الخميس، 27 يوليو 2017

روحٌ عالقة

تأليف : امل شانوحة


روبوت,جنود,آلي,اسرار
لماذا انا مُختلفة ؟!

وبينما هي تُرتّب أغراضها للأنتقال الى بيتهم الجديد , وجدت صور تخرّجها من الجامعة .. و هنا لفت نظرها شيءٌ غريب ! 
- كيف لم الاحظ هذا الأمر من قبل ؟!

وفي الصالة كان يجلس والدها العجوز , فاقتربت منه وهي تحمل صورتها , وقالت له باستغراب :
- ابي ! انظر الى صورتي في يوم التخرّج

وبعد ان نظر الى الصورة , قال مبتسماً :
- كم كنت فخوراً بك يومها يا جاكلين 
- ليس هذا ما قصدّته .. انظر جيداً الى شكلي في الصورة !
الأب : كنت جميلة و مازلت الى الآن , فما الأمر يا ابنتي ؟
- ابي !! شكلي ما زال كما هو منذ عشرين سنة ! كيف يُعقل هذا ؟!  

فحاول الأب تغير الموضوع وقد بدى على وجه علامات الأرتباك , لكن ابنته اصرّت أن تعرف ما يُخبئه عنها 

جاكلين بحزم : ابي كفّ عن اللفّ و الدوران واخبرني مالعلّة التي في جسمي ؟!! فأنا لا أكبُر ابداً , وجسدي لا يهرم ولا يصيبني التعب , ولا يوجد في رأسي شعرةٌ واحدة بيضاء رغم انني تجاوزت الأربعين ! ولا اذكر انني عانيت من ايّ مرض او حتى خدشٌ بسيط  منذ سنواتٍ عدّة .. كما لما تصرّ دائماً على الإنتقال معك من منطقةٍ الى اخرى واحياناً من ولاية الى ولاية كل خمس سنوات تقريباً , بل وتجبرني على قطع علاقاتي بأصدقائي القدامى وزملائي في العمل .. ما الموضوع يا ابي ؟

الأب بتردّد : لم اكن انوي اخبارك , لكني كنت متأكّد بأن هذا اليوم سيأتي لا محال .. جاكلين حبيبتي .. انت امرأة آليّة 
جاكلين بصدمة : آلية ! اتقصد انني روبوت ؟!
الأب بحزن : نعم , للأسف
جاكلين : لا هذا غير صحيح !! اتذكر يوم الحادث الذي توفيت فيه والدتي عندما كانت تقلّني الى المدرسة , حينها نزفت كثيراً .. فكيف يعقل ان ..

الأب مقاطعاً : نعم .. حينها كنت بشرية , وتوقف قلبك لكن عقلك بقيّ سليماً .. وانا كنت اعمل تقنياً في شركة حكومية سرّية تصنع روبوتات بشرية لأعمالٍ عسكرية , وحينما ماتت امك بينما كنت انت تحتضرين ذهبت الى مديري ورجوته باكياً ان يخضعك لهذه التجربة , ولا ادري كيف تمكنوا من أخذ جسمك من المستشفى الى مختبراتهم , ومن ثم وضعوا عقلك داخل جسد امرأةٍ شابة 
جاكلين مقاطعة وبدهشةٍ كبيرة : الهذا لا اذكر اين ذهبت العشر سنوات من عمري ؟
- نعم , لأن الشركة لم تكن تملك سوى اجسادٍ حديدية لأشخاصٍ بالغين , وانا وقتها كذّبت عليك واخبرتك انك قضيت تلك السنوات في غيبوبة بعد الحادثة .. انا آسف يا ابنتي , لكني لم اردّ ان اخسرك كما خسرت والدتك 

وهي مازالت غاضبة منه : الهذا كنت تجبرني على التنقّل معك من منطقة الى اخرى كي لا يلاحظ أحد جسدي الذي لا يشيخ ابداً ؟
- ليس هذا فحسب , بل كان شرط مديري الأساسي لسماحه بتلك العملية هو ان تصبحي أحد جنود الدولة السرّيين
- اتعني كجاسوسةٍ امريكية ؟!
- شيءٌ من هذا القبيل , لكني هرّبتك من هناك بشقّ الأنفس ومن ثم انتقلنا الى ولايةٍ جديدة 
بغضب : بل قلّ الى خمس ولاياتٍ مُختلفة !!
- ارجوك لا تغضبي مني , كنت مُضّطر لذلك كي احميك منهم

فسكتت جاكلين قليلاً ثم قالت : 
- رغم صدمتي الكبيرة بهذه الحقيقة المرعبة , لكن كلامك يدلّ على ان هناك اشخاص حول العالم يعانون من نفس مشكلتي
- ليس تماماً ..لأنهم بالعادة يحذفون ذاكرتهم القديمة , لكني قمت بالتلاعب في الكمبيوتر المسؤول عن هذه المهمّة وحميت ذاكرتك من النسيان .. ولهذا السبب اظلّ خائفٌ عليك طوال الوقت , فهم ان عرفوا انك عرفتي سرّ شركتهم فسيقتلوننا معاً , لأن هؤلاء الجنود الروبوتات يعتبرون ملفّاً حكومياً في غاية السرّية ولوّ انكشف امرهم للعالم ربما تحدث حربٌ عالمية ثالثة , هل فهمتي الآن لما لا اسمح لك بأن تصادقي أحداً , لا في عملك ولا حتى بوسائل التواصل الأجتماعي ؟

بحزن وخيبة امل : فهمت يا ابي .. لكن ماذا الآن ؟ كيف أكمل حياتي هكذا ؟ 
- اتقصدين حين اموت واتركك بمفردك ؟
- نعم .. فأنت تكبر كأيّ شخصٍ طبيعي , لكن روحي ستبقى محجوزة داخل قفصٍ حديدي , فماذا افعل لوحدي في هذه الدنيا ؟
الأب بحزن : بل الأسوء من ذلك انك لن تستطيعي الأنجاب كباقي النساء لأنهم ازالوا اعضائك الداخلية ..
ابنته مقاطعة بغضب : حسناً فهمت !! يعني انا الآن روحٌ بلا جسد .. شكراً جزيلاً لك 

فسكت الأب حزيناً .. فوقفت ابنته وهي تبكي بقهر :
- ليتك تركتني اموت مع امي , بدل هذه الحياة الكئيبة التي اخترتها لي .. سامحك الله يا ابي 

وذهبت الى غرفتها لتبكي بمرارة بعد ان أنهار عالمها التي كانت تعرفه امام عينيها
***

وبعد سبع سنوات توفي والدها , و عادت هي الى منطقتها التي ولدت فيها 
لكنها سكنت في منزلٍ بعيد عن الحيّ الذي كانت تعيش فيه سابقاً مع والديها , خوفاً من ان يعرفها احد من جيرانهم القدامى

وفي احد الأيام و بطريقها الى العمل في شركتها الجديدة , وقبل ان تقطع الشارع تفاجأت بصديقها (الذي كان معها بالجامعة) واقفاً بالقرب من الأشارة وهو منشغل بجواله .. لكن ما ان التقت عيناهما ببعض حتى تجمّدا في اماكنهما من شدّة الخوف , فهو ايضاً لم يُكبر بعد ! بل مازال يحتفظ بهيئة شابٍ في العشرين من عمره

وبعد ان استجمعت قواها اقتربت منه وسألته :
- الم تكن معي في الجامعة بالولاية المجاورة ؟
فهزّ رأسه موافقاً وهو مازال مرتبكاً 
جاكلين : وهل وجدت عملاً هنا ؟
فقال متلعثماً وهو يمسح عرقه : نعم .. لكن .. كيف يعقل هذا ؟!
فابتسمت واقتربت منه , وهمست في اذنه :
- يبدو انك ايضاً خضعت لتلك العملية الخطيرة , اليس كذلك ؟ 

- ظننت انني الوحيد الذي لم تُمحى ذاكرته من بين.. (وسكت خائفاً)
فأكملت عنه : الروبوتات
فأسكتها على الفور وهو يتلفّت يميناً ويساراً بقلق :
- اخفضي صوتك رجاءً
ثم امسكها من يدها وقال لها : لنجلس في مكانٍ لا يسمعنا فيه احد
***

وفي الحديقة العامة ...اخبر جاكلين بأنه ايضاً خضع لنفس تجربتها لكن الفرق بينهما انه تطوّع بنفسه لهذه العملية
جاكلين بدهشة : هل جننت ؟! من يريد ان يتحوّل لماكينة لا تهترىء ابدأ ؟
- انا , لأني ظننت حينها بأن الأمر مشوّق .. فأنا شابٌ مغامر اهوى القيام بكل شيءٍ خطير سواءً القفز بالمظلاّت و تسلّق الجبال والغوص في المحيطات , لذلك ارتأيت بأن الأمر سيكون اكثر اماناً في حال ضمنت بأن لا اصاب بحادثة تقضي على حياتي

- وكيف عرفت بشأن ذلك المختبر السرّي ؟
- كان اخي الكبير يعمل معهم 
- الهذا لم تفقد ذاكرتك مثل باقي الجنود المُسيطر عليهم من قبل المسؤولين ؟
- نعم , فقد وعدني اخي بذلك لأنه كان المسؤول عن عمليات التطهير كما يسمّونها , ولم يشكّوا به لأنهم لم يعرفوا اصلاً بأنه اخي 
- كيف هذا ؟ الم يطالبوك بأوراقك الرسمية ؟
- نعم لكنه اخي من امي , لذلك اسماء عائلاتنا يختلف
- آه فهمت .. لكن ما لا افهمه , كيف تركوك تعيش حياتك بحرّية ؟

- ومن قال هذا , انا مهدّدٌ بالموت منذ اللحظة التي هرّبني فيها اخي من ذلك الجحيم .. وهذه سابع منطقة اعيش فيها 
- وانا ايضاً اتنقّل من وقتٍ لآخر .. فكما اخبرتك قبل قليل , المرحوم والدي هو من هرّبني من مختبراتهم .. لكن عندي سؤال .. الم يضرّ هروبك بعمل اخيك ؟

فسكت قليلاً , ثم قال بحزن : لقد قتلوه يا جاكلين 
بخوف : قتلوه ! وهل يصل الأمر الى القتل ؟! 
- وهل ظننت بأنهم حين يقبضون علينا سيكتفون بمسح ذاكرتنا واخضاعنا لسلطتهم ؟
- نعم 
- لا طبعاً , سيقضون علينا خوفاً من ان يحدث اّي عطل في المستقبل يعيد الينا ذاكرتنا , فنحن بالنسبة لهم نماذجٌ فاشلة لابد من اتلافها
- لقد اخفتني الآن اكثر من السابق , طيب مالعمل الآن ؟ 

- ما رأيك ان نبقى سويّاً ؟ 
- وماذا نفعل ؟
- تعيشين معي روح المغامرة , و نسافر من بلدٍ لآخر ونجرّب كل المخاطر , فنحن بالنهاية لن نصاب بأذى .. ولا تهتمي بشأن المال , فأنا من عائلة غنيّة وقد ورثت الكثير عن اهلي .. فما رأيك ؟
- والى متى يا آدم ؟
بحزن : الى ان يصدىء معدننا المزروع تحت جلودنا المزيّفة
فتبتسم بحزن : لكني لا اقبل ان اسافر معك بصفتي صديقة وحسب 

فابتسم قائلاً : كنت خائفاً ان اعرض عليك الزواج , لكنك بكل الأحوال لن تجدي شخصاً يعيش معك الى الأبد افضل مني .. فهل تتزوجيني يا جاكلين ؟
تبتسم ساخرة : وهل لديّ خيارٌ آخر غيرك ؟ ... بالطبع اقبل 

وبعد ان تزوجا , تجولت جاكلين مع زوجها آدم في الكثير من الدول وجرّبا سويّاً جميع انواع الرياضة والمجازفات , ومازالا حتى الآن شابان يافعان يجوبان انحاء العالم 

الأحد، 23 يوليو 2017

الطفل الأخرس والمتشرّد

تأليف : امل شانوحة


طفل,اخرس,ابكم,معاق,عجوز,متشرّد,بخل
لقد جمعنا القدر !

