وفضّلتي سلامة اطفالك على إنقاذ إمرأة لا تعرفينها 
جسيكا باستغراب : لكن يبدو انها تعرفني جيداً , فهي نادتني بإسمي!

ديانا : ربما هي من سكّان القرية 
جسيكا : لا ! فعمدتهم عاين الجثة في المشرحة , وأكّد بأنها غريبة عنهم
- ربما هي من بنات الليل , وهربت من زبونٍ مجنون 
- لا توجد هكذا نسّوة بالقرية , فجميعهنّ محافظات .. ثم ما أعلمها بإسمي؟
ديانا : لا ادري !.. المهم .. تموين منزلك سيكون من واجباتي لحين انتهاء الأزمة 
- لا , سيكون صعباً عليك القدوم الى هنا كل اسبوع ..(ثم تنهّدت بضيق).. عليّ إيجاد حلٌ آخر كيّ يسمحوا لي التسوّق من متاجرهم 
- وكيف ؟
جسيكا : الست بارعة بالتمثيل ؟
ديانا باهتمام : بماذا تخطّطين ؟ 
***  

في نهاية الأسبوع .. دخلت جسيكا وهي تجرّ عربة طفليها الى الحفلة السنوية للقرية التي بها أكشاك الطعام الشعبية .. فنظر الجميع اليها باشمئزاز .. حتى انها سمعت النسّوة يقولونّ بصوتٍ مسموع :
- مالذي أحضرها الى هنا ؟
- الم ترحل بعد عن قريتنا ؟!

لكنها تجاهلت تعليقاتهم المسيئة , وأخذت تتجوّل بهدوء بين المتاجر دون ان تُقدم على الشراء , لعلمها المُسبق برفضهم البيع لها  

بهذه الأثناء .. دخلت ديانا السوق دون ان يلاحظها احد .. 
وبعد قليل اشترت تفاحة مغطاة بالسكر , ليرتفع صوت حشرجتها وهي تلوّح بيديها بارتباك .. فعلم الجميع انها تختنق ! 

فأسرعت جسيكا نحوها , وضغطت بقوة على معدتها ..لتبصق ديانا اللقمة  العالقة بصعوبة وهي تتنفّس الصعداء 

وهنا فاجأهم العمدة بالتصفيق لجسيكا على شجاعتها , مما أجبر البقية على التصفيق لها ايضاً ! 

وبدورها قامت ديانا باحتضانها وهي ممتنّة على إنقاذها حياتها (وكأنها لا تعرفها بتاتاً !) .. وبعد ان تطمّأنت بأن الباعة سمحوا لجسيكا الشراء منهم تنفيذاً لأوامر العمدة , خرجت ديانا من الحفلة بهدوء بعد نجاح الخطة .. دون علمها بأن طليق جسيكا متواجداً هناك , والذي تفاجأ من تعامل جسيكا البارد لصديقتها المقرّبة ! فعلم بأنها حيلة بينهما لإرضاء الأهالي , وقد استفزّه ذلك كثيراً  
***

بعد تلك الحادثة , تقرّبت النسوة اكثر من جسيكا واللآتي لاحظنّ مع مرور الوقت بأنها طيبة القلب , وأن عدم إنقاذها لتلك المرأة كان خوفاً من السفّاح وليس إنعداماً في اخلاقها ..

بعد شهر , ومع بداية المساء .. تلقّت الشرطة إتصالاً من مجهول :
((الو شرطة .. انا سفّاح المنشار .. قتلت امرأة اخرى في الغابة .. فتعالوا لأخذ طفليها , فأنا لا اقتل سوى النّسوة))
وأنهى المكالمة .. 

فأسرعت الشرطة الى هناك , لتجد جسيكا مبتورة الى نصفين في مقعدها .. بينما طفليها يبكيان في المقاعد الخلفية .. فأخذوهما الى المركز ..واتصلوا بطليقها الذي أتى مسرعاً من القرية المجاورة لاستلامهما))

وحزنت القرية على موتها المفاجىء .. الا ان كلام السفّاح جعل النسوة تلتزم بيوتها مع غروب الشمس ! 
*** 

بعد شهر .. وفي القرية المجاورة .. اوقف جاك سيارته مساءً فوق الجسر ليسكر مع صديقه .. وحينها أخبره بالحقيقية ..
فقال صديقه مرتعباً : ماذا ! أأنت سفّاح المنشار ؟!
جاك : نعم .. فتلك الليلة أصرّت عشيقتي الغبية على فضح علاقتنا السرّية لطليقتي , بعد قراري الإنفصال عنها 
الصديق : لكنك طلّقت جسيكا قبل شهرين من حادثة المنشار ! 

جاك : نعم .. لكن المحكمة لم تحكم لها بنصف ثروتي بعد ان أكّد الشهود الذين رشوتهم بأنني زوجٌ مثالي , بعكسها .. لهذا خفت في حال علمت بأني خُنتها اثناء زواجنا بأن تستخدم شهادة عشيقتي لإفلاسي .. لكني الآن تخلّصت من عشيقتي وزوجتي , وأبقيت على ثروتي .. بالإضافة لحصولي على حضانة اولادي .. 
صديقه معاتباً : لكن ما فعلته ظلم بأطفالك , فأنت حرمتهم من امهم التي ..
جاك مقاطعاً بنبرة تهديد : كلمة ثانية وستجد الشرطة اشلاءك تطفو في النهر

فسكت الصديق ممتعضاً ..وضحك جاك ساخراً :
- يبدو انني أخفتك كما أخفت اهالي القرية الساذجة الذين جعلتهم ينامون في اول المساء كالدجاج .. وبصراحة أعجبني الموضوع كثيراً .. حتى ان لقب سفّاح المنشار يليق بي .. وأفكّر ان أقوم بمغامراتٍ ثانية في المستقبل القريب , الى ان يصبح المنشار رمزاً أبدياً لي  

وضحك بهستيريا , تاركاً صديقه بحيرةٍ شديدة بين الإبلاغ عن صديقه المجنون , او النجاة بحياته دون الإكتراث بمصير الضحايا الجدّد ! 
وانتم !! ماذا ستفعلون لوّ كنتم مكانه ؟  

السبت، 21 ديسمبر 2019

العقاب العادل

تأليف : امل شانوحة

إنتقام الضحايا من المجرمين

في وقت الظهيرة .. عمّ التوتّر اجواء المحكمة في انتظار حكم القاضي بقاتل جاكلين , أجمل مراهقة في القرية .. ليصدر الحكم بسجنه خمس سنواتٍ فقط ! ممّا أغضب والد الفتاة الذي فاجأ الجميع بقفزه على القاتل وخنقه بكل ما أوتيّ من قوة .. ولولا تدخل الشرطي جون لإبعاده في الوقت المناسب , لمات القاتل بين يديه.. 

ثم اسرع الحرس بإخراج المجرم من القاعة , لاقتياده لاحقاً الى سجن القرية .. بينما حاولت عائلة الضحية تهدئة الوالد المكلوم بصعوبة ! الى ان قام الطبيب بحقنه بإبرة تُسكّن إنفعالاته الغاضبة , وسط انهيار زوجته وبقية اولاده بالبكاء  
***

في مساء اليوم التالي .. تفاجأ والد الضحية بزيارة الشرطي جون لمنزله , والذي طلب محادثته على انفراد 

وداخل سيارة جون .. قال له الأب غاضباً :
- ما كان عليك إنقاذ القاتل من بين يديّ !!
جون : ومن قال انني فعلت
- لم افهم !
جون : اتيت اليوم لأسألك ان كنت تريد الإنتقام منه 
- ولما اذاً ابعدتني عنه ؟
- لأن محامي الدفاع التابع للمدينة كان متواجداً في المحكمة , وهو سيُطالب حتماً بمحاكمتك في حال قتلته .. فأنت تعلم بأن قوانين المدينة تُرجّح صالح المُدان على الضحيّة 
- مازلت لم افهم قصدك !

