الاثنين، 21 أكتوبر 2024

المكتبة المشبوهة

كتابة : امل شانوحة 

 

الثقافة الإجباريّة !


إعتاد جيم المغامر على السفر من بلدةٍ لأخرى لاستكشافها .. وفي دولةٍ اوروبيّة أضاع طريقه باتجاه العاصمة ، ليصل الى قريةٍ ريفيّةٍ هادئة .. وأول ما لاحظه هو خلوّ الشوارع من المارّة ! فظن ان سكّانها معتادون على النوم باكراً مع غروب الشمس ..

فمشى بين احيائها الهادئة بمحالها التجاريّة المُقفلة ، الى ان وصل لمكتبتها العامة   الوحيدة المضاءة هناك ! 


فاعتراه الفضول لرؤيتها .. وحينما دخل ، أُصيب بالذهول ! فهي مُكتظّة بالشباب والمراهقين اليافعين المُنشغلين بالقراءة ، لدرجة ان لا احد التفت اليه رغم كونه غريب عن المنطقة ! 

حيث بدا كأنهم يحاولون انهاء كتابهم بأسرع وقتٍ ممكن ، ليقوموا بتلخيصه على اوراقٍ بجانبهم.. وكان معظمهم اصغر من سن اربعين ، فيما عدا أمين المكتبة السبعيني الذي يمشي بين الطاولات ، كأنه مُراقب على امتحاناتٍ رسميّة ! بعد منعهم من التحدّث فيما بينهم .. 


وسرعان ما لاحظ العجوز ، جيم الذي جلس بعيداً عنهم .. فاقترب منه هامساً :

- هل ستطيل البقاء في بلدتنا ؟

فاستغرب جيم من سؤاله الغير لبق ، كأنه يستعجل رحيله !

جيم :  لا تقلق ، سأذهب في الصباح الباكر

العجوز بحزم : إذاً رجاءً ، لا تُحدّث احداً لحين رحيلك..


ثم وضع كتاباً ضخماً امامه :

العجوز : اقرأه بصمت ، او نمّ في سيارتك دون لفت الأنظار اليك

فنظر جيم لعنوان الكتاب ، ووجده تاريخيّ..

جيم : اريد إختيار كتابي بنفسي

العجوز : كما ترى ، جميع الكتب مُختارة من شبابنا.. وليس امامك سوى هذا الكتاب ، فإما أن تقرأه او تخرج بصمت 


وكان كلام العجوز واضحاً وصارماً ، كأنه تهديد مُبطّن بالرحيل عن منطقتهم !

فأخذ جيم يتصفّح الكتاب مُرغماً ، كيّ يُبعد العجوز عنه ..والذي عاد لمكتبه ، لقراءة كتابه الخاصّ !


وهنا سمع جيم صوتاً هامساً خلفه ، لفتاةٍ وضعت قصة امامه ..وهي تقول بصوتٍ مُرتجف :

- اقرأ هذا الكتاب .. رجاءً !!

ثم اسرعت بالعودة لمكانها قبل ان يراها العجوز ، وكأنها مرعوبةً منه !


ففتح جيم القصة ، ليجد ان الفتاة احاطت بعض الكلمات بدائرة .. فجمع الكلمات ، لتظهر الجملة التالية :

((ارجوك ساعدنا .. العجوز يراقبنا.. اهلنا بخطر))


فتأكّدت شكوكه بوجود شيءٍ غامض بالمكتبة ! وعاد لمراقبة الشباب المُنغمسين بالقراءة ، وتلخيص كتبهم بكل دقّةٍ وحذر .. ليلاحظ نظراتهم المرتعبة للعجوز ، كأنهم في امتحانٍ مصيريّ ! 


فجلس جيم بجانب مكتب العجوز ، وهو يمثّل اندماجه بقراءة الكتاب التاريخيّ الضخم الذي اختاره له.. ليشاهد احد الشباب يتقدّم من العجوز ، لتسليمه مجموعة من الأوراق المكتوبة بخط يده :

- سيدي .. إنتهيت من تلخيص الكتاب الأدبي الذي أعطيتني ايّاه .. هل يمكنني محادثة اهلي الآن ؟

العجوز : إنتظر ريثما اقرأ ملخّصك ، فأنا احفظ جميع كتبي .. فإن كان تلخيصك رديئاً ، سيتم معاقبة اهلك على اهمالك

الشاب بخوف : لا سيدي ! احلف انني لخّصته جيداً

- اذاً عدّ الى مكانك ، حتى آذن لك بالحديث معهم 


وبالفعل جلس الشاب مكانه ، وهو يحرّك قدمه بارتباكٍ واضح ! الى ان انتهى العجوز من قراءة تلخيصه .. ثم اشار بيده ، ليقوم الشاب بالإقتراب من مكتبه

العجوز : ادخل الى غرفة الهاتف الأرضيّ.. معك دقيقتيّن فقط.


