الأربعاء، 27 فبراير 2019

ولا في الخيال

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة


حبٌ بين ممرّضة ورجل بغيبوبة ! 

- ستكونين المسؤولة عن قسم المرضى الميؤوس منهم 
قالتها رئيسة الممرّضات , للممرضة الجديدة التي سألتها :
- وهل جميعهم يحتضرون ؟
- المفترض , فمعظمهم تجاوز السبعين من عمره .. ماعدا شاب بحالة غيبوبة منذ شهور , إِثر حادث سيارة .. آه قبل ان أذهب , ستنامين غداً في غرفة إستراحة الممرّضات , لأن دوامك ليليّ
نانسي : لا مشكلة عندي , فأنا تركت بيتي بعد ان أخذ طليقي ابني.. 
فقاطعتها رئيستها بلؤم : لم اسألك عن حالتك الإجتماعية , كلّ ما يهمّني هو ان تقومي بعملك على أكمل وجه.. مفهوم !!

وعادت الى مكتبها .. لتبدأ نانسي يومها الأول بإطعام العجائز وتنظيفهم ومساعدتهم بتناول دوائهم .. الى ان وصلت الى غرفة الشاب فاقد الوعيّ وهو بنهاية الثلاثينات من عمره , ووسيماً للغاية .. فجلست بجانبه تتأمّله بحسرة :
- أليس حراماً ان يُدفن هذا الجمال بالحياة ؟!

وقرّبت كرسيها من سريره لتبدأ بمحادثته , بعد ان تصفّحت ملفّه الطبي المعلّق على جانب سريره :
- سيد آدم .. اسمٌ جميل .. حالتك الصحّية لا بأس بها .. والكسر الذي في يدك وقدمك تشافيا الشهر الماضي .. نبض قلبك سليم ومستقرّ ..حتى إصابة رأسك لم تكن خطيرة لهذه الدرجة , فلما لم تستيقظ حتى الآن ؟! .. المهم دعني أعرّفك بنفسي .. اسمي نانسي وانا ممرّضة جديدة هنا , وليس عندي اصدقاءٌ بعد .. لذا قرّرت ان أخبرك بقصتي , لعلّي أؤنس وحدتك 

وبدأت تحدّثه عن زوجها الذي عاملها بقسوة , قبل ان يطلّقها ويحرمها من ابنها ذوّ السبع سنوات الذي لم تره منذ شهور 
وظلّت تخبره بذكرياتها الحزينة , الى أن غفت على كرسيها من شدّة التعب 
***

وهكذا أمضت الممرضة نانسي شهرين بمكالمة المريض آدم كل ليلة , بحثت خلالهما عن حلٍّ لمرضه .. الى ان شدّ إنتباهها موضوع وجدته بالإنترنت عن إمكانية إتصال الأرواح في عالم الماورائيات .. وبدأت تدرسه بعناية وتقوم بالتمارين الذهنية لإتقان الطريقة ..

وبنهاية الشهر , ذهبت الى غرفته وهمست له :
- سألتقي بك في المنام .. إنتظرني يا آدم
وأغلقت عيناها بعد ان استرخت على الكرسي بجانب سريره .. وبدأت تقوم بتمارين تنظيم التنفّس , وتستعدّ عقلياً للقيام بالإسقاط النجميّ والخروج من الجسد ... وظلّت تطبّق كل ما تعلّمته في الأسابيع الماضية , الى ان غفت 

وحصل ما كانت تأمله ! حيث رأت في منامها : بحيرة صغيرة هادئة امامها شجرة , يسند آدم ظهره عليها وهو شارد الذهن .. 
فجلست بقربه , وهي تقول :
- معك حق ان لا تعود الى واقعنا , فالمنظر هنا جميل وهادىء ..أتمنى لوّ بإمكاني البقاء معك , لكن من واجبي ان أخبرك عمّا يحصل في غيابك 

وبدأت تحدّثه عن وضعه الصحّي بعد الحادث .. وان باستطاعته الإستيقاظ متى يشاء لإنهاء غيبوبته التي دامت ستة أشهر 
كما أخبرته عن العمر واللحظات الجميلة التي تضيع من حياته .. لكنه لم ينطق بحرفٍ واحد ! واكتفى بنظرة او نظرتين جانبيتين طوال المحادثة ..

وقبل ان تنتهي مدّة التجربة , غنّت له مقطعاً كانت تغنيه لإبنها الصغير لينام .. 
وقالت له بحزن : نمّ هانئاً يا صديقي آدم .. آراك قريباً

ثم ابتعدت عن البحيرة .. لتستيقظ من منامها بعد ان أشرقت الشمس , وهي في غرفة العناية الخاصة بالشاب الثريّ
*** 

ورغم ان محاولاتها الثمانية الماضية لم تأتي بنتيجة ! الا انها داومت على تطبيق التجربة الروحية كل مساء , للإجتماع معه في عالم الأحلام .. 
لكنه التزم الصمت في كل محاولة , ومع ذلك لم تيأس وظلّت تفضّفضّ له عن مشاكل عملها وعن اشتياقها الكبير لصغيرها .. 

الا انها هذه المرة نسيت ان تغني له المقطع ذاته قبل ذهابها .. وقبل ابتعادها عن البحيرة , تفاجأت به يدنّدن اللحن ! 
فأسرعت ناحيته , وهي تقول بدهشة وسعادة :
- أكنت تسمعني ؟!

وقبل ان يجيبها , أيقظتها رئيستها من النوم :
- نانسي إستيقظي !! لما تنامين هنا ؟! 
فأجابت بنعاس : آه آسفة ! غفوت دون ان أدري
الرئيسة بنبرةٍ آمرة : هيا إسرعي الى الغرفة المجاورة , ونظّفي العجوز الذي أوقع الحساء على ثيابه

وحين ذهبت .. إقتربت نانسي من آدم النائم , ومسحت على رأسه بحنان وهي تقول :
- كنت أدري انك تسمعني يا عزيزي , سأعود اليك هذا المساء .. إنتظرني
***

وفي عصر ذلك اليوم .. سمعت نانسي بالصدفة زوجة آدم (التي كانت تزوره مرة في الأسبوع) وهي تتحدّث مع شاب في رواق المستشفى
- اللعين !! لا يريد الموت ليريحنا 
صديقها : قال الطبيب إن حالته ميؤوساً منها , علينا فقط الإنتظار قليلاً يا حبيبتي 
زوجة آدم بغيظ : كلّه بسببك !! إتفقنا على ان تراقبه من بعيد , فلما أنقذته بعد سقوط سيارته بالبحيرة ؟ لكان مات الآن وورثته , وتزوّجنا في القصر الذي اشتريته بالخارج
- أردّت إبعاد الشبهات عني , فسكرتيرته تعرف انني أخذت سيارته للتصليح ..ولولا عملي البطولي هذا , لكانت الشرطة حقّقت معي كما حقّقت مع الميكانيكي عن سبب تعطّل فرامل سيارته .. المهم انني قمت بواجبي , ولي نصيب من الميراث كما وعدّتني
- لا تقلق , وفي حال لم يمت سأتصرّف بطريقتي .. وبجميع الأحوال نقود آدم ستكون لنا , فلا تكن طمّاعاً يا جيم
صديقها : انا المحاسب العبقري جيم آرثر .. والجميع يعرف انني طمّاع وخبيث , مثلك تماماً .. ولا تنفع معي الوعود , وأريد نصيبي نقداً .. فنحن نشبه بعضنا كتوأم الروح , ألم يكن هذا كلامك؟ 

وابتعدت نانسي مذهولة ممّا سمعته ! دون ان يلاحظا وجودها (اثناء مساعدتها لعجوز لتحريك قدميه بالرواق) .. وتضايقت بعد معرفتها بأن حادث آدم كان مدبّراً .. فهل تخبر الشرطة بالأمر ؟ وهل سيصدّقونها ؟
***

وفي إحدى الليالي , واثناء إلتقاء الروحين في عالم الأحلام .. كان ما يزال آدم هادئاً كعادته , الى ان أوشكت التجربة على الإنتهاء .. وقبل ان تغادر نانسي البحيرة , زلّت قدمها وكادت تسقط في البركة , لكنه فاجأها بأن أمسك يدها ! 
فقالت بسعادة ودهشة :
- آدم ! وأخيراً تجاوبت معي
فردّ عليها لأول مرة : 
- هذا أفضل من البقاء صامتاً وانا استمع الى ذكرياتك السيئة مع طليقك
- اذاً كنت تستمع لكلامي !
آدم : طبعاً , فأنا نائم ولست ميتاً
- اذاً حان الوقت لتعود الى واقعنا 
- لا اريد
نانسي باستغراب : لماذا ؟!
فتنهّد آدم بحزن : لأن عالمي يتدمّر من حولي .. فهناك من يسرق شركتي حتى أوشكتُ على الإفلاس .. كما أشكّ بأن زوجتي تخونني 
فأجابته بجدية : هي فعلاً تخونك 
آدم بقلق : ماذا تقصدين ؟!

لكنها استيقظت على صوت امرأة دخلت غرفة آدم , وهي تسألها : 
- هل أخي بخير ؟
نانسي بنعاس : آه عفواً ! غفوت قليلاً .. نعم صحة السيد آدم بخير
وجلست اخته امامه حزينة .. فتركتهما نانسي سويّاً .. 

وبعد قليل ..عادت لتغيّر المصلّ , وسمعت الأخت تقول له بحزن :
- السنة الماضية ماتت أمنا , ولا أتحمّل خسارتك انت ايضاً..ارجوك عدّ اليّ , فأنا بحاجتك يا آدم
نانسي : عفواً على المقاطعة .. هل كان السيد آدم يحب امه ؟
الأخت : ما هذا سؤال ! طبعاً , فهو كان ابنها المدلّل
- هل يمكنني ان اسألك .. ما نوع عطر امك ؟
- ولما تسألين ؟!
نانسي : كنت قرأت مقالاً عن تعلّق الذاكرة بالروائح والعطور , فربما..
الأخت : كانت امي تصرّ على نوعٍ محدّد لم تغيره طيلة حياتها , وانا بدأت باستخدامه بعد وفاتها ليُذكّرني بها .. والعطر معي في الحقيبة 
- لوّ سمحتي .. رشّي قليلاً منه امام أنفه , لربما ظنّ والدته بجواره , فيفتح عينيه

وبالفعل قامت الأخت برشّ العطر امامه , لتلاحظا على الفور تحرّك جفونه .. قبل ان يبتسم 
الأخت بحزن : وهآقد عاد لعالم الأحلام من جديد !
فتفكّر نانسي قليلاً قبل ان تقول : هل كان لديه قطة او كلب تحضرينه له , لعلّ رائحته تجعله يستيقظ 
- لا , أخي يتحسّس من الحيوانات .. لما تصرّين على موضوع الروائح ؟
نانسي : أظن علاج الغيبوبة سيكون بتنشيط المخّ عن طريق الشمّ , وليتني أعرف الطريقة ! 

