السبت، 29 مايو 2021

رقصة الموت

كتابة : امل شانوحة

القرية الملعونة


لاحظ سائحٌ أجنبيّ عن طريق الصدفة منزلاً مهجوراً في قريةٍ فرنسية ، فحاول إكتشافه .. ليجد إن كل شيءٍ بداخله يوحي أن صاحبه لم ينوي تركه ، إلاّ أنه لسببٍ غامض لم يعدّ إليه ثانيةً !

ومن خلال تاريخ الصحيفة المتروكة فوق الطاولة امام قدح القهوة المتعفّن ، عرف أن المنزل مهجوراً منذ قرنٍ على أقل تقدير ! 

فقام السائح بتصوير كل ركنٍ فيه ، مُركّزاً على التحف الأثريّة واللوحات القديمة المعلّقة على الحائط .. 


وبعد خروجه من هناك ، نشر الفيديو بوسائل التواصل الإجتماعي .. ليحصل على اهتمام المشاهدين الذين قاموا بتداوله بينهم ، الى أن وصل لوزير الثقافة الذي طلب من الشرطة إحضار اللوحات والتحف الأثريّة الى المتحف الوطني ، بعد التأكّد من مصادره : أن صاحبة المنزل ماتت في السوق قبل سنواتٍ طويلة ، دون وجود ورثة لها .. 


ومن بين الأثريّات وُجدت لوحة أثارت إهتمام المسؤولين الفرنسيين : وهي رسمة لقرويين يرقصون باحتفالٍ ما ، وهم متعبين ويساندون بعضهم لإنهاء رقصتهم المؤلمة !

فأُرسلت اللوحة للمؤرّخ الفرنسي (ألبير) لحلّ اللغز .. وبدوره أجرى الكثير من الأبحاث لمّا حصل في مدينة ستراسبوغ الفرنسية عام 1518 (المذكورة اسفل اللوحة)  


وبعد بحثٍ مطوّل ، وجد الحادثة مذكورة في مذكرات راهبٍ بكنيسة تلك القرية ، تحت عنوان : الرقص الشيطانيّ ! 

ذكر فيها : أن فتاة عذراء من القرية حملت بطفلٍ لشيطان زارها دائماً في منامها .. وبعد وفاتها اثناء الولادة ، طلب اهالي قريتها حرق الطفل حيّاً وسط الساحة .. وبعد قتله ، أقاموا إحتفالاً راقصاً لتخلّصهم من الشيطان الصغير .. الاّ أن القرويين لم يتوقفوا عن الرقص لأيامٍ متتالية .. وكل من حاول مساعدتهم ، تورّط معهم بالرقص .. إلى أن رقصوا جميعاً ، كباراً وصغاراً .. أدّى بالنهاية لوفاة بعضهم بأزماتٍ قلبية بسبب الإجهاد الشديد !


لكن ما قرأه ألبير لم يكن منطقياً ، لهذا لم يذكره في التقرير ..وأكمل بحثه لمعرفة السبب الحقيقي للحادثة الغريبة .. 

فسأل طبيباً مختصّاً بالتحاليل الطبّية الذي أخبره بنظريّته قائلاً : 

- أظنه عفن القمح ، فهو يسبّب الهلوسة 

ألبير : أتقصد إن تاجراً باع أهالي القرية قمحاً فيه فطرياتٍ سامّة ، تسبّبت بجنونهم الجماعيّ ؟

الطبيب : أعتقد إنها أفضل نظرية لما جرى هناك  


لكن المؤرّخ ألبير أراد معرفة المزيد .. فتعمّق أكثر بتلك الحقبة التاريخيّة ، ليجد انها فترة مليئة بالحروب والمجاعات .. 

فسأل صديقه الطبيب النفسيّ عن رأيه بذلك ، فأجابه : 

- أوافقك الرأيّ يا ألبير .. فما عاناه السكّان تلك الفترة أصابهم بضغطٍ نفسيّ شديد ، حاولوا الهرب منه عن طريق الرقص الذي تحوّل لهلوسةٍ جماعيّة

***


بعد عودة ألبير الى منزله ، شرع بكتابة تقريره النهائيّ لوزير الثقافة .. رغم عدم إيجاده الجواب الشافي لرقصهم المتواصل حتى الموت ! فهل كان مسّاً شيطانيّ كما دوّن الراهب في مذكراته ، أم سبباً طبّي ونفسيّ فقط؟ 


واثناء كتابته التقرير ، غفى فجأة فوق اوراقه ! ليشاهد مناماً غريباً: 

حيث تجسّد في هيئة (تروفيا) : اول سيدة بدأت الرقص بتلك الحفلة المرعبة .. ليجد نفسه يلاحق أحد خرفانه الذي هرب الى داخل كهفٍ صغير ، اثناء رعيه المواشي فجراً .. وهناك وجده ينبش شيئاً في الأرض .. ليجد مزماراً مصنوعاً من قصب الغاب ، يبدو من نقوشه إنه أثريّ ! 


وبعد إعادة تروفيا الخراف الى الزريبة ، حاولت العزف بالمزمار وسط الساحة .. لتتفاجأ بلحنٍ جميل ، جعلها ترقص على نغماته ! 

وسرعان ما انضمّت اليها النّسوة المتواجدات بالسوق ، وتبعهنّ ازواجهم ..ثم الأطفال والعجائز ، إلى أن امتلات الساحة بالراقصين! 


وقد حاول ألبير (داخل منامه) إيقاف العزف ، لكنه لم يستطيع رغم آلام قدميه وتعبه الشديد .. حتى سقط على الأرض ، محاولاً إلتقاط انفاسه بصعوبة ! 


وقبل إغمائه ، شاهد طيف فتاةٍ قرويّة تقترب منه (دون أن يراها أحدٌ  سواه) تبدو من طراز ملابسها انها من القرن الماضي ! إقتربت منه ، لتهمس في اذنه :

- انه مزمار حبيبي الذي رفض الزواج بي ، لعشقه للراقصة الغجريّة .. لهذا نثرت السحر داخله ، دون علمه .. وحين عزف في حفلته المسائية .. ظلّت حبيبته ترقص حتى الموت ، لعدم تمكّنه من التوقف عن العزف لأيامٍ متواصلة .. وبعد موتها ، دفن مزماره بالكهف وانتحر شنقاً .. والآن بسبب فضولك ، أحييّت اللعنة من جديد .. 


ثم سحبت المزمار من يد تروفيا (ألبير) وهي تقول : 

- هاته !! سأعيده الى مكانه 

فسألتها تروفيا بتعبٍ شديد : هل سيتوقف الرقص الآن ؟

فأجابتها بلؤم : نعم ، لكنك لن تكوني من الناجين 


وفور إختفاء طيفها .. شعر ألبير بنبضات قلبه تتسارع بشكلٍ مؤلم ، قبل استيقاظه من النوم وهو يقول بارتياح :

- أخيراً حللّت اللغز !!

وبدأ بكتابة تقريرٍ جديد .. 

***


فور إنتهائه من الطباعة ، سمع ابنه الصغير يقول لأمه بعد عودته من رحلته المدرسية :

- وجدّت هذا المزمار مدفوناً في الكهف ، إسمعي لحنه الجميل


فخرج ابوه فزعاً من الغرفة ، محاولاً سحب المزمار السحريّ من إبنه ..

لكنه تأخّر بعد قيام الصبي بعزف ذات اللحن الذي سمعه ألبير في منامه ، ليجد زوجته وابنه يرقصان بهستيريا دون توقف !

 

وقبل أن يعيّ ما حصل ! سمع صوت الفتاة الساحرة يتردّد في اذنه :

- ما كان عليك نبش الماضي ، أرني كيف ستوقف اللعنة الآن 


وهنا انتبه أن ابنه وزوجته خرجا الى الشرفة ! فذهب اليهما ، ليجد الشارع امتلأ بالراقصين بعد سماعهم اللحن السحريّ ، دون علمهم بأنهم يرقصون حتى الموت 


فأراد سحب المزمار بالقوة ، الا أن قدميه تحرّكتا دون أرادةٍ منه .. ليشاركهم الرقص ، والدموع في عينيه وهو يقول نادماً : 

- اللعنة عليّ ! ماذا فعلت ؟

***


لاحقاً ..أخفت الحكومة حادثة موت اهالي الحيّ الفرنسي الغامض ، بعد قراءتهم للتقرير النهائيّ للمؤرّخ الراحل ألبير .. الذي جعلهم يسارعون بدفن المزمار السحريّ في الكهف مع اللوحة الراقصة ، وصبّ الإسمنت فوقهما ، لطمس الحقائق وإنهاء لعنة العاشقة المجنونة للأبد !  


*****

ملاحظة :

هذه القصة مستوحاة من حادثة تاريخية حقيقية

الرابط :

https://www.kabbos.com/index.php?darck=3190

 


الأربعاء، 26 مايو 2021

حماتي حياتي

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة

 

ستندمين يا كنّتي العزيزة


بعد أن جمعت المعلمة اللبنانية (سما) رواتبها بنهاية السنة ، قرّرت السفر إلى مصر لزيارة ابنها المراهق ، بعد فراقٍ دام سنوات بسبب طلاقها من والده وهو صغير .

وكانت متحمّسة جداً لرؤيته ، وتنوي إمضاء اسبوعين معه ..وهي تحلم بالأماكن السياحيّة التي سيذهبان اليها سوياً ..


إلاّ أن حماتها كانت بالمرصاد ، ومنعتها من دخول منزلها لرؤية ابنها .. فهي السبب الرئيسي للطلاق ، لرغبتها بالحصول على حفيدها بعد سفر ابنها للخارج ..

فترجّتها سما لرؤيته بضعة دقائق ، لكنها هدّدتها بالإتصال بالإمن لطردها من مصر إن حاولت التواصل معه .


ولأن سما أخبرت جميع أقاربها بأنّها ستغيب أسبوعين هناك ، لم يعدّ أمامها سوى إمضاء عطلتها وحدها ! والّتي حاولت قضائها بين المولات والفندق الذي نزلت فيه .. وهي تحسّ بوحدةٍ خانقة ، خاصّة اثناء جلوسها وحدها في المطعم وفي قلبها غصّة وألم ، لأنها وعدت ابنها في صغره بأخذه إلى هذه الأماكن التي لم يرضى طليقها البخيل الذهاب إليها !  

