كتابة : امل شانوحة
الموهوبون الصغار
في حيٍّ شعبيّ في إيطاليا ..عاشت إيلينا الستينيّة وحدها في منزلٍ أرضيّ قريب من ملعب كرة القدم التابع لإحدى الأنديّة الرياضيّة ، التي عملت فيه ببيع الشطائر والمشروبات الباردة والحلوى لفِرق الأولاد المُشاركين بالنادي..
***
ذات صباح ، سمعت شجاراً بين ثمانية اولاد وحارس الملعب الذي رفض إدخالهم النادي ..
فلاعب أحدهم الكرة امامه ، وهو يقول :
- أنظر كيف أتحكّم بالكرة !! انا وأصدقائي لاعبين محترفين ، وعليك إدخالنا لنُري المدرّب براعتنا
فردّ الموظّف بنبرة تهديدٍ واستحقار : انتم فقراء ، ولا تملكون ثمن الإشتراك بالنادي ..لذا ابتعدوا من هنا ، قبل استخدامي العصا !!
فقال أحدهم بيأس : صدّقنا يا رجل .. يوماً ما سنصبح أفضل لاعبي إيطاليا ، فقط أعطنا فرصة واحدة لكيّ..
فقطع كلامه بهجومه عليهم بالعصا ، ليسارعوا بالهرب !
فلحقتهم العجوز دون أن يروها ، لتسمع كبيرهم يقول بحزن :
- يبدو علينا نسيان حلمنا يا اصدقاء
فردّ صاحبه بعصبية : هل جننت ؟!! أملنا الوحيد في الحياة هو الإحتراف والنجوميّة
- وكيف سنفعل ذلك ، ونحن لا نملك ثمن كرة جديدة ؟! اساساً اين سنتدرّب بعد طُردنا من شارع المحلاّت التجارية ، لخوفهم على واجهاتهم الزجاجيّة .. كما طُردنا من الحيّ الهادىء ، لأننا نوقظ المرضى والأطفال .. حتى الشارع العام ، وضعوا الحواجز لمشروع النفق السريع .. لا أحد سيقدّر موهبتنا لأننا فقراء ، علينا تقبّل ذلك
فنادتهم إيلينا وهي تجرّ عربتها بتعب :
- يا اولاد !! إقتربوا مني
- ليس معنا المال لشراء الحلوى يا خالة
إيلينا : اريد إخباركم شيئاً مهماً
وحين اقتربوا ، قالت لهم :
- سأدعكم تتدرّبون في حديقة منزلي الأرضيّ
الأولاد بدهشة : أحقاً !
إيلينا : صحيح ليس كبيراً لكنه بعيد عن بقيّة المنازل ، بذلك لن تزعجوا الجيران .. (ثم نظرت لكرتهم) .. ذكّروني أن أشتري لكم كرةً جديدة
- ولما تساعدينا يا خالة ؟!
إيلينا : لأني أعيش وحدي منذ سنواتٍ طويلة ، وسيكون جميلاً سماع أولادٍ يلعبون في حديقة منزلي .. والآن ساعدوني بجرّ العربة ، لأني منذ الغد سأكون مدرّبة فريقكم
الأولاد بدهشة : أتريدين تكوين فريق ؟!
إيلينا : نعم بشرط !! كلما أدخلتم هدفاً ، عليكم الهتاف : ((لافيكيا سنيورا)) أيّ السيدة العجوز
فردّوا بابتسامة : كما تشائين يا خالة
إيلينا بحزم : لا تظنوا انني سأتساهل معكم لأني كبيرة في السن ، فأنا افهم جيداً بكرة القدم ..فوالدي كان مدرّباً محترفاً للشباب .. كما راقبت لسنواتٍ عديدة تدريبات الفرق بالملعب الكبير .. لهذا سأدرّبكم بقسّوة !! ومن يتقاعس منكم ، يُحرم من طعامي اللذيذ بالإضافة للحلوى المجانيّة
فضحكوا بسعادة ..
