السبت، 31 أغسطس 2024

ذريّة قابيل

تأليف : امل شانوحة 

الجريمة الأولى


اثناء استراحة قابيل تحت الشجرة بعد دفنه اخيه ، إستيقظ على صوتٍ خافت .. ليرى هابيل يهرب نحو الجبل ، بعد محاولة دفنه حيّاً! 

فتمتّم قابيل بارتباك : 

- الم يمت بعد ؟! 

وخاف من عودته لوالدهما (آدم) وإخباره بما حصل ! ولأنه لم يستطع اللحاق به ، إنطلق قابيل هائماً على وجهه بالبراري.. 


بعدها بسنوات ، أنجب كلاهما ذريّةً ضخمة .. حيث قام اولاد وأحفاد قابيل بإفساد الأرض ونشرهم الفسوق والفجور .. بينما تعبّدت ذريّة هابيل الله في مدينةٍ هادئة خلف الجبل ، دون اختلاطهم بالذريّة الفاسدة.. 


وبنهاية العالم ، بعد ان ساد الدمار والفساد .. ظهرت ذريّة هابيل السرّية ، لتعلن الحرب ضدّ الظالمين وإعلاء كلمة الله من جديد

^^^


وهنا استيقظ قابيل من كابوسه ، وهو يقول فزعاً :

- مستحيل ان هابيل مازال حيّاً ، فقد اوشك على التحلّل فوق كتفي قبل ان يعلّمني الغراب الدفن ! 

وسارع للقبر ، لحفره بكلتا يديه .. الى أن وجد جثة أخيه قابعة هناك


فتنهّد بارتياح : جيد ، مازلت في مكانك ..

ثم نفخ صدره بغرور :

- ذريّتي وحدها ستحكم العالم ، فالشرّ لابد منه..

ليسمع تصفيقاً من بعيد ، من رجلٍ ضخم يلبس رداءً اسود !

فناداه قابيل بقلق : من انت ؟!!

- انا ابليس المعظّم !!

- أأنت من حرمت ابي الجنة ؟!

- وانا ايضاً وسّوست لك بقتل اخيك

فغضب قابيل ، ورمى حجرةً عليه :

- ايها اللعين !! أخسرتني أخي وصديقي الوحيد

فابتعد ابليس عن الحجرة ، وهو يقول :

- انا مخلّد يا عزيزي ، ام أعجبتك فكرة القتل ؟

- إبتعد عني !! لا اريد رؤيتك ثانيةً 


إبليس : إسمعني جيداً ايها الوغد .. إن لم تنفّذ كلامي بالحرف الواحد ، سأخبر والدك بما فعلت .. وربما يدعي ربه ، فيسخطك لحيوانٍ برّي  

قابيل بارتباك : ابي ! كيف لم أفكّر بأمره قبل ارتكابي الجريمة ؟!

- عليك الإبتعاد عنه نهائيّاً

- والى اين اذهب ؟

- إنطلق ، وسأعيّن وجهتك التالية .. هيا اركض !! ماذا تنتظر ؟

قابيل بحزن : وماذا عن امي واختي ؟

- أتظن ستستقبلانك بالأحضان بعد فعلتك الشنيعة ؟ هيا توغّل بالغابة ، ففي نهايته نهرٌ جاري ستعيش قربه.. ولا تقلق من الوحدة ، سأرسل لك النساء بطريقةٍ او بأخرى


فانطلق قابيل مهموماً بالغابة .. بينما اقترب ابليس من قبر هابيل وهو يبتسم:

- جيد انني تخلّصت من البذرة الصالحة

***


بعد قرون .. نزل ابليس من سفينة نوح دون ان يراه احد ، وهو ينفض الغبار عن ردائه الأسود :

- رحلةٌ طويلة بالبحر ، وانا عالقٌ بزريبة الحيوانات النتنة ! لكن لا بأس ، طالما لم أغرق مع الفاسدين


وابتعد عن السفينة ، وهو ينظر للمؤمنين القلّة مع النبي نوح..

إبليس بغيظ : صحيح معظمهم من ذريّة الإبن الثالث لآدم (شيث) مع بعض الصالحين من ذريّة قابيل الذين لم استطع السيطرة عليهم إلاّ انني أنوي تحريضهم على قتل اولاد عمهم ، فهم كجدهم (قابيل) لديهم ميول عنيفة وحبّ السيطرة.. لكن عليّ الإسراع قبل تكاثرهم كالأرانب ، وتعميرهم الأرض التي هي ملك للجن والشياطين.. ومن حسن حظي ان الطوّفان أغرق العديد منهم .. كما انّي فخور بمقتل هابيل قبل زواجه فهو ملاك كوالده ، وذريّته حتماً ستكون من الصالحين .. أما ذريّة إخوته ، فسهلٌ إفسادهم .. (ثم نظر ثانيةً للنبي نوح ومن آمن معه ، قائلاً بحنق) .. إنتظروني ، سأعود اليكم قريباً

وذهب للتخطيط لفساده التالي !

***


لكن يبدو انه فشل بإنهاء البشريّة الذين أصبح عددهم تسعة مليارات نسمة ! مما أفقد ابليس صوابه : فأعطى تعليماتٍ صارمة لكل الجمعيات السرّية في العالم على تلويث الأراضي الزراعيّة والمياه والجوّ ، بالإضافة لنشر الأفكار الشاذّة بين الناس بعد ان وعدهم بدعمه المُطلق للمليار الذهبي ، في سبيل تحرير صديقه الدّجّال (كما وعده) .. لكنه بالحقيقة لا يهمّه عبّاده وعملائه البشريين ، لأن حلمه الوحيد هو إفناء نسل عدوّه الّلدود آدم ، ولأبد الآبدين !!! 


الخميس، 29 أغسطس 2024

الفتاة الروحانية

 تأليف : امل شانوحة

عدالة الأشباح 


عادت جاكلين متضايقة من مناسبةٍ عائليّة ، بعد ان سألتها قريبتها :

- ماذا تنوين فعله بعد التخرّج ؟ فأنت لم تتوظفين حتى الآن ، وغير مرتبطة بأحد

ولم تستطع الردّ عليها ، لشعورها بتوقف حياتها منذ زمن !

وظلّت تتساءل طوال الطريق :

((ترى مالهدف الذي خُلقت لأجله ؟ وماذا عليّ فعله لتحسين العالم؟))

^^^


وعندما دخلت مبناها وقبل استخدامها المصعد ، ناداها عجوز من خلف باب العمارة الحديديّ :

- إفتحي لي يا ابنتي !!


وفجأة ! شعرت جاكلين ببرودةٍ مفاجئة وقشعريرة تسري في جسمها ، فمنظر العجوز بعينيه الحادّتيّن أشعرها بضيقٍ مزعج ..

فقالت له بارتباك :

- إضغط على الإنترفون ، وسيفتحون لك

العجوز : ضغطّت أكثر من مرّة ، لكنهم لا يستجيبون !

- اذاً تعال في وقتٍ آخر

فأخرج ورقة من جيبه ، وهو يقول :

- اريد فقط تسليم صديقي هذه الفاتورة

فسحبتها بسرعة من يده ، من بين القضبان الحديديّة للباب الرئيسيّ

جاكلين : حسناً ، إخبرني أيّ طابق ؟

فانصدم من فعلها ! 

العجوز : الطابق الخامس  

جاكلين : آه ! هذا جاري ، سأوصلها له .. بالسلامة يا عم


وأدارت ظهرها وهي تضغط مراراً على زرّ المصعد للنزول اليها ، بينما يراقبها بحنق من خلف الباب !


وقبل وصول المصعد .. دخل جارٌ آخر المبنى ، ومعه العجوز ! وقبل صعود الثلاثة بالمصعد .. نادى البوّاب الجار ، فخرج من المبنى للحديث معه .. بينما صعد العجوز مع جاكلين التي كانت ترتجف من نظراته المرعبة .. والذي سحب الورقة منها بعنف ، وهو يقول بلؤم :

- أكان صعباً عليك فتح الباب ، يا امرأة !!


فلم تجد نفسها إلاّ وهي توقف المصعد ! ثم تهمس له :

- اعرف انه في شبابك ، قتلت رئيس عملك .. ومن يومها وانت تشاهد ذات الكابوس : روحه الغاضبة تقف فوق الشجرة ، وهو يرمي صخرةً كبيرة ، تحطّ بقوّة على صدرك .. اليس كذلك ؟

فسقطت الورقة من يده وهو يرتجف بشدة ! واضعاً يده الأخرى على صدره

- كيف عرفتي ؟!

جاكلين بثقة : أعرف كل شيء.. وأعرف انك صاعدٌ الآن لقتل جاري ، كونه الشاهد الوحيد على جريمتك بعد أن رآك في مراهقته وانت تدفن الجثة .. والبارحة حتى عرفت عنوانه ، وتريد القضاء عليه بالسكين الذي في جيبك


فحاول العجوز إخراج السكين لقتلها ، لكنها دفعته بقوة .. فسقط على أرضيّة المصعد وهو ينهج بصعوبة .. فأكملت قائلة :

- لم تعد قويّاً كالسابق ، ايها العجوز الخرف ..وما تشعر به الآن ، هي ذبحةٌ قلبيّة.. فخذّ انفاسك الأخيرة.. القاك لاحقاً في الجحيم !!

وخرجت من المصعد نحو شقتها ، تاركةً العجوز جثةً هامدة في المصعد !

^^^


وما ان دخلت منزلها ، حتى شعرت بخروجٍ شيءٍ بارد من جسمها ! ولم تفهم ما حصل ، وكيف عرفت كل هذه المعلومات عن الرجل المجهول ؟! 

وحبست نفسها طوال النهار في غرفتها ، لحين قيام الشرطة بنقل الجثة الى المشرحة

***


بعد اسبوع ، واثناء عودتها من عرس قريبتها مساءً .. شعرت ببرودةٍ مفاجئة تشبه ما حصل معها قبل ايام ! جعلها تنحرف بسيارتها نحو الغابة ، وكأن احدهم يوجّهها للطريق.. ثم تابعت سيرها مشيّاً على الأقدام .. الى ان وصلت لشجرةٍ ضخمة.. بعدها نزعت وشاحها الأحمر ، وربطته حول الشجرة .. وعادت الى سيارتها !


وبالطريق ، اتصلت بالشرطة :

- هناك جثة مدفونة تحت شجرة وسط الغابة ، قمت بوضع وشاحٍ احمر لدلّكم على مكانها .. 

وأعطتهم العنوان..


وبعد إغلاقها المكالمة ، شعرت بخروج هواءٍ بارد من جسمها الذي ارتجف بقوة ، لعدم فهمها ما يحصل معها ! وعادت سريعاً الى شقتها

***


بعدها بيومين .. حلمت مناماً غريباً : وهي روح الجثة المدفونة بالغابة تشكرها على دلّها الشرطة على مكانها ، وهي تقول بوجهٍ شاحب :

- لي سنوات مدفونةٌ هناك .. وأهلي يظنون انني هربت مع عشيقي ! لكنهم عرفوا الآن انهم ظلموني بشكوكهم السيئة ، ودفنوني بمقبرة العائلة.. اما قاتلي ، فقُبض عليه الشهر الفائت بجريمة قتل امرأةٍ اخرى .. لكن اللعين لم يخبر الشرطة عني ، كيّ لا تزيد محكوميّته ! فشكراً لإراحتك روحي.. بالنهاية هذه مهمّتك بالحياة

جاكلين : لم افهم !