***


وفي أحد الأيام .. قرّرت الذهاب إلى السينما ، لعلّها تنسى أحزانها .. فدخلت ومعها الفشار .. وسرعان ما اندمجت بأحداث الفيلم .


بعد قليل ، فاجأها الرجل الذي يجلس بجانبها قائلاً :

- يبدو انك تحبين الفشار بالكراميل ، فقد أنهيتي علبتي كلّها !

لتنتبه أن علبتها موجودة على الكرسي الآخر !

سما بإحراج : آسفة حقاً ، خذّ علبتي بدلأً منها.

- لا يهم .. لكن رجاءً أطلبي من صديقاتك أن يخفضوا صوتهم قليلاً 

- ليسوا اصدقائي ، فأنا أتيت وحدي .

واكتفى بابتسامةٍ غامضة ! وأكملا الفيلم بهدوء.

***


بعد انتهاء الفيلم .. جلس الرجل في مطعمٍ خارج السينما ، ليجد سما تعطيه علبه فشار وهي تقول :

- آسفة لما حصل بالداخل ، إشتريت لك واحدة جديدة 


وقبل ذهابها ، سألها :

- يبدو من لهجتك انك لست من هنا ؟

- انا لبنانية .

- أأتيت سياحة إلى مصر ؟

- قصةٌ طويلة لا أحب ذكرها.


فشعر بالحزن من عينيها الدامعتين ، فأسرع قائلاً :

- بما انك ضيفتنا ، إسمحي لي أن أعزمك على الغداء.

- لا داعي لذلك 

- أصبحنا في وقت الظهيرة ، وأكيد لم تأكلي بعد.. هل يعجبك هذا المطعم ، أم نغيّره ؟

سما : عادةً ما أختار وجبتي من هنا 

- اذاً تفضلي بالجلوس

- لكن بشرط !! أن أدفع ثمن طعامي

فأجابها بابتسامة : كما تشائين

***


بعد إنهاء طعامهما ، وقف قائلاً :

- هل ستبقين في المول , أم أوصلك إلى الفندق ؟

- لحظة ! لم ندفع الفاتورة بعد ؟!

- دفعتها حين ذهبت إلى دورة المياه .. ولا اريد إعتراض ، فأنت ضيفتنا .. هيا بنا

سما : شكراً لذوقك .. لكني سأطلب سيارة أوبر

- مهما حاولتي لن تكوني أعند منك ، هيا لأوصلك إلى الفندق .. وفي الطريق تخبريني عن السبب الحقيقي لزيارتك مصر .. 


ورغم انه ليس من عادتها التكلّم مع شخصٍ غريب ، لكن لباقة السيد أحمد وحسن ذوقه تُظهره كرجلٍ محترم .. فقبلت الذهاب معه

***


في الطريق ، أخبرته بموجز قصتها ..

فقال بدهشة : تطلّقت ثلاث مرات ؟!

فتنّهدت بحزن : الخطأ ليس مني ، بل بسبب حماتي 

- أيّ حماة منهم ؟

- الأولى ..

- وما دخلها بالعريسين الآخرين ؟

سما : بصراحة لا ادري لما تصرّ على متابعة أخباري رغم انفصالي عن ابنها منذ وقتٍ طويل ! فقد عرفت بالصدفة إنها اتصلت بأولاد زوجي الثاني لإخبارهم عن زواجنا السرّي .

أحمد : ولما تزوّجته بالسرّ ؟!

- أهلي يعرفون طبعاً .. لكنه لم يخبر اولاده من زوجته الأولى الذي يعشقهم بجنون .. وبعد أن علموا من حماتي ، هدّدوه بترك جامعاتهم إن لم يطلّقني في الحال .. ولم أردّ أن أفرّق بينهم ، فطلبت الطلاق بنفسي .


أحمد باهتمام : وماذا عن زوجك الثالث ؟

سما : كان عاطلاً عن العمل ، لكنه يملك أرضاً زراعية وقطيعاً من المواشي.. وأهله يرسلون له مبلغاً شهريّاً.. بالحقيقة زواجنا لم يدمّ سنة ، بعد إتصال حماتي بأهله لإخبارهم أنه ينوي كتابة الأرض بإسمي .. فجنّ جنونهم لأنهم جميعاً يعتاشون منها ، وأجبروه على طلاقي ..واتهموني بأني سحرته ! رغم انني موظفة ولديّ راتبي ، ولا حاجة لي بماله ..  


أحمد : لم تجيبيني على سؤالي ..كيف عرفت حماتك الأولى بعناوين ازواجك الآخرين ؟

- هي أرملة رجلٍ مهم في الدولة ، وأظن المخابرات تساعدها  

- وما سبب كرهها لك لهذه الدرجة ؟!

- لأن ابنها الوحيد تزوّجني دون رضاها ، وهو الآن يكتفي بالصداقات العابرة .. وبرأيها انني دمّرت حياته !


وبعد برهة .. وصلا الفندق ، وقبل نزولها سألها :

- ماذا تنوين فعله قبل سفرك ؟

سما : أفكّر بالذهاب إلى الإسكندرية .

فأخرج بطاقة بها عنوان فندقٍ سياحيّ ، وهو يقول :

- انا نزيلٌ دائم لديهم .. إخبريهم انك من طرفي ، وسيحسنون معاملتك 

فأخذت البطاقة وهي تشكره ، وعادت إلى الفندق.

***


في صباح اليوم التالي .. توجهت إلى الإسكندرية ، وقبل ترتيب ثيابها في خزانة غرفتها بالفندق ، وصلها إتصال من الإدراة يخبرونها عن إفتتاح البوفيه بعد قليل ..


وعندما نزلت للغداء ، وجدت شخصاً يشير لها من بعيد .. وحين اقتربت .. وجدت أحمد في انتظارها وقد ملأ طاولته بالطعام ، وهو يقول :

- إخترت لك من كل صنف ، تفضّلي بالجلوس 


سما باستغراب : هل سافرت إلى هنا للقائي ، أم مجرّد صدفة ؟!

- بالحقيقة انا صاحب الفندق ، ويمكنك التأكّد بسؤال الموظفين عني 

- هذه مفاجئة أخرى ! 

- لم أردّ إخبارك لتشاؤمي من الموضوع ، فالفندق سبب طلاقاتي الأربعة.


سما بدهشة : أحقاً تطلّقت اربع مرات ؟!

- نعم ، بسبب طمعهنّ بأملاكي.

- اذاً كان عليك إخفاء الأمر عنهن.

أحمد : هذا ما فعلته مع زوجتي الرّابعة ، لكنّها علمت بطريقةٍ ما عن ثرائي ، وأصرّت بأن أكتب عقاراً بإسمها .. فانتظرت لحين ولادتها ، لأكتشف إنه حملٌ كاذب ! وطلّقتها على الفور


سما : يبدو كلانا غير محظوظ بالحب !

- وهذا ما جعلني أنجذب إليك ، بالإضافة لكوّنك غير ماديّة كبقية النساء ..فأنت ترفضين أن أدفع لك شيئاً !

سما : على أيّ اساس تصرف عليّ ، أنت غريبٌ عني.

- ولا اريد أن أبقى غريباً

- ماذا تقصد ؟!

أحمد : ما رأيك أن أسافر معك إلى لبنان لتعرّف على عائلتك ، ربما حصل بيننا نصيب ..


فسكتت لبعض الوقت ، بارتباكٍ واضحٍ على وجهها .. فقال لها :

- لا داعي لإعطائي الجواب الآن ، مازال امامنا اربعة ايام قبل سفرك ..وخلالهم سأعرّفك على أجمل الأماكن في الإسكندرية ، ونتعرّف أكثرعلى بعض ..موافقة ؟

فأومأت برأسها إيجاباً بخجل.

***


بعد اسبوعين .. بدأت تحضيرات "كتب الكتاب " في منزل سما بلبنان ، بانتظار وصول العريس أحمد إلى بيتهم (قادماً من الفندق) .


وأثناء انشغالها بتزين وجهها ، وصلها إتصال على جوالها :

- هل انت سما اللّبنانية ؟

- نعم ، من معي ؟

- انا طليقة أحمد الرابعة.

سما باستغراب : كيف عرفتي رقم جوالي ؟!

- لم يكن الأمر صعباً .. المهم إتصلت بك لأحذّرك منه.

- رجاءً لا تدخليني بمشاكلكما القديمة.

- أتدرين إنني هربت بصعوبة من قصره ، قبل أن يقتلني مثل زوجاته الثلاثة .


سما بصدمة : ماذا قلتِ ؟!!

- أحمد في الحقيقة ، رجلٌ ساديّ يستمتع بتعذيب نسائه .. ففي أحد الأيام عاد سكراناً إلى قصره.. ليعترف لي بفخر عن قتله زوجاته السابقين ، وإخفاء جثثهن بالصحراء .. ولحسن الحظ انه نسيّ إقفال البوّابة كعادته ، فهربت منه.. وليومنا هذا لا يمكنني العودة إلى منزل عائلتي ، خوفاً من رجاله الذين يراقبونهم على الدوام.. وانا خاطرت بحياتي للإتصال بك ، كيّ لا تصبحي ضحيّته التالية .. رجاءً لا تتزوجي ذلك الوحش ..هذه نصيحتي ، والقرار لك .. سلام

وأنهت المكالمة ، تاركةً سما ترتجف بخوفٍ مما سمعته !


وكان إرتباكها واضحاً ، حين سألها الشيخ : إن كانت موافقة على الزواج من أحمد ام لا ؟

فطلبت من الشيخ الإنتظار قليلاً، لحين مكالمتها العريس على انفراد ، وسط دهشة اهلها !


وبعد أخذه جانباً ، أخبرته بما حصل .. فانفجر غاضباً :

- الملعونة تكذب يا سما !! فطليقاتي مازلن يستمتعن بالمال الذي أخذوه مني في إتفاقية الطلاق.. وإن كنت لا تصدّقيني ..(وأخرج جواله)..هذه أرقامهنّ .. وهذه صفحاتهنّ على الفيسبوك ..أنظري كيف يسافرن من بلدٍ لآخر ، ويتبضّعن على حسابي .. اما طليقتي الرابعة فهي اسوأهن ، لأنها معقّدة نفسيّاً وتحاول إفساد علاقاتي دائماً .. صدّقيني يا سما ، انا رجلٌ محترم ولم اؤذي أحداً في حياتي.. رجاءً تأكّدي بنفسك


وأعطاها جواله ، لتتصلّ بطليقته الأولى التي أخبرتها باكية عن ندمها لتبذير امواله ، وبأنها مازالت تعشقه بجنون ..