جون : اذاً سأختصر الكلام .. هل تريدني ان أقتل لك ذلك اللعين ؟
الوالد بدهشة : أحقاً !
- نعم , وفي المقابل عليك ان تدفع لرجالي ثمن العملية 
- الا يخالف ذلك قوانين عملك ؟ خاصة انك من سكّان المدينة! 
جون : طبعاً , لكني أبٌ مثلك .. وقدمت لقريتكم قبل سنتين للإنتقام من قاتل ابنتي الذي أُعتقل في سجنكم  
الوالد باستغراب : وهل ابنتك قُتلت ايضاً ؟!
جون بحزن : للأسف , بعد ان خُطفت لعشر سنوات .. ولأجلها دخلت سلك الشرطة للبحث عنها , بعد إغلاق قضيتها .. 
- وهل قتلته بنفسك ؟

جون : لم اردّ تلويث يديّ بدمائه القذرة .. لهذا استخدمت اثنين من المدمنين ليعذّبانه امام عينيّ حتى الموت , بعد ان رشوتهما بمخدّر سرقته من مخزن الشرطة .. ومن يومها اصبحا من رجالي المخلصين , وهما من سيساعداني للإنتقام من قاتل ابنتك .. وأعدك ان أصوّر لك الحادثة كاملةً 
الأب بعصبية : لا !! تصويره لن يكفيني .. اريد قتله بيديّ هاتين 
- هذا أمرٌ صعب ! فكيف سأدخلك السجن ؟
- دبّر الموضوع بطريقتك , وسأضاعف لك المكافئة 

ففكّر جون قليلاً , قبل ان يقول : 
- حسناً , لكن ليس الآن .. سننتظر شهراً آخر كيّ ينسى الناس ما فعلته بالمحكمة .. وحين أنتهي من وضع الخطة , أتصل بك
الأب : سأنتظر مكالمتك على أحرّ من الجمر
*** 

بعد شهر .. إتصل جون بالأب في آخر الليل , طالباً منه الخروج من المنزل دون إيقاظ عائلته .. 

وفي سيارة جون , اعطاه كيساً بداخله بذلة الشرطة وهو يقول :
- اعتقد ان المقاس يناسبك
الوالد باستغراب : وهل ستدخلني السجن بهيئة شرطي ؟!
جون : لا حلٌّ آخر .. وهذه بطاقتك المزوّرة .. والآن غيّر ملابسك في المقاعد الخلفيّة , فقد اوشكنا على الوصول  
***

في السجن .. إستطاع جون إدخال الأب الى عنابر المساجين .. ثم نزلا الى القبو الذي يحوي الغسّالات الضخمة .. وطلب منه الإنتظار هناك

بعد قليل .. أحضر السجينان (مساعديّ جون) القاتل مُقيداً بالسلاسل  وعلى رأسه غطاءً اسود أزاله جون ليظهر القاتل مُكمّم الفم , وعلى وجهه علامات الفزع ! 
فقال له جون :
- أتدري من الرجل الذي يقف هناك ؟ انه والد الضحية الذي اراد قتلك في المحكمة 

فحاول القاتل الهرب بكل قوته .. الا ان السجينان أمسكاه بإحكام , وربطاه بالكرسي..  
ثم أعطى جون الأب عصاته البوليسية , وهو يقول :
- هو لك , أقتله كما تشاء 

فانهال الأب الغاضب ضرباً بالعصا الحديدية على اطراف القاتل , فكسرها .. ثم هشّم رأس المجرم بضرباتٍ قوية متتالية دون رحمةٍ او شفقة!
وهنا أمسك جون يد الأب وهو يقول :
- لقد مات .. يمكن التوقف الآن

فابتعد الأب عن الجثة المشوّهة وهو ينفث انفاسه الغاضبة , وقد تلوّثت ثيابه بالدماء ..
ثم طلب جون من السجينين العودة الى زنزانتهما دون التفوّه بكلمةٍ واحدة , والا سينالان العقاب ذاته ..

وبعد ذهابهما , أعطى جون كيساً للأب وهو يقول :
- كنت متأكداً انك ستحتاج الى بذلة نظيفة اخرى .. هيا بدّل ملابسك بسرعة لأعيدك الى بيتك
الأب : وماذا عن هذا الحقير ؟
جون : سندعه هنا الى ان يجده الحارس غداً .. ولا تقلق , فقد عطّلت كاميرا القبو في اول المساء .. والآن لنخرج من هنا فوراً
*** 

في الطريق ..قال له الأب :
- لا أصدّق اننا نفّذنا المهمّة بهذه السهولة !
جون : هذا لأنني خطّطت جيداً للموضوع كي لا نثير الشبهات .. المهم كيف تحسّ الآن ؟
فتنهّد الأب بسعادة : أشعر براحةٍ شديدة , وكأن روح ابنتي تحوم من حولي وهي ممتنّة لانتقامي لها
جون : ممتاز ..... هآقد اقتربنا من بيتك .. لا اريد تنبيهك ثانيةً بإخفاء الأمر عن عائلتك واصدقائك , والا سنقع كلانا في ورطةٍ كبيرة
الأب : لا تقلق , سرّك في بئر
ونزل الى بيته , بعد دفعه للمبلغ المتفق عليه ..

لاحقاً , إكتشف الحرس جثة القاتل في القبو .. واعتبرت الإدارة مقتله  شجاراً بين السجناء , وأُغلقت القضية !
***

وفي الشهور التالية عمّ السلام والهدوء على القرية , الى ان قبضت الشرطة على تاجر مخدرات إستهدف المراهقين .. مما اغضب الأهالي الذين رفضوا حكم القضاء بنقله الى سجن المدينة .. 

فاتفق جون معهم على عقابٍ عادل يناسب جريمته بعد تدميره مستقبل خمسة من شبابهم اليافعين.. حيث اقترح أحد الآباء (داخل اجتماعٍ سرّي) بإجبار التاجر على بلع حبوب المخدّر حتى الموت
ووافق بقية الأهالي على اقتراحه بشرط ان يصوّر لهم جون الحادثة بكل تفاصيلها , والذي قال لهم :
- لا تقلقوا , فالمخدرات التي مسكناها معه مازالت في مخزن الشرطة .. وسأحرص أن يبتلعها الواحدة تلوّ الأخرى الى ان تنفجر عروقه 

احد الآباء : ومتى ستنفّذ الأمر ؟
- في نهاية الأسبوع , فمعظم حرّاس السجن يأخذون إجازتهم في عيد الميلاد .. وحينها أنفّذ الأمر داخل مخزن الشرطة , ليظهر وكأن التاجر اقتحم المكان بسبب إدمانه , فقتل نفسه بالجرعة الزائدة .. 
الجميع بارتياح : فكرةٌ ممتازة !!
*** 

بعد ايام .. شكرته الأهالي عقب مشاهدتهم الفيديو المصوّر للتاجر وهو يبكي مرتجفاً اثناء بلعه المخدرات تحت تهديد سلاح جون , الى ان تقيأ دماً .. وظلّ جسده ينتفض بقوة , حتى اسلم الروح ! 

وقد وصل خبر مقتله الى بقية تجار المخدرات الذين فرّوا هرباً من اهالي القرية الذين احتفلوا مع جون برأس السنة وهم ممتنون لخدماته الجبّارة
*** 

لكن أمن القرية إهتزّ مجدداً عند قدوم مغتصب سابق للعيش بينهم بعد اطلاق سراحه من سجن المدينة , مما اغضب الأهالي الذين طالبوا برحيله على الفور .. لكن جون لم يستطع تنفيذ طلبهم لعدم ارتكابه أيّ جرم ..وبالوقت نفسه , عيّن رجاله للتناوب على مراقبته .. 

وبعد ثلاثة شهور .. استطاع جون القبض عليه بعد ملاحقة سيارته التي احتجز فيها الطفلة المختطفة..
ثم اقتاد المغتصب المُقيد الى كنيسة القرية , تحت تهديد السلاح .. 
وهناك قال لهم جون :
- جيد انني أمسكته باللحظة المناسبة قبل قيامه بالفعلة الشنيعة .. امّا الصغيرة فسلّمتها لجدتها قبل وصولنا الى هنا

فصفعت ام الطفلة المجرم بعصبية :
- يا لعين !! ماذا تريد من فتاةٍ لم تبلغ السابعة بعد ؟!
جون : اهدأي رجاءً .. ولأنك ام الضحية اريدك ان تقرّري عنا نوعية عقابه 
الأم بغضب : اريد تحويله لإمرأة , طالما انه لا يستطيع التحكّم برغباته القذرة !!