الجثة : كنت تساءلتِ يوماً عن ذلك.. ولأنك روحانيّة ، فقد أوكلنا اليك مهمّة الإنتقام من قاتلينا ، وإرشاد الشرطة الى جثثنا

جاكلين بقلق : تتكلّمين بصيغة الجمع ! الم ينتهي دوري بالعثور على جثتك؟!

- لا ، مازال لديك الكثير من المهام


وأشارت الجثة الى شيءٍ خلفها .. فأدارت جاكلين ظهرها .. لترى عشرات الأشباح المقتولة تتوجّه نحوها ، وكأنها أملهم الوحيد لتحقيق العدالة !

قائلاً كبيرهم : لا تقلقي .. ارواحنا ستتجسّد جسمك ، وستشعرين ببرودتنا اثناء توجيهك لفعل الصواب

^^^


فاستيقظت جاكلين وهي تتنهّد بفزع :

- يا الهي ! ماهذه الوظيفة الصعبة ؟!


لتشعر بعدها ببرودةٍ مفاجئة ، جعلها تنهض من السرير في آخر الليل ، للقيام بالمهمّة التالية !


الثلاثاء، 27 أغسطس 2024

مُنقذ البشريّة

تأليف : الأستاذ عاصم
تنسيق : امل شانوحة 

الرجل الأخير 


مع بداية شتاء عام 2025 ضرب العالم وباء ، إنتشر بسرعه في كل الدول .. تماماً كما حدث في كورونا ، لكنه هذه المرّة فيروسٌ قاتل عجز العلماء عن تصنيفه او إنتاج لقاحٍ له ! والغريب انه لا يُصيب سوى النساء ، بمعدّل وفيات 100% بين الإصابات ، حاصداً ارواح الملايين يوميّاً من النساء بجميع الأعمار ..

فعرف العلماء ان هذا سيؤدي مع الوقت الی انقراض البشر (لعدم وجود النساء بطبيعة الحال) فلم يكن امامهم إلاّ تجميد بعض النساء الأصحّاء كحلٍ أخير ، عسی ان تنجو معهنّ البشريّة ..او ربما بعد سنوات تجد الأجيال القادمة حلاً مع تقدّم العلم  ..


وقد رأی العلماء انه من الأفضل إختيار شريحةً مُنتقاه بعناية ، تتمتّع بصحةٍ نفسيّةٍ وجسديّةٍ جيدة  

ووقع الإختيار علی إحدی دفعات خرّيجي كلّية الضيافة الجويّة اللآتي خضعنّ لإختباراتٍ قاسية ، وتم إنتقاء الواحدة من ضمن آلاف المتقدّمات للوظيفة 


وبالفعل تم تجميدهنّ في ظلّ ظروفٍ مُثلى تضمن بقاء الجنس البشري ..حيث وُضعت كل فتاة داخل ثلاّجة زجاجيّة ضدّ الكسر مع بطاريّة ذريّة تمنح المُبرّد الطاقة اللازمة ، ولوّ لسنواتٍ عدّة ! 

وتمّ وضع كل حافظة ، في صندوقٍ خشبيّ مُحكم .. مع كتيّب صغير ، ككتالوج ملخّص عن كل فتاة وحياتها قبل التجميد ..

وشُحنت الصناديق في طائرۃ تجاريّة بسرّيةٍ تامة.. علی ان تكون وجهتها إحدی الجزر النائية ، لإبعادهنّ عن فضول البشر بشكلٍ كافي..الى ان يعثر العلم علی حلٍ للوباء القاتل ! 

وتمّ تحديد موعد إقلاع الطائرة ليلة منتصف يناير ..

***


علی صعيدٍ آخر .. كان هناك شابٌ حقير مُدلّل يُدعى عاصم ، ابن ملياردير النفط الشهير رستم بك ..

وكان الشاب الفاسد لا يشغل حياته سوی التسلّي بفتيات الجامعة الخاصة التي اعتاد الرسوب فيها كل عام ! 

بالإضافة لفتيات النوادي الرياضيّة وفتيات الملاهي الليليّة وصالات القمار ، وصولاً لفتيات المتعة المدفوعة والراقصات وعارضات الأزياء ..

يعني باختصار لم يضيّع وقته ، وكان هذا منوال حياته اليوميّ : سهر وسفريّات وسِكر وعربدة ، كما يقولون !


كان عاصم قد حجز رحلة طيران لجزيرةٍ بعيدة ضمن إحدی سفريّاته من باب التجديد ، ليلة منتصف يناير قبل عيد ميلاده بإسبوعين ..كمغامرة تافهة جديدة تُضاف لسجل حياۃ المجون التي يرفل فيها ..

فبرغم أحداث العالم المُضطّربة بسبب الوباء الجديد الذي سمع عنه دون مبالاة ، إلاّ أن شخصيّته النرجسيّة لم تری سوی انعكاسها ! 


وكان مُقرّراً ان يلقى اصدقائه في المطار للسفر معاً .. لكن كانت هناك فتاةٌ فاتنة سعی خلفها لشهور ، حتی رضخت له .. يعني إحدی حملاته ، كما يحب تسميّة ضحاياه !

فلم يطيب خاطره بالسفر قبل الإجهاز عليها وتدميرها .. والتخلّي عنها لاحقاً ، كما فعل مع سابقيها !  

ولأنها ترفض السفر دون إذن اهلها .. إضطّر لتأجيل سفره ، على ان يلحق بأصحابه بعد ساعات ، برحلةٍ في طائرۃ والده الخاصّة 


وبالفعل أنهی الفاجر لقائه مع الفتاة ..ثم هرع الی مدرّج الطيران في شركة والده ، مُستقلّاً طائرته الفخمة .. 

بعدها أقلع الطيّار فوق المحيط الشاسع بأمان ، قبل هبوب عاصفةٍ هوجاء ظهرت من العدم ! جعله يفقد السيطرة على الطائرة ، بعد توقف اجهزۃ الملاحة والتحكّم الآلي عن العمل ! 


وخلال دقائق .. حاول الطيّار العجوز السيطرة على القيادة بكل الطرق ، الى ان فشل قلبه بتحمّل كل هذا الأجهاد ، ومات بنوبةٍ قلبيّة! 

فأصيب عاصم بحالة من الذعر ، خوفاً من تحطّم الطائرة التي سقطت بالنهاية فوق اشجار إحدی الجزر في قلب المحيط ..


ولحسن حظه او ربما لسوءه ، لا ندري ! لم يُصبّ عاصم بأذى ، سوی بعض الخدوش والكدمات ..

ربما لأن الحياة عادلةٌ جداً ، كما تعلمون .. او ربما لم يحنّ اجله بعد ! وقد كُتب لذاك الفاجر دوراً يؤديه ، كالظفر بجولةٍ قادمة من حملاته وبطولاته الفارغة مثله ..

^^^


بعد سقوط الطائره .. إستطاع عاصم الخروج منها ، للبحث عن المساعدة لنجدته ..وصار يتجوّل في الجزيره هنا وهناك .. الى أن ادرك خلوّها من البشر ، فليس فيها سوی الغابات والحيوانات ..(ويبدو ان عدد الحيوانات إزداد واحداً) 


بعد الكثير من السير والإنهاك ، قرّر الإستراحة للتفكير بذهنٍ صافي .. وعبثاً لذاك العقل الذي لم يعمل إلاّ كصيادٍ بلا قلب ، أن يُسعفه بأفكارٍ مفيدة! 

***


علی الصعيد الآخر ، كانت طائرۃ الشحن التي تحمل امل البشريّة وأثمن الطرود تُحلّق فوق المحيط .. قبل أن تصيبها الصاعقة بعد تردّي الأحوال الجويّة بشكلٍ مُفاجئ .. وبسببها تعطّلت جميع المحرّكات.. 

حيث حاول قائد الطائرة المناورة والهبوط بها فوق الماء .. لكن كابينة القيادة وذيّل الطائرة غرقا في المحيط ، بينما بدن الطائرة سقط قرب شاطئ الجزيرة ! 

ولحسن الحظ لم تتأثّر الصناديق ، لتثبيتها جيداً مع تغليفها من الخارج بعدّۃ طبقات سميكة كجدارن حماية مكوّنة من الياف ومطّاط ، مانعةً للصدمات .. بينما هلك كل الطاقم الذين غرقوا في المحيط ..


وهنا انتبه عاصم علی صوت سقوط الطائرة ! فمشى على طول الشاطئ حتى وجدها.. وهرع نحوها ، لعلّه يجد احداً فيها ..ولكنه وجدها فارغة إلاّ من مئات الصناديق الخشبيّة ! دون ان يجد شيئاً آخر يُفيده في محنته .. 

ففتح ثلاثة صناديق ، ليُصاب بصدمة بعد رؤيته ما بداخل الحافظات الزجاجيّة 

بعدها أحصی الصناديق .. ليجدها 365 صندوقاً ، كلّها مُتماثلة من الخارج! 


ثم وجد صندوقاً صغيراً : فيه جميع الملّفات التي تحوي مُلخّص عمليّة التجميد ، والهدف منه .. مع رسالة للجيل (الذي سيجد الصناديق في المستقبل ) بما عليهم فعله لتحرير الفتيات المُجمّدات : وكانت العمليّة بسيطة وسهلة (بعد إيجادهم علاجاً او لقاحاً للمرض الفتّاك) وهو وضع الفتاة المُتجمّدة في وعاء المونيوم كبير (موجود ضمن الشحن) وغمره بمياهٍ دافئة ، الى أن تستعيد الفتاة حرارتها الطبيعيّة ! 


وكان عاصم مذهولاً مما قرأه ، وانتابه الفضول .. وبدأ بفتح جميع الصناديق لإلقاء نظرة فاحصة علی كل فتاة ، فهنّ بالنهاية همّه الوحيد بالحياة !


وفجأة ! تسمّر مكانه بعد رؤيته فاطمة ، زميلته في الجامعة التي تخرّجت قبله بسنتيّن .. وهي الفتاة الوحيدة التي لم ترضخ له ، بل استهزأت بثروته ومكانته ونفوذه ! لذلك لم ينسها يوماً .. فهو حاول بكل الطرق إستمالة قلبها ، لتلين له ..وعبثاً فعل .. ففاطمه (او بطّة كما كان يُدلّلها) لم تكن من النوع السهل .. بل كانت تشمئزّ من اخباره القذرة.. حتی حينما عرض عليها الزواج الشرعيّ بعد يئسه منها ، رفضته ايضاً .. فجنّ جنونه ، فهو لم يعتدّ ان ترفضه الفتيات!

فكانت فاطمه هي الصفعة التي تلقاها لأوّل مره في حياته ، بعد أن اخبرته بأنها ليست قطعة لحم رخيصة يشتيها متى يشاء ، كما فعل مع غيرها ..


المهم ، بعد استعادة وعيه من الصدمة .. قرّر تطبيق تعليمات الشحن على فاطمة اولاً..  

وبدأ بسكب الماء في الوعاء الكبير الذي وضعه على الشاطىء ، واضعاً أسفل منه مجموعة من الأغصان التي أشعلها بولّاعته .. وجلس ينتظر ان يذوب الثلج عن جسد فاطمة المُتخشّب المُتحجّر ..


وبعد ساعة ، بدأت ذراع فاطمة تتحرّك ببطء .. فأخرجها برفق بعد لفّها برداء كبير ، وجده بالشحن .. ووضعها علی الأرض ..

