تأليف : امل شانوحة
لمح شاب ولداً في التاسعة يجلس في الحافلة , ومعه وجبة طعام لمطعمٍ لديه فرعٌ وحيد بالمنطقة وهو بعيد عن موقف الحافلات .. فاستغرب الشاب كيف لهذا الصغير ان يذهب وحده كل هذه المسافة !
وحين توقفت الحافلة , لحقه الشاب وهو يصوّره يقطع الشارعين العامّين الخطيرين قبل وصوله الى مجمّع المنازل الذي فيه بيته ذوّ الحديقة المهملة
ثم طرق الباب .. ليفتح له والده الذي أخذ منه الطعام بعصبية , بعد ان صفعه صارخاً :
- كم مرة أخبرتك بأن تأخذ المفاتيح معك ؟!! أكان عليّ ان أقطع برنامجي لأفتح لك الباب ايها اللعين !! عقاباً لك , لن تأكل شيئاً من هذه الوجبة
وهنا أطلّت الأم لتقول : دعه يدخل يا رجل , فهو أحضر طلبك .. هيا يا جيم , إذهب الى غرفتك
ودخل الولد مُنكسراً وحزيناً الى المنزل ..
فتمّتم الشاب الذي وقف بعيداً , بعد ان اطفأ كاميرا التصوير..
- اللعنة على هذا الأب القاسي ! الا يكفي انه أرسل ابنه الى مكانٍ بعيد مُعرّضاً حياته للخطر .. عليّ نشر الفيديو بوسائل التواصل الإجتماعي لربما يجدون حلاً لهذا الصغير المُعذّب
لكن لسوء حظ جيم , نسي الشاب نشر الفيديو لثلاثة اشهر ! عاش فيها الولد اياماً صعبة مع ابيه صعب المِراس
***
في صباح أحد الأيام .. اراد الشاب بيع جواله القديم , وأخذ يحذف فيديوهاته القديمة ..وحينها وجد فيديو جيم , وقرّر نشره بالإنترنت
وفي ذلك المساء .. شاهدته امرأة تعيش في الجهة الأخرى من المدينة , مما جعلها تقفز من سريرها وهي ترتعش بعد رؤية الصبي !
فأفاق زوجها الذي سألها بنعاس :
- ماذا هناك ؟!
فقالت والدموع على وجنتيها : أخيراً وجدت ابننا جاك !!!
فأجابها بحزن : ديانا ..الم تيأسي بعد من هذا الموضوع ؟! لقد مرّ خمس سنوات على اختفائه
فأرته الفيديو وهي تقول :
- أنظر بنفسك .. هذا ابننا جاك , انا متأكدة !! انظر الى الوحمة الحمراء على رقبته .. كما ان عمره يناسب عمر ابني
فقال إريك بدهشة , بعد ان رأى والدة جيم في الفيديو :
- لحظة ! اليست هذه جارتنا القديمة مونيكا ؟!
ديانا بحماس : وهذا بالضبط ما جعلني اتأكّد انه ابننا جاك .. فجارتنا كانت عقيمة
- الم تكن متواجدة بحفلة عيد ميلاد ابننا بالمول حين خُطف ؟!
زوجته بقهر وعصبية : نعم !! ومن بعدها تركت منطقتنا دون ان تودّعنا , ولم أكن أعرف ان الحقيرة خطفت ابني
إريك : علينا تبليغ الشرطة في الحال
***
وبالفعل !! وصل شرطيان الى بيت ذلك الرجل الذي قال لهما بلؤم:
- نحن لم نزعج احداً , فلما انتما هنا ؟
فقالت الشرطية : نريد رؤية ابنك
- هو الآن في المدرسة
الشرطي : سألنا جارك وقال بأن ابنك وابنتك لا يغادران المنزل الا نادراً
فالتزم الرجل الصمت ..
فعادت وسألته الشرطية : اين هي زوجتك ؟
لكنه لم يجب ايضاً , وظلّ معترضاً الباب..
فقال له الشرطي بحزم : من الأفضل ان تُدخلنا , والا اعتقلناك لعرقلة عملنا
فابتعد مُمتعضاً , ليدخلا الشرطيّن الى منزله المهمل حيث القاذورات وقناني الخمر الفارغة مرمية في كل مكان , كما امتلأ حوض مطبخه بالمواعين وبقايا الطعام ..
وهنا سمعت الشرطية صوت ولدٍ يدنّدن أغنية في القبو .. وحين نزلت الى هناك , وجدت الباب مقفلاً بمزلاج من الخارج !
ففتحته لتجد الولد جيم فوق سريره الصدىء , ورائحة الرطوبة العفنة تعبق بالمكان ..
فتقدمت منه بحذر , بعد ان رأت الرعب في عينيه..
- لا تخف عزيزي , أتينا لإنقاذك .. (ثم نظرت بأرجاء القبو الفارغ) ..لا أصدّق ان والدك يجعلك تنام هنا !
- هو ليس ابي , بل زوج امي ..
الشرطية : أحقاً ! وماذا عن أختك , اين هي ؟
- فوق بالعليّة
- تعال وأريني
وذهبا سوياً الى فوق , لتجد طفلة في الرابعة تنام فوق فراشٍ مبللّ بالفضلات ..
الشرطية : يا الهي ! أختك تحتاج الى إستحمام .. اين هي امك ؟
الصبي بحزن : ماتت
- أحقاً .. كيف ؟!
- بالمطرقة
الشرطية بدهشة : كيف يعني بالمطرقة ؟!
الولد بتردّد : كان ابي سكراناً الأسبوع الماضي , وحين تشاجرت معه .. ضربها على رأسها
الشرطية بقلق : أتقصد قتلها بالمطرقة ؟!
