الجمعة، 17 مارس 2023

جريمة الّلغة

تأليف : امل شانوحة 

 

الإستحقاق الوظيفيّ !


وجدت الشرطة جثة الصحفي الشهير في شارعٍ فرعيّ مُظلم ، داخل غابةٍ مُهملة !

وعلى الفور ، ضجّت وسائل الإعلام بالخبر .. فالضحيّة هو رئيس تحرير اهم صحيفة بالبلد .. لذلك سارعت السلطات بالبحث عن القاتل .. 

وكشف تقرير المشرحة : بأن سبب الوفاة هو ضربٌ متكرّر بأداةٍ قاسيّة على الرأس .. حيث وجدوا نشارة خشب في جرحه العميق ، مما يؤكّد ضربه بعصا خشبيّة حتى الموت !


وتوجّهت اصابع الإتهام الى ثلاثة مشتبه بهم : 

1- طليقته التي رفعت عليه قضيّة حضانة ابنائها ، قبل شهور من مقتله


2- الموظف العصبي الذي طُرد من الصحيفة ، قبل اسبوع من وقوع الجريمة .. والذي تشاجر مع الضحيّة قبل خروجه من مبنى الإعلام ، مُهدّداً بفضحه امام الموظفين الذين لم يعرفوا ما يمسكه ضدّه ، جعله يتجرّأ على شتمه امامهم !


3- ابنه المراهق الغير شرعي الذي رفض الإعتراف به ، بعد علاقةٍ عابرة مع امه (راقصة البارّ) .. فحاول إشعال منزله قبل زجّه في سجن الأحداث ، الذي سُرّح منه قبل ايام من الجريمة !

***


بعد التحقيق مع المشتبه بهم : أكّدت طليقته انه ليس في مقدورها ضربه حتى الموت ، فهو يفوقها طولاً وقوّة..

فاستنكر المحقّق :

- ليس من الضروري أن تقتليه بنفسك ، ربما عيّنت قاتلاً مأجوراً

الطليقة : القاتل المأجور يحتاج مبلغاً ضخماً ، وطليقي فاز بحضانة اولادي (رغم صغر سنهم) بسبب ثرائه ، بعكسي ..فأنا لم اكمل دراستي ولا وظيفة لديّ ، فهو تزوجني بسن المراهقة .. وبعد عِشرة 11 سنة ، طلّقته فور معرفتي بإبنه الغير شرعي وخيانته لي .. ورفعت قضيّة حضانة لسوء سلوكه وعلاقته بالنساء الرخيصات ، مما يجعله والداً فاسداً.. لكنه عيّن أفضل محامي بالبلد ، جعله يربح جميع الجلسات لصالحه ! وصدّقني بأن خبر مقتله لم يصدمني ، فطباعه السيئة مع الجميع جعلت لديه الكثير من الأعداء.. لذلك لا تضيّع وقتك بالتحقيق معي .. فلوّ أردّت قتله ، لفعلتها منذ اليوم الأول لحرماني من اطفالي قبل سنتين


ورغم أنها مازالت مشتبهٌ بها ، لكن كلامها المنطقي جعل المحقّق يتابع تحقيقاته مع المشتبهين الآخرين .. 

حيث أكّد ابنه الغير شرعي : بأن ليس من صالحه قتله قبل الإعتراف به قانوناً ، كيّ لا يخسر نصيبه من الميراث .. فهو يحتاج للمال ، لأن والدته الراقصة لم تهتم بدراسته ، او تعليمه مهنةً يستفيد منها


فتوجّه المحقّق للمشتبه الأخير : وهو الموظف الذي هدّد بفضحه علناً ! وسأله عمّا يمسكه ضدّه ؟ 

فأجاب بضيق :

- كل شهرة اللعين بسببي

المحقّق باهتمام : ماذا تقصد ؟!

الموظف بغيظ : التافه لا يعرف كتابة كلمتين دون اخطاءٍ املائيّة وإعرابيّة ، لسوء معلوماته الأدبيّة ..ولأنني موظفاً بسيطاً ، وهو من عائلةٍ ثريّة ..ولديه واسطة قوية للحصول على ترقية ، بعكسي ! فقد طلب مني كتابة مقالاته

- ومالمقابل ؟

- مالٌ زهيد يُضاف على راتبي ..وبقيت على هذه الحال لعشر سنوات


المحقّق : ومالذي تغيّر ؟!

- شهرته التي فاقت مستواه الدراسيّ ، ضايقتني كثيراً .. فأنت لا تعرف الشعور بأن يُكرّم شخصٌ على إنجازاتك وتعبك ! وحين طالبته بزيادة أجري ، علّل رفضه بإيجاده كاتبٍ أفضل مني ، وبمرتبٍ أقل ! فحاولت في بادئ الأمر إقناعه بأن إقالتي ، سيُغيّر من إسلوب كتابته التي اعتاد عليها القرّاء.. لكنه أصرّ على توظيف غيري ..ولم يكتفي بذلك ، بل اتهمني بسرقة مقالاته امام المدير العام ، للتخلّص مني !  

- ألهذا غضبت ذلك اليوم ؟

الموظف : فقدّت اعصابي بعد إستلامي قرار الطرد من الإدارة العليّا


المحقّق : وهل فكّرت بقتله ؟

الموظف بحزن : هو أضاع الكثير من إنجازاتي.. فخلال العشر سنوات ، نشر بإسمه ما يقارب ٢٠٠ مقال من اروع ما كتبته في حياتي ! وتلك خسارةٍ تكفيني ..وحتماً لن أُسجّن لبقيّة عمري ، بقتلي لجاهلٍ متخلّفٍ مثله.. وكان تهديدي له بلحظة غضب ، بعد شعوري بالقهر والظلم يوم طردي ..وأظنك تعرف من خلال عملك : إن من يهدّد علناً ، لا خوف منه ..بعكس من يكتم غضبه ، ويخطّط لجريمته بصمت .. صدّقني حضرة المحقّق ، لن أوسّخ يدي بذلك اللعين.. لذا إبحث عن القاتل في مكانٍ آخر


ورغم شكوك المحقّق حوله ، إلاّ أن جهاز كشف الكذب اثناء أخذ إفادته : أكّد قوله للحقيقة !

***


مرّت اسابيع ، والقاتل مازال مجهولاً ! بينما الإعلام مازال يضغط على الشرطة لمعرفة القاتل.. 


الى أن تغيّر كل شيء بعد شهادة مشرّد ، قدم الى مركز الشرطة للإبلاغ عن رؤيته سيارةٍ سوداء ترمي الجثة في طريقٍ فرعيّ للغابة بآخر الليل ..

فسأله المحقّق :

- وهل رأيت الفاعل ؟

المشرّد : كان رجلاً عجوزاً يستند على عكازٍ مكسور ..وبصعوبةٍ بالغة ، سحب الجثة من المقعد الخلفيّ لسيارته.. فصوت نهيجه المُتعب ، جعلني اراقبه بدقّة بعد أن منع الظلام رؤيته لي فوق الشجرة ! فهو كان مرهقاً لدرجة عدم دفنه القتيل ، ورحيله بعد تركه هناك ! وانا من أبلغتكم عن الجثة من هاتفٍ عمومي ، لعدم رغبتي بتحلّلها امام بيتي الصغير


المحقّق : كنّا لاحظنا وجود بيت الشجرة اثناء إزالتنا للأدلّة من مسرح الجريمة ، لكنه ظلّ فارغاً خلال الأيام الثلاثة لوجودنا هناك! 

- لأني انتقلت للجهة الأخرى من الغابة ، فليس من صالحي أن تشتبهوا بارتكابي جريمةٍ لم أفعلها 

- ولما غيّرت رأيك الآن ؟

المشرّد : لأن قريب الميت عرض جائزةً ماليّة لمن يبلّغ معلوماتٍ عن القاتل ، شاهدت ذلك من تلفاز المحطّة بالشارع العام

- ومالمعلومات الأخرى التي تملكها ؟


فأخرج المشرّد كيساً ورقيّاً قديماً ، وهو يقول :

- كنت اتناول شطيرتي لحظة تخلّص القاتل من الجثة ، فكتبت رقم سيارته على طرف الكيس

فنقل المحقّق الرقم الى دفتره ، قائلاً :

- حسناً ، سنبحث عن سيارة القاتل ..شكراً لك

المشرّد : وماذا عن الجائزة ؟! فأنا بحاجةٍ ماسّة للمال

- إن أمسكنا القاتل بناءً على شهادتك ، سأطلب من اهل الفقيد إعطائك الجائزة 

المشرّد : اذاً سأتابع الأخبار اولاً بأول من تلفاز المحطّة ..وإن قبضّتم على القاتل ، سآتي الى هنا لاستلام المبلغ


وبعد رحيله ، بدأ التفتيش عن صاحب السيارة .. ليصعق المحقّق بأنها تابعة لأشهر شاعرٍ بالعالم العربي ، وهو في الثمانينات من عمره ! فكيف تمكّن من قتل صحفي بعمر الخمسين ؟!


ولحساسيّة الموقف ، تكتّم المحقّق على الخبر بعد استلامه القضيّة وحده .. وبدأ بحثه عن القاتل (الحاصل على جائزة افضل شعراء العرب).. ليعلم أنه سافر للخارج بعد بيع منزله لقريبه بسعرٍ بخس ، مما يؤكّد هروبه !


ولأنه رمز من رموز بلدتهم ، فقد أخفى المحقّق الأمر عن الإعلام واهل الفقيد ، الذي أخبرهم بأن القاتل مازال مجهولاً

***


إستطاع المحقّق بعد بحثٍ دقيق من معرفة عنوان الشاعر في الغربة.. فسافر فوراً اليه ..


وما أن اخبره عند الباب بهويّته (كمحقّق) ، حتى أدخله الشاعر دون مقاومة الى مكتبه.. وهناك اخبره بما حصل :

- قدِمَ ذلك الصحفي الى منزلي مساءً ، لمقابلةٍ سريعة .. وهو ينوي نشرها في صحيفته ، دون إخبار ادارته بذلك .. فهو يريدها سبقاً صحفيّاً ، لأنه يعلم بأني لا استقبل سوى اهم الصحفيين بالبلد

المحقّق : وهو كان أشهرهم بالفعل 

الشاعر بغيظ : ذلك اللعين لا يستحقّ ان يكون رئيس التحرير ، ولا حتى حصوله على شهادة المرحلة الإبتدائيّة !

- هل كتب اسئلته بنفسه ؟

الشاعر باستغراب : نعم ، كيف عرفت ذلك ؟!