فوافق الجميع على اقتراحها .. فصرخ المغتصب بخوف :
- لا رجاءً لا تقطعوا ..
الكاهن بحزم : أسكت والا قطعنا لسانك ايضاً !! 
جون : ايها الطبيب قم بواجبك 

فأمسك الرجال المجرم بإحكام , ليقوم الطبيب بالعملية تحت انظار الأهالي الذين شعروا بارتياحٍ كبير لنيله العقاب العادل .. 

ثم رمى جون المجرم (الغائب عن الوعيّ) في غرفة بفندقٍ رخيص خارج القرية .. ومن يومها لم يره احد .. 

وهذه الحادثة جعلت بقية المتحرشين يتجنبون الإقتراب من القرية التي اشتهرت بعقابها العنيف للمنحرفين ! 
***

وحديث الناس عن بطولات جون وصلت لأسماع قاضي القرية الذي طالب برؤيته على عجل ..
وباجتماعٍ مغلق , قال له غاضباً :
- من واجبي ان اعاقبك على مخالفتك القانون !!
جون : عن أيّ قانون تتحدّث , سيدي !.. هل برأيك ترك متحرشٍ سابق يعيش قرب اطفال القرية هو قرارٌ سليم ؟ او ارسالكم تاجر مخدرات الى سجن المدينة هو عقابٌ عادل بعد تدميره لكل اولئك الشباب ؟!  

القاضي : أعلم بأن افعالك الغريبة هي ردّة فعل لموت ابنتك
جون بعصبية : وانا لست نادماً على قتلي لذلك الحقير !!
- يبدو انك لم تترك لي خيار سوى ارسال تقريرٍ عن افعالك المتطرّفة لمحكمة المدينة ليتخذوا القرار المناسب بحقك
- لكن سيدي !

وهنا تلقى القاضي إتصالاً من زوجته التي كانت تبكي بحرقة..
((مابك يا امراة ! لما تبكين هكذا ؟.. ماذا حصل لإبنتي , تكلّمي !! .. يا الهي ! ..حسناً , انا قادمٌ اليك))
جون باهتمام : ماذا هناك سيدي ؟!

القاضي وهو ينهج بخوف : احدهم خطف ابنتي اثناء ذهابها للجامعة , واتصل بزوجتي قبل قليل يُطالبها بالفدية
جون : دعني أحلّ لك المشكلة
القاضي بعصبية وحزم : انت إبقى في مكانك ولا تتحرّك , أفهمت؟!!
***

ولم يلتقي جون بالقاضي الا في اليوم التالي , حيث وجده منهاراً تماماً 
- ماذا حصل سيدي ؟
القاضي بقلق : اللعين طالبني بمئة الف دولار والا سيرسل لي اصبع ابنتي ! لهذا تكلّمت مع السمسار لبيع منزلي بأسرع وقتٍ ممكن
- لا داعي لذلك سيدي , يمكنني حلّ المشكلة
- وكيف ؟ 
جون : هل تريد ان ترى اشلاء الخاطف تنفجر امام عينيك ؟ 
القاضي باستغراب : ماذا تقصد ؟!
جون بابتسامةٍ ماكرة : ستعلم هذه الليلة
***

وقام جون بالتخطيط مع رجاله لوضع دولاراتٍ مزيفة (موجودة في مخزن الشرطة , التابعة لأحد المزورين المقبوض عليهم) داخل حقيبةٍ جلدية , وفي اسفلها قنبلة موقوته .. 
ولاحقاً اتفق جون مع الخاطف على موعد تسليم الفدية , بشرط إحضاره ابنة القاضي وقت التسليم 

وانتظر القاضي في سيارته (المتوقفة فوق الجسر) لمراقبة جون اثناء توصيله المال المزوّر للخاطف , بعد ان استلم منه الصبية التي كانت ترتجف بقوة ..

وبعد ان إبتعدا عن المكان .. جلس الخاطف سعيداً في سيارته بعد رؤيته لرزم الأوراق المالية المُكدّسة في الحقيبة.. 

وقبل تحرّكه .. أشار جون بيده للقاضي من بعيد , ليقوم بالضغط على جهاز التحكّم .. 
فضغط القاضي بيده المرتجفة على زرّ الجهاز , لتنفجر سيارة الخاطف الى اجزاءٍ صغيرة تطايرت في كل مكان !

من بعدها .. أسرع القاضي باكياً لاحتضان ابنته , وهو يسألها مرتعباً :
- هل اذاك اللعين ؟
- لا ابي , انا بخير 

وبعد ان هدأ روعهما , اقترب منهما جون قائلاً :
- الحمد الله على سلامتها 
فنظر اليه القاضي نظرة شكر , قبل عودته مع ابنته الى بيته حيث كانت زوجته تنظرهما بفارغ الصبر
***

في اليوم التالي مساءً .. إجتمع القاضي مع جون في مكتبه ..
جون : اعلم ان عقابي للمجرمين ليس قانونياً .. لكن استحلفك بالله , الم تفرح حين رأيت اشلاء المجرم تتطاير في ارجاء الوادي ؟
القاضي : بالحقيقة نعم .. كما ان موته اراح ابنتي كثيراً
- اذاً ؟
- فكّرت البارحة كثيراً , وقرّرت ان أمنعك من القيام بأيّ فعل دون استشارتي

جون : وهل ستقبل بمعاقبة المجرمين دون إخبار قضاة المدينة ؟
فتنهّد القاضي بقلق : مع ان ذلك يُخالف عملي , الا ان عقوباتك الغريبة السنة الماضية خفّفت من نسبة الإجرام في قريتنا !
جون بحماس : اذاً دعنا نعمل سوياً على معاقبتهم , لحماية القرية من شرورهم .. ما رأيك ؟

ففكّر القاضي قليلاً , قبل ان يقول : حسناً , لكن بسرّيةٍ تامة
فأومأ جون برأسه موافقاً , لترتسم على وجهيهما إبتسامة الرضا

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

غريبوا الأطوار

تأليف : امل شانوحة


لا احد يفهمنا !

((هل تشعر انك مختلف عن الآخرين ولا احد يفهمك ؟ .. هل تعاني من إهمال والديك وقلّة اصدقائك ؟ .. هل لديك ستايل مميزّ لشعرك وملابسك ومكياجك ؟ .. هل تتعرّض للنقد الدائم لأسلوب كلامك وتصرّفاتك ؟ .. هل فشلت بالإندماج مع مجتمعك ومحيطك ؟ ..هل ترى ان روحك وُضعت في جسدٍ لا يعكس افكارك ومشاعرك ؟ .. اذاً إنضمّ الى مجموعة غريبيّ الأطوار , للإحتفال معاً بطريقتنا الخاصة))

وكُتب تحت الإعلان : عنوان المكان وزمان الإجتماع..
وتمّ نشر الإعلان الغريب في كافة وسائل التواصل الإجتماعي , قبل شهر من نهاية السنة .. 
***

وفي ليلة رأس السنة الجديدة , وداخل مستودعٍ قديم .. تجمّع سبعة اشخاص بأشكالهم الكئيبة المريبة , بعضهم بملابس سوداء ومكياجٍ داكن كعبّاد الشياطين ..والبعض الآخر حضر بثيابٍ مُبهرجة وفاقعة اللون كالشواذّ !

حيث وجدوا داخل المستودع المهجور : عدة كراسي رُصّت بشكلٍ دائري , وأُضيئت في الوسط مجموعة من الشموع الملونة ..
فجلس كل واحدٍ على كرسيه وهم ينظرون لبعضهم باستغراب , دون ان يتجرّأ احد على الكلام ..

وهنا سمعوا شخصاً يُصفّق لهم من بعيد :
- أحسنتم جيمعاً !!
فسأله احدهم : هل انت صاحب الإعلان ؟
- نعم , معكم ديفيد إكس .. و انا ممتنٌّ لتفضيلكم الإحتفال معي عوضاً عن عائلاتكم بعيد رأس السنة

فقال أحدهم : بالحقيقة عائلتي فرحت حين أخبرتهم انني سأحتفل مع اصدقائي في الخارج 
وقالت فتاة مراهقة : وأنا لم يسألوني اصلاً اين ذاهبة في هذا الوقت المتأخّر! 
شاب : اما انا فأكاد أجزم ان عائلتي لم تلاحظ بعد غيابي , لأنهم نادراً ما يدخلون غرفتي !
ديفيد : ممتاز !! يبدو جميعنا نتفق بأن عائلاتنا لم تفهمنا يوماً
فأومأوا برأسهم إيجاباً ..