حينها فقط صدّقت أحمد ، ووافقت على إكمال مراسم الزواج

***


بعد إنتهاء شهر العسل في لبنان ، سافرت سما برفقة زوجها إلى الإسكندرية .


وبعد أسابيع ، انتبه أحمد لوجود إسم (ابن سما) بين المتقدّمين للعمل في فندقه !

فطلبه للإدراة ، وهناك أخبره أنه زوج امه .. ليتفاجا بالمراهق يقول له :

- أحزنني سماع ذلك ، فهي ستقتلك مسموماً كما فعلت بأبي وزوجيها الآخرين.

أحمد بصدمة : ماذا !


فقال المراهق : أمّي مجنونة ، لهذا فضّلت العيش مع جدتي .. فهي أرعبتني كثيراً في طفولتي من تصرّفاتها الهستيريّة ، خاصة حينما تغضب .. لكن للأسف لم أستطع إثبات قتلها لأبي ، فهي بارعة بإخفاء الأدلّة .. أنصحك أن تُنهي علاقتك بها سريعاً قبل فوات الأوان 


وتسبّب كلامه بصدمةٍ كبيرة للعريس الذي عاد سريعاً إلى منزله ، ليجد سما قد حضّرت له الطعام ، بعد منعها الخدم الدخول إلى المطبخ طوال النّهار !

لكنه رفض تناول شيئاً منه ، فسألته باستغراب : 

- لما لا تأكل ! الطعام لذيذٌ جداً

فقال وهو يحاول كبت غضبه : هل تنوين تسميمي أنا أيضاً ؟

سما بصدمة : ماذا قلت ؟!


وأخبرها بما قاله ابنها ، فانهارت باكية :

- ماذا فعلت حماتي المجنونة به ؟!

أحمد بعصبية : ابنك مستحيل أن يكذب بكلامه عنك !!

- صدّقني أحمد.. حماتي الشيطانة غسلت دماغه ، فهي أخذته مني بعمر التاسعة .. هيا استعذّ بالشيطان ، وتناول هذه اللقمة.


وقرّبت الملعقة من فمه ، لتتفاجأ بدفعها للخلف ورميّ صحنه على الأرض بغضبٍ شديد :

- جميعكن متشابهات !! إذهبي إلى غرفتك لتحضير حقيبتك ، فغداً أُعيدك إلى بلادك .. وسأرسل ورقة طلاقك قريباً !!


ولم تنفع محاولاتها لتهدأته.. لتصل في اليوم التالي إلى بيت اهلها في لبنان ، وهي منكسرة ومحطّة تماماً .. 

***


بعد اسبوع .. أرسلت الى جواله : صوت طليقاها وهما يخبران أحمد : إنهما نادمان على تطليق سما ، وبأنها كانت زوجة رائعة .. لكنه لم يصدّقهما ، واتهمها بتزوير الحقائق واتفاقها مع أقاربها لتمثيل دور الضحيّتين .. وأخبرها بأن ورقة طلاقها تصلها غداً ! 

وبذلك فقدت الأمل بالرجوع اليه ، خاصة بعد تغير رقم جواله.

***


في نادي الأثرياء في مصر .. تقابلت حماة سما مع والدة أحمد التي قالت :

- غريب كيف القدر جمع كنّتك السابقة مع ابني أحمد !

فردّت الحماة الأولى : سما تبحث دائماً عن الأغنياء ، وهي تعرف جيداً حب رجالنا للّبنانيات ..المهم أشكرك لإرسالك عنوان فندق ابنك ، كيّ أبعث حفيدي لإنهاء زواج سما ، كما فعلتُ مع زوجيها السابقين.

ام أحمد : إضّطررت لذلك بعد أن صدمني خبر زواجه المفاجىء من أجنبية ! فشكراً لإنقاذي من هذه الورطة ، فهي لا تناسب عائلتنا مطلقاً

الحماة بلؤم : سما لا تناسب احداً !!


ام أحمد : بالحقيقة لا ادري كيف تصلك أخبارها دائماً ، وكيف تمكّنت من السيطرة التامة على ابنها ! أهو بسبب علاقتك الجيدة بالمخابرات ، أم عن طريق الدجل والشعوذة ؟!

الحماة بغضب : كل شيء مباح في معركتي مع تلك الملعونة !!

- عندي فضول لمعرفة سبب كرهك الشديد لها ؟

- لأني حلمت دائماً بزواج ابني الوحيد ..وفور تخرّجه الجامعيّ ، بدأت بتحضير عرسه الإسطوريّ مع إبنة ذوات تناسب مستوانا الإجتماعي .. ليفاجأني بزواجه من سما بعد سفره السياحيّ إلى لبنان ، مُحطّماً كل احلامي .. وهاهو الآن يرفض الزواج ثانيةً ! لهذا لم يعدّ لديّ أمل سوى حفيدي الذي أخطّط منذ الآن لتزويجه من فتاةٍ ترفع قيمة عائلتنا من جديد.


ام أحمد : معك حق .. من واجب اولادنا الحصول على إذننا قبل الزواج ، فنحن أدرى بمصلحتهم.

الحماة بغيظ : نعم !! نحن تعبنا في تربيتهم وتعليمهم ، ومن حقنا أن نزوّجهم على ذوقنا .. ولذلك لن أرحم سما ، إلى أن تعتزل الحياة العاطفية نهائيّاً.

- بصراحة أشفق على تلك المسكينة ، لوقوعها بشباكك المرعبة

الحماة : تشعرينني وكأني عنكبوتٌ سامّ !

أم أحمد ممازحة : بل أنت الأرملة السّوداء بذاتها !!

وضحكتا بمكرٍ وخبث !

الأحد، 23 مايو 2021

السينما المسكونة

 تأليف : امل شانوحة

الناجي الوحيد


جلس الشاب بجانب خطيبته في صالة السينما الوحيدة في مدينته الصغيرة ، بعد إحضاره الفُشار .. 

وقبل بدء الفيلم ، قال لها بصوتٍ منخفض :

- انا سعيد لافتتاحهم السينما من جديد ، فهي مغلقة منذ طفولتي

- انا غريبة عن المنطقة ، فما سبب إغلاقها ؟ 

الشاب : جريمةٌ حصلت قبل سنوات ، راح ضحيّتها 15 تلميذ روضة مع معلمتهم ، واختفاء 3 أطفال آخرين ..ولم ينجو من الحادثة الغامضة سوى ولدٌ واحد  

- إخبرني موجز الحادثة قبل انتهاء إعلانات الفيلم


الشاب : سأخبرك بما قاله الولد ((Zachary الذي درس العلوم الروحانية ، بعد علاجٍ طويل في مصحٍ نفسيّ بالمدينة المجاورة .. فهو شهد المجزّرة بعمر 9.. والسبب الوحيد لنجاته إن اسمه يبدأ بالحرف (z) آخر الحروف الأبجديّة

الخطيبة باستغراب : وما دخل الحروف بالموضوع ؟!

- حسب ما قاله للشرطة : إنه رافق أخاه الصغير برحلةٍ مدرسية ، لحضور فيلمٍ عن الحروف الأبجديّة .. وبعد ساعتين من تكرار أغنية الحروف المملّة .. ظهر شخصٌ مخيف على الشاشة ، جلده أحمر وعينيه كعيون القطط ولديه قرونٌ ضخمة..


مقاطعة بدهشة : تقصد الشيطان ؟!

- هكذا وصفه زكريا .. وأخبرهم غاضباً : إن أغنيتهم الغبية أصابته بالصداع ! لذا قرّر تعليمهم الحروف على طريقته .. فنادى اولاً الأطفال الذي تبدأ أسمائهم بالحرف (A): ((آدم ، آليكس ، إليسون ، إيف)) الذين إرتفعوا فجأة نحو سقف السينما ، قبل سقوطهم على رؤوسهم فوق الكراسي الخشبيّة ، وماتوا على الفور .. ثم نادى الطالبين التي تبدأ اسمائهم بالحرف (B): ((بايرون ، بين)) اللذان انفجر رأسيهما كالبالون .. فحاولت المعلمة وطلاّبها الهروب ، إلا أن الباب كان مقفلاً بإحكام .. ولم يسمع أحد صراخهم من الخارج ، رغم طرقاتهم العنيفة.. وفي هذا الوقت تابع الشيطان لعبة الحروف ، وهذه المرة جاء دور المعلمة التي يبدأ إسمها بالحرف (C) ..لتصرخ كالي ((Cali بعلوّ صوتها ، بعد إشتعال النار في ملابسها دون سببٍ منطقي .. وحاولت إطفاء نفسها ، وسط بكاء الأطفال المرتعبين .. إلى أن تفحّمت تماماً ! 


فابتسمت خطيبته باستنكار : ماهذه القصة الخرافيّة ؟ أتحاول إخافتي قبل بدء فيلم الرعب ؟

- لم تسمعي بقية القصة .. المهم كل حرفٍ مات بطريقةٍ مخيفة ، فيما عدا الأطفال الثلاثة الذي مازال لغز إختفائهم غامضاً حتى يومنا هذا .. اما زكريا فكان عليه التصرّف قبل وصول الشيطان للحرف (Z) ، خاصة بعد أن فُجع بموت أخيه هاري (H) الذي تقطّعت اطرافه حيّاً ، قبل انفصال رأسه عن جسمه أمام أنظار أخيه الأكبر الذي أسرع بصعود الستارة الضخمة باتجاه النافذة العلويّة التي حطّمها بذراعه ليصاب بجرحٍ بالغ .. ثم قفزه الى الحديقة الخارجية بارتفاع ستة امتار ، كاسراً إحدى قدميه .. 

- وماذا حصل بعد قدوم الشرطة ؟ 


الشاب : طلب الأهالي المكلومين بمحاكمة زكريا .. لكن القاضي لم يصدّق إن ولداً بعمره قتل اولئك الأطفال بهذه الوحشيّة ! فأُغلقت القضية ضدّ مجهول ، بعد إصداره قراراً بإقفال السينما لسنواتٍ طويلة

- ولما برأيك تعلّم الشعوذة ؟

- لحماية نفسه من الشيطان ، في حال ظهر له ثانيةً 

الخطيبة : تبدو القصة خيالية ، والآن دعنا نشاهد الفيلم بهدوء 

وتابعا الفيلم بتركيزٍ واهتمام ..