- ارجوك امي خذيني معك .. اعدك بأن لا اشاغب 
((قالها الولد (ذو العشر سنين) بحزن لأمه بلغة الإشارة فهو وُلِدَ اصمّ .. وبالرغم ان اصدقاء امه اقترحوا عليها اكثر من مرة أن تجري له عملية جراحية تساعده على السمع الا انها رفضت ان يتدخّل أحدٌ بحياتها , فهي كانت معروفة لدى الجميع ببخلها و حرصها الشديد على المال , ولهذا لم تُقدّم الكثير لأبنها الصغير الذي اعتادت ان تتعامل معه بلغة الإشارة والتي تعلّمها في مدرسته الحكومية المجّانية لذويّ الإحتياجات الخاصة))

اجابته امه بغضب (مع تحريك يديها بلغة الإشارة) : 
-قلت لا يا جيم !! ستبقى في المنزل , لأني كلما اخذتك معي الى السوق تطالبني بالحلوى وتبكي كثيراً ان لم احضرها لك ..ولهذا سأذهب لوحدي وأحضر لك بسكويتاً رخيصاً ولا شيء غيره .. والآن سأخرج وأُقفل الباب , وسأحاول ان لا اتأخّر عليك 

وخرجت الأم تاركةً ابنها الأبكم يبكي بصمتٍ وقهر 
***

وكالعادة ذهبت الأم الى سوقٍ بعيدة عن الحيّ الذي تسكن فيه لأن بضائعه أرخص ثمناً .. 

وبعد ساعتين , خرجت من المحلّ التجاري .. 
وبينما كانت تضع اغراضها في صندوق سيارتها القديمة , تفاجأت بفوهة مسدسٍ بارد يلامس رقبتها
- لا تصدري صوتاً و الاّ افرغت المسدس في رأسك
وعندما استدارت رأت رجلاً مقنّعاً , فقالت بخوف :
- وماذا تريد مني ؟!
صرخ بها : هاتي الحقيبة !!

ولبُخلها قاومت اللّص بكل قوة خوفاً على بطاقاتها الإئتمانية 
فاضطر اللّص أن يركلها على قدمها بقوة .. لكنها استطاعت قبل ان تسقط على الأرض متألّمة ان تزيل القناع عن وجهه
فصرخ عليها بغضب :
- ماذا فعلتي يا غبية ؟!!
برعبٍ شديد : والله لم اقصد ..ارجوك لا تقتلني
- لم اكن انوي قتلك , لكن بعد ان رأيتي وجهي صار لابد ان اتخلّص منك , فأنا لا ارغب بالعودة مجدّداً الى السجن

فصارت تبكي وترجوه : 
- احلف لك بأنني لن أبلغ عنك الشرطة .. ارجوك دعني اعيش ..فقد حبست ابني الأخرس داخل المنزل , وان قتلتني سيموت جوعاً 
فقال اللّص بدون مبالاة :
- لتذهبي انت و إبنك الى الجحيم !!

ثم اطلق النار على رأسها لتسقط على جنبها جثةً هامدة .. و يسرع هو بركوب دراجته النارية وهو يُخفي حقيبتها داخل ملابسه .. ثم يفرّ هارباً
***

وحلّ الليل ...والأم لم تعدّ بعد الى المنزل ممّا اخاف ابنها كثيراً , وقد حاول جيم الخروج من المنزل لكن الباب كان مقفلاً بإحكام .. فاتصل برقم الجيران لكنهم لم يفهموا شيء من همّهماته , وأقفلوا الخط في وجهه لأنه بكل الأحوال لن يسمع جوابهم 
ولسوء حظه لم تترك امه الجوّال في المنزل كي يرسل منه رسالةً خطيّة الى ايّ شخص من معارفه او الى مركز الشرطة 
حتى ان طرقه على زجاج المنزل لم يسمعه أحد , لأن امه كانت مستأجرة أرخص البيوت لوجوده منعزلاً عن باقي منازل الجيران
***

وصار الوقت في منتصف الليل ..وبدأ جيم الصغير يتضوّر جوعاً , ولم يجد في الثلاجة سوى بعض الجبن و الخبز وخمس بيضات ولا شيء غيرهم , لأن أمه كانت تنوي احضار حاجيات البيت للأسبوع المقبل 

وقد نجح في تقليد امه بوضع البيض في المقلاة , لكن الطعم لم يكن لذيذاً لأنه لا يعرف نوع البهار المستعمل لتحسين النكهة , ومع هذا أكل البيض الشبه ناضج مُرغماً وعاد الى سريره على أمل ان تعود أمه في الصباح .. لكن للأسف هذا لم يحصل !
***

ومرّ يومان آخران ..دون ان يشعر أحد من الجيران بوجود الصغير لوحده في المنزل , وكان في عصر هذا اليوم قد أكل آخر بيضة وقطعة جبن وكسرة خبز موجودة في الثلاجة .. فبكى جيم بحزن وهو يكلّم نفسه :
- لابد ان امي هربت وتركتني لوحدي لأنني كنت اطالبها بالكثير من الحاجيات , لكن ماذا افعل ان كان جميع أصدقائي يملكون الهواتف النقّالة والألعاب الأكترونية ويلبسون دائماً ثياباً جديدة , كما يحضرون معهم الى المدرسة الكثير من الحلوى .. فما ذنبي ان احرم من كل هذه النِعم ؟!

ثم تذكّر ما قاله له صديقه بلغة الإشارة (فهو ايضاً ولد اصمّاً لكنه بدأ يسمع بعد العملية) :
- امك غنيّة يا جيم , فهي رئيسة ابي بالشركة وتملك الكثير من المال , فلما وضعتك معنا بهذه المدرسة الرخيصة ؟! ولما تحرمك من سماع الأصوات ؟ فأبي بالرغم انه موظفٌ بسيط الا انه جمع راتبه لعدة شهور كي يعمل لي العملية ..وهاهم وضعوا لي هذه السمّاعة التي جعلتني اسمع كل شيء , حتى انني بدأت انطق ببعض الكلمات البسيطة

-انت تكذب !! امي لا تملك ايّ المال.. نحن اناسٌ فقراء
- بل هي امرأة ثريّة يا جيم , لكنها بخيلة جداً لدرجة أنها طلقت والدك عندما خسر عمله , و رمت بجدك في دار المسنين الحكومية كي لا تصرف عليه.. الجميع يعرف ذلك !!
جيم بغضب (وبلغة الأشارة) : انت تكذب !!

وحينها حصلت بينهما مشاجرة عنيفة , عوقب على أثرها جيم من ادارة المدرسة وكذلك من امه التي لم تعرف ان سبب العراك كان دفاع ابنها عن سمعتها

ثم عاد جيم الى الواقع وهو مازال يبكي : هل حقاً امي بخيلة ؟! وهل تركتني هنا لأموت جوعاً خوفاً على مالها , اذا كان هذا الكلام صحيحاً فسأكرهها للأبد !! .. لكن اولاً اتمنى ان تعود الى المنزل , فأنا خائفٌ جداً لوحدي 
*** 

وفي اليوم التالي ..استيقظ جيم ظهراً وهو خائر القوى , ثم اقترب بتعب نحو النافذة ليراقب الشارع الذي كان خاليّاً من المارّة في الأيام الفائتة لكنه هذه المرّة لمح عجوزاً يبدو من هيئته انه رجلٌ مُشرّد وكان حينها ينظر حوله وكأنه يبحث عن شيءٍ ما , فأسرع الولد بالطرق على النافذة بكلتا يديه ليلفت انتباه .. وحينما رآه العجوز اقترب من النافذة وهو يقول :  
- مالذي تريده يا ولد ؟!

فأشار الولد نحو الباب ..
فقال العجوز : اذاً افتح لي الباب
فأشار الصغير بيده على انه مقفول
العجوز : مقفول ! طيب اين اهلك ؟

فأخبره جيم أنه لا يدري .. ثم طلب منه ان ينتظر قليلاً , واسرع الى غرفته واحضر دفتره , و كتب عليه هذه الجملة : 
((امي ذهبت منذ ايام الى السوق ولم تعدّ حتى الآن .. والباب مقفولٌ عليّ , ولا يوجد طعام في المنزل واكاد اموت جوعاً ..ارجوك ساعدني يا عم))

وما ان قرأ العجوز هذا الكلام , حتى اسرع بخلع الباب بكتفه بكل ما أوتيّ من قوة حتى كسره , فهو بالنهاية بيتٌ مهترىء و قديم
وما ان فتحه حتى ركض الصبي اليه بفرح وهو يقول له بلغة الإشارة : ((شكراً))

لكن الغريب ان العجوز فهم عليه , وسأله بلغة الإشارة :
- هل انت اخرس يا ولد ؟!
فتفاجأ جيم :
- وهل تفهم بلغة الإشارة يا عم ؟!
فأجابه ايضاً بالأشارة : نعم , فزوجتي كانت صمّاء و بكماء
- وانا ايضاً
- وهل ذهبت امك الى السوق الموجود بآخر الشارع , لأني مررتُ بجانبه قبل قليل ؟
- لا , امي بالعادة تذهب الى سوقٍ بعيد موجود قرب محطة بنزين عند مدخل المدينة.. هل عرفته ؟ 
- اظن ذلك ..حسناً البس حذائك , و دعنا نذهب الى هناك لنسأل عنها

- لكني جائع جداً يا عم 
- طيب معي بضعة دولارات اعطاني ايّاها البارحة احد السوّاح , سأشتري لك بها سندويشاً .. ثم نذهب لنسأل عن امك 
بقلق : و ان لم نجدها هناك ؟
- حينها نذهب الى الشرطة و نبلّغ عن اختفائها 
بحزن : وهل تظن انه حدث لها مكروه ؟
- الم تقل انها غائبة منذ ايام ؟
- نعم , منذ الأربعاء الفائت
- يعني خمسة ايام ! المهم لنذهب ونسأل , وعسى ان تكون امك بخير

وبينما يلبس جيم حذائه كان العجوز يكلّم نفسه (مُخفياً قلقه) :
((اتمنى بالفعل ان يكون هناك عائقاً قسري منعها من العودة لأبنها , و الاّ والله سأقوم باللازم لأحبس هذه الأم المُهمِلة))
***

ووصلا اخيراً الى السوق ..وكانت المفاجئة حينما اخبرهم عامل المحطة بأن هناك سيدة قُتلت في موقف السيارات قبل خمسة ايام , ولم يعرف احد هويتها لإختفاء اوراقها الرسمية , وهي الآن في المشرحة 
العجوز وهو ينظر للولد الأصمّ بحزن : جيد انك لم تسمع شيئاً يا مسكين
***

جيم باستغراب : لماذا نحن هنا بالمستشفى ؟ ولما يرافقنا هذا الشرطي يا عم ؟!
لكن العجوز لم يجبه .. 
ثم قال الشرطي له :
- من الأفضل ان تدخل لوحدك كي ترى الجثة
العجوز : انا لا اعرف السيدة .. لكن معي ابنها وهو اصمّ 
الشرطي : اذاً اخبره بلغة الإشارة ان امه ربما تكون بالداخل
العجوز وهو يتمّتم بضيق : يا الهي ! كيف أخبره بذلك

وبعد ان اخبر العجوز الصغير بالأمر , بدأ يلوّح بيديه بغضب :
جيم : لا !! امي لم تمت .. هي لم تمت يا عم !! 
فحاول العجوز تهدأته : ربما ليست امك , لكن عليك ان تراها لتتأكّد
***

وما ان رآى جيم السيدة الممدّدة على سرير المشرحة حتى انهار فوق جسدها باكياً بشدّة , فعرف كلا الشرطي و العجوز (اللذان كانا يقفان عند الباب) بأنها امه 
وبعد دقائق .. استطاع الشرطي بصعوبة إبعاد الصغير الغاضب والحزين عن جثة والدته.. 

لكن قبل ان يُعيد الممرّض المرأة الى الثلاجة لمحها العجوز بالصدفة , فصرخ قائلاً بدهشة : توقف لحظة !! دعني ارآها  
الشرطي : الم تقل قبل قليل انك لا تعرفها ؟
العجوز بقلق شديد : نعم , لكن ارجوك دعني أراها , اريد ان اتأكّد من شيءٍ ما 
ثم قال للممرّض بصوتٍ مرتجف : لو سمحت , اكشف الغطاء عن وجهها من جديد 

وما ان رآى العجوز وجهها حتى انصدم تماماً !
الشرطى باستغراب : هل عرفتها ؟!
العجوز وهو يمسك نفسه بصعوبة كي لا يبكي : نعم ... هي ابنتي العاقّة

ثم عرف الشرطي منه لاحقاً : ان والدة الصبي هي نفسها ابنة العجوز التي رمته بدار المسنين بعد ان توفّيت امها الصمّاء .. ولأن والدها كان ضابطاً سابقاً بالجيش استطاع بذكاء الهرب من هناك , الا انه اصبح متشرّداً بالشوارع لسنواتٍ عدّة , باحثاً في كل مكان عن عنوان ابنته الجديد بعد ان تزوجت وانتقلت الى منطقة اخرى .. لكنه لم يكن يعرف انها تطلّقت مؤخراً , وبأنها انجبت ابناً اصمّاً كجدّته
***

وفي يوم الجنازة .. قال العجوز وهو يمسح دموعه قرب جثة ابنته (قبيل دفنها) 
- لي سنوات وانا ابحث عنك كي أقف في وجهك واعاتبك بشدّة عمّا فعلته بي , الا انني وصلت متأخّراً .. لكن رغم ذنبك الكبير بحقي الا انني لن اتخلّى عن ابنك , بل سأعتني بحفيدي جيداً .. اعدك بذلك .. سامحك الله يا ابنتي 
***

وبعد شهور ..استطاع الجدّ ان يكون الوصيّ على اموال حفيده بعد ان أُوكلت اليه ادارة شركة ابنته .. حتى ان تلك البطاقات التي سرقها اللّص لم يستفد منها كثيراً , لأن صديقة القتيلة كانت موظفة في البنك وحين لاحظت السحب المتكرّر من بطاقة صديقتها (البخيلة) اوقفت الحساب فوراً كإجراءٍ احتياطي , مما افشل مخطّط اللّص الذي تمّ القبض عليه لاحقاً 
***

وفي خلال سنة .. استطاع جيم النطق ببعض الكلمات السهلة بعد ان دفع جده تكاليف العملية لإعادة السمع له , و من ثم نقله الى مدرسةٍ راقية للأحتياجات الخاصة بعد ان انتقلا سويّاً الى قصرهما الفخم  
وقد استطاع الجد ادارة شركة ابنته بجدارة بعد ان احبه جميع الموظفين لكرمه المتواصل معهم 
***

وفي ظهر احد الأيام .. وقف الجدّ يشاهد حفيده من خلال النافذة بأعلى قصره وهو يلاعب ابناء الجيران ويوزّع عليهم الحلوى في عيد ميلاده

فتمّتم قائلاً : لن احرمك من شيء يا حفيدي العزيز , فكلانا تعذّب من نفس السيدة , لكن القدر جمعنا معاً لنكون سعداء الى الأبد 

الجمعة، 21 يوليو 2017

الناس مقامات

فكرة القصة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة


مقامات,اغنياء,فقراء,حب,ثراء,تجربة
لن اخطأ ثانيةً

جلست في سيارة الأجرة وهي تحاول ان تكتم صوت بكائها , واضعةً يدها على وجهها عسى ان تُخفي بذلك تورّم عينيها و ذلك الشقّ الذي ينزف من شفّتها , لكن الأمر كان واضحاً لسائق التاكسي بأنها ضُربت ضرباً مبرِحاً من زوجها , و الذي اكّد شكوكه هو رؤيتها وهي تزيل خاتم زواجها من يدها وتضعه في جيبها وكأنها تُعلن لنفسها انتهاء كابوس زواجها للأبد ..

لكن انتباه السائق الشاب على حركات السيدة المضّطربة (والتي تجلس في الخلف) من خلال مرآته جعلته لا ينتبه للتوقف المفاجىء للسيارة التي امامه , فاصطدم بها .. وبالرغم ان الحادث لم يكن قوياً الا ان السيدة اغمي عليها بعد ان اصتدم رأسها بالكرسي الذي امامها , وكأن جروحها لا تكفي ليزداد اليهم ورماً جديداً ! 

وبعد ان انتهت المشاجرة بين سائق التاكسي وصاحب السيارة , عاد ليوقظ السيدة 
وبذعرٍ قال : انا آسف لأني لم انتبه جيداً .. ارجوك استيقظي

لكنها لم تفتح عيناها مما اخاف السائق الشاب فهو ان اخذها الى المستشفى سيظنون بأنه هو من عذّبها , خاصة ان آثار الضرب واضحة على جسمها.. فأحضرها الى بيت امه وهو يحملها مما اخاف والدته واخته كثيراً .. لكن بعد ان افهمهما الموضوع , قامت امه بتضميد جروح السيدة ثم وضعوها في غرفة اخته الصغيرة (البالغة من العمر 12 سنة)

الأم وهي تغلق باب الغرفة :
- دعوها تنام الآن فقد حلّ المساء , وان شاء اه و عندما تستيقظ في الصباح تُخبرنا قصتها

وبعد ان ذهبوا .. فتحت السيدة عيناها وهي تمسح دموعها , و هي تقول في نفسها :
- آسفة لأنني اخفتكم , لكن ليس لديّ مكان آخر اذهب اليه 

ثم صارت تتذكّر اليوم الذي كانت تُقنع فيه والدها بأن يوافق على صديقها بالجامعة كزوجٍ لها , وهو كان يصرٌّ على الرفض قائلاً :
- يا ابنتي , انا اتفهّم ان صديقك شابٌ ذكي و دخل جامعتك المرموقة بمنحةٍ دراسية لكنه يبقى من عائلةٍ فقيرة .. ووالله ليس غروراً مني لكني افضّل ان تتزوج ابنتي الوحيدة من عائلة تكون من نفس طبقتنا الراقية , فالناس مقامات يا ندى

لكن ندى لم تستمع لنصيحة والدها الحنون الذي افنى كل حياته بتربيتها هي و اخيها لوحده بعد وفاة امهما وهم اولاد صغار .. 
وبعد يومٍ واحد من مشاجرتها العنيفة مع اخيها الذي هدّدها بأنه سيُجبر والدهما على التبرّي منها وحرمانها من الميراث في حال اصرّت على العريس الفقير , تزوجت من حبيبها رغماً عن ارادة اهلها 

ثم تذكّرت ندى مشاجرتها الأخيرة مع زوجها سعيد
صارخةً بغضب : يعني الا يكفي انني تزوجتك رغم فقرك وعشت معك في هذه البيت العفن وتركت قصر اهلي الذين تبرّوا مني , وتخليّت ايضاً عن جامعتي في سنة التخرّج لكي اخدم سيادتك , لتأتي الآن وتخونني ايها القذر !!
فأجابها سعيد بعصبية : انا تزوجتك فقط لأنك غنية , ولوّ كنت ادري ان اهلك سيحرموك من كل شيء , لما تزوجتك اصلاً !!

وحصلت بينهما مشاجرة انتهت بضربه لها بعنف وطردها من منزله دون السماح لها بأخذ ايّ شيء من اغراضها , حتى انه لم يكن في جيبها سوى اجرة التاكسي وكانت تنوي الذهاب به الى اخيها كي تترجّاه بأن يسامحها خاصة بعد ان توفي والدهما بسبب صدمته من زواج ابنته المفاجىء

ثم مسحت ندى دموعها (وهي في بيت سائق التاكسي) :
- لا اظنني سأذهب الى اخي لأنه بالتأكيد سيشمت بي ويطردني من بيته , وانا لا اقوى على تحمّل المزيد من الأهانات .. افكّر ان أعيش هنا لبعض الوقت بحجة فقداني للذاكرة , على الأقل لحين اختفاء آثار التورّم والجروح في وجهي ومن ثم ابحث عن وظيفة لي , رغم انني لم احصل على شهادتي الجامعية .. آه يا ابي كم كنت محقاً , فالناس بالفعل مقامات.. سامحني يا والدي العزيز فقد متّ وانت غاضبٌ مني ..