فأكملت قائلة : وحين تتقنون جميع التدريبات ، وتصبحون بارعين بتسجيل الأهداف ، حينها أسجّلكم بالنادي الرياضيّ
- لكنهم يحتاجون مالاً كثيراً !
إيلينا : أتركوا الموضوع لي .. وهآ نحن وصلنا المنزل !! اريدكم ان تساعدوني بإزالة بعض الأغراض من الحديقة ، لتوسيع ملعبكم
***
أمضى الأولاد الثمانية ساعتين في تنظيف حوش منزلها ..
وحين دخلت العجوز الى بيتها ، تهامس الأولاد فيما بينهم :
- أظنها تتلاعب بنا ، لتنظيف حديقتها بالمجّان !
فخرجت وهي تقول معاتبة :
- سمعتك يا ولد !!
وكانت تلبس زيّ رياضي قديم ، وهي تضع الصافرة في عنقها ..
فأضحكهم مظهرها .. فقالت مبتسمة :
- أتسخرون مني ؟
- من اين أتيت بهذه الملابس القديمة ؟
إيلينا : كانت لأبي المرحوم الذي حلم دائماً بإنجاب صبيّ وتدريبه ليصل لبطولة العالم .. لكنه لم ينجب غيري ، لهذا اريد تحقيق حلمه .. والآن دعونا نرسم حدود الملعب
- أهذا طبشور ؟!
إيلينا : بالطبع لن أفسد حديقتي بالدهان .. هيا ابدأوا برسم حدود المرميين
وبعد إنهائهم من رسم حدود الملعب .. سألها احدهم :
- متى تبدأ المباراة الأولى ؟
إيلينا : غداً ، اليوم تعبتم بما فيه الكفاية .. وأريدكم الحضور باكراً للقيام اولاً بتمارين الإحماء .. أمّا الآن ، فسندخل المنزل لتناول المعكرونة.. هيا بنا !!
وقد أسعدهم مذاق طعامها اللذيذ ، فمعظمهم من عائلاتٍ فقيرة بالكاد تجد قوت يومها !
وبعد الطعام ، أعطتهم الحلوى .. ليعودوا سعداء الى بيوتهم
***
في الصباح الباكر .. إستقبلتهم بفطورٍ صحيّ ، قبل بدء التمرينات (التي شاهدتها اثناء بيعها في مدرّجات الملعب على مدى سنوات)
ولم تتساهل معهم ! بل راقبتهم بدقّة وهي تحمل صافرتها ..وتأمرهم بتكرار التمرين ، لحين إتقانه تماماً ..
فقال أحدهم بإرهاق :
- رجاءً خالة إيلينا ، تعبتُ كثيراً
إيلينا بحزم : أتريد الإنضمام للنادي ام لا ؟
- بلى
إيلينا : اذاً عليك إنهاء تمارين الضغط 50 مرة ، كما يفعل اللاعبون الصغار المحترفون .. هيا إكمل العشرة المتبقية دون تذمّر .. ومن بعدها تركضون جميعاً حول منزلي 40 مرة
- 40 مرة ! هذا كثير يا خالة
إيلينا : مدرّب فريق الأولاد يأمرهم بالدوران حول الملعب 20 مرة ، ومنزلي أصغر بكثير من الملعب .. ولا استطيع التساهل معكم اكثر من ذلك
- ومتى تبدأ المبارة ؟
إيلينا : بعد إنهاء تمارين الإحماء ، كيّ لا تصابوا بشدٍ عضليّ
***
بعد مرور ساعة من التمرينات المرهقة ، أخذت تراقبهم من داخل مطبخها بعد إطلاقها الصافرة لبدء المباراة (عقب تقسيمهم لفريقين) وهي تحمل ساعة التوقيت
وفي المباراة ، طبّق الأولاد ما اتفقوا عليه سابقاً .. فكل هدفٍ يدخلونه (من كلا الفريقين) عليهم التوقف امام نافذة مطبخها ..ورفع ايديهم نحوها ، وهم يهتفون بصوتٍ عالي :
- ((لافيكيا سنيورا)) !!
فترفع يدها معهم ، وهي فخورة ببراعتهم في تسديد الكرات !