وهنا سمعت زوجة آدم تقول لها من الخلف , بنبرةٍ ساخرة : 
- أتظنين باستطاعتك علاج مرضٍ صعب كالغيبوبة التي عجز عنها أذكى اطباء العالم ؟  
نانسي : كنت فقط ..
الزوجة مقاطعة بلؤم : هيا إذهبي الى عملك , واتركينا بمفردنا

فخرجت نانسي من الغرفة متضايقة , بينما قالت الزوجة لأخت آدم:
- لم أكن اعلم انك عدّت من السفر
الأخت : سأبقى مع اخي الى ان يشفى 
فأجابتها بلؤم : هذا ان تعافى اصلاً
فقالت الأخت بنفسها بضيق :
((انا متأكّدة إن لك يداً بحادثة أخي .. ليت باستطاعتي إثبات ذلك لأبعدك عن حياة آدم للأبد , ايتها الطمّاعة الشريرة !!))
***

وفي غرفة إستراحة الممرّضات ..أخبرت نانسي صديقتها عن محاولاتها الفاشلة بإيقاظ السيد آدم , قائلةً :
- أكلت موزة قرب أذنه , لربما يتقزّز من الصوت ويستيقظ .. كما جلبت سبّورة ابني الصغيرة وخربشتها بأظافري .. وحرّكت ايضاً ملعقة شاي بقوة .. فجميعها اصوات تضايق الجميع !
الممرضة الثانية : أتظنين إن علاج الغيبوبة سيكون بهذه السهولة ؟ برأيّ على الطبيب صعقه بالكهرباء , او إغراقه بحوض الإستحمام لينتفض وينقذ نفسه ..او ما رأيك لوّ جلبت أفعى او عقرب من الحيوانات الأليفة لأخي المجنون , وأقوم بتهريب إحداها الى هنا .. لربما لدغة العقرب توقظه من سباته 
نانسي : لا طبعاً , أتريدين قتله ؟! هو فقط نائم نوماً ثقيلاً وليس ميتاً..  جيد انني المسؤولة عنه , والا لكنت قتلتي المسكين .. (ثم تنهّدت بحزن) ..المشكلة انه مكتئب جداً , ولا يريد العودة الى حياته السابقة
صديقتها : وما أدراك بذلك ؟!

وفضّلت نانسي عدم إخبارها عن لقاءاتها معه في عالم الأحلام كي لا يصل الأمر الى الإدارة ويفصلونها , فمن قوانين العمل ان لا يتعلّقوا عاطفياً بالمرضى .. 
***

وفي اليوم التالي .. دخلت عليها رئيسة الممرّضات صباحاً , لتراها نائمة فوق الكرسي بغرفة آدم , فقالت لها معاتبة :
- أعدّتِ للنوم هنا ! هذا إنذاري الأخير لك !! سأعاقبك ان رأيتك تنامين مجدداً في غرف المرضى , هل سمعتي ؟.. هيا الى عملك !!

وبعد ان ذهبت .. إقتربت نانسي من آدم وهي تقول :
- أظنه يمكنني الإلتقاء بك ولوّ كنت انام في غرفة الممرضّات , فروحي باستطاعتها إيجادك .. لا تقلق يا عزيزي 
وقبّلت وجنته بنفس اللحظة التي عادت بها رئيستها التي ما ان رأت المنظر , حتى صرخت عليها غاضبةً :
- كنت متأكّدة ان وجودك هنا كل يوم ليس لتفانيك بالعمل , بل انت تطمعين لشيءٍ أكبر .. اليس كذلك ؟!!
نانسي بارتباك : لا ! انا لم أقصد ان ..
الرئيسة مقاطعة : إحمدي ربك انني انا من رأيتك وليست زوجته .. وبسبب غلطتك هذه , سوف أقوم .. 
نانسي مقاطعة بقلق : رجاءً لا تطرديني , فليس عندي مكانٌ آخر أذهب اليه
- اذاً سأنقلك الى الطابق العلويّ حيث الأطفال الخدّج , طالما انك حنونة لهذه الدرجة .. هيا أنقلي اغراضك الى فوق , وانا سأتكّفل بأوراق نقلك 

نانسي بحزن : هل يمكنني على الأقل توديعه ؟ ..(وأشارت الى آدم النائم)
الرئيسة وهي تتنهّد بضيق : صبّرني يارب .. حسناً بسرعة , قبل ان يراك أحد 
فأمسكت نانسي يده لتودعه , والدموع في عينيها :
- حان وقت الوداع يا آدم 
لكنها تفاجأت به يشدّ على يدها ! فقالت لمديرتها بحماس :
- أنظري !! انه يشدّ على أصابعي
فأجابتها بحزم : حسناً سأخبر طبيبه بالأمر .. وانت إذهبي واحزمي امتعتك لتنتقلي الى عملك الجديد .. الآن يا نانسي !!
***

ومرّ اسبوعان لم تره فيهما لأن العمل مع الرضّع متعباً للغاية , وبالكاد تجد الوقت للنوم , حتى إنها أهملت التمارين الذهنية.. 
لكنها استطاعت أخذ إذن ساعة لزيارته والإطمئنان عليه , وحينها علمت بأن زوجته وقّعت على أوراق التبرّع بأعضائه في حال لم يستيقظ بنهاية الشهر
فقالت نانسي بنفسها بخوف :((يا الهي ! ستقتلته بالموت الرحيم .. وأكيد إدارة المستشفى لن تعارض , لأنهم سيربحون ايضاً من بيع اعضائه ..عليّ إيجاد حلٌّ سريع)) 

وظلّت تبحث في اوقات فراغها بالإنترنت عن أيّةِ طريقة لإيقاظ المريض من غيبوبته , لكنها لم تجد !
***

وفي أحد الأيام .. دخلت نانسي الى غرفة إستراحة الممرّضات لتأكل وجبتها .. وكانت هناك ممرضة أخرى غفت ورأسها على طاولة الطعام .. وحين قامت نانسي برشّ الفلفل على صحنها , استيقظت زميلتها من النوم , بعد ان عطست مرتين :
- أكان عليك رشّ البهارات امامي , الا تدرين بأن لديّ حساسية منها ؟!! 
نانسي : لم أكن أعلم انه سيوقظك !
الممرضة بعصبية : الفلفل اللعين يوقظ الميت من قبره  

وخرجت من غرفة الممرّضات غاضبةً , بينما تجمّدت نانسي في مكانها بعد ان آثارت تلك الجملة إهتمامها ! 
*** 

وأسرعت الى غرفة آدم وهي تُخفي مرطبان الفلفل في جيبها .. واستغلّت خلوّ الغرفة من ممرّضته الجديدة .. وفتحت كاميرا جوّالها وهي تقول :
- سأصوّرك يا آدم وانت تشمّ البهار .. لربما اكتشفت علاجاً للغيبوبة , أُساعد بها المرضى حول العالم .. من يدري !
ثم أزالت قناع الأكسجين عن وجهه , ووضعت الفلفل امام انفه ..وهي تصوّر حركة عينيه بالجوال وتقول :
- هيا يا آدم ..إشتمّ البهار , ودعه يوقظ عقلك البليد النائم  

وماهي الا ثواني ..حتى عطس بقوة , جعلته يفتح عيناه !
نانسي بدهشة : يا الهي ! لقد استيقظت فعلاً
آدم بتعب : اين انا ؟! 
فأجابته والدموع في عينيها : 
- في المستشفى , فقد تعرّضت لحادث منذ سبعة شهور
آدم باستغراب : سبعة أشهر !
- نعم , كنت في غيبوبة طوال هذه المدة 

ثم اطفأت جوالها .. وأخذت تطمّئنه على حالته الصحيّة .. دون ان تذكّره بلقاءاتهما المتكرّرة في عالم الخيال , بسبب إرهاقه الشديد .. كما لم تخبره عن خيانة زوجته .. 
واكتفت باستدعاء الطبيب لفحصه والذي قام لاحقاً بالإتصال بعائلته لتبشيرهم باستيقاظه .. 

بينما عادت نانسي الى الطابق العلوي لقسم الأطفال , بعد ان قامت بنشر الفيديو باليوتيوب تحت عنوان : ((علاج سريع ورخيص للمصابين بالغيبوبة)) ..علّها بذلك تنقذ المرضى الآخرين حول العالم

وقبل ان تباشر عملها , وصلها اتصال من قريتها : بأن والدتها تحتضر .. فأسرعت الى مديرتها لأخذ عطلة الأسبوع للذهاب الى عائلتها 
***

وعادت بعد انتهاء العطلة حزينة بعد ان حضرت مراسم الدفن والعزاء , لتتفاجأ بخروج آدم من المستشفى وعودته مع زوجته الى بيته !
نانسي بقلق : لا ! فزوجته ستحاول قتله من جديد
رئيستها : عن ماذا تتحدثين ؟
- لقد سمعتها بأذني وهي تكلّم عشيقها عن خطتهما الفاشلة لقتله , كي يرثا امواله ! 
لكن رئيستها لم تصدّقها وقالت بعصبية : لست متفرّغة لهذه الخرافات , كما ليس لديك دليلاً على إدعاءاتك الباطلة
- وماذا عن علاجه ؟ فهو مازال ضعيفاً
الرئيسة : اخته تكفّلت بالأمر , وقالت بأنها ستوظّف معالجاً فيزيائياً وطبيباً نفسياً يداومان على علاجه في القصر .. (ثم همست لها) : وأنصحك ان تتركي الرجل وشأنه , فهو رجلٌ متزوج
نانسي : وما دخلي انا بالموضوع ؟ انا فقط قلقة على حياته , فزوجته لن تتوقف عن خططها الشيطانية قبل القضاء عليه  
- ان كان لديك معلومات مؤكّدة , فاخبريها للشرطة 

ثم ذهبت الى مكتبها .. بينما أسرعت نانسي الى صديقتها (موظفة الإستقبال) لطلب عنوان بيته .. 
***

عصراً , ذهبت نانسي الى قصر آدم .. وأدخلتها الخادمة الى حديقته وهي تقول :
- زوجته في السوق , اما السيد فهو هناك  

وكان يجلس شارداً وهو ينظر الى مسبحه , فاقتربت منه قائلةً :
نانسي : البحيرة في منامك كانت أجمل بكثير
فردّ باستغراب : عن أيّة بحيرة تتكلمين ؟! ومن انت ؟
- الا تذكرني سيد آدم ؟
- أظنني لمحتك بالمستشفى , فهل تعملين هناك ؟
نانسي بارتباك : أقصد .. الم تتذكّر لقاءاتنا العديدة في مناماتك ؟ 
فأجابها بلؤم : ولما أحلم بك اصلاً ؟!

وصارت تحدّثه باختصار عن ذكرياتهما معاً .. لكنه لم يصدّق كلمة مما قالته , بل ردّ عليها بجفاء :
- لا وقت عندي لهذه التخاريف..رجاءً إذهبي من هنا
فقالت وهي تحاول إمساك دموعها : 
- قبل ان أذهب سيد آدم .. اريدك ان تأخذ حذرك من زوجتك , فهي وعشيقها جيم آرثر يريدان التخلّص منك
فتفاجأ آدم من معرفتها بإسم محاسبه بالشركة !
- لحظة ! إخبريني بما قالاه بالضبط 
واخبرته بحوارهما السابق ..