وما أن فتحت عينيها ، حتى بدأت الصراخ وهي تخمش وترفس بقدميّها .. فصفعها بقوّة ، لكيّ تهدأ.. فجلست مُتكوّرة مذهولة ، كأنها وُلدت منذ دقائق! 

ثم اطالت النظر اليه ، مُضيّقة عينيها كأنما تتذكّر وتستثبت .. الى أن صرخت بصدمة : 

- أهذا انت ايها الوغد ؟!! مالذي جاء بك هنا ؟! هل خطفتني ؟ واين زميلاتي ؟! 


فحكی لها ما حصل ، وهي تسمعه بذهول ! 

وتتساءل في نفسها : ((أتعقل هذه المصادفة ؟! ألم تسقط طائرتنا إلاّ علی جزيرة لا يوجد فيها سوى هذا البغيض ؟!)) 


ثم تحدّثا مطوّلا عن الأحداث الجارية بالعالم الذي تحوّل لحديقة حيوان كبيرة من القرود والخنازير والكلاب الضالة لبعض الرجال الذين صُدموا من فناء النساء بعد ذلك الوباء الذي جعلهم عدوانيين .. والكثير منهم لم يتحمّل الوحدة الإجباريّة ، فانتشر بينهم الإنتحار الجماعي والفردي ، حتی فُني ما تبقى من البشر ! 


في هذه الأثناء .. إقترحت بطة ان يقوما بإيقاظ بقيّة الفتيات ، فلم يعد هناك مبرّراً من بقائهنّ مُجمّدات.. خاصة ان كل فتاة تمّ تدريبها علی إحدی المهارات والعلوم والفنون والآداب والحِرف والمهن اللازمة لبناء البشريّة من جديد ..وكان من المُفترض ان تنجب كل فتاة ، طفلاً كل سنتين علی أبعد تقدير ..

علی ان يتزواج الأطفال الجدد من بعضهم بمجرّد بلوغهم ، بشرط السماح لكل ذكر بمجموعة من الإناث .. هكذا بدون تعقيدات ، فلا وقت لتضييعه 


وبدأ عصام وبطة بإيقاظ جميع الفتيات ، وإخبارهنّ بما حصل ..

^^^


لاحقاً وُضع جدولٌ زمنيّ مُحدّد ، تحظی فيه كل فتاة بيومٍ واحد في السنة مع زوجها الجديد والوحيد عاصم ! 

وبسبب الوضع الإستثنائي ، نست بطة عداوتها لعاصم .. بل أصبحت مع الوقت يده اليمنى ، ورئيسة الفتيات (لمكانتها الكبيرة في قلبه) 


وللمفارقة العجيبة ، وقعت علی عاتق الفاسق عاصم مُهمّة بناء البشريّة من جديد ! إذّ أهّلته خبرته وتجاربه العديدة مع النساء أن يسوق هذه الأغنام بلا عصا بغير تراخي ولا إفراط .. وساعده بهذا ، معرفته بنقاط ضعف النساء.. فلم تشرد منه نعجة منهنّ ولم تنشزّ ، كما يقال ..

هذا لأن الحياة عادلة ، كما أسلفنا .. فكان هو أحقّ رجلاً بهذا العبء  

^^^


ومضت الحياة علی هذا المنوال ، بسيطة دون تعقيد .. بالنهار يعملنّ كلاً حسب مُهمّتها .. وبالليل يجلسنّ حول عاصم علی الشاطيء .. يتسامرون .. وقد عقدوا مسرحاً صغيراً تُقدّم عليه كل فتاة فقرة من الرقص الشرقي الذي كان مُولعاً به .. وكنّ يتبارينّ ويتسابقنّ في إسعاده ونيّل رضاه ! بينما يفتل شاربه في حكمةٍ ورضا وهو يتنهّد على تضحيّته الجبّارة لبقاء النوع والفصيلة ، دون تذمّر ! 


الأحد، 25 أغسطس 2024

اللحظة الحاسمة

تأليف : امل شانوحة 

مفترق الطرق


خرجت مروى بكامل اناقتها لملاقاة حبيبها (ابن صاحب الشركة الذي تعمل لديه) وقبل ركوب سيارتها ، أوقفها ابن الجيران وليد وهو يقول بارتباك :

- اردّت إخبارك بشيء منذ سنوات

- ماذا تريد ؟ انا مستعجلة

وليد : انا أحببتك منذ الطفولة ، وأريد التقدّم لخطبتك


فنظرت اليه باشمئزاز كونه صاحب متجر أقمشة ، بينما تطمح للزواج من الثريّ الوسيم..

- آسفة يا وليد ، أنا مُرتبطة 

وقادت سيارتها ، بعد تحطيمها مشاعره الصادقة دون مبالاة !

***


بعد خروجهما من المطعم ، أمسكت يد حبيبها وهي تقول بدلال :

- متى ستخطبني يا لؤيّ ؟ فأهلي يضغطون عليّ للزواج بغيرك

- اذاً وافقي على العريس .. ماذا تنتظرين ؟


وقد استفزّتها إجابته الباردة ، مما اشعل حرباً كلاميّة بينهما .. ليردّ بلؤم :

- هل توقعتِ زواجي من موظفة بسيطة في شركة والدي ؟ لا عزيزتي .. أنا لن ارتبط إلاّ من طبقةٍ إجتماعيّة تناسب عائلتي الراقية

مروى بعيونٍ دامعة : وماذا عن وعودك السابقة ؟ 

لؤيّ بابتسامةٍ صفراء : كنت أتسلّى فحسب

فبكت بقهر ، وهي تعاتبه :

- ليتني لم احبك يوماً 

ليُجيبها بحقارة : 

- وانا لم احبك مُطلقاً !!


فنزل كلامه كالصاعقة على قلبها ، مُحطّماً احلامها ومستقبلها وثقتها بالرجال دفعةٍ واحدة !

وركبت سيارتها عائدة الى منزلها وهي منهارة بالبكاء ، وتنوي الإستقالة حتى لا تلتقي به مجدداً

^^^


وفي الطريق ، تذكّرت وليد .. فاتصلت به

ومن دون مقدّمات ، قالت له :

- انا موافقة على طلبك ، لكن لديّ شرطيّن

فنهض من سريره متفاجئاً من تغيّر قرارها !

وليد : وماهما ؟!

مروى : غداً صباحاً نذهب للمحكمة الشرعيّة لعقد القران

وليد بدهشة : غداً ! وماذا عن الأهل ؟

- نتزوّج اولاً ، ثم نخبرهم

- وما شرطك الثاني ؟

مروى : ان تكون لي غرفتي الخاصة .. يعني شهراً على الأقل 

- لم أفهم هذا الشرط !

- لأكن صريحةً معك .. كنت مُرتبطة بالفعل كما أخبرتك ، وانفصلنا قبل قليل

فسألها وهو يكتم غيظه : اذاً تريدين الزواج بي لتغيظينه ؟!

- لا موضوعه انتهى ، ومسحته من عقلي .. لكن قلبي يحتاج بعض الوقت لأنساه

وليد : حسناً كما تشائين .. وشقتي جاهزة

^^^


ونامت تلك الليلة وهي تشهق بالبكاء ، وتلوم نفسها على إخلاصها لأحمقٍ لم يقدّر حبها .. حيث تردّدت جملته القاسية في ذهنها مِراراً :((انا لم احبك مُطلقاً !!)) والتي كانت اللحظة الحاسمة ، ونقطة التحوّل في حياتها

***


في الصباح ، تلقّى لؤيّ إتصال من صديقه :

- تعال بسرعة الى المحكمة الشرعيّة ، فحبيبتك على وشك الزواج برجلٍ آخر

فردّ بنعاس : لا هذه تمثيليّة ، بعد رفضي الزواج بها البارحة 

- هي بالفعل ستتزوّج بعد قليل .. واتصلت بي لأكون شاهداً على زواجها من رجلٍ يُدعى وليد .. ونحن الآن بانتظار الشيخ.. سأرسل لك العنوان


فأسرع لؤيّ الى هناك .. فرغم عدم رغبته الزواج بها ، إلاّ انه غير مستعد للتخلّي عن حبيبته الفاتنة  

او بالأصح ، إعتبرها إهانة لإيجادها بديلاً عنه بهذه السرعة !

^^^


بعد موافقة العريس على الزواج .. سأل الشيخ مروى :

- هل تقبلين الزواج بوليد ؟


وكانت متردّدة بالإجابة ، الى ان رأت لؤيّ يطلّ من باب القاعة .. فنظرت اليه بلؤم وتحدّي ، وهي تُجيب الشيخ :

- بالطبع موافقة !!

الشيخ : اذاً أعلنكما زوج وزوجة


لتشعر مروى بالإرتياح بعد رؤية الصدمة واضحة على لؤيّ الذي لم يعتقد بخسارتها سريعاً !

^^^


وبعد ركوبها سيارة زوجها .. إنطلقا لشقتهما .. 

وفي الطريق ، لمحت سيارة لؤيّ تلحقهما .. فابتسمت ابتسامة النصر لجعل قلبه يحترق ، كما فعل معها البارحة 


وبعد صعودهما الى شقتهما بالطابق الأول .. طلبت من عريسها خلع قميصه اثناء غلقه ستارة الغرفة .. دون فهم وليد غايتها من ذلك ! فهو سينام بالغرفة الثانية (حسب شرطها) .. لكنها تعلم بأن لؤيّ يراقبهما اسفل العمارة ، وتريده أن يتأكّد بخسارتها تماماً ! 

^^^


وبالفعل عاد لؤيّ مقهوراً الى فيلا والده .. ليس لحبه لمروى ، بل لنجاحها بالإنتقام منه ! وهذا زاد من إنحرافه في الأسابيع التالية التي قضاها بالنوادي الليليّة ، مما أفقد والده اعصابه بعد خسارته مبلغاً ضخماً بلعب القمار .. فأخذ قراراً حاسماً بطرده من الشركة.. 

ولكيّ يوفّر لؤيّ المال لدائنيه ، تورّط بتوزيع المخدرات على اصدقائه من الطبقة المخمليّة !

^^^


في المقابل .. استمرّت مروى بالنوم في غرفتها ، بعيداً عن زوجها الذي تكفّل بأعمال المنزل مع عمله المرهق بالمتجر.. لكن إخلاصه لها ، لم يجعلها تحبه ! حتى الليلة التي سهر بها اثناء مرضها ، لم يحنّ قلبها له !


وفي يوم ، إتصل بها عامل المتجر لإخبارها بهجوم اشخاصٍ على زوجها دون سببٍ او مبرّر ! 

فأسرعت الى هناك ، لتجد لؤيّ يعطي الأوامر لضرب زوجها بوحشيّة ! فتوجّهت اليه :

- لويّ ايها اللعين !! لما تضرب زوجي ؟ دعهم يتوقفون حالاً!!

لؤيّ : هو يستحق الضرب لسرقته حبيبتي

ثم شدّ ذراعها ، لإدخالها عنوةً الى سيارته وهو يقول : 

- اعرف انك لم تتزوجينه بعد .. واريدك ان تُنهي التمثيليّة السخفية ، وتعودين اليّ !!

فصفعته وهي تصرخ غاضبة :

- انا حاملٌ منه !!

فتوسّعت عينا لؤيّ من الصدمة ، فهو كان متأكّداً من إخلاصها له !