وهنا سألته فتاةٌ هندية : وهل لديك نفس المشكلة سيد ديفيد ؟
فأجابها : عانيت في الماضي كثيراً من المحيط الذي كبرت فيه , حيث عدّني أقراني غريب الأطوار , ولقّبوني بالكائن الفضائي الفاسد ! لهذا جمعتكم اليوم للإستماع الى مشاكلكم وهمومكم كأخٍ كبير
فسألته صبية (حليقة الرأس) : وهل سندفع لك مقابل جلساتك العلاجية ؟
فأجابها بابتسامة : لا ابداً .. فهذه جلسة فضّفضة , وأنا لست طبيباً نفسياً .. بل شخصاً عانى كثيراً من مجتمعه المتخلّف 

الشاب : وهل وجدّت حلّاً لمشكلتك ؟
ديفيد : نعم , وسأخبركم به بعد إحتفال الليلة على طريقتنا الخاصة .. (ونظر الى ساعته) .. بقيّ هناك خمس دقائق على بداية رأس السنة .. 

ثم أخرج جهاز التحكّم من جيبه , وضغط على ازراره .. فإذّ بشجرة الميلاد تنزل من سقف المستودع , والأنوار الملونة تُضاء في اركان المكان الواسع .. والموسيقى العالية ترتفع من مكبّرات الصوت .. 

واثناء إنشغال الشباب بالأحداث المُبهجة , توجّه ديفيد الى طاولة في الزاوية .. وأزال عنها الغطاء الأبيض , لتظهر اصنافٌ عديدة من الطعام والحلوى .. قائلاً لهم :
- بقيت هناك دقيقة واحدة على بداية السنة .. إلبسوا القبعات الملونة التي تحت مقاعدكم , وضعوا الصافرات في فمكم لبدء الحفل .. هيا إسرعوا , ماذا تنتظرون ؟!!

وبالوقت الذي كانوا يضعون عليهم زينة الميلاد , قال ديفيد بصوتٍ عالي وهو ينظر الى الساعة الكبيرة المعلّقة على جدار المستودع :
- لنتعهّد جميعنا على العيش بحرّية في العام الجديد , دون الإكتراث بآراء من حولنا .. والآن لنُعدّ سويّاً الثواني الأخيرة لهذا العام : 4- 3- 2 - 1 

ثم هبطت البالونات فوق رؤوسهم مع اطلاقهم للصافرات , وهم يقفزون بسعادة على بدء السنة الجديدة..
***

بعد ساعة .. إنتهى الشباب من تناول جميع اصناف الطعام والشراب اللذيذة , ظانين بختام الحفلة .. لكن ديفيد فاجأهم بطاولةٍ صغيرة وضعها امامهم 
فسأله أحدهم : ما هذه ؟
فكشف الغطاء من فوقها , لتظهر انواع مختلفة من المخدرات بشكل حبوب وحقن..
فصرخ الشاب بدهشة : يا الهي ! هذه انواع فاخرة من المخدرات  
ديفيد : نعم , وهي لكم بالمجّان
فهجموا عليها لاختيار ما يشاؤون ..
ديفيد : حاولوا ان لا تسرفوا في استخدامها , فأنا اريد اسعادكم لا القضاء عليكم يا اصدقاء

ومن بعدها .. إستراح كل شخصٍ منهم في إحدى زوايا المستودع .. الى ان غفوا في سباتٍ عميق
***  

قبيل الفجر .. أيقظهم ديفيد بعد تشغيله لأغنية روك صاخبة .. وبالكاد استطاعوا الجلوس بثبات على كراسيهم من شدة النعاس ومن دوار المخدّرات (بناءً على طلبه) ..
فقال لهم : آسف على إيقاظكم بهذه الطريقة , لكني قدّمت الكثير لإسعادكم , ولم تعطوني بعد ما اريده
الفتاة بتعب : وماذا تريد منا ؟
ديفيد : ان تشاركوني قصصكم .. فمن سيبدأ اولاً ؟ 

فرفع مراهق يده : انا !! .. اسمي آدم ... الأبن الوحيد لوالدين منفصلين ..ومنذ طلاقهما في سن التاسعة , وانا اعيش مع جدتي المتسلّطة التي تحرمني من مصروف والدي , كلما قمت بتصرفٍ لا يعجبها .. كما انها تتدخّل دائماً بقراراتي .. وتمنعني من الخروج مع اصدقائي .. والأسوء انها تزور ثانويتي باستمرار للسؤال عني , مما جعلني محطّ سخرية للمتنمّرين في مدرستي  

ديفيد : هذا سيء .. وماذا عنكِ ؟
فأجابته الفتاة (حليقة الرأس) : انا جسيكا .. ومنذ طفولتي أشعر بأني صبي مسجون في جسد انثى .. فلا شيء يهويني بعالم النساء .. وقد حاولت مراراً إفهام والديّ بأنني احتاج الى عملية جراحية لأتحوّل الى شاب .. لكنهم يرفضون طلبي , ويظنون انها مجرّد إضطراب في الهرمونات , مع اني بلغت 20 سنة ولم اعد مراهقة .. لهذا قمت بحلق رأسي ولبس ثياب الشباب وتضخيم صوتي .. وبذلك أصبحت غريبة الأطوار بالنسبة لهما , وصارا يتجنّبان الحديث معي .. حتى بُتّ أفكّر جدّياً بالإنتحار لأتخلّص من أزمة الهويّة التي لديّ !

ديفيد : مشكلةٌ صعبة ! وماذا عنك ايها الشاب ؟
- اسمي جاك .. وانا أعشق المغامرات والسفر , لكن والدي يريدني ان أنهي جامعتي لأساعده في محل الخرداوات .. ولا ادري ما فائدة دراسة 4 سنوات تجارة بالجامعة , لأنتهي كبائعٍ بسيط كأبي .. فكل ما اريده هو السفر لاكتشاف الغابات والمحيطات والحيوانات النادرة , والتعرّف على المغامرين امثالي ..(ثم تنهد بضيق) .. أتمنى في السنة الجديدة ان تحصل معجزة تغير مستقبلي الباهت والمملّ

ديفيد : أفهم مشكلتك جيداً .. وماذا عنكِ ؟
الفتاة : انا من اصول هندية كما تلاحظون .. ويريد اهلي تزويجي فور إنهاء دراستي الثانوية .. فوالدي رجلٌ متحفّظ , ولهذا اختار لي زوجاً هندياً يكبرني بعشر سنوات .. لكنه لا يعلم بأنني متورّطة بعلاقة مع شاب تعرّفت عليه بالإنترنت 

ديفيد : فعلاً الأهالي لا يدركون شيوع العلاقات بالإنترنت هذه الأيام .. وانت ماهي قصتك ؟
- اسمي اريك .. وعملي الليلي في الصيدلية جعلني مُدمناً على المهدّئات.. وأخشى ان يطردني المدير إن اكتشف سرقتي لأدويته , ممّا سيعرّضني لعقاب ابي القاسي .. فهو عسكري متقاعد , وصارمٌ جداً معي 

- وانا داني .. واظنكم علمتم فور رؤيتكم لثيابي المبهرجة ومكياجي الفاقع انني شاذّ .. الجميع لاحظ ذلك , ماعدا امي التي تصرّ على تزويجي بعد انتهاء جامعتي ! .. رغم انها ساهمت في تحوّل ميولي .. ففي طفولتي , اعتادت امي على تركي مع جارنا كلما ذهبت الى العمل .. واللعين استغلّ أنني طفلٌ يتيم اسوء استغلال .. لكن لم أجرأ على اخبارها بجريمته حتى اليوم .. وأمنيتي الوحيدة هو ان أقتله بيديّ هاتين !! .. (وتنهّد بحزن) ..ليتني املك الشجاعة لفعل ذلك