آدم بحزن : لطالما اعتقدت بوجود علاقة سرّية بينهما , لكني تجاهلت شكوكي !
نانسي : هل صدّقت كلامي الآن ؟ 
- نعم , هذه الجزئية فقط .. لكن موضوع إنتقال الأرواح فهي غير منطقية بالنسبة لي , ولم أسمع بإمكانية حدوث ذلك من قبل ! أعتذر منك , فأنا لا أتذكّرك بتاتاً

وقبل خروجها من الحديقة , صارت تدنّدن ذات الأغنية .. وآخر ما لمحته هو تعابير الدهشة على وجهه وكأنه تذكّر اللحن ! لكنها لم تقلّ شيئاً وأكملت سيرها الى خارج القصر , وهي حزينة لأنه لم يتذكّرها جيداً

بينما قال هو في نفسه : ((هل كانت هي الملاك الذي شاهدته بمنامي يلمس شعري ويغني لي , ويرافقني بجميع احلامي ؟ ...لا , لا يعقل هذا !)) 
***

مرّ شهران لم تره فيهما .. لكن حياتها تغيّرت كثيراً في هذه المدة , بعد ان وصل الفيديو الى رئيس دولة افريقية يعاني ابنه الوحيد من الغيبوبة لعشر سنوات .. وحين طبّق عليه حيلة الفلفل , إستفاق اخيراً ! 
فأرسل لنانسي بطاقة سفر يدعوها الى قصره .. وذهبت الى هناك , ليعطيها اساور من ذهب وعقداً من الجواهر النفيسة والتي قامت لاحقاً ببيعهم والإحتفاظ بالمال للقيام بمشروع يؤمّن مستقبل ابنها ..وأخفت الأمر عن الجميع , وعادت للقيام بعملها المعتاد .. 

الى ان أتى يوم , زارها آدم بالمستشفى وهو يحمل باقة من الزهور
- هذه لك سيدة نانسي
بدهشة : لي انا ! كيف عرفت انني أعمل بقسم الأطفال الخدّج ؟
- سألت مديرتك .. وأظنني تذكّرت بعض احاديثك المملّة عن طليقك التي أخبرتني بها في مناماتي , مع اني كنت آمل ان انساها
- أحقاً تذكّرت تجربتنا الغريبة والمميزة ؟!
آدم : نعم , وأنا شاكرٌ لك على إنقاذك حياتي ..فقد شاهدت فيديو الفلفل , ولم أكن اعرف ان علاج الغيبوبة بهذه السهولة !
- هل تسمح لي بالسؤال عن ما حصل لزوجتك ؟ 

آدم بقهر : وظّفت محققاً لمراقبتها , فأكّد شكوكي السابقة ..كما راجعت تسجيلات كاميرا غرفتي بالشركة , وسمعت المحاسب وهو يخطّط معها للحادث .. وهما الآن موقوفان عند الشرطة .. لكن للأسف بعد فوات الأوان 
- ماذا حصل ؟ 
- كنت أعطيت زوجتي توكيلاً عاماً قبل سنوات .. وحين بدأت علاقتها السرّية , نقلت قسماً كبيراً من اموالي للخارج .. بينما كان محاسبي اللعين يؤكّد خسائري المتواصلة .. وقد حاولت الفترة الماضية إنقاذ شركتي من الأفلاس , لكن الأمر بات مستحيلاً بعد ان اشترت اللعينة بأموالي عقاراتٍ مُسجّلة بأسماء عائلتها .. لهذا قمت بتسريح الموظفين وإقفال الشركة قبل اسبوعين..  

نانسي : رجاءً لا تيأس هكذا .. فشركتك متخصّصة بألعاب الكمبيوتر .. وتحتاج فقط الى فكرة لعبةٍ جديدة تكتسح السوق 
- ومن اين أجدها ؟
- هناك موقع متخصصّ بأفكار الشباب التي تحتاج الى دعمٍ ماديّ , ووجدت شاباً لديه فكرة لعبة ممتازة 
آدم باهتمام : أحقاً ! اذاً تعالي معه الى مكتبي الصغير في شقتي الجديدة , فقد بعت قصري لتسديد رواتب الموظفين .. سأكتب لك العنوان
***

وفي شقته .. اجتمع الثلاثة للبحث في موضوع اللعبة الألكترونية الجديدة , حيث شرحها الشاب قائلاً :
- كما تلاحظ سيد آدم ..السوق مليء بألعاب الحروب , لكن لعبتي موضوعها : إعمار دولة تهدّمت بسبب حربٍ أهلية , حيث احتلّت كل طائفة إحدى مرافق الدولة الهامّة : من ميناء ومعامل او بترول  ..وسيقوم اللاعب بدور الرئيس الذي عليه بناء دولته المنهارة من جديد : من إعادة الأمن بين السكّان , وتأمين الكهرباء والماء والغاز وغيرها , وذلك بعد ان يصلح بين الطرفين بإتفاقيات سلام .. كما عليه سحب الأسلحة من أيدي الأفراد والجماعات المسلّحة , كما وقف مطامع الدول الخارجية .. وبذلك يدرك اللاعب مساوىء العنصرية والعنف وأثرها على افراد المجتمع .. وسنسمّي اللعبة : الحاكم العادل

آدم : أعجبتني الفكرة !
نانسي : وهي مختلفة عن الألعاب الرائجة في السوق
آدم : لكني أرى برمجتك للعبة بدائية بعض الشيء , لذلك سأطلب من مبرمجين محترفين ان يعيدوا تصميمها.. امّا عن رسماتك لأبطال اللعبة , فأنا موافقٌ عليها

وبعد ان اتفق معه على نسبة ارباحه من بيع اللعبة , قال آدم :
- عليّ غداً الذهاب للبنك , لطلب قرضٍ سريع للبدء بهذا المشروع 
نانسي : لا حاجة لذلك 

وأعطته شيكاً بمبلغٍ كبير , وأخبرته بجائزة الرئيس الأفريقي لها .. وطلبت بالمقابل , اسهماً بشركته الجديدة .. 
ووافق آدم على ذلك , وكتب العقود معها ومع الشاب .. ليبدأ مع بداية الشهر ببرمجة اللعبة مع موظفيه القدامى الأكفّاء , وهو متفائل بنجاح عمله الجديد
***

ومرّت سنة على طرح اللعبة في السوق , وإنتشارها الهائل بين المراهقين حول العالم , ممّا رفع اسهم الشركة عالياً بين الشركات المبرمجة لألعاب الكمبيوتر .. 
بينما قرّرت نانسي ان تفتح مدرسة صغيرة للتمريض من ارباح اسهمها في الشركة , بعد ان تركت عملها القديم
***

وفي أحد الأيام .. دخل آدم الى مكتبها وهو يلبس طقماً رسمياً .. 
ومن دون مقدّمات , جثا على ركبته وهو يرفع الخاتم ويقول :
- هل تتزوجيني يا نانسي ؟
لكن ردّة فعلها فاجأته ! حين قالت : لا استطيع
بصدمة : ماذا قلتي ؟!
- آسفة يا آدم ..لا استطيع ان أتزوجك , او أيّ شخصٍ آخر لأنني..
وقبل ان تكمل كلامها , صرخ قائلاً :
- جميعكنّ تتشابهون !!  
- آدم ارجوك , دعني أشرح لك ..
- لما اهتتمت بي كل هذه المدة , طالما انك لا ترغبين الإرتباط بي ؟!!
- لأنني خائفة عليك من ..
وقاطعها , بعد ان أعاد الخاتم الى جيبه :
- لا اريد سماع تبريرات !! كنت اريدك معي بعد ان نقلت مقرّ الشركة للخارج , لكن يبدو انني سأسافر لوحدي
وخرج من غرفتها غاضباً , تاركاً إيّاها تبكي من صدمتها العاطفية
***

في اليوم التالي مساءً , طلب آدم سيارة أجرة ..
وحين ركب فيها , لاحظ على الفور صورة الولد الصغير المعلّقة على مرآة السائق الأمامية.. وتذكّر صورة ابن نانسي التي أرته إيّاها من قبل
آدم : عفواً , هل هذه صورة ابنك ؟
السائق : نعم  
- هل تسمح لي ان اسألك , لما الصورة ممزّقة ؟
- مزّقت صورة طليقتي , فهي ممرّضة مغرورة
آدم : وهل كانت تعمل في مستشفى الطوارىء ؟ 
- نعم .. لكنها اليوم أصبحت أمرأة ثريّة لعينة , ومديرة لمدرسة تمريض .. لكن كيف عرفتها انت يا سيد ؟! 
آدم : هي صديقة زوجتي , وقد دعتنا لحضور حفلة خطوبتها
السائق بغضب : والله أقتلها ان تزوجت من بعدي , وأحرمها من ابنها للأبد ..وهي تعلم ذلك جيداً !! 

آدم باستغراب : طالما طلّقتها , فلما تحرمها من الزواج ؟!
- انا لا يهمّني ان تزوجت ام لا , لكني اشترطّت عليها ان تعطيني نصف مدخولها مقابل ان أريها ابنها مرة كل اسبوع , لكنها رفضت بحجّة انها لن تسمح لي باستغلالها .. البخيلة ! فضّلت المال على ابنها .. لهذا قمت بتهديدها بقتل كل من يقترب منها
فقال آدم في نفسه : 
((اذاً كانت تحميني منه ..لقد ظلمتها))

ثم قال لطليقها :
- ما رأيك لوّ اشتري لك ثلاث سيارات أجرة , تقوم بتأجيرها لسائقين آخرين , وتكسب المال وانت مرتاح في بيتك ؟ 
السائق بدهشة : أحقاً ! ..وبمقابل ماذا ؟
- لنذهب الى مكتب المحامي , وسأخبرك هناك 
- الن تذهب الى المطار ؟ 
آدم : لا , غيرت رأيّ
***

في اليوم التالي .. تفاجأت نانسي بآدم يدخل مكتبها , ومعه ورقة رسميّة :
- أبشري يا نانسي .. زوجك سيعطيك ابنك , بعد ان تخلّى عنه قانونياً
نانسي بدهشة : أحقاً ! كيف ؟.. لا تقلّ انك دفعت له المال 
- إتفقنا وانتهى الأمر .. 
- الطمّاع اللعين !! وكيف اجتمعتما سويّاً ؟
- قصة طويلة , أخبرك بها لاحقاً ... اما الآن

وجثا على ركبته , وهو يرفع الخاتم اليها مجدداً ويقول :
- ما رأيك ان تتزوجيني ؟ وأسافر انا وانت وابنك الى الخارج , ونترك جميع الأشرار وراءنا ؟ 
فسكتت بارتباك وتردّد .. 
فقال آدم :
- لكن اولاً عندي شرط
نانسي : وماهو ؟
آدم : تغنين لي ذات الأغنية كل ليلة , لأنام بارتياح وانا بجانبك
نانسي بابتسامةٍ حنونة : بالتأكيد , فأنت صغيري المدلّل

وعانقها , بعد ان ألبسها الخاتم..

الجمعة، 22 فبراير 2019

الطفولة المُختطفة

تأليف : امل شانوحة

من هي عائلتي الحقيقية ؟!

لمح شاب ولداً في التاسعة يجلس في الحافلة , ومعه وجبة طعام لمطعمٍ لديه فرعٌ وحيد بالمنطقة وهو بعيد عن موقف الحافلات .. فاستغرب الشاب كيف لهذا الصغير ان يذهب وحده كل هذه المسافة ! 

وحين توقفت الحافلة , لحقه الشاب وهو يصوّره يقطع الشارعين العامّين الخطيرين قبل وصوله الى مجمّع المنازل الذي فيه بيته ذوّ الحديقة المهملة 

ثم طرق الباب .. ليفتح له والده الذي أخذ منه الطعام بعصبية , بعد ان صفعه صارخاً :
- كم مرة أخبرتك بأن تأخذ المفاتيح معك ؟!! أكان عليّ ان أقطع برنامجي لأفتح لك الباب ايها اللعين !! عقاباً لك , لن تأكل شيئاً من هذه الوجبة

وهنا أطلّت الأم لتقول : دعه يدخل يا رجل , فهو أحضر طلبك .. هيا يا جيم , إذهب الى غرفتك
ودخل الولد مُنكسراً وحزيناً الى المنزل .. 

فتمّتم الشاب الذي وقف بعيداً , بعد ان اطفأ كاميرا التصوير..
- اللعنة على هذا الأب القاسي ! الا يكفي انه أرسل ابنه الى مكانٍ بعيد مُعرّضاً حياته للخطر .. عليّ نشر الفيديو بوسائل التواصل الإجتماعي لربما يجدون حلاً لهذا الصغير المُعذّب 

لكن لسوء حظ جيم , نسي الشاب نشر الفيديو لثلاثة اشهر ! عاش فيها الولد اياماً صعبة مع ابيه صعب المِراس 
***

في صباح أحد الأيام .. اراد الشاب بيع جواله القديم , وأخذ يحذف فيديوهاته القديمة ..وحينها وجد فيديو جيم , وقرّر نشره بالإنترنت 

وفي ذلك المساء .. شاهدته امرأة تعيش في الجهة الأخرى من المدينة , مما جعلها تقفز من سريرها وهي ترتعش بعد رؤية الصبي ! 
فأفاق زوجها الذي سألها بنعاس :
- ماذا هناك ؟! 
فقالت والدموع على وجنتيها : أخيراً وجدت ابننا جاك !!!
فأجابها بحزن : ديانا  ..الم تيأسي بعد من هذا الموضوع ؟! لقد مرّ خمس سنوات على اختفائه 

فأرته الفيديو وهي تقول :
- أنظر بنفسك .. هذا ابننا جاك , انا متأكدة !! انظر الى الوحمة الحمراء على رقبته .. كما ان عمره يناسب عمر ابني 
فقال إريك بدهشة , بعد ان رأى والدة جيم في الفيديو : 
- لحظة ! اليست هذه جارتنا القديمة مونيكا ؟!
ديانا بحماس : وهذا بالضبط ما جعلني اتأكّد انه ابننا جاك .. فجارتنا كانت عقيمة 
- الم تكن متواجدة بحفلة عيد ميلاد ابننا بالمول حين خُطف ؟!
زوجته بقهر وعصبية : نعم !! ومن بعدها تركت منطقتنا دون ان تودّعنا , ولم أكن أعرف ان الحقيرة خطفت ابني
إريك : علينا تبليغ الشرطة في الحال
***

وبالفعل !! وصل شرطيان الى بيت ذلك الرجل الذي قال لهما بلؤم: 
- نحن لم نزعج احداً , فلما انتما هنا ؟
فقالت الشرطية : نريد رؤية ابنك  
- هو الآن في المدرسة  
الشرطي : سألنا جارك وقال بأن ابنك وابنتك لا يغادران المنزل الا نادراً 
فالتزم الرجل الصمت ..
فعادت وسألته الشرطية : اين هي زوجتك ؟ 
لكنه لم يجب ايضاً , وظلّ معترضاً الباب.. 
فقال له الشرطي بحزم : من الأفضل ان تُدخلنا , والا اعتقلناك لعرقلة عملنا

فابتعد مُمتعضاً , ليدخلا الشرطيّن الى منزله المهمل حيث القاذورات وقناني الخمر الفارغة مرمية في كل مكان , كما امتلأ حوض مطبخه بالمواعين وبقايا الطعام .. 

وهنا سمعت الشرطية صوت ولدٍ يدنّدن أغنية في القبو .. وحين نزلت الى هناك , وجدت الباب مقفلاً بمزلاج من الخارج ! 
ففتحته لتجد الولد جيم فوق سريره الصدىء , ورائحة الرطوبة العفنة تعبق بالمكان ..

فتقدمت منه بحذر , بعد ان رأت الرعب في عينيه..
- لا تخف عزيزي , أتينا لإنقاذك .. (ثم نظرت بأرجاء القبو الفارغ) ..لا أصدّق ان والدك يجعلك تنام هنا ! 
- هو ليس ابي , بل زوج امي ..
الشرطية : أحقاً ! وماذا عن أختك , اين هي ؟
- فوق بالعليّة
- تعال وأريني 

وذهبا سوياً الى فوق , لتجد طفلة في الرابعة تنام فوق فراشٍ مبللّ بالفضلات .. 
الشرطية : يا الهي ! أختك تحتاج الى إستحمام .. اين هي امك ؟
الصبي بحزن : ماتت
- أحقاً .. كيف ؟!
- بالمطرقة
الشرطية بدهشة : كيف يعني بالمطرقة ؟!
الولد بتردّد : كان ابي سكراناً الأسبوع الماضي , وحين تشاجرت معه .. ضربها على رأسها
الشرطية بقلق : أتقصد قتلها بالمطرقة ؟!
جيم وهو يمسح دموعه : نعم , ودفنها بالحديقة .. فأنا رأيته بعد ان أيقظني صراخهما .. ومن وقتها صار ابي يقفل عليّ الباب , كيّ لا أبلّغ عنه الشرطة 

فنادت زميلها من اللاّسلكي , والذي كان يقف بجوار الأب في الطابق الأرضي .. قائلةً : 
- إعتقله حالاً !! فقد قتل زوجته 

وما ان سمع الأب ذلك , حتى حاول الهرب من المنزل ..
لكن الشرطي قفز فوقه , وثبّت يديه بالأغلال .. ثم رماه في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة .. 

وقامت الشرطية بأخذ الولد وأخته الى المركز , بعد قدوم فرقة من التحقيقات الجنائية لتصوير مسرح الجريمة , ونبش تربة الحديقة الخلفية لإخراج جثة الزوجة التي لم تتحلّ كثيراً ..وكان واضحاً سبب الوفاة من الجرح العميق في جبهتها التي أحدثته المطرقة !
*** 

ولاحقاً أبلغت الشرطية ديانا وزوجها إريك بتطابق بصمات جيم مع ابنهما الضائع جاك (بعد ان كانت الشرطة احتفظت في ملفه : ببصماته المأخوذة عن لعبته التي وقعت منه بالمول لحظة إختطافه , قبل خمس سنوات) 

فأسرعت امه ووالده الحقيقيّن الى المركز لاستلامه , وكلّهما شوق وحنين لرؤيته .. 
وما ان رأياه , حتى حضناه وهما يبكيان بشدة .. بينما كان جيم مندهشاً من تصرّفهما الحنون اتجاه , فهو لم يرهما من قبل !
ثم أبتعد عنهما قائلاً :
- أظنكما مخطئان ..فإسمي جيم وليس جاك !

فقالت ديانا بقهر : بل انت حبيبي جاك .. ومونيكا هي جارتنا التي اختطفتك بعيد ميلادك الرابع , وحرمتنا منك
فردّ الصبي غاضباً : مونيكا هي امي وام اختي جوزفين !!  
فسأل إريك الشرطية : ومن جوزفين ؟!
فأجابته : عرفنا بعد التحقيق مع زوج مونيكا إن الطفلة هي ابنته من زواجٍ سابق , لكن الصبي ليس ابنه
إريك بغضب : إذاً اعترف الحقير !!
الشرطية : هو قال بأنه تزوج مونيكا والولد معها , وأخبرته انه ابنها من طليقها السابق .. ولم يعرف بأنه اختطفته حتى أخبرناه بذلك
ديانا بعصبية : طبعاً , هي لن تخبره بأنها عقيمة .. الحقيرة !! جيد انها ماتت 

فصرخ الولد غاضباً : لما انت سعيدة بموت امي ؟!!
الشرطية : الأفضل ان تأخذا الأمور برويّة , فهو لم يصدّقنا حين أريناه فيديو اختطافه من المول 
الولد صارخاً : اريد العودة الى بيتي حالاً !!
إريك : ونحن سنعيدك الى بيتك يا جاك 
- اسمي جيم !! الا تفهمان ؟!
ديانا : حسناً سنناديك جيم , وسنأخذك الى بيتٍ جميل فيه الكثير من الألعاب والحلويات 
إريك : كما سنقوم بتسجيلك بالمدرسة عند انتهاء العطلة الصيفية 
فهدأ الولد قليلاً : المدرسة ! لطالما حلمت بالذهاب اليها .. وماذا عن اختي جوزفين ؟
فنظرا الوالدان لبعضهما , ثم قالا : نأخذها معنا ايضاً 

وقد رضيا بأخذ طفلة المجرم الى منزلهما , لأنهما يعلمان بأن ابنهما لن يقبل الذهاب من دونها .. وذلك بعد ان كتبا تعهّداً للشرطة بحسن معاملتها
***

وفي بيتهم الفخم .. قامت ديانا بتحميم الطفلين وإطعامهما .. ليناما في غرفة ابنها القديمة , بعد ان رفضت الطفلة الإبتعاد عن أخيها الذي كان يحميها دائماً من ضرب والدها السكّير .. لهذا بكت امه حين رأت الرضوض المنتشرة على كامل جسم ابنها 

لكن ما كسر قلبها هو إصراره على مناداتها بالخالة ديانا ووالده بالسيد إريك ! الا ان زوجها طمّأنها بأنه سيتقبّلهما كعائلته الحقيقية مع الأيام 
***

ومرّ الشهر الأول بسلام .. رغم بعض التصرّفات الغريبة من جيم الذي رفض هدية والده التي كانت عبارة عن ساعةٍ ثمينة .. وبرّرت الطبيبة النفسية ذلك بسبب عقاب والده القديم بربطه بالحبال , لذلك بات يكره أيّ شيء يقيّد يديه .. كما كان يصرّ على النوم وبابه مفتوح وأنوار غرفته مضاءة , رغم محاولتهما إقناعه بأن الأمر ليس صحيّاً , لكنهما تفهّما ايضاً خوف الطفلين من الظلام .. كما كان يرتعب كثيراً من البرد , حيث تعوّد الرجل القاسي على رميه خارج المنزل في الجوّ العاصف عند مخالفته الأوامر .. لهذا داوم الوالدان على أخذه هو واخته الى جلساتٍ علاجية نفسيّة مكثّفة خاصة بالأطفال 
***

لاحقاً إنشغل جيم واخته بأخذ دروسٍ خاصة , تحضيراً لدخولهما المدرسة التي ستبدأ بعد اسابيع .. بعد ان قبلت إدارة المدرسة بتسجيل جيم بالصف الأول رغم فارق العمر بينه وبين اصدقائه , بسبب ظروفه الإستثنائية .. 

ولم يمضي وقتٌ طويل حتى اندمج بالجوّ الدراسي , وأصبح لديه الكثير من الأصدقاء .. كما أبدعت اخته بالروضة بسبب مشاركاتها الغنائية بالصفّ 
***

ورغم سعادة جيم بالمعاملة الحسنة التي يتلقّاها من عائلته الجديدة (على حسب قوله) الا انه لاحظ تجاهل السيد إريك لأخته الصغيرة , حيث كان يتجنّب اللعب معها او مكالمتها , بعكسه تماماً ! 

وفي يوم دخل مكتبه ليخبره بامتعاضه عن التفرقة بينه وبين اخته.. 
فردّ إريك : انا أعاملك جيداً لأنك ابني الحقيقي , حتى لوّ لم تصدّق ذلك بعد .. اما اختك فهي ابنة الرجل الذي عاملك بقسوة , ولا استطيع تجاهل ذلك 
جيم : لكنها اختي التي أحبها كثيراً , ونفورك منها يضايقني 
- هي ليست اختك يا جيم 
الولد بعصبية : بلى اختي !!!
- حسناً إهدأ قليلاً , ودعني أريك بعض الفيديوهات عن طفولتك التي..
الصبي مقاطعاً بعصبية : يكفي فيديوهات وصور !! انت لن تقنعني بأن ذلك الطفل هو انا .. كما ان الخالة ديانا أرتني الكثير من العاب وملابس ابنكما الضائع , والتي لا تعنيني بشيء !!

إريك : لكنك بالفعل ابننا يا جاك .. الم تتذكّر البارحة ابن الجيران الذي كان صديقك وانت صغير , كما كلبه الذي كنت تحب ملاعبته؟
- لا , كنت أكذب عليكم لإسعادكم فقط.. لكني تعبت من مناداتكم لي امام الناس بإسم جاك .. فأنا جيم !! واريد العودة الى ابي وبيتي القديم
الأب بعصبية : ذلك المجرم السكّير ليس بوالدك !! وقد حكموا عليه بالمؤبد لقتله زوجته امامكما !! اما بيتك , فأقفلته الشرطة بسبب جريمته القذرة 
الولد وهو يبكي : لا يهمّني كل هذا !! اريد العودة الى غرفتي القديمة , فأنا لا استطيع النوم هنا 
- أتفضّل بيتك المليء بالجراثيم والقاذورات على غرفتك الجميلة ؟!

وهنا دخلت ديانا بعد ان سمعت شجارهما :
- ماذا يحصل ؟
زوجها بقهر : ابنك يريد العودة لبيته القديم ولذلك الحقير
الولد بعصبية : لا تتكلّم بالسوء عن ابي !!
إريك بحزم : انا والدك يا جاك !! عليك ان تستوعب ذلك , فأنت لم تعد صغيراً
فخرج الولد باكياً من غرفة المكتب , مُتجهاً الى حديقة المنزل ..

زوجته : إهدأ يا اريك .. الم تطلب منا الطبيبة النفسيّة عدم الضغط عليه بهذا الموضوع ؟
فأجابها بصوتٍ مُتهدّج : لم أعدّ أحتمل يا ديانا , اريد إستعادة ابني القديم ..فقد اشتقت لحبيبي جاك كثيراً
وانهار لأول مرّة باكياً , لتحضنه زوجته بحزنٍ وحنان ..
***

وصار الوقت عصراً ولم يعد الصبي بعد من الخارج !
وأخذ الوالدان يبحثان عنه بالجوار , لكنهما لم يجدناه .. فوضعا الطفلة بالسيارة , وصارا يتجوّلان بالأحياء القريبة بحثاً عنه .. وسألا الجيران ان كانوا رأوه يقود درّاجته الجديدة بالطرقات الفرعية.. 
فأخبرهما جارهم العجوز بأنه رآه يستقلّ الحافلة .. فعلما انه عائد الى بيته القديم , وذهبوا سريعاً الى هناك ..

وكان المنزل مغلقاً بالأشرطة الصفراء , لكنهما لاحظا الباب الخارجي مشقوقاً .. فدخلا الى هناك , ليجدا الطابق الأرضيّ فارغاً ..فسألا الطفلة :
- أتعرفين اين غرفة اخيك ؟

فأشارت الى القبو ..ونزلا الى هناك ليجداه نائماً في سريره القديم , فحمله والده ووضعه بالسيارة .. 
لكن قبل ان يذهبوا , انتبهت الأم على اختفاء الطفلة ..فقالت :
- اين جوزفين ؟
زوجها : الم تكن بالسيارة قبل قليل ؟.. يا الهي ! هذا ما كان ينقصنا  
ديانا : إبقى انت مع جاك , سأدخل المنزل للبحث عنها

وقبل خروجها من السيارة , رأت الطفلة تخرج سعيدة من المنزل وهي تحمل لعبتها القديمة .. 
فاتجهت ديانا نحوها ووضعتها بالسيارة بجانب اخيها النائم .. وعادوا جميعاً الى بيتهم بعد ان اتفق الوالدان بعدم تذكير جيم بالماضي مجدداً , وتركه على راحته ..  
*** 

وبعد اسابيع من الجلسات العلاجية مع الطبيبة النفسية التي زارها جيم واخته عدة مرات , إقترحت على الوالد معاملة الطفلة وكأنها إبنته .. 
ورغم رفضه الداخلي للموضوع , الا انه تقبّل الأمر بعد ان أكّدت له الطبيبة أهمية ذلك لتقرّبه من ابنه وعودة الثقة بينهما من جديد بعد ان ابتعد جيم عنه الفترة الماضية 
***

وفي أحد الأيام .. فاجأ اريك الولدين بهدايا والعاب , وقد سعد جيم كثيراً حين رأى فرحة اخته بلعبتها الجديدة .. كما أدمعت عيناه , حين رأى إريك يعانق الطفلة التي ركضت اليه لتشكره على الهدية ..وتأثّرت ديانا بحنان زوجها على الطفلة 

وكانت هذه البداية لعلاقة جديدة نشأت بين الصغيرة جوزفين وإريك الذي اكتشف جمال صوتها الطفولي , فصار يعزف لها على البيانو لتغني امامه , مما أسعد جيم كثيراً الذي بدوره بدأ يتقرّب من والده , حيث قبل ملاعبته بكرة السلة , كما الذهاب معه برحلة الصيد .. 

كما بدأ يساعد امه بإعداد الطعام بعد ان لاحظت براعته بالطبخ , بعد ان أخبرها برغبته بأن يصبح طباخاً ماهراً في المستقبل , ممّا قرّب المسافة بينهما .. 

وهدأ التوتر بين افراد العائلة أخيراً , ليضجّ المنزل بضحكات الطفلين اللذين عانيا من طفولةٍ صعبة !
لكن مع هذا , ظلّ جيم يناديهما بالخالة ديانا والعم إريك ..وهما تعودا على ذلك , رغم الحسرة في قلبهما 
***

وفي يوم .. قرأ إريك مقالاً عن ارتباط حاسة السمع والشمّ بالذاكرة , فبالنهاية ابنه كان بالرابعة حين خُطف وذاكرته البصريّة ضعيفة .. لذا اتفق مع زوجته على خطّة لتنشيط ذاكرة ابنه 
***

وفي ظهر ذلك اليوم ..عاد جيم من المدرسة , ليتفاجأ بسماع أغنية لطالما ردّدها في غرفته بالقبو.. 
فدخل الصالة ليجد والده يعلّم كلماتها للطفلة , فسأل إريك :
- كنت اتساءل دوماً من اين سمعت هذه الأغنية , فوالدي لم يكن يسمح لنا بمشاهدة برامج الأطفال بالتلفاز  
إريك : هذه الأغنية ألّفتها لك يوم ولادتك , وصرنا نغنيها سوياً حين كنت بعمر جوزفين قبل ان .. (وسكت)
جيم : قبل ان تخطفني جارتكم 
فنظر الوالد اليه بدهشة : هل صدّقت الأمر الآن ؟!

لكنه لم يجيبه , بل أسرع الى غرفة ديانا بالطابق العلوي .. وحين اقترب منها , إشتمّ على الفور عطرها الجديد الذي أكثرت الرشّ منه 
فقال بدهشة : عطرك !
ديانا : ما به ؟
جيم باستغراب : لقد شممّته من قبل ! 
- نعم هو عطري الذي كنت استخدمه في طفولتك , لكني توقفت عن شرائه بعد اختطافك .. واليوم قرّرت استخدامه من جديد .. هل تذكّرته ؟
فقال بعينين دامعتين : نعم , هذا عطر امي
فبكت ديانا : نعم جاك , نعم !! عطر امك .. انه عطري .. وأخيراً تذكّرتني  
فارتمى بحضنها وهو يبكي : امي , اشتقت اليك كثيراً

بهذه اللحظات .. دخل اريك الغرفة ليجدهما يبكيان سوياً , فاقترب وحضنهما بعد ان علم بان ابنه تذكّرهما اخيراً .. 
وهنا وقفت الطفلة تراقبهم عند الباب , فناداها إريك للإقتراب منه .. وحين فعلت , ضمّها مع عائلته .. 

ثم قال اريك لإبنه :
- أحبك يا جاك .. أقصد جيم
الولد وهو يمسح دموعه : لا ناديني جاك يا ابي , وسأطلب من رفاقي بالمدرسة ان ينادوني به منذ الغد
الأب : حبيبي .. كم اشتقت اليك بنيّ
الولد : وانا .. سامحني لأنني لم أتذكّرك من قبل
الأب : لا عليك ..واريد ان أفرحك بأمرٍ ما
ابنه : ماهو ؟
الأب : سأضمّ اختك الى عائلتنا 
زوجته بدهشة وفرح : أحقاً عزيزي , ستتبنّى الطفلة
فأجابها : نعم حبيتي
ابنه بسعادة : شكراً ابي !! لقد أسعدتني كثيراً
وحضنه بحنان .. 

ثم قال الأب للطفلة : هل تريديني ان أكون والدك يا جوزفين ؟ 
فهزّت رأسها موافقة , ليقوم بحضنها ..ويبكي الجميع متأثّرين بهذه اللحظة العاطفية لعائلتهم الجديدة 
***

بعد اسبوع .. قدم المحامي الى منزلهما ومعه اوراق التبني قائلاً :
- لقد وافق والدها على التنازل عنها , ووقّع الأوراق بالسجن .. واريدكما ان توقعا هنا كي تصبح جوزفين ابنتكما رسميّاً
وبعد التوقيع , قال لهما المحامي : 
- بقيّ شيء .. ماهو تاريخ ميلادها ؟ لأدوّنه في الأوراق 
فسأل اريك ابنه : أتذكر متى ولدت اختك ؟
جاك : لا ادري , فقد جاء ذلك الرجل الى بيتنا ومعه جوزفين بعمر السنة .. وأخبرتني مونيكا بأنها ابنة زوجها , وكنت حينها في السادسة !
الأب : ومالعمل ان كنّا لا ندري بأيّ شهرٍ ولدت ؟
المحامي : المشكلة انني لم أجد لها اوراقاً رسمية بمستشفيات التوليد , ويبدو ان امها ولدتها في المنزل ! 

ديانا : اذاً بأيّ تاريخ سنسجّلها ؟
وهنا قال جاك : لما لا تسجّلونها بنفس شهر ميلادي , وبذلك نحتفل سويّاً كل عام
ديانا : إقتراحٌ جميل يا جاك ..لنقمّ بذلك ايها المحامي
المحامي بابتسامة : كما تشاؤون 
*** 

وبعد شهرين ..سأل الأب ابنه .. 
- غداً هو عيد ميلادك انت واختك , فهل تريدان الإحتفال بالمول ؟
جاك : لا ابي , لنحتفل سويّاً بالمنزل 

وفي ذلك المساء .. ضجّ بيتهم بالأقارب والأصدقاء الذين قدموا مع الكثير من الهدايا لحفلة الطفلين اللذين عانيا كثيراً في حياتهم الماضية , لكنهما يعيشان الآن بنعيمٍ وسعادة مع والدين محبّين  

الثلاثاء، 19 فبراير 2019

مسابقة للراغبين بالإنتحار

تأليف : امل شانوحة

إستفدّ مادياً من موتك !