لتنتهي المبارة الأولى بالتعادل هدفين لكلٍ منهما ..
***
ومضت الأيام .. والأولاد الثمانية يحضرون في موعدهم الصباحي لبدء تمارين الإحماء التي لم تعدّ تتعبهم ، بل تُحمّسهم لبدء المباراة الوديّة بينهم ، والتي تغيّرت نتيجتها مع كل مباراة ..
كما اعتادوا بنهاية اليوم على تناول الغداء معها ، والحصول على الحلوى المجانيّة قبل عودتهم بيوتهم
***
وفي أحد الأيام .. لم يأتي احدهم ، وأكملوا اللعب دونه !
وبعد رحيلهم ، رأته إيلينا يجلس خلف منزلها حزيناً .. فسألته عن غيابه؟
فردّ بقهر : منعتني أمي من زيارتك
إيلينا باستغراب : لماذا ؟!
- لأني أتعبها بغسل ملابسي الرياضيّة كل يوم ، كما أكلّفها ثمن مسحوق الغسيل وصابونة الإستحمام
إيلينا بحزم : أراك غداً في ملعبي ، مفهوم !!
- الم تسمعينني يا خالة ؟ نحن فقراء جداً
إيلينا : غداً بعد ذهاب اصحابك ، تستحمّ عندي .. وانا أغسل ملابسك ..فقط إحضر غياراً معك كل يوم
- لا اريد إتعابك !
إيلينا : اذاً لا تخذلني ، فأنت ورفاقك وعدّتموني بالوصول لبطولة العالم
فقال بارتياح : بأمرك سيدتي ، سأحضر غداً على الموعد
فابتسمت بفخر : أحسنت يا بطل !! إيّاك التخلّي عن حلمك ، مهما ضغطت عليك ظروف الحياة
***
واستمرّت التدريبات كل صباح ، مع إلتزام إيلينا بعملها كمدرّبة مُحترفة !
وفي ذلك العصر ..إجتمعت الأمهات في بيتها ، مطالبات بإزالة فكرة كرة القدم من رؤوس أبنائهن ..
إيلينا باستنكار : ولما أفعل ذلك ؟!
- لأنهم لن يحترفوا كما يحلمون ، فنحن فقراء معدمين
إيلينا : معظم مشاهير الكرة نشأوا في بيئةٍ فقيرة ، وكذلك اثرياء العالم
- اولئك محظوظين
إيلينا : بل اجتهدوا لتحقيق حلمهم ، وأبنائكن يملكون المهارة الكافية لدخول دوري المحترفين
فقالت أم بنبرة إستحقار : وما ادراك انت بهذه الأمور ؟
فردّت إيلينا بحزم : إن بقيت تحبطين ابنك ، فلن يكترث لك حين يصبح مليونيراً .. (ثم قالت للأمهات) .. الأفضل أن تدعمنّ اولادكن بدل إحباط حلمهم الوحيد بفوز إيطاليا ببطولة العالم
فسألتها أم : أتظنين بإمكانهم الوصول لدوري فرق الصغار ؟
إيلينا : صدّقوني سيصبحون من مشاهير الكرة ، فقط توقفن عن نقدهم وثقوا بهم قليلاً !!
فخرجنّ من بيتها وهن مختلفات الرأيّ بين إبقاء إبنائهنّ معها ام لا!
***
بعد سبعة شهور من التدريبات المتواصلة ، فاجأتهم إيلينا بإحضارها ملابس موحّدة للاعبيها الثمانية ، مطبوعاً على قمصانهم : ((فريق إيلينا))
فقفزوا فرحين لأنها المرة الأولى التي يحصلون فيها على زيِّ رياضيّ جديد ، مع أحذية مريحة .. فقالت لهم :
- إلبسوها فوراً !! لأننا ذاهبون الى النادي الرياضيّ ، بعد دفعي إشتراككم السنويّ
فسألها احدهم بدهشة : ومن اين حصلت على المال ؟!
إيلينا : بعت ذهب أمي
- هو ذكرى قيّمة لك ، فلما بعته ؟!
إيلينا : ليس لديّ أغلى منكم .. فالربّ لم يرزقني الأولاد ، لكنه رزقني بثماني احفادٍ محترفين
فحضنوها بامتنان ..
إيلينا : لا وقت لدينا للعواطف .. هيا إسرعوا بتجهيز أنفسكم ، فالمدرّب يريد إختباركم قبل تسجيلكم بفريقه .. وإيّاكم أن تخذلوني!!
- لن نفعل !!
***
توجّهوا جميعاً للنادي الوحيد بالمنطقة ، وهم يلبسون زيّهم الأزرق الموحّد.. ليقفوا مندهشين من ضخامة الملعب الذي يرونه لأول مرة من الداخل ، بعد موافقة الحارس على إدخالهم
لتبدأ على الفور الإمتحانات الدقيقة من المدرّب للاّعبين الجدّد ، حسب تسديهم للكرة والتمرير ، وكذلك حراسة المرمى
وبعد ساعتين .. أخبر المدرّب إيلينا عن موافقته لضمّ إثنين منهم لفريقه ، لتنتفضّ بعصبية :
- بل ستضمّهم جميعاً لفريقك !!
المدرّب : لا استطيع ! فقدراتهم متفاوتة
إيلينا : أنا أعرف قدراتهم جيداً ، ولن أسمح بتفريقهم عن بعضهم
فهمس الأولاد لها : لا بأس يا خالة أن يختار بعضاً منّا ، فهذا قراره
إيلينا بحزم : إمّا أن تحترفوا جميعاً او لا !! .. (ثم قالت للمدرّب) .. اريدهم أن يكونوا لاعبين اساسيين بفريقك ، وليس لاعبي إحتياط
فقال المدرّب : هذا سيكلّفك مبلغاً إضافيّاً
إيلينا : سأدفعه مقابل لعبهم جميعاً في مباراتك القادمة
المدرّب : المباراة القادمة حازمة ، فمن يفوز يتأهّل للعب بدوري الصغار
إيلينا بثقة : سينجحون لا تقلق ، فأحفادي لن يخذلوني ابداً
المدرّب : يالك من سيدة عنيدة ! حسناً إحضري المبلغ قبل نهاية الإسبوع ، وإلاّ سأختار اثنين فقط
***
بعد خروجهم من النادي ، سألوها بقلق :
- اين ستحضرين المبلغ الكبير ؟!
إيلينا : سأسافر غداً لقريتي لبيع ارض والدي
- رجاءً لا تبيعي املاكك لأجلنا !
إيلينا : سأبيع كل شيء في سبيل تحقيقكم حلمي بالفوز بكأس العالم ، كما وعدتموني.. ما بكم تنظرون لبعضكم هكذا ! ألن تنفّذوا اتفاقنا؟
- بل سنصل للعالميّة ، لكن الأمر يحتاج لسنوات .. فأصغرنا بالعاشرة وكبيرنا في 13 من عمره !
إيلينا : وانا لست عجوزاً لهذه الدرجة ، سأظلّ حيّة لحين ظهوري في الصحف الدوليّة وانا أحمل كأس العالم
فقالوا بابتسامة : نعدك أن نحقّق حلمك يا خالة إيلينا
وحضنوها وهم يبكون إمتناناً لإيمانها الكبير بموهبتهم !
***
وبالفعل تمكّنت إيلينا من تسجيلهم معاً ضمن الفريق ، للعب ببطولة اليافعين .. حيث تمرّنوا مع مدرّبهم الجديد ، بالإضافة لتمرّيناتهم مع إيلينا في حوش منزلها في عطلة الإسبوع ..
***
لم تفوّت إيلينا مباراة واحدة اثناء صعودهم بدوري الصغار ، كما لم ينسى الثمانية الهتاف لها مع كل هدفٍ يسددّونه :
((لافيكيا سنيورا)) !!
وبدورها ترفع يدها لتحييهم من المدرّجات ، وهي فخورة بهم
***
وكما توقعت إيلينا ، حصلوا على كأس بطولة اليافعين بكل سهولة .. وبعد تصوّرهم معها وهي تحمل الكأس ، أخذوا يودّعونها بحزن
فسألتهم : أتظنون بهذا الكأس الصغير نفّذتم وعدكم لي ؟
- نحن ربحنا الدوري !
إيلينا : كنت اتفقت معكم منذ البداية على بطولة العالم
- لكننا سنفترق في عدة فرقٍ إيطاليّة ، ونحتاج عشر سنوات لنصل لبطولة الشباب !
إيلينا : لا تهمّني السنوات ، طالما بالنهاية ستجتمعون ضمن الفريق الوطني المُشارك ببطولة العالم .. (ثم حضنتهم) .. نصيحتي لكم : إيّاكم والغرور ، ولا تسمحوا للشهرة والمال أن تفرّقكم عن بعضكم
- نعدك بذلك ، بشرط اهتمامك بصحتك
إيلينا : لا تقلقوا ، لن اموت قبل تحقيق حلم والدي
***
ومرّت السنوات .. برع كل واحداً منهم في فريقه ، والذين اعتادوا على الهتاف بإسمها كلما أدخلوا هدفاً .. ليصبح هتاف ((لافيكيا سنيورا)) حديث الصحافة والجمهور !!
إلى أن تأهّلوا جميعاً لبطولة العالم ، بعد اختيارهم ضمن الفريق الوطني بسبب براعتهم في فرقهم المتعددة .. ماعدا شاب منهم ، لم يتم اختياره بعد إنخفاض مستواه إِثر إصابةٍ تعرّض لها سابقاً
وحين زارها الشباب السبعة لإخبارها بسفرهم القريب للخارج ، طلبت منهم الإتصال بصديقهم الثامن للقدوم الى منزلها ..
فوصل بعد ساعة .. ودخل بيتها عارجاً ، فصرخت في وجهه :
- إمشي جيداً يا ولد !!
- عُطبت ركبتي يا خالة
إيلينا (السبعينية) : انت تمثّل ذلك ، لأنك خائف من اللعب في الخارج
- لست بقوّة رفاقي لأصل للعالميّة
فصفعته بقوة ، وسط دهشة زملائه !
إيلينا بغضب : جميعكم مدينون لي !! ولن أسمح لأيٍّ منكم بالتخاذل عن وعده لي .. جميعكم ستلعبون معاً ، لترفعوا إسم إيطاليا عالياً ..
- لكن يا خالة ، المدرّب لم يختارني
ايلينا : اذاً على رفاقك إجباره بذلك
الجميع : وكيف !
إيلينا : هدّدوه بالإنسحاب من الفريق إن لم يضمّ صديقكم معكم
- وماذا عن إصابتي ؟
إيلينا : لطالما كنت بارعاً بالحراسة ، فكنّ مسؤولاً عن صدّ كرات الفرق الأخرى .. (ثم نزلت دمعتها) .. رجاءً لا تخذلوا جدّتكم إيلينا ، فقد لا تسنح لي فرصة أخرى لتحقيق حلم حياتي
- سنحاول يا خالة ، ولا تنسي مشاهدة مبارياتنا بالتلفاز
إيلينا : التلفاز ! بل سأراقبكم من المدرّجات ، فقد بعت ما تبقى من املاكي للسفر معكم ، بشرط أن لا تنسوا مع كل هدف ..
فأكملوا قائلين : نهتف لك !!
إيلينا بابتسامة : نعم ، اريد العالم أن يعرف من هي إيلينا العجوز
فحضنوها بسعادة
***
وبالفعل انضمّ صديقهم الثامن ، بكونه حارس إحتياط .. والذي شارك اخيراً رفاقه بعد وصولهم للدور الربع النهائي ، بعد إصابة حارسهم الأساسي .. ليُفاجئ الجمهور ومدرّبه ببراعته بصدّ الأهداف !
وبسبب هتافهم لإيلينا (التي شاركت فريقها فرحتهم من المدرّجات) أجرت الصحافة حواراً معها ، أخبرتهم فيه : عن ثقتها بمهارة صغارها الثمانية ، وبدورهم عبّروا عن إمتناتهم لدعمها المتواصل لهم ...
***
في المباراة النهائية ، أخفت إيلينا مرضها عن فريقها .. وجلست في مكانها المعتاد فوق مقاعد المدرّب .. وهذه المرة لبست الزيّ الرياضي القديم لوالدها ، بعد أن قاربت على تحقيق حلمه..
ووصلت المباراة الى ركلات الترجيح .. وبقيّ هدفٌ واحد : إن أدخلها الفريق المنافس ، خسرت إيطاليا البطولة .. وإن صدّها حارسهم ، ربحوا الكأس ..
فنادت إيلينا حارسها بعلوّ صوتها !! فتوقفت المباراة ، لحين ذهابه لمكانها القريب من الملعب .. لتهمس في اذنه :
- سيضع الكرة على اليسار ، فهو عسراويّ
- هل انت متأكدة يا خالة ؟!
إيلينا معاتبة : أتشكّ بكلامي يا ولد !
- حسنأ سأتوجّه يساراً .. فإن خسرنا ، لا تلومينني
إيلينا بثقة : لن نخسر .. فحلمي وحلم ابي ، أصبح بين يديك يا بطل!!
وبالفعل توجّهت الكرة بقوّة لليسار ، ليصدّها الحارس ببراعة !
لتعلن صافرة الحكم فوز إيطاليا ببطولة العالم ، لتتفاجأ إيلينا وفريقها بهتاف الجمهور بصوتٍ واحد :
- ((لافيكيا سنيورا)) !!!
بعد أن حقّقت العجوز حلم الشعب بأكمله !
***
بعد تتويجهم بالميدليّات الذهبيّة ، تصوّرت إيلينا مع فريقها التي عادت معه بالطائرة الخاصة الى إيطاليا .. لتُحمل على أكتاف المشجّعين بسبب دعمها لمواهب اللاعبين الثمانية منذ صغرهم ..
***
بعد إنتهاء الإحتفالات .. ذهب الشباب الثمانية معها الى المقبرة فور عودتهم من العاصمة .. وأعطوها الكأس ، لتضعه فوق قبر والدها .. ووقفوا خلفها ، ليسمعوها تقول له :
((ابي .. سمعتك يوماً تقول لأمي إنها خذلتك بإنجابها لي ، بدلاً من صبيّ يحقّق حلمك بالحصول على كأس العالم ..فهل انت راضي عني الآن ؟))
***
ثم توجّهوا معها الى بيتها الصغير .. لتجد اهالي الشباب الثمانية وأهالي حيّها الشعبيّ ، قد زيّنوا بيتها ورتّبوه خلال غيابها ! كشكرٍ على دعمها لأطفالهم الموهوبين ..
لتعيش إيلينا شهراً كاملاً من الإحتفالات المتتالية ، قبل أن تسوء حالتها الصحيّة ، وتُنقل للمستشفى !
فزارها الشباب الثمانية (الذين أصبحوا من مشاهير الكرة العالميّة)..
فسألتهم وهي تضع قناع الأكسجين :
- سمعت إن كل واحداً منكم حصل على عقد احتراف في الخارج
- هذا صحيح يا خالة ، وكلّه بفضلك
إيلينا : اذاً انتهى عملي معكم .. وآخر طلبٍ لي : أن تحوّلوا بيتي الصغير لملعب تدريب لأولاد الفقراء ، بشرط أن تدعموهم ماديّاً ومعنويّاً كما فعلت معكم
- هذا ما كنّا نخفيه عنك .. فقد خطّطنا لفتح نادي لدعم المواهب الصغيرة بالمناطق الفقيرة
إيلينا بفخر : لقد أحسنت تربيتكم بالفعل ، ويمكنني مقابلة روح والدي وانا مُعتزّه بإنجازي معكم .. تذكّروني دائماً يا أحفاديّ الأعزّاء
وكانت هذه آخر كلماتها ، قبل مفارقتها الحياة !
***
وفي عام 1897 .. تمّ إنشاء نادي يوفنتوس (جوفنتوس) الإيطاليّ بدعم مادي من المشاهير الثمانية .. بشعار السيدة العجوز ، تكريماً لروح الجدّة إيلينا !