ديفيد : اهدأ يا صديقي , سأحاول حلّ مشكلتك قريباً .. وماذا عنكِ؟ 
- اسمي جاكلين .. قد تكون مشكلتي بسيطة امام مصائبكم .. فأنا اعاني من الإهتمام الزائد لعائلتي , خاصة بعد نجاتي من السرطان في طفولتي ..ومن يومها ووالدتي تقرّر نوعيّة طعامي ..ويختار والدي اصدقائي وستايل ملابسي والكثير من القوانين الأخرى .. واعتقد إنه أبلغ الشرطة عن اختفائي , لأني تسلّلت الى هنا من نافذة غرفتي , حيث اعتاد على قفل باب منزلنا مساءً.. (ثم سكتت قليلاً).. ماذا عنك سيد ديفيد , ماهي قصتك ؟

ديفيد بنبرةٍ حزينة : معاناتي بدأت منذ ان أخبرتني امي بأن جدي اللعين هو والدي
الجميع : لم نفهم !.. ماذا تقصد ؟
ديفيد : الم تسمعوا بقصة الرجل الذي احتجر ابنته بقبو منزله لعشرين سنة , وانجب منها ولدين ..مات احدهم بالربو الذي اصابه من رطوبة القبو , اما الثاني فبقي حياً ؟
جاكلين : هل هو انت ؟!
ديفيد بقهر : نعم .. ورغم ان جدي خرج من السجن قبل سنتين , الا ان حبسه ل20 سنة لم يُشفي غليلي , خاصة بعد انتحار امي لمعاناتها الطويلة مع الإكتئاب  
داني : وماذا فعلت به ؟
ديفيد : تعالوا معي 

وأخذهم الى قبو المستودع .. وحين انار الضوء , وجدوا عدة رؤوس مقطوعة داخل مرطبانات بها محلولٍ كيميائيّ ..  فارتعبوا جميعاً !
ديفيد : رجاءً لا تخافوا
فسألته الهندية بفزع : هل هذا العجوز هو رأس جدك ؟! 

ديفيد : نعم .. مع انه اعطاني كل ميراثه الضخم , الا ان ذلك لم يكفي لأسامحه .. وبإحدى الليالي راقبته , فوجدته يتجوّل وحده داخل الغابة القريبة من كوخه .. ولا ادري ما كان يفعله هناك مساءً ! الا انني هجمت عليه , وطعنته بوحشيّةٍ شديدة .. وبالنهاية قطعت رأسه ووضعته في المرطبان , ودفنت بقية اشلائه بأماكن مختلفة بالغابة .. وكما توقعت لم يلاحظ احد اختفائه , لأنه كان مكروهاً من مجتمعه .. وهذه كانت اول جريمة ارتكبتها في حياتي , إنتقاماً للروح أمي وأخي  

فقال له داني : بصراحة لا الومك , فأنا احلم دوماً بالإنتقام من جاري المتحرّش .. لكن عندي سؤال .. من هم اصحاب الرؤوس الأخرى ؟ 
ديفيد : هذا رأس متنمّرٍ لعين في جامعتي , قتلته بعد ان أطلع الجميع على قصة هويتي المزوّرة التي أعطتني إيّاها الشرطة بعد انتهاء قضية جدي.. وبسببه تعرّضت لسخرية الطلّاب ونظراتهم المستفزّة طوال مراحل دراستي .. اما هذه , فهي رأس حبيبتي الأولى التي خانتني .. وبجانبها رأس عشيقها الذي كان يوماً صديقي المقرّب .. وهاهي قصتي باختصار 

الفتاة الهندية بخوف : لحظة سيد ديفيد ! .. صحيح اننا نكره اهالينا , لكننا لا نفكّر ابداً بقتلهم
الجميع : هذا صحيح
ديفيد : الأمر يعود لكم 
جسيكا بقلق : يعني لن تُجبرنا على ذلك !
ديفيد : مطلقاً , انتم احرار بقراراتكم ..  
آدم : اذاً لماذا جمعتنا هنا ؟
ديفيد : لنتشارك قصصنا سويّاً .. فربما حينما تسمعون قصتي البائسة , ستهون عليكم مصائبكم .. والآن دعونا نصعد الى فوق
***

لكن فور صعودهم , حاولت جاكلين الهرب من المستودع بعد ان أخافها جنونه..
وما ان وضعت يدها على البوّابة , حتى صُعقت بالكهرباء .. وظلّت تصرخ وتتلوّى الى ان ماتت مُتفحّمة الذراع , وسط دهشة الجميع !

ديفيد : الغبية .. ظنّت بأني سأدعها تخرج من هنا بسلام , بعد ان أخبرتكم بجرائمي
الفتاة الهندية بخوف : أهذا يعني انك ستقتلنا جميعاً ؟! 
ديفيد : أتمنى ان لا اضطّر لذلك .. فأنا سأمتحنكم اولاً , ومن ينجح منكم ينضمّ الى عصابتي المميزة .. والآن اجلسوا لكيّ أحلّ لكم مشاكلكم 
فجلسوا وهم يرتجفون خوفاً , بعد ان هدّدهم بالسلاح !

ديفيد : انتِ يا جسيكا .. بإمكاني اعطائك المال لإجراء العملية الجراحية لتتحولي رجلاً كما ترغبين
جسيكا بارتباك : شكراً لك
ديفيد : وانت يا آدم .. يمكنني مساعدتك بقتل جدتك المتسلطة
آدم بخوف : لا اريد !! .. فهي وان كانت صارمة , الا انها تفعل ذلك لمصلحتي 
ديفيد باحتقار : ايها الجبان !
واطلق رصاصة في رأسه , أردته قتيلاً ..

فبكت الفتاة الهندية وهي تقول : رجاءً سيد ديفيد ..دعنا نذهب الى بيوتنا , فنحن لسنا بمجرمين
ديفيد : اذاً سأجبركم على ذلك .. وسأبدأ بجاك 

وضغط على جهاز التحكّم .. لينزل من السقف والد جاك مربوطاً ومكمّم الفمّ , وبالحبل الآخر كلبه المقيّد بإحكام .. بعد ان وضع ديفيد اسفل منهما حوضاً حديديّ به نار منصهرة .. ثم اعطى جهاز التحكّم لجاك الذي كان يرتجف باكياً , قائلاً له :
- هناك زرّان على الجهاز .. هذا لإنقاذ والدك , وهذا لإنقاذ كلبك .. فأيهما تختار ؟ 

جاك بفزع : ارجوك سيد ديفيد , انا لا اريد قتل والدي
ديفيد : لكنه يريد ان تقضي جلّ عمرك بالعمل معه في محل الخرداوات
جاك بفزع : لا امانع ذلك .. صدقاً لا مشكلة لديّ 
ديفيد : لكن هذا لم يكن رأيك سابقاً .. (ثم وجّه سلاحه نحوه وهو يقول).. اريدك ان تختار الآن !!! 

فأراد جاك كسب المزيد من الوقت , فسأله :
- اساساً كيف وصلت الى مكان والدي ؟!
ديفيد : سؤالٌ مهم .. ما لا تعلمونه عني , انني هاكر محترف .. واستطعت التوصّل الى عناوين منازلكم من ارقام حواسيبكم التي ظهرت عندي اثناء تسجيلكم في جمعيتي .. وخلال نومكم قبل قليل , طلبت من حرسي إحضار اهاليكم الى هنا

الفتاة الهندية بخوف : وهل عائلتي موجودة بينهم ؟!
ديفيد بعصبية : إنتظري دورك يا امرأة !!.. والآن يا جاك لا تضيع وقتي .. من ستختار بينهما ؟ والدك الفاشل المملّ , ام كلب طفولتك؟

وبيدٍ مرتجفة , إختار جاك إنقاذ والده .. لكن الغريب ان والده هو من سقط ببرميل النار ! وصار يصرخ من شدة الألم .. فأسرع جاك لإنقاذه .. ليقوم ديفيد بإطلاق ثلاثة رصاصاتٍ متتالية : قتلت جاك ووالده والكلب .. ثم توجّه للبقية قائلاً :
- قتلتهم لأن جاك الغبي إختار خطأً , وخيّب ظني فيه .. والآن دوركِ ايتها الهندية ..

وضغط على زرٍّ آخر في جهازه : ليتدلّى خطيبها الهندي بالحبل , في  مقابل حبيبها بالإنترنت ..
ثم سألها ديفيد : هآ عزيزتي من ستختارين ؟ أعتقد انك ستفضّلين القلب على العقل , اليس كذلك ؟

لكنها فاجأته باختيار الهندي لأنه من اقاربها , لتنهار باكية بعد رؤية خطيبها يقع فوق منشارٍ حادّ قطعه الى نصفين 
فتنهّد ديفيد بضيقٍ وغضب : ما بالكم يا اغبياء !! لما لا تختارون بشكلٍ صحيح ؟!