((للراغبين بالإنتحار ..هل تريد كسب ثروة بموتك ؟.. إتصل بنا))

إعلان غريب وجده بيتر بالإنترنت ! والأسوء انه رآه بأسوء يومٍ في حياته , بعد فشله بإيجاد عملٍ آخر طوال الشهرين الماضيين عقب إعلان شركته إفلاسها , ممّا أجبر خطيبته على تركه هذا الصباح  

فحاول لبقية اليوم البحث عن أيّ عملٍ متواضع في المحال التجارية والمطاعم القريبة من بيته , علّه يستعيد ثقة حبيبته .. لكن جميع محاولاته باءت بالفشل .. وعاد في المساء محبطاً الى شقته الصغيرة المتواجدة في مدينة شتُوتغارت الإلمانية , ليجد إيميلاً مرسلاً من أخيه الأصغر يخبره عن مرض امهما المفاجىء , وبأنها بحاجة الى مبلغٍ كبير لإجراء عمليةٍ ضرورية , ويحتاجون مساعدته .. فأهله لا يعلمون بضائقته المالية وتراكم الديون عليه ! فقام بيتر على الفور بالإتصال بأصدقائه لتديّن مبلغ العملية , لكنهم اعتذروا منه بحججٍ مختلفة .. ليغلق جواله وهو في قمّة الأحباط , ثم ينهار باكياً وهو يلعن حظه العاثر وحياته الكئيبة 

بهذه اللحظات .. ظهر ذلك الإعلان الغريب على جانب شاشة حاسوبه , وقد لفت إنتباهه لدرجة انه ارسل الى موقعهم هذا السؤال: 
- ماذا تقصدون بحصولي على ثروة بعد إنتحاري ؟ فكلامكم غير منطقي !.. هل بإمكانكم التوضيح أكثر ؟ ..وشكراً

وقبل إطفاء حاسوبه , وصلته الإجابة وكأنهم ينتظرونه !
وجاء ردّهم :
- نحن شركة أدوية محترمة , قمنا بالكثير من الأبحاث والتجارب الى ان وجدنا دواءً جديداً لعلاج بعض الأمراض المستعصية التي نجح مفعولها على الحيوانات , لكننا بحاجة الى متطوعين لتجربته قبل طرحه في الأسواق 

فسأله بيتر : ولما تطرّقتم لموضوع الإنتحار في إعلانكم ؟ فهذه التجارب بالعادة ليست خطيرة لهذه الدرجة !
- بالحقيقة هناك نسبة من الخطورة , لهذا نحتاج الى متطوعين لديهم رغبة دفينة بالإنتحار كيّ نُخلي مسؤليتنا .. 
بيتر : وماذا يستفيد المتطوّع ان قتله دوائكم ؟! 
- بدايةً نكتب معه عقداً رسمياً بتعويض مالي يُرسل الى عائلته في حال وفاته , او ان يحتفظ به في حال نجح العلاج دون اضرارٍ تُذكر .. لكن أريد ان أنبّه بأننا لا نقبل سوى الشباب الذين يتمتّعون بكامل صحتهم لنرى نتيجة الأدوية عليهم .. فكم عمرك ؟ وهل تعاني من أمراضٍ مزمنة ؟
- عمري 33 , وصحّتي جيدة
- ممتاز.. سيد ؟  
- بيتر .. وعندي سؤال آخر 
- ما هو ؟ 

بيتر : كم شخص مات لديكم حتى الآن ؟
- نحن لم نبدأ بعد , فمازلنا نجمع المتطوعين .. وبقيّ لدينا القليل من الأماكن الشاغرة , فهل يهمّك الأمر ؟ 
- سأجيبك بعد ان تخبرني بالمبلغ الذي ستدفعوه لي او لأهلي؟ 
- المبلغ يختلف على حسب نوع التجربة
بيتر : تقصد الآثار الجانبية ومضاعفات كل دواء ؟! 
- نعم نعم .. فماهو قرارك النهائي ؟

فتردّد بيتر قليلاً , قبل ان يكتب :
- موافق .. إرسل لي عنوان مصنعكم الدوائيّ ؟
- بل إرسل انت رقم جوالك , ونحن نتصل بك في اليوم المحدّد .. وسنتكفّل بإيصالك الينا 

فشعر بيتر بأحاسيس متناقضة : بين رغبته في إنقاذ امه من الموت , وبين خوفه من نتائج التجربة على صحّته في المستقبل 
وبيدين مرتجفتين وقلبٌ ينبض بسرعة وشعورٌ كبير بعدم الإرتياح , أرسل لهم رقم جواله .. ليجيب الموظف عليه :
- أحسنت يا بطل .. ربما بشجاعتك تنقذ الملايين من المرضى حول العالم .. نلقاك قريباً

وانتهى الأتصال .. ليُصاب بيتر بالأرق الذي أبقاه ساهراً طوال الليل وهو يفكّر في مصيره المجهول !
***

وبعد ايام .. وصله أتصال منهم بعد منتصف الليل :
- الو سيد بيتر .. معك أقل من ساعة لتتجهّز , فسائقنا في طريقه اليك 
بيتر بنعاس وباستغراب : أفي هذا الوقت ؟! كنت على وشك النوم 
- كنّا نجمع المتطوعين منذ الصباح , ومن كافة مناطق المانيا ..والآن جاء دورك ..
- فهمت , واين انتظر السائق ؟
- تحت منزلك 
بيتر : لا أذكر انني أعطيتكم العنوان !
- نحن نعرف كل شيء , رجاءً تجهّز حالاً

وعلى الفور !! قام بيتر بلبس ملابسه والإنتظار أسفل عمارته .. 
***

بعد ربع ساعة .. إقتربت منه سيارةً فارهة بنوافذ سوداء , وفتح السائق النافذة الجانبية ليسأله : 
- السيد بيتر , اليس كذلك ؟
- نعم
- تفضّل بالركوب 

وكان يجلس بجانبه في المقاعد الخلفية حارسٌ ضخم العضلات .. فسأله بيتر : 
- عفواً .. لما ظلّلتم النوافذ الجانبية ؟ فأنا لا أرى الشارع !
فأجابه الحارس بجفاء : اولاً إعطني جوالك 
بيتر بدهشة : ولماذا ؟!
- انها الأوامر 
ولم يستطع بيتر معارضة الحارس الضخم الذي يبدو عليه العدائية!

من بعدها , قال الحارس للسائق :
- إرفع الزجاج 
ليرتفع زجاجٌ اسود يفصلهم عن المقاعد الأمامية , لمنع بيتر من رؤية الطريق الذي يسلكونه !  
وبرّر الحارس ذلك قائلاً : 
- ما لا تعرفه , إن مصنعنا سرّي ولا تعلم الحكومة بأمره , لهذا نحترس قدر المستطاع  
بيتر وهو يُخفي قلقه : فهمت ! سؤال أخير , متى نصل الى هناك؟ 
- بحدود الساعة , إسترح قليلاً  
***

ومن شدّة نعاس بيتر , غفى قليلاً .. قبل ان يوقظه الحارس :
- لقد وصلنا
ونزل من السيارة , ليتفاجأ بأنهم وسط الغابة السوداء المعروفة بقصص الأشباح المخيفة ! 
بيتر بخوف : هنا لا يوجد شركة او مصنع , فهل إختطفتماني ؟!
الحارس بقسوة : هيا تحرّك , ولا تكن جباناً هكذا 

ثم مشى الحارس امامه بضعة خطوات وهو يحمل الكشّاف , قبل ان يفتح باباً سرّيّاً حديدياً في أرضيّة الغابة , المُغطاة بأوراق الشجر ! 
الحارس : هيا إنزل , فالجميع في انتظارك

ونزل بيتر الدرجات وهو نادم على اشتراكه في هذه المجازفة المخيفة التي يبدو ان عصابةً خطيرة تُديرها ! ولولا خوفه من مسدس الحارس لكان ركض هارباً في الأدغال , لكن ليس امامه سوى الإنصياع للأوامر ..
***

وهناك في الأسفل .. وقف بيتر امام سردابٍ طويلٍ مضيء , بأرضيةٍ من الرخام , ورائحة تشبه مطهّر المستشفيات ! 
ومشى خلفه الحارس , الى ان وصلا الى ساحةٍ كبيرة بها قرابة الأربعين شخصاً معظمهم من الشباب , وعدداً قليلاً من الصبايا .. جميعهم وقفوا في طوابيرٍ منظّمة , بوجوهٍ مُبهمة بانتظار بدء التجارب ..

وبعد ان أوقفه الحارس في مكانه بالطابور , ظهر صوت من الميكروفون يقول :
- الآن إكتمل العدد !! اهلاً بكم في مصنعنا الطبّي .. معكم البروفيسور الدكتور ألبرت .. وبعد قليل , نُدخل كل واحداً منكم الى إحدى الغرف لبدء التجارب  
فقال شاب يبدو من ملابسه انه مشرّد : واين الشيكات التي وعدّتمونا بها ؟
فردّ الصوت : ستجدون العقود الرسمية في تلك الغرف , فلا تستعجل يا بنيّ .. 

ثم طلب البروفيسور من حرّاسه (الذين كانوا ضعف عدد المشتركين) : بإدخال كل مشترك الى غرفةٍ صغيرة لا يتجاوز عرضها المترين : فيها طاولة وكرسي , وشاشة كبيرة معلّقة على الحائط 
وبعد تفرّقهم بالغرف , أقفلوا الحرّاس عليهم الأبواب من الخارج!  
فقال بيتر معترضاً : نحن هنا لإختبارات طبّية , فلما تقفلون الباب علينا وكأنّا مجرمين ؟!
فأجابه البروفيسور(من مكبّرات الصوت المتواجدة في كل الغرف) بحزم :
- إجلس سيد بيتر ولا تتعبنا , ستجد على طاولتك عدّة اوراق .. ابدأ اولاً بتعبئة الإستمارة كبقية المشتركين 

وبعد انتهائهم من الإستمارة .. طلب منهم الدكتور التوقيع على ورقة رسمية تؤكّد موافقتهم على إجراء تلك التجارب .. كما كان من ضمن الأوراق : نسخة عن الشيك الذي سيتم إرساله لعائلاتهم في حال وفاتهم , بمبلغ : مئة الف يورو !

فارتسمت الإبتسامة على وجوه المشتركين الذي كان معظمهم من الفقراء و المشرّدين والمديونين 
ثم دخل الحرّاس وأخذوا الأوراق الموقّعة منهم ..
  
وبعد قفل الأبواب من جديد .. ظهر على الشاشة عدّة إختيارات , على شكل رموز صغيرة :
(مظلّة طيران - ألغام – منشار كهربائي – صورة طبيب مُصغّرة – محاليل مخبريّة – أدوية – غازٌ سام – مسدس – نار – أفعى - عقرب).. ورموز أخرى لم يفهمها بيتر ومعظم المشتركين 
فسأل بيتر البروفيسور : عفواً دكتور .. الم تقولوا انها تجارب طبّية , فلما توجد في اختياراتكم اشياء أخرى لا علاقة لها بالطبّ؟! 

فسمع الجميع إجابة البروفيسور وهو يقول لبيتر :
- كذبنا عليكم .. نحن شركة تقوم بتجربة المنتجات الجديدة للمصانع , منها طبّية ومنها أدوات نجارة او بِذلات جديدة للشرطة والإطفائيين وغيرها .. ونحتاج متطوعين لتجربتها .. وبالنهاية نحن لم نخدعكم , فقد كتبنا في إعلاننا عن رغبتنا بمتطوعين لديهم ميول إنتحارية , وأرسلناها عبر الحواسيب والأوراق المطبوعة التي وزّعت في الشوارع وأزقّة المناطق الفقيرة .. كما انكم وقّعتم قبل قليل عن إخلاء مسؤوليتنا في حال فشل الإختبارات .. وفي جميع الأحوال , تعويضاتكم ستصل الى اسماء وعناوين الأشخاص الذين كتبتموهم في عقودنا الرسمية .. لذا لا اريد أسئلة من جديد !! .. والآن ليقمّ كل واحداً منكم باختيار تجربته الخاصة , عن طريق الضغط على الرمز الموجود في الشاشة الذكيّة .. 

