تأليف : امل شانوحة
المعاملة الحسنة
في قاعة الأفراح بأميركا .. إنتظر المعازيم دخول العريسيّن لبدء الخوري مراسم الزواج.. بينما جلس والد العروس في المقدّمة بجانب شريكه الذي سأله فور رؤيته لأحمد يدخل القاعة :
- مالذي اتى به الى هنا ؟!
والد العروس : كنت عزمت جميع الموظفين على عرس ابنتي
- وهل وظّفت ذلك العربيّ ؟!
- بالبداية رفضّته ، فأولئك الهمج لا يجلبون سوى المصائب .. لكن شهاداته جيدة بالفعل ! كما اقترح العمل شهراً بالمجّان ، بعدها أقرّر تثبيته او طرده .. فلم اجد مانعاً من ذلك
الشريك : انت تملك النسبة الأكبر من شركة الإلكترونيّات ، لذا قرار التوظيف لك .. لكن إحرص من ذلك العربيّ ، فطباعهم غريبة علينا
فوافقه على رأيه ، ثم نظر الى ساعته بقلق :
- لقد تأخّر العريسان ! سأذهب لرؤية ابنتي
^^^
ليجدها في غرفة الملابس تبكي بمرارة ، بعد إتصال من عريسها يُخبرها برفضه الزواج بها !
الأب بعصبية : وهل غيّر اللعين رأيه بعد علمه بحملك ؟!!
ابنته وهي تمسح دموعها : هو على علم بهذا الموضوع !
- اذاً لما يرفض القدوم ؟!
ابنته بضيق : أتسألني يا ابي ؟! الم تطلب من محاميك إقناعه توقيع التنازل عن ميراثك ؟!
- فعلت ذلك لأتاكّد من حبه لك ، دون طمعه بأموالي.. وطالما رفض إتفاقيّة ما قبل الزواج ، إذاً هو نذل كما توقعته
- كان بإمكانك تأجيل الموضوع لنهاية شهر العسل.. ماذا افعل الآن ، والمعازيم بانتظاري ؟!
الأب بقلق : عدا عن الصحافة وموظفي الشركة ! هذه والله مشكلة ، وفضيحةٌ كبيرة
وهنا تذكّر موظفه العربيّ..
الأب : آه لحظة ! أظنني وجدّتُ الحلّ
واتصل بأحمد ، للقدوم الى غرفة الملابس بالحال..
^^^
وما أن دخل احمد ، حتى أخفض رأسه بعد رؤيته العروس
- هل طلبتني سيدي ؟
المدير : أُدخل بسرعة ، واغلق الباب خلفك
ثم أخبره بما حصل ، طالباً منه التمثيل امام الجميع بأنه العريس (طالما لا يعرف احد شكل العريس الهارب)
فنظر احمد للعروس التي كانت مُرتبكة من خطّة والدها ، مُحاولاً إستيعاب ما سمعه!
فأمسك الأب يد ابنته ، في محاولة لتهدأتها :
- ابنتي ، هذا هو الحلّ الوحيد .. فأحمد موظفٌ جديد ، لا يعرفه احد .. (ثم نظر لأحمد) ..وإن وافق على تمثيل الدوّر ، سأثبّته بالوظيفة.. بالإضافة لمكافأةٍ ماليّة.. لكن بعد توقيعه اوراق المحامي ، بعدم الحصول على اموالي
ابنته بعصبية : أستكرّر نفس الخطأ يا ابي ؟!!
الأب بإصرار : هذا شرطي !! فالمحامي حضّر الأوراق الرسميّة ، وهو الآن بالقاعة.. كل ما سنفعله ، هو تغيّر اسم العريس بالعقد
احمد : لا مشكلة لديّ ، سيدي .. لكن أتمنى تثبيتي في الوظيفة ، للصرف على زوجتي وابنها.. (ناظراً لبطن العروس المنتفخ بعد دخولها الشهر السادس)
الأب : لا ادري ما نواياك يا احمد ! لكني سأراقبك عن كثب
احمد : اريد الستر على ابنتك ، فلديّ ثواب عظيم إن فعلت ذلك .. وليس لديّ نوايا اخرى
الأب بحزم : إسمعني جيداً !! هذه التمثيليّة ستنتهي بعد شهر العسل .. بعدها نبدأ بإجراءات الطلاق
احمد : لا سيدي ، سأطلّقها بعد إطمئناني عليها وعلى ابنها .. يعني بعد شهر او شهرين على ولادتها
الأب : لكن ..
العروس مقاطعة : ابي !! انت تتفق معه ، دون استشارتي
الأب بعصبية : انا احاول منع الفضيحة بعد هرب اللعين الذي اخترته بنفسك !!
العروس : وانا لا أعارض الموضوع .. لكن لديّ شرط !! ان يكون لكل واحدٍ منا غرفته ، فأنا لا اعرف احمد جيداً !
فنظر احمد الى بطنها :
- اساساً لا يحقّ لي لمسك ، وانت حامل..
الأب باستغراب : ومن قال ذلك ؟!
احمد : شريعتي الإسلاميّة.. (ثم نظر للعروس) ..لا اريدك ان تقلقي بهذا الشأن ، سأهتم بك دون تعدّي حدودي
الأب : وهل بإمكانك الإهتمام بها ، دون خدم ؟ لخوفي من توصيلهم الخبر للصحافة بتواجدكما في غرفتيّن منفصلتيّن ، فتنكشف الخطة
احمد : لا مشكلة لديّ .. فأنا اعيش وحدي بالغربة منذ سنوات ، وأجيد الطبخ واعمال المنزل .. كما لديّ إخوة صغار في وطني ، وأعرف الإهتمام بالأطفال
وهنا وصل المحامي الى غرفة الملابس .. وبعد توقيع احمد على إتفاقية الزواج .. خرج المحامي وهو يُخبر الأب بضجر الحضور من تأخر العروسيّن
فنظر الأب الى ملابس أحمد : جيد انك لبست طقماً رسميّاً ، وليس زيّاً عربياً غريباً .. هيا استعدا .. فبعد قليل تدخلان القاعة وانتما مُمسكا الأيدي ، مفهوم !!
^^^
وسبقهم الأب الى هناك ، للتحدّث مع شريكه (الذي يعرف احمد) وحلّفه ان لا يخبر احداً بما حصل
بعد انتهاء الخوري من تزويجهما ، وسط تصفيق المعازيم .. أعطى منظّم العرس الميكروفون لأحمد لإلقاء كلمة.. فتصبّب الأب عرقاً ، خوفاً من الفضيحة
فقال احمد بصوتٍ رزين :
- انا ممتنّ جداً لعمي ..(وأشار لمديره) .. لموافقته الإقتران بإبنته الجميلة .. وأتعهدّ امامكم ، بصونها لآخر يومٍ في حياتي.. كما سأربّي إبني ، ليكون فخراً لجده المحترم (فالمعازيم يظنونها حاملاً منه)
وصفّق الحضور على كلمته ، بينما تنفّس مديره الصعداء لعدم انتباه احد على تغيّر العريس !
^^^
بعدها عزفت الفرقة الموسيقيّة ، لرقصة العرسان الأولى..
حيث راقب الأب صهره الجديد وهو يهمس بإذن عروسته بحديثٍ مطوّل ، والتي بدت على وجهها علامات الإرتياح والسعادة ! ففهم انه يُطمئنها بالأهتمام بها ، مما خفّف توتّر الأب من موظفه الجديد
وانتهى العرس بسهولةٍ ويسر ، بعد تصرّف احمد مع المعازيم بكل لباقةٍ واحترام .. مما رفع قدره بعيون العروس ووالدها الذي كان يراقب خطواته بدقةٍ وحذر
^^^
بعد العرس ..أوصلهما الوالد بسيارته الى منزل ابنته الجديد الذي اشتراه لها ، بعد خطبتها من ذلك النذل !
ثم أخذ ابنته جانباً ، وهو يحدّثها بصوتٍ منخفض :
- لا تقلقي يا ابنتي ، سأطلّقك من احمد قريباً
ابنته : رجاءً ابي ، دعّ الموضوع لي .
- الا ترغبين بالطلاق من ذلك الغريب ؟!
- هو تحدّث معي اثناء رقصنا ، وقد أعجبني كلامه الرقيق وطريقة تفكيره
الأب : حسناً سأترك موضوع الطلاق او الإستمرار معه ، بيدك وحدك
وقبل ذهاب الأب ، طلب من احمد العودة للعمل في صباح الغد ، خوفاً من بقائه بجانب ابنته طوال شهر العسل !
***
وبالفعل وكّل المدير صهره بدواميّن متتابعين ، ليضمن ابتعاده عن ابنته أطول وقتٍ ممكن !
بينما تابعت العروس حياتها بشكلٍ عاديّ : بذهابها لنادي صحّي خاصّ بالحوامل.. ورؤية صديقاتها ، والتسوّق طوال النهار !
ولم يلتقي العريسان في منزلهما الا مساءً.. حيث اهتم احمد (رغم تعبه) بإعداد العشاء ، وإذهالها بالأطباق العربية الشهيّة ، بالإضافة لاهتمامه بأعمال المنزل
***
وذات يوم ، وبعد خروجها من الحمام .. سألته باستغراب :
- احمد ، مالذي وضعته بالداخل ؟!
- أحضرت السبّاك بغيابك ، لتركيب شطّاف المرحاض
مقاطعة : اعرف انكم تستخدمونه للتنظيف ، لكن يكفي المحارم !
احمد : لا ابداً ، المياه ضرورية للطهارة.. وهو يمنع البكتيريا والجراثيم من أذيّة جنينك
وأخذ يشرح لها الطهارة على الطريقة الإسلاميّة.. وسرعان ما تعوّدت على الشطّاف ، بعد شعورها بالنظافة اخيراً
وهذه لم تكن العادة الوحيدة التي غيّرها في حياتها خلال الشهرين التاليّن ، بعد ان راقبته وهو يصلي ويقرأ القرآن كل ليلة .. ويغضّ البصر اثناء تغيّر ملابسها امامه ، رغم انها زوجته .. فقط لوعده والدها بالإنفصال لاحقاً !