وعادت للبكاء ثانيةً الى ان غفت من شدّة الإرهاق والحزن 
***

وفي الصباح .. اكملت ندى تمثيل دورها امام عائلة السائق الذي قال لها بدهشة :
- كيف لا تتذكّرين ايّ شيء ؟! فالحادثة لم تكن بهذا السوء لتُفقدك الذاكرة !
فقالت امه : دعها الآن يا احمد واذهب الى عملك , وهي بإذن اهة  ستتذكّر كل شيء مع الوقت 
- لكني رأيتها يا امي وهي تضع خاتم زواجها في جيبها , وهذا يعني انها امرأة متزوجة و ربما زوجها يبحث عنها الآن , وان وجدها في بيتي سيظنّ بأنني خطفتها 

فأخفت ندى عنهم بأن زوجها طلقها البارحة بينما كان يرميها خارج بيته , وفضلت ان تُكمل التمثيلية
ندى : انا حقاً لا اذكر ان كنت متزوجة ام لا ! لكن في حال كنت ضيفاً ثقيلاً عليكم , فرجاءً خذوني الى ايّ جمعية خيريه لأعمل واعيش فيها لحين عودة ذاكرتي اليّ

البنت الصغيرة : لا !! دعوها تبقى معنا , فأنا أمِلّ لوحدي في المنزل
ندى : كيف لوحدك ! فأمك معك
الأم : انا اعمل مربّية اطفال في احد البيوت , و بالعادة اذهب صباحاً واعود في المساء 
بنتها : نعم وانا لوحدي هنا طوال الوقت , فرجاءً ابقي معي 
فتنظر ندى الى السائق وكأنها تنتظر قراره

احمد وهو يُخفي قلقه : حسناً ابقي هنا كما تشائين .. 
اخته : لكنك لم تخبرينا عن الأسم الذي سنناديك به
ندى : انا لا اذكر اسمي ولا احمل ايّ اوراق رسمية معي , لكن يمكنكم ان تنادوني ب(ريم) 
احمد : حسناً سيدة ريم , انا سأذهب الآن الى عملي .. هيا امي دعيني اوصلك معي

ثم ذهبت الأم وابنها الى عملهما , وبقيت ندى (او ريم) مع اخت السائق (ناديا) 
***

وفي المساء .. وبعد عودة السائق وامه من العمل تفاجئا بريم وقد رتّبت البيت مع ناديا , كما طبخت لهما طعاماً لذيذاً
الأم : ما كان عليك ان تتعبي نفسك يا ريم !
ندى : طالما انني سأبقى معكم لبعض الوقت , فدعوني اساعدكم قليلاً
***

وبالفعل امضت ندى اجمل ستة شهور في حياتها وهي تعيش مع هذه العائلة الطيبة , الى ان اتى ذلك اليوم الذي سمعت فيه رجلاً يكلّم صديقه وهي في طريقها الى السوق 
الرجل : الم تسمع الخبر ؟
صديقه : اي خبر ؟
الرجل : فؤاد سلامة , الشاب الثري .. توفي البارحة بحادث سيارة .. يعني لم يبقى وريثاً لكل ثروة والده سوى اخته التي لا يعرف احدٌ مكانها بعد ان طلقها زوجها ورماها في الشارع

وما ان سمعت ندى الخبر حتى اسرعت فزعةً الى اقرب مكتبة واشترت الصحيفة , حيث تأكّدت بالفعل من موت اخيها 

فعادت الى بيت اهل السائق شاردة الذهن فهي على الرغم من حزنها لفقدانها آخر فردٍ من عائلتها , الا انها تحسّ ببعض الراحة لأنه لم يعد هناك عائق من العودة الى قصر والدها 
وقالت في نفسها : لقد حان الوقت لأخبر تلك العائلة الطيبة بهويتي الحقيقية , واتمنى ان لا يغضبوا مني 
*** 

وحينما دخلت المنزل .. سمعت بالصدفة الأم وابنها يتكلّمان في المطبخ عن اضطراره لبيع سيارة الأجرة لدفع الديون التي عليه
الأم بقلق : لكننا نعيش على المال الذي يأتينا من سيارة الأجرة , فكيف تريد بيعها الآن ؟
ابنها : لا تقلقي امي , فصديقي يريدني ان اعمل معه مساعداً في احدى حافلات السفرّيات 
- لكن هذا يعني انك ستسافر طوال الوقت ولن تبقى بجوارنا 
- ليس هذا ما يحزنني فقط .. بل انني قلقٌ عليها ايضاً 

ويخرج خاتم الفضّة من جيبه وهو يقول :
- كنت انوي خطبتها اليوم يا امي 
وهنا تدخل ندى وهي تقول بحماس :
- الف مبروك يا احمد !! هل ستخطب قريباً ؟ .. هيا قلّ لي , من هي سعيدة الحظ ؟ 
احمد بارتباك : ستعرفين قريباً يا ريم , لكن عليّ اولاً ان احلّ مشكلة العمل 
ندى : وانا عندي الحلّ لذلك , لكن عليّ اولاً ان اتكلّم معكم في موضوع مهم 

ثم طلبت منهم ان يجتمعوا جميعاً في الصالة لتخبرهم بقصتها كاملة.. وبعد ان انتهت 
قالت الأخت بدهشة : يعني انت الآن الوريثة الوحيدة لكل ثروة ..
الأم مقاطعة بغضب : ناديا اسكتي !!
ندى بإحراج : اعرف انك غاضبة مني يا ام احمد , لكني لم اكذب عليكم الا لأنه ليس لديّ مكان آخر اذهب اليه.. انا آسفة حقاً
احمد بحزن : انت خدعتنا لشهورٍ طويلة 

ندى : وانا انوي تعويضكم عن كل هذا .. لكني مضّطرة الآن للذهاب الى قصري .. ومع بداية الأسبوع القادم , اريدك يا احمد ان تحضر الى شركتي .. وهذا هو العنوان
واعطته ورقة فيها عنوان شركة والدها , ثم قامت بتوديعهم 
***

وبعد ذهابها..
الأخت : لما لم تخبرها انك كنت تنوي خطبتها ؟
احمد بقهر : الموضوع انتهى , فهي لن تقبل بي بعد اليوم
ثم ذهب الى غرفته حزيناً
***

وبعد عدة ايام ... دخل احمد لغرفة مدير الشركة ليتفاجأ بريم وقد تغيّر شكلها تماماً فهي تلبس ثياباً فخمة وتضع اغلى المكياج والعطور , ويبدو انها انتهت من كل المعاملات الرسمية مع محامي العائلة لنقل ثروة والدها اليها  

ندى بابتسامة : آه احمد , اتيت على الموعد .. تفضل بالجلوس
احمد بدهشة : لم اعرفك يا ريم .. اقصد ندى خانم , فقد تغيّرتي كثيراً !
- نعم ..لقد عاد الحق لأصحابه اخيراً .. تفضل يا احمد
ثم اعطته شيكاً بمبلغٍ كبير
احمد بضيق : ما هذا ؟!

- هذا والله اقل ما يجب فعله , فأنتم استضفتموني عندكم لشهورٍ طويلة وعاملتموني وكأني فرداً منكم .. لذا اردّت تعويضكم
احمد بغضب : نحن لا نريد مالك !!
ندى بدهشة : لكنك بحاجة اليه يا احمد , فبهِ تستطيع شراء عشر سيارات اجرة , ويمكنك ان توظّف سائقين للعمل عليهم وبذلك لن تضّطر انت وامك للعمل بعد اليوم , كما يمكنكم اعادة اختك الى المدرسة

بعصبية : قلت لا نريد مالك !!
ورمى الشيك في وجهها
فتقف ندى بغضب : ولما انت غاضبٌ هكذا ؟!!
فأخرج خاتم الفضّة من جيبه
وقال بقهر : اتدرين انني كنت انوي خطبتك ذلك اليوم ؟

فتسكت ندى قليلاً , ثم تقول له بتردّد : 
- آسفة يا احمد .. و انا حقاً لا اريد جرحك بكلامي .. لكن الحقيقة انني قمت بهذا الخطأ من قبل وتزوجت شاباً فقيراً بالرّغم عن ارادة اهلي , وبسبب هذا القرار عشت اسوء ايام حياتي ولا ارغب بأن اعيد نفس الغلط مرتين .. 
مقاطعاً : لكني لست كزوجك .. انت عشت معنا وعرفتي اخلاقي جيداً
- انا اعرف انك شخصٌ جيد , لكن.. 
فوقف غاضباً وقاطع كلامها قائلاً بغضب :
- حسناً فهمت .. ندى خانم !!
ثم انصرف حزيناً دون ان يأخذ شيكها 

فتمسح ندى دموعها وهي تقول في نفسها : 
- وانا ايضاً احببتك يا احمد , لكن كلام ابي صحيح .. فبالنهاية الأمر .. تبقى الناس مقامات

الأربعاء، 19 يوليو 2017

رواية الصديق الخيالي كاملة

تأليف : امل شانوحة

رواية الصديق الخيالي ((كاملة))

رواية مخيفة

الرابط

هذا هو رابط الرواية (كاملةً) , اتمنى ان تنال اعجابكم

الاثنين، 17 يوليو 2017

اتصل بنا

تأليف : امل شانوحة


سيطرة,عقول,تجربة,نفسية,اكتئاب
من يتحكّم بعقلي ؟!

مشى مايكل كعادته كئيباً في الشارع .. حتى انه لم يعد يُلقي التحيّة كما كان يفعل , لأنه يعرف مُسبقاً بأنه لن يلتفت اليه احد , فهو يمشي كشبحٍ بين الناس 
وقال بحزن : لو متّ الآن وسط الشارع فلن يلتفتوا اليّ .. يا الهي , ماهذه الحياة السيئة التي اعيشها ؟

الى ان وصل لمطعمٍ رخيص تعوّد ان يتناول طعامه عنده منذ سنوات , وما ان جلس على طاولته حتى وضع له النادل صحن الشوربة المعتاد
- لا .. هذه المرة اريد لحماً
لكن النادل لم يهتم لطلبه , وذهب لأخذ طلبات الغير

مايكل بحزن : حتى النادل لا يعيرني انتباهاً .. حسناً لا يهم .. لأشرب الشوربة واذهب الى بيتي 
وكالعادة , لم يشعر مايكل بأي طعم 
- وكأنني اشرب ماءً ! هل المشكلة بالشوربة , ام ان حاسة التذوّق عندي معدومة ؟!