جيم وهو يمسح دموعه : نعم , ودفنها بالحديقة .. فأنا رأيته بعد ان أيقظني صراخهما .. ومن وقتها صار ابي يقفل عليّ الباب , كيّ لا أبلّغ عنه الشرطة
فنادت زميلها من اللاّسلكي , والذي كان يقف بجوار الأب في الطابق الأرضي .. قائلةً :
- إعتقله حالاً !! فقد قتل زوجته
وما ان سمع الأب ذلك , حتى حاول الهرب من المنزل ..
لكن الشرطي قفز فوقه , وثبّت يديه بالأغلال .. ثم رماه في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة ..
وقامت الشرطية بأخذ الولد وأخته الى المركز , بعد قدوم فرقة من التحقيقات الجنائية لتصوير مسرح الجريمة , ونبش تربة الحديقة الخلفية لإخراج جثة الزوجة التي لم تتحلّ كثيراً ..وكان واضحاً سبب الوفاة من الجرح العميق في جبهتها التي أحدثته المطرقة !
***
ولاحقاً أبلغت الشرطية ديانا وزوجها إريك بتطابق بصمات جيم مع ابنهما الضائع جاك (بعد ان كانت الشرطة احتفظت في ملفه : ببصماته المأخوذة عن لعبته التي وقعت منه بالمول لحظة إختطافه , قبل خمس سنوات)
فأسرعت امه ووالده الحقيقيّن الى المركز لاستلامه , وكلّهما شوق وحنين لرؤيته ..
وما ان رأياه , حتى حضناه وهما يبكيان بشدة .. بينما كان جيم مندهشاً من تصرّفهما الحنون اتجاه , فهو لم يرهما من قبل !
ثم أبتعد عنهما قائلاً :
- أظنكما مخطئان ..فإسمي جيم وليس جاك !
فقالت ديانا بقهر : بل انت حبيبي جاك .. ومونيكا هي جارتنا التي اختطفتك بعيد ميلادك الرابع , وحرمتنا منك
فردّ الصبي غاضباً : مونيكا هي امي وام اختي جوزفين !!
فسأل إريك الشرطية : ومن جوزفين ؟!
فأجابته : عرفنا بعد التحقيق مع زوج مونيكا إن الطفلة هي ابنته من زواجٍ سابق , لكن الصبي ليس ابنه
إريك بغضب : إذاً اعترف الحقير !!
الشرطية : هو قال بأنه تزوج مونيكا والولد معها , وأخبرته انه ابنها من طليقها السابق .. ولم يعرف بأنه اختطفته حتى أخبرناه بذلك
ديانا بعصبية : طبعاً , هي لن تخبره بأنها عقيمة .. الحقيرة !! جيد انها ماتت
فصرخ الولد غاضباً : لما انت سعيدة بموت امي ؟!!
الشرطية : الأفضل ان تأخذا الأمور برويّة , فهو لم يصدّقنا حين أريناه فيديو اختطافه من المول
الولد صارخاً : اريد العودة الى بيتي حالاً !!
إريك : ونحن سنعيدك الى بيتك يا جاك
- اسمي جيم !! الا تفهمان ؟!
ديانا : حسناً سنناديك جيم , وسنأخذك الى بيتٍ جميل فيه الكثير من الألعاب والحلويات
إريك : كما سنقوم بتسجيلك بالمدرسة عند انتهاء العطلة الصيفية
فهدأ الولد قليلاً : المدرسة ! لطالما حلمت بالذهاب اليها .. وماذا عن اختي جوزفين ؟
فنظرا الوالدان لبعضهما , ثم قالا : نأخذها معنا ايضاً
وقد رضيا بأخذ طفلة المجرم الى منزلهما , لأنهما يعلمان بأن ابنهما لن يقبل الذهاب من دونها .. وذلك بعد ان كتبا تعهّداً للشرطة بحسن معاملتها
***
وفي بيتهم الفخم .. قامت ديانا بتحميم الطفلين وإطعامهما .. ليناما في غرفة ابنها القديمة , بعد ان رفضت الطفلة الإبتعاد عن أخيها الذي كان يحميها دائماً من ضرب والدها السكّير .. لهذا بكت امه حين رأت الرضوض المنتشرة على كامل جسم ابنها
لكن ما كسر قلبها هو إصراره على مناداتها بالخالة ديانا ووالده بالسيد إريك ! الا ان زوجها طمّأنها بأنه سيتقبّلهما كعائلته الحقيقية مع الأيام
***
ومرّ الشهر الأول بسلام .. رغم بعض التصرّفات الغريبة من جيم الذي رفض هدية والده التي كانت عبارة عن ساعةٍ ثمينة .. وبرّرت الطبيبة النفسية ذلك بسبب عقاب والده القديم بربطه بالحبال , لذلك بات يكره أيّ شيء يقيّد يديه .. كما كان يصرّ على النوم وبابه مفتوح وأنوار غرفته مضاءة , رغم محاولتهما إقناعه بأن الأمر ليس صحيّاً , لكنهما تفهّما ايضاً خوف الطفلين من الظلام .. كما كان يرتعب كثيراً من البرد , حيث تعوّد الرجل القاسي على رميه خارج المنزل في الجوّ العاصف عند مخالفته الأوامر .. لهذا داوم الوالدان على أخذه هو واخته الى جلساتٍ علاجية نفسيّة مكثّفة خاصة بالأطفال
***
لاحقاً إنشغل جيم واخته بأخذ دروسٍ خاصة , تحضيراً لدخولهما المدرسة التي ستبدأ بعد اسابيع .. بعد ان قبلت إدارة المدرسة بتسجيل جيم بالصف الأول رغم فارق العمر بينه وبين اصدقائه , بسبب ظروفه الإستثنائية ..
ولم يمضي وقتٌ طويل حتى اندمج بالجوّ الدراسي , وأصبح لديه الكثير من الأصدقاء .. كما أبدعت اخته بالروضة بسبب مشاركاتها الغنائية بالصفّ
***
ورغم سعادة جيم بالمعاملة الحسنة التي يتلقّاها من عائلته الجديدة (على حسب قوله) الا انه لاحظ تجاهل السيد إريك لأخته الصغيرة , حيث كان يتجنّب اللعب معها او مكالمتها , بعكسه تماماً !