مروى باشمئزاز : خذّ رجالك وابتعد عن زوجي وحياتي كلّها ، ايها التافه المدلّل !!

^^^


وبعد ذهابهم ، أعادت وليد الجريح الى المنزل .. ثم اقتربت منه لتداويه ، لكنه أبعد يدها مقهوراً مما حصل .. قائلاً بحزم :

- غداً نتطلّق ، فأنا لا ارغب أن اكون زوجاً على ورق .. رجاءً أُخرجي من غرفتي


وللمرّة الأولى شعرت بالخوف من خسارته ، فهي لا ترغب بالطلاق بعد تعوّدها عليه !

^^^


وبعد ساعة ، قدِمَ والدها للإطمئنان على صهره بعد علمه بالحادثة ! 

وبعد عشائهم سوياً ، شدّ يد وليد :

- انا فخورٌ بك ، وسعيد بأنك صهري .. فقد كنت قلقاً من تعلّق ابنتي بالغنيّ الفاسق .. انت أصبحت سندي ، يا بنيّ

فنظرت مروى الى زوجها بقلق ، ففهم عليها


وبعد ذهاب حماه ، أخبرها بتأجيله موضوع الطلاق ..

***


وفي الأيام التالية ، حاولت مروى تحسين علاقتها مع زوجها .. وصارت تهتم بأعمال المنزل ، وطبخ الأصناف التي يحبها.. لكنه ظلّ مُتحفّظاً معها ، لعلمه بأن قلبها ليس له !


الى ان جاء يوم .. اضّطرت اخته لوضع اولادها عنده ، وذهابها مع زوجها للمستشفى لإنجاب الطفل الرابع 


فاهتمت مروى ووليد بالأولاد الثلاثة .. لكنهما لم يستطيعا تهدئة الصغير الذي بكى طوال الليل شوقاً لأمه .. مما أجبرهما على إنامته بينهما في السرير ..


ليستيقظا فجراً ، بعد ان بلّل فراشهما .. فقاما بتحميمه وهما غارقان بالضحك 

وعندما رأت زوجها يهتم بالطفل بحنان ، قالت له : 

- ستكون اباً رائعاً يا وليد

- وانت ستكونين اماً حنونة لإبنك 

مروى : تقصد ابننا 

فنظر اليها بدهشة : أحقاً تريدين الزواج بي ؟!

- نعم ، فقد عرفت قيمتك بعد ان اوشكت على خسارتك

- وماذا عن اللعين ؟

مروى : زميلتي بالشركة أخبرتني بما حصل ِأله .. فقد قبضت الشرطة عليه بتهمة توزيع المخدرات .. وهو الآن بالسجن ، بعد تبرّي والده منه

- توقعت هذه النهاية للشاب الفاسد

- الحمد لله ان القدر وضعك في طريقي .. فلوّ تزوجته ، لطاردتني الصحافة بتلك الفضيحة

^^^


بعدها قرّرا الذهاب في رحلةٍ كشفيّة ، قرّبت المسافة بينهما بعد مشاركتهما ذكريات الطفولة والمراهقة .. فهما كانا مُقرّبان من بعضهما ، قبل عملها بالشركة وطمعها الزواج من ابن مديرها .. بينما احتفظ هو بحبها في قلبه ، رغم جفائها ! الى ان حنّت اليه اخيراً ، لتشابهما بالصفات والتربيّة الحسنة

***


وبعد سنوات.. وفي طريقها لإيصال ولديّها التوأميّن للمدرسة .. أوقفها رجلٌ بشعرٍ ولحيّةٍ طويلة .. فأخرجت بعض النقود لإعطائها للرجل المشرّد ، الذي قال لها : 

- انا لا اريد مالك يا مروى 

فنظرت اليه جيداً ، لتقول بدهشة :

- لؤيّ ! أهذا انت ؟!

- نعم ، خرجت من السجن قبل ايام

مروى : وماذا تريد مني ؟! 

- علمت بتحسّن اعمال زوجك ، وفتحه لمتجرٍ آخر .. واريد العمل لديه ، فوالدي يرفض استقبالي في منزله .. وانام في سيارتي منذ ايام .. رجاءً ساعديني

مروى : سأسال زوجي اولاً

^^^


وبالفعل وافق وليد على توظيفه في فرعه البعيد ، كيّ لا يقترب ثانيةً من زوجته التي تحمد الله الذي وفّقها بزوجٍ شهم ، وأبٌ حنون لولديّها .. بعكس لؤيّ الذي سيبقى عازباً لفترةٍ طويلة إثر حرمانه من الميراث ، بعد خسارته سمعته ولقب عائلته الراقيّة طوال حياته المزريّة !


الجمعة، 23 أغسطس 2024

حرقة قلب

تأليف : الأستاذ ساهر
تنسيق : امل شانوحة 

الرابط الأقوى !


في إحدى القريتيّن المتواجدتيّن في جبلٍ بإفغانستان .. ((نشأ إحسان وحيد ابويّه ، بجوار عائلة مكوّنة من أبويّن وثلاثة أخوات : من بينهنّ فتاة إسمها ياسمينا وهي الوسطىٰ ، وتعتبر أجمل بنات القرية.. بينما إحسان يكبُرها ببضعة شهور  


وقد اعتادا اللعب مع أطفال القرية وسط الحارة بكل براءة ، وهم يردّدان أهازيج الطفولة ..

وكانت الأسرتيّن تربطهما علاقة وطيدة .. والطفلان إحسان وياسمينا كثيرا القرب من بعضهما ، وكل أهالي القرية تشهد بذلك .. حيث ذهبا معاً الى المدرسة الإبتدائيّة المختلطة ، وإحسان وياسمينا يداً بيد وهو يحمل حقيبتها المدرسيّة.. 

^^^


وفي إحدى المرّات وبوقت الإنصراف .. سأله الأستاذ : من هذه يا إحسان؟

فأجابه ببراءة : هي أُختي 


فضحك عليه اصدقائه لمعرفتهم بمحبة ياسمينا له ، والتي اعتادت الإحتماء به كلما شعرت بالخوف او الحزن .. ولأنها معروفة بشقاوتها مع الصبيّة ، فقد تكفّل إحسان بحمايتها منهم .. مما جعل إخوتها يغرنّ منها لعدم تجاوبه معهن كما يفعل معها ، وتنفيذه لكل طلباتها دون مماطلة 

^^^


إلى أن وصلا للمرحلة الثانويّة ، ومشاعرهما لم تتغيّر بل زادت قوّةً وصلابة.. حيث رفض إحسان الأكل الا من حلويات ياسمينا التي برعت بإعدادها .. 

فأرادت الأسرتان خطبة إحسان وياسمينا ، لتكتمل الفرحة التي طالت إنتظارها ..فكانت الصدمة بجواب إحسان لوالديّه : 

- لكن شعوري نحو ياسمينا بأنها أختي الصغيرة فحسب !

فظن والداه انه خجولٌ منها ، وأنها مسألة وقت حتى يتجاوز تلك المرحلة


بينما حزنت ياسمينا من بروده المفاجئ اتجاهها ، ظانّة بعشقه لغيرها ! بالرغم أن مشاعر إحسان نحوها لم تتغيّر ، فهو يحبها منذ الطفولة .. لكن ليس كما تظن هي وأهلهما ! 

***


مرّت السنوات ، وكبر الشابان .. وإحسان مازال مُتحفّظاً اتجاه ياسمينا التي مازال يعتبرها كأخته .. بينما هي تفيض شوقاً له ، وترفض الزواج بغيره 


فظنّت القرية إن رفضه الزواج بها هو بفعل سحرٍ او حسد .. وانتشرت إشاعة بحبه لفتاةٍ اخرى ، او كونه شاباً لعوباً او يعاني من مشكلةٍ نفسيّة ..وصولاً بأنه شخصٌ مخادع تلاعب بمشاعر ياسمينا التي احتارت بين عقلها وقلبها !

^^^


الى أن جاء يوم فقدت فيه اعصابها بعد إخباره بتقدّم عريسٍ لها ، فشجّعها على القبول به ! وصارت تضربه وتخدشه ، وهو يحاول تهدأتها بأنها غالية على قلبه وحزنها يقهره ! فحاولت تذكيره بطفولتهما وذكريات الماضي ، ليحنّ قلبه لها .. 


فقال لها بحنان : 

- الزوجة تُقيّم بالمهر والذهب ، وإن افترقت عنها بالطلاق او الخصام يكون لديّ بديل ، فالدنيا مليئة بالنساء .. لكن أنتِ بمنزلة الأخت التي لا تعوّض ولا تُقدّر بثمن ، ولن يأخذ أحد مكانتك في قلبي 


ثم قبّل رأسها وهو يحاول إقناعها بأن الإنسان لا يختار أحاسيسه ، وأن شعوره نحوها هي مشاعر الأخ لأخته الصغرى 

فتسمّرت نظرات ياسمينا متوهّجة في عين إحسان لفترةٍ طويلة ، حتى ذرفت الدموع دون نطقها بكلمةٍ واحدة))

***


ظلّ الوضع متوقفاً بينهما ، الى أن أُقيم حفلٌ شعبيّ يُقام كل عشر سنوات لجمع العشّاق الشباب وتزويجهم على يد الشيخ الوحيد بالقرية ، بحضور الأهالي 


وفي منتصف الحفل ، قدمت سيدة (معروفة بانعزالها عن الجميع ، والبعض يصفها بالمجنونة) لتخبرهم بشيءٍ صادم !

مُعلنةً بصوتٍ جهوريّ : 

- لن يتزوّج احدٌ منكم ، لأنكم جميعاً إخوة بالرضاعة !!

فسألها احد الأباء بعصبية : هل عيشك وحدك أفقدك صوابك يا امرأة؟!

السيدة : لا أظن الجميع يعرف قصتي .. فأنا بصبايّ أحببت شاباً من القرية المجاورة ، قبل النزاع الكبير الذي حصل بين رئيس قريتنا وقريتهم ، واللذان آمرا بقطع الطرق بيننا بالأسلاك الشائكة .. وبذلك حرموني من حبيبي ! وبعدها زوّجني اهلي من رجلٍ جلِف ، طلّقني وسافر للخارج بعد موت طفلنا قبل سنوات .. ولأني عُرفت بحليبي الغزير ، قمت بتجميعه وتثليجه .. ثم وزّعته كمثلّجات على كل اولادكم من عمر السنتيّن حتى 12 سنة .. واستمرّيت في ذلك على مدى ايام ، لهذا جميعهم إخوة !!


فسأل الأهالي الشيخ بقلق : 

- اليس المفترض ان تكون الرضاعة طبيعيّة ، وان تكون بعددٍ مُشبع؟ 

الشيخ بارتباك : أظن في الأمر شُبهة ! والأفضل ان لا يتم الزواج بينهم 

فقال احد الأباء المتديّنين : انا لن أُزوّج ابني من بنات القرية ، لخوفي الوقوع بالحرام

السيدة : وهذا هدفي !! لأنكم مُجبرون الآن على إزالة الحواجز بيننا وبين القرية المجاورة .. فنحن وهم الوحيدين القاطنين هذا الجبل .. فإما ان ينقرض نسلكم ، كما حصل معي .. او تمشوا مسافة اميال ، لتزوّجوا اولادكم من القرى الأخرى .. القرار لكم !!