ثم اطلق النار عليها وعلى خطيبها الهندي , معلّلاً فعلته :
- لا اريدكم ان تفضّلوا الآخرين على مصالحكم الشخصية ..فأنا اريد اشخاصاً انانيون في عصابتي .. المهم , اين وصلنا .. .. آه داني دورك الآن .. فقبل اسبوع إخترقت حاسوبك , وقرأت قصة جارك المتحرّش من ملفّ مذكراتك.. وجيد انك ذكرت عنوان منزلكم القديم واسمه بالكامل , فهذا سهّل إيجاده ... وهاهو موجود في تلك الخزانة الحديدية .. (ثم ضغط على زرّ في جهازه , لينفتح باب الخزانة وبداخله العجوز مقيد ومكمّم الفمّ) .. هاهو عدوك يا داني ..فهل ستطعنه بسيف سامورايّ , ام ستخيب املي انت ايضاً ؟

وما ان رأى داني جاره , حتى عادت له ذكريات الطفولة المريرة .. فسحب السيف من يد ديفيد , وانطلق كالمجنون باتجاه جاره ليغرزه بكل حقدٍ وغضب في قلبه .. فيموت على الفور ! 

وهنا صفّق له ديفيد بفخر :
- وأخيراً وجدت شخصاً يشبهني .. أحسنت يا داني !!.. من قال ان الشواذ ضعفاء .. هيا اذهب واسترحّ هناك , وهات السيف من يدك

فتهالك داني على الكرسي وهو ينهج بصعوبة , وهو لا يصدّق بأنه تخلّص أخيراً من كابوس جاره ! 

بهذه الأثناء .. إقترب ديفيد من اريك ومعه علبتا دواء , قائلاً :
- دورك يا اريك .. الست مدمن ادوية ايها الصيدلي ؟ لهذا جلبت هاذين , خصيصاً لك 
اريك مرتجفاً : لا ! هاذين الحقنتين تسببان الموت ان أخذتهما سويّاً 
ديفيد : اعرف , لهذا اريدك ان تحقنهما في ذراع جسيكا

جسيكا بفزع : ماذا !
ديفيد : آسف عزيزتي , لكني اريد إمتحانه 
جسيكا : الم تخبرني بأنك ستعطيني المال من أجل عمليتي ؟
ديفيد : الوضع يتوقف على قراره هو .. هآ يا اريك ماذا قلت , هل ستحقنها بهما ؟
اريك بعصبية : لا طبعاً !! انا صيدلي ولست قاتل 
ديفيد : توقعت ذلك .. اذاً دورك يا جسيكا .. ففي حال حقنت اريك بهما , سأتكفلّ بجميع مصاريف علاجك .. لكن عليك اولاً ان تثبتي ولائك لي .. وانت يا داني , قمّ بتقيده

فأسرع داني بربط اريك بالكرسي والذي لم يقاومهم لخوفه من سلاح ديفيد الموجّه اليه .. بالوقت الذي كانت فيه جسيكا تخلط الأبرتين سوياً داخل الحقنة

اريك بخوف : لا يا جسيكا .. انا لم أقبل بقتلك , فلماذا تقتلينني ؟
جسيكا : لأني اريد ان اصبح رجلاً مهما كلّفني الأمر
ديفيد : أحسنتي عزيزتي , هيا أريني براعتك 

فقامت بحقن ذراع اريك بالدواء .. لتظهر النتيجة بعد نصف ساعة , حيث صار يتقيأ دماً , وجسده ينتفض بقوة .. الى ان فارق الحياة 

وهنا صفّق ديفيد لداني وجسيكا وهو يقول لهما :
- أعلنكما الآن !! فردين مميزين في عصابة غريبيّ الأطوار 
جسيكا : لكننا ثلاثة فقط ! 
ديفيد : ومن قال ذلك
ثم صرخ بعلوّ صوته قائلاً : 
- تقدّموا ايها الأصدقاء لتحية العضوين الجديدين !!! 

وإذّ بمئة شاب وفتاة يخرجون من داخل المستودع وهم يصفقون لهما .. 
وهنا قال ديفيد لداني وجسيكا : هؤلاء جميعهم قتلوا عائلاتهم من أجلي .. اما الرؤوس المحفوظة في القبو فماهي الا نماذج بسيطة لمعرض الرؤوس الضخم الموجود في علّية المستودع ..سأريكما إيّاه بعد قليل 

ثم وجّه كلامه لجميع افراد عصابته , قائلاً بصوتٍ عالي : 
- والآن يا اصدقاء , قوموا بتقطيع رؤوس الضحايا الجدّد لوضعها في متحفنا المميز .. ومن بعدها يبدأ الحفل الحقيقي للسنة الجديدة ..

فهللّ الجميع فرحاً بعد إخراجهم السكاكين لتجهيز الجثث والإستمتاع بتقطيعها .. وهم يردّدون كلمات أغنية روكٍ صاخبة صدحت من مكبّرات الصوت المعلّقة في زوايا المستودع الدمويّ المرعب !

الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

سحر الأجداد

تأليف : امل شانوحة


 
القرية المنبوذة

بحلول العصر .. تعطّلت الحافلة في قرية الوادي اثناء رحلةٍ جامعية .. فنزل الطلاّب لشراء بعض الحاجيات من البقالة القريبة 

واستيقظت جاكلين بعد عودة الركّاب بمشروباتهم الغازيّة وبعض الحلوى , حيث سمعتهم يتذمّرون من ندرة البضائع وقلّة جودتها ! 
فاستغلّت جاكلين إنشغال السائق بتصليح الحافلة للذهاب بدورها الى البقالة الوحيدة المتواجدة هناك .. 

وما ان دخلتها , حتى لاحظت إرتباك البائع وهو يتأمّل وحمة وجنتها باشمئزازٍ وقلق ! 
فحاولت عدم الإهتمام لنظراته المستفزّة , وسألته :
- الا يوجد انواع اخرى من الحلويات ؟
فردّ بعصبية : التجّار لا يتعاملون مع قريتنا 
- ولماذا ؟! 

لكنه لم يجيبها .. فأخذت قارورة ماء وقطعة حلوى .. لكنه رفض إستلام الثمن منها !
وحين سألته عن السبب , أجابها بغضب :
- كل ما اريده هو ان تخرجي من محلّي بسلام !! 

وقد ضايقها جوابه القاسي الغير مبرّر ! فتركت الأغراض على طاولته , وذهبت باتجاه الحافلة .. 

وقبل صعودها , سمعت عجوزاً من خلفها تقول بنبرةٍ آمرة :
- إيّاك ان تعودي الينا ثانيةً , يكفينا ما فعلته امك سالي بنا 
فردّت عليها جاكلين باستغراب : امي اسمها ديانا , وهي طبيبة اطفال .. وأظنك أخطأتي بالشخص ..
العجوز مقاطعة : عرفنا جميعنا إنك ابنة الساحرة سالي , من وحمة وجهك التي تشبه الغراب 
- غراب ! لم الاحظ ذلك ابداً
- الا تري ما حلّ بنا .. قريتنا أصبحت مهجورة بسبب لعنة امك , الا يكفيكما ذلك !! ..رجاءً إرحلي , ولا تعودي الينا مطلقاً

وأنهت جملتها الغاضبة مع ارتفاع بوق الحافلة , حيث كان السائق يشير لجاكلين بالإسراع للصعود بعد إصلاحه العطل ..
فصعدت وهي مستغربة ممّا حصل لها في هذه القرية الغريبة ! 
***

بعد عودة الحافلة الى الطريق العام .. سألت جاكلين اصدقائها عمّا لاحظوه في القرية :  
فأخبروها إنهم حينما نزلوا قبلها , تجوّلوا قليلاً في ارجاء القرية البائسة ذات الأشجار اليابسة والنهر الجافّ والبيوت المهجورة التي يبدو وكأنها تعرّضت لحريقٍ سابق .. كما لاحظوا إختفاء الأطفال , فكل من مرّوا بهم من كبار السن ذوّ الوجوه العابسة ! وأكثر ما ازعجهم هو نعيق الغربان المزعج الذي زاد من رعب المكان وكآبته .. كما أخبرتها صديقتها انها وجدت لافتة البوّابة مكتوباً عليها :((القرية المنبوذة)) 

ورغم غرابة الوضع , الا ان جاكلين حاولت تناسي الأمر للإستمتاع ببقية الرحلة ..
***

في اليوم التالي .. خرجت امها الى عيادتها باكراً , فأحسّت جاكلين برغبةٍ ملحّة لتفتيش صندوق الأوراق الرسمية  
حينها وجدت شيئاً صدمها ! وهي وثيقة تبنيها من دار الأيتام , مُرفقة بقصاصةٍ قديمة لصحيفة : عن طفلة وُجدت في سلّةٍ على ضفاف النهر .. وكانت وحمة الطفلة ظاهرة في صورة الجريدة , فعلمت جاكلين بأنها الفتاة المُتبناة !