- لأنه اعتمد بمقالاته الرائعة على موظفٍ بسيط ، قام بطرده بعد شهرته

- توقعت ذلك بعد صدمتي بأخطائه الإملائيّة والإعرابيّة في كل سؤالٍ طرحه عليّ ! مما رفع ضغطي ، لدرجة ضربته بالعصا على رأسه


المحقّق : وهل قتلته ؟

- لا .. كانت ضربة بسيطة ، جعلته ينزف قليلاً ..لكنه غضب بشدة ، وهدّد بفضح تصرّفي الشائن بوسائل الإعلام .. وانه لن يسامحني على هذه الإهانة ، وسيحاول جاهداً سحب الجائزة الدوليّة مني ! مما أفقدني صوابي ..ولليوم لا ادري كيف تملّكت القوة لضربه مراراً على رأسه ، حتى أوشكت عصايّ على الإنقسام نصفين ! وعندما هدأت ، كان غارقاً ببركة دمائه .. ولا استطيع الوصف لك مدى تعبي وانا اسحبه من قدميه الى سيارتي ، وأضعه في المقعد الخلفيّ ..

المحقّق : لرميه بشارع الغابة ؟

- لم تكن لديّ القوة لدفنه .. فالبكاد استطعت مسح دمائه عن سيارتي وأرضيّة بيتي .. ومن بعدها بعت منزلي على عجل ، للحصول على تكاليف السفر الى هنا .. 


المحقّق : انت تعلم بأن من واجبي اقتيادك للمحاكمة على جريمتك

فترجّاه الشاعر : 

- بنيّ ، انا بالفعل تعاقبت.. فلا يمكنني العودة الى بلادي ..ولا استطيع كتابة الشعر مجدداً ! فأنا لم أتمكّن من كتابة كلمة واحدة طوال الشهور الثلاثة للجريمة ، وهذا اكبر عقاب من الله الذي حرمني موهبتي التي أعشقها بجنون .. عدا عن الكوابيس التي تلاحقني كل ليلة


المحقّق : أعرف مكانتك الكبيرة بين الشعراء ، لكنه لا يمكنني التغاضي عن جريمتك الشنيعة

- إسمعني جيداً .. انا بالثمانينات من عمري ، وأعاني من شتّى الأمراض المزمنة .. فدعّ مسيرتي الأدبيّة الطويلة تنتهي دون فضائح.. الا يكفي انني سأموت بالغربة بعيداً عن اولادي واحفادي ، الذين قطعت إتصالي بهم منذ لحظة هروبي ..(ثم سكت قليلاً).. آه صحيح لم اسألك ، هل فضحتم جريمتي بالإعلام ؟!


المحقّق : لا ، فرئيس الحكومة طلبني الى مكتبه .. وبعد إخباره بشكوكي حولك ، منعني من الإعلان عن جريمتك ، لأنك من رموز بلدنا

- اذاً أطعّ اوامره ، ودعني أعاني بصمت من تأنيب الضمير.. فلم يتبقى الكثير من عمري

- اذاً انت نادمٌ على قتله ؟

فتنهّد الشاعر بقهر : 

- بل حزين على حال العرب .. فطالما الوسائط ستظلّ مُسيطرة على التعيّنات في وظائفنا الرفيعة ، فلن نتطوّر مُطلقاً.. (ثم مسح دمعته).. كان لي صديقاً يفوقني موهبة .. وكنّا نتسابق على تأليف أفضل القصائد .. لكنه لم يجد داعماً لموهبته ! فعمل أجيراً في احدى المحلات ، للصرف على اهله.. الى ان مات قهراً قبل بلوغه سن الأربعين .. بينما ذلك الصحفي اللعين الذي لا يعرف كتابة جملةٍ صحيحة ، فعيّنوه رئيس التحرير لأهم صحيفة بالبلد ، بعد سرقته مجهودات غيره ! أليس برأيك يستحق الموت ؟


فسكت المحقّق ، بينما أكمل الشاعر كلامه :

- سنبقى جهلاء ومتخلّفين ، طالما لا نضع الشخص المناسب في المكان المناسب .. وهذا اسوء ما يحصل في بلادنا


ورغم فداحة جرم الشاعر القدير إلاّ ان سوء حالته الصحيّة والنفسيّة ، جعلت المحقّق يتغاضى لأول مرة عن حلّه القضيّة .. فهو لا يريد تدمير اهم موهبة في بلاده.. 

فودّعه عائداً الى مركز الشرطة ، طالباً من سكرتيره : وضع ملفّ الجريمة بالإرشيف ، بعد تقيّد القضيّة ضدّ مجهول .. إحتراماً لموهبةٍ أدبيّة لن تتكرّر في العالم العربي ! 


الأربعاء، 15 مارس 2023

مسابقة الأبطال

تأليف : امل شانوحة  

الإحتياجات الخاصّة


إستيقظ المرضى الستة بعد شعورهم بالماء يُرشّ على وجوههم ، والتي أيقظتهم من إبرة المخدّر .. ليجدوا انفسهم مُقيدين داخل مكتب مدير دار الإعاقة ، وهو يقول لهم بلؤم :

- اهلاً بالمعاقين الستة الأبطال .. قلتم البارحة انكم ستفضحونني عند نقابة الأطباء ، اليس كذلك ؟


فردّ الشاب المشلول بحنق :

- انت تسمح للممرّضين بإساءة معاملتنا.. وتُطعمنا وجبةً واحدة بدل ثلاثة لتوفير المال لنفسك ، كأنه لا يكفيك سرقة المعونات والهبات لحسابك البنكيّ !

المدير : وكل هذا عرفته من تفتيشك حاسوبي ، ايها الهاكر اللعين؟!!

المشلول : انت تعلم انني كنت ضابطاً مسؤولاً عن إتصالات الجيش قبل..

فأكمل المدير : قبل أن تُبتر قدميك بصاروخ العدو .. وبعد تقاعدك المبكّر ، رمتك عائلتك عندي لعدم قدرتهم على الإهتمام بمعاق

فصرخ الأعمى بعصبية : كفّ عن مناداتنا بالمعاقين !!


المدير : أسكت ايها الأعمى .. لا اعلم ما السرّ الذي جمعكم ضدّي ، لكنكم  الوحيدين الذين تجرّأتم على تحدّي مديركم ! لهذا ستبقون مُقيّدين هنا ، اثناء وقوع الدار فوق رؤوسكم 

المرضى بصدمة : هل ستهدم المبنى ؟!

المدير : نعم ، فقد قرّرت السفر للخارج .. ولأجل تقاعدٍ مريح ، احتاج لمال التأمين على دارنا .. لهذا اتفقت مع إرهابي على تفجيره ، اثناء نزهتي مع الممرّضين وبقيّة المعاقين الى حديقة الحيوان .. وسأخبر الجميع عن رفضكم الذهاب معنا بسبب عقدكم النفسيّة ، لهذا تركتكم على راحتكم بعد إقفال غرفكم لسلامتكم الشخصيّة .. وسأطلع الشرطة لاحقاً : بأن القدر دبّر رحلتنا بهذا التوقيت الغريب ، لإنقاذ رفاقكم المعاقين بأرواحهم البريئة .. وبذلك أُعدّ بطلاً بوسائل الإعلام الذين لن يلوموني عمّا حصل لكم ، فمن الطبيعي بكل حادثة أن يكون هناك ضحايا ، وانا اخترتكم لتبيتوا ليلتكم في الجنة.. 


ثم اقترب المدير من احدهم ساخراً :

- لا اظنك فهمت شيئاً مما قلته ايها الأصمّ ، وهذا من حسن حظك.. (ثم أخرج جهاز السمع من جيبه ، وأعاده لأذن الأصمّ وهو يقول : كنت انوي تحطيمه ، لكني اريدك أن تسمع صوت الإنفجار قبل موتك 

ثم قال للأبكم : وانت !! تريد أن تشهد ضدّي ، وانت لا تجيد الكلام .. والأجمل هو انت ايها المنغولي الذي لا يستطيع إبقاء ملابسه نظيفة ، تتجرّأ على الوقوف ضدّي بعد انضمامك لأبطالك المزيّفين.. وانت ايها المبتور !! تدّعي الرجولة ، وانا بالكاد استطعت تقيّدك من خاصرتك ، يا نصف مُعاق 

الأعمى بعصبية : كفّ عن مناداتنا بالمعاقين !! فنحن ذويّ الإحتياجات الخاصّة

المدير : وستلقّبون بالشهداء بعد ساعة من الآن  


وهنا سمع المدير صوت الأبواق :

- انهم ينادونني .. فقد خصّصت حافلتين للمعاقين ، وحافلة للممرّضين .. لقاءنا يتجدّد في جهنم ، ايها الأبطال الوهميين

***


بعد ذهابه .. تمكّن مبتور اليدين من فكّ رباط خصره ، عن طريق قدمه وهو يقول :

- الأحمق !! لا يعرف ان اصابع قدمي بقوّة أيدي الرياضيين ، بعد استخدامي لهم طوال حياتي

المشلول : هل تستطيع فكّنا ايضاً ؟

المبتور : إنتظروا قليلاً ، سأحرّركم جميعاً 

الأعمى بخوف : رجاءً إسرع !! فهو اخبرنا أن الأرهابي زرع القنبلة في الطابق الأرضيّ ، وستنفجر بعد قليل .. وعلينا الخروج من المبنى حالاً !!


ففكّ المبتور قيود الأصمّ والأبكم اولاً ، والّلذين ساعداه بفكّ الأعمى والمنغولي الضخم الذي تكفّل بجرّ كرسي المشلول باتجاه المصعد للنزول من المبنى

***


بعد وصولهم لمنتصف العمارة .. إهتزّ المصعد بقوة ، وانطفأت الأنوار ! ليعلقوا بالداخل بعد انفجار القنبلة..


وبصعوبة استطاعوا فتح باب المصعد .. ليخرج الأصمّ والأبكم اولاً ، ويحملا مبتور اليدين من خصره .. 

ومن بعدها رفع المنغولي صديقه المشلول الى فوق ، بعد تسليمهم كرسيه .. وفور إنقاذه الأعمى ، تساعد الجميع لرفع المنغولي اليهم .. ليجدوا انفسهم بين حطام المبنى المظلم !


الأصمّ : كيف سنرى طريقنا للأسفل ؟!

المشلول : لا اظن بإمكاننا الوصول للأرضي ، فالقنبلة دمّرت الطوابق الأولى تماماً

الأعمى : اذاً علينا الصعود للسطح

المبتور : وكيف سنصل للسلالم بهذا الظلام ؟

الأعمى : إمسكوا يدي !! فأنا تعوّدت منذ صغري على التحرّك بالظلام ، وأستطيع إيصالكم بأمان

المشلول : كيف يمكنك ذلك ؟!