وبدأ المتطوعون بتنفيذ أوامره .. وكلما قام أحدهم بالإختيار , انطفأت الصورة على الباقيين .. ماعدا رمز مظلّة الطيران التي كانت لا تعمل اصلاً , وكأن أحداً إختارها قبل هذه الليلة !
وبسبب يأس بيتر من الحياة , ضغط على أرعب رمز : وهو الغاز السامّ , لرغبته في الموت السريع دون عذاب .. 
لكن يبدو ان شاشته معطّلة , حيث لم تقبل من إختياراته المتعددة سوى صورة الطبيب فقط !
فضغط عليها وهو يتمّتم بضيق : يبدو انهم سيرسلون لي طبيباً مجنوناً يُجرّب عليّ أرعب طرق الطبابة .. كان الله في عوني
***

ثم علا صوت الجرس معلناً بدء التجارب ..
وقسّمت الشاشة الى عدّة أقسام , لتظهر غرف المشتركين الآخرين .. بحيث يمكنهم رؤية تجربة كل شخص حسب دوره , بالرقم الموجود على باب غرفته  

وكان اول تجربة : هي لرجلٍ بدين إختار مظلّة الطيران .. ويبدو انه اول الواصلين للشركة , حيث يبدو من الفيديو ان تجربته حصلت صباحاً ,  وظهر فيها وهو يقف داخل طائرةٍ شراعية ..وهناك مدرّب مظلّي مسلّح خلفه يأمره بالقفز من الطائرة , بعد ان ألبسه مظلّة جديدة الصنع .. ولعلم البدين بإن المظلّة لم تُجرّب من قبل , فقد أصيب بالرعب وصار يرتجف عند الحافة , ويترجّى المدرّب أن يلغي التجربة .. 
- لا اريد مال شركتكم اللعينة !! فقط أعيدوني الى بيتي سالماً
فأجابه المدرّب (التابع للبروفيسور) بلؤم : الم تكن تنوي الإنتحار ؟
- غيّرت رأيّ , اريد ان أعيش  
- مع من ؟ فأنت يتيم وعاطل عن العمل .. هيا أقفز ولا تتعبنا
الرجل البدين : لا اريد .. لاااااا
وصرخ بعلوّ صوته , بعد ان دفعه المدرّب عنّوةً الى خارج الطائرة ..

وكانت هناك كاميرا ثانية مُثبّته فوق أرضٍ مُقفرّة عشبية , لتصوير هبوطه من السماء .. حيث تابع المتطوعون نتيجة تجربته بقلق .. ورغم ان البدين إستطاع فتح مظلّته لكنها لم تخفّف من سرعة هبوطه , ليترطمّ بالأرض بقوة وتتناثر أشلاؤه بأرجاء الفلاة !
فارتعب المتطوعون الشباب , وبكت الفتيات بخوف بعد فشل تجربته 

ثم سمعوا البروفيسور يقول لهم : التجربة رقم واحد فشلت فشلاً ذريعاً , سنخبر المصنع بأن يعيدوا تصميم مظلّتم .. والآن دور التجربة رقم 2
فصرخ بيتر بغضب : هل انت طبيب ام سفّاح ؟!! اليس لديك ضمير ؟!! الرجل مات بسببك , وانت تتصرّف وكأن شيئاً لم يكن!!
فأجابه البروفيسور : التجربة رقم واحد التي رأيتموها حصلت هذا الصباح , وجمعنا اشلاءه ودفنّاها بالغابة .. بالنهاية هو مشرّدٌ حقير .. وانت يا بيتر , هذه آخر مرّة أسمح لك بأن تقاطع عملي .. هل فهمت ؟!!

قالها بنبرةٍ غاضبة , أربكت بيتر ..فهو كما الباقيين عالقٌ تحت سلطة رجلٍ مجنونٍ ساديّ ! 
ثم قال البروفيسور (الذي لم يرى وجهه أحد , فقط صوته الذي يظهر من ميكروفونات الغرف) للجميع : 
- لنبدأ الآن بالتجربة رقم 2 

وكانت تجربة المنشار الكهربائي الذي اختارها أحد الشباب بالغرفة المقابلة لبيتر ..
فقام البروفيسور بشرح التجربة لهم :
- أنتجت شركة حديثة منشاراً يمكنه قطع الأخشاب دون تعريض أصابع النجارين للخطر .. وتريد الشركات المنافسة التأكّد من هذا الإختراع .. وسنرسل لهم النتيجة بعد الإنتهاء من تصوير التجربة 

ثم شاهد المتطوعون عبر شاشاتهم : غرفة الشاب صاحب التجربة الثانية وقد دخل عليه حارسان قويان , وهما يجرّان الماكينة الجديدة نحوه .. وكانت عبارة عن طاولة حديدية عليها قطعة خشب , معلقاً فوقها المنشار الجديد الذي يعمل على الليزر 

وأجبروا الشاب على الإستلقاء فوق قطعة الخشب .. لكنه قاومهما وحاول الهروب من الغرفة .. الا ان أحدهما لكمه على وجهه , ليقع أرضاً .. ثم حملاه وثبّتا يديه وقدميه بالأغلال فوق الطاولة .. وهو يبكي ويترجّاهم بوجهه المُدمّى .. لكنهما لم يأبها له , وأدارا المنشار الذي بدأ بقطع اللوحة الخشبية التي تحت رجليه .. الى ان وصل الليزر الى جسمه .. 

وهنا سمع الجميع صرخاته المتألّمة عند مرور الليزر ببطء فوق بطنه وصولاً الى رأسه .. ورغم صراخ المتطوعون لإيقاف التجربة حالاً !!! لكن الليزر ظلّ يعمل , حتى قُسم جسم الشاب الى شطرين !

فوقعت فتاة مغشياً عليها في غرفتها , امّا الأخريات فانهرنّ بالبكاء .. بينما طرق الشباب ابواب غرفهم بكلتا يديهم ورجليهم كالمجانين , مُطالبين بالخروج فوراً من هذه الشركة المخصّصة للتعذيب اللاّ إنساني !
وهنا ظهر صوت البروفيسور يقول لهم :
- لا تتعبوا أنفسكم ..فلا أحد سيخرج من هنا قبل إنهاء التجربة التي اختارها بنفسه 
ثم قال بلا مبالاة : التجربة رقم 2 فشلت ايضاً , وسنعلم المصنع بأن منشارهم مازال خطراً على النجّارين , كما لاحظتم .. والآن لنبدأ بالتجربة رقم 3

وظهر على شاشاتهم : الشاب صاحب التجربة الثالثة , ويبدو انهم اقتادوه الى الخارج حيث الظلام الدامس .. 
وظهر من خلال أنوار كشّافات الحرّاس الثلاثة وهو يلبس بذلة تفجير الألغام , ويمشي في الغابة المظلمة بخطواتٍ مُتعثّرة .. بعد ان أخبروه بوجود لغمٍ مدفون امامه .. وعليه ان يدوسه بقدمه , ليعرفوا ان كانت البذلة الجديدة تحميه من الإنفجار ام لا 
لكنه تجمّد في مكانه , قائلاً وهو يرتجف للحرّاس : 
- ارجوكم لا اريد المال .. دعوني أذهب من هنا , ولن أخبر أحداً عن شركتكم .. أتوسّل اليكم 

فقال الحارس موجّهاً سلاحه نحوه : إفعل ما أمرناك به , والاّ قتلناك
فصرخ الشاب قائلاً : اذاً أقتلوني !! فأنا ميتٌ بجميع الأحوال
فأجاب الحارس الآخر بلؤم : ومن قال اننا سنقتلك على الفور .. بل سنتناوب على إصابة أطرافك , ثم معدتك وعينيك .. ونتركك في مكانك تحتضر الى ان يتصفّى دمك وتموت .. 
وقال الحارس الثالث له : أنصحك بإكمال التجربة , لأنه في حال لم يصبك شيء من الأنفجار , تعود الى بيتك ومعك مبلغاً كبيراً من المال تدفع بها ديونك .. 
الحارس الأول : هيا يا رجل !! تقدمّ خطوتين للأمام , الى البقعة التي دفنّا بها اللغم الأرضيّ 

فتوجّه الشاب مرغماً ببذلة الجيش المنتفخة الغريبة نحو اللغم الذي داسه دون ان يراه , لتطير قدمه التي بُترت في الهواء بعد الإنفجار ..فوقع صارخاً وهو يتلوّى على الأرض , ممسكاً بإمعائه التي خرجت من بطنه 

فاتصل الحارس بالبروفيسور يسأله : 
- لقد فشل المنتج , ماذا نفعل الآن ؟ 
وسمع الجميع إجابة الدكتور وهو يأمره بالقتل 
لتنهال الأعيرة النارية من رشّاشات الحرّاس الثلاثة التي أنهت حياة الشاب المصاب !
بينما تجمّد المتطوعون بعد رؤيتهم لما حصل عبر شاشاتهم ..

ثم قال لهم البروفيسور : لننتقل الآن الى التجارب رقم 4 5 6 7 8 ..فجميعكم اختار رمز الدواء .. وسنرسل لكم حبوباً وشراباً وحقن , لنرى تأثيرها عليكم .. وعلى فكرة , انتم محظوظون لأن المتطوعين السابقين إختاروا المحاليل المخبريّة التي هي بالأساس بكتيريا وامراض وسموم غذائية كالفطر السام وعفن البطاطا وغيرها.. وقد توفيّ نصفهم الأسبوع الماضي.. وسنريكم ما حصل للباقين الذي يحتضرون حالياً  

وظهر على الشاشة التي انقسمت الى اربعة : شابان وصبيتان يتلوّون من الألم في غرفهم , بعد ان شحبت وجوههم وظهرت أعراض المحاليل السامّة على اجسادهم ..حيث امتلأ وجه الصبيّة بالبثور الحمراء التي تصيبها بالحكّ والهرش المستمرّ التي أدمت وجهها .. بينما كان الشاب في الغرفة الثانية يسعل بقوة , محاولاً إلتقاط أنفاسه بصعوبة .. اما الفتاة الثانية فكانت تتقيأ باستمرار ..والشاب الرابع يعاني الإسهال من مدةٍ طويلة جعلته هزيلاً جداً .. 
وقد رآه المتطوعون الجدّد وهو يسقط دون حراك على أرض الحمام ! ليدخل غرفته حارسان مع طبيب (يضع كمّامة على فمه لإخفاء هويته) والذي أشار لكاميرا الغرفة (بعد فحصه) بإنزال إبهامه للأسفل ..

وهنا قال البروفسيور للباقين :
- يبدو انه مات .. وهذا يعني ان التجربة نجحت
فسأله بيتر بعصبية : الشاب مات ! فكيف نجح محلولك اللعين ؟!!
فأجابه البروفسيور : هذا المحلول أُكتشف حديثاً لأغراض عسكرية سرّية .. وموت المتطوع يؤكّد نجاح منتجهم .. هل فهمت الآن ؟

فتهالك بيتر على الكرسي وهو يلعن حظه لأنه علِمَ بأنه ميتٌ لا محالة , السؤال الأصعب : بأيّةِ وسيلة سيقتلونه ؟! فهو اختار صورة الطبيب من الشاشة , فما نوعية التجربة اللعينة التي تنتظره؟!