فسارع الشاب لدخول غرفةٍ خشبيّة بزاوية المكتبة ، بزجاجها المانع للصوت .. وتحدّث بالهاتف بلهفة ، والدموع تسيل من عينيه !


وبعد دقيقتيّن ، خرج باتجاه مكتب العجوز :

- سيدي ، لم أتمكّن من الحديث مع والدي للإطمئنان عليه

العجوز : ان كنت تريد سماع صوته ، فخذّ ذلك الكتاب الأخضر على الطاولة ..وابدأ بقراءته وتلخيصه ، فأنت تعرف القوانين جيداً

- لكنه كتابٌ ضخم !

- اذاً عدّ الى منزلك ، وابدأ بقراءته غداً

فخرج الشاب حزيناً من المكتبة..


ففهم جيم بأن العجوز يحتجزّ اهالي الشباب بمكانٍ ما ، ويمنع تواصلهم مع ابنائهم لحين انتهائهم من تلخيص أحد الكتب من مكتبته الضخمة .. الذي يبدو انها قرأها جميعاً طوال حياته ، ويحفظ أدقّ تفاصيلها ! 


فقرّر جيم الإنتظار بالمكتبة ، لحين خروج الشباب الثلاثين (اولاد وبنات) بعد حصول بعضهم على حقّ الإتصال بأهله لدقيقتيّن فقط ، بينما لم يحصل الباقين على هذه الميزة لحين انهاء كتبهم الضخمة في الأيام القادمة !

^^^


وقبل إغلاق المكتبة .. تحدّث جيم مع العجوز عن شكوكه نحوه

جيم مُهدّداً : انا سائحٌ لديّ الحرّية بالبقاء في مدينتك او الرحيل منها .. وفي حال تأكّدت من أذيّتك لأهلهم ، سأتصل بالشرطة فور خروجي من هنا

العجوز : إسمعني جيداً ، وما سأقوله يبقى سرّاً بيننا.. انا مُتفق مع الأهالي مُسبقاً على هذا العقاب

- لم افهم !

- قبل سنتيّن كدنا نخسر شبابنا بعد هوسهم بوسائل التواصل الإجتماعي ، ورفضهم مساعدة اهاليهم في الإسطبلات والحقول .. حيث قضوا جلّ وقتهم على الحواسيب والجوّالات ، مُهملين دراستهم وعلاقاتهم الإجتماعيّة والعائليّة ..ولكوني رجلٌ غريب الأطوار ، قضيت معظم حياتي داخل مكتبتي .. فقد اتفقت مع الأهالي على عطلةٍ مجانيّة لهم ، حيث أرسلتهم على حسابي الى الشاليه الضخم الذي املكه على شاطئ المنطقة المجاورة .. 


جيم : آسف على المقاطعة .. لكن تبدو ثريّاً ! 

- نعم ، فأنا الوريث الوحيد لأملاك قريبي المليونير .. المهم دعني أُكمل لك الخطّة : فقد اتفقت مع الأهالي على ترك جميع اعمالهم لأولادهم الذين سحبت جوّالاتهم وحواسيبهم منهم بالقوّة ، بعد ان أوهمتهم باختطاف اهاليهم الذين سجّلوا صرخاتهم الوهميّة ، كأن رجالي يقومون بجلدهم وصعقهم كهربائيّاً ! بينما هم بالحقيقة يستمتعون بعطلتهم على البحر.. وكان شرطي لإطلاق سراحهم : هو انهاء كل شاب للألف كتاب الذي املكه بمكتبي ، من جميع المواضيع الأدبيّة والدينيّة والتاريخيّة والسياسيّة وغيرها ، بعد تلخيصها بشكلٍ دقيقٍ ومحترف.. عدا عن عملهم الصباحيّ في الإسطبلات والحقول ، لكيّ أُعيد لهم حسّ المسؤوليّة ويزدادوا نضوجاً 


جيم : وكم مرّ على بدء العقاب ؟!