وفي يوم دخل مكتبه ليخبره بامتعاضه عن التفرقة بينه وبين اخته..
فردّ إريك : انا أعاملك جيداً لأنك ابني الحقيقي , حتى لوّ لم تصدّق ذلك بعد .. اما اختك فهي ابنة الرجل الذي عاملك بقسوة , ولا استطيع تجاهل ذلك
جيم : لكنها اختي التي أحبها كثيراً , ونفورك منها يضايقني
- هي ليست اختك يا جيم
الولد بعصبية : بلى اختي !!!
- حسناً إهدأ قليلاً , ودعني أريك بعض الفيديوهات عن طفولتك التي..
الصبي مقاطعاً بعصبية : يكفي فيديوهات وصور !! انت لن تقنعني بأن ذلك الطفل هو انا .. كما ان الخالة ديانا أرتني الكثير من العاب وملابس ابنكما الضائع , والتي لا تعنيني بشيء !!
إريك : لكنك بالفعل ابننا يا جاك .. الم تتذكّر البارحة ابن الجيران الذي كان صديقك وانت صغير , كما كلبه الذي كنت تحب ملاعبته؟
- لا , كنت أكذب عليكم لإسعادكم فقط.. لكني تعبت من مناداتكم لي امام الناس بإسم جاك .. فأنا جيم !! واريد العودة الى ابي وبيتي القديم
الأب بعصبية : ذلك المجرم السكّير ليس بوالدك !! وقد حكموا عليه بالمؤبد لقتله زوجته امامكما !! اما بيتك , فأقفلته الشرطة بسبب جريمته القذرة
الولد وهو يبكي : لا يهمّني كل هذا !! اريد العودة الى غرفتي القديمة , فأنا لا استطيع النوم هنا
- أتفضّل بيتك المليء بالجراثيم والقاذورات على غرفتك الجميلة ؟!
وهنا دخلت ديانا بعد ان سمعت شجارهما :
- ماذا يحصل ؟
زوجها بقهر : ابنك يريد العودة لبيته القديم ولذلك الحقير
الولد بعصبية : لا تتكلّم بالسوء عن ابي !!
إريك بحزم : انا والدك يا جاك !! عليك ان تستوعب ذلك , فأنت لم تعد صغيراً
فخرج الولد باكياً من غرفة المكتب , مُتجهاً الى حديقة المنزل ..
زوجته : إهدأ يا اريك .. الم تطلب منا الطبيبة النفسيّة عدم الضغط عليه بهذا الموضوع ؟
فأجابها بصوتٍ مُتهدّج : لم أعدّ أحتمل يا ديانا , اريد إستعادة ابني القديم ..فقد اشتقت لحبيبي جاك كثيراً
وانهار لأول مرّة باكياً , لتحضنه زوجته بحزنٍ وحنان ..
***
وصار الوقت عصراً ولم يعد الصبي بعد من الخارج !
وأخذ الوالدان يبحثان عنه بالجوار , لكنهما لم يجدناه .. فوضعا الطفلة بالسيارة , وصارا يتجوّلان بالأحياء القريبة بحثاً عنه .. وسألا الجيران ان كانوا رأوه يقود درّاجته الجديدة بالطرقات الفرعية..
فأخبرهما جارهم العجوز بأنه رآه يستقلّ الحافلة .. فعلما انه عائد الى بيته القديم , وذهبوا سريعاً الى هناك ..
وكان المنزل مغلقاً بالأشرطة الصفراء , لكنهما لاحظا الباب الخارجي مشقوقاً .. فدخلا الى هناك , ليجدا الطابق الأرضيّ فارغاً ..فسألا الطفلة :
- أتعرفين اين غرفة اخيك ؟
فأشارت الى القبو ..ونزلا الى هناك ليجداه نائماً في سريره القديم , فحمله والده ووضعه بالسيارة ..
لكن قبل ان يذهبوا , انتبهت الأم على اختفاء الطفلة ..فقالت :
- اين جوزفين ؟
زوجها : الم تكن بالسيارة قبل قليل ؟.. يا الهي ! هذا ما كان ينقصنا
ديانا : إبقى انت مع جاك , سأدخل المنزل للبحث عنها
وقبل خروجها من السيارة , رأت الطفلة تخرج سعيدة من المنزل وهي تحمل لعبتها القديمة ..
فاتجهت ديانا نحوها ووضعتها بالسيارة بجانب اخيها النائم .. وعادوا جميعاً الى بيتهم بعد ان اتفق الوالدان بعدم تذكير جيم بالماضي مجدداً , وتركه على راحته ..
***
وبعد اسابيع من الجلسات العلاجية مع الطبيبة النفسية التي زارها جيم واخته عدة مرات , إقترحت على الوالد معاملة الطفلة وكأنها إبنته ..
ورغم رفضه الداخلي للموضوع , الا انه تقبّل الأمر بعد ان أكّدت له الطبيبة أهمية ذلك لتقرّبه من ابنه وعودة الثقة بينهما من جديد بعد ان ابتعد جيم عنه الفترة الماضية
***
وفي أحد الأيام .. فاجأ اريك الولدين بهدايا والعاب , وقد سعد جيم كثيراً حين رأى فرحة اخته بلعبتها الجديدة .. كما أدمعت عيناه , حين رأى إريك يعانق الطفلة التي ركضت اليه لتشكره على الهدية ..وتأثّرت ديانا بحنان زوجها على الطفلة
وكانت هذه البداية لعلاقة جديدة نشأت بين الصغيرة جوزفين وإريك الذي اكتشف جمال صوتها الطفولي , فصار يعزف لها على البيانو لتغني امامه , مما أسعد جيم كثيراً الذي بدوره بدأ يتقرّب من والده , حيث قبل ملاعبته بكرة السلة , كما الذهاب معه برحلة الصيد ..
كما بدأ يساعد امه بإعداد الطعام بعد ان لاحظت براعته بالطبخ , بعد ان أخبرها برغبته بأن يصبح طباخاً ماهراً في المستقبل , ممّا قرّب المسافة بينهما ..
وهدأ التوتر بين افراد العائلة أخيراً , ليضجّ المنزل بضحكات الطفلين اللذين عانيا من طفولةٍ صعبة !
لكن مع هذا , ظلّ جيم يناديهما بالخالة ديانا والعم إريك ..وهما تعودا على ذلك , رغم الحسرة في قلبهما
***
وفي يوم .. قرأ إريك مقالاً عن ارتباط حاسة السمع والشمّ بالذاكرة , فبالنهاية ابنه كان بالرابعة حين خُطف وذاكرته البصريّة ضعيفة .. لذا اتفق مع زوجته على خطّة لتنشيط ذاكرة ابنه
***
وفي ظهر ذلك اليوم ..عاد جيم من المدرسة , ليتفاجأ بسماع أغنية لطالما ردّدها في غرفته بالقبو..
فدخل الصالة ليجد والده يعلّم كلماتها للطفلة , فسأل إريك :
- كنت اتساءل دوماً من اين سمعت هذه الأغنية , فوالدي لم يكن يسمح لنا بمشاهدة برامج الأطفال بالتلفاز
إريك : هذه الأغنية ألّفتها لك يوم ولادتك , وصرنا نغنيها سوياً حين كنت بعمر جوزفين قبل ان .. (وسكت)
جيم : قبل ان تخطفني جارتكم
فنظر الوالد اليه بدهشة : هل صدّقت الأمر الآن ؟!
لكنه لم يجيبه , بل أسرع الى غرفة ديانا بالطابق العلوي .. وحين اقترب منها , إشتمّ على الفور عطرها الجديد الذي أكثرت الرشّ منه
فقال بدهشة : عطرك !
ديانا : ما به ؟
جيم باستغراب : لقد شممّته من قبل !
- نعم هو عطري الذي كنت استخدمه في طفولتك , لكني توقفت عن شرائه بعد اختطافك .. واليوم قرّرت استخدامه من جديد .. هل تذكّرته ؟
فقال بعينين دامعتين : نعم , هذا عطر امي
فبكت ديانا : نعم جاك , نعم !! عطر امك .. انه عطري .. وأخيراً تذكّرتني
فارتمى بحضنها وهو يبكي : امي , اشتقت اليك كثيراً
بهذه اللحظات .. دخل اريك الغرفة ليجدهما يبكيان سوياً , فاقترب وحضنهما بعد ان علم بان ابنه تذكّرهما اخيراً ..
وهنا وقفت الطفلة تراقبهم عند الباب , فناداها إريك للإقتراب منه .. وحين فعلت , ضمّها مع عائلته ..
ثم قال اريك لإبنه :
- أحبك يا جاك .. أقصد جيم
الولد وهو يمسح دموعه : لا ناديني جاك يا ابي , وسأطلب من رفاقي بالمدرسة ان ينادوني به منذ الغد
الأب : حبيبي .. كم اشتقت اليك بنيّ
الولد : وانا .. سامحني لأنني لم أتذكّرك من قبل
الأب : لا عليك ..واريد ان أفرحك بأمرٍ ما
ابنه : ماهو ؟
الأب : سأضمّ اختك الى عائلتنا
زوجته بدهشة وفرح : أحقاً عزيزي , ستتبنّى الطفلة
فأجابها : نعم حبيتي
ابنه بسعادة : شكراً ابي !! لقد أسعدتني كثيراً
وحضنه بحنان ..
ثم قال الأب للطفلة : هل تريديني ان أكون والدك يا جوزفين ؟
فهزّت رأسها موافقة , ليقوم بحضنها ..ويبكي الجميع متأثّرين بهذه اللحظة العاطفية لعائلتهم الجديدة
***
بعد اسبوع .. قدم المحامي الى منزلهما ومعه اوراق التبني قائلاً :
- لقد وافق والدها على التنازل عنها , ووقّع الأوراق بالسجن .. واريدكما ان توقعا هنا كي تصبح جوزفين ابنتكما رسميّاً
وبعد التوقيع , قال لهما المحامي :
- بقيّ شيء .. ماهو تاريخ ميلادها ؟ لأدوّنه في الأوراق
فسأل اريك ابنه : أتذكر متى ولدت اختك ؟
جاك : لا ادري , فقد جاء ذلك الرجل الى بيتنا ومعه جوزفين بعمر السنة .. وأخبرتني مونيكا بأنها ابنة زوجها , وكنت حينها في السادسة !
الأب : ومالعمل ان كنّا لا ندري بأيّ شهرٍ ولدت ؟
المحامي : المشكلة انني لم أجد لها اوراقاً رسمية بمستشفيات التوليد , ويبدو ان امها ولدتها في المنزل !
ديانا : اذاً بأيّ تاريخ سنسجّلها ؟
وهنا قال جاك : لما لا تسجّلونها بنفس شهر ميلادي , وبذلك نحتفل سويّاً كل عام
ديانا : إقتراحٌ جميل يا جاك ..لنقمّ بذلك ايها المحامي
المحامي بابتسامة : كما تشاؤون
***
وبعد شهرين ..سأل الأب ابنه ..
- غداً هو عيد ميلادك انت واختك , فهل تريدان الإحتفال بالمول ؟
جاك : لا ابي , لنحتفل سويّاً بالمنزل
وفي ذلك المساء .. ضجّ بيتهم بالأقارب والأصدقاء الذين قدموا مع الكثير من الهدايا لحفلة الطفلين اللذين عانيا كثيراً في حياتهم الماضية , لكنهما يعيشان الآن بنعيمٍ وسعادة مع والدين محبّين
من هي عائلتي الحقيقية ؟!
لمح شاب ولداً في التاسعة يجلس في الحافلة , ومعه وجبة طعام لمطعمٍ لديه فرعٌ وحيد بالمنطقة وهو بعيد عن موقف الحافلات .. فاستغرب الشاب كيف لهذا الصغير ان يذهب وحده كل هذه المسافة !
