الخميس، 3 مارس 2022

حبيب الغربة

كتابة : امل شانوحة 


 

الوفاء بالوعد 


اجواءٌ ربيعيّة دافئة .. نهرٌ متدفّق .. مناظر خلاّبة .. كل شيء جعله يركض بنشاط لممارسة رياضته الصباحيّة للحفاظ على رشاقته ، فهو مغني مشهور تميّز بوسامته وصوته الجبليّ المميز ، بالإضافة لغروره وعلاقاته المتعدّدة !


وكان متحمّساً في ذاك الصباح لاكتشاف جمال البلد الأوروبي الذي يزوره لأول مرة لتصوير فيديو لأغنيته الجديدة ..

 

وبعد ركضه لساعاتٍ متواصلة , توقف بعد أن أنهكه التعب .. فنظر للخلف ، ليتفاجأ بابتعاده مسافةً كبيرة عن الفندق ! كما انه نسيّ إحضار نقوده وجوّاله ! 

فقال بنفسه بامتعاض : ((كيف سأعود الآن ، وبالكاد أقف على قدميّ))


فحاول الرجوع بخطواتٍ ثقيلة وهو ينهجّ بتعب .. وتمنّى لوّ احد المارّة يعطيه شربة ماء .. فهو رغم ثرائه الذي جمعه بسنٍ صغيرة ، إلاّ انه بتلك اللحظة شعر باليأس وبعض الخوف لعدم إتقانه لغة البلد .. كما إن كرامته منعته من شحذ الماء من الغرباء ..


وفي غمرة يأسه .. شاهد صبيّة تشرب الماء وهي متوجّهة نحوه ، والتي لاحظت تعبه وإرهاقه .. فاقتربت منه وهي تسأله بلغته : 

- أتريد الماء ؟

فسألها بارتياح :

- انت عربيّة ؟

- نعم ومن بلدك .. إشربها كلّها ، فأنت تبدو متعباً

ومن شدّة عطشه شرب القارورة دفعةً واحدة..

- يا الهي ! كدّتُ اموت من العطش


الصبيّة : هل سيارتك قريبة ؟ 

- لا ، سيارتي المُستأجرة مازالت في موقف الفندق الذي لا أذكر اسمه!

- أرني ساعتك الرياضيّة ..


وبعد رؤيتها المسافة التي قطعها ، قالت باستغراب :

- مشيت 5 كيلو ! مسافةً طويلة .. اذاً اكيد حجزت بالفندق الفلاني ، فهو الأقرب للنهر ..

المغني : أبهرتني المناظر الخلاّبة 

- كان عليك توفير طاقتك للعودة من حيث اتيت 

المغني : هذا خطأي

- اذاً دعني أعيدك للفندق ، فسيارتي قريبة من هنا

- لا اريد إزعاجك

الصبيّة بابتسامة : نريد خدمة لفنّاننا الكبير ، هيا بنا

***


في السيارة ، قالت له :

- لن ادير جهاز التكييف ، كيّ لا تصاب بنزلة برد 

- أشعر بالحرج من ملابسي المبلولة 

- لا بأس ، سأنظّف السيارة لاحقاً .. هل جوّالك معك ؟

المغني : تركته في غرفة الفندق

فنصحته قائلة : لا تخرج ثانيةً دون جوّال ، فالأجانب لا يساعدون احداً ..

***


في الطريق ، تأخّر وصولهما للفندق بسبب شرطة المرور .. فقال لها بضيق : 

- عليّ الإتصال بمدير اعمالي ، فهو ينتظرني للذهاب معه الى مكان تصوير الأغنية.. والمشكلة انني لا اذكر رقمه ، او رقم مكتب الإستقبال للوصول لغرفته ..

- حسناً سأبحث بجوجل عن رقم الفندق 


وبعد أن وجدته ، أعطته جوّالها وهي تقول :

- فقط إضغط هنا ، لتكلّم مع إدارة الفندق

- لا أعرف لغتهم 

الصبيّة : يا رجل ! جيد انني وجدتك ، وإلاّ لكانوا اختطفوك بسبب.. 

- غبائي

- بل لسوء حظّك .. دعني أحدّث موظّف الإستقبال ، ما اسم مدير اعمالك ؟


وبعد أن أخبرها ، أوصلها الموظّف بغرفة صديقه .. ثم أعطته الجوّال ليقول لمدير اعماله : 

((أعرف انني تأخّرت ، هآ انا قادم .. لا ، لن استطيع الذهاب مباشرةً لموقع التصوير .. سأستحم اولاً ثم انام ساعتين ، فقدمايّ تؤلماني جداً .. سأذهب الى هناك عصراً .. إعتذر من فريق التصوير بالنيابة عني .. سأكون بالفندق بعد قليل ، سلام))

***


بعد إيصاله للفندق ، نزل من سيارتها مسرعاً .. فوضعت أصبعيها على أذنها وفمها (بإشارةٍ ليعيد جوّالها الذي مازال بيده) .. فظنّ انها تطلب التواصل معه .. فقال لها :

- سأتصل بك قبل نومي

فردّت غاضبة : 

- أتظنني إحدى فتيات الفندق !.. أعطني جوّالي !!