*** 


في منتصف أحداث الفيلم .. ظهر ولدٌ صغير يلوّح بذراعيه خلف الشاشة ! وكان منظره بائساً ، ويتلفّت حوله بخوفٍ شديد .. لكن المشاهدين لم يسمعوا ما قاله ، ولا حتى صراخه .. وظلّ هناك بعض الوقت ، قبل خروج يدٍ سوداء من الأرض ، أمسكت قدميه اثناء محاولته تكسير الشاشة بضربه المتكرّر عليها .. وإختفائه ، بعد سحبه للأسفل !

فهمست بإذن خطيبها :

- يبدو إن مخرج الفيلم مُبتدىء ، فلا علاقة لهذا المشهد السخيف بأحداث الفيلم !


وكتم الشاب شكوكه بما رآه ، كيّ لا يشتّت إنتباه خطيبته المُندمجة بالفيلم

***


وفي المشهد الأخير للفيلم ، ظهر مشعوذٌ يحاول علاج الفتاة المسحورة .. وأخذ يتلوّ تعويذاته بصوتٍ عالي .. وكانت عبارة عن مفردات لا معنى لها ، وبلغةٍ غريبة .. 

ثم التفت نحو الشاشة وهو يقول :

((بهذه التعويذة ، أفتح عليكم باب الجحيم)) 


ليخرج من فم المرأة المسحورة قططاً سوداء تركض باتجاه الشاشة ، وتعبر من خلالها ! لتمشي بين كراسي المشاهدين 


فصفّق الجمهور بحماس للحركة الإبداعية لمسؤوليّ السينما الذين أحضروا قططاً سوداء تُشبه الموجودة بالفيلم ، وإخراجها من خلف الشاشة العملاقة لإخافتهم .. 

لكن القطط اختفت فور اسوداد الشاشة ، ليعمّ الظلام داخل السينما قرابة دقيقتين 


وحين أُضيئت الشاشة ثانيةً ، سمعوا صراخاً لأحد المشاهدين الجالسين في المقدّمة ! والذي أدار وجهه نحوهم ، وهو يتألّم من فقد إحدى عينيه !

فضحك الجمهور لظنهم انه ممثلاً مشتركاً مع إدارة السينما لإنجاح الفيلم ..


لتعلو بعد قليل صرخاتٍ خلف مقعديّ الشابين المخطوبين اللذين شاهدا رجلاً تحوّل قميصه الأبيض للون الدماء ، بعد قلعه قلبه بنفسه ! ليخرّ على الأرض دون حراك ..

فظن الجميع انه ممثلٌ آخر .. لكن الشكوك راودتهم ، بعد إستنجاد امرأة من المقاعد الأمامية :

- إنقذوا زوجي !! ظلٌّ أسود يقطع لسانه ..


وهنا نادى الخطيب بعلوّ صوته :

- الشيطان استحوذ على السينما من جديد !.. إهربوا جميعاً !!! 


ولأن تلك الإشاعة القديمة معروفة لدى سكّان المدينة الصغيرة ، فقد شعروا بالهلع فوراً ..وأسرعوا باتجاه الباب الذي وجدوه مقفلاً بإحكام .. 


ولم يسمع أحد صرخاتهم في الخارج ، مع إندلاع النيران بأطراف السينما دون سبب ! 

وبثوانيٍ قليلة ، حاصرهم الدخّان الكثيف 

والأغرب إن جوّالاتهم تعطلت ، فلم يستطيعوا الإتصال بالشرطة .. 


لكن من حسن حظهم ، إن من بينهم مهندساً أحضر معه الّلاسلكي الخاص بالعمل .. فاتصل بأحد عمّاله (من أقارب زكريا) .. قائلاً له ، وهو يحاول التقاط انفاسه بصعوبة :

- إتصل فوراً بزكريا !! الشيطان يحاول قتلنا داخل السينما الملعونة


فقام العامل بالإتصال اولاً بالشرطة التي حاولت كسر الباب دون فائدة .. وحين وصل زكريا ، ألقى تعويذته على قفل الباب ..


فتمكّنت الشرطة من الدخول ، لتجد الجثث في كل مكان .. بعضها تفحّم بسبب الحريق الذي انطفأ وحده ! وبعضهم اشلاء مقطّعة بشكلٍ عنيف .. والقلّة منهم إختفوا تماماً ، كما حصل مع الأطفال الثلاثة السابقين .. ولم يبقى حيّاً سوى الشاب الذي خرج بين الدخان ، وهو يحمل جثة خطيبته التي تدلّت مصرانها من جسمها ! 

فأسرعت الشرطة بنقله إلى المشفى وهو في حالة ذهول ، وقد فقد النطق تماماً 


وأدّى تكرار الجريمة الغامضة إلى إغضاب زكريا الذي تذكّر تفاصيل ما حصل لأخيه الصغير وزملائه  

*** 


وبعد إقفال الشرطة السينما بالشريط الأصفر ، إنتظر زكريا عدة ايام للذهاب إلى هناك مساءً .. وأخذ يصرخ غاضباً امام الشاشة العملاقة:

- ايها الشيطان اللعين !! أعدّ لنا شبابنا المختطفين والأطفال الثلاثة في الحال !!!  


فظهر صوتٌ مخيف إرتجّ صداه في القاعة الفارغة : 

- يبدو أن الشرطة لم تصدّقك للمرة الثانية

فحاول زكريا عدم إظهار مشاعره المضّطربة ، قائلاً بقوة :

- لست خائفاً منك !! وسأكسر الشاشة كيّ لا تؤذي اهل منطقتي من جديد


وحمل زكريا إحدى الكراسي المحطّمة ، محاولاً كسر الشاشة العملاقة .. 

لتظهر فجأة ! زوبعةٌ إخترقت الشاشة باتجاه السينما .. وأخذت تدور داخل الصالة ، ساحبةً معها كل شيء : الستائر والكراسي المتفحّمة ، وايضاً زكريا الى داخل الشاشة !

***


بعد هدوء الوضع .. وجد زكريا نفسه في مدينة الجن المتواجدة اسفل السينما ! وفيها عبيد من البشر مقيدين بسلاسل بأيديهم وأرجلهم اثناء عملهم بالزراعة .. ومن يتوقف منهم ، يُجلد بالسوط من الشياطين .. وكان بينهم الشباب المفقودين منذ ايام ، واصدقاء أخيه الذين مازالوا اطفالاً رغم مرور ثلاثين عاماً على اختفائهم ! 


وقبل أن يستوعب ما رآه ، شاهد جنّياً يجرّ السلاسل باتجاهه لتقيده.. فأسرع زكريا بتسلّق السلّم الطويل الذي وجده بجانبه ، للصعود إلى فوق .. وظلّ يركض في صحراءٍ لا نهاية لها ، إلى أن ارتطم وجهه بالشاشة  العملاقة الشفّافة التي تفصل بين العالمين ..


فأخذ يضرب عليها (من الداخل) وهو يصرخ بعلوّ صوته ، ليساعده احد .. لكن صرخاته لم تخترق الشاشة ! خاصة بعد أمر رئيس البلدية للشرطة بإقفال السينما نهائياً ، فور هروب الناجي الأخير من المستشفى الذي يبدو إنه فقد عقله بموت خطيبته .. والذي قُبض عليه لاحقاً بعد قتله عائلته وثلاثة من جيرانه ، وأُرسل الى مستشفى المجانين بحراسةٍ مشدّدة.. 


وبذلك علق زكريا ورفاقه خلف شاشة السينما المهجورة ، دون أملٍ في نجاتهم ! 

الأربعاء، 19 مايو 2021

رحلة الأحلام

 تأليف : امل شانوحة

الراكب الوحيد


خرج جورج من شقته في الحيّ الفقير القريب من المطار ، قائلاً بحماس :

- أخيراً سأحقّق حلم طفولتي ، وأسافر لأوّل مرة في حياتي !! 


وحمل حقيبته الصغيرة التي بها بعض الملابس وجواز سفره ، متجّهاً لعمله في المطار ..


فهذا الشاب تمنّى دائماً أن يصبح طيّاراً ، بعد مراقبته آلاف الطائرات التي حلّقت وهبطت كل يوم ، من شرفة منزل اهله الذي ورثه بعد وفاتهم.. لكن لسوء أوضاعهم المادية ، لم يُكمل تعليمه ..

فتوظّف كعامل نظافة في المطار ..الاّ أن طموحه جعله يترقّى سريعاً في عمله ، بسبب نشاطه الذي لاحظه مدرائه في العمل ..


وهو اليوم ذاهباً لإستلام وظيفته الجديدة في ترتيب الحقائب داخل مخزن الطائرة .. ورغم انه لا يملك ثمن تذكرة السفر ، الا انه خطّط لهذه الرحلة بالذات للإنتقال الى بلدةٍ مجاورة ، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ..ثم العودة سريعاً الى وطنه (بذات الطريقة) كيّ لا يغيب عن عمله .. لكن عليه تنفيذ الخطّة بسرّية وحذر ، حتى لا يُسجن بسبب تهوّره ..  

***


في البداية انهمك مع زميله في ترتيب الحقائب داخل الطائرة ، التي كان بينها : قفصٌ حديديّ فيه كلبٌ بوليسيّ ، وتابوت لميت يُراد دفنه في مسقط رأسه !

ولم يبقى امامهما سوى ترتيب الحقائب الصغيرة .. فاستغلّ جورج نزول صديقه لإحضار حقيبةٍ علقت بالسلّم المتحرّك ، للصعود الى الطابق العلويّ للطائرة من خلال سلّمٍ صغير يصل المخزن بغرفةٍ خاصة لنوم المضيفين  


واختبأ هناك ، بعد إرساله رسالةً نصّية لصديقه : بأنه يعاني من مغصٍ شديد ، وأن عليه إنهاء العمل وحده .. 

فقام العامل الآخر بترتيب الحقائب الصغيرة ، قبل إقفاله مخزن الطائرة  وهو مُطمئن بأن جورج سبقه الى المطار ..

وجلس جورج في تلك الغرفة الصغيرة ، منتظراً بفارغ الصبر إقلاع الطائرة كما حلم دائماً ..

***


بعد ساعة ، بدأت الطائرة بالتحرّك أخيراً فوق المدرج .. قبل توقفها المفاجىء !

واستمع جورج الجالس أسفل الركّاب الى صريخهم من فوقه ، وهم يعترضون على توقّف الرحلة !

واستمرّ إرتباك الركّاب لفترة ، قبل سماعه صوتاً آخر قادماً من المخزن السفليّ ، دون معرفته حقيقة ما يحصل !

***


بمرور ساعةٍ أخرى .. إنتهى الضجيج تماماً ، وعمّ الهدوء المُقلق .. فنزل اولاً الى المخزن ، ليتفاجأ باختفاء الحقائب ونعش الميت والكلب ، كما حقيبة ملابسه الصغيرة التي دسّها بين أغراض المسافرين ! 

فصعد سريعاً الى فوق ، ليرى بأن الطائرة خالية من الركّاب .. فركض باتجاه قمرة القيادة ، ليجدها فارغة ايضاً ! 


والأسوء إن باب الطائرة مُغلقٌ بإحكام .. فراقب الوضع في الخارج من إحدى النوافذ : ليجد موظفي المدرّجات يشيرون لبقية الطيّارين بصفّ طائراتهم في أماكنها ، قبل عودتهم جميعاً الى المطار ! دون سماعهم لصرخات جورج وطرقاته العنيفة على النوافذ الجانبية للطائرة المحتجزّ بداخلها ..


ثم حاول تذكّر ما سمعه قبل إنزال ركّاب رحلته ، حيث صرخ أحدهم بغضب :

- ما ذنبنا أن تتوقف رحلتنا بسبب النتيجة الإيجابية لأحد المسافرين !!


ففهم جورج إن إدارة المطار تلقّت بلاغاً من المستشفى عن إصابة احد الركّاب بالكورونا .. فأسرع لقراءة صحيفة اليوم ، المتراصّة فوق طاولة الطعام التي لم تُفرّغ بعد من وجبات المسافرين .. وكان فيها :

((منظمة الصحّة العالمية تأمر جميع الدول بحظر رحلاتها الجويّة والبريّة والبحريّة ، وفرض الحجر العام للسكّان بعد انتشار جائحة كورونا وفقد السيطرة عليها))

وكانت هذه المرة الأولى التي تصدر فيها المنظمة أمراً بالحجر الصحّي العالميّ !


فتنهّد جورج بضيق :

- يالا سوء حظي ! أفي اول رحلةٍ لي يتوقف الطيران حول العالم .. ترى كم سيدوم الحجر ؟.. أكيد مجرّد ايام .. وحتماً سيأتي أحدهم لإفراغ الطائرة من الطعام قبل فساده .. حينها أُبلغ إدارتي إنني علقت في حمام الركّاب ، كيّ لا يطردوني .. حسناً لا داعي للهلع ، لأستمتع قليلاً بوجودي وحيداً هنا 

***


في البداية قام بتناول طعام الدرجة الأولى ، وتذوّق مشروباتها الغالية .. وهو يفتح الهدايا الخاصة للبيع .. 


ثم جلس في قمرة القيادة بعد لبسه معطف الطيّار وقبعته المتروكتان فوق المقعد ، وهو يشرب الشايّ الساخن اثناء تمثيله دور القبطان .. وأخذ يلعب بالأزرار المطفأة (لعدم وجود المفتاح) بعد بحثه مطوّلاً عن مفتاح إضافي لإدراة المحرّك في محاولته للطيران ، حتى لوّ انتهت تجربته بحادثةٍ كارثيّة .. او على الأقل يفتح به الباب الرئيسي للخروج من هذا المأزق .. 

لذا لم يكن امامه سوى إكمال تمثليته الخيالية وهو يتكلّم باللاسلكي مع المسافرين عن وجهة الرحلة ، تحقيقاً لحلم طفولته الذي حُرم منه بسبب فقر عائلته 


من بعدها نزل الى غرفة المضيفين ، وتمدّد على السرير وهو يقرأ المجلاّت والصحف .. الى أن غفى هناك

***


إستيقظ مساءً وهو يتصبّب عرقاً ، ليجد الظلام الدامس يخيّم على الطائرة ! فتلمّس طريقه صعوداً الى غرفة المطبخ التي بها اضواء ليليّة تعمل عند انقطاع الكهرباء المفاجىء .. ورغم انها اضواء خافتة ، لكن تكفيه في الوقت الراهن .. وتمنّى لوّ أن المكيفات تعمل ايضاً ، بعد أن أصبح الجوّ خانقاً .. 

وجلس في إحدى المقاعد لتناول طعام الدرجة الإقتصادية .. 


ثم فتّش خزائن الأمتعة فوق مقاعد الركّاب ، ليجد حقيبةً صغيرة نسيها صاحبها هناك .. ومن حسن حظه أن بها بيجامتين وبعض الغيارات .. ويبدو أن الرجل قصير القامة ، لكن ثيابه تفي بالغرض  


فاستحمّ جورج بدورة المياه الخاصة بالدرجة الأولى التي تحوي دشّاً وسخّان ماء التي يبدو أن خزّانها صغير ، مُقارنةً بحماميّ الدرجة السياحيّة ، لأنه اضّطر لإغلاقه بعد أن فاض بالمياه ! 


ثم غسل ملابسه الوسخة بحوض المطبخ ، ونشرهم على الحبل الذي وجده في خزانة الطوارىء خارج قمرة القيادة ، بعد أن ربطه في وسط الطائرة بين الباب الرئيسيّ وإحدى النوافذ ..

***


قبيل الفجر ..شعر بضيق النفس ، فاستجمع قواه لفتح الباب الرئيسيّ .. وبعد فشل جميع محاولاته ، أراد كسر إحدى النوافذ بدفع طاولة الطعام الحديديّة باتجاهها مراراً ، دون فائدة ! 


وبعد شعوره بالتعب .. نام في مقعد الدرجة الأولى بعد تمديده كسرير ، وهو يأمل أن يتنهي كابوسه صباحاً

***


ومرّت الأيام دون أن ينتهي الحظر الجويّ ! وبدأت الوجبات الغذائية تفسد الواحدة تلوّ الأخرى ، فتخلّص من الكثير منها في مكبّ المطبخ الذي امتلأ ببقايا الطعام ، لتصبح رائحة المكان لا تطاق .. 

واضّطر لتناول بعض المعلّبات مثل : الكافيار والأنشوفة الخاصة بالدرجة الأولى التي أثارت غثيانه .. فأسرع لبلع حبة دواء وجدها في صندوق الإسعافات الأولية ، كي لا يتقيّأ طعامه.. 


كما حرص دائماً على تدخين السجائر في مخزن الطائرة ، لحفظ الأكسجين المتبقي في غرفة الركّاب .. 

***


بعد اسبوعين ، شعر بإحباطٍ شديد .. فبحث في ادراج المطبخ عن سكين لقطع وريده بغرض الإنتحار ، بعد كتابة وصيته باكياً .. لكن جميع السكاكين التي وجدها غير حادّة ، تطبيقاً لقانون الطيران بعد عمليات الإختطاف الإرهابية المتكرّرة التي حصلت حول العالم.. 


وقبل أن يتملّكه اليأس ، تذكّر كتيّب التعليمات الموجود في غرفة استراحة المضيفين .. فقرأه باهتمام ، ليجد الطريقة المُثلى لفتح باب الطوارئ في حال تعطّلت الأجهزة الكهربائية في الطائرة ..

فأسرع لتطبيق التعليمات بدقةٍ وحذر ، ليتنفّس الصعداء بعد فتحه الباب أخيراً ..ووقف هناك ، متزامناً مع شروق الشمس ..


لكن لسوء حظه لم يُفتح المنزلق المطاطيّ (شريحة الإخلاء او منحدر الهروب) حيث يبعد الباب امتاراً كثيرة عن الأرض .. 

فأخذ يصرخ بعلوّ صوته ، لعلّ أحد العاملين في المطار يُقرّب له السلّم الحديديّ لإنقاذه ، إلا أن المطار بدى مهجوراً !


ولشدّة يأسه ، أغمض عيناه وهو يقفز للأسفل .. ليسمع صوت تكسّر عظامه ..مُطلقاً صرخةً عالية ، قبل إغمائه ! 

ولحسن حظه إن عامل النظافة خرج باكراً الى المدرّج ، فسمع صرخته المرعبة ، واتصل بالإسعاف فوراً  

***


في العام التالي .. أعلنت الحكومات إنهاء الحظر الجويّ ، لتعود حركة الطيران ضمن رحلاتٍ قليلة الى اماكن محدّدة ، مع تشديد قوانين السلامة بأخذ اللقاح ولبس الكمّامات الواقية 


وأخذ جورج يراقب إقلاع الطائرة من نافذة منزله القريب من المطار ، والدموع في عينيه :

- كان حلمي أن أطير ، والآن حلمي أن أمشي

وجرّ كرسيه المتحرّك بعيداً عن النافذة ! 


الأحد، 16 مايو 2021

زعماء الشرّ

 تأليف : امل شانوحة

السلام العالميّ


في المستقبل القريب .. تزايدت التهديدات السياسية بإقامة حربٍ عالمية ثالثة نوويّة بين الدول العظمى التي تنوي خوض المعركة القادمة كحلٍّ سريع للقضاء على أكبر عددٍ من البشر بعد تزايد الأزمات الإقتصادية والإجتماعية إثر أزمة كورونا.. 


وفي غضون هذا التوتّر المتصاعد ، وصلت رسالةٌ غامضة لمعظم إيميلات مواطنيّ الدول العظمى (دون علم السياسيين ورجال الدولة بها) ..كان مضمونها :


((انا شابٌ ثريّ ، لديّ جمعية من جنسياتٍ متعدّدة ..وهدفنا الوحيد : هو التخلّص من رؤوس الشرّ في العالم .. فإن كنت مثلنا لا ترغب بحدوث الحرب العالمية الثالثة ، وتظن إن التخلّص من رئيسك سينهي التوتّر السياسي القائم في بلادك ، قمّ بإنارة ضوءٍ أحمر خارج منزلك في الليلة التالية لرأس السنة بعد انتهاء الإحتفالات ، ونحن سنحلّ المشكلة))

وأنهى الإيميل بسؤال :

((أكتب اسم الشخص الذي تظن موته سيحقّق السلام العالمي ؟))

***


الغريب إن المنازل في عواصم الدول العظمى أُنيرت أسطحها ونوافذها بالأضواء الحمراء في الوقت المحدّد .. ليتفاجأ سكّانها باليوم التالي : بنبأ إختفاء زعمائهم وكبار الماسونيين وتجّار الأسلحة وغيرهم !