وتركتهم عائدة الى منزلها برأس الجبل ، تاركةً الأهالي حائرين من سبب قيامها بتلك الحيلة الخبيثة : هل رغبةً منها لإنهاء الخلاف بين القريتيّن الذي دام لسنوات ، ام هو إنتقام لحرمانها من حبيبها ؟! بجميع الأحوال نجحت في تدمير قلوب العاشقين المُرهفة ! 


((وفي خضمّ الهرج والمرج الذي حصل بالحفل ، أخذ إحسان ياسمينا جانباً ليقول لها:

- ارأيتي لما رفضّت خطبتك ؟ الآن بتنا إخوة بالفعل .. وسأكون سندك طوال حياتي ، يا اختي الصغرى)) 


لتعود ياسمينا حزينة الى بيت اهلها ، كبقيّة العشرين شاباً من اهل قريتها الذين ناموا تلك الليلة غارقين بدموعهم بعد ان كسرت المرأة المجنونة قلوبهم للأبد !


الثلاثاء، 20 أغسطس 2024

الصهر العربي

تأليف : امل شانوحة

 

المعاملة الحسنة


في قاعة الأفراح بأميركا .. إنتظر المعازيم دخول العريسيّن لبدء الخوري مراسم الزواج.. بينما جلس والد العروس في المقدّمة بجانب شريكه الذي سأله فور رؤيته لأحمد يدخل القاعة :

- مالذي اتى به الى هنا ؟! 

والد العروس : كنت عزمت جميع الموظفين على عرس ابنتي

- وهل وظّفت ذلك العربيّ ؟!

- بالبداية رفضّته ، فأولئك الهمج لا يجلبون سوى المصائب .. لكن شهاداته جيدة بالفعل ! كما اقترح العمل شهراً بالمجّان ، بعدها أقرّر تثبيته او طرده .. فلم اجد مانعاً من ذلك

الشريك : انت تملك النسبة الأكبر من شركة الإلكترونيّات ، لذا قرار التوظيف لك .. لكن إحرص من ذلك العربيّ ، فطباعهم غريبة علينا 

فوافقه على رأيه ، ثم نظر الى ساعته بقلق :

- لقد تأخّر العريسان ! سأذهب لرؤية ابنتي

^^^


ليجدها في غرفة الملابس تبكي بمرارة ، بعد إتصال من عريسها يُخبرها برفضه الزواج بها !

الأب بعصبية : وهل غيّر اللعين رأيه بعد علمه بحملك ؟!!

ابنته وهي تمسح دموعها : هو على علم بهذا الموضوع !

- اذاً لما يرفض القدوم ؟!

ابنته بضيق : أتسألني يا ابي ؟! الم تطلب من محاميك إقناعه توقيع التنازل عن ميراثك ؟!

- فعلت ذلك لأتاكّد من حبه لك ، دون طمعه بأموالي.. وطالما رفض إتفاقيّة ما قبل الزواج ، إذاً هو نذل كما توقعته

- كان بإمكانك تأجيل الموضوع لنهاية شهر العسل.. ماذا افعل الآن ، والمعازيم بانتظاري ؟!

الأب بقلق : عدا عن الصحافة وموظفي الشركة ! هذه والله مشكلة ، وفضيحةٌ كبيرة


وهنا تذكّر موظفه العربيّ..

الأب : آه لحظة ! أظنني وجدّتُ الحلّ

واتصل بأحمد ، للقدوم الى غرفة الملابس بالحال..

^^^


وما أن دخل احمد ، حتى أخفض رأسه بعد رؤيته العروس

- هل طلبتني سيدي ؟

المدير : أُدخل بسرعة ، واغلق الباب خلفك


ثم أخبره بما حصل ، طالباً منه التمثيل امام الجميع بأنه العريس (طالما لا يعرف احد شكل العريس الهارب)

فنظر احمد للعروس التي كانت مُرتبكة من خطّة والدها ، مُحاولاً إستيعاب ما سمعه!


فأمسك الأب يد ابنته ، في محاولة لتهدأتها : 

- ابنتي ، هذا هو الحلّ الوحيد .. فأحمد موظفٌ جديد ، لا يعرفه احد .. (ثم نظر لأحمد) ..وإن وافق على تمثيل الدوّر ، سأثبّته بالوظيفة.. بالإضافة لمكافأةٍ ماليّة.. لكن بعد توقيعه اوراق المحامي ، بعدم الحصول على اموالي

ابنته بعصبية : أستكرّر نفس الخطأ يا ابي ؟!!

الأب بإصرار : هذا شرطي !! فالمحامي حضّر الأوراق الرسميّة ، وهو الآن بالقاعة.. كل ما سنفعله ، هو تغيّر اسم العريس بالعقد

احمد : لا مشكلة لديّ ، سيدي .. لكن أتمنى تثبيتي في الوظيفة ، للصرف على زوجتي وابنها.. (ناظراً لبطن العروس المنتفخ بعد دخولها الشهر السادس)


الأب : لا ادري ما نواياك يا احمد ! لكني سأراقبك عن كثب 

احمد : اريد الستر على ابنتك ، فلديّ ثواب عظيم إن فعلت ذلك .. وليس لديّ نوايا اخرى  

الأب بحزم : إسمعني جيداً !! هذه التمثيليّة ستنتهي بعد شهر العسل .. بعدها نبدأ بإجراءات الطلاق 

احمد : لا سيدي ، سأطلّقها بعد إطمئناني عليها وعلى ابنها .. يعني بعد شهر او شهرين على ولادتها 

الأب : لكن ..


العروس مقاطعة : ابي !! انت تتفق معه ، دون استشارتي 

الأب بعصبية : انا احاول منع الفضيحة بعد هرب اللعين الذي اخترته بنفسك !! 

العروس : وانا لا أعارض الموضوع .. لكن لديّ شرط !! ان يكون لكل واحدٍ منا غرفته ، فأنا لا اعرف احمد جيداً !

فنظر احمد الى بطنها :

- اساساً لا يحقّ لي لمسك ، وانت حامل..

الأب باستغراب : ومن قال ذلك ؟!

احمد : شريعتي الإسلاميّة.. (ثم نظر للعروس) ..لا اريدك ان تقلقي بهذا الشأن ، سأهتم بك دون تعدّي حدودي 

الأب : وهل بإمكانك الإهتمام بها ، دون خدم ؟ لخوفي من توصيلهم الخبر للصحافة بتواجدكما في غرفتيّن منفصلتيّن ، فتنكشف الخطة

احمد : لا مشكلة لديّ .. فأنا اعيش وحدي بالغربة منذ سنوات ، وأجيد الطبخ واعمال المنزل .. كما لديّ إخوة صغار في وطني ، وأعرف الإهتمام بالأطفال


وهنا وصل المحامي الى غرفة الملابس .. وبعد توقيع احمد على إتفاقية الزواج .. خرج المحامي وهو يُخبر الأب بضجر الحضور من تأخر العروسيّن 


فنظر الأب الى ملابس أحمد : جيد انك لبست طقماً رسميّاً ، وليس زيّاً عربياً غريباً .. هيا استعدا .. فبعد قليل تدخلان القاعة وانتما مُمسكا الأيدي ، مفهوم !!

^^^


وسبقهم الأب الى هناك ، للتحدّث مع شريكه (الذي يعرف احمد) وحلّفه ان لا يخبر احداً بما حصل


بعد انتهاء الخوري من تزويجهما ، وسط تصفيق المعازيم .. أعطى منظّم العرس الميكروفون لأحمد لإلقاء كلمة.. فتصبّب الأب عرقاً ، خوفاً من الفضيحة

فقال احمد بصوتٍ رزين :

- انا ممتنّ جداً لعمي ..(وأشار لمديره) .. لموافقته الإقتران بإبنته الجميلة .. وأتعهدّ امامكم ، بصونها لآخر يومٍ في حياتي.. كما سأربّي إبني ، ليكون فخراً لجده المحترم (فالمعازيم يظنونها حاملاً منه)

 

وصفّق الحضور على كلمته ، بينما تنفّس مديره الصعداء لعدم انتباه احد على تغيّر العريس !

^^^


بعدها عزفت الفرقة الموسيقيّة ، لرقصة العرسان الأولى..

حيث راقب الأب صهره الجديد وهو يهمس بإذن عروسته بحديثٍ مطوّل ، والتي بدت على وجهها علامات الإرتياح والسعادة ! ففهم انه يُطمئنها بالأهتمام بها ، مما خفّف توتّر الأب من موظفه الجديد


وانتهى العرس بسهولةٍ ويسر ، بعد تصرّف احمد مع المعازيم بكل لباقةٍ واحترام .. مما رفع قدره بعيون العروس ووالدها الذي كان يراقب خطواته بدقةٍ وحذر

^^^


بعد العرس ..أوصلهما الوالد بسيارته الى منزل ابنته الجديد الذي اشتراه لها ، بعد خطبتها من ذلك النذل !

ثم أخذ ابنته جانباً ، وهو يحدّثها بصوتٍ منخفض :

- لا تقلقي يا ابنتي ، سأطلّقك من احمد قريباً

ابنته : رجاءً ابي ، دعّ الموضوع لي .

- الا ترغبين بالطلاق من ذلك الغريب ؟!

- هو تحدّث معي اثناء رقصنا ، وقد أعجبني كلامه الرقيق وطريقة تفكيره 

الأب : حسناً سأترك موضوع الطلاق او الإستمرار معه ، بيدك وحدك


وقبل ذهاب الأب ، طلب من احمد العودة للعمل في صباح الغد ، خوفاً من بقائه بجانب ابنته طوال شهر العسل !

***


وبالفعل وكّل المدير صهره بدواميّن متتابعين ، ليضمن ابتعاده عن ابنته أطول وقتٍ ممكن !

بينما تابعت العروس حياتها بشكلٍ عاديّ : بذهابها لنادي صحّي خاصّ بالحوامل.. ورؤية صديقاتها ، والتسوّق طوال النهار !


ولم يلتقي العريسان في منزلهما الا مساءً.. حيث اهتم احمد (رغم تعبه) بإعداد العشاء ، وإذهالها بالأطباق العربية الشهيّة ، بالإضافة لاهتمامه بأعمال المنزل 

***


وذات يوم ، وبعد خروجها من الحمام .. سألته باستغراب : 

- احمد ، مالذي وضعته بالداخل ؟!

- أحضرت السبّاك بغيابك ، لتركيب شطّاف المرحاض

مقاطعة : اعرف انكم تستخدمونه للتنظيف ، لكن يكفي المحارم !

احمد : لا ابداً ، المياه ضرورية للطهارة.. وهو يمنع البكتيريا والجراثيم من أذيّة جنينك 


وأخذ يشرح لها الطهارة على الطريقة الإسلاميّة.. وسرعان ما تعوّدت على الشطّاف ، بعد شعورها بالنظافة اخيراً


وهذه لم تكن العادة الوحيدة التي غيّرها في حياتها خلال الشهرين التاليّن ، بعد ان راقبته وهو يصلي ويقرأ القرآن كل ليلة .. ويغضّ البصر اثناء تغيّر ملابسها امامه ، رغم انها زوجته .. فقط لوعده والدها بالإنفصال لاحقاً !

***


وفي يوم سألته : 

- يعني تريد إفهامي ان زواجنا باطل بالإسلام ، لأني لم ألدّ بعد؟! 