وحين توقفت الحافلة , لحقه الشاب وهو يصوّره يقطع الشارعين العامّين الخطيرين قبل وصوله الى مجمّع المنازل الذي فيه بيته ذوّ الحديقة المهملة
ثم طرق الباب .. ليفتح له والده الذي أخذ منه الطعام بعصبية , بعد ان صفعه صارخاً :
- كم مرة أخبرتك بأن تأخذ المفاتيح معك ؟!! أكان عليّ ان أقطع برنامجي لأفتح لك الباب ايها اللعين !! عقاباً لك , لن تأكل شيئاً من هذه الوجبة
وهنا أطلّت الأم لتقول : دعه يدخل يا رجل , فهو أحضر طلبك .. هيا يا جيم , إذهب الى غرفتك
ودخل الولد مُنكسراً وحزيناً الى المنزل ..
فتمّتم الشاب الذي وقف بعيداً , بعد ان اطفأ كاميرا التصوير..
- اللعنة على هذا الأب القاسي ! الا يكفي انه أرسل ابنه الى مكانٍ بعيد مُعرّضاً حياته للخطر .. عليّ نشر الفيديو بوسائل التواصل الإجتماعي لربما يجدون حلاً لهذا الصغير المُعذّب
لكن لسوء حظ جيم , نسي الشاب نشر الفيديو لثلاثة اشهر ! عاش فيها الولد اياماً صعبة مع ابيه صعب المِراس
***
في صباح أحد الأيام .. اراد الشاب بيع جواله القديم , وأخذ يحذف فيديوهاته القديمة ..وحينها وجد فيديو جيم , وقرّر نشره بالإنترنت
وفي ذلك المساء .. شاهدته امرأة تعيش في الجهة الأخرى من المدينة , مما جعلها تقفز من سريرها وهي ترتعش بعد رؤية الصبي !
فأفاق زوجها الذي سألها بنعاس :
- ماذا هناك ؟!
فقالت والدموع على وجنتيها : أخيراً وجدت ابننا جاك !!!
فأجابها بحزن : ديانا ..الم تيأسي بعد من هذا الموضوع ؟! لقد مرّ خمس سنوات على اختفائه
فأرته الفيديو وهي تقول :
- أنظر بنفسك .. هذا ابننا جاك , انا متأكدة !! انظر الى الوحمة الحمراء على رقبته .. كما ان عمره يناسب عمر ابني
فقال إريك بدهشة , بعد ان رأى والدة جيم في الفيديو :
- لحظة ! اليست هذه جارتنا القديمة مونيكا ؟!
ديانا بحماس : وهذا بالضبط ما جعلني اتأكّد انه ابننا جاك .. فجارتنا كانت عقيمة
- الم تكن متواجدة بحفلة عيد ميلاد ابننا بالمول حين خُطف ؟!
زوجته بقهر وعصبية : نعم !! ومن بعدها تركت منطقتنا دون ان تودّعنا , ولم أكن أعرف ان الحقيرة خطفت ابني
إريك : علينا تبليغ الشرطة في الحال
***
وبالفعل !! وصل شرطيان الى بيت ذلك الرجل الذي قال لهما بلؤم:
- نحن لم نزعج احداً , فلما انتما هنا ؟
فقالت الشرطية : نريد رؤية ابنك
- هو الآن في المدرسة
الشرطي : سألنا جارك وقال بأن ابنك وابنتك لا يغادران المنزل الا نادراً
فالتزم الرجل الصمت ..
فعادت وسألته الشرطية : اين هي زوجتك ؟
لكنه لم يجب ايضاً , وظلّ معترضاً الباب..
فقال له الشرطي بحزم : من الأفضل ان تُدخلنا , والا اعتقلناك لعرقلة عملنا
فابتعد مُمتعضاً , ليدخلا الشرطيّن الى منزله المهمل حيث القاذورات وقناني الخمر الفارغة مرمية في كل مكان , كما امتلأ حوض مطبخه بالمواعين وبقايا الطعام ..
وهنا سمعت الشرطية صوت ولدٍ يدنّدن أغنية في القبو .. وحين نزلت الى هناك , وجدت الباب مقفلاً بمزلاج من الخارج !
ففتحته لتجد الولد جيم فوق سريره الصدىء , ورائحة الرطوبة العفنة تعبق بالمكان ..
فتقدمت منه بحذر , بعد ان رأت الرعب في عينيه..
- لا تخف عزيزي , أتينا لإنقاذك .. (ثم نظرت بأرجاء القبو الفارغ) ..لا أصدّق ان والدك يجعلك تنام هنا !
- هو ليس ابي , بل زوج امي ..
الشرطية : أحقاً ! وماذا عن أختك , اين هي ؟
- فوق بالعليّة
- تعال وأريني
وذهبا سوياً الى فوق , لتجد طفلة في الرابعة تنام فوق فراشٍ مبللّ بالفضلات ..
الشرطية : يا الهي ! أختك تحتاج الى إستحمام .. اين هي امك ؟
الصبي بحزن : ماتت
- أحقاً .. كيف ؟!
- بالمطرقة
الشرطية بدهشة : كيف يعني بالمطرقة ؟!
الولد بتردّد : كان ابي سكراناً الأسبوع الماضي , وحين تشاجرت معه .. ضربها على رأسها
الشرطية بقلق : أتقصد قتلها بالمطرقة ؟!
جيم وهو يمسح دموعه : نعم , ودفنها بالحديقة .. فأنا رأيته بعد ان أيقظني صراخهما .. ومن وقتها صار ابي يقفل عليّ الباب , كيّ لا أبلّغ عنه الشرطة
فنادت زميلها من اللاّسلكي , والذي كان يقف بجوار الأب في الطابق الأرضي .. قائلةً :
- إعتقله حالاً !! فقد قتل زوجته
وما ان سمع الأب ذلك , حتى حاول الهرب من المنزل ..