العجوز : شهران وبضعة ايام .. وحالياً بدأوا الإعتياد على هذا النظام الصارم ، وصاروا يحضرون وحدهم الى المكتبة بعد انهاء واجباتهم العمليّة .. وبذلك تأكّدت من انفتاح عقولهم اخيراً للمعرفة والمعلومات المفيدة ، بدل المعلومات التافهة المنتشرة بالإنترنت التي كانوا مُدمنين عليها .. كما زاد شوقهم لأهاليهم الذين كانوا عاقّين معهم ، ولا اظنهم سيعصونهم ثانيةً بعد عودتهم اليهم من عطلتهم .. لكن هذا اللقاء لن يحصل ، قبل انهائهم جميع كتبي المفيدة التي ستطوّر عقولهم وطريقة تفكيرهم بالمستقبل .. وهاهم أنهوا نصف العدد تقريباً .. لهذا رجاءً لا تفسد خطتنا.. فنحن نحاول إنقاذ اولادنا من اضرار الحضارة الحديثة


جيم : حسناً كما تشاء ، رغم كونه عقاباً غريباً ! 

- لم يكن امامنا حلٌ آخر .. ماذا عنك ، متى سترحل من هنا ؟ اخاف ان يطلب منك احدهم جوّالك للإتصال بالشرطة ، وبذلك تقضي على خطتي المُحكمة التي اتفقت عليها مع اهاليهم ، لمصلحتهم الشخصيّة 

جيم : سأرحل الآن ، إن اعطيتني خريطة توصلني للعاصمة 

فأعطاه العجوز خريطةً ورقيّة ، وهو يقول : 

- رجاءً لا تخبر أحداً عن قريتنا الريفيّة ، فنحن لا نحب السوّاح الأجانب 

- كما تشاء ، سيدي

^^^


وبالفعل رحل جيم آخر الليل باتجاه العاصمة ، وهو يتساءل في نفسه : ان كان عقاب امين المكتبة عادلاً بحقّ شباب قريته ، كعلاجٍ نهائيّ لهوس الشباب بالتكنولوجيا المُضرّة لعاداتنا وتقاليدنا التربويّة .. ام هناك حلٌ آخر أقلّ تطرّفاً من إرعابهم على مصير اهاليهم ؟! 


وأنتم !! هل توافقون على تصرّف العجوز لإنقاذ شباب قريته من التخلّف التكنولوجيّ الحديث ، ام لديكم خطةً افضل لإعادتهم لطريق الخير والصواب ؟!


هناك 7 تعليقات:

  1. كنت قرأت بالإنترنت البارحة سؤالاً :(ماذا لوّ وجدت رسالة تهديد في كتاب استعرته من مكتبة عامة ؟!) فخطرت ببالي هذه القصة ، اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. مهلا مهلا ..ايتها الفتاۃ الحالمه ..تسيرين بخطی حثيثه الان صوب اوسكار..خاتمه مسرحيه مذهله ..💐
    حسنا ..برايي ان هذا الجيل لا فاءده ترتجی من وراءه ..جيل الاندرويد ..وبطبيعۃ الحال ستكون الاجيال القادمه ..اشد وضاعه وحولا وتخلفا ..واعتقد شخصيا انه يجب قتل 99 % من البشر ..لتنظيف الكوكب الذي يحتضر ..والحل الاخر هو معسكرات الغولاغ
    ..التي اقامها الاتحاد السوفيتي في ايام الاشتراكيه ..حيث يجمع الرجال والنساء والشباب والمراهقين للعمل جميعا معا داخل المزارع والحقول وحظاءر المواشي والطيور ..وما سوی ذاك فانه حرث في الماء ..كما يقولون ..
    امل ..وددت لو افردت تعليقا للدعاء علی الظالمين ..ان سمحتي ووافقتي علی نشره ..وان لم يكن فلا باس ..احتفظي به عندك لقراءته في تابين الفقيد ..