***
وفي يوم سألته :
- يعني تريد إفهامي ان زواجنا باطل بالإسلام ، لأني لم ألدّ بعد؟!
احمد : نعم .. لهذا بعد ولادتك ، سأطلب منك الزواج ثانيةً .. فإن وافقتِ ، نذهب للشيخ لكتب كتابنا .. وتصبحين زوجتي بالفعل
- تقصد الخوري ؟
- لا ، الشيخ هذه المرة
العروس : وإن رفضت الزواج بك ؟
- أستأذنك للطلاق ، بعد تأكّدي من إستعادة صحتك عقب الولادة
- بصراحة لا ادري إن كنت اريد الطلاق ام لا ! فأنت زوجٌ مريح للغاية ..رغم خوفي من العرب سابقاً ، فأنتم معروفين بقساوتكم!
احمد : لا تصدّقي ما يُقال عنا في الإعلام .. فنحن شعوب نحب الترابط الإجتماعي ، ونحترم الكبير ونحنّ على الصغير .. وكرماء للغاية
- ما قلته صحيح .. لكن قلقي من والدي ، فهو يكره العرب .. وأظنه سيصرّ على طلاقنا
احمد : ربما يتغيّر لاحقاً .. من يدري ؟!
***
لكن الأمور زادت سوءاً بعد عودة اخيها الوحيد من اوروبا ، مع نيّته الإستيلاء على شركة والده الذي نعته بالخرف ، لقبوله تزويج اخته من عربيّ مُتطرّف (حسب وصفه) ..ولم يكتفي بهذا بل توعّد صهره بالطرد من الشركة ، وتطليقه من اخته غصباً عنه !
وزدات الأزمة بين الشابيّن ، بعد معرفة الإبن بتعيّن احمد كمساعد شخصي لوالده (المدير) الذي أكّد لإبنه بأن سبب الترقية : هو لكون احمد صهره امام الناس والصحافة .. لكن ابنه أصرّ على طرده من الشركة .. إلاّ ان الوالد رفض طلبه ، لأن احمد خلال الشهرين السابقيّن ، أثبت جدارته بأفكاره المبتكرة التي طوّرت كثيراً من الشركة
وعندما احتدّ النقاش بينهما ، أُصيب الأب بأزمةٍ قلبيّة جعلته طريح الفراش.. ورفض الإبن البقاء بجانبه ! فتكفّل احمد الإهتمام بعمه وزيارته الدائمة الى قصره ، بالإضافة لرعاية زوجته التي أوشكت على الولادة .. مما رفع مكانته بنظر عمه الحزين من عقوق ابنه الذي رفع قضيّة ضده بحجّة خرفه المُبكر ، لسحب الشركة منه !
ولخوف الأب من تهوّر ابنه ، سلّم الشركة لأحمد الذي أصرّ على تقسيمها حسب الشريعة الإسلاميّة ! وبذلك حصل الإبن على ضعف حصّة اخته التي وكّلت زوجها احمد بإدارة مالها ، بعد وفاة والدها
لتُقام عدّة جلسات قضائيّة في محاولة الإبن إسترداد حصّة احمد .. لكن القاضي بالنهاية ، حكم لكل واحدٍ منهم بإدارة حصّته التي كتبها الأب في وصيّته (حسب النسبة القليلة التي طلبها احمد لزوجته) ..
***
ولم تمضي سنة ، حتى أفلس ابن الثريّ بإدارته الفاشلة ! بينما ازدهرت حصّة احمد بحكمته وقراراته الصائبة .. ليتفاجأ ذات يوم بزيارة ابن حماه الى الشركة ، وهو يترجّاه بتوظيفه بعد توعّد دائنيه بسجنه !
فوافق احمد ، إكراما لأخته التي تزوّجها شرعاً بعد ولادتها .
***
وبعد العمل سويّاً ، تغيّرت نظرة الأخ لصهره الذي أكّد جدارته بإدارة الشركة ! كما تحسّنت علاقتهما بعد رؤية حنانه على ابن اخته (رغم ان احمد ليس والده الحقيقيّ) لذا قرّر الإعتذار منه ، وبدء صفحة جديدة بينهما!
***
وبمرور السنوات .. وبسبب التعامل الراقي لأحمد مع زوجته ، أعلنت اسلامها بعد إنجابها ولديّن لأحمد (الذي يرعى ثلاثة اولاد) .. بينما رفض اخوها تغيّر دينه دون تغيّر معاملة احمد له ، والذي ظلّ يسانده مادياً ومعنويّاً لسنواتٍ عدّة ، مما قللّ حقده على الإسلام والعرب .. وكذلك حصل مع بقيّة الموظفين والعملاء ، بعد إثبات احمد للجميع حسن تربيّته وأخلاقه الحميدة التي زوّدت إحترامه وتقديره في بلاد الغربة المُوحشة !