حيث أكّد بعضهم سماعه لصوت طائرة تحوم فوق القصر الجمهوري في وقتٍ متأخّر من الليلة الماضية ! 


ويبدو إن مشاركة الشعب بالإنارة أعطت الشاب الثريّ الضوء الأخضر لتنفيذ مخطّطه : عن طريق رميه قنابل منوّمة من طائرته الهليكوبتر باتجاه حرس القصور الرئاسية .. وبعد تنويمهم ، قام مساعدوا الشاب باختطاف الشخصيات المهمّة من غرف نومهم !

***


وتكرّر الأمر في معظم الدول العظمى : حيث اختفى اكثر من 12 رئيس دولة ، و7 زعماء ماسونيين ، و5 من اصحاب مخازن الأسلحة الضخمة في العالم ، و3 من علماء الذرّة (كانوا الأكثر ترشيحاً من الناس الذين أجابوا على سؤال الإيميل ، حتى إن بعضهم أرسل عناوين قصورهم ليُسهّل على الشاب الثريّ إيجادهم !)


في المقابل .. عمّت الإحتفالات البلاد بعد هدوء التحضيرات العسكريّة للحرب العالمية الثالثة ، عقب إضّطرابات سياسية حلّت بالوزراء والنّواب الذين خافوا أن يحين دورهم لاحقاً .. فتنازلوا عن مناصبهم وهربوا الى خارج البلاد ..

*** 


في البداية ظنّ الناس بمقتل اولئك الرؤساء الأشرار ، إلى أن قام الشاب المجهول بعرض يومياتهم مباشرةً على الإنترنت ، بعد حجّزهم في جزيرةٍ مهجورة (لم يوضّح للجمهور مكانها بالتحديد) داخل قصرٍ ضخم ، بجوارها زريبة مليئة بالمواشي والدواجن تكفيهم لسنوات إن أحسنوا رعايتها .. 


وقد خلا القصر من الأسلحة ، ماعدا السكاكين المخصّصة للطبخ وفأسين للحطب .. ووُضعت كاميرات خفيّة في ارجاء الجزيرة لمراقبتهم عن بعد 

***


في تلك الجزيرة النائية.. شعر الرؤساء باليأس بعد تأكّدهم أن لا وسيلة آمنة للخروج من هذا المأزق لارتفاع الجزيرة عن البحر ، وإحاطتها بصخورٍ حادّةٍ زلقة من كل جانب .. فكان عليهم التأقلم فيما بينهم ، رغم شدّة خلافاتهم السياسية .. 


فاعتمدوا اللغة الإنجليزية في حواراتهم .. وقاموا بتقسيم المهام : بين رعاية حيوانات الزريبة والطبخ ، والإهتمام بالخضراوات والفواكه المزروعة في حديقةٍ صغيرة تابعة للقصر .. 


ولم يكن الأمر سهلاً في البداية ! فجميعهم إعتادوا إعطاء الأوامر ، مما تسبّب بالكثير من المشاكل بينهم .. 

لكنهم بالنهاية رضخوا لواقع بقائهم طويلاً في هذا المنفى ، والذي ربما لن يخرجوا منه أحياءً .. خاصة بعد تزايد برودة الطقس ، وتدهور صحّة بعضهم الذين افتقدوا ادويتهم الضرورية .. 

***


مرّت شهور الشتاء بصعوبة على الرؤساء الغاضبين الذين تناقشوا كل ليلة طريقة التعذيب الأمثل للأشخاص الذين نفّذوا خطّة إختطافهم السرّية ..

*** 


وفي احد الأيام ، إشتمّوا رائحةً شهية قادمة من الخارج ! ليكتشفوا أن زعيم كوريا الشمالية يشوي غنمتين على الفحم .. فحصل شجارٌ حادّ بينهم ، لأن الحليب بالكاد يكفيهم ..خاصة بعد فرار 3 خرفان من الزريبة وسقوطهم من فوق الجبل ، لعدم وجود كلبٍ يراقبهم .. لكنه رغب بأكل اللحم لاشياقه لمذاقه المُدهن .. 


وحين أنهى الشواء ، أصرّ على حصوله على الحصّة الأكبر لقيامه بالمهمّة وحده.. 

فحصل تعاركٌ بالأيدي .. وفلتتّ زمام الأمور بعد هجوم الرؤساء على الطعام ، وهم ينهشون اللحم كالهمجيين .. بينما اكتفى الضعفاء بمراقبتهم عن بعد ، بقلقٍ شديد !  

***


لكن حين تجرّأ الزعيم الكوريّ على ذبح دجاجتين بعد اسبوع من تلك الحادثة ، لم يعد الرئيس الروسي يتحمّل إستهتاره بمصدر غذائهم الوحيد ..فهجم عليه بالسكين وطعنه بشكلٍ متتالي ، الى أن تركه مدرّجاً بالدماء ..


ورغم خوف الجميع مما حصل ، الا انهم ارتاحوا من الزعيم الكوري الذي تسبّب لهم بالكثير من المشاكل في الشهور الماضية .. وقاموا بحمل جثته الثقيلة ورميه من فوق الجبل ..

***


كانت تلك الجريمة الأولى التي حصلت على الجزيرة ، لكنها لم تكن الأخيرة .. فقد غضب تاجر الأسلحة بعد فوز عالم الذرّة عليه بالشطرنج والتفاخر بذكائه امامه .. فقام برمي المزهرية الزجاجية الثقيلة على رأس العالم ، أردته قتيلاً ! 

***


والأسوء ما حصل لاحقاً ، بعد موت الدجاج بمرضٍ غامضٍ أصابها ! فلم يعد لديهم سوى بقرة وغنمتين .. مما تسبّب بخلافاتٍ شديدة على أحقيّة من يحصل على كأس حليب ، ضمن جدولٍ دقيقٍ بينهم  


كل تلك المشاكل نُقلت مباشرةً عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، مع رفض الشاب الثريّ الإجابة على سؤال المتابعين المُكرّر : بمكان الجزيرة المهجورة ؟ 


ليشاهد العالم أجمع مقتل الرؤساء الأشرار الواحد تلوّ الآخر .. ولم ينجوا منهم سوى رئيس الماسونية (الخمسينيّ) الذي كان السبب في نشر الدسائس والفتن بين زملائه ..

فاحتفل وحيداً بحصوله اخيراً على القصر والزريبة ..وصار يردّد بصوتٍ عالي وهو سكران : بأنه ملك القصر والجزيرة !! 

***


بعد فترة .. شعر بالضيق من الوحدة ، واستصعب قيامه بجميع المهمّات داخل القصر وخارجه .. 

وقد اضّطر لاحقاً لذبح ما تبقى من المواشي ، بعد أن يبست الخضراوات لقلّة خبرته الزراعية ! فعلم إن موته محتّم إن لم يجد حلاً سريعاً .. 

***


وفي ذلك الصباح الباكر .. خاطر بحياته لمغادرة الجزيرة عن طريق تقيد نفسه بالحبل الطويل المصنوع من ملاءات سرائر زملائه التي ربطها ببعض ، للنزول فوق الأحجار الزلقة الحادّة..


إلى أن وصل قبيل غروب الشمس فوق حجرةٍ ضخمة ، هي الأقرب الى البحر .. ورغم ظهور الشاطىء من بعيد ، لكن السباحة تبدو مستحيلة وسط الأمواج الهائجة .. لذا وجد نفسه عالقاً هناك ! فتقوّس على نفسه فوق الصخرة طوال الليل .. 

***


في الصباح التالي .. لمح قارباً من بعيد ، فأخذ يصرخ بعلوّ صوته وهو يلوّح بقميصه .. ولحسن حظه إن الصيّاد رآه ، واقترب من الصخور لإنقاذه ..


وبعد ركوبه القارب .. أعطاه شربة ماء وشطيرة سمك ، تناولها الماسونيّ بنهمٍّ من شدّة جوعه .. 

واستلقى على أرضيّة القارب لينام قليلاً ، فهو لم يغفو طيلة الليلة السابقة ..

***


حين استيقظ عصراً ، تفاجأ باختفاء الشاطىء ! فأخذ يلوم الصياد :

- لما لم توصلني لبرّ الأمان ؟!! 

الصياد : كنت مشغولاً بتوزيع أقفاص الصيد في البحر 

- أعدّني حالاً !!

- الأفضل البقاء هنا لبعض الوقت ، فالجوّ ينذر بعاصفة 

- إذاً لنخرج من البحر قبل قدومها !

الصياد : حسب اتجاه الرياح ، فالعاصفة تقترب من الشاطىء

- وما يدريك انت !! هات المجذاف من يدك .. الا تعلم من اكون ؟ أعدني فوراً الى الساحل .. نفّذ الأوامر ايها التافه !! 


وحصل شجارٌ بينهما ، إنتهى بسحب الماسونيّ المجذاف من يد الصياد وضربه بقوة على رأسه .. ثم رميه بالبجر غارقاً بدمائه .. 

ليسرع بالتجذيف بكل قوته ، مع بدء هطول الأمطار التي تزايدت مع هبوب الرياح التي غيّرت مسار القارب ، وأبعدته عن الشاطىء مسافةً بعيدة .. 


وبعد ساعات من التجذيف .. أغميّ عليه من شدة التعب ، ونام في القارب محاولاً التدفئة بالشراع الذي تمزّق من قوة الرياح

***


حين استيقظ الماسونيّ صباحاً .. وجد نفسه في عرض البحر دون أثرٍ للشاطىء في أيّ اتجاه ! 


فندم على قتله الصياد الذي كان خبيراً بالبحر .. ورغم تأكّده من هلاكه ، الا إنه صرخ بغرور :

- انا ملك القارب !! وقيصر البحر !! وإمبراطور المحيط !! ..وقريباً سأعود للإنتقام من البشريّة بإقامةِ حربٍ عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر .. وبعد إبادة الغوغائيين جميعاً ، أصبح وحدي حاكم العالم !!!!


وضاعت ضحكاته الهستيريّة وسط الضباب في عمق المحيط ! 