فأعاده إليها ، وهو يعتذر عن سوء التفاهم الذي حصل ! 

فأسرعت بالعودة للطريق العام ، وهي مازالت غاضبة من سوء ظنّه بها !

فشعر بخطئه ، لكنه كان مستعجلاً لمتابعة جدول اعماله المزدحم 

***


في الصباح التالي .. سمع المغني طرقاً على باب غرفته ! ليجد الصبيّة تعطيه ساعته المخصّصة للرياضيين ، وهي تقول بوجهٍ مُتجهّم :

- نسيتها في سيارتي 

- آه ! كنت ابحث عنها 


وبعد ان أعطته إيّاها ، توجهت للمصعد للخروج من الفندق .. فأسرع بإيقافها :

- لحظة !! اريد شكرك عن البارحة

- شكرتني بطريقتك المستفزّة

المغني : لم أقصد ما فهمته ! كنت أعني انني أنهي اعمالي مساءً ، وحينها أتصل بك .. اساساً لم ارك من الفتيات الرخيصات ، ولا ادري لما خطرت ببالك هذه الفكرة ؟!

- لأنك معروف بزير النساء ..

- توقفي رجاءً.. سافرت الى هنا للعمل ، ولا وقت لديّ لتلك التفاهات 


الصبيّة بلؤم : إذاً حلّلنا سوء التفاهم .. إبتعد عن المصعد ، لأذهب في حال سبيلي

- ليس قبل موافقتك على الفطور معي .. إختاري أيّ مطعمٍ تريدينه

- لا أحب الذهاب الى أماكن بعيدة مع رجلٍ غريب

المغني : اذاً لنفطر في صالة الفندق ؟

- حسناً ، كوب شايّ فقط

- إتفقنا .. هيا بنا

***


ونزلا للطابق السفليّ ، حيث يتواجد بوفيه مفتوح من الفطور الشهيّ ..وأصرّ بأن تأكل شيئاً ..


وبعد جلوسهما على الطاولة ، قالت ممازحة :

- إن اكلت ما في صحنك ، ستُعيد الوزن الذي خسرته البارحة

المغني : آه صحيح ، لم أنتبه .. اذاً سآكل التوست الأسمر والبيض المسلوق فقط


وأخذا يتحدثان عن احلامهما ودراستهما وطفولتهما ، والأوضاع الراهنة في بلدهما .. 

وبدورها أخبرته عن غربتها بعد موت والديها في الحرب ، وعيشها سنتين في منزل عمها ، قبل عملها كمعلمة للإهتمام بأخويها الّلذين تزوجا منذ سنوات ، لتبقى وحيدة في منزلها القريب من النهر ..

 

المغني : ولما لم تعودي للوطن يا نوال ؟

- اخوايّ يعيشان هنا ، ولا استطيع تركهما

- وماذا لوّ طلب زوجك أن تسافري معه ؟

نوال : أظنني كبرت على الزواج ، فأنا بأواخر الثلاثينات 

- لا تفكّري هكذا ، فالنصيب لا يعرف عمراً محددّاً.. (ثم نظر من النافذة) .. ما رأيك لوّ نتمشى قليلاً امام النهر ؟

- يبدو أعجبك منظره ؟ 

المغني : كثيراً ، وأفضّل الذهاب معك كيّ لا أتوه مجدّداً 


نوال : الست مشغولاً بعملك ؟

المغني : أنهينا التصوير البارحة  

نوال وهي تُخفي قلقها : أيعني هذا انك ستعود للوطن ؟

- بعد اسبوع .. والآن لنذهب ، فالجوّ جميلٌ بالخارج

***


وخلال الإسبوع .. تحدّثا بالجوّال كلما سنحت لهما الفرصة ، والتقيا عند النهر لمشاهدة الغروب معاً .. ومع الوقت شعرا بتشابه ظروف حياتهما ، وطريقة تفكيرهما وشخصياتهما المتقاربة .. 


وفي اليوم الأخير .. سألها إن كان باستطاعتها تحمّل حياة المغني الضاغطة وعمله المستمرّ وسفره الدائم للحفلات ، وقلّة تواجده في المنزل في حال رغب الزواج بها .. فوافقت ، بشرط عدم خيانته لها ..فقرّر تمديد سفره لمقابلة عمها وأخويها لخطبتها .. 

***


في الموعد المحدّد .. جهّزت نوال نفسها وهي في قمّة السعادة لتحقّق حلمها ، فهو مغنّيها المفضّل التي تابعته منذ بداية مشواره (دون إخباره بذلك)...لكنه صدمها بعدم حضوره الّلقاء المتفق عليه! 


وحين اتصلت بالفندق ، أخبروها بسفره المفاجىء .. ليتحطّم أملها بعد أن أحرجها امام عائلتها ..

***


بعد ايام .. ارسل رسالةً خطيّة تقول :

((أعتذر منك ، كان عليّ السفر في الحال .. فوالد حبيبتي السابقة أخبرني إن ابنته أخفت حملها عنّي ، وانها على وشك الولادة.. فأردّت التواجد في المستشفى ، لإجراء فحص الأبوّة .. واليوم ظهرت النتيجة .. ولست نذلاً يا نوال للتخلّي عن طفلتي .. سأتزوج امها رغم إنتهاء مشاعري نحوها ، لكن لا اريد لإبنتي أن تكبر دون والديها .. آسف ، لا استطيع الإيفاء بوعدي .. أتمنى أن تجدي عريساً أفضل مني .. سامحيني))

وجاء الخبر صادماً لها ! ولم تستطع يوماً تجاوزه

***


بعد سنوات .. عرفت من الإنترنت إن المغني طلّق زوجته ولديه طفلتين ، وإنها طلبت الإنفصال بسبب خياناته المتعدّدة .. فحمدت ربها انها لم تتزوجه ، وحاولت المضيّ بحياتها بإشغال نفسها بالعمل

***


بعد شهور من طلاق الفنّان ، وقف امام النهر الأوروبي في المكان ذاته الذي التقى فيه نوال .. دون أن يعلم إنها تجلس خلفه على مقاعد الحديقة إلاّ بعد رميها حجرةً صغيرة على رأسه !

وحين التفت ، قالت له بحنق :

- ثماني سنوات وأربعة اشهر ويومين .. أتريدني أن اخبرك ايضاً بالساعات التي مرّت على يوم خذلانك لي ؟ 


فجلس امامها ، وعيونه تدمع من الحنين :

- واخيراً وجدتك يا نوال .. أتدرين انني سافرت الى هنا عدة مرات ، لأقف كل يوم بنفس المكان على أمل ان اراك ..فأنا مازلت اذكر إن منزلك قريب من هنا

نوال : كنت ارسلت لك عنوان منزل عمي سابقاً  

- لم تصلني الرسالة !

- آه صحيح ، ارسلتها للفندق .. كيف حالك ؟

المغني : حزينٌ جداً


نوال : هل بناتك مع امهما ؟

- نعم 

- ما كان عليك خيانتها 

المغني :الرجل لا يخون حبيبته

- الم تكن تحب طليقتك ؟

- كنت في الماضي ، وانفصلت عنها بسبب مشاكلها الكثيرة التي ازدادت بعد الزواج 

نوال : يعني لوّ كنا تزوجنا انا وانت ..

- لما خنتك ابداً .. فانت تشبهينني بكل شيء

- إلاّ علاقاتك المتعدّدة 


فتنهّد المغني بضيق : انا ايضاً كنت مخلصاً مثلك ، لكن كثرة صدماتي العاطفية جعلتني غير مبالي بمشاعر المعجبات .. اما انت ، فمازلت اشعر بالذنب اتجاهك .. رجاءً إخبريني انك لم تتعرّفي على احدٍ غيري

- لا تقلق ، فبسببك كرهت كل الرجال  

المغني بارتياح : ممتاز !! 

نوال باستغراب : أيسعدك هذا ؟!

- نعم ، فأنا أنوي جبر خاطرك .. والآن أعطيني عنوان عمك ثانيةً؟ 

- لا ، هذه المرة سآخذك اليه بنفسي .. فأنا لا أثق بوعودك


المغني : أتقصدين الآن ؟!

- هل انت متردّد بشأن..

مقاطعاً : لا ابداً .. (ثم وقف وهو يقول بحماس) .. دعينا نذهب !! لكن لنمرّ اولاً على محل مجوهرات لشراء الخواتم قبل ذهابنا اليه 

نوال بابتسامة : بدأت تعجبني 

***


فور إعلان الفنان زواجه من سيدة خارج الوسط الفنّي ، حتى أرسلت طليقته إبنتيه بحجّة إكمال دراستها ! بنيّة هدم زواجه من شدّة غيرتها ..

 

لكن نوال تقبّلت الأمر ..وأخبرته انها على استعداد للعيش مع بناته ، فهي معلمة ابتدائي ولديها خبرة بتربية الأطفال والتعامل معهم


وبالفعل تزوجا بحفلةٍ عائليّة .. وعاشا حياةً سعيدة مع ابنتيه ، ومع طفله الذي أنجباه بعد عام .. ولأول مرة تخلّى المغني عن الكثير من عاداته السيئة ، بعد أن أغرقته نوال بحبها وحنانها الّلذان يشبهان كلمات اغانيه المشهورة .. ليتربّع على عرش الموسيقى بعد تلقيبه : بملك الرومنسيّة دون منازع !  


هناك تعليقان (2):

  1. حادثة المغني ورغبته بشرب الماء في الغربة حصلت مع مغني لبناني ، فأردّت تحويلها لقصةٍ رومنسيّة

    ردحذف

لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...