وعادت الى غرفتها حزينة .. وأخذت تتأمّل وجهها في المرآة , لترى بأن وحمتها تُشبه الغراب فعلاً (دون ملاحظتها ذلك مُسبقاً !) وهذا ما يؤكّد إنها ابنة الساحرة سالي التي يكرهها اهالي القرية المنبوذة ..
***

في المساء , وفور عودة امها من عملها .. واجهتها ابنتها بأوراق التبني..
الأم بارتباك : من سمح لك البحث في خزانتي ؟!
- إخبريني امي , هل تبنيت طفلة النهر ؟
فسكتت الأم طويلاً , قبل ان تجيبها :
- نعم , فقد ضايقني قساوة امك التي رمتك بالنهر في فصل الشتاء القارص .. لهذا أسرعت بإجراءات التبني 
- وهل حصلت امورٌ غريبة في طفولتي ؟ 

ففكّرت الأم قليلاً , قبل ان تقول : 
- أذكر حين كنتِ في الخامسة , أخذتك الى الحديقة العامة ..فقام ولد بمنعك من اللعب بالأرجوحة .. وما ان بكيتي , حتى هجمت الغربان من كل مكان ! فأسرع الأهالي بإبعاد اولادهم عن الحديقة ..وتكرّر الأمر معنا مرتين .. لهذا لم أعد أسمح لك باللعب خارج المنزل ... هذا عدا عن وشم ظهرك 
جاكلين باستغراب : أيّ وشم ؟!
- هناك حرق اسفل ظهرك , وكأن امك كوته بختمٍ ما 

فطلبت جاكلين من امها تصوير الوشم بالجوال .. 
وحين كبّرت الصورة , قالت لأمها :
- هناك اسم مكتوب بخطٍ صغير.. آه كما توقعت .. سالي
- ومن سالي ؟
جاكلين بضيق : امي الحقيقية 
الأم : وكيف عرفتي اسمها ؟!.. ومن تكون ؟

لكن جاكلين فضّلت تغير الموضوع , لأنها لا تريدها ان تعرف بأنها ابنة ساحرة ..وحاولت إظهار عدم اكتراثها بأنها فتاة متبناة , لأنه أمرٌ شائع هذه الأيام !
*** 

بعد اسبوع .. ودّعت امها للعودة الى سكن الطلّاب الجامعي بعد انتهاء عطلتها الرسمية .. لكنها بالحقيقية ذهبت مباشرةً الى القرية المنبوذة 

وأوقفت سيارتها قرب البوّابة الخشبية الضخمة , وصارت تراقبهم من بعيد , حيث بدت وجوههم شاحبة وبائسة للغاية ! 
وحين لمحت عجوزاً اعمى , نزلت باتجاهه لتسأله عن الساحرة سالي ..
فردّ بعصبية : العياذ بالله ! مالذي تريدين معرفته عن تلك الشيطانة؟!
- إخبرني قصتها منذ البداية يا عمّ 

فأخبرها العجوز إنه منذ ان سكنت سالي الحامل قريتهم والمصائب تنهال عليهم كالمطر , حيث جفّ نهرهم خلال اسابيع مما أدّى لذبول الأزهار والأشجار .. كما استوطنت الغربان المكان التي قضت على ما تبقى من مزروعاتهم.. وقد زاد الأمر عند حدّه حين تجرّأت بسحر ابنة رئيس البلدية بعد تعطّل سيارتها في قريتهم

فسألته جاكلين : ولماذا قامت سالي بسحرها ؟
العجوز : بصراحة الصبية هي من اخطأت بحقّ الجميع حين وصفتنا بالفقراء الأغبياء , لأننا لم نُسرع بإصلاح سيارتها للحاق بحفلتها .. حينها سمعنا الساحرة تُلقي عليها تعويذة سحريّة فور ابتعاد سيارتها الفارهة عن قريتنا .. ولم يمضي يومين حتى عرفنا بأن الفتاة أُصيبت بمرضٍ غريب جعلها في غيبوبةٍ دائمة !

جاكلين : وهل مازالت في الغيبوبة حتى اليوم ؟
- نعم , هي نائمة في قصر والدها منذ عشرين سنة 
- أحقاً !
- الأسوأ انه فور إصابتها بالمرض , أخبر احدهم والدها بأن ساحرتنا هي السبب .. فأصدر قانوناً جائراً بمنع التجّار التعامل معنا .. لهذا هاجر معظم الأهالي الى القرى المجاورة .. ولم يبقى هنا الا بعض المساكين أمثالي
- وماذا حصل للساحرة سالي ؟

العجوز : بعد الحصار الذي تعرّضنا له , لم نعد نطيق وجودها بيننا .. فاتفقنا سرّاً على حرق منزلها مساءً , خاصة بعد إنجابها لتلك الطفلة ذات الوحمة الغريبة في وجهها .. وحينما خمدت النار , سمعنا بكاء طفلتها قادماً من جهة النهر .. فعلمنا انها هربت الى هناك 
- الم تقل ان نهركم جفّ تماماً ؟
- جُفّت إحدى روافده المارّة بقريتنا , لكنه مازال يروي القرى المجاورة 

جاكلين : وماذا حلّ بطفلتها ؟
- حين وصلنا اليها , كانت الطفلة تطفو مُبتعدة عنا , بعد ان رمت امها السلّة في النهر
- جيد انها أنقذت ابنتها من بطشكم
العجوز بعصبية : ابنتها ستصبح يوماً كأمها وجدتها
جاكلين بدهشة : وهل جدتها ايضاً ساحرة ؟!
- كل سلالتها منذ مئات السنين كما اخبرتنا سابقاً.. وأكيد ابنتها  أصبحت اليوم صبية شريرة كأمها ..المهم دعيني أكمل القصة .. قبضنا على الساحرة وربطناها في ساحة القرية ..ووضعنا الحطب اسفل منها

فصرخت جاكلين بدهشة : أأحرقتموها ؟!!
- أوشكنا على ذلك , قبل ان تمطر السماء بعد جفافٍ دام 7 سنوات ..
جاكلين : هذا أمرٌ جيد
- لا !! فالمطر اطفأ نارها .. كما احرق البرق المتتابع عدة منازل , فتشتّت الناس لإطفاء بيوتهم .. فعلمنا إنها ستستغلّ إرباكنا للهروب من العقاب .. حينها اقترحت إحدى النسوة رجمها .. فبدأنا برميّ الحجارة عليها.. لتصرخ سالي بعلوّ صوتها : ((ابنتي !! ستنتقم منكم جميعاً حينما تكبر ..أعدكم بذلك)) .. وظلّت تهدّدنا , الى ان أصابت حجرة كبيرة رأسها , وفارقت الحياة أخيراً

فسألته جاكلين بعصبية : وهل عادت حياتكم طبيعية بعد مقتلها ؟!! 
- ولما انت غاضبة هكذا ؟! هل تعنيك الشيطانة بشيء ؟
فالتزمت جاكلين السكوت وهي تكتم غيظها ..

بهذه اللحظات , إنتهى الصبيّ من إخبار الرجال في القهوة عن رؤيته الصبية (بوحمة الغراب) تُكلّم العجوز الأعمى عند بوّابة القرية .. فأسرعوا جميعهم الى هناك 

وحين رأتهم جاكلين يركضون باتجاهها غاضبين ! تجمّدت في مكانها من شدة الرعب .. فسمعت صوت امرأة تقول لها :
- إسرعي فوراً الى سيارتك !! 