ثم نظر الى ساعته.. 
- اللعنة ! عليّ ان اذهب الى طبيب العيون , فلم اعدّ ارى عقارب الساعة بوضوح

وبعد ان انهى طعامه .. اراد العودة الى بيته , لكن هذه المرّة ذهب من طريقٍ مغاير .. وعندما انتبه انه اضلّ الطريق اصابه الذعر 
- ما هذا ؟! اين انا ؟! هذا ليس طريق بيتي .. كيف اعود الآن الى الشارع العام ؟!

وصار يتلفّت بقلق يميناً ويساراً وهو يمشي مُتعثّر الخطوات , حتى وصل الى مدرسة ثانوية للبنات .. فتوقف امام بابها مندهشاً
- آه ..هذه كانت مدرسة زوجتي !

وهنا تذكّر اليوم الذي خرج فيه من جامعته مُسرعاً ليُحضر خاتم الخطوبة وباقة من الورود الحمراء , ثم وقف خارج المدرسة ينتظر خروج حبيبته من آخر امتحانٍ لها , ليفاجأها امام صديقاتها بخطبته لها , وسط تصفيقهم بعد موافقتها عليه

مايكل وهو يمسح دموعه : كم كانت تلك الأيام جميلة .. فليرحمك الله يا كاثرين , كم اشتقت اليك 

ثم مشى الى نهاية الطريق وهو يحاول جاهداً تذكّر ايام شبابه , لكن يبدو ان معظم ذكرياته قد مُسحت تماماً من عقله !
- مالذي يحصل معي ! لما لا اتذكّر شيئاً عن ماضيّ ؟! هل اصبت بالخرَف المبكّر ؟!

وبينما هو يعصر عقله محاولاً تذكّر ايّ شيء , اذّ بكتفه يُلامس حاوية النفايات , لكنه مع هذا أكمل طريقه غير مبالي بما حصل .. الى ان وصل الى بيته , وهناك تذكّر
- هل فعلاً ملابسي لامست تلك الحاوية القذرة ؟! 

وهنا عادت اليه بعض الصور من ماضيه , حيث تذكّر انه بعد وفاة زوجته اصيب بوسواس النظافة القهري والخوف من الجراثيم .. وعلى الفور !! خلع معطفه ليغسله بعد ان اشمئزّ منه , فإذا بدفترٍ صغير يسقط من جيبه .. ووجد انه قد دوّن عليه بعض الأحداث , حيث كان مكتوباً في آخر صفحاته:

((منذ يومين ..وصلتني رسالة على بريدي الألكتروني تقول فيها : ان اصدقائي في العمل رشّحوني للقيام بتجربة ما لدى شركةٍ الكترونية , وكان من ضمن شروطهم : ان اخوض امتحانٍ تحريري مُتضمناً مجموعة من الأسئلة النفسية .. وبعد ان اخترت اجابتي من بين الأجابات المطروحة ..ظهرت النتيجة : بنجاحي , وبأنني رجلٌ مكتئب لدرجة تسمح لي بدخول مسابقة ما .. وهذا الصباح استدعوني للذهاب الى شركتهم .. وهناك وجدت العشرات من الأشخاص من مختلف الأعمار , الا ان العامل المشترك بيننا هو الحزن المخيّم على وجوهنا .. ثم اخذونا الى غرفة الإجتماع .. وشرحوا لنا بأن علينا ان نلبس خوذات متصلة بأسلاك بيننا وبين جهاز الكتروني ضخم موجود بزاوية الغرفة ..وبأننا سنعيش سويّاً في عالمٍ افتراضي , مقسّمين الى مجموعتين ضمن عالم (سبيس تيك) وطلبوا منا ان نختار : اما ان نكون من ضمن الأشخاص الذين لا يهتم بهم احد , او من الأشخاص الذين لديهم مشاكل مع الجميع .. و أظنني سأختار النوع الأول , فأنا شخصٌ انعزالي ولا احب تدخل الناس بشؤوني .. آه هآقد حضر المسؤول .. عليّ اخفاء الدفتر الآن)) 
***

وعلى الفور !! تذكّر مايكل كل شيء 
- نعم صحيح ..انا ذهبت ذلك الصباح الى هذه الشركة , لكني لا اتذكّر بأنني خرجت منها ! ..هل معقول انني اعيش الآن في عالمٍ افتراضي ؟ الهذا لا اذكر انني دفعت يوماً ثمن طعامي الذي لا اشعر بطعمه في لساني ؟ و ربما لنفس السبب لا ارى عقارب الساعة جيداً كما يحصل عادةً في الأحلام .. طيب اذا كان هذا حلم ! فعليّ الإستيقاظ منه حالاً , لأني اشعر بأنني هنا منذ مدة طويلة .. وقد مللّت من هذه الحياة الكئيبة .. حسناً سأحاول التركيز الآن .. مايكل !! عليك الأستيقاظ الآن .. مايكل !! افتح عيناك وستجد نفسك في الشركة الألكترونية .. هيا مايكل ما بك !! حاول مجدّداً

وبعد عدّة محاولات يائسة .. فتح مايكل عيناه ليتفاجأ بوجوده في نفس تلك الغرفة موصول بأسلاك مع عشرات الرجال , وهناك انابيب مغروزة في اجسامهم أحدها لدخول المصل الغذائي , و الآخر لخروج الفضلات منه ومن الآخرين !

وقبل ان يقف , انتبه لوجود حارسٍ يحرسهم خارج باب الغرفة  
- اللعنة !! ماذا يفعلون بنا ؟ عليّ ان اهرب دون ان اثير انتباههم بأنني استعدت وعيّ من هذه التجربة السخيفة

وبعد ان ازال الخوذة الألكترونية عن رأسه وكذلك الأنابيب المتصلة بجسمه , حاول التسلّل الى خارج الغرفة بهدوء كي لا يلفت انتباه احد .. لكنه تفاجأ ! انه ايضاً في الغرفة المجاورة كان يوجد عشرات النساء المنوّمين , والمتصلين بالأسلاك ضمن نفس البرنامج الغريب ..

وهنا كانت المفاجأة ! فقد رأى زوجته تجلس بينهنّ 
- ماذا ؟! كاثرين ! كيف يُعقل هذا ؟! 

فاقترب منها بحذر , و ازال عنها خوذة الرأس وكذلك الأنابيب محاولاً ايقاظها من غيبوبتها .. ثم همس لها كي لا يسمعه احد من الحرس الموجودين في ممرّات الشركة 
- كاثرين استيقظي .. كاثرين , لما اخبرني اهلك بأنك توفيت عندما سافرتي لزيارتهم ؟! لما فعلوا بي ذلك وجعلوني اعيش الجحيم ل 5 سنوات ؟! كاثرين استيقظي ارجوك .. انا مايكل ..زوجك منذ عشرين سنة !

لكنها لم تستيقظ بأيّ طريقة .. فجنّ جنونه.. وما ان رأى قارورة ماء متروكة على الطاولة , حتى فتحها وسكبها على الكمبيوتر الكبير المتصلين به .. وعلى الفور !! استيقظ جميع النسوة بعد ان احدث فعلته التماساً بالكهرباء تسبّب بحريق داخل الغرفة .. فأسرع الحرس بإمساكهنّ الواحدة تلوّ الأخرى قبل ان يستوعبنّ الموقف .. لكن مايكل كان استطاع حمل زوجته (الغائبة عن الوعي) والهرب بها , متوجّهاً ناحية السلالم ..لكن قبل ان يهرب تفاجأ بشيءٍ بارد يلامس رقبته , فإذا بها فوهة رشّاش يحملها احد الحرّاس الذي قال له :
- الى اين تظن نفسك ذاهباً ؟ هيا معي الى القبو لحين اطفاء الحريق

واقتاد مايكل وزوجته الى قرب مصعدٍ كبير , حيث كان احد الحرّاس يأخذ الناس (الذين مازالوا تحت تأثير المخدّر) الى القبو .. وقد لاحظ مايكل انهم وضعوا لهم اطواقاً حديدية جديدة حول رقبتهم ..

فقال مايكل بغضب للحارس (الذي يقتاده اليهم) : في البداية خدّرتمونا والآن تضعون اطواق الحيوانات بإعناقنا ؟ بأي حق تعاملونا بإذلالٍ هكذا ؟
فدفعه برشّاشه الى امام : تحرّك بصمت يا هذا , والا فجّرت رأسك

فقال الحارس الآخر لحارس مايكل : سأنزل انا مع هذه الدفعة الى القبو , وانت احضر البقية والحقنا 
حارس مايكل : حسناً.... لحظة ماهذا ؟! ... لا توقف لا تنزل !!

لأنه قبل ان يُغلق الباب , لمح الحارس (الذي يقتاد مايكل) اخاه التوأم ضمن الأشخاص المخدّرين بالمصعد 
فصرخ لأخوه بفزع : لا ! .. جاك اخي !! اهرب بسرعة !!

وهنا استيقظ جاك من غفلته , وعندما انتبه لصراخ اخوه (الحارس) حاول دفع الناس بالمصعد للهرب منهم , لكن رأسه تفجّر فجأة ! بعد ان ضغط حارس المصعد على زرّ في جهاز يحمله بيده , والمرتبط بالطوق الموضوع على رقبة كلاً من فئران التجارب البشرية 

فصرخ حارس مايكل بألم : لا اخي !! لما قتلته يا لعين ؟!!!
لكن حارس المصعد اكتفى بابتسامة خبيثة , ثم اغلق باب المصعد 

فاستغل مايكل غضب الحارس قائلاً : لما اخوك موجود معنا في هذه التجربة ؟
الحارس وهو يمسح دموعه و بغضبٍ شديد : سأنتقم من هؤلاء السفلة !! تعال معي 

ثم دخلوا خفية الى مكتب مستندات الشركة.. 
الحارس : جيد ان كاميرا هذه الغرفة تعطّلت هذا الصباح ..هيا اعطني اسمك الكامل واسم زوجتك كي اخرج ملفّاتكما.. 