لكن الشرطي قفز فوقه , وثبّت يديه بالأغلال .. ثم رماه في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة ..
وقامت الشرطية بأخذ الولد وأخته الى المركز , بعد قدوم فرقة من التحقيقات الجنائية لتصوير مسرح الجريمة , ونبش تربة الحديقة الخلفية لإخراج جثة الزوجة التي لم تتحلّ كثيراً ..وكان واضحاً سبب الوفاة من الجرح العميق في جبهتها التي أحدثته المطرقة !
***
ولاحقاً أبلغت الشرطية ديانا وزوجها إريك بتطابق بصمات جيم مع ابنهما الضائع جاك (بعد ان كانت الشرطة احتفظت في ملفه : ببصماته المأخوذة عن لعبته التي وقعت منه بالمول لحظة إختطافه , قبل خمس سنوات)
فأسرعت امه ووالده الحقيقيّن الى المركز لاستلامه , وكلّهما شوق وحنين لرؤيته ..
وما ان رأياه , حتى حضناه وهما يبكيان بشدة .. بينما كان جيم مندهشاً من تصرّفهما الحنون اتجاه , فهو لم يرهما من قبل !
ثم أبتعد عنهما قائلاً :
- أظنكما مخطئان ..فإسمي جيم وليس جاك !
فقالت ديانا بقهر : بل انت حبيبي جاك .. ومونيكا هي جارتنا التي اختطفتك بعيد ميلادك الرابع , وحرمتنا منك
فردّ الصبي غاضباً : مونيكا هي امي وام اختي جوزفين !!
فسأل إريك الشرطية : ومن جوزفين ؟!
فأجابته : عرفنا بعد التحقيق مع زوج مونيكا إن الطفلة هي ابنته من زواجٍ سابق , لكن الصبي ليس ابنه
إريك بغضب : إذاً اعترف الحقير !!
الشرطية : هو قال بأنه تزوج مونيكا والولد معها , وأخبرته انه ابنها من طليقها السابق .. ولم يعرف بأنه اختطفته حتى أخبرناه بذلك
ديانا بعصبية : طبعاً , هي لن تخبره بأنها عقيمة .. الحقيرة !! جيد انها ماتت
فصرخ الولد غاضباً : لما انت سعيدة بموت امي ؟!!
الشرطية : الأفضل ان تأخذا الأمور برويّة , فهو لم يصدّقنا حين أريناه فيديو اختطافه من المول
الولد صارخاً : اريد العودة الى بيتي حالاً !!
إريك : ونحن سنعيدك الى بيتك يا جاك
- اسمي جيم !! الا تفهمان ؟!
ديانا : حسناً سنناديك جيم , وسنأخذك الى بيتٍ جميل فيه الكثير من الألعاب والحلويات
إريك : كما سنقوم بتسجيلك بالمدرسة عند انتهاء العطلة الصيفية
فهدأ الولد قليلاً : المدرسة ! لطالما حلمت بالذهاب اليها .. وماذا عن اختي جوزفين ؟
فنظرا الوالدان لبعضهما , ثم قالا : نأخذها معنا ايضاً
وقد رضيا بأخذ طفلة المجرم الى منزلهما , لأنهما يعلمان بأن ابنهما لن يقبل الذهاب من دونها .. وذلك بعد ان كتبا تعهّداً للشرطة بحسن معاملتها
***
وفي بيتهم الفخم .. قامت ديانا بتحميم الطفلين وإطعامهما .. ليناما في غرفة ابنها القديمة , بعد ان رفضت الطفلة الإبتعاد عن أخيها الذي كان يحميها دائماً من ضرب والدها السكّير .. لهذا بكت امه حين رأت الرضوض المنتشرة على كامل جسم ابنها
لكن ما كسر قلبها هو إصراره على مناداتها بالخالة ديانا ووالده بالسيد إريك ! الا ان زوجها طمّأنها بأنه سيتقبّلهما كعائلته الحقيقية مع الأيام
***
ومرّ الشهر الأول بسلام .. رغم بعض التصرّفات الغريبة من جيم الذي رفض هدية والده التي كانت عبارة عن ساعةٍ ثمينة .. وبرّرت الطبيبة النفسية ذلك بسبب عقاب والده القديم بربطه بالحبال , لذلك بات يكره أيّ شيء يقيّد يديه .. كما كان يصرّ على النوم وبابه مفتوح وأنوار غرفته مضاءة , رغم محاولتهما إقناعه بأن الأمر ليس صحيّاً , لكنهما تفهّما ايضاً خوف الطفلين من الظلام .. كما كان يرتعب كثيراً من البرد , حيث تعوّد الرجل القاسي على رميه خارج المنزل في الجوّ العاصف عند مخالفته الأوامر .. لهذا داوم الوالدان على أخذه هو واخته الى جلساتٍ علاجية نفسيّة مكثّفة خاصة بالأطفال
***
لاحقاً إنشغل جيم واخته بأخذ دروسٍ خاصة , تحضيراً لدخولهما المدرسة التي ستبدأ بعد اسابيع .. بعد ان قبلت إدارة المدرسة بتسجيل جيم بالصف الأول رغم فارق العمر بينه وبين اصدقائه , بسبب ظروفه الإستثنائية ..
ولم يمضي وقتٌ طويل حتى اندمج بالجوّ الدراسي , وأصبح لديه الكثير من الأصدقاء .. كما أبدعت اخته بالروضة بسبب مشاركاتها الغنائية بالصفّ
***
ورغم سعادة جيم بالمعاملة الحسنة التي يتلقّاها من عائلته الجديدة (على حسب قوله) الا انه لاحظ تجاهل السيد إريك لأخته الصغيرة , حيث كان يتجنّب اللعب معها او مكالمتها , بعكسه تماماً !
وفي يوم دخل مكتبه ليخبره بامتعاضه عن التفرقة بينه وبين اخته..