فاحتمت داخل سيارتها التي تجمّعوا حولها , محاولين كسر زجاجها بالعصيّ والأحجار  ..
وهنا سمعت المرأة ذاتها , تقول من المقاعد الخلفية لسيارتها : 
- تحرّكي !! ماذا تنتظرين ؟
وحين نظرت للخلف , تفاجأت بقطةٍ سوداء تجلس هناك وتقول :
- لا تخافي , فروح امك سالي في داخلي
جاكلين بدهشة وخوف : امي !
- نعم , وسأحميك من هؤلاء الملاعيين

وبدأت القطة تتلو تعويذة ما , جعلت الغربان تهجم من كل مكان على رجال القرية الذين اسرعوا هاربين الى بيوتهم ..
وهنا قالت القطة : هيا قودي سيارتك , والغربان ستلاحقنا الى ان تخرجي بسلام من القرية اللعينة 
وهذا ما حصل بالفعل , حيث ابتعدت الغربان فور خروجهما من المأزق !

وحين هدأ الوضع .. سألت جاكلين القطة : 
- هل انت حقاً امي ؟!
القطة : نعم , الم تري اسمي موشوماً على ظهرك ؟
جاكلين بغضب : يعني الا يكفي انك رميتني في نهرٍ بارد , وأحرقتني بالنار ايضاً !! 
- إضّطرت لتسخين خاتمي ووشمك , قبل وضعك بالسلّة .. كيّ تتعرّفي عليّ يوماً ما 
فتنهّدت جاكلين بضيق : لا يهم .. إخبريني كيف تحوّلتي الى قطة؟! 
- اثناء رجمي , رأيت قطة تقترب من الجموع الغاضبة .. فقرأت تعويذة قوية نقلت روحي اليها .. فظنّ المساكين إنهم تمكّنوا أخيراً من قتلي 
- الآن فهمت لما لم تنتهي اللعنة بعد على قريتهم !  

القطة بنبرةٍ غاضبة : هم استحقوا كل ما حصل لهم .. لكن رُبّ ضارةٍ نافعة .. فتنقلّي في جسد قطة سهّل عليّ مراقبتك اثناء طفولتك , الا تذكرين؟
- آه صحيح .. لطالما لمحت قطة سوداء تراقبني في المدرسة او من خلف نافذة غرفتي .. واظنك انت من ارسلتي الغربان الى الحديقة العامة ؟
القطة : طبعاً , فأنا لن اسمح لأحد بأذيتك ..(ثم تنهدت بارتياح) ..أشكر الربّ إنه اختار لك والدة بديلة حنونة عليك , ليت باستطاعتي شكرها بنفسي .. (ثم نظرت الى النافذة) .. هآقد وصلنا للشجرة الكبيرة , توقفي بجانبها
- لماذا ؟
- في الماضي أخفيت شيئاً تحتها , واريدك ان تحصلي عليه  

فقامت جاكلين بالحفر تحت الشجرة (بناءً على توجيهات القطة) لتجد كتاباً قديماً .. وحين عادت به الى السيارة , أخبرتها امها بأنه كتاباً متوارثاً في عائلتهم , وهو سحر الأجداد
جاكلين : ومن قال لك انني اريد ان اصبح ساحرة ؟
- لكن هذا عمل عائلتنا منذ قرون ! 
- لا يا امي , انا لا احب أذيّة أحد 
- اذاً احتفظي بالكتاب , فهو من حقك .. 

ففكّرت جاكلين قليلاً , قبل ان تقول : 
- أتدرين ... سأستخدمه فقط لفكّ غيبوبة الصبية , كيّ يستعيد اهالي القرية المنبوذة حياتهم السابقة
القطة بغضب : لكنهم استحقوا العقاب !!
- رجاءً دعيني أصحّح خطأك يا امي 
فتنهّدت القطة بضيق : كما تشائين , طالما ان هذا يُريح ضميرك
*** 

بعدها بأيام .. تمكّنت جاكلين أخيراً من تركيب المحلول السحريّ لفك سحر الصبية , بمساعدة القطة التي داومت على زيارتها في سكن الطلاّب الجامعيّ ..

وانتظرت جاكلين اسبوعاً آخراً لحين موعد الحفل السنويّ الذي يقيمه رئيس البلدية لأهالي القرى المجاورة .. 
ووصلت الى هناك وهي مُتخفية بشعرٍ مُستعار , ومكياجٌ كثيف يُخفى وحمة وجهها , خوفاً من تواجد احد اهالي القرية المنبوذة .. رغم ان تعليمات رئيس البلدية السابقة تحرمهم المشاركة بالمناسبات المهمة.. 

وحين منعها الحرس من دخول القصر , إضطّرت للإستعانة بأمها التي حضرت معها الحفل (بهيئتها القطة) والتي ردّدت بصوتٍ منخفض تعويذة جعلت الغربان تهجم على الحفل المتواجد في ساحة القصر .. فأسرع الحرس لحماية الطعام من هجماتهم المباغتة 
فاستغلّت جاكلين إضطرابهم , للدخول الى القصر مع امها التي دلّتها على غرفة الإبنة النائمة 

وهناك قامت جاكلين بوضع النقاط الثلاثة من المحلول السحريّ في فمها .. وما ان بدأت تستيقظ من غيبوبتها , حتى هربت مع القطة الى خارج القصر

ولم يمضي يومين , حتى عمّت الإحتفالات القرى المجاورة بعد إعلان شفاء الصبية من مرضها المزمن ..

ولسعادة الأب الغامرة بسلامة ابنته الوحيدة , قام بإلغاء الحظر السابق على القرية المنبوذة , ليبدأ التجّار بالتوافد بكثافة على منطقتهم .. 

ولم تمضي اسابيع , حتى شهدت المنطقة هطول امطارٍ غزيرة (بعد إنقطاعٍ طويل) ساهم في تدفّق النهر بقريتهم من جديد ..

وقد أدّى إنتشار الأخبار السعيدة الى عودة الأهالي المهجّرين الى بيوتهم واراضيهم التي بدأوا بزراعتها بهمّةٍ ونشاط
*** 

وبنهاية السنة .. راقبت جاكلين والقطة من فوق التلّة , القرية التي ظهرت عليها معالم الحياة من جديد 
فقالت القطة بضيق : 
- لا ادري كيف طاوعك قلبك لمساعدتهم رغم معرفتك بمحاولتهم قتل امك , والتخلّص منك وانت طفلة ؟!

جاكلين : امي , أخبرتك سابقاً بأنني لن أستخدم كتاب السحر الاّ لفعل الخير .. وبرأيّ عشرين سنة عقوبة لهم ولإبنة رئيس البلدية كافيةً جداً
- لكن ما تفعلينه يُخالف تعاليم اجدادنا ! ولابد ان تجرّبي تعويذات الإنتقام والإيذاء من وقتٍ لآخر .. وصدّقيني هي أكثر إثارة من ..
جاكلين مقاطعة وبحزم : قلت لا يا امي !! وان بقيت تصرّين هكذا , سأتخلّص من كتاب السحر للأبد
- حسناً حسناً , كما تشائين .. لن أضغط عليك بهذا الشأن
***  

بعد شهرين , وفي أحد الأيام .. عادت جاكلين غاضبة الى غرفتها , بعد ان هدّدها استاذها بالرسوب ان لم تقبل الذهاب معه الى فندقٍ رخيص ..

وهنا رأت القطة (خارج النافذة) ابنتها وهي تبكي وتفتّش في كتاب السحر عن تعويذة للأنتقام من الأستاذ المتحرّش ..

وما ان بدأت تتلو تلك التعويذة , حتى خرجت زوبعة ضخمة من إحدى الزوايا ! ودخانٌ اسود إجتاح غرفتها , بعد تحوّل عينا جاكلين للون الأحمر 

وبدأت الغربان تنقر على النافذة , بجانب القطة التي قالت في نفسها بفخر:
((أحسنتي يا ابنتي !! إستخدمي سحر الإيذاء , فهو ورث اجدادك .. ومن اليوم فصاعداً لن تتمكّني العودة للوراء .. وستجبرك الشياطين على التخلّي عن طيبتك للأبد , لتكوني فخراً لعائلتك العريقة .. وقرّة عين امك , يا ساحرتي الصغيرة)) 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...