احمد : نعم .. لهذا بعد ولادتك ، سأطلب منك الزواج ثانيةً .. فإن وافقتِ ، نذهب للشيخ لكتب كتابنا .. وتصبحين زوجتي بالفعل

- تقصد الخوري ؟

- لا ، الشيخ هذه المرة

العروس : وإن رفضت الزواج بك ؟ 

- أستأذنك للطلاق ، بعد تأكّدي من إستعادة صحتك عقب الولادة

- بصراحة لا ادري إن كنت اريد الطلاق ام لا ! فأنت زوجٌ مريح للغاية ..رغم خوفي من العرب سابقاً ، فأنتم معروفين بقساوتكم! 

احمد : لا تصدّقي ما يُقال عنا في الإعلام .. فنحن شعوب نحب الترابط الإجتماعي ، ونحترم الكبير ونحنّ على الصغير .. وكرماء للغاية

- ما قلته صحيح .. لكن قلقي من والدي ، فهو يكره العرب .. وأظنه سيصرّ على طلاقنا

احمد : ربما يتغيّر لاحقاً .. من يدري ؟!

***


لكن الأمور زادت سوءاً بعد عودة اخيها الوحيد من اوروبا ، مع نيّته الإستيلاء على شركة والده الذي نعته بالخرف ، لقبوله تزويج اخته من عربيّ مُتطرّف (حسب وصفه) ..ولم يكتفي بهذا بل توعّد صهره بالطرد من الشركة ، وتطليقه من اخته غصباً عنه !


وزدات الأزمة بين الشابيّن ، بعد معرفة الإبن بتعيّن احمد كمساعد شخصي لوالده (المدير) الذي أكّد لإبنه بأن سبب الترقية : هو لكون احمد صهره امام الناس والصحافة .. لكن ابنه أصرّ على طرده من الشركة .. إلاّ ان الوالد رفض طلبه ، لأن احمد خلال الشهرين السابقيّن ، أثبت جدارته بأفكاره المبتكرة التي طوّرت كثيراً من الشركة  


وعندما احتدّ النقاش بينهما ، أُصيب الأب بأزمةٍ قلبيّة جعلته طريح الفراش.. ورفض الإبن البقاء بجانبه ! فتكفّل احمد الإهتمام بعمه وزيارته الدائمة الى قصره ، بالإضافة لرعاية زوجته التي أوشكت على الولادة .. مما رفع مكانته بنظر عمه الحزين من عقوق ابنه الذي رفع قضيّة ضده بحجّة خرفه المُبكر ، لسحب الشركة منه ! 


ولخوف الأب من تهوّر ابنه ، سلّم الشركة لأحمد الذي أصرّ على تقسيمها حسب الشريعة الإسلاميّة ! وبذلك حصل الإبن على ضعف حصّة اخته التي وكّلت زوجها احمد بإدارة مالها ، بعد وفاة والدها  


لتُقام عدّة جلسات قضائيّة في محاولة الإبن إسترداد حصّة احمد .. لكن القاضي بالنهاية ، حكم لكل واحدٍ منهم بإدارة حصّته التي كتبها الأب في وصيّته (حسب النسبة القليلة التي طلبها احمد لزوجته) ..

***


ولم تمضي سنة ، حتى أفلس ابن الثريّ بإدارته الفاشلة ! بينما ازدهرت حصّة احمد بحكمته وقراراته الصائبة .. ليتفاجأ ذات يوم بزيارة ابن حماه الى الشركة ، وهو يترجّاه بتوظيفه بعد توعّد دائنيه بسجنه !

فوافق احمد ، إكراما لأخته التي تزوّجها شرعاً بعد ولادتها .

***


وبعد العمل سويّاً ، تغيّرت نظرة الأخ لصهره الذي أكّد جدارته بإدارة الشركة ! كما تحسّنت علاقتهما بعد رؤية حنانه على ابن اخته (رغم ان احمد ليس والده الحقيقيّ) لذا قرّر الإعتذار منه ، وبدء صفحة جديدة بينهما!

***


وبمرور السنوات .. وبسبب التعامل الراقي لأحمد مع زوجته ، أعلنت اسلامها بعد إنجابها ولديّن لأحمد (الذي يرعى ثلاثة اولاد) .. بينما رفض اخوها تغيّر دينه دون تغيّر معاملة احمد له ، والذي ظلّ يسانده مادياً ومعنويّاً لسنواتٍ عدّة ، مما قللّ حقده على الإسلام والعرب .. وكذلك حصل مع بقيّة الموظفين والعملاء ، بعد إثبات احمد للجميع حسن تربيّته وأخلاقه الحميدة التي زوّدت إحترامه وتقديره في بلاد الغربة المُوحشة !


الأحد، 18 أغسطس 2024

الحوريّة الطاهرة

تأليف : امل شانوحة 

المرض النادر


في عيد ميلاد جاكلين العشرين ، أهدتها صديقتها حاسوباً صغيراً .. فأخفته في غرفتها ، لرفض والدها (الطبيب) حصولها على جوّال او لابتوب ، خوفاً عليها من مشاهدة فيديوهات البالغين بالإنترنت !

فسألتها صديقتها عن سبب إصرار الوالد على تعلّمها في المنزل على يد معلّمات او اساتذة كبار بالسن ؟ 

فأجابتها جاكلين بحزن :

- لأني ولدت بعيبٍ خلقيّ بالقلب ، بمرضٍ يُسمّى : الطهارة الدائم

صديقتها باستغراب : لم اسمع به من قبل !

جاكلين : لأنه نادرٌ جداً

- وما أعراضه ؟

- باختصار ، قلبي لا يتحمّل الأمور العاطفيّة

- تقصدين انه لا يمكنك الزواج ؟


جاكلين : إن كان المشهد الرومانسي يقتلني ، فكيف الزواج .. ولهذا تلفاز منزلنا مُراقب ، وكذلك المجلاّت والكتب.. حتى نافذة غرفتي جلّدها والدي بالأسود ، كيّ لا أتعلّق بأحد الجيران او الشباب المارّين بجانب منزلنا ! وكما تعلمين ، قضيّت كل دراستي في غرفتي.. حتى الإمتحانات أُجريها بغرفة المديرة بعيداً عن الطلاّب ، بحجّة مرضي النادر !

صديقتها : لكنك تلعبين الرياضة ، ولديك نشاطٌ ملحوظ !

- اخبرني ابي بأن فرط نشاطي هو تعويض من الله على حرماني من الأمور العاطفيّة .. لذلك وظّف مُدرّبة متقاعدة ، لتدريبي في المسبح الصغير الذي بناه بقبوّ منزلنا ..

- يعني لا يوجد امل بشفائك ، للخروج للعالم ..

جاكلين مقاطعة : لا ، فهو مرضٌ وراثيّ .. أُصيبت به عمتي التي أصرّت على الزواج بحبيبها ، فتوفيّت ليلة عرسها قبل بلوغها الثلاثين ! لذلك يحرص ابي ان لا تكون لي علاقة بالجنس الآخر

- هذا محزنٌ حقاً .. فأنت جميلةٌ جداً ، وحلم كل شاب ! 

- ولهذا السبب لا اخرج من المنزل إلاّ برفقة ابي الذي يصرّ على إخفاء وجهي بنظارةٍ سوداء كبيرة وقبعة وشالّ وملابس فضّفاضة ، حتى لا الفت انظار الشباب اليّ


صديقتها : والدك كرّس حياته لأجلك بعد طلاقه عن امك الأجنبيّة ، اليس كذلك ؟

- نعم فهي تركتني بعمر الثلاث سنوات وعادت لأوروبا ، وانقطعت اخبارها عنا !

- ربما لوّ علمت بمرضك ، لعادت..

جاكلين مقاطعة بحزن : لم يعد يهمّ .. فوالدي يهتم بي جيداً ، حتى انه اخبرني بأسطورة مرضي للتخفيف عني

- وماذا تقول الأسطورة ؟

- ان حوريّة من الجنة ارادت التميّز عن بقيّة الحوريّات ، فهربت الى الأرض بعد تحوّلها لبشريّةٍ جميلة .. وعندما علم الملاك المسؤول عنها بهربها ، عاقبها بهذا المرض كيّ لا تفتن الشباب.. لهذا دائماً يناديني ابي : بحوريّة الجنة

صديقتها : يالها من اسطورةٍ حزينة !

- ماذا أفعل ؟ هذا قدري

- وهل تعب قلبك من قبل ؟


جاكلين : كلما مرضت ، يتهمني والدي بمشاهدة شيءٍ غير لائق بجوّاله دون علمه ، او خروجي من المنزل اثناء نومه ! حتى انه يُجبرني على قول احلامي ، لخوفه من رؤيتي لحلمٍ مثير ، يؤثّر سلباً على قلبي المريض

- هذا كثير ! وكأنك في سجن

فتنهّدت جاكلين بقهر : لقد وهبني الله الجمال والنشاط البدنيّ ، وفي المقابل حرمني من الحب وتكوين اسرةً سعيدة ! .. (ثم انهارت باكية) .. حياتي مملّةٌ للغاية  

صديقتها : إهدأي رجاءً.. يمكنك إضاعة الوقت على حاسوبك الجديد.. لكن لا تشاهدي فيديوهات تؤذي صحتك ، فوالدك وصّاني ان لا اخبرك بأمور البالغين وإلاّ سيمنعني من زيارتك

جاكلين بعصبية : انت جارتي وصديقتي الوحيدة ، ولن اسمح له بحرماني منك !!

فاحتضنتها صديقتها بحنانٍ وشفقة !

***


لم يعلم والد جاكلين (الذي انشغل على مدار اسبوعين بمؤتمرٍ طبّي) عن تعرّف ابنته على شاب بالإنترنت ! والذي فُتن بجمالها ، بينما أحبّت خفّة دمه .. ورغم إخباره بمرضها ، إلا انه أصرّ على مقابلتها خارج المنزل.. 

فانتظرت نوم ولدها عصراً للهرب من نافذة غرفتها ، ولقاء حبيبها في الحديقة العامة.. ولعلم جارهم العجوز بمرض جاكلين (الذي شاهد الحبيبيّن صدفة) إتصل بالوالد للحاق بإبنته ، قبل إصابتها بعارضٍ مرضيّ !


فجنّ جنون الأب الذي سارع الى هناك.. والذي قام بصفع الشاب بقوة ، وإلزامه على ترك ابنته المريضة .. غير آبه بتوسّلات جاكلين وبكائها ، وهو يسحبها من ذراعها امام الجميع ، لإعادتها الى المنزل  


ولم يكتفي بذلك .. بل حطّم حاسوبها ، وهو يصرخ مُعاتباً :

- الا تفهمين يا مجنونة بأنك إن وقعتي بالغرام ، ستموتين فوراً؟!!

جاكلين وهي تمسح دموعها : لا اريد العيش عزباء طوال حياتي ، هذا ليس عدلاً يا ابي !! 

والدها : انا لم اتزوّج بعد امك ، للإهتمام بك .. أهذا جزاتي ؟!! أتريدين الموت وتركي وحيداً ؟!

- انا لم امانع زواجك !! فلا تحاسبني على قرارك ، حيث كان بإمكانك إنجاب اولاد اصحّاء غيري

- لا اريد سماع شكواك ، عودي للدراسة فوراً !!

جاكلين : وما فائدة شهادتي ان كنت ستمنعني من العمل ، حتى لا أختلط بزملائي الشباب ؟!

- حرصي الزائد ، هو خوفاً عليك من الموت !!