وبعد ان اعطاه الأسمين , اخرج الحارس المستندين من احد الأدراج .. بينما وضع مايكل زوجته على الأرض (وهي شبه واعية) ليريح ظهره قليلاً

الحارس : انظر الى هذا المستند .. سترى ان هذه المؤسسة قد اختارت بدقة الأشخاص الأكثر اكتئاباً من ضمن موظفي شركات التجارية الكبرى , ثم ارسلت اليهم امتحاناً عبر بريدهم الألكتروني
- نعم , وصلني هذا الأمتحان  
- واكيد اجبت على سؤالهم : هل تفكر يوماً بالأنتحار ؟ بكلمة نعم
مايكل بندم : للأسف ..هذا ما فعلته
- وهذه الأجابة كانت كافية لهم لإخضاعك ضمن هذه التجربة النفسية الغير مضمونة النتائج , فبالنهاية كل معارفك و المحيطون بك يتوقعون انتحارك في يومٍ ما , فلن يفتقد احدٌ غيابك .. أفهمت ما اعنيه ؟

- وهل كان اخوك مكتئباً في الآونة الأخيرة ؟
الحارس بحزن : نعم .. ففريقه لكرة القدم كان على وشك ان يصل للنهائيات لكن بخطأٍ منه ادخل هدفاً في فريقه , فانهالت عليه الشتائم والأهانات من كل مكان وخاصة من اعضاء النادي , فترك الرياضة وأدمن الخمور حتى ساءت نفسيته تماماً .. وقد حاولت كثيراً اخراجه من هذه الحالة , لكن..

وانهار باكياً .. فربت مايكل على كتفه قائلاً :
- انا افهمك يا اخي , فأنا عشت 5 سنوات وانا اعتقد ان زوجتي ميتة , وتفاجأت بها اليوم مسجونة عندكم ! اظنهم عرفوا من زملائها بالشركة انها كانت تعاني اكتئاباً بعد خسارتها جنينها

الحارس باستغراب : أقلت 5 سنوات ؟! لكن ملفها يقول : ان لها 9 سنوات في مختبراتنا
مايكل بدهشة : كيف 9 ؟!
- لحظة .. ومكتوب بملفك .. ان لك 4 سنوات معنا
مايكل بصدمة : 4 سنوات !! هل كنت مخدّراً طوال هذه المدة ؟ غير معقول يا رجل .. ارني الملف !!
واخذ يقرأ ملفّه بذهول !

الحارس : لا تستغرب ..فهناك اشخاصاً لهم 12 سنة مخدّرين عندنا , حتى ان اهاليهم فقدوا الأمل في العثور عليهم احياءً
- ولما كل هذا ؟
- انها لعبة مراهنة
- ماذا تقصد ؟
- يأتي الأغنياء من كل مكان الى هنا ليشتروا بعض الشخصيات , ثم يحرّكوها في العالم الأفتراضي كلاً حسب طريقته .. فكما مكتوب هنا بالمستندات : ان زوجتك كانت تقوم بدور امٍ لستة اطفال في العالم الأفتراضي , ربما لذلك ترى محاولة ايقاظها صعبة 
- اتقصد لأنها وجدت نعمة الأمومة في عالم الخيال , لهذا ترفض العودة لواقعنا ؟! 
- نعم , اظن ذلك

- طيب ماذا عني ؟ فأنا لا اذكر انني قمت بأي عملٍ مهم داخل هذه التجربة الغبية
- مكتوب في ملفك : انه تم تحريكك فقط 5 مرات طيلة 4 سنوات الفائتة , لأنك برأيهم : شخصية غير مثيرة للأهتمام 
مايكل بغضب : طالما ان شخصيتي سخيفة بالنسبة لهم , لما ابقوني مخدّراً الى هذا اليوم ؟!!

- يا صديقي .. لا احد يخرج من هنا حيّاً , حتى نحن كحرس مسجونين معكم ..وان حاول شخصٌ منّا الخروج الى خارج الشركة او الإتصال بأحدٍ من اهله , فأنهم يقتلوننا ضمن شريحة زرعوها في اجسادنا .. يعني الفرق بيننا وبينكم : اننا نعيش بوعينا , بينما انتم مخدّرين .. هيا لا تحزن يا مايكل .. (ثم يمدّ يده).. آه على فكرة ..انا اسمي اريك
فسلّم عليه مايكل : تشرّفت بمعرفتك 

وهنا !! يخرج صوت من الجهاز الموجود على كتف الحارس
- يا اريك !! اين الرجل الآلي رقم 7, والسيدة الآلية رقم 22 ؟
الحارس (اريك) بارتباك : سأحضرهما حالاً , سيدي !!

وبعد ان اغلق جهازه , قال مايكل له بغضب : هل نحن رجال آليون بالنسبة لهم ؟!!
اريك : لا يهم هذا الآن .. المهم ان تخرجا من هنا بخير وسلامة .. واظنك ستجد سيارتك مازالت مركونة في نفس المكان الذي ركنتها به قبل سنوات .. هيا خذّ زوجتك واهربا بسرعة ..

مايكل : لكنهم قبل التجربة اخذوا منّا جميع اشيائنا الخاصة , ومنها مفاتيح سيارتي
الحارس : بصراحة لا ادري اين يضعون اغراضكم الشخصية

وهنا تستيقظ الزوجة بعد ان سمعتهما , فتقول لزوجها بتعب :  
- انا دائماً كنت اضع مفاتيحك الأحتياطية في درج السيارة , انسيت يا مايكل ؟

فحضنها زوجها بفرح
- كم انا سعيد بعودتك اليّ , يا عزيزتي
الحارس : لا وقت لهذا .. هيا اهربا بسرعة , قبل ان يلاحظوا تأخّري بإحضاركما للتجمّع المُنعقد في القبو
مايكل : وماذا ستفعل انت ؟ 
بنبرة غاضبة : سأنتقم لموت اخي 

ثم ينظر الى شاشات المراقبة ويقول لهما : 
- اذهبا ناحية السلالم , فلا حرس متواجدين هناك الآن..هيا بسرعة !!
***

وبعد ان ركض مايكل وزوجته الى خارج المبنى , وجدا سيارتهما وقد غطّاها الغبار , وهي مُهملة ومركونة في نفس المكان بموقف الشركة.. وبعد عدّة محاولات , اشتغل المحرّك ..  
مايكل بارتياح : الحمد الله , مازالت تعمل 

وهنا !! سمعا انفجاراً بالطابق العلوي للمبنى
مايكل بارتياح : لقد فعلها البطل وانتقم لأخيه !! فليحترق هؤلاء الحمقى لتلاعبهم بحياة الناس 
زوجته بقلق : المهم ان تأتي الأطفاء وتخرج الناس الأبرياء من هناك

وهنا شاهدا طائرة هليكوبتر تطير من اعلى المبنى المحترق ..
مايكل بخيبة امل : اللعنة .. لقد هرب الملاعيين ! 
***

وبعد سنة..
جلس شاب امام حاسوبه و بدأ بحذف صور حبيبته وهو يبكي باكتئابٍ شديد : 
- لما تزوجت ذلك الحقير و تركتني يا خائنة ؟!!

وفجأة ! ظهرت له رسالة مُرسلة على بريده الألكتروني و فيها :
((اذا كنت تريد ان تعيش كرجلٍ آلي خالي من ايّ هموم , رجاءً اتصل بنا))

السبت، 15 يوليو 2017

احلام طير الجنة

تأليف : امل شانوحة
الجنة,ملائكة,احلام,امنيات,طيور,اطفال
هل اصبحتُ ملاكاً ؟!


فتح وليد عيناه بصعوبة ليلمح نوراً يشعّ من فوقه , واذا به ملاكاً يافعاً ينزل اليه من السماء ..
وليد بدهشة : من انت ؟!
اجابه الشاب الوسيم : انا الملاك الذي اتيت لأخذك الى فوق 
- اين الى فوق ؟!
- الى السماء .. الى الجنة يا صغيري 
و اشار بإصبعه نحو الأعلى .. فردّ وليد ذو العشر سنوات

- هل ستأخذني حقاً الى الجنة ؟!
- نعم , فقد حان وقتك
بدهشة ممتزجة بخوف : أحان وقتي ؟! هل انا ميتٌ الآن ؟!
الملاك : نعم .. لقد مُتّ قبل قليل بحادث سير اثناء قطعك للطريق بكرسيك المتحرك بعد عودتك من المدرسة , الا تذكر ؟
- لا ابداً ! كل ما اذكره هو سماعي لبوق سيارة عالي بالقرب مني , هل كانت نفسها السيارة التي صدمتني ؟
- نعم للأسف , لكن الحمد الله انك توفيت على الفور ولم تعاني من الم الإحتضار 

فسأله الصغير بقلق : وماذا عن اهلي ؟
- للأسف مصابهم كبير , لكن عليهم ان يرضوا بقضاء الله وقدره ..  و الآن ..(ومدّ يده للصبي).. امسك يدي ودعني اطير بك الى فوق 
- لكني لا استطيع التحرّك , فأنا مُقعد 

فيبتسم له الملاك : لم تعدّ معاقاً يا وليد , هيا قف وامسك يدي 
فوقف وليد بدهشة تاركاً كرسيه المتحرّك الذي لازمه طيلة حياته , ثم امسك بيد الملاك الذي طار به بسرعة البرق الى السماء السابعة ***

وهناك ظهرت بوابة الجنة الذهبية الموجودة فوق سحابةٍ لامعة مموّجة بأطياف قوس قزح 
وليد يصرخ بفرح : هل هذه هي الجنة ؟!!
الملاك : نعم .. وهاهي تفتح ابوابها لك .. تفضل يا صغيري

وما ان دخل حتى شاهد حقولاً خضراء بها اجمل الزهور .. وعلى الفور !! ركض وليد بكل قوته بين الأعشاب التي تمتد على طول ضفاف الأنهار الثلاثة من خمرٍ وعسلٍ ولبن .. حتى وصل الى قصرٍ فخم , فسأل ملاكه الحارس :
- لمن هذا القصر الجميل ؟
- انه لك 
بدهشة : الي قصر وانا بهذا العمر ؟!