الأعمى : فقدي البصر منذ الطفولة قوّى من سمعي ، لدرجة جعلته يعمل كالرادار مثل الخفافيش .. فقط تتبّعوا خطواتي


فأمسك كل واحدٍ بقميص الآخر .. بينما تكفّل المنغولي بجرّ كرسي المشلول بصعوبةٍ بالغة فوق الحطام .. وفي بعض الأحيان اضّطّر لحمله مع كرسيه فوق شظايا الزجاج ، خوفاً على العجلات المطّاطيّة

***


وصلوا أخيراً للسلالم ، وهم يتساعدون بحمل الكرسي المتحرّك .. واحياناً يضعون الواح الخشب (من الأبواب المحطّمة بالإنفجار) لجرّه فوقها ..

الى ان وصلوا لجزءٍ من السلالم مقسوم لجزئين ! بعد تدمّر الدرجات الأخيرة التي تصلهم بالسطح..

فسارع الأصمّ بإيقاف الأعمى :

- لا تقترب اكثر ، فهناك شقٌ كبير ..ولا اعرف كيف سنتخطّاه! 


المشلول : إستخدموا كرسيّ المتحرّك كمصعدٍ متنقّل.. وليجلس كل واحدٍ عليه بعد ربطه ، ثم نتكفّل جميعاً بشدّ الحبال الى فوق

الأصمّ : عن أيّ حبالٍ تتكلّم ؟!

فأشار الأبكم بيديه ، ليترجم الأصمّ كلامه :

- يقول انه رأى سلكاً مقطوعاً بالطابق الذي مرّرنا به قبل قليل

المشلول : أتقصد الطابق الذي كان فيه ورشة إصلاحات قبل الإنفجار ؟

فهزّ الأبكم رأسه إيجاباً ..


الأعمى بقلق : لكننا لا نريد أن نُصعق كهربائيّاً ؟!

فترجم الأصمّ إشارات الأبكم : 

- يقول أن السلك كان طويلاً وسميكاً ، ومقطوعاً من الطرفين

فقال المشلول للأبكم : 

- اذاً إنزل واحضره حالاً !! سنربط به الكرسي ، ونربط الطرف الآخر للسلك بالدرابزين الجانبيّ في اعلى السلّم .. ونسحب كل واحدٍ للأعلى ، كتلفريكٍ صغير


ونجحت الخطة لتخطّيهم الأدراج المكسورة.. وكان آخرهم المنغولي الضخم الذي ما ان وصل لأعلى الدرج ، حتى اعاد المشلول الى كرسيّه .. ثم جرّه نحو السطح بأمان

***


وقف الرجال الستة امام حافّة السطح ، ليروا الشرطة مجتمعة اسفل العمارة.. لكن ضجيج الناس حولهم ، منعهم من سماع هتافات الناجين الستة ! الذين تفاجأوا بصديقهم الأبكم يُصفّر بقوة من صافرته الصغيرة ، مما جعل الشرطة تلتفت اليهم 


ثم قال بلغة الإشارة التي شرحها صديقه الأصمّ :

- يقول ان امه اعتادت على خياطة صافرات بأطراف معاطفه ، لمناداتهم عند الضرورة

المشلول بارتياح : جيد انها فعلت


من بعدها حاولت الشرطة التحدّث معهم من الأسفل ، لكن المعاقين لم يسمعوهم لبعد المسافة !

ومن حسن حظهم أن قريب الأبكم موجوداً بين الناس ، فتحدّث معه بلغة الإشارة .. وبدوره نقل كلام المعاقين للشرطة ..

اما الأصمّ فترجم إشارات الأبكم لأصحابه ، وبذلك عرفوا أن الشرطة تنتظر وصول مكبّر الصوت للتواصل معهم..

***


بعد ساعة .. قدمت سيارة الأطفاء التي وصل سلّمها للطابق الذي يسبق السطح ..وبسبب الدرجات المُهدّمة بين الطابق الأخير والسطح ، تكفّل المنغولي الضخم بحمل كل واحدٍ من رفاقه على ظهره ، لتوصيله للأطفائي الذي ينتظره عند مقدّمة السلّم الطويل ، بعد إستخدام المنغولي لأسطل المياه كوسيلة نزول .. 

هكذا حتى انقذهم جميعاً .. وعندما وصل المنغولي اخيراً للشارع .. صفّق الجميع لبطولته النادرة ، بينما استقبلهم بضحكاته البريئة ! 

***


في اليوم التالي .. تمكّنت الشرطة من إيقاف مدير دار الإعاقة ، قبل هربه بطائرةٍ شراعيّة من مطارٍ فرعيّ .. وتمّت محاكمته بالفساد الإداريّ ، وسرقته لأموال الدار بعد شهادة الأبطال الستة ضدّه ، والذين تكرّموا إعلاميّاً بعد حصولهم على نياشين البطولة من الجيش .. مما اسعد الضابط المتقاعد (المشلول) .. بينما قفز المنغولي فرحاً بالمصوّرين الذين صفّقوا له مع اصدقائه من ذويّ الإحتياجات الخاصّة الذين نقلوا لمبنى آخر برعاية اطبّاء شرفاء ، ومديرٍ إنسانيّ رحيم !


الأحد، 12 مارس 2023

الشيطان الصغير

تأليف : امل شانوحة 

الجدّ المخيف


- ابي ، عليّ التوجّه الى الصين لإفساد العرس الشهير .. بينما ذهب زوجي لإثارة الحرب النوويّة بين الدول العظمى.. ولم يقبل احد من إخواني بوضع ابني عنده ، لحين انتهاء مهمّتنا .. فهل استطيع تركه عندك بضعة ايام ؟

إبليس : وما رقم حفيدي هذا ؟

ابنته : العاشر بعد المليون ، وسمّيته على اسمك : لوسيفر الصغير

- اسبوعان فقط

- من اسبوعين الى شهر على ابعد تقدير .. اما ابني فهو مشاغبٌ قليلاً ، لكن بحكمتك يمكنك السيطرة عليه

إبليس بغرور : سيّطرت على البشريّةِ أجمع ، ولن يرهقني ولدٌ صغير .. المهم ان تُنهي مهمّتك على اكمل وجه

- لا تقلق ابي ، والدا العرسان من أهم رجال الأعمال بالصين .. سأحاول إنهاء الحفلة بإفساد شراكتهما التي ستضرّ بإقتصاد البلد .. 


إبليس : حاولي ايضاً إشعال الحرائق في المخازن لإغلاق فروع شركتهما ، وطرد آلاف الموظفين ..  

- هذا بالضبط ما أنوي فعله .. اما زوجي ، فذهب لإقناع بوتين برميّ القنبلة النوويّة على اوكرانيا .. ثم الوسّوسة لرئيس أميركا بردّه العنيف على روسيا .. أعدك ان لا نعود لمملكتك ، قبل نجاح مهمّتنا .. 


ثم قالت لإبنها : 

- لا تُتعب جدك ، وكنّ ولداً مطيعاً

الإبن بقلق : لا تتأخرا عليّ ، هذه اول مرة اعيش في قصر جدّي !

امه : ستُعجبك هيبة المكان.. كما اريدك أن تتعلّم من ذكاء جدك وخبثه

إبليس معاتباً : خبثي يا فتاة !

ابنته : آسفة ابي ، لكنك ألعن مخلوقٍ على وجه الأرض

إبليس بفخر : هذا صحيح 

ثم ودّعتهما ، للذهاب الى مهمّتها الإفساديّة !

***


بفترة العشاء ، جلس الحفيد على الكرسي القريب من جده لتناول الطعام .. 

ورغم قانون إبليس الصارم بعدم مشاركة أحد طعامه ، لكنه أشفق على الصغير الذي تركاه والداه لأول مرة بمفرده .. والذي ما أن بدأ بتناول طعامه ، حتى شعر إبليس بالإشمئزاز ! صارخاً بعصبية :

- لا تأكل بكلتا يديك !! ولا تصدر اصواتاً بشعة .. إغلق فمك الكبير .. ولا ترمي فتات الخبز على الأرض !

الحفيد بدهشة : جدي ! نحن شياطين ، المفترض أن نكون قذرين

- اعرف هذا ، لكني أقرف من أكلكم الهمجيّ 

- هذا ما تعلّمته في مدرسة الجن !  

إبليس بضيق : لهذا لا احب مشاركة الطعام مع احد.. هآ انا شبعت بعد قطعك شهيّتي !


وقبل ابتعاد إبليس عن طاولة الطعام ، مسح الحفيد فمه بطرف ثوبه! 

فجنّ جنون الجد : 

- إبعد يداك القذرتان عن ملابسي !! لقد وسّخت ردائي الحريريّ !

- آسف جدي

ثم مسح يداه الوسختان بثيابه..

الجد بعصبية : الم تعلّمك ابنتي قواعد النظافة ؟!!

- كنت اريد إثارة إعجابك بقذراتي المعتادة ! 


فنادى إبليس خادمته : 

- إغسلي يديه ، واجعليه ينام باكراً

الخادمة : حفيدك أتعبني كثيراً ، فلي ساعة أنظّف دورة المياه خلفه! 

فنظر إبليس بحنق للصبي : 

- هل غسلت يديك قبل جلوسك على مائدتي ؟

الحفيد بفخر : لا طبعاً !! 

إبليس باشمئزاز : يالا قرفك ! إذهب للنوم فوراً ، ولا ترني وجهك لحين عودة والديك ..


الحفيد : لا !! سأبقى معك .. فأنا خائف من وجودي على جزيرتك المرعبة ، وقلق من ضياعي داخل قصرك الكبير  

- سأراجع خططي الخبيثة لإفساد العالم ، ولا اريد إزعاجاً في مكتبتي 

الحفيد مهدّداً : إن لم تأخذني معك ، سألعب بجانب الشاطئ .. وربما تُغرقني الأمواج العاتية ، وتلومك امي .. وانت وعدّتها بالإهتمام بي 

- يالك من ولدٍ عنيد .. حسناً تعال معي ، لكن إيّاك أن تزعجني

***


في المكتبة الضخمة .. اعطاه إبليس كتيّباً مصوّراً عن إفساد الشياطين الصغيرة لبراءة اطفال البشر ، وطلب منه قراءته بصمت 

فركّز الصغير على الخطّط الخبيثة المذكورة في الكتاب ، التي تناسب عقله 


لكن مع كل صورة ، قاطع تفكير جده بالسؤال عنه :

- جدي .. هل عليّ إفساد لعب الصغار مع بعضهم ؟

- نعم 

- لماذا ؟

إبليس : لأن شجارهم سيغضب امهاتهم اللآتي سيشركنّ الآباء بخصامهنّ ، وربما يؤدي الى خلافاتٍ كبيرة بين اهالي القرية .. وهذا متوقف على ذكاء الشياطين الصغيرة من خلال وسّوستها في عقول اطفال البشر

- تبدو مهمّةٌ سهلة .. فأنا أنوي بعد تخرّجي الدراسيّ ، بالوسّوسة لأطفالهم لقتل اصدقائهم 


إبليس : الأمر ليس بهذه السهولة ، فالآباء البشريين يربّون ابنائهم على الأخلاق والتعاون والصداقة ، وقيماً سخيفة من هذا النوع .. لهذا ليس سهلاً إرتكاب ابنائهم لجرائم عنيفة  

- وماذا عن المساجين الأحداث ؟ 

- هم نادرون ، وليسوا قاعدةً عامة

الحفيد : اذاً سأختار أفسد ولدٍ وأكثرهم تعقيداً ، لتشجيعه على قتل زملائه بالمدرسة .. كما يحدث في عالمهم من وقتٍ لآخر 

- إن فعلتها ، فلك كعكةً لذيذة 

- بل نقوداً ذهبيّة  

إبليس بدهشة : يبدو انك فاسد اكثر ممّا تصوّرت !


وعندما قام إبليس لإعادة الكتاب الى مكتبته ، قام حفيده بحركةٍ سيئة!

فصرخ الجد غاضباً :

- إبعد إصبعك القذر عن مؤخّرتي ، يا حيوان !! 

الحفيد باستغراب : تعلّمتها في مدرستي ! لتشجيع اطفال البشر على حركات الشواذّ ، حسب اوامرك  

الجد بعصبية : نعم لأولاد الإنس ، لا لقطع نسلنا ايها المنحرف !! 

- كنت أتدرّب فقط ! 

- ليس على جدك !! حتى نسائي لديهنّ حدود بالتعامل معي 


الحفيد : انت متناقض يا جدي ! تحب النظافة والترتيب ، ولا تحب الحركات الشنيعة.. يبدو أن حياتك في الجنة مازالت تؤثّر على تصرّفاتك .. فأنت كنت أعبد الجن ، وهذه نقطة سوداء في تاريخك

إبليس : لا يا ذكي .. فعلت ذلك لأكافأ بدخول الجنة ، وأُصبح ملك الأرض والسماء !! لكن الله كشف خبثي ، وطردني من جنّته للأبد

- وهل هي جميلة ، كما تقول أسطورة الجن ؟!

إبليس بحزن : جميلةٌ للغاية

- تتنهّد وكأنك مشتاقٌ اليها ؟!

- كل قهري من آدم وذرّيته ، بسبب خسارتي الجنة.. المهم !! دعني أكمل عملي دون مقاطعة


الحفيد : وهل حقاً ستبقى مُخلّداً الى يوم القيامة ؟

إبليس بضيق : هذه لعنتي 

- ألم تكن طلبك ؟!

- لم أظن الدنيا ستستمرّ كل هذه القرون ! ليتني علمت بأن خلودي هو عقابي الدنيويّ ، وما ينتظرني بالآخرة أصعب بكثير

الحفيد : وهل ستكون في الطبقة السفلى من جهنم ؟ 

إبليس بعصبية : لا طبعاً !! انا في وسطها ، لأني لست ملحداً كغيري ..وكيف افعل بعد رؤيتي الله والملائكة ؟! 

- اذاً فرعون سيتعذّب اكثر منك ، بعد تأليهه نفسه ؟

- طبعاً !! لكن عذابه اقل من المنافقين الذين يُظهرون عكس ما يخفونه ، فهم بالدرك الأسفل من النار


الحفيد : ستكون صدمةً كبيرة لعبادك ، وانت تتخلّى عنهم يوم القيامة

- انا لم اطلب منهم شيئاً ، ولم أعدهم بالجنة 

الحفيد : وعدّتهم بالنار

- لا أملكها ايضاً 

- اذاً لماذا يعبدونك ؟!

إبليس : لأنهم عصاة .. (ثم تنهّد بضيق) .. حاول إكمال كتابك دون مقاطعتي ، فقد أرهقتني بأسئلتك ، ايها الفضولي الصغير


فسكت حفيده بضعة دقائق ، قبل ان يقول :

- أتدري ما سأفعله في رحلتي الأولى لعالم البشر 

إبليس وهو مازال يقرأ مخطّطاته : ماذا ؟

- أن أتذوّق طعامهم الشهيّ ، أكيد أثريائهم لا يسمّون الله .. لهذا سأشاركهم طعامهم وثيابهم ، وحتى نسائهم

- يالك من فاسقٍ صغير ! قرونك لم تنمو بعد ، وتفكّر بالعلاقات العاطفيّة ؟


الحفيد : وأنوي الزواج من بشريّة

- هذا مُحال

الحفيد باستغراب : الا يدّعي بعض البشر بزواجهم من الجن ؟!

- اضغاث احلام ، فهناك حاجراً بين العالمين

- الا يفكّ بالسحر ؟

إبليس : بلى  

- اذاً سأعمل لدى ساحرٍ بشريّ ، ليعطيني القوة لاقتحام عالمهم متى اشاء

إبليس : رغم إزعاجي بأسئلتك الكثيرة ، لكني سعيد بأفكارك الخبيثة ..اظنك ستبرع في عملك حينما تكبر


فسكت الصغير قليلاً ، قبل أن يسأله بتردّد :

- ماذا لوّ آمنت بالله ؟

إبليس بصدمة : ماذا قلت ؟!

- مجرّد إفتراض .. هل ستحرقني إن فعلت ؟

- طبعاً !!

الحفيد : الم تقلّ قبل قليل انك نادمٌ على الجنة ؟ فلما لا تعطي اولادك واحفادك الخيار بدخولها ؟

- لأني اريدكم معي في جهنم

الحفيد : أليست هذه انانيّة ؟ 

إبليس صارخاً : إخرس يا ولد !! انا اعرف مصلحتكم اكثر منكم


فإذّ بالصغير يرمي الشمعة على رداء جده ، الذي صرخ متألّماً وهو يُطفئ النار بيديه وذيله .. 

ومن بعدها أمسك بقميص الصغير ، ورفعه عالياً وهو يهدّده :

- أتريدني أن أرميك من نافذة برجي ، لتغرق في المحيط ؟!!!

الحفيد بخوف : كنت إثبت لك أن إحتراقنا معك بجهنم ليس بالأمر الجميل ، بل مؤلماً للغاية !

فرماه إبليس بقوّة على الأرض :

- إذهب فوراً لغرفتك ، ولا ترني وجهك لحين عودة والديك .. (صارخاً).. أمازلت هنا ايها اللعين ؟!!!


فهرب الصغير فزعاً من مكتبته .. بينما وضع إبليس مرهماً للحروق على يديه وذيله :

- معه حق ! فحرقٌ صغير آلمني لهذه درجة ، فكيف سأتحمّل نار جهنم ؟! 

ونظر من النافذة المطلّة على البحر ، مُحاولاً تهدئة غيظه :

- ما هذا الجيل اللعين ؟! ليلةٌ واحدة مع حفيدي جعلتني أندم على عدم سجودي لآدم ، فهو أفضل من إنجابي لهذه الذريّة القذرة! 

ثم نظر للنجوم حزيناً :

- كم أفتقدّ للحوريّات ، وأنهار الجنة العذّبة ، وطيراني الجميل فوق الحقول الخضراء .. حتى اني اشتقت للملائكة بقلوبهم الصافية البريئة !


وهنا ! دخل حارسه الى مكتبه .. فسارع إبليس بمسح دموعه :

- سيدي !! وصل رئيس الماسون ، لمشاركتك خطّطه المستقبليّة 

إبليس : خذه لقاعة الإجتماعات ، سأنزل اليه بعد قليل

- حاضر سيدي !!


وبعد ذهابه ، نظر إبليس بالمرآة :

- يبدو هذه وظيفتي بالحياة ! فكما سيملأ الصالحون الجنة ، سنُحشر انا وجنودي والعصاة في طبقات جهنم .. انه قدري ومصيري

ثم نزل ، لإكمال خططه الشريرة لتدمير العالم أجمع ! 


الجمعة، 10 مارس 2023

الخالة الحنونة

تأليف : امل شانوحة 

 

التربية الصحيحة


في زيارتها للريف .. لاحظت تعامل زوج اختها السيء مع ابنه المراهق (وليد) الذي يمنعه من الكلام مع خالته ، ويفضّل ابنته الصغرى عليه ! وكان واضحاً  شخصيّة وليد المُدمّرة بسبب سلبيّة امه وقساوة والده..


وقبل انتهاء الزيارة .. طلبت الخالة جوّال وليد للإتصال بسائقها ، لأخذها الى نزل المسافرين ، بعد رفضها مضايقتهم بالمبيت في منزلهم الصغير


وبعد إعادة جواله ، اقترحت على والده : أخذه معها الى المدينة لإكمال جامعته على حسابها .. 

فوافق الأب دون تردّد ، طالباً من ابنه ترتيب اغراضه للسفر مع خالته صباحاً ، وهو يسخر منه :  

- أعانك الله على ابني الفاشل ، عديم التربيّة


فشعرت الخالة بضيق وليد وهو يحاول كتم غضبه ، امام تهليلات اخته المدلّلة لسعادتها بتحويل غرفته لمكان لعبها ! بينما التزمت امه الصمت بسلبيّتها المعتادة

***


في الطريق ، سألته الخالة :

- حقيبتك صغيرة يا وليد ! هل انت متأكّد أنك أحضرت جميع اغراضك ؟

فردّ وليد مُحرجاً : معظم ملابسي قديمة ولا تليق بالمدينة ، ولا املك سوى جوالي القديم

- لا تحزن ، سأهتم بك جيداً ..وسأشتري لك جوالاً وحاسوباً جديداً

وليد بدهشة : حاسوب !

- نعم ، ستحتاجه في الجامعة .. لكنك لم تخبرني بعد ، أيّ إختصاصٍ ستختار ؟ فعلاماتك جيدة بالثانويّة ..

فأجابها بحزن : ابي لم يهتم يوماً بتفوّقي العلمي !

الخالة : لا تفكّر بكلامه المُحبط ، وامحي سلبيات الماضي بكل آلامه .. وأعدك بأن أيّ اختصاصٍ ستختاره ، سأدفع جميع تكاليفه ..حتى المعاهد والنوادي التي تحتاجها لتطوير مواهبك 


وليد باستغراب : ولما كل هذا يا خالة ؟!

- لقد ورثت شركة زوجي ، دون إنجابي الأولاد ..لهذا سأعتبرك ابني من اليوم فصاعداً.. (ثم مسكت يده).. الآن إخبرني ، أتريد تعلّم الهندسة ام الطبّ ؟

وليد : حلمي الحقيقي أن أصبح كخالي

- رحمه الله ، كان ضابطاً قوياً.. 

- ليتني مثله ، لكن شخصيّتي ضعيفة وجسمي هزيل !