فردّ إريك : انا أعاملك جيداً لأنك ابني الحقيقي , حتى لوّ لم تصدّق ذلك بعد .. اما اختك فهي ابنة الرجل الذي عاملك بقسوة , ولا استطيع تجاهل ذلك
جيم : لكنها اختي التي أحبها كثيراً , ونفورك منها يضايقني
- هي ليست اختك يا جيم
الولد بعصبية : بلى اختي !!!
- حسناً إهدأ قليلاً , ودعني أريك بعض الفيديوهات عن طفولتك التي..
الصبي مقاطعاً بعصبية : يكفي فيديوهات وصور !! انت لن تقنعني بأن ذلك الطفل هو انا .. كما ان الخالة ديانا أرتني الكثير من العاب وملابس ابنكما الضائع , والتي لا تعنيني بشيء !!
إريك : لكنك بالفعل ابننا يا جاك .. الم تتذكّر البارحة ابن الجيران الذي كان صديقك وانت صغير , كما كلبه الذي كنت تحب ملاعبته؟
- لا , كنت أكذب عليكم لإسعادكم فقط.. لكني تعبت من مناداتكم لي امام الناس بإسم جاك .. فأنا جيم !! واريد العودة الى ابي وبيتي القديم
الأب بعصبية : ذلك المجرم السكّير ليس بوالدك !! وقد حكموا عليه بالمؤبد لقتله زوجته امامكما !! اما بيتك , فأقفلته الشرطة بسبب جريمته القذرة
الولد وهو يبكي : لا يهمّني كل هذا !! اريد العودة الى غرفتي القديمة , فأنا لا استطيع النوم هنا
- أتفضّل بيتك المليء بالجراثيم والقاذورات على غرفتك الجميلة ؟!
وهنا دخلت ديانا بعد ان سمعت شجارهما :
- ماذا يحصل ؟
زوجها بقهر : ابنك يريد العودة لبيته القديم ولذلك الحقير
الولد بعصبية : لا تتكلّم بالسوء عن ابي !!
إريك بحزم : انا والدك يا جاك !! عليك ان تستوعب ذلك , فأنت لم تعد صغيراً
فخرج الولد باكياً من غرفة المكتب , مُتجهاً الى حديقة المنزل ..
زوجته : إهدأ يا اريك .. الم تطلب منا الطبيبة النفسيّة عدم الضغط عليه بهذا الموضوع ؟
فأجابها بصوتٍ مُتهدّج : لم أعدّ أحتمل يا ديانا , اريد إستعادة ابني القديم ..فقد اشتقت لحبيبي جاك كثيراً
وانهار لأول مرّة باكياً , لتحضنه زوجته بحزنٍ وحنان ..
***
وصار الوقت عصراً ولم يعد الصبي بعد من الخارج !
وأخذ الوالدان يبحثان عنه بالجوار , لكنهما لم يجدناه .. فوضعا الطفلة بالسيارة , وصارا يتجوّلان بالأحياء القريبة بحثاً عنه .. وسألا الجيران ان كانوا رأوه يقود درّاجته الجديدة بالطرقات الفرعية..
فأخبرهما جارهم العجوز بأنه رآه يستقلّ الحافلة .. فعلما انه عائد الى بيته القديم , وذهبوا سريعاً الى هناك ..
وكان المنزل مغلقاً بالأشرطة الصفراء , لكنهما لاحظا الباب الخارجي مشقوقاً .. فدخلا الى هناك , ليجدا الطابق الأرضيّ فارغاً ..فسألا الطفلة :
- أتعرفين اين غرفة اخيك ؟
فأشارت الى القبو ..ونزلا الى هناك ليجداه نائماً في سريره القديم , فحمله والده ووضعه بالسيارة ..
لكن قبل ان يذهبوا , انتبهت الأم على اختفاء الطفلة ..فقالت :
- اين جوزفين ؟
زوجها : الم تكن بالسيارة قبل قليل ؟.. يا الهي ! هذا ما كان ينقصنا
ديانا : إبقى انت مع جاك , سأدخل المنزل للبحث عنها
وقبل خروجها من السيارة , رأت الطفلة تخرج سعيدة من المنزل وهي تحمل لعبتها القديمة ..
فاتجهت ديانا نحوها ووضعتها بالسيارة بجانب اخيها النائم .. وعادوا جميعاً الى بيتهم بعد ان اتفق الوالدان بعدم تذكير جيم بالماضي مجدداً , وتركه على راحته ..
***
وبعد اسابيع من الجلسات العلاجية مع الطبيبة النفسية التي زارها جيم واخته عدة مرات , إقترحت على الوالد معاملة الطفلة وكأنها إبنته ..
ورغم رفضه الداخلي للموضوع , الا انه تقبّل الأمر بعد ان أكّدت له الطبيبة أهمية ذلك لتقرّبه من ابنه وعودة الثقة بينهما من جديد بعد ان ابتعد جيم عنه الفترة الماضية
***
وفي أحد الأيام .. فاجأ اريك الولدين بهدايا والعاب , وقد سعد جيم كثيراً حين رأى فرحة اخته بلعبتها الجديدة .. كما أدمعت عيناه , حين رأى إريك يعانق الطفلة التي ركضت اليه لتشكره على الهدية ..وتأثّرت ديانا بحنان زوجها على الطفلة
وكانت هذه البداية لعلاقة جديدة نشأت بين الصغيرة جوزفين وإريك الذي اكتشف جمال صوتها الطفولي , فصار يعزف لها على البيانو لتغني امامه , مما أسعد جيم كثيراً الذي بدوره بدأ يتقرّب من والده , حيث قبل ملاعبته بكرة السلة , كما الذهاب معه برحلة الصيد ..
كما بدأ يساعد امه بإعداد الطعام بعد ان لاحظت براعته بالطبخ , بعد ان أخبرها برغبته بأن يصبح طباخاً ماهراً في المستقبل , ممّا قرّب المسافة بينهما ..