- نعم , الم تحفظ القرآن بسن السابعة ؟
- نعم , و امي التي علّمتني كل شيء .. جزاها الله خيراً
- ويوم الحساب سيكون باستطاعتك الشفاعة لوالديك بسبب تربيتهم الصالحة لك
- هذا رائع !! طيب هل بإمكاني الآن ان اتمنى ما آشاء ؟
- و مالذي تريده بالضبط ؟ 

فيحاول وليد التفكير بإمنية محدّدة , فيساعده الملاك : 
- هل تريد مثلاً ان تعيش في العصور القديمة ؟
وليد : اتقصد كملكٍ في الأزمنة السابقة ؟
- نعم .. وتستطيع ان تعيش ذلك بمجرّد تخيلك للأمر , وحينها ستشعر به وكأنه حقيقي
- وماذا ايضاً يمكنني تمنّيه ؟
- يمكنك مثلاً ان تجرّب ان كل ملذّات الدنيا , قبل ان تبدأ برؤية ملذّات الجنة 
- بالتأكيد هنا ستكون النعمة اجمل اضعاف مضاعفة من الدنيا كلها
- بالطبع , لا مقارنة بينهما

- وهل استطيع ان ارى كيف يتعذّبون اهل جهنم ؟ 
- من الأفضل لا يا صغيري , فمنظرهم سيضايقك حتماً  
- وماذا عن حياة الجن واعمالهم في الدنيا ؟
- ما رأيك لو تتعرّف على عمل الملائكة , اليس هذا اجمل ؟
وليد بحماس : نعم .. بالتأكيد !!
- حسناً اذاً .. تعال معي لأعرّفك عليهم
*** 

وقام وليد بجولة وهو يطير مُمسكاً بيد ملاكه الحارس الذي آراه من بعيد آلاف الملائكة التي تطوف حول البيت المعمور الموجود فوق الكعبة في السماء السابعة 
وليد بدهشة : واو ! أقُلت ان كل يوم يطوف 70 الف ملك حوله لمرة واحدة في حياتهم !
الملك : نعم , فنحن كثيرون .. والآن اتذكر ذلك الملك الذي رأيناه واقفاً عند باب الجنة ؟

- نعم وسلّم علينا .. اظنه الملك رضوان عليه السلام .. هكذا اخبرني شيخي الذي حفّظني القرآن
- هذا صحيح .. طيب ما اسم الملك الموكل بجهنم ؟ 
- مالك عليه السلام
- ممتاز .. والآن لنعد الى قصرك , فهناك ملائكة تريد السلام عليك ..هيا بنا 

وعندما دخل وليد حديقة قصره , رآى ملكان يسلّمان عليه وهما يقولان :
- هل عرفتنا يا وليد ؟ .. نحن الكرام الكاتبون
- آه .. أأنتم من تكتبون حسناتي وسيئاتي ؟
ملك الشمال : نعم .. ومع انه كانت لديك بعض الأخطاء البسيطة , لكنني لم اكتبها لك لأنك مازلت صغيراً 
فردّ عليه ملك اليمين : اصلاً صبره على اعاقته و حفظه للقرآن تمحي كل ذنوبه  

- ولا تنسيا ايضاً موته كشهيد
قالها ملاكٌ آخر هبط من السماء مع سبعة ملائكة آخرين
فهمس وليد لملاكه الحارس :
- ومن هؤلاء ؟!
فأجابه احد الملائكة : نحن كنّا الملائكة الموكّلون بحفظك في الدنيا , لكن عندما اخبرنا عزرائيل انه حان وقتك , ابتعدنا عنك يوم الحادث لتتوفى على الفور
ملاكٌ آخر : لكننا حرصنا ان تتوفّى من دون ألم

وليد بحزن : صحيح انا لم أتألم , لكن اكيد اهلي حزنوا علي .. يا ترى ماذا يفعلون الآن ؟
ملاكه الحارس : يمكنك ان ترى بنفسك .. انظر نحو الأرض من تلك النافذة وستراهم

فاقترب وليد من احد نوافذ الجنة , ونظر الى اسفل .. وما ان اغمض عيناه حتى رأى وكأنه يقف في جنازته , وامه وابوه يبكيان بحسرة .. فاقترب من امه (دون ان تراه) وحضنها وهمس لها : لا تحزني يا امي , انا بخير  

فتوقفت امه عن البكاء فجأة ! بعد ان احسّت بهدوءٍ مفاجىء .. ثم اقترب من والده وربت على كتف الذي ابتسم على الفور بعد ان احّس براحةٍ غريبة

وما ان فتح وليد عيناه حتى عاد الى حديقه قصره بالجنة ..
فالتفت الى الملائكة الواقفون خلفه :
وليد بحزن : هل سيكونان بخير ؟
ملاكه الحارس : لا تقلق , سيكونان بخير .. وملاك النوم سيريهما في منامهما هذا المساء قصرك في الجنة ليرتاح قلبهما قليلاً .. لا تحزن
وليد برضا : الحمد الله على كل شيء

فحاول ملاكه الحارس ان يخفّف عنه قائلاً : لم ترى باقي الملائكة يا وليد 
وليد : ومن يوجد ايضاً ؟
الملائكة : سنترككما الآن لتكملا جولتكما .. سلام

وبعد ذهابهم .. قال له ملاكه الحارس :
- سأخبرك عن بعض الملائكة المهمّين لكن دون ان تراهم ..

ثم اخبره عن جبريل الموكل بالوحي للأنبياء , وعن منكر ونكير ملائكة القبر , وكذلك عن اسرافيل الموكّل بالنفخ بالصور
وليد : طيب اعرف ان رؤيتهم صعبة , لكن ماذا عن غيرهم ؟
- تعال معي 

وطار معه ليعرّفه على ملاك الليل والنهار , كما جلسا ايضاً مع الملائكة السيّاحون الذين يجلسون في مجالس الذكر , حتى انه شاهد من بعيد كيف يُنزل الملك ميكائيل المطر بأمر الله

وبعد عودته لقصره ..
وليد : لقد استمتعت كثيراً برؤية الملك ميكائيل وهو يسوق السحاب وكأنها قطيعٌ من الخراف البيض والسود , مع انه اخافني صوت الرعد عن قرب ..اتدري .. لو كان باستطاعة البشر رؤية الملائكة لما عصى احداً منهم الله 

ملاكه : نحن والجن اُخفينا عن اعينكم ليمتحن الله ايمانكم .. لكن اتدري ..بعض البشر يستطيعون رؤيتنا في قلوبهم لشدّة صفائها .. امثال المعاقين والأطفال المنغوليين .. لكن للأسف لا احد يُحسن معاملة هؤلاء الطاهرين 
- نعم للأسف

- المهم الآن ..هآقد اريتك اهم اعمال الملائكة..
وليد مقاطعاً : لا !! بقي عزرائيل 
- عزرائيل مشغول دائماً , فالموت كما تعرف لا يتوقف لا ليل ولا نهار 
- طيب هل ممكن ان تُريني كيف مُت انا بالحادث ؟ وكيف اخذ عزرائيل روحي ؟
بتردّد : حسناً , وان كنت افضل ان لا ترى ذلك ....انظر الى داخل هذه البركة وسترى فيها ماضيك

وشاهد وليد كيف يومها قطع الشارع بكرسيه دون ان ينتبه لسيارة مسرعة وكيف صدمته بعنف , وكيف سقط عن كرسيه وسالت الدماء منه , وكيف هرب السائق وتركه ينزف حتى الموت .. ثم رأى ملاكاً متشحاً بالسواد يقترب منه ويسحب روحه من قدميه برفق , ثم يُسلّم روحه لهذا الملاك الذي رافقه منذ دخوله الجنة 

فتوقف وليد مذهولاً , فاقترب منه ملاكه الحارس وربت على كتفه , وحاول تغير الموضوع ليُذهب عنه الحزن : 
- بعد ان تعرّفت على عالم الملائكة , ما امنيتك الثانية ؟

ففكّر وليد قليلاً ثم قال : هناك حيوانات ذُكرت بالقرآن امثال : النملة التي سمعها سيدنا سليمان وكذلك طير الهدّهد .. وايضاً الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس .. و ثعبان سيدنا موسى ..وناقة سيدنا صالح .. وكذلك الجراد الذي تسبّب بالمجاعة في انحاء العالم بعد سقوط الدولة العثمانية ..

الملاك بدهشة : وهل تريد ان تكون احد هذه حيوانات ؟!
وليد بحماس : نعم !!!
الملاك : اعتقد ان امنيتك تناسب عقلية طفلٌ في العاشرة !
بفرح : طيب بأي حيوان نبدأ
- لنبدأ منذ البداية ... بغراب قابيل وهابيل

وبعد ان عاش وليد في العصور القديمة كحيوان وكطفل وكملكٍ عظيم .. عاد بعد شهور الى واقع الجنة..

ملاكه الحارس : والآن وبعد هذه الرحلة الطويلة , هل تريد معرفة مستقبل الأرض ؟
وليد باهتمام : تقصد بإمكاني رؤية سيدنا عيسى وهو ينزل الى الدنيا , ويملأ الأرض عدلاً بعد ظلم الدجّال ؟!
بابتسامة : نعم 
بحماس : حسناً , لنرى ذلك سويّاً

الملاك يمازحه : عندي فضول لأعرف ماذا ستكون آخر امانيك
وليد : ان اكون طير من طيور الجنة .. وأخدم الصالحين من أهل الجنة ..وأولهم اهلي بعد عمرٍ طويل

وبالفعل وبعد ان انتهت جميع امانيه .. لبس وليد السندس الأخضر وحمل بيده الصينية الفضية التي بها ابريق وكاسات من الذهب , وبدأ يخدم اهل الجنة مع باقي اطفال الجنة .. وكان سعيداً جداً بجانحيه وهو يطير هنا وهناك لخدمة الصالحين على أمل ان يجتمع يوماً مع والديه في دار الخلود

الخميس، 13 يوليو 2017

نهاية اغنى رجل بالعالم

تأليف : امل شانوحة


وفاة,نهاية,رجل,غني,طمع,جوع,روتشيلد
قصة حقيقية لنهاية البارون روتشيلد

- افتحوا الباب !! ارجوكم , انا عالقٌ هنا .. هل يسمعني أحد ؟!!
صرخ البارون المحتجز داخل خزنته الموجودة في علّية قصره بأعلى صوته , لكن لم يسمعه أحد من خدمه او موظفيه  
اللعنة ! لما اخبرتهم بأنني سأسافر بعد قليل , اكيد حينما لا يجدونني في مكتبي سيظنون بأنني سافرت بطائرتي الخاصة كما افعل دائماً .. والمشكلة انها فترة اعياد ايضاً
لا .. لا اريد ان اموت هنا وحدي
***

ومرّت 4 ساعات اخرى ..وروتشيلد مازال يطرق باب الخزنة الحديدي بكل قوته دون ان يسمعه احد ممّن في داخل قصره ..
فتوقف اخيراً عن المحاولة بعد ان سرى اليأس في قلبه , وصار يجول ببصره في ارجاء مخزنه المليء بالصفائح الذهبية , بينما كان يجلس هو على احد التلال من العملات الذهبية 

يا الهي .. أأملك كل هذا المال , ولا استطيع ان انقذ نفسي من هذه الورطة السخيفة ؟! .. اصلاً كيف نسيت مفاتيحي بالخارج ؟! بالعادة انتبه كثيراً عليها .. انا فعلاً غبي واحمق !!
ثم وضع يده على بطنه : 
آخ يا بطني .. بدأت اجوع حقاً ! 
كم اتمنى لو انني سمعت كلام خادمي وفطرت قبل صعودي الى هنا .. 