الخالة : عليك اولاً إنهاء جامعتك ، لتحصل على رتبة ضابطٍ بدل العريف

- اذاً سأتخصّص بالإدارة ، فهي ٣ سنواتٍ فقط 

- كما تشاء ، إن كانت هذه رغبتك 


وليد بقهر : ليت امي تهتم لرأيّ مثلك ، يا خالة

- هي تخاف إغضاب والدك ، فهو عصبيٌ جداً

- وعنيفٌ ايضاً

الخالة بقلق : هل يضرب أختي ؟!

- لا ، فهي لا تعترض على قراراته ..ولا تدافع عني ، عندما يضربني دون سبب !

- ولما يدلّل اختك فقط ؟!

وليد : لأنها تُشبهه بالشكل والطباع الحادّة ، اما انا..

مقاطعة : فتشبه خالك رحمه الله


وليد : هو مثلي الأعلى ، ليتني أصبح مثله

الخالة : بل ستصبح أفضل منه .. فقط أحرص على عدم إخبار عائلتك بنجاحاتك المستقبليّة فهم لن يقدّروها ، وسيحبطونك بنقدهم الدائم .. واكتفي بالسلام عليهم بالجوّال ، دون ذكر تفاصيل حياتك

وليد : ومتى ستسمحين بزيارة عائلتي ؟

- في الأعياد والعطل الرسميّة


ففكّر وليد قليلاً ، قبل أن يقول بحزم :

- لا !! سأراهم عندما أُثبت لأبي إنني لست فاشلاً ، كما يلقّبني دائماً

الخالة : هذا يتوقف على اجتهادك في الدراسة ، ومداومتك على النوادي التي سأسجّلك فيها

- وانا مستعدٌّ لذلك

فحضنته بحنان..

***


اول ما فعلته الخالة بعد وصولهما للمدينة هو تسجيله بنادٍ رياضيّ لتقويم ظهره المنحني ، وبناء عضلاته التي ستزيد من ثقته بنفسه..


كما قصّت شعره المُهمَل ، وهذّبت شاربه ولحيته الخفيفة

واشترت له ملابس جديدة تناسب شخصيّته


وأدخلته ناديّاً للفنون القتاليّة ، لتعلّم الدفاع عن نفسه بعد معاناته مع التنمّر طوال سنوات دراسته.. ولم تنسى ايضاً إدخاله معهداً للغة الأجنبيّة وعلوم الحاسوب ، للإستفادة من ايام عطلته قبل بدء سنته الأولى الجامعيّة  

***


وبمرور السنوات ، تخرّج من جامعته بعلاماتٍ جيدة.. وتفوّق ايضاً بنادي الرماية والسباحة .. فكافأته خالته بسيارةٍ صغيرة


ولم ترضى بعودته للقرية قبل توسّطها عند صديق زوجها ، لإدخاله قسم الشرطة التي يعشقها..


وخلال التدريبات ، تفوّق على زملائه لإتقانه فنون القتال والرماية .. وعيّنوه بالإدارة لقوّة شخصيّته التي تحسّنت بعد عيشه مع خالته التي قدّرت آرائه ونفّذت اقتراحاته ، والتي حرصت على إشراكه برحلاتٍ ونزهاتٍ مع اصدقائه التي عزمتهم الى فلّتها كل شهر لزيادة شعبيّته.. 

بالإضافة لذهابها الى منزل حبيبته بالجامعة لخطبتها ، والتي ينوي الزواج بها بعد إخبار اهله عنها..


وبعد كل هذه النجاحات ، وافقت خالته اخيراً على زيارتهما لمنزل اختها التي ألحّت كثيراً لرؤية وليد خلال الخمس سنواتٍ الماضية 

***


وفور دخول وليد منزل اهله (بعضلاته المفتولة ، وبزيّ ضابط الشرطة) حتى استقبلته عائلته بالأحضان ، وهم متفاجئون من التغيّرات الإيجابيّة على شكله وشخصيّته المتميزة ! 

حيث بكت امه كثيراً لشبهه الكبير بأخيها المتوفي .. وترقّرقت عينا والده فخراً ، وهو يستمع لحديث ابنه الذي تكلّم بثقةٍ واتزان لم يعهدها من قبل !


وبعد ذهاب وليد مع اخته الى غرفتها ، سأل الأب الخالة عن سبب تغيّر ابنه ؟! فأجابته :

- كان وليد أشبه بزهرةٍ ذابلة وسط صحراءٍ خالية من العواطف ، فاضّررت لقلعها وزراعتها في بستانٍ مُزهر .. وحرصت على سقايتها كل يوم ، حتى ازهرت كما تلاحظون

فتضايق الأب من نقدها المُبطّن : 

- كنت أقسو عليه ، لأربّيه


الخالة : كان عليك مصاحبته بسن المراهقة وتقدير احلامه وتطلّعاته ، لا أن تأمره كولدٍ صغير وتهينه امام اصدقائه ! فأنا عاملته كرجلٍ بالغ ، وطلبت مساعدته كأنه سندي الوحيد بالحياة .. ولطالما أبهرني بأفكاره واقترحاته الذكيّة ! ولم أقمّ بخطوةٍ واحدة دون استشارته ، الى أن عادت ثقته بنفسه .. كما خطبت له فتاة احلامه ، مما جعله اكثر نضوجاً وتحمّلاً للمسؤوليّة

الأم معاتبة : كيف تخطبين لأبني دون رؤيتي للعروس اولاً ؟!


فأخبرت والديه بأنها تعرفها منذ دراسته الجامعيّة ، وانها من عائلةٍ محترمة ، وأن شخصيّتها تناسب وليد .. وانه الوحيد صاحب القرار باختيار شريكة حياته .. وهو من طلب منها عزيمتهما على عرسه القريب .. 

كما أخبرت عن مساهمتها بالدفعة الأولى لمنزله ، وهو سيتكفّل ببقيّة الأقساط من رواتب عمله


فشكرها الأب على تكاليفها الماديّة على ابنه طوال السنوات الماضيّة.. 

فردّت الخالة : هو ابني ايضاً ..وانا سعيدة بتحوّله من مراهقٍ ضعيف الى رجلٍ قويّ ، يمكننا جميعاً الإعتماد عليه

***


في يوم العرس .. قبّل وليد يد خالته :

- انا مدينٌ لك بنجاحي ، فأنت في مقام والدتي

الخالة بفخر : لوّ رزقني الله بولد ، لتمنّيته رائعاً مثلك

فحضنها بحنان..

***


بعد سنوات ..زارها في فلّتها ، ليخبرها عن شقاوة طفليه التوأمين ..

وفي سياق الحديث ، سألها :

- لليوم لم أعرف سرّ إصرارك تلك الليلة لذهابي معك الى المدينة ؟!

الخالة : لأني حينها طلبت جوالك للإتصال بسائقي ، أتذكر ؟

وليد : نعم كنتِ نسيتي جوالك في نزل المسافرين ، وجوال والدي لم يكن مشحوناً 

- حينها رأيت بحثك بالإنترنت عن طرق الإنتحار ! وشعرت انني سأخسرك إن بقيت يوماً آخراً مع والدك المُتزمّت 


فطأطأ وليد رأسه حزناً :

- في تلك الليلة ، ضربني والدي بعنف قبل قدومك ، لأني تأخّرت بشراء العصير ! فدخلت غرفتي باكياً ، ودعوت الله أن تكون آخر ليلةٍ مع عائلتي .. ولم اكن اعرف انه بالفعل آخر يومٍ معهم ! جيد انك أخذتني ، قبل إقدامي على فعلٍ يُغضب الله ويُحزن عائلتي 

الخالة : هذه مشكلة الآباء الأقوياء ، يظنون أن قسوتهم تقويّ شخصيّة ابنائهم ! لكنهم بالحقيقة يدمّرون ثقتهم بنفسهم.. الحمد لله انني قرّرت زيارتكم تلك الليلة لأحميك من قرارك المتهوّر .. فهآ انت أصبحت رجلاً نفتخر به جميعاً ، وفي المستقبل ستكون اباً رائعاً لطفليك 

وليد : سأربّيهما بحنّيةٍ وتفاهم ، كما فعلتي معي .. فأنت امي الثانية وصديقتي الوحيدة .. حماك الله يا خالتي العزيزة

وحضنها بحنانٍ وامتنان ...


الثلاثاء، 7 مارس 2023

مسابقة الحواس الخمس

تأليف : امل شانوحة 

 

المسابقة المرعبة


لم يكن من عادة إريك أخذ الإعلانات التي توزّع في المحطّة اثناء انتظاره القطار.. لكن نظرة الشاب الحادّة من خلف قناعه الطبّي ، جعلته يأخذ الإعلان طواعيّةً ! 

والغريب أن الشاب خرج من المحطّة قبل توزيعه جميع الأوراق ، كأن مهمّته إعطاء المنشور خصّيصاً له !  


لم يقرأ إريك المكتوب في الإعلان إلاّ قبل دقائق من وصول القطار الى محطّته التالية ، وكان فيها :

((مسابقة الحواسّ الخمس : إن فزت ، تكسب مليون دولار ..وإن خسرت ، تفقد حياتك !))


كان إعلاناً غريباً ، فمن الغير قانوني التهديد بالموت في مكانٍ عام! 

لكن إريك لم يستغرق التفكير في الموضوع ، بعد نزول الركّاب من القطار .. فوضع الإعلان في جيبه ، مُتوجّهاً لمنزله

***


في منتصف الليل .. شاهد مناماً : ((أنه يعيش في قصرٍ فخم ، ويتصرّف مع خدمه كرجلٍ ثريّ !))

فاستيقظ وهو يتساءل : كيف لمحاسب سوبرماركت أن يصبح غنيّاً في يومٍ وليلة ؟!

وتذكّر الإعلان الغريب المدوّن فيه : الموقع الرسمي للمسابقة


فاغتمره الفضول للبحث في حاسوبه .. ليجد أن مسؤول الموقع رفض توضيح شروط المسابقة ، قبل إشتراكه فيه ! 


وما أن فعل ، حتى وصلته رسالة على جواله :

((اهلاً بك في مسابقة الحواسّ الخمس))

فتفاجأ إريك من معرفتهم رقم جواله الذي لم يطلعهم عليه ! وردّ على رسالتهم بارتباك :

- انا لم أسجّل في موقعكم ، للإشتراك بمسابقتكم المريبة .. فقط لديّ فضول لمعرفة شروطكم


فلم يصله الجواب على جواله ، بل ارسلوا خريطة على حاسوبه توضّح مكان المسابقة التي ستقام بعد اسبوعين .. وأخبروه أنه المتسابق العاشر والأخير لهذا الموسم !

فسألهم : إن كان برنامجاً تلفازيّاً ؟

فأجابوه بغموض :

- لبرنامجنا مشاهدينه الخاصّين


فشعر إريك بأنها مراهنة للأثرياء من خلال الإنترنت المظلم ! ومع ذلك أصرّ على معرفة شروطهم ؟ 

- كل ما عليك فعله هو تنفيذ الأوامر المكتوبة بكل غرفة ، مُعتمداً على حاسّة من حواسّك .. وإن فزت ، تكسب المليون نقداً .. وإن خسرت..

إريك : تقتلونني ؟!

- احسنت !!

- وماذا تستفيدون من موتي ؟!

- هذه شروط لعبتنا ، فهل ستشارك ؟

إريك بخوف : لا طبعاً !! ورجاءً إمسحوا رقم جوالي


وقبل خروجه من الموقع المشبوه ، وصلته رسالةً اخيرة :

- ستترجّانا قريباً للإشتراك في مسابقتنا

فأطفأ حاسوبه وجواله وهو يشعر بالضيق ! 

***


ما حصل لإريك بالأيام التالية أشبه بالكابوس ! فقد اتُهم ظلماً بسرقته صندوق محاسبته ، من خلال ظهور شبيهٍ له بكاميرا المراقبة وهو يُدسّ رزمة المال في جيبه .. ويلبس ثياباً تُشابه ملابس إريك المُعتادة ، مُخفياً وجهه بالكمّامة الطبيّة ! 

فعوقب بحرمانه من تعويضه بعد عشر سنوات من عمله الجادّ ، وطُرد ذليلاً امام زملائه القدامى المصدومين مما حصل !  


وبسبب خسارته الراتب الأخير ، لم يستطع دفع إيجار غرفته .. فهدّده المالك بطرده قبل نهاية الشهر ! 

ولأن تهمة السرقة سُجّلت في ملفّ عمله ، لم يقبل احد توظيفه لعدّة ايامٍ من البحث المتواصل.. مما تسبّب بخلافٍ مع خطيبته التي انفصلت عنه .. 


فعاد إريك حزيناً الى شقته ، ليجد رسالةً على حاسوبه :

((ماذا قرّرت الآن ؟ هل ستشارك في مسابقتنا ، أمّ نستمرّ في تدميرك ؟))


فجنّ جنونه ، وأخذ يطبع سؤاله على موقعهم بعصبية :

- هل الشاب الذي سرقني بالعمل من طرفكم ؟!!

- نعم ، وهو ذاته الذي أعطاك الإعلان بالمحطّة

إريك بصدمة : لما تفعلون ذلك ؟!

- لأننا نختار مشتركينا بعناية .. وانت رجلٌ اربعينيّ وعازب ، وعملك متواضع ، وتعيش في شقةٍ مستأجرة بحيٍّ شعبيّ ، ويتيم الأهل ، ولا اصدقاء لديك .. فخسارة روحك لن تُحزن الكثيرين


إريك باستغراب : وكيف عرفتم كل هذه المعلومات عني ؟!

- كما اخبرناك : نختار متسابقينا من الأشخاص المُهمّشين في المجتمع ، كيّ لا نثير ضجّة حولنا .. فهل تريد أن تصبح مليونيراً ، وتغيّر حياتك للأفضل ؟

فسألهم بيأس :

- ذكّروني بشروط مسابقتكم اللعينة ؟ 


فأرسلوا عنوان منزلٍ مهجور موجود في اطراف قريةٍ زراعيّة ، بطريقٍ مليء بالحفريات المُهملة ..لا يمكن الوصول اليها إلاّ من خلال حافلةٍ مُرسلة من مسؤولي المسابقة ، لأخذه غداً الى هناك !


فنام إريك مهموماً بانتظار قدره المجهول في يومه التالي ، وربما الأخير من حياته !

***


في الموعد المحدّد ، مساءً .. صعد إريك الى حافلةٍ صغيرة ، أقلّته من الشارع العام.. ليجد تسعة اشخاص يجلسون في مقاعد متفرّقة .. يبدون من الطبقة الكادحة ، بوجوههم الشاحبة الحزينة ! 

فعلم أن حياتهم تدمّرت بعد بحثهم عن موقع المسابقة ، كما حصل معه !


لهذا التزم الصمت مثلهم ، حتى وصلوا في وقتٍ متأخّر الى كوخٍ مهجور مُضاء بأنوارٍ خافتة ..

حيث توجّب عليهم الدخول على التوالي ، دون علمهم بما ينتظرهم !


اما المتواجدون في الخارج  : فركّزوا بصرهم على الأنوار الحمراء العشرة المُعلّقة على جانب الكوخ ، التي ستُطفأ بموت كل متسابق ! 


وكان الأمر مُفزعاً مع سماع الصريخ المؤلم للمتسابقين بالداخل ، والتي انطفأت انوارهم الواحد تلوّ الآخر في وقتٍ قصير !


وقبل وصول دور إريك ، إستغلّ إنشغال الحارسين بتفرقة الشجار بين متسابقين رفضا الدخول اولاً .. 

وهرب مسرعاً باتجاه حقل الذرة اليابس ، الموجود خلف المنزل المهجور..


وظلّ يركض مُتجاهلاً طلقات النار من الحارسين .. الى ان وصل لشارعٍ فرعيّ ، ينام مُتشرّدٌ عجوز على رصيفه ! 

فطلب منه الماء ، وهو ينهجّ بتعبٍ شديد .. ورغم قذارة القارورة ، إلاّ ان إريك شرب القليل منها .. ليتفاجأ بسؤال العجوز :

- هل هربت من مسابقة الحواسّ الخمس ؟

إريك بصدمة : كيف عرفت ؟!

- برأيّ لا تفوّت فرصة الثراء السريع .. عدّ الى هناك ، فهم سيجدونك حتماً كما فعلوا مع الهاربين السابقين ، ويقتلونك على الفور

- اساساً لا اعرف ما ينتظرني داخل الكوخ !


العجوز : كل ما عليك فعله بالمسابقة ، هو إستخدام احد حواسّك لحلّ الألغاز المتواجدة في كل غرفة.. ولأني مشعوذٌ محترف ، سألقي عليك تعويذة تجعل الحاسّة المطلوبة لكل امتحان ، تقوى عشرة اضعاف .. مما يجعلك تفوز بالمسابقة بسهولة .. لكن عندي شرط !! في حال فزت بالمليون ، فلي نصف الجائزة

- طالما تعرف حلّ الغاز الكوخ المهجور ، فلما لا تقدّم على المسابقة وتربح  المليون كاملةً ؟

العجوز : لأنهم يختارون رجالاً في منتصف العمر ، وليس عجوزاً مثلي .. عليك أخذ قرارك فوراً ، فهم بالطريق اليك الآن


وهنا لاحظ إريك انوار الكشّافات داخل الحقل التي تقترب من مكان تواجده! 

إريك بيأس : لا اظن لديّ حلٌّ آخر


فألقى العجوز تعويذته عليه ، ليشعر إريك بالطمأنينة والحماس لتجربة المسابقة المريبة !

العجوز : الآن انت مستعد ، إذهب اليهم

ثم صفّر العجوز بأصبعيه ، لتتسارع الأنوار صوبه !

العجوز : لا تخفّ ، ستصبح غنيّاً بعد ساعة.. (ثم ابتسم بحماس) .. او بالأصح ، سنصبح ثريّن بالقريب العاجل 


وهنا قبض الحارسان على إريك ، فأسرع العجوز قائلاً :

- هو موافق على تجربة المسابقة .. فالثريّ الذي راهن عليه ، سيغضب إن قتلمانه قبل إستمتاعه بالمراقبة من خلال الكاميرات .. فالأفضل إعطائه فرصة لحلّ الألغاز ، لربما كان الفائز لهذا الموسم

الحارس : اذاً هيا بنا !!


وأعاداه الى الكوخ ، ليجد إريك بأن الأنوار التسعة مُطفأة ! فعلم انه لم يتبقّى غيره..  

***


دخل إريك الغرفة الأولى مُتردّداً ، ليجد مكتوباً على الجدار : 

((عليك إيجاد الإبرة في كومة القشّ ، خلال خمس دقائق))

ثم بدأ العدّ التنازلي من ساعة الحائط ، وكان في زاوية الغرفة : كومةٌ كبيرة من القشّ الجافّ


وهنا شعر إريك بقوّةٍ خارقة ، جعلت نظره يتضاعف عشر مرات ، كما اخبره المشعوذ .. وبسهولة لمح لمعة الإبرة ، اسفل الجهة اليمنى من القشّ!


وبالفعل استطاع إخراجها خلال دقيقةٍ واحدة .. مُتجنّباً الحريق الذي كان سيندلع بالقشّ وفي جسده ، في حال فشل بحلّ اللغز (كما كُتب بخانة العقاب على الجدار المقابل)


وما أن وضع الإبرة في الصحن الحديديّ القريب من الباب ، حتى فُتح وحده

***


بدخوله الغرفة المجاورة ، وجد مكتوباً على جدارها الّلغز الثاني :

((عليك سماع الرسالة من خلال الضجيج))


وفجأة ارتفعت اصوات ابواق السيارات من مذياعين ضخمين في زاويتيّ الغرفة !

فكاد إريك إن يغلق اذنيه ، لكن قوّته الخارقة جعلته يسمع بوضوح صوت امرأة تقول بين الأبواق المزعجة : 

((إخترّ المفتاح الأحمر))


فبحث مُسرعاً في مجموعة المفاتيح الملوّنة .. واختار الأحمر لفتح الباب المُقفل ، مُتجنّباً طلقة البندقية الموجّهة صوبه !

***


في الغرفة الثالثة : كان عليه معرفة مقادير الطعام من تذوّقه لملعقةٍ واحدة ، لكل طبقٍ من الأطباق الثلاثة ! 

ورغم عدم خبرته بالطبخ ، لكن قوّته الخارقة جعلته يميّز المكوّنات بسهولة بأقلّ من خمس دقائق ..

مُتجنّباً إبرة السمّ التي كانت ستُطلق عليه ، في حال فشل بالإجابة  !

***


اما الغرفة الرابعة : فتعتمد على حاسة الشمّ ، من خلال إطلاق رائحة جميلة لمرةٍ واحدة .. وعليه شمّ عشرين زجاجة عطر ، لمعرفة النوع الذي أُطلق منه الرائحة السابقة !

ولولا القوّة الخارقة التي اعطاها له المشعوذ ، لما استطاع تميّزها بسهولة .. فهو لم تكن لديه علاقة بالنساء ، سوى خطيبته الفقيرة (زميلته بالسوبرماركت ، التي نادراً ما تشتري العطور) 

وبحلّه الّلغز ، تجنّب الوقوع في قبوٍ مليء بالرماح الحادّة !

***


اما الغرفة الخامسة والأخيرة : فكان عليه لمس عدّة اشياءٍ داخل صناديق مغلقة بالكامل ، إلاّ من جانبها .. لمعرفة ما بداخلها 

واستطاع بواسطة قوّته المضاعفة ، تميّز انواع الأقمشة والحبوب والحشرات التي لمسها من بين ١٥ صندوقاً مغلقاً ، بأقل من الوقت المحدّد 

وبذلك أفلت من لدغة العقارب السامة التي كانت ستُرمى عليه من السقف !

***


بعد انتهاء المسابقة المخيفة ، خرج من باب الكوخ الجانبيّ .. ليجد الحرّاس الثلاثة المُقنّعين يصفّقون له ، بجانب سيارةٍ فارهة ! 

وأخبروه ان الثريّ الذي راهن عليه ، اهداه إيّاها بسبب فوزه بالمسابقة بزمنٍ قياسيّ

فسألهم إريك عن جائزة المليون ، فأخبروه انها موجودة في حقيبةٍ بالمقعد الأماميّ 

فدخل السيارة متحمّساً وهو يفتّش رزم المال في الحقيبة ، دون أن يصدّق ما يراه !


وما أن سمحوا له بالذهاب ، حتى قاد سيارته مسرعاً داخل الحقل الجاف .. الى ان وصل للشارع الفرعيّ الذي فيه العجوز .. لكنه لم يتوقف امامه ، بل اكمل طريقه نحو المدينة !

فقال المشعوذ غاضباً :

- سأجعلك تندم على إخلافك الوعد ، ايها الملعون !!

***


نام إريك تلك الليلة في غرفة الفندق الفاخرة ، وهو يحتضن حقيبة المال ..بعد تناوله وجبةً مشبعة من أشهى الطعام والحلويات التي حلم بها طوال حياته


ليستيقظ ظهراً على طنينٍ شديد بالأذن !

وسرعان ما شعر بصعوبة النطق !

وعندما فقد حاسّة الشم .. أسرع لخارج الفندق ، حاملاً حقيبة المال ..وهو خائف أن يكون المشعوذ انتقم منه بإفقاده حواسّه الخمس ..

وظن ان سفره للخارج ، سينجيه من لعنة تعويذته .. 


لكنه صرخ متالماً قبل صعوده القطار المتوجّه للمطار ، بعد فقده البصر ! حيث مرّ الناس بجانبه ، مُعتقدين بأنه متسوّل .. دون علمهم بأن الحقيبة التي يحتضنها ، تحوي ما يقارب المليون دولار !


وحاول إريك تلمّس طريقه للوصول الى الهاتف العام ، بعد سقوط جواله فوق سكّة الحديد إثر تعثّره بسبب الم قدميه المفاجئ ! 

إلاّ انه فقد قدرته على المشي ..فظلّ واقعاً على أرضيّة المحطّة ، مُحتضناً ماله بكل قوته ..


وقبل فقده حاسّته التالية ، سمع شخصاً يهمس في اذنه :

- كان عليك مقاسمتي المال ..فهآ انت ستموت جائعاً متالماً ، دون ان يشفق عليك احد


وسحب الحقيبة من يديه الّلتين تخدّرتا فجأةً ، بعد فقدانه حاسّة اللمس والسمع ايضاً

وخرج المشعوذ من المحطّة ، تاركاً إريك يتلوّى بألمٍ شديد بعد فقدانه حواسّه الخمس ، والتي تُنذر بموته القريب بأسوء طريقةٍ ممكنة !


الأحد، 5 مارس 2023

الحب المنسوخ

تأليف : امل شانوحة 

العشق الأول


في الحلقات الأخيرة ، وباجتماع طاقم التصوير والممثلين لتناول العشاء ..أخبرهم المخرج بأن كاتبة المسلّسل قادمة الى منزلهم الريفيّ (الذي يتمّ فيه تصوير احداث المسلّسل) للسلام عليهم  

ففرح الطاقم بالخبر لأنهم معجبين بالأحداث الشيّقة ، ويأملون بأن يُحدث العمل ضجّة إعلاميّة فور عرض حلقاته بالقنوات التلفازيّة ..


واعتقد الممثلون أن الكاتبة كبيرة في السن ، ليتفاجأوا بأنها صبيّة فاتنة الجمال في الثلاثينات من عمرها !

واجتمعوا حولها وهم يتحدّثون عن روعة قصّتها .. 

فسألتهم عن الممثل (الأربعينيّ) الذي اختارته لبطولة مسلّسلها .. فأخبروها انه قادمٌ بعد قليل

***


بعد ساعة .. أتى البطل مُعتذراً عن تأخّره ، ليتجمّد فور رؤيته الكاتبة ! 

ثم اقترب للسلام عليها بيدٍ مُرتجفة ، وهو يقول :

- ريم !

الكاتبة باستغراب : لا ! انا مرام ، كاتبة المسلّسل


وهنا سألته البطلة التي تشاركه التمثيل :

- هي بالفعل تُشبه حبيبتك ريم رحمها الله ، حسب الصورة التي في جوّالك !

فاجاب البطل بعينين دامعتين :

- كأنها هي !

الكاتبة باهتمام : وبماذا أشبهها ؟!

البطل بنبرةٍ حزينة : بعينيها الّلامعتين .. وفمها الصغير كحبّة الفراولة ، وكأنه خُلق للقبلات


فأحسّ الجميع بارتباك الكاتبة التي طلبت من مسؤولة المنزل أن تدلّها على غرفتها التي ستبقى فيها يومين ، لحين تصوير الحلقة النهائيّة للمسلّسل


وبعد ذهابهما ، عاتبته البطلة :

- أحرجتها بغزلك الجريء

البطل باهتمام : أهي متزوجة ؟

- لا ، ليست مرتبطة

المخرج : يبدو انها لفتّت إنتباهك ؟

البطل بحزن : توفيّت حبيبتي ريم بعمر المراهقة ..ولوّ بقيّت حيّة ، لكانت في الثلاثينات من عمرها ، تماما كعمر الآنسة مرام .. شعورٌ غريب ، وكأنها لم تمتّ ابداً !

الممثلة العجوز : عليك السيطرة على مشاعرك ، فأنت متزوج ولديك ولدين

فتنهّد البطل بقهر : ليتني قابلتها من قبل

ثم استأذن للذهاب الى النوم ، إستعداداً لتصوير الحلقة الأخيرة في الصباح الباكر


وشعر الجميع بالشفقة عليه ، فهم يعرفون قصّة حبه الأول مع ريم (ابنة الجيران التي تصغره بعشر سنوات) والتي توفيّت بحادث سيارة ، قبل تخرّجه من معهد التمثيل !

***


في آخر الليل .. إستيقظ البطل وهو يتصبّب عرقاً بعد رؤيته ريم في المنام ، فهو لم يرها منذ مدّةٍ طويلة ! وكانت تخبره : ((أن مرام تشبهها ايضاً بالروح والطباع))

 

مما زاد فضوله اتجاه الكاتبة ، التي تُجاور غرفتها شرفة الصالة التي يُدخن بها سيجارته .. 

وبعد نوم الجميع .. لم يستطع ردع نفسه من الإطلال خلف الجدار ، لرؤية الآنسة مرام تتقلّب فوق سريرها ، من شقّ باب شرفتها المفتوح


وأخذ يتأمّل وجهها البريء والدموع في عينيه ، مُتمنيّاً القفز الى شرفتها للبقاء بجانبها.. 

لكنه ارتبك حينما فتحت عيناها ، لتجده ينظر نحوها ! 

فسارعت بإغلاق ستارتها .. مما أشعره بخطئه ، فهو لا يحقّ له التلصّص عليها دون إذنها !

***


في الصباح .. توجّه البطل الى شرفة الصالة لتدخين سيجارةٍ جديدة ، قبل بدء التصوير .. ليجد الكاتبة هناك ، تُراجع المشاهد الأخيرة قبل إطلاع المخرج على ملاحظاتها النهائيّة .. 

فاقترب منها مُعتذراً :

- آسف لما حصل البارحة

فعاتبته بضيق : ليس لائقاً أن .. 

مقاطعاً : أخبرتك أن ريم هي نقطة ضعفي 

- أحقاً أشبهها لهذه الدرجة ؟!

البطل : كأنك هيّ ! .. (ثم تنهّد بضيق).. كنت أظن انني نسيتها ، لكن مشاعري القديمة عادت فور رؤيتك ! 

- إسمعني جيداً ، لم آتي الى هنا لتدمير عائلتك

- الأمر ليس بيدي ، فهي حبيّ الأول .. (ثم سكت قليلاً) .. ماذا عنك ؟ هل أحببت من قبل ؟


فتنهّدت بحزن : ربما

- ماذا تقصدين ؟

- أحببت شخصاً لم يكن من نصيبي

البطل : اذاً تعرفين كسرة القلب ؟

- أعرفه تماماً

- اذاً لا تكسري قلبي مرتين

الكاتبة باستغراب : مرتين !

- مرّة بموتك ، ومرّة برفضك الزواج بي

الكاتبة : نحن نتكلّم عن مصير عائلتك !  

- سأترجّى زوجتي بالسماح لنا الزواج ، فهي تعرف انني لم أنسى يوماً حبيبتي ريم.. ولا أبالغ إن قلت : إنني سأنهار لوّ خسرتك هذه المرة 


وهنا سمعا المخرج يُنادي الممثلين للنزول الى السّاحة (قرب المنزل) لتصوير المشاهد الأخيرة.. 

فسألها على عجل :

- آنسة مرام ، لم اسمع جوابك بعد ؟

- في حال وافقت زوجتك ، فلا مانع لديّ

البطل بحماس : أحقاً ؟!!

الكاتبة بخجل : ولما تظن انني أصرّيت على المنتج والمخرج بأن تكون بطل قصتي؟

- أأنت معجبةٌ بي ايضاً ؟!

- منذ بداية مشوارك الفنّي

البطل بحماس : اذاً اتفقنا !! سأفاتح زوجتي بالموضوع بعد انتهاء المسلّسل 

- كان الله في عونها ، فطلبك سيجرح مشاعرها 

البطل : هي تحبني كثيراً ، وتعرف أهميّة الموضوع بالنسبة لي


وهنا سمعا صراخ المخرج الغاضب :

- اين البطل ؟!!

الكاتبة : هيا إذهب اليه بالحال

البطل : اراك لاحقاً يا ريم ... أقصد ، عزيزتي مرام

***


بعد انتهاء تصوير الحلقة الأخيرة .. إجتمع الطاقم على العشاء في ليلتهم الأخيرة بالريف ، بانتظار حافلة الصباح التي ستعيدهم الى المدينة


وطوال المساء ، تجنّبت الكاتبة التواصل البصري مع البطل الذي لم يبعد عينيه عنها ! ثم استأذنت للنوم باكراً

***


في الصباح ، وعلى مائدة فطورهم الأخير .. سأل البطل مسؤولة القصر عن الكاتبة ، فأخبرته انها عادت للمدينة بسيارتها فجراً ، وانها تودّعهم جميعاً !