وهدأ التوتر بين افراد العائلة أخيراً , ليضجّ المنزل بضحكات الطفلين اللذين عانيا من طفولةٍ صعبة !
لكن مع هذا , ظلّ جيم يناديهما بالخالة ديانا والعم إريك ..وهما تعودا على ذلك , رغم الحسرة في قلبهما
***
وفي يوم .. قرأ إريك مقالاً عن ارتباط حاسة السمع والشمّ بالذاكرة , فبالنهاية ابنه كان بالرابعة حين خُطف وذاكرته البصريّة ضعيفة .. لذا اتفق مع زوجته على خطّة لتنشيط ذاكرة ابنه
***
وفي ظهر ذلك اليوم ..عاد جيم من المدرسة , ليتفاجأ بسماع أغنية لطالما ردّدها في غرفته بالقبو..
فدخل الصالة ليجد والده يعلّم كلماتها للطفلة , فسأل إريك :
- كنت اتساءل دوماً من اين سمعت هذه الأغنية , فوالدي لم يكن يسمح لنا بمشاهدة برامج الأطفال بالتلفاز
إريك : هذه الأغنية ألّفتها لك يوم ولادتك , وصرنا نغنيها سوياً حين كنت بعمر جوزفين قبل ان .. (وسكت)
جيم : قبل ان تخطفني جارتكم
فنظر الوالد اليه بدهشة : هل صدّقت الأمر الآن ؟!
لكنه لم يجيبه , بل أسرع الى غرفة ديانا بالطابق العلوي .. وحين اقترب منها , إشتمّ على الفور عطرها الجديد الذي أكثرت الرشّ منه
فقال بدهشة : عطرك !
ديانا : ما به ؟
جيم باستغراب : لقد شممّته من قبل !
- نعم هو عطري الذي كنت استخدمه في طفولتك , لكني توقفت عن شرائه بعد اختطافك .. واليوم قرّرت استخدامه من جديد .. هل تذكّرته ؟
فقال بعينين دامعتين : نعم , هذا عطر امي
فبكت ديانا : نعم جاك , نعم !! عطر امك .. انه عطري .. وأخيراً تذكّرتني
فارتمى بحضنها وهو يبكي : امي , اشتقت اليك كثيراً
بهذه اللحظات .. دخل اريك الغرفة ليجدهما يبكيان سوياً , فاقترب وحضنهما بعد ان علم بان ابنه تذكّرهما اخيراً ..
وهنا وقفت الطفلة تراقبهم عند الباب , فناداها إريك للإقتراب منه .. وحين فعلت , ضمّها مع عائلته ..
ثم قال اريك لإبنه :
- أحبك يا جاك .. أقصد جيم
الولد وهو يمسح دموعه : لا ناديني جاك يا ابي , وسأطلب من رفاقي بالمدرسة ان ينادوني به منذ الغد
الأب : حبيبي .. كم اشتقت اليك بنيّ
الولد : وانا .. سامحني لأنني لم أتذكّرك من قبل
الأب : لا عليك ..واريد ان أفرحك بأمرٍ ما
ابنه : ماهو ؟
الأب : سأضمّ اختك الى عائلتنا
زوجته بدهشة وفرح : أحقاً عزيزي , ستتبنّى الطفلة
فأجابها : نعم حبيتي
ابنه بسعادة : شكراً ابي !! لقد أسعدتني كثيراً
وحضنه بحنان ..
ثم قال الأب للطفلة : هل تريديني ان أكون والدك يا جوزفين ؟
فهزّت رأسها موافقة , ليقوم بحضنها ..ويبكي الجميع متأثّرين بهذه اللحظة العاطفية لعائلتهم الجديدة
***
بعد اسبوع .. قدم المحامي الى منزلهما ومعه اوراق التبني قائلاً :
- لقد وافق والدها على التنازل عنها , ووقّع الأوراق بالسجن .. واريدكما ان توقعا هنا كي تصبح جوزفين ابنتكما رسميّاً
وبعد التوقيع , قال لهما المحامي :
- بقيّ شيء .. ماهو تاريخ ميلادها ؟ لأدوّنه في الأوراق
فسأل اريك ابنه : أتذكر متى ولدت اختك ؟
جاك : لا ادري , فقد جاء ذلك الرجل الى بيتنا ومعه جوزفين بعمر السنة .. وأخبرتني مونيكا بأنها ابنة زوجها , وكنت حينها في السادسة !
الأب : ومالعمل ان كنّا لا ندري بأيّ شهرٍ ولدت ؟
المحامي : المشكلة انني لم أجد لها اوراقاً رسمية بمستشفيات التوليد , ويبدو ان امها ولدتها في المنزل !
ديانا : اذاً بأيّ تاريخ سنسجّلها ؟
وهنا قال جاك : لما لا تسجّلونها بنفس شهر ميلادي , وبذلك نحتفل سويّاً كل عام
ديانا : إقتراحٌ جميل يا جاك ..لنقمّ بذلك ايها المحامي
المحامي بابتسامة : كما تشاؤون
***
وبعد شهرين ..سأل الأب ابنه ..
- غداً هو عيد ميلادك انت واختك , فهل تريدان الإحتفال بالمول ؟
جاك : لا ابي , لنحتفل سويّاً بالمنزل
وفي ذلك المساء .. ضجّ بيتهم بالأقارب والأصدقاء الذين قدموا مع الكثير من الهدايا لحفلة الطفلين اللذين عانيا كثيراً في حياتهم الماضية , لكنهما يعيشان الآن بنعيمٍ وسعادة مع والدين محبّين
واو لقد تأثرت بهاذه القصة
ردحذفأرجو أن أكون أول من يقرأها من بعدك يا أستاذا أمل.
للشخص الذي ارسل لي فكرة الرواية .. هذه صفحتي على الفيسبوك
ردحذفhttps://www.facebook.com/profile.php?id=100011737838326
بإسم Amanie Shalabi
ارسل طلب صداقة مع رسالة صغيرة بأنك صاحب الرواية .. بانتظارك