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة انها اعجبتك .. ونشرت كلامك لبطة ، اتمنى عودتكما قريباً

      حذف
  3. واذ يصادف اليوم عيد التاءتاءه ..حيث كلما الححت عليكي وتعرفين نفسك جيدا .. للمجيء لخطبتك ..تقولين توء توء ..اصل عمي مات ..اصل خالي اتحرق ..اصل خايفه ..لا متردده .. وددت لو قلت لكي يابطتي العزيزه ..
    منك لله يابطه يابنت ازهار ....حسبي الله ونعم الوكيل ...اشوف فيكي يوم كده ملوش ملامح ....الهي يجيلك ويحط عليكي يابعيده...يطلعوا عليكي في رجب اللي جاي....قبل حلول عيد ميلادك ال38 .... قادر كريم تجب دعاءي ...تنامي وانتي واقفه زي الحصان ...او البغل يا بقره ...
    يجيكي عله ما ليها دوا ...ويحتاروا بيكي ويلفوا علی الاطبا والحكما ...وما الذي حدث اصلا .... ان خنتك مع 3 بنات اخريات ...هل قامت القيامه ? ....اعتقد انني لم اتجاوز الحد الاقصی شرعا ...
    فيا ايتها البطه المسلحبه ....انتظر عودتك راكعه نادمه مثل كل مره يعني ...كي تعتذرين ....فربما اعفو عنكي واسامحك ....لانك تعلمين انكي تجلسين متربعه داخل مهجۃ فوءادي ....ايتها اللعينه ....ولا تخفی علي تعليقاتك الغير معرفه لاستفزازي ...اعلم جيدا انكي تموتين شوقا ووجدا وهياما بي ....وساستمر باحراجك هكذا .... حتی اسمع من فمك الفراولي....هتيجي تخطبني امتی بقی 😍

    يعني عذرا امل علی رسالتي لو وافقتي علیها ....ولكن من يعلم لعل الحماره تفهم ....

    ردحذف
  4. امل ..تسلمين وتكرمين ومن كل ثمرات الجنان تفوزين ..
    فقط ان عادت الفاعله بعد موتي تبكي الدماء ...لا تدعوها تمشي في جنازتي ...ولقد اتخذت قراري ولا رجعه فيه ...ساتجرع الان ...زجاجۃ بوليس النجده كامله ...🍼...بوء بوء بوء ...

    بالنسبه لمسالۃ الذكوريه والفيمنستويه هذه في القصه قبل السابقه ...حيث انا يوجد اكثر من 20 مليون فتاه عزباء .. في سن الزواج من سن 18- 40 تقريبا ...ومثلهم 20 مليون من الشباب في نفس السن لا يستتطيعون الزواج... الا بعد معارك طاحنه وقتال دامي مع الظروف الحالكه التي نحن اغلبنا فيها...واكثر من 50 % ممن استطاعوا الزواج ...يتطلقون بعد عدۃ سنوات بسبب نفس المشاكل... وصار الزواج اصلا حلم بعيد المنال ...فهذه الملايين من الفتيات ..خصوصا ...اين يذهبن وماذا نفعل بهن ...هل نلقيهن في المحيط ...ام ندعهن ينحرفن ...
    فبرايي يعني.. اعتقد ان هذه هي مشكلتنا العسيره ...
    والاراء صعب جدا تغييرها كما قرر العلماء منذ زمن سحيق ...ان صاحب الذنب قد يتوب لانه يعلم انه ذنب ...اما صاحب البدعه ...فتوبته شبه مستحيله لانه يظن ان ما هو عليه هو الحق ...
    ولم يقل احدا من العلماء اصلا ان الفتاه تزوج جبرا ...بل حتی لو زوجها وليها ولم تكن سعيده وارادت الانخلاع من هذا الزواج متی شاءت ..فلها الحق شرعا في هذا ..
    ورغم كل هذا فقد تعلمت مبكرا التعايش مع كل هذا التباين والتضاد
    الموجود بين بني جنسكم ايها البشريون كما اوصاني جدي :
    اياك ان تنظر لاراء احد بنظره سخيفه ...فتبتلی بزوجه مثل ميا خليفه 😌
    رحمك الله يا جدي ..مات قبل ان يعلم ان هناك الان 4 مليار رجل علی الكوكب ... يتمنون تلك البلوی 😭

    ردحذف
  5. امل كنت علقت علی القصه السابقه بتعليق اخر اظن ما لم اكن احلم الان او ناءما صباحا ...طمانيني لانه تكون كارثه لو ارسلته لمكان اخر ...😭

    ردحذف

منزل الفلاتر

تأليف : امل شانوحة  دار المسنّين اثناء تنزّهها مع صديقتها ، إنعطفتا الى طريقٍ فرعيّ لم ترياه من قبل ! - لما ابتعدنا عن الطريق العام ؟! - ...