الخميس، 13 مايو 2021

الخادمة الجريئة

 فكرة : أختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة

 

حبٌ لا يعرف المستحيل


في ريف إنجلترا ، بالقرن 18 .. دخل محامي السير إدوارد الى مكتبه في القصر ومعه الصحيفة :

- سيدي ، مقالتك الأخيرة أثارت حفيظة نساء من الطبقة المخمليّة في الدولة 

فردّ الكاتب إدوارد بلا مبالاة ، وهو مازال يطبع على الآلة الكاتبة :

- منذ متى يهمّني رأيهنّ 

- لكن سيدي..

الكاتب مقاطعاً بلؤم : سأحرص على إغضابهن أكثر في مقالتي القادمة

***


بعد اسبوع .. طرقت امرأةٌ فقيرة صهباء الباب الخلفي لقصر الكاتب ،  فخرج كبير الخدم ليسألها :

- ماذا تريدين ؟

- اريد العمل لديكم كخادمة ، لأصرف على والدايّ العاجزين ..

رئيس الخدم مقاطعاً : لا اريد قصة حياتك ، هل تجيدين الطبخ ؟

- نعم سيدي 


فقبل بتوظيفها ، لأن معظم خدم القصر من كبار السن الذين خدموا والديّ إدوارد المتوفيين .. 

لتبدأ الخادمة صوفيا على الفور بتنظيف الطّوابق العليا بالقصر ، مما أثار غيرة الخادمات القدامى لجمالها ونشاطها الملفتين ! 

***


بعد أسابيع .. تفاجأ الكاتب إدوارد بوردةٍ حمراء فوق مكتبه ! فرماها في سلّة النفايات بامتعاضٍ واشمئزاز ..


ثم تكرّر الأمر كل صباح ، مما أثار غضبه .. فنادى رئيس خدمه الذي سأل بدوره بقية الخدم ، دون معرفته الفاعل ..


ثم توقفت الورود لفترة .. قبل أن تظهر ثانيةً فوق مكتب السيد ، لكن هذه المرة مُرفقة بقصاصة ورق مكتوباً عليها بيتين من الغزل المحترم ! 


ورغم ضيق إدوارد من هذه التصرّفات الطائشة ، إلّا أنه أُعجب بالشعر الذي لم يسمعه من قبل ، وكأنه أُلّف خصيصاً له !

فصار يحتفظ بقصاصات الشعر في درج مكتبه ، ويشمّ الوردة لثواني قبل رميها في القمامة 

***


بعد أيام .. وضع الوردة لأول مرة في كأس الماء الموجود امامه ، وتابع طباعة مقاله على الآلة الكاتبة .. 

فدخلت الخادمة الجديدة لإعطائه كوب القهوة .. فانتبه إدوارد على ابتسامتها ، فسألها بتهكّم :

- مالذي يسعدك هكذا ؟!

- لا شيء .. 

وقبل خروج صوفيا من مكتبه ، قالت بشكلٍ سريع :

- وردةٌ جميلة 

وأقفلت الباب ، قبل استفهامه عمّا تقصده !

***


وفي أحد الأيام .. وبينما صوفيا تنشر الغسيل في الحديقة الخلفية ، سمعت صراخاً غاضباً للسيّد إدوارد !

فتوجهت نحو الحديقة الأماميّة .. لتجد الخدم مُتجمعين حوله ، لمشاهدة عقابه لعبده الذي أهمل عمله في مزرعته ..


لكن قبل أن يجلده ، فاجأت صوفيا الجميع بإمساك يده وهي تقول :

- سيُحسن العمل في المرة القادمة ، لا داعي لتعذيب الفتى

مما أغضب إدوارد كثيراً ، فأمر رئيس خدمه :

- جهّز هذه الخادمة الحمقاء للجلد !!

فقالت له :

- وأنا موافقة بأن أُجلد بدل العامل ، لكن وحدنا بعيداً عن أعين الشامتين


فذُهل عاملي القصر ، بمن فيهم السيّد من طلبها الجريء !

فشدّها من يدها ، لإدخالها مكتبه وجلدها هناك .. 

بينما أسرع العبد اليافع الى الحقل ، قبل أن يغيّر السيّد رأيه .. ونزلت الخادمات الى المطبخ بأمرٍ من رئيسهم ، في انتظار عودة صوفيا باكية ومتألّمة إليهن !

***


في المكتب .. طلب منها الإنحناء لجلدها ، فتقدّمت نحوه لتهمس في إذنه :

- انا صاحبة الورود الحمراء ، هل أعجبك شِعري ؟ 

فسقط السّوط من يده ! 

واستغلّت ذهوله ، للخروج سالمة من مكتبه ..

***


وحين نزلت الى المطبخ ، تجمّعت حولها الخادمات وهنّ يسألنها باستغراب:

- كيف عُدّت بهذه السرعة ؟!

فأجابت بابتسامة : السيّد لن يؤذي حبيبته 

فعاتبتها كبيرتهن :

- إخرسي قبل أن يسمعك رئيسنا ، وتكون عاقبتك وخيمة

فاقتربت منها وهي تقول بثقة :

- بل ستشهدنّ قريباً مراسم عرسنا


وعادت الى غرفتها ، تاركةً الخدم يتحدثنّ عن طموحها الجنونيّ الذي سيودي بحياتها !  

***


بعد تلك الحادثة ، إختفت الورود من جديد ! 


وفي أحد الأيام .. وبينما إدوارد مجتمعاً مع رفاقه الكتّاب في القهوة ، لمناقشة مقاله الأخير الذي أغضب النساء في جميع أنحاء إنجلترا بعد وصفهنّ : بالرخيصات والإستغلاليات اللآتي يبعن كل شيء حتى شرفهن لأجل المال .. 


وأثناء عتاب زملائه على كلامه القاسي ، إنتبه إدوارد لوجود ورقة في جيبه ! 

فابتعد عنهم لقراءتها ، ليجد فيها :

((حتى التوائم لا تتشابه بالطّباع ، وكذلك النساء .. فبعضنا مخلصات للحبيب .. تذكّر ذلك جيداً ، عزيزي إدوارد))


فعلم إنها رسالة من خادمته الصهباء التي أشعرته بالإهانة لعدم ذكرها لقب سيد او سير ، او حتى صفته ككاتب !

***


بعد عودته القصر ، طلب من رئيس خدمه إرسالها الى مكتبه .. وحين دخلت ، صرخ في وجهها وهو يمسك قصاصة الورق :

- كيف تجرأين على مخاطبتي كأني في مقامك الدنيء ايتها البلهاء ؟!! وماذا قصدّتي بموضوع الخيانة والإخلاص ؟ 

فأجابته بنبرةٍ حزينة : كان حدسي في مكانه ، فقساوتك وراءها خيانة امرأة .. فقد علمت مؤخراً بشأن حبيبتك السابقة التي تركتك للزواج من ثريّ ، والتي بسببها إجتهدّت بعملك لتصبح غنياً .. 


إدوارد مقاطعاً بغضب : إيّاك أن تتعدّي حدودك معي ، ايتها الخادمة!!

فردّت بحنق : اولاً اسمي صوفيا .. وأنا أعرف حدودي جيداً ، وأتمنى أن تعرفها انت ايضاً.. ولولا وسامتك ، لكان لي كلامٌ آخر 


وخرجت من مكتبه ، وهو منصدمٌ من قدرتها الغريبة بالسيطرة على إنفعالاتها ومشاعرها ، كما تأثيرها القويّ عليه ! 

فهو صادف الكثير من النساء الجميلات في حياته ، لكن قوّة شخصيتها أثارت إهتمامه وأشغلت تفكيره !

***


بعد ذلك النقاش .. أصبح يجد رسائلها بين كتبه ، أو في خزانة ملابسه وهي تمدحه بصفاته الجميلة : ككرمه وحسن اخلاقه ، وثقافته وبراعته في الكتابة.. وكانت تختم رسائلها بالعبارة ذاتها :

((إخلع قناع القسّوة عن وجهك ، فهو لا يليق بجمال روحك الداخلية))


وقد أعجبه طريقة كتابتها التي تُظهر ثقافتها اللغوية ! 

لكنه لم يعدّ يلتقي بها كثيراً ، لانشغال كلاهما بالعمل ..

***


من بعدها توقفت رسائلها تماماً ! فأخذ يبحث في ادراج مكتبه وغرفة نومه ، دون أن يجد أثراً لها .. 

فنزل الى المطبخ للبحث عن صوفيا ، ممّا فاجأ الخادمات اللآتي توقفنّ عن العمل فور دخوله !


وحين لم يجدها هناك ، صرخ بارتباك :

- أريد كوب قهوة !!

فأسرع رئيس الخدم اليه ، وهو يقول :

- حاضر سيدي ، سأرسلها مع إحداهنّ بعد قليل

وعاد السيّد مهموماً الى مكتبه ..

***


بعد قليل .. دخلت خادمةٌ عجوز ومعها القهوة ، فسألها :

- عادةً صوفيا تحضرها لي !

- هي مريضة يا سيدي

وتركته مُتخبّط المشاعر..

***


في المساء ، جافاه النوم ! فأخذ يتساءل في نفسه : 

((لما لا أنام ؟! هي مجرّد خادمة ، لما أنا قلقٌ عليها هكذا ؟! .. ماذا بك يا إدوارد ! هل فقدت عقلك ؟!!))

 

وبعد أن أتعبه الأرق .. أخذ يتجوّل في قصره ، مُشتّت التفكير .. الى أن وجد نفسه واقفاً قرب غرفة الخدم !

وقبل دخوله الى هناك ، سمع سعالاً قوياً قادماً من العليّة !


فصعد الى فوق ، وفتح الباب .. ليجد صوفيا تسعل بألم ، وهي نائمة في غرفتها الباردة المُعبّقة برائحة الرطوبة .. وكانت المرة الأولى التي يراها بثياب النوم ، وشعرها الأحمر مسدولاً فوق كتفيها .. وحين وضع يده على جبينها المتعرّق ، أحسّ بحرارتها العالية .. 


فأسرع بحملها وهي فاقدة الوعي من شدة المرض ، متجهاً الى غرفة نومه 

ثم صرخ منادياً رئيس خدمه الذي استيقظ مع إحدى الخادمات ..والّلذان أسرعا اليه ، ليتفاجآ بصوفيا في سرير السيّد الذي طلب منهما إحضار الطبيب فوراً !

***


لاحقاً أعطاها الطبيب الدواء المناسب الذي جعلها تستردّ وعيها .. في الوقت الذي كانت فيه الخادمة تنشر خبر العلاقة السرّية بين صوفيا والسيّد لبقية الخدم..


في هذه الأثناء .. إستيقظت صوفيا لتجد نفسها في غرفة إدوارد ! فابتسمت بتعب :

- كنت أعرف إنك تحبني أيضاً 

فارتبك من كلامها ، وانتفض قائلاً :

- إسمعي يا صوفيا !! إن كنت تخطّطين لإيقاعي بحبك ، فأنا لا أنوي الزواج من خادمتي

فقالت له وهي تخرج من سريره :

- تقصد حبيبتك


ورغم غيظه من عنادها ، إلّا أنه سألها :

- الى أين تذهبين ؟

- الى غرفتي

- رطوبة تلك الغرفة أصابتك بالمرض ، لما لا تنامين مع بقية الخدم ؟

صوفيا : لأني أحب الخصوصيّة

- اذاً نامي في الغرفة المجاورة .. وإيّاك الإعتراض ، فهذا أمر!! 


صوفيا بابتسامةٍ حنونة : كما تشاء .. وفي المرة المقبلة لا تستغلّ مرضي لتقبيلي ، فأنا لا أحب أن يلمسني أحد سوى زوجي

فقال بعصبية : قلت لك !! مستحيل أن أفكّر..

فقاطعته قائلة : غداً تغيّر رأيك .. تصبح على خير ، يا حبيبي الغالي

وتركته كعادتها ، مذهولاً من ثقتها الشديدة بنفسها !

***


ومع الأيام ..تعوّد على طريقة كلامها معه ، ونصحها الدائم له ..ليس فقط في حياته العامة ، بل ايضاً في مجال عمله .. 

حيث لحقته يوماً الى السوق قبل إتمام صفقته مع تاجرٍ ، لبيع خضار حقله .. وأخبرته إنه تاجرٌ سيء السمعة ، ومن عادته الإخلال بتنفيذ إلتزامات عقوده التجارية.. 

وبعد تشكيكها بنزاهته .. سأل عنه تجّار آخرين ، أكّدوا صحة كلامها ! فألغى الإتفاقية بينهما ، قبل خسارته ثمن محصول العام .. 

***


بعد عودته الى القصر .. سألها عن كيفية علمها بأخبار التجّار والسوق ، فأجابته : 

- لديّ أقارب يعملون هناك ، وهم أطلعوني على تلك المعلومات 

- وما السبب الحقيقي للحاقك بي قبل إتمامي العقد مع ذلك المخادع ؟ 

صوفيا : لأني عرفت بشأن ضائقتك المادية ، بعد قرار النساء بعدم شراء كتابك الأخير.. 


إدوارد مقاطعاً : لا تشغلي نفسك بأحوالي المادية ... إلّا اذا كان هذا الموضوع هو همّك الوحيد 

- أتدري يا إدوارد .. لوّ أزلت قناع الغرور والقسّوة عن وجهك ، ستعرف إن هناك اشياء كثيرة مشتركة بيننا 

- يبدو انك مازلتِ تخطّطين للتقرّب مني ، رغم إنني أفهمتك أكثر من مرة بأن هذا مستحيل .. فأنا تعبت كثيراً للوصول لهذه المنزلة الإجتماعية ، ولن أدمّر سمعتي بزواجي من خادمة 


صوفيا بتحدّي : يوماً ما ستندم على غطرستك هذه 

- كلامك يستفزّني كثيراً !! ولولا إنك أنقذتني من ورطةٍ مادية كبيرة ، لطردتك فوراً .. لكن بطبعي لا أنسى المعروف ابداً ، لهذا سأضاعف أجرك ..  


وقد أثار زيادة راتبها غضب وغيرة الخادمات القدامى اللآتي أفرغن حقدهن بمضاعفة عملها في القصر..

إلّا أن صوفيا لم تكترث لهن ، فهدفها الأول هو نيل ثقة ومحبة السيّد الذي مال قلبه لها بالفعل 

***


بعد شهر ..عاد السيّد الى قصره سكراناً ، بعد حفلٍ حضره علّية القوم من الشخصيات البريطانية .. 

ودخل غرفتها وهو يقول بامتعاض :

- جميعكن متشابهات !! تافهات ، ولا ترغبن سوى بالمنصب والمال  

فاقتربت منه وهي تقول بابتسامةٍ حنونة :

- لا يهمّني مالك .. ما اريده هو هذا 


وأشارت الى قلبه ، لتتفاجأ به يهجم عليها بشغف ! إلّا انها صفعته بقوة ودفعته خارج غرفتها ، وأقفلت بابها .. لتنهار ببكاءٍ شديد ، بعد فقدان ثقتها به لتصرّفه الأهوج .. 

فعاد حزيناً الى غرفته المجاورة

***


في اليوم التالي ، بحث عنها في أرجاء القصر .. إلى أن أخبرته إحدى الخادمات بأنها رأتها تهرب قبيل الفجر ، وسألته إن كانت سرقت شيئاً من غرفته .. 

فصرخ في وجهها :

- أعرف بشأن الشائعات القذرة التي نشرتموها عن صوفيا ، ولولا تدخل رئيس الخدم لطردكنّ جميعاً .. هيا أغربي عن وجهي!!


فأسرعت الى زميلاتها لتخبرهنّ عن غضبه الشديد ، بعد رحيل صوفيا التي نجحت بسرقة قلبه !

*** 


بعد غيابها .. بحث إدوارد عنها في كل مكان ، دون إيجادها ! 

فطلب من أحد عبيده الموهوبين ، أن يرسم صوفيا .. ثم طبعها في عدّة نسخ .. ألصقها خادمه في الأماكن العامّة ، بعد أن كتب السيد تحت رسمتها:

((عودي إليّ يا صوفيا ، وأعدك أن نتزوج سريعاً.. حبيبك : السير إداورد))

***


بعد أسابيع .. مرّت الكونتيسة إليزابيث بعربتها الفخمة بجانب الحديقة العامّة ، فانتبهت على الإعلان المُلصق على الشجرة .. فأمرت سائقها بإحضاره لها ..


وحين شاهدت الرسمة والوعد المكتوب أسفله ، قالت باستغراب :

- يبدو أن الكاتب إدوارد ، كاره النساء ، وقع أخيراً في الحب ! ..(ثم نادت السائق) : أعدني الى قصري !!

وهمست لوصيفتها التي تجلس بجانبها في العربة :

- لنبدأ التجهيزات في الحال

الوصيفة : حاضر سيدتي 

***


في اليوم التالي .. دخل المحامي الى مكتب إدوارد وهو يحمل رسالةً ملكيّة ، قائلاً بارتياح :

- الكونتيسة إليزابيث تريد زيارتك غداً

فأجاب إدوارد بيأس : قلّ لها إنني مشغول

- سيد إدوارد ! انت أهملت عملك كثيراً في الفترة الماضية ، ممّا زاد من ضائقتك المالية .. وأنت تعلم جيداً إن محصول أرضلك لم يكن جيداً هذه السنة ، وإن عليك إستحقاقات ومصاريف مادية ..

إدوارد مقاطعاً بضيق : أعرف هذا ! 


المحامي : اذاً عليك مقابلتها ، لربما ساعدتك ..

فتنهّد إدوارد بضيق : حسناً .. سأخبر خدمي أن يجهّزوا الوليمة ليوم الغد ، مع إني لا أشعر برغبة لرؤية احد

***


في اليوم التالي .. نزل إدوارد لاستقبال الكونتيسة التي قارب موعد وصولها الى قصره ، ليتفاجأ بتجمّع خدمه قرب البوّابة الرئيسية ! فأمرهم بالعودة الى المطبخ ، لكن رئيس خدمه قال له :

- سيدي .. وصلنا أمر من مساعد الكونتيسة بجمع كل خدمك لاستقبالها

إدوارد باستغراب : غريب ! لما تهتم بهنّ ؟! 


في هذه اللحظات .. وصلت عشرون عربة تابعة للكونتيسة إليزابيث الى القصر مليئةً بالمؤن الغذائية والتماثيل الفخمة وحقائب الملابس ، المقدّمة كهدايا منها الى السير إداورد ..


وحين نزلت من عربتها ، همست لمساعدها الذي اقترب من إدوارد قائلاً :

- الكونتيسة تسمح لك برفع الخمار عن وجهها 


وحين فعل ، شهق الجميع برؤية الصهباء صوفيا !

إدوارد بدهشة : أهذا أنت ؟!

الكونتيسة : نعم انا .. هل صدّقت الآن حين أخبرتك مراراً إن ثرائك ومكانتك الإجتماعية لا تهمّني ؟


وهنا انتبهت على الخادمات اللآتي ترتجفنّ خوفاً بسبب معاملتهنّ السيئة لها ، وإطلاقهنّ الشائعات المسيئة لسمعتها .. 

فقالت لهنّ :

- لا تخفنّ !! فأنا أناهض العنصرية ضدّ العبيد ..(ثم نظرت الى إدوارد)..وضدّ النساء ايضاً ..  

فقال إدوارد متلعثماً : سيدتي ، أعتذر من ..


فقاطعته قائلة : الآن أصبحت سيدتك ! لا يهم .. أتدري سيد إدوارد .. لطالما إستفزّتني مقالاتك المسيئة للنساء ، لهذا أردّت معرفة كرهك لنا عن قرب .. لأعلم لاحقاً بأن قسوتك نابعة من كسّرة قلبك ، لهذا غفرت لك .. بل أكثر من ذلك .. وقعت في حبك .. فهل كنت صادقاً بما كتبته في الإعلان ؟

- نعم صوفيا ، أنوي حقاً الزواج بك  

- اذاً لنفعل ذلك

- وانا مستعدّ ، في أيّ وقتٍ تحدّدينه  

ففاجأته قائلة : لنتزوج الآن !!

 

ونادت الراهب الذي نزل من إحدى عرباتها .. كما خرجت وصيفاتها من  عربةٍ أخرى مليئة بملابس الكونتيسة ومجوهراتها ، وهنّ يحملنّ الصندوق الكبير الذي فيه فستان فرحها 


ثم غمزت الكونتيسة للسير إدوارد بغزل ، وسألته بدلال : 

- ماذا تنتظر ؟ 

فنادى السيد بصوتٍ عالي وبحماس :

- ليدخل الجميع الى القصر ، لبدء تجهيزات العرس !! 


وأمسك إدوارد ذراعها ، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامةٍ عريضة .. ودخلا معاً القصر .. وتبعهما الجميع لحضور مراسم عرسهما الملكيّ !


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...