فشعر بأن هروبها هو رفضها الزواج به ! فخاب امله كثيراً

***


بعد انتهاء عرض المسلّسل الذي نال ضجةً إعلاميّة لتميّز افكاره ، دعى المنتج طاقم التصوير الى حفلة توزيع الجوائز .. 

وكان من بين الحضور ، الكاتبة المتألّقة التي حاولت التهرّب من نظرات البطل الشغوفة نحوها ! والتي تجاهلتها عمداً ، لوجود زوجته بجانبه طوال الحفل 


وبنهاية المناسبة .. خرجت مرام الى شرفة صالة التكريمات ، لتنشّق الهواء .. فسمعته يقول من خلفها :

- لما رفضتني يا ريم ؟!

- انا مرام ولست ريم .. ربما أشبهها بالشكل فقط

البطل : لا ، حتى الطباع .. فهي خجولةٌ مثلك ، وكثيراً ما هربت من تصرّفاتي الجريئة

- وما أدراك بطباعي ؟ فأنت لم تعرفني منذ وقتٍ طويل 

- لأن ريم أخبرتني بذلك في المنام 

مرام بصوتٍ منخفض : رجاءً إغلق الموضوع ، فزوجتك قادمة الى هنا


وما أن وصلت اليهما ، حتى سألتها :

- أأنت الآنسة مرام ؟

فعاتبت الكاتبة البطل : هل حقاً أخبرتها عني ؟! ظننتك تمزح ! 

فالتفتت الزوجة لزوجها : هي فعلاً تُشبه ريم كثيراً !

مرام : حتى انتِ موافقة على كلامه ؟!

الزوجة بتردّد : أظنك ستتفاجئين من طلبي .. لكن رجاءً وافقي على الزواج به

مرام بدهشة : لا أصدّق ما اسمعه !


الزوجة : انا احبه كثيراً .. وقد حاولت جاهداً أن أنسيه ألم فراقها ، لكني فشلت.. فهو دائماً ينطق بإسمها اثناء نومه .. لهذا أصرّيت على تسميّة ابنتي بريم ، كيّ لا يُجرح كبريائي حين يردّد إسمها دون انتباهه ! 

مرام بارتباك : لا اعرف ماذا اقول !

الزوجة : تزوجا وسافرا بشهر العسل .. ومن بعدها سيكون على زوجي العدل بيننا

فأمسك البطل يد زوجته : 

- سأفعل صدّقيني ، انا قادرٌ ماديّاً وجسديّاً على ذلك

الزوجة لمرام : ما هو قرارك النهائيّ ؟ 

الكاتبة بإحراج : طالما انتِ موافقة ، فلا مانع لديّ


فأوشك البطل من فرحته على حضن مرام التي سارعت الخروج من الشرفة ، مراعاةً لمشاعر زوجته التي تكتم دموعها من شدّة الغيرة

***


عاش الحبيبان اجمل شهر عسلٍ بالخارج .. وقبل يوم من عودتهما لبلدهما ، وجد مرام مُغمى عليها ! 

فأسرع بها الى المستشفى .. ليكتشف الطبيب ورماً خبيثاً في دماغها ! مما أفقد البطل صوابه ، وصار يبكي ويشتكي بقهر في ممرّ المستشفى :

((لما يارب تريد اخذها مني مرةً أخرى ؟!! لما لا تدعّ حبيبتي معي لآخر العمر؟!!))

وانهار باكياً ، وسط دهشة المرضى والممرّضات الأجانب الذين لم يفهموا كلامه !


وظلّ معها برحلة علاجها بالخارج التي دامت إسبوعين ، قبل أن يتوفّاها الله !

***


ليعود مع جثمانها مكتئباً ويائساً الى زوجته التي استقبله في المطار .. ليبكي في حضنها بقهر امام ولديه الصغيرين اللذيّن لا يعرفان بزواجه الثاني ، وبأن الصندوق الطويل الذي احضره معه ، هو تابوت زوجته مرام !

***


في العالم الموازي ، شاهدت ريم من خلال شقٍ فلكيّ حبيبها وهو يبكي بقهر امام قبر مرام .. فسألتها صديقتها :

- هل ستعودين مجدّداً لعالمه ، بإسم مرام ؟

ريم : ليس الآن ، فأنت تعرفين قوانين العالم الموازي : لا يمكننا العودة الا بعد عشرين سنة ، ولمدة اربعة أشهرٍ فقط ! وقد استغرقتُ بشخصيّة مرام ثلاثة أشهرٍ لتقرّب منه ، وشهرٌ واحد للزواج .. لذا سأعود اليه بعمر الخمسين ، بإسمٍ مُغاير .. أتمنى حينها أن يكون طلّق زوجته او توفّاها الله ، فهي عقبة في طريقي

- انت تُعذبينه بعودتك اليه بنسخك المتعدّدة ؟

ريم بحزن : وماذا افعل ؟ فهو حبيّ الأول ، ولم استطع يوماً نسيانه!


وظلّت تراقبه بعيونٍ دامعة .. الى أن اختفى الشقّ الفاصل بين العالمين ، والذي سيظهر مجدّداً بعد عشرين سنة !


الجمعة، 3 مارس 2023

مباراة مخيفة

تأليف : امل شانوحة 

تحدّي الأولاد


أضاع صبيٌ في ١٢ من عمره فريق الكشافة ، بعد تعمّقه بالغابة.. 

وحينما حلّ المساء ، شاهد دخاناً من بعيد ! فظنّ أن رفاقه خيّموا هناك اثناء بحثهم عنه ، فتوجّه نحوه .. 

ليجد كوخاً صغيراً .. فاستأذن بالدخول عدّة مرات ، دون سماعه جواباً.. 

فاضّطر للدخول بعد برودة الجوّ ، طالما الباب غير مقفل !


ووجد داخل الصالة مدفأةً مضاءة ، بجانبها كرسي مريح عليه بطانيّة..

ومن شدّة تعبه ، نام هناك بانتظار قدوم صاحب الكوخ 

***


في الصباح ، كان المكان مازال فارغاً .. فتساءل عمّن أشعل المدفأة؟!

وفور خروجه .. شاهد توتاً بريّاً يملأ النباتات المحيطة بالكوخ ، والتي لم يرها ليلاً!

فصار يأكلها بنهمٍ شديد.. لكنه ارتعب بعد ملاحظته بأن التوت ينمو مجدداً فور قطفه! 


فأسرع هارباً باتجاه الأشجار.. ليجد بنهاية الغابة ، ساحةً كبيرة بها مرميين ! كأنها ملعب كرة قدم للأطفال ، مهجورة منذ مدّةٍ طويلة 


وحين اراد الخروج من هناك ، سمع صافرةً قوية ! 

فالتفت للخلف ، ليجد كرةً قديمة بجانب المرمى .. فتساءل باستغراب:

- كيف لم الاحظها من قبل ؟! 


وتصرّف كولدٍ بمثل عمره .. وشاط الكرة بقوةٍ ، مُحرزاً هدفاً في شباك المرمى المُهترئ 


وما أن فعل ذلك .. حتى ظهر ١٠ اطفال بأزياءٍ مختلفة ، بعضها يعود لقرونٍ ماضية .. وقد أفزعته نظراتهم المُركّزة عليه ! 


لكنه لم يستطع تعدّي الخط المرسوم على جانب الملعب ، بعد سماعه صوتاً يقول بحزم :

- ممنوع على أيّ أحد الإبتعاد عن خطّ التماس


وحين التفت لمصدر الصوت ، وجد ١١ لاعباً صغيراً (ظهروا من العدم) بوجوهٍ خضراء وحمراء وزرقاء مع قرونٍ وذيول .. يبدو انهم مخلوقاتٍ غير بشريّة ، بعكس الفريق الناقص !


فتجمّد في مكانه من شدّة الخوف ، الى ان قال كابتن الفريق المرعب:

- كنا بانتظار إكتمال عدد فريق لاعبي البشر ، لبدء بمباراةٍ وديّةٍ بيننا


وهنا اقترب من الصبي ، كابتن فريق الأولاد (بموضة ثيابه الغريبة) قائلةً بنبرةٍ يائسة :

- عليك إطاعة اوامرهم ، فنحن اطفالاً ضعنا في هذه الغابة .. وحين وصلنا الى الملعب ، تمّ اختطافنا الى عالم الجن .. ويبدو أن صغارهم يرغبون في ملاعبتنا غصباً عنا !

فسأله الصبي : ومتى ضعتم عن اهاليكم ؟

فردّ عليه : انا اول الضائعين وأكبرهم ، ولي قرنٌ ونصف عالقاً في عالم الجن

الصبي بصدمة : لكنك تبدو في مثل سنّي !

- في عالمهم ، تتوقف الأعمار ..لهذا أشعر باليأس ، فحتى لوّ سمحوا بعودتي لمنزلي ، لن اجد احداً حيّاً من عائلتي !


ثم اقترب ولدٌ آخر : 

- اما انا ، فآخر من انضمّ للفريق قبل قدومك ..ولي ٣٠ عاماً تحت الأرض ! وأكيد اخواني الصغار أصبحوا رجالاً ، وأظنهم يترحمون على وفاتي منذ مدةٍ طويلة

الصبي بخوف : أيعني هذا انني سأبقى عالقاً بهذا الملعب المخيف لسنواتٍ عدّة ؟!

- ربما الحلّ معك ، فعددنا اكتمل اخيراً .. فإن لاعبناهم كما يلحوّن علينا دائماً ، قد يطلقون سراحنا


وهنا صرخ كابتن فريق الجن :

- أستبقون تتحدثون طويلاً ؟!! هيا توزّعوا في الملعب .. وليبدأ أحدكم برمي الكرة من الوسط ، مع إطلاق صافرتي

***


وبالفعل لعب الفريقان بنفس التوقيت المعتاد للشوطين .. 

وبنهاية المباراة ، فاز فريق البشر .. مما أغضب الجن الذين طالبوا بمبارةٍ ثانية !  


فاتفق الأطفال على تركهم يربحون ، ليتخلّصوا من هذا الكابوس

***


وبعد فوز فريق الجن ، تفاجأوا بكابتن فريق المرعب يقول بحماس :

- الآن صرنا تعادل !! لنلعب مباراةً حاسمة

- لكنه حلّ المساء !


فنادى كابتن الجن على ماردٍ ضخم ، خرج من اسفل الأرض .. ووقف في زاوية الملعب .. وما ان فتح فمه ، حتى اضاءه بالكامل كأنه عامود نور !

كابتن الجن : هذا قريبي ، سيضيء ملعبنا كل مساء

الأطفال بقلق : كل مساء !

فهزّ فريق الجن رأسهم إيجاباً ، وهم يبتسمون بخبث


فشعر الأطفال بالإحباط بعد يقينهم أنهم سيلعبون مبارياتٍ لا نهائيّة ، مع فريق جنٍ لا يتعب ولا يملّ ابداً !


لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...