جاكلين بقهر : والله الموت أهون من هذه الحياة الكئيبة


لكنه سارع بإقفال غرفتها من الخارج ، حتى لا يسمع بكائها المرير .. وعاد الى غرفته للإنشغال بأبحاثه الطبيّة ، في محاولة لنسيان المشكلة

***


في المساء .. طرق باب غرفتها ، وهو ينوي أخذها برحلةٍ كشفيّة بنهاية الأسبوع للتخفيف عنها

- جاكلين !! هل انت نائمة ؟

لكنها لم تجيبه !

ففتح القفل ، وهو يتساءل :

((ترى هل ستسامحني بعد النزهة الجبليّة ؟!))

وإذّ به يقع على الأرض مذهولاً بعد رؤيتها مشنوقة وسط الغرفة ، وقد فارقت الحياة !

***


بعد انتهاء العزاء ، جلس باكياً امام قبرها :

((جاكلين ، حبيبتي .. اريد الإعتراف بسرٍّ أخفيته لسنوات.. لقد كذبت عليكِ.. فأنت ولدتِ طبيعيّة ، وقلبك سليم تماماً .. ولا يوجد مرض اسمه الطهارة الدائم .. انا اختلقته ، كما فعلت بالأسطورة الكاذبة.. وكلّه بسبب خوفي عليك.. فعمتك لم تمت ليلة عرسها ، بل هربت مع عشيقها .. فلحقتها انا وجدك الى منزله .. لكن الجبان هرب من النافذة ! تاركاً اختي تواجه غضب ابي الهستيريّ الذي لم استطع سحب السكين من يده ، فظلّ يطعنها حتى غرقت بدمائها ! ثم مات جدك بالسجن قبل انهاء محكوميّته.. اما امك فلم أطلّقها لأمورٍ مالية كما اخبرتك ، بل لرغبتها العودة الى صاحبها الأوروبيّ ! مما زاد كرهي للنساء .. ولأن جمالك فاتن ، خفت عليك من خبث الرجال .. فأوهمتك بأن كل مرضٍ اصابك ، هو بسبب قلبك الذي يتأثّر سلباً بالعواطف ! وليتني زوّجتك الشاب الذي أحببته ، لانشغلنا الآن بترتيبات عرسك.. سامحيني يا صغيرتي ، اردّت بقائكِ فتاةً طاهرة.. (ثم نظر للسماء ، وهو يقول بحسرة) .. وهاهي حوريّتي البريئة ، عادت الى الجنة !))


ومسح دمعته اثناء خروجه من المقبرة ، وهو يشعر بذنبٍ كبير يُثقل كاهله!


الأربعاء، 14 أغسطس 2024

النِضال المُتهوّر

فكرة : محمد آل غلّاب
كتابة : امل شانوحة 

الخطّة الخفيّة


إحتلّت دولةٌ عظمى إحدى البلدات المسالمة ، مُجبرةً مواطنيها على تنفيذ قوانينها الصارمة.. مما أشعر السكّان بالإستعباد بعد منعهم من الإستفادة من محصولهم الزراعيّ عقب إلزامهم بإرساله الى مصنعٍ تابعٍ للدولة المحتلّة التي أعطتهم نسبةً ضئيلة من الأرباح ، لإدّعائها ملكيّة اراضيهم منذ قرون ! 


وبقيّ هذا الإحتلال لسنوات ، الى ان ثار احدهم مُطالباً بالإستقلال .. وبسبب قوّة خطاباته ، جمع حشداً من المناصرين الذين ساندوه لمقاومة العدوان الغاصب.. والذين تمكّنوا من تنفيذ هجماتٍ إنتحاريّة ، أدّت لأضرارٍ كبيرة بمعسكرات العدوّ الذين شنّوا حرباً مُضادة طوال شهرين ، قضت على آلاف شباب الدولة المحتلّة ، عدا عن سجنها البقيّة تحت التعذيب ! كما اعتدوا جنودهم على النساء والأطفال العُزّل .. وامتلأت المستشفيات بالمصابين والمعاقين ، مع ندرة الأدوية والعلاجات ! 


فجنّ جنون الأهالي ضدّ قائد الثورة الذي أعلن الحرب دون إستعداده عسكريّاً وطبيّاً او توفيره مؤونة وملاجئ آمنة للسكّان .. وما أغاظهم أكثر هو بقائه مُختبئاً بنفقٍ اسفل المدينة ، لينجو مع مساعديه دون اكتراثه بموت الكثير من انصاره ! 

فحصل إنقلابٌ عليه ، بعد هجوم النّسوة والعجائز والمراهقين على بيته لمحاكمته على نضاله المتهوّر !


وقبل تمكّنهم من إمساكه ، تفاجأوا بدخانٍ كثيف يُحاصرهم ! 

بعدها ظهر ابليس وهو يربت على كتف القائد بفخر :

- يكفي هذا القدر .. لقد انقصت عدد شبابهم الثائرين ، وانتهى دورك.. لنعدّ الى مملكتي


وإذّ بقائد المُناضلين يتحوّل الى شيطانٍ شاب ، وهو يسأل ابليس بألم (بعد إصابته من اقتحام منزله) :

- هل انت فخورٌ بي ؟

إبليس : جداً بنيّ.. هيا بنا

واختفيّا تحت الأرض !

^^^


بعد دقائق من الذهول التامّ ، صرخ احد المراهقين غضباً :

- بسبب ذلك اللعين ، قُتل كل افراد عائلتي ! لهذا لن اسكت !! سأقتل الخونة من أعوان الشيطان ، بعدها أُحارب الدولة المحتلّة .. فمن معي ؟!!

فهتفت النساء والعجائز خلفه ، مُساندين مقاومته الجديدة

***


في باطن الارض ، سأل الشيطان المُصاب والده :

- هل تظن اخي الصغير سيُكمل مهمّتي بنجاح ؟

ابليس : نعم .. فبعد تجسّده المراهق اليتيم ، سيقضي على بقيّة الثائرين ..وبذلك نحتلّ الأرض كلّها

وابتسما بخبث !


*****
ملاحظة :
هذه القصة غير مقصود فيها ما حصل بفلسطين .. لأنها قصة تتكرّر في كل زمانٍ ومكان .. الجهاد يجب ان يكون خالصاً لله ، وهذا نادر في ايامنا !

الاثنين، 12 أغسطس 2024

الحياة الكئيبة

تأليف : الأستاذ عاصم
تنسيق : امل شانوحة 

 

الراحة الأبديّة 


خرجت ريم الى سطح الشركة التي تعمل فيها ، لتدخين سيجارة وإنهاء عملها بعيداً عن زحمة المكاتب .. وقبل انشغالها بحاسوبها .. إنتبهت على وجود الموظف المريب الذي يعمل في قسم الإرشيف (دون تذكّرها إسمه) واقفاً على سور السطح دون حِراك ، كأنه ينوي القفز !                           

فصرخت بعلوّ صوتها ، فزعة : 

- ماذا تفعل يا مجنون ؟!! 

فالتفت اليها بنظرةٍ غاضبة ، لمقاطعته بآخر لحظة !                           

فتابعت كلامها ، وهي تتقدّم نحوه ببطءٍ وحذر : 

- إيّاك ان تفعل !! دعنا نتحدّث قليلاً .. وإن فشلت بإيجاد حلٍ لمشكلتك وإقناعك بمتابعة حياتك ، حينها انتحر كما خطّطت 


ورغم علمه بعدم فائدة الإستماع اليها ، إلاّ انه لن يضرّه تأجيل انتحاره لبعض الوقت.. وجلس عند حافّة السور .. فاقتربت اليه ، وجلست بجانبه .. وقدّمت له سيجارة .. وكان معها بعض الشطائر والمياه .. فألحّت عليه مشاركتها الطعام ، حتى تُشعره ببعض الألفة .. فأستجاب لها مرةً أخرى مُرغماً .. 


وعندما رأت مضغه للطعام والشراب بصعوبةٍ وألم ، فهمت بأن نيّته للإنتحار لأسبابٍ صحيّة .. وحين لاحظ نظراتها المُشفقة ، علم بما تفكّر فيه .. وكشف عن قميصه ، لترى جسمه المشوّه من حرقٍ قديم ! وأخبرها كيف احترق داخل سيارته لوقتٍ طويل ، قبل تمكّنهم من إنقاذه .. وليتهم لم يسعفوه .. فهذه الحادثة حصلت له ببداية زواجه ، قبل عشر سنوات .. 


ثم حدّثها عن أمنيّته بملامسة ظهره الفراش ، لينام كبقيّة البشر .. فهو ينام جالساً منذ الحادثة .. وأحياناً يربط نفسه بيد الكرسي الذي يستند عليه ، كيّ لا يميل رأسه .. وعن رغبة ابنته الصغيرة (التي لم يرها بعد الطلاق) النوم على ذراعه واحتضانه ، لكنه لم يستطعّ الإقتراب منها او ملاعبتها مثل الآباء الطبيعيين.. وكيف اصبحت حياته عذاباً وجحيماً ، بسبب آلامه التي لا تنتهي .. وكم دعى الله ليلاً ونهاراً لتخفيف المه ، حتى اوشك على الإلحاد .. مُناجياً ربه بيأس كل ليلة : ((يارب لم تركتني هكذا ؟ ألست أرحم الراحمين ..ألست أرحم من أمهاتنا اللآتي ولدننا ؟ ألست قادراً على كل شيء ، فلا يعجزك شيء ، ولا تسأل عن شيء ؟ أعلم انّي محظوظ بعدم تشوّه وجهي بالحادثة .. وأعلم أن هناك حكمة مما حصل ، لكني لم أعد أحتملّ!!))


وطوال حديثه عن ماضيه ، إستمعت اليه ريم بذهول ! فهي الآن فهمت سبب طباعه الصعبة مع الموظفين وانطوائيّته وعصبيّته الزائدة .. وكذلك إهماله لشكله ، رغم حصوله على الكثير من الإنذارات من المدير ، عدا عن الخصومات الماليّة .. لكنه يعيش في قوقعته الخاصّة ! وهاهي تنصت اليه بارتباك ، دون معرفة ما ستقوله لتحسين نفسيّته المحطّمة !


بينما تابع سرد تفاصيل حياته الكئيبة : حيث فضّلت زوجته الإفتراء عليه بتهمٍ باطله ، كيّ لا تكون امرأه عديمة الأصل .. الى أن نجحت بكسب حضانة ابنته التي منعتها من زيارته ، بعد ادّعائها امام القاضي بنوبات صرعه الهستيريّة ! وقد أجادت التمثيل حتى صدّقها الجميع ، ومنهم إخوته الذين يشبهون إخوّة يوسف ، بعد اتفاقهم على طرده من تجارة العائلة بحجّة مرضه ! مما أفقده الوعيّ ، فضرب كبيرهم بعد حرمانه من ميراث والده الذي يحتاجه لأدوية المسكّن الغالية .. وفي المقابل ، رفع الأخ دعوى قضائيّة ! جعلته يترك منزله ويسكن بحيّ قذرٍ رخيص ، ويقبل العمل المملّ بإرشيف الشركة رغم شهادته العالية ! 

ثم سكت مطوّلاً لعدم رغبته بمتابعة ذكرياته ، حتى لا تتقيّأ ريم من سوء حياته !  


ليتفاجأ بها تقول له : 

- صدّقني لن أجادلك في أيّ شيء ..ولكن أريدك أن تصعد على السور ، كما فعلت قبل قليل .. وتنظر امامك ، وتخبرني بما تراه .. 


ورغم غرابة طلبها ، الا انه فعل ! واثناء شروده بمنظر المباني حوله ، والرياح تداعب شعره وذقنه الطويلتيّن .. إذّ بها تدفعه بقوّة من ظهره ، ليطير في الهواء ! 


وبعد رؤية جثته اسفل الشركة ، غارقاً ببركة دمائه .. قالت في نفسها : ((هذا افضل حلّ لك ، ولجميع من حولك .. فحياتك لم تعدّ ممكنة بأيّ حال من الأحوال .. ولعلّي أسديتك معروفاً ، ووفرّت عليك وِزّر قتل نفسك البائسة .. وأعطيتك ثواب الشهادة)) 


ثم دخنت سيجارةً أخرى ، كأنها تغسل الهواء الآثم الذي شهد الموقف بدخانها الأبيض ..فرغم جريمتها الشنيعة إلاّ انها شعرت برضا كبير .. فهاهو الهالك سينام على ظهره في القبر لأوّل مرة منذ سنوات .. فهنيئاً له الراحة الأبديّة !


السبت، 10 أغسطس 2024

الجثث العائمة

تأليف : امل شانوحة 

 

الليلة الدمويّة


إستيقظ احمد فزعاً بعد ان اوشك على الغرق ! رافعاً انفه فوق الماء لالتقاط انفاسه وهو يشعر بألمٍ شديد خلف رأسه.. ليجد نفسه في غرفة تبدو كمكتب شركة ، بإنارةٍ خافتة قادمة من خلف بابها المغلق .. فلم يفهم ما حصل ! ولم يكن امامه الاّ السباحة باتجاه الأدراج الثلاثة التابعة للقبوّ العالق فيه.. 

وقبل وصوله الى هناك .. إنتفض جسمه رعباً بعد ملامسته جثةً تطفو فوق الماء ، تبدو لموظفٍ بطقمه الرسميّ ! وعلى قميصه شيءٌ لزجّ كالدماء ، فعرف انه قُتل بالرصاص..


فأسرع بالخروج من الغرفة المظلمة ، ليصل الى ممرّ المكاتب الغارق بالمياه القادمة من صنابيرٍ مفتوحة بدورة مياه الموظفين ! فدخل لإغلاقها ، ليتفاجأ بجثة موظفٍ آخر مقتول برصاصةٍ في قلبه.. 

وخرج مرتعباً بعد سماعه صرخة امرأة من الطابق العلويّ تطلب النجدة ! فنادى بعلوّ صوته :

- اين انتِ ؟!!

الصوت : انا هنا !! في المكتب العام .. رجاءً ساعدني !!!

فصعد السلالم التي تنزل عليها المياه كالشلاّل !

وهو يتساءل في نفسه بخوف :

((كيف يُعقل ان تتعطّل جميع الصنابير دفعةً واحدة ؟! لابد ان القاتل فتحها لإغراق المكان ..لكن من ذلك المعتوه ؟ ولما لا اتذكّر ما حصل ؟!))

^^^


وقبل وصوله لغرفة السيدة .. عثر على جثة موظفٍ آخر مقتول بطلقةٍ في الرأس بأعلى السلّم ! 

فأكمل طريقه باتجاه صوت الإستغاثة .. ليجد سيدة مُصابة بطلقٍ ناريّ بكتفها ، وعاجزة عن الحركة بسبب الخزانة الحديديّة الواقعة على قدميها ! فحاول إبعاد الخزانة بصعوبة ، بينما تبكي بألم :

- انتبه يا احمد .. لا اريد لأطراف الخزانة الحادّة ان تمزّق قدمايّ 


وعندما سمع اسمه ، تذكّر بأنها الموظفة الجديدة اميرة.. كما عادت لذاكرته بعض احداث ما جرى :

حيث عمل بإرشيف دائرةٍ حكوميّة لسنوات.. وبهذا اليوم لم يحضر سوى ستة موظفين ، بالإضافة للمدير الذي وعدهم بزوّدةٍ ماليّة إن قدموا ليلة العطلة الرسميّة التي ستستمرّ لثلاثة ايام ، لإنهاء الأعمال المتأخرة..ولهذا لم يتواجد مراجعين في هذا اليوم العصيب


وبحلول المساء ، وقبل انتهاء دوامهم .. تفاجأوا برجلٍ قصير مُقنّع يُطلق النار عليهم ، وهو يشتم غاضباً ! والذي تمكّن من قتل موظف الإرشيف (زميل احمد) بالإضافة لجثتيّ السلّم والحمّام .. وايضاً زميلة اميرة المُضرّجة بالدماء اسفل مكتبها ! 


اما احمد : فكان محظوظاً بأن الرصاصة لم تصبه ، بعد تعثّره اثناء هربه من القتل الجماعيّ.. مما ادّى لارتطام رأسه بطرف المكتب بقوّة ، أفقدته الوعيّ وجزءاً من ذاكرته ! فتركه القاتل ، ظنّاً بوفاته  

بينما نجت اميرة بعد احتمائها خلف الخزانة الحديديّة التي أوقعها عليها القاتل قبل فراره من مكتبها ، عقب إصابة كتفها برصاصةٍ عشوائيّة .. 


ويبدو ان الملثّم المجهول بعد قتله جميع المتواجدين هذه الليلة ، اطفأ انوار المكاتب (ماعدا الممرّات) وفتح صنابير المياه لحمّامات الشركة بطوابقها الثلاثة ، لإغراق الأوراق الرسميّة الخاصة بفيّز السفر والتهجير !

^^^


واثناء نزول احمد واميرة على الأدراج باتجاه بوّابة الشركة ، وهي تتكئ عليه بألم ..قال لها بقلق :

- علينا الذهاب للمستشفى بالحال ، قبل ان يتصفّى دمنا

اميرة : هل علمت من ذلك اللعين الذي أطلق النار علينا ؟

احمد : والله لا ادري ! فذاكرتي مشوّشة بسبب إصابة رأسي

- احلف ان صوته بدى مألوفاً !

- دعينا نخرج من هنا اولاً ، ثم تحقّق الشرطة بما حصل

اميرة : آه لحظة ! ماذا عن المدير ؟

- أظنه بغرفته ..هل يمكنك صعود الأدراج للإطمئنان عليه ؟

اميرة بألم : سأحاول


واستندت عليه.. لكن بعد بضعة ادراج ، أوقفته بتعب :

- لا توقف !! فالألم شديد .. إذهب وحدك ..

احمد بقلق : لكن اميرة..

مقاطعة بحزم : ماذا تنتظر ؟!! إسرع ، لربما المدير بحاجة لمساعدة

احمد بيأس : هذا إن كان ما زال حيّاً


فأخرجت جوّالها من جيب فستانها للإتصال بالمدير ، والتأكّد من وجوده بالشركة او خروجه قبل المجزّرة..

اميرة بضيق : اللعنة ! لا يوجد ارسال

احمد : يبدو ان القاتل تلاعب ايضاً بإنترنت الشركة ، كما فعل بالإضاءة وصنابير المياه

- هيا اذهب الى مكتب المدير ، سأنتظرك هنا

- اخاف ان يعود القاتل اليك

اميرة : لا اظنه سينتظر غرقه معنا ، بعد إنهاء جريمته ! فقط أُعثر على المدير ، لنخرج من هنا معاً

^^^


وصعد احمد الى فوق .. ليجد المدير غارقاً ببركة من دمائه ، بعد مقتله طعناً بالسكين التي مزّقت كل جزء من جسمه !

احمد بصدمة : يا الهي ! يبدو ان القاتل لديه ثأر شخصيّ مع المدير.. لأعود لأميرة

^^^


وقد أحزنها خبر وفاة المدير بطريقةٍ وحشيّة ، لكنها مضّطرة للنزول مع احمد الى الباب الرئيسيّ الذي وجداه مقفلاً ببوابته الحديديّة التي لا يملكان مفتاحه ! 

فقام بإجلاسها على إحدى الكراسي ، لترتاح ..وتوجّه لمنصّة الإستقبال ، للإتصال من الهاتف الأرضيّ .. لكن يبدو ان القاتل حرص على قطع اسلاك الهواتف ايضاً ! مما يؤكّد خبرته بمكاتب الشركة ، وحفظه لكل تفاصيلها !


واثناء تفكير احمد بحلّ للخروج هو وزميلته من هذا المأزق ، لمح ذراعاً ممدودة خارج غرفة الساعي ! 

احمد بدهشة : غريب ! ابو عبدو لم يأتي اليوم للوظيفة.. أمعقول انه قدِمَ صدفة ، ليكون من ضمن الضحايا ؟!

^^^


وتوجّه الى هناك .. ليجد جثة الرجل المقنّع وبيده المسدس ! ويبدو انه انتحر في الغرفة الصغيرة ، بعد انهاء جريمته..


وبيدٍ مُرتجفة ازاح القناع المُبتلّ بالدماء ، لتتحقّق اسوء شكوكه ! فالقاتل هو الحارس العجوز ابو عبدو ، المعروف بطيبته وحسن اخلاقه !


فسارع الى اميرة ليخبرها باكتشافه هويّة القاتل ، بعد سحبه مفاتيح البوّابة من جيب المُنتحر..

ورغم صدمتهما بما حصل ! الا انهما خرجا من الشركة مباشرةً للمستشفى التي اتصلت ادارتها بالشرطة للتحقيق بالجريمة

***


ليكتشف المحقّق إعتراف ابو عبدو الذي سجّله في جواله قبل انتحاره ، قائلاً بنبرةٍ يائسة :

((عملت ثلاثين سنة في هذه الدائرة الحكوميّة ، للصرف على ابني الوحيد الذي ربيّته بعد وفاة امه.. وكل املي ان يعود لي مهندساً من الغربة .. وقبل حفلة تخرّجه أُصيب بمرضٍ شديد ، وترجّاني ان ازوره .. لكن المدير اللعين رفض التوقيع على فيزا سفري ، بحجّة ان عليّ الإنتظار شهراً للحصول على الإذن ، حسب القوانين ! ولم يكترث باحتضار ابني الذي عرفت بوفاته البارحة.. فجنّ جنوني ، وخطّطت طوال اليوم لقتل الجميع : بدءاً بالمدير الذي طعنته حتى الموت.. ثم بقتلي الموظفين المتواجدين يوم العطلة.. وسأنتحر بعد قليل ، لأني لن أقضي بقيّة عمري في السجن بسبب قانونٍ ظالم ، أضاع كل حياتي))

***


لاحقاً أثارت هذه الحادثة ضجّةً اعلاميّة كبيرة ، حيث تضامن البعض مع مأساة ابي عبدو الذي فقد وحيده.. وبسبب الضغط المتواصل على الحكومة ، عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، تم إضافة إستثناء يسمح بإعطاء فيزا سريعة في حال المرض او الموت


ففرح الناس بالقانون الجديد ، وهم يترحّمون على ابي عبدو الذي اختار طريقةً خاطئة للتعبير عن يأسه واستيائه من النظام الجائر ، والذي تمكّن بنهاية المطاف من تغيّره ، مُسهّلاً جانباً مهمّاً من حياة المواطنين الصعبة !


الأمنيّة الأخيرة

تأليف : امل شانوحة    الأسرار الدفينة دخل الممرّضان (الشاب والصبيّة ، الموظّفان الجدّد) الى غرفة الطبيب النفسي (الخمسيني) بعد طلب رؤيتهما في...