ثم ينظر الى ساعته .. 
لقد حان موعد الغداء .. ياترى ماذا طبخ خادمي لهذا اليوم ؟ انا مستعد ان ادفع له عشر ليرات ذهبية مقابل قطعة لحم .... آخ يا رأسي ..وهآقد بدأت ادوخ .. اللعنة .. لم آخذ دواء الضغط هذا الصباح .. 
- ولما كنت مستعجلاً يا روتشيلد للصعود الى هنا .. الِإلقاء نظرة على مالك الحرام كما تفعل كل صباح ؟!!

فتلفّت البارون بخوف في كل الإتجاهات , وصرخ بصوتٍ مرتجف :
- من هناك ؟!! من يكلّمني ؟!
الصوت : لا تخف .. انا ضميرك 
- ضميري .. ماهذا ؟! ..هل بدأت اصاب بالخرف ؟! 

ثم عاد يطرق الباب بقوة , وهو يصرخ :
- اذا كان يوجد شخص بالخارج فليفتح لي الباب وانا سأكافئه بمكافأة كبيرة !!!!
فقال له الصوت :
- لا تحاول يا روتشيلد , لن يسمعك احد .. انت ستبقى محتجزاً معي هنا 
- لا ! لا !!! انا بدأت بالفعل اهلوس .. اكيد هذا بسبب الجوع والخوف

- لا تحاول ان تبرّر سماعك لصوتي , لأني اصدر من داخلك .. فأنا ضميرك الذي حاولت اسكاته لسنوات 
يصرخ روتشيلد بغضب : اصمت !!!
الصوت : لن اسكت بعد الآن و ستسمعني رغماً عنك !! 
بخوف : ماذا تريد مني ؟!

- انظر حولك .. لن ترى سوى اكواماً من الذهب والصفائح الذهبية المرصوصة هنا وهناك .. اظنك مستعدٌ الآن لإستبدالها جميعاً بكسرة خبز وشربة ماء , اليس كذلك ؟ .. اصلاً انت استحقيت ذلك بسبب أفعالك ..
مقاطعاً : لا !! ليست افعالي , بل هي عينٌ اصابتني بعد ان تكلّمَت الصحافة عني بالأمس 
الصوت : تقصد لأنك اقرضت بعض المال لخزينة الدولة  
بغرور : نعم !! فأنا اغنى رجلٌ بالعالم , حتى انني انقذت بريطانيا العظمى من الإفلاس
الصوت بسخرية : وهل غرورك الآن يُشبع بطنك الجائع ؟
- ماذا تريد مني ؟!! 

- اريدك ان تفكّر بكل الأشخاص الذين ظلمتهم في حياتك لتحصل على هذا القدر من المال 
- انا لم اظلم احداً !! كل هذه النقود التي تراها هنا نتيجة ذكائي ومجهودي الشخصي
الصوت : أحقاً ! الا تذكر صاحبك (جيم) الذي اخترع المنتج الغذائي الجديد والذي قمت انت بسرقة مكوناته منه , ثم اسرعت بتسجيل براءة الإختراع بإسمك .. و بسببه جنيت الآلاف بل ملايين النقود .. ولم ترحم توسلات صديقك لإعطائه حصة من الأرباح حتى مات المسكين قهراً 
- كان هذا انتهازاً للفرص
الصوت بقوة : بل قلّ .. سرقة لمجهود غيرك !!

فيسكت روتشيلد بعد ان احسّ ببعض الذنب تجاه صديقه الراحل ..فأكمل صوت الضمير محاكمته قائلاً :
- و ماذا عن اقاربك الذين حرمتهم من كل شيء ؟
- هم مجموعة من الفاشلين والحسدة , و البُعد عنهم غنيمة
- أهذا جزائهم لأنهم قاموا بتربيتك بعد وفاة والديك , واكملوا تعليمك الى ان وقفت على قدميك , وانشأت شركتك الصغيرة..
مقاطعاً : التي كبرت بمجهودي الشخصي !!

الصوت : طيب ماذا عن ردّ الدين لهم ؟ 
- لم يفعلوا الكثير من اجلي , فقد علّموا اولادهم بأفضل المدراس بينما وضعوني انا في مدارس حكومية سيئة المستوى .. ولوحدي كافحت كثيراً حتى نجحت ..وحرمت نفسي من كل شيء , وجمعت حتى السِنتات الى ان فتحت شركتي الخاصة .. الا تعرف كم هو صعباً ان يحرم الطفل نفسه من كل ملذات الحياة لأجل تحقيق حلمه , حتى انني لم اتزوج او انجب الأطفال كي اسافر هنا وهناك واعقد الصفقات , ولم اكن انام في العادة اكثر من 4 ساعات في اليوم .. فلما ادفع لهم او لغيرهم ؟!! هذا كله ملكي وحدي !!
صوت الضمير بسخرية : اذاً قمّ وكلّ مالك قطعةً قطعة , عسى بذلك ان تُشبعك وتنقذك من الموت
فسكت روتشيلد حائراً

فقال الصوت : لا ادري لما كل الأغنياء لديهم نفس التفكير الأحمق , اليس الأفضل بدل تكديس المال بهذا الشكل المزري ان تفتحوا بها مصانع  و شركات وتوظفوا آلاف العمّال , وبالنهاية سيزداد مالكم اضعافٌ مضاعفة من مردود العمل بدل تكديسها هكذا داخل خزنات حديدية !
روتشيلد بصوت منخفض : معك حق 
الصوت بدهشة : معي حق ! واخيراً بدأت تستيقظ من غفوتك .. لكن للأسف تأخّرت كثيراً

بخوف : أتقصد انني سأموت وحدي هنا ؟!
الصوت بلا مبالاة : ربما
فانهار روتشيلد باكياً حتى اختفى ذلك الصوت الذي ربما فضّل ترك البارون يندب حظه لوحده
***

وبعد ساعة .. قام البارون حزيناً ووقف امام عملةً ذهبية كانت موضوعة داخل اطار معلّق على جدار الخزنة , وقال وهو يمسح دموعه :
- هذا اول جنيه ذهبي اشتريته في حياتي , وحلفت حينها بأنه لن يكون الأخير

ثم اخرجه من الأطار الذي بقي بداخله لسنوات , وقال له :
- انظر الى اخوانك , لقد جمعت امثالك الآلاف .. بل الملايين 
ثم ضحك بهستيريا , و رمى الجنيه فوق تلّة من العملات الذهبية 
- هيا !! اسبح مع امثالك  

ثم بدأ هو ايضاً يسبح ببحرٍ من النقود الذهبية .. لكن ما لبث ان توقف وهو يضع يده على معدته التي كانت تضوّر جوعاً
يا الهي انا حقاً جائع .. كما اريد دخول الحمام 

فينظر الى ساعته 
لقد حلّ المساء .. آخ , لا لم اعدّ اتحمّل .. اظنني اصبت بالأسهال

ثم ذهب الى زاوية الخزنة وحفر بين الذهب .. وبعد ان انتهى , طمرها بالنقود الذهبية
يبتسم بسخرية : لقد فعلت تماماً مثل القطط ! لكن المختلف انني طمرت قاذوراتي بالذهب ..لا اعتقد ان اي غني بالعالم وصل الى هذه القدر من التبذير
ثم صار يضحك بهستيريا والدموع تسيل على خدّيه 

وبعد ان توقف عن الضحك صار يقول في نفسه : هل معقول ان هذه ستكون نهايتك يا روتشيلد ؟ ... أحقاً سأموت من الجوع ؟! 
ثم حبى نحو باب الخزنة , وصار يطرق عليها للمرة المئة بتعبٍ شديد
- ارجوكم ساعدوني !! اخرجوني من هنا !! بدأ نفسي يضيق كثيراً
***

وبعد ثلاثة ايام..
وبينما كان ينام تحت كومة من الذهب ليحمي نفسه من البرد , قال بصوتٍ متهدّج : 
- احلف بأنني سأهبّ نصف ثروتي لمن يخرجني من هذا القبر الحديدي .. آخ .. اكاد لا استطيع التنفّس , فرائحة قاذوراتي لوّثت المتبقي من الهواء .. اكاد اختنق.. انا فعلاً اموت .. يبدو انني احتضر الآن !

ثم بدأ يتخيّل :
- كنت سأكون زوجاً واباً رائعاً .. ليتني كنت فقيراً صاحب وظيفة متواضعة ولي عائلة صغيرة من طفلة وطفل ينادونني بابا والعب معهما , بدل كل هذا المال الذي لم اجني منه سوى الغيرة والحسد والضغائن من اقرب الناس لي .. حقاً ان السعادة ليست بالمال , بل براحة البال والضمير

ثم قام بجرح اصبعه , وكتب على باب الخزنة :
((اغنى انسان في العالم يموت جوعاً وعطشاً))

ثم ابتسم بألم قائلاً :
- اعتقد انني سأكون درساً عظيماً لكل جبّار وطمّاع يهدر حياته بالسعي خلف وسخ الدنيا 
***

وبعد ايام .. لاحظ احد موظفيه المفاتيح المتروكة في باب الخزنة (من الخارج) , ففتحها ليتفاجأ برائحة تحللّ جثة سيد القصر والتي تكاد لا تطاق ..كما قرأ عبارته التي تحوّل لونها من لون الدم الأحمر الى الأصفر والتي بقيت موجودة على باب الخزنة (من الداخل) 
***

في مكانٍ آخر .. قرأ (جيمس) احد منافسي البارون عن وفاته في الصحيفة , فقال في نفسه بدهشة :
من كان يُصدّق ان هذه ستكون نهاية روتشيلد !
وهنا دخل عليه سكرتيره وهو يقول :
- سيد جيمس .. لقد حضر المحامي الذي طلبته

وبعد دخول المحامي , سأل الثري عن الوصية التي يريد كتابتها :
- سيدي .. هل ستحرم عائلتك من ميراثك , كما اخبرتني البارحة بالهاتف ؟

جيمس وهو ينظر للصحيفة التي بها صورة لعبارة روتشيلد الأخيرة والمكتوبة بدمه ..
- لا .. بل سأعطيهم جميع حقوقهم , اما النصف الثاني لثروتي فأرغب في توزعيها على الجمعيات الخيرية بعد وفاتي
فينظر المحامي له بدهشة , بينما يُكمل جيمس قائلاً :
- فأنا لا اريد ان تكون نهايتي كروتشيلد المسكين

ثم يبتسم بحزن وهو ينظر الى صورة صديقه البارون (الموضوعة فوق الخبر بالصحيفة) , قائلاً :
اشكرك على النصيحة يا منافسي العزيز

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من وفاة حقيقية حصلت لأغنى رجل بالعالم في القرن الماضي , وكذلك العبارة التي كتبها بدمه صحيحة ..كل ما فعلته انني تخيّلت حالته النفسية في لحظاته الأخيرة .. اتمنى ان تنال اعجابكم

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...