وقطع تفكيره صوت البروفيسور وهو يقول لهم :
- لن نشاهد نتائج الآخرين لأن موتهم حتميّ , لكنه سيتأخّر لساعات او لأيام وربما لأسابيع .. لننتقل الآن كما قلنا , الى تجارب الأدوية التي من المفترض ان تعالجكم لا ان تقتلكم .. فلنبدأ !!

ودخل الحرّاس بالأدوية الى المتطوعين الخمسة في غرفهم , بينما تابع بيتر والباقين مصيرهم عبر الشاشات ..ليشاهدوهم وهم يتناولون الحبوب والشراب والحقن دون مقاومة , بعد ان استسلموا لمصيرهم المشؤوم !

ثم انطفأت كاميرات غرفهم , مع صوت البروفسيور يقول للباقين :
- لن نتابعهم ايضاً , لأن نتائج الأدوية لن تظهر الا بعد ساعاتٍ طويلة .. وحتى لوّ نجح العقار , فسنقتلهم بطريقةٍ أخرى .. لأنه لن يخرج أحداً منكم حياً من هنا 
فصرخ بيتر مُعترضاً : الم تقل انه في حال نجحت التجربة سنخرج من هنا ومعنا الشيك المالي ؟!!
فردّ عليه بلؤم : أرى انك الوحيد الذي تعترض دائماً , وقد أعجبتني جرأتك .. لكن لم يعجبني غبائك .. فأنا حتماً لن أجازف بشركتي لأجلكم ايها الحثالة , وبالتأكيد لن أقضي بقية حياتي في السجن .. لهذا تقبّل مصيرك بهدوء يا بيتر , فنحن بالنهاية ننفّذ حلمكم بالإنتحار لكن بطريقتنا نحن .. هل فهمت الآن , او أُفهمك بطريقتي ؟!!
فسكت بيتر بحزن , بعد ان استسلم كالآخرين لقدره المشؤوم ..
البروفيسور : جيد .. الآن لنرى التجربة التي بعدها .. وهي تجربة الأفعى

ثم شاهد الجميع كيف أجبروا الصبية على وضع يدها في الصندوق الذي به أفعى سامة .. وبعد ان صرخت متألمة من اللدغة , أعطوها المصل المضاد لسمّ الثعبان (المُركّب حديثاً) .. وتركوها مستلقية على الأرض في انتظار النتيجة .. 

ونفس التجربة حصلت مع الشاب الذي اختار صورة العقرب ..
فقال البروفسيور : سننتظر لحين ظهور نتيجة العقار الجديد , ونُخبر لاحقاً شركات الأدوية بالنتيجة .. اما الآن فسننتقل لتجربة البذلتين الجديدتين : ضدّ الرصاص والحريق , التابعة لمركزيّ الشرطة والإطفاء

وشاهد بقية المتطوعين : أحد الشباب وهو يتلقّى الرصاص بصدره بعد ان ألبسوه الواقي الجديد .. بينما الثاني رموه في قبرٍ بالغابة أشعلوه بالنار , بعد ان لبس بذلة الإطفائي الجديدة .. 
وكانت النتيجة : نجاح المنتجين ! لكن فرحة الشابين لم تكتمل , بعد ان أمر البروفيسور حرّاسه بإطلاق النار عليهما للقضاء على الشهود ..

ثم بدأت التجربة الأكثر رعباً لرجلٍ مشرّد إختار الغاز السام .. وشاهده الجميع وهو يحترق من الداخل ببطء , الى ان تفسّخ جلده عن لحمه وتحوّل امامهم الى هيكلٍ عظمي مُتفحّمٌ تماماً 

فقال البروفيسور بسعادة : واو ! لقد نجح الغاز البيولوجي أكثر ممّا توقعت .. أظن ان قائد الجيش سيسعد كثيراً بهذا الفيديو الرائع .. ارأيتم كيف تساقط لحمه عن جلده ؟ الا تدرون بأن المانيا يمكنها السيطرة على العالم من جديد بهذه القنابل الرائعة .. يا الهي كم كانت التجربة حماسية , هل توافقوني الرأيّ ؟

فالتزم ما تبقّى من المتطوعين الصمت , بعد ان مسحوا دموعهم بأيديهم التي كانت ترتجف بقوة من هول ما شاهدوه ! 

وجاء دور بيتر لتجربة السيطرة العقلية ..ودخل الى غرفته طبيبٌ نفسيّ (ملثّم ايضاً بكمامة طبّية , كيّ لا يظهر على الشاشات) ..ويبدو انه يريد تطبيق نظرية جديدة للسيطرة على المخّ .. 
وجلس في الإتجاه المقابل لبيتر على الطاولة , وأمسك بمعصمه وهو ينظر في عينيه نظرةً ثاقبة .. وبدأ يسأله عدة اسئلة ..وبيتر يجيبه بطواعية , حتى انه أجاب على اسوء وأحرج المواقف التي حصلت له ! ورفاقه يتابعونه باهتمامٍ وقلق  

ثم ظهر صوت البروفيسور يقول : أحسنت يا دكتور .. يبدو انك استطعت بالفعل السيطرة على عقل هذا المشاغب .. لكن اريدك ان تبيّن لي قدراتك الساديّة كيّ أرسل الفيديو لأصدقائي من المخابرات الإلمانية لتوظيفك ضمن فرقة التحقيقات مع المعتقلين الإرهابين .. فهيا أرني براعتك !!

فصار الطبيب النفسي يطلب من بيتر (المنوّم مغناطيساً) القيام بأعمالٍ غريبة ومؤذية .. وكان بيتر ينفّذها دون مقاومة ! كأن يطرق رأسه بقوة في الحائط , او يتبوّل على نفسه ..او يكسر يده بالمطرقة .. وقد فعل ذلك دون صراخ او ألم ! 

وبالنهاية طلب البروفيسور منه انهاء التجربة التي أظهرت كفاءته كطبيب نفسيّ بارع .. فقام الدكتور بإعطاء بيتر حبةٍ حمراء وهو يقول :
- بيتر , هذا ليس دواءً .. بل سمٌ قاتل يُميتك خلال دقيقتين ..وانا آمرك ببلعه حالاً 

وهنا شاهد بقية المتطوعين بيتر وهو ينتفض على الأرض (بعد بلعه للحبة الحمراء) قبل ان تتوقف حركته نهائياً ! 
فقال البروفيسور : 
- أحسنت يا دكتور !! لقد ضمنت عملك في المخابرات .. وسنرسل جثة الشاب الى اهله ليدفنوه بشكلٍ لائق .. 

وانطفات شاشة بيتر , بعد ان قام الحارسان بسحب جثته من قدميه الى خارج الغرفة !

بينما أكمل الباقين تجاربهم المرعبة , التي كانت عبارة عن ادوات تعذيب جديدة سيتم إستخدامها مستقبلاً على المعتقلين السياسيين لسحب إعترافاتهم بالقوة ! 
حتى الصبية والثلاثة شباب الذين نجوا من بين الأربعين تجربة تمّ تصفيتهم لاحقاً , حفاظاً على سرّية الشركة الغير قانونية ! 
***

في الريف الإلماني.. وبعد انتهاء مراسم العزاء في منزل والد بيتر.. تقدّم رجلٌ بطقمه الرسميّ ناحية الأب والأخ .. 
وبعد تقديمه التعازي , سلّم شيكاً بملغ مئة الف يورو للوالد وهو يقول :
- بيتر أوصانا أن نعطيك الشيك لعلاج امه , عافاها الربّ 
الأب بدهشة : ومن أين لإبني هذا المبلغ الكبير ؟!
- انه تعويض من شركتنا .. فالذي لا تعلمونه انه لم يُقدم على الإنتحار , بل قام بتجربة دواءٍ جديد من معملنا الطبّي .. وللأسف , كان الوحيد الذي توفي من بين المتطوعين
الأب بحزن : ولماذا ؟!
الرجل : لحساسيته النادرة اتجاه الدواء , وبسببه سنقوم بتحسين تأثيراته الجانبية قبل طرحه في الأسواق 
الأخ باستغراب : لم أكن أعلم ان أخي تطوّع بهكذا تجارب !
الرجل : يبدو انه يحب امه كثيراً .. على كلٍ , نعتذر لما حصل .. وأتمنى ان يكون هذا المبلغ تعويضاً بسيطاً لكم .. الى اللقاء

بعد خروجه من المنزل , وقبل ركوب سيارته الفارهة .. لحقه أخ بيتر قائلا :
- يا سيد !! رجاءً اريد مكالمتك بموضوعٍ هام
***

بعد ساعتين .. وفي مكتب البروفيسور في شركته تحت الأرض , إقترب ذات الرجل (الذي كان سكرتيره) ليجده وهو يشاهد فيديوهات عن تجارب النازية على الأسرى في الحرب العالمية الثانية
- أمازلت تشاهد فيديوهات جدك السرّية ؟

البروفيسور بقهر : كان جدي طبيباً عظيماً , وبسبب أبحاثه إخترعوا الكثير من القنابل البيولوجية التي استخدمت لاحقاً في الحروب .. لكن الملاعيين حاكموه على تجاربه اللاّ إنسانية , وعُوقب كمجرم حرب ! لكني أنوي إعادة أمجاده .. 
السكرتير : وانا معك , لأن حلمي ان تعود المانيا دولةً عظمى كالسابق .. إعتراضي فقط على دفعك التعويضات لأهالي اولئك الحثالة , فشركتنا أولى بها
- ان لاحظت جيداً ..فأنا لا أدفع لأهالي المشردين ومجهولي النسب , فقط لمن لديهم عائلات كيّ لا يثيروا لنا المشاكل عن أسباب وفاة ابنائهم , فمال التعويض يُعمي بصيرتهم ..خاصة بعد ان يروا توقيع ابنائهم على اوراقنا الرسمية بقبولهم التطوعيّ لتجربة أدويتنا المزعومة
- الآن فهمت لما تتلاعب باختيارات التجارب من الشاشة الذكيّة

البروفيسور : طبعاً , فمثلاً بيتر لو اختار الغاز او الألغام .. لكان والده رفع علينا قضيةً بعد إرسالنا أشلائه.. وحتى لوّ دفنّاه بالغابة , ما كان سيهدأ حتى يبلّغ الشرطة عن إختفاء ابنه .. اما المشرّدون الباقون , فدفنّاهم بالغابة وانتهى أمرهم 
السكرتير : تفكيرٌ نازيّ بامتياز
- طبعاً فأنا من العرق الآري الجرماني .. (ثم سكت قليلاً) .. بالنهاية لا تقلق , فأموال شركتي بازدياد بعد بيعي للمنتجات الغير قانونية في السوق السوداء ..خاصة الصواريخ البيولوجية للدول الإرهابية .. لذا لا بأس أن أعطيت اهالي المتطوعين بعض الفتات الذي يقي شركتي من شرّ فضولهم ..المهم الآن .. ما أخبار عائلة بيتر , هل صدّقوا كذبتنا ؟

السكرتير بحماس : بل أفضل من ذلك .. فأخوه يريد التطوّع ايضاً , لأنه يحلم بالسفر حول العالم وتجربة كل جديد .. ويريد ذات المبلغ الذي أعطيناه لبيتر .. لذا أخذت رقم جواله , ووعدّته بالإتصال به لاحقاً
البروفيسور ساخراً : كم أشفق على الوالد الذي أنجب إبنين أحمقين! 

وضحكا بمكرٍ وخبث ..

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...