الخميس، 25 فبراير 2021

الفارس المُقنّع

 فكرة : أختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة

معركة الحب


حميّ وطيس المعركة .. وبلغت القلوب الحناجر .. وطغى صليل السيوف على صهيل الخيول وصخب المحاربين بعد التحام الجيشين المتحاربين : جيش الملك الأسكتلنديّ (روبرت بروس) ضدّ جنود ملك إنجلترا (إدوارد الثاني) 


وأوشك روبرت على الفوز ، قبل ظهور الفارس المُقنّع للمرة الثالثة لقلب موازين المعركة لصالح الملك .. واختفى كعادته قبل إعلان وقف الحرب

***


في المساء .. عاد الملك إدوارد وجنوده الجرحى الى مملكته ، لتتفاجأ ابنته (ماري) بنتيجة التعادل بين الجيشين !

الأميرة بدهشة : لكن الأخبار التي وصلتنا عصراً : أنك فزت المعركة ! فلما وافقت على الهدنة ؟! 

الملك : الفارس المقنّع ..

الوزير مقاطعاً : هل ظهر ثانيةً ؟

الملك : نعم ، وأنقذنا باللحظة الحاسمة .. لكن جزءاً من جيشي فرّ هارباً ، وأعطيت الأوامر لقتلهم لاحقاً لأنهم .. 

ابنته مقاطعة : المهم ماذا حصل ؟


الملك : إستغلّ روبرت رحيل الفارس المجهول ، ليفاجأنا بفرقةٍ إضافية مُخبأة خلف التلال ، حاصرت جيشي في الوسط .. لهذا اضّطرت لتوقيع معاهدة السلام بيننا

الوزير بقلق : وماهي بنود الهُدنة ؟

الملك : إنقاص قيمة الجباية (الضرائب) .. ومنع جنودي من سرقة محاصيلهم الزراعية .. وعدم المشاركة في مناسباتهم وأعيادهم الشعبيّة ..

الوزير : وماهي طلباتك في المقابل ؟

الملك بعصبية : الم تسمعا ما قلته ؟ لقد حاصر خيمتي ، ووضع سيفه على رقبتي !!

ابنته : اذاً جيشنا لم يتعادل ! بل خسر المعركة 

الملك : لا تُخبرا أحداً بذلك ، فأنا أغريّته كيّ يُعلن نتيجة التعادل


الوزير : تُغريه بماذا سيدي ؟ 

الملك : بزواجه من ابنتي 

ابنته بدهشة : أبي ! هل بعتني لعدوك ؟!

والدها : حبيبتي .. إن تزوجته ، فهذا يعني إنتهاء الخلاف بين المنطقتين .. الا تريدين حفظ دماء شعبنا ؟ 

ماري بعصبية : لا يحقّ لك تزويجي دون سؤالي ..


فوضع والدها خنجره على رقبتها ، مُهدّداً بلؤم :

- أنسيتي إنني الملك !! وأنا آمرك بالزواج منه لإنهاء المعارك

ثم نادى خادمتها : 

- أيتها الوصيفة !! ابدأي بتجهيزها ، فغداً نُرسلها لعريسها في اسكتلندا


فأسرعت ماري الى غرفتها باكية ، وهي لا تصدّق أنه تخلّى عنها بهذه السهولة !

وحاولت وصيفتها (إليزابيث) التخفيف عنها ، قبل أن تنهار معها بالبكاء امام هذه الفاجعة الغير متوقعة ! 

***  


في عصر اليوم التالي .. وصلت الأميرة ماري الى اسكتلندا داخل عربةٍ  مغلقة ، وهي تشاهد من نافذتها المزارعين الأسكتلنديين وهم يرمون الورود إحتفالاً بها .. الى أن وصلت الى قلعة الملك روبرت

***


في المساء .. دخل الملك الى غرفتها ، ليتفاجأ بعروسته تأكل بكلتا يديها فوق السرير الضخم ، ووجهها مُلطخٌ بالسمن .. وكانت سمينةٌ جداً ! 

فقال في نفسه باستياء :

((طبيبعي أن تكون قبيحة كوالدها ، لهذا ورّطني بها))


وخرج من عندها , باتجاه غرفة نومه الرئيسية .. ليُقابل في الرّواق رئيسة الجواري التي قالت :

- سيدي ! عروستك في الغرفة الثانية 

فأجابها بضيق : لن أتزوجها

- ماذا عن إتفاقك مع والدها ؟

- إخبري مرساله غداً : إن كل شيء على ما يرام .. واحسنوا ضيافتها .. (ثم قال مُتمّتماً) .. هذا إن أبقت لنا شيئاً في مخزن الطعام!  

ودخل غرفته غاضباً ..

***


في هذه الأثناء .. دخلت ماري الى غرفة العروس ، لتشكر وصيفتها على استبدال الأماكن :

إليزابيث : لا تقلقي سيدتي ، أفجعته بمنظري الهمجيّ

- شكراً جزيلاً لك 

إليزابيث (الوصيفة) : وهل سنتابع التمثيلية غداً ؟

- نعم !! ستبقين زوجة الملك ، الى أن أجد طريقة للهرب من هنا 

- لكن الجميع سيعاملك على انك الوصيفة !


ماري : يبقى أفضل من زواجي من شخصٍ لا أعرف عنه سوى معاداته لوالدي .. (ثم توجهت للباب) ..الآن عليّ الذهاب الى قبو القلعة

- لكن سيدتي..

الأميرة مقاطعة : إيّاك يا إليزابيث أن يشعر أحد بأننا تبادلنا الأدوار ، والاّ سنُعرّض حياتنا للخطر 

فأومأت الوصيفة برأسها إيجاباً ..

ماري بابتسامة : تصبحين على خير يا أميرتي

وأخفضت رأسها باحترام ، قبل ذهابها مع الحارس الى غرفة الخدم

***


بمرور الأيام .. اضّطر روبرت لمرافقة عروسته ووصيفتها الى مناطق اسكتلنديّة متعدّدة ، حيث تهامس الناس على قباحة الملكة التي أكلت كلّ ما قُدم لها .. وكان واضحاً استياء روبرت من تصرّفاتها الغير لائقة ! 

بينما أخفت ماري وجهها بالنقاب الحريريّ ، رغم انها لفتت أنظار الملك الى جمال عينيها الزرقاوين .. 


وخلال مسيرتهم الشعبية : لاحظت ماري حب الشعب له ، بعكس مواطنيّ الإنجليز الذين يجبرون على التجمّع في الشوارع لتحيّه والدها في الأعياد الرسمية !

كما انتبهت لبؤس حياة المزارعين ، التي لا تشابه وصف وزيرهم عن حصادهم الوافر الذي يكفي لدفع ضرائب الملك العادلة ! 

فهم يلبسون ثياباً مُهلّلة لا تحميهم من برد الشتاء القارص ، واطفالهم يكتفون بتناول كسرات الخبز القاسية على أسنانهم ! 

***


في طريق العودة .. غطّت إليزابيث في نومٍ عميق ، بينما حاول الملك تجاهل شخيرها المزعج .. 


فاستغلّت ماري الوضع لتسأله عن أحوال شعبه ، فأجابها بعد تنهيدةٍ حزينة:

- بالطبع هم فقراء .. وانا أحارب لتخفيف الضرائب عنهم ، فهم بالكاد يجدون قوت يومهم كما رأيتي 

ماري : ما رأيك أن أطلب من زوجتك أن تُراسل والدها ليساعدهم..  

روبرت مقاطعاً بعصبية : لا نريد معوناتٍ منه ، بل سنظلّ نقاومه لحين حصول اسكتلندا على استقلالها  

ماري بارتباك : لم أقصد مضايقتك سيدي !


فسكت قليلاً ، قبل أن يسألها وهو يشير الى زوجته النائمة : 

- منذ متى تعملين عندها ؟

- منذ مراهقتي 

- وهل هي هكذا طوال حياتها ؟ 

ماري : تقصد إهمالها لنفسها ؟ 

- نعم 

- لا ، هي أحبت شخصاً عمل في القصر .. وبعد موته في إحدى المعارك ، أفرغت حزنها بتناول الطعام بشراهة !


الملك : لم أعلم ذلك ! تبدو حياة الأميرات ليست سهلة كما ظننت

- حياة النساء في عصرنا صعبةٌ للغاية .. فنجاتنا من الموت عند الولادة هي معجزة بحدّ ذاتها ..ألم تسمع بحمّى النفاس التي قتلت مئات الأمهات ؟

- بلى ، كان الربّ في عونكنّ .. (ثم قال بصوتٍ منخفض) ..هل ستبقي على نقابك دائماً ؟

- هذه اوامر الأميرة 

الملك : لأنها تغار منك ، فأنا أراهن انك أجمل منها بكثير


وحين حاول إزالة نقابها الحريريّ ، فاجأته بإخراج خنجرها الحادّ : 

- الموت أهون من مخالفة اوامر أميرتي !!

فتراجع الملك للخلف : آسف ، لن أفعلها ثانيةً !

وأكملا طريقهما بصمت !

***


بعد شهر ، وفي إحدى المناسبات الشعبية الأسكتلندية .. توجّب على الرجال الأشدّاء التبارز بالسيوف الخشبية .. 


وشاهد الملك روبرت جميع المباريات ، برفقة زوجته ووصيفتها .. 

وحين فاز أقواهم بالمباراة النهائية .. فاجأهم الملك بدخول الحلبة لمبارزته ، بعد خلعه القميص لتظهر عضلاته المفتولة ..


وحاول البطل الريفيّ مقاومته خلال الجولات الثلاثة ، الى أن تمكّن روبرت من كسر سيفه الخشبيّ بضربةٍ قاضية 

ثم رفع صوته منادياً بفخر : من يجرأ على منافستي !!


ليشهق الجميع فور دخول الوصيفة ماري الى الحلبة ! بعد أخذها سيفاً خشبياً من أحد الخاسرين

فابتسم الملك ساخراً : هل ستحاربيني بنقابك الطويل ؟

 

فإذا بها تزيله ، لينصدم من جمالها الأنوثيّ الصارخ ! الذي كان سبباً  لإطاحة سيفه بضربةٍ سريعةٍ منها .. 

قائلةً له باستهزاء :

- هيا احمله ، وبارزني .. إن استطعت !!

فقال بسخرية : أخاف ان أُذيك يا صغيرة

فأطاحت سيفه للمرة الثانية ، قائلةً :

- انا أقوى ممّا تتصوّر بكثير .. هيا ايها الملك ، الجميع بانتظارك ..لا تدع فتاةٌ صغيرة تربح على قائدٍ عظيم مثلك


وكلامها المستفزّ جعله يهجم عليها بقوة ، ليحتدم العراك بينهما .. لكنها تمكّنت من إطاحة سيفه للمرة الثالثة ! 

فضحكت النساء من الحضور ، بينما التزم الرجال الصمت خوفاً من غضب الملك الذي قال لمنافسته :

- لن أسمح لك بجعلي أضحوكة بين الناس 

ماري بتحدّي : إذاً أرني قوتك الحقيقية 


وهذه المرة بارزها كرجل ، الى أن أوقع سيفها أرضاً .. 

فصفّق له الجمهور .. 

فقال لماري بابتسامةٍ لئيمة : 

- هآ نحن تعادلنا 

ماري بغضب : ليس بعد !!


وهجمت عليه بقوة .. لكنهما توقفا بعد سماعهما صوت المرسال ينادي من بعيد :

- الملك روبرت !! رسالةٌ لك من أمير إيرلندا


وانتهى الحفل بذهاب الملك مع المرسال الى قلعته .. وتبع جوادهما ، عربة الملكة ووصيفتها ماري

***


في القلعة .. علمت ماري بعد تنصّتها على مجلس روبرت : أن أمير ايرلندا يطلب حمايته ، بعد حرق جنود ملك انجلترا (إدوارد الثاني) لأراضي المزارعين الذين رفضوا دفع الضرائب الإضافية .. وطلب في رسالته : المساندة العسكريّة


وما فعله جنود والدها كان نقضاً صريحاً لمعاهدة السلام بينه وبين روبرت الذي كان واضحاً بشأن عدم المساسّ بممتلكات أمير ايرلندا وأمير ويلز .. لذلك أخبر ملك إنجلترا في رسالةٍ عاجلة عن حربٍ جديدة ، تقام بعد شهر ! مما أفزع ماري التي انتظرت ذهاب المرسال وحرّاسه لدخولها المجلس ، ونُصحته بقلق :

- جنود ملك إنجلترا بالآلاف ، معظمهم من الفرسان المُدجّجين بالسلاح .. وأنتم عددكم قليل ، حتى لوّ انضمّ الإيرلنديون لجندك 

روبرت : لا تخافي .. طالما نُحارب الظلم ، فالربّ معنا

ولأوّل مرة تشعر بالخوف عليه ، بعد تأكّدها من ظلم والدها لشعبه 

***


في الموعد المحدّد ، إلتقى الجيشان في سهلٍ واسع .. وكان واضحاً تفوّق الجيش الإنجليزيّ على المزارعين الفقراء الذين أحضروا معهم العصيّ المُسننّه على هيئة رماحٍ خشبية ، في مقابل الرماح الحديدية الطويلة والسهام والنبال والسيوف ومئات الجياد السريعة المدرّبة على المعارك ! 


ورغم ذلك هجم الجنود الفقراء بكل قوتهم باتجاه الجيش المسلّح .. 

وفي غضون دقائق .. امتلأت الساحة بالجثث ، معظمهم من الأسكتلنديين! 


وفجأة ! ظهر الفارس المقنّع من جديد .. واستبشر إدوارد الثاني برؤية حليفه الغامض .. لكنه انصدم عند توجّهه بحصانه الأسود صوب الصفوف الخلفية ، مُشهراً سلاحه اليه مباشرةً ! بعد إطاحته أعتى قادته عن جيادهم ، بضربةٍ واحدة من سيفه الفضيّ الحادّ


ولأوّل مرة شعر إدوارد بالرعب من الفارس الأهوج ، جعلهُ يفرّ هارباً مع قادته باتجاه القصر.. تاركين جندهم يحاربون وحدهم المزارعين الذين ازدادوا قوةً بهذا النصر المفاجىء الذي وهبهم إيّاه الفارس المقنّع الذي اختفى ايضاً وسط المعمعة الى جهةٍ مجهولة ، بعد تعرّضه لجرحٍ غائر في خاصرته !  

***


لاحقاً عمّت الإحتفالات قلعة روبرت ، التي حضرها كبار قادته وعائلات الشهداء ..

***


بعد شهرين .. دخلت رئيسة الجواري الى مجلسه ، لتخبره عن أمرٍ خطير 

فنزل معها الى المطبخ ، ليتفاجأ بزوجته تغازل الطبّاخ وتشكره على طعامه اللذيذ .. 


فأشهر سيفه ، ووضعه على عنقها ..صارخاً بغضب :

- الا يكفي انني قبلت الزواج من امرأةٍ قبيحة مثلك ، وتخونيني ايضاً مع الطباخ !!

إليزابيث وهي ترتجف بقوة : سيدي ، انا لم أخنك يوماً

- رأيتك بعيني وأنت تمسكين يده بشغف .. (ثم نظر لطبّاخه الذي كان أشد رعباً منها) .. وأنت !! سأجعلهم يعذّبونك قبل قتلك 


فلم يعد بإمكان إليزابيث إخفاء السرّ أكثر من ذلك ، فقالت باكية : 

- انا لست زوجتك !! بل وصيفة الأميرة ماري

الملك بصدمة : ماذا قلتِ ؟!

وأخبرته بموجز ما حصل ..


روبرت بدهشة : إذاً ماري هي ابنة ملك انجلترا ؟!

إليزابيث : نعم ، انا خادمة زوجتك .. هذه هي الحقيقة ، أحلف لك !!

- واين هي ماري ؟ لم أرها منذ فترةٍ طويلة !

- تقدّم الطعام لشعبك كل يوم

- أحقاً ! لم أكن أعلم

إليزابيث : أحبها الجميع ، لكنهم لا يعلمون انها ملكتهم 


بهذه اللحظة .. دخلت ماري مع الحارسين ، ومعهم سلال الطعام الفارغة وهي تقول بسعادة : 

- وزّعت الخبز على جميع الفقراء في المنطقة الشمالية .. آه سيدي ! لم أعلم انك هنا

إلزابيث : آسفة سيدتي ، أخبرته بالحقيقة 

ماري بقلق : لماذا ليز !

فأمسك الملك يدها ، وسحبها بقوة : تعالي معي !!

***


وأخذ ماري الى غرفته .. وهناك صرخ في وجهها :

- لماذا كذبتي عليّ ؟!!

ماري بحزن : لأن والدي فاجأني بشروط الهدنة ، ولم أكن أرغب الزواج من شخصٍ لا أحبه 

روبرت : والآن بعد أن عشتِ معي سنةً كاملة ، ألم تغيّري رأيك ؟

- كانت سمعتك سيئة في إنجلترا ، فهناك يصفونك بالطمّاع الذي يستغلّ شعبه للوصول لسدّة الحكم .. لكن رأيّ تغير بعد قراراتك الرحيمة بالفقراء .. المشكلة انني لم أجد الطريقة المناسبة لإخبارك أنني زوجتك


زوجها بلؤم : ليس بعد الآن 

- ماذا تقصد ؟!

- انت كذبتي عليّ ، ولم أعدّ أثق بك

- روبرت !

صارخاً بقسوة : الملك روبرت ايتها الوصيفة !! انت أفسدتي بنود الهدنة بين بلدينا .. والإشاعات التي سمعتها عني صحيحة ، فأنا أتطلّع للإستيلاء على عرش والدك ..


ثم نادى حارسه الذي أمره بحزم :

- غداً صباحاً ، تُعيد إليزابيث ووصيفتها ماري الى قصر الملك إدوارد 

الحارس : حاضر سيدي !!


ثم قال لماري : وأنتِ !! جهزي أغراضك ، لا اريد رؤية وجهك في قلعتي ثانيةً 

وخرج غاضباً من الغرفة ، تاركاً ماري في انهيارٍ شديد 

***


بعد عودتها الى قصر والدها ، إنزوت في غرفتها القديمة .. ولم تستطع وصيفتها إليزابيث إخراجها من كآباتها بعد صدمتها بحبها الأول

***


بعد شهور .. إحتدّت المشاكل بين الملك وروبرت الذي أقنع شعبه بالإمتناع كلياً عن دفع الضرائب ، مما أجبر إدوارد الثاني على تحديد موعدٍ لمعركةٍ حاسمة بينهما 

***


واجتمع جيش الملك مع الجيش المشترك بين ايرلندا واسكتلندا الذين بدوا أكثر إستعداداً ، بعد ازدياد عدد الخيّالة والأسلحة الجديدة !

وسرعان ما تساقط الضحايا من الفريقين .. 

وإذ بأحدهم يصرخ :

- الفارس المقنّع !!


وتوقف الجميع لرؤيته فوق جواده الأسود ، واقفاً بثبات فوق التلّ .. 

لكنه هذه المرة ، رمى سيفه بعيداً وتراجع للخلف .. كأنه يعلن عدم مساندته لكلا الطرفين !


فإذّ بروبرت يترك المعركة لملاحقته ، فهو يصرّ على معرفة هويّة الفارس الغامض الذي حاول بكل قوته الهرب مُتوغلاً في الغابة .. 

الا ان الملك الإسكتلندي العنيد إستطاع القفز ببسالة على حصان الفارس وإسقاطه ارضاً .. 


وحين أزال قناعه ، تراجع للخلف بصدمة بعد رؤيته ماري !

- أهذا انتِ ؟!

ماري بغضب : نعم انا !! ولأجلك أصبتُ بجرحٍ بليغ في خاصرتي  بالمعركة الماضية 

- ألهذا اختفيتي طوال تلك الفترة ؟

- عالجني طبيبك بعد أن أمرته بكتمان الأمر عن الجميع 

روبرت : ولما لم تحاربي معي هذه المرة ؟!

- لأنك لا تختلف كثيراً عن ابي ، فكلاكما كسرتما قلبي بتخليّكما عني بهذه السهولة !

- مالاتعرفينه يا ماري ..إنني ندمت على قراري فور رحيلك عن قلعتي ، لكني لم أستطع التراجع .. 


وهنا سمعا صوت انفجارٍ قويّ من بعيد ! 

روبرت : اللعنة ! والدك يستخدم المنجنيق ضد جنودي .. عليّ الذهاب فوراً 

وركب حصانه عائداً الى المعركة .. 


لكن بعد دقائق : تفاجأ المحاربون بصراخ الفارس المقنّع من فوق التلّ

- توقفوا جميعاً !!

وتوجهت الأنظار نحوه .. لتقول ماري بصوتٍ أجشّ :

- أتريدون معرفة من هو الفارس المقنّع ؟!!


ثم أزالت قناعها ، ليشاهدوا فتاةً جميلة ورقيقة !  

فصرخ والدها بغضب : 

- ماري ! أتريدين جلب العار لوالدك ؟!!  


فعلم الجميع أنها اميرة انجلترا ! التي أردفت قائلةً :  

- ابي !! إن لم توقف المعركة حالاً ، سأطلعهم على مخزنك السرّي المليء بالعملات الذهبية التي جمعها رجالك من ضرائبك الجائرة  

- هل جننت ؟!!

- انت ملكٌ ظالم !! لم تهتم بشعبك مطلقاً .. وأنا عشت بينهم ، ورأيت بؤسهم وفقرهم ، وقساوة جنودك بالتعامل معهم .. وبرأيّ !! الملك روبرت هو الأجدر بحكم البلاد 


والدها : أنت لم تعودي زوجته ، فلما تدافعين عنه ؟!!

وهنا قال روبرت بصوتٍ عالي : بل هي زوجتي !! انا لم أطلّقها بحضور الراهب ، واريد استرجاعها 


فسكت الملك قليلاً ، قبل رميه السيف امام الجميع ! ..ثم فتح ذراعيه (وهو فوق جواده) قائلاً بنبرةٍ حنونة :

- تعالي يا ابنتي الى حضني ، لأعلن لهم إعتزالي عن الملك !! 

فانطلقت بجوادها نحوه ، وهي لا تصدّق ما سمعته ! 


وما أن وصلت اليه ، حتى صُدم الجميع بوضعه الخنجر على رقبتها ! صارخاً بلؤم : 

- روبرت !! استسلم فوراً والا قتلت زوجتك

ماري بصدمة : ابي ! ماذا تفعل ؟

- أنا لم أنسى محاولتك قتلي المرة الماضية .. وطالما انك وقفتِ مع العدو ضدّي ، فأنا أتبرّأ منك 


فرفع روبرت يديه مًستسلماً ، بعد رميّ سيفه بعيداً .. 

فصرخت ماري بخوف :

- لا يا روبرت !! لا تستسلم ارجوك

زوجها : موتي أهون من فقدانك عزيزتي 

الملك ساخراً : هيا اقترب ايها العاشق ، ودعّ حرسي يقيّدون يديك  


واقترب روبرت بجواده ببطء ، وهو يرفع ذراعيه فوق رأسه .. وماري تبكي بقهر ، وسكين والدها مازال على رقبتها !


وقبل وصوله لجهة الملك ، صُعق المحاربون بسهمٍ اخترق قلب إدوارد العجوز الذي خرّ على الأرض صريعاً !


فالتفت الجميع نحو التلّ .. ليشاهدوا فارساً بديناً مُقنّعاً ، قبل فراره الى الغابة

ولم يعرفهُ أحد سوى روبرت وماري ، فوصيفتها إليزابيث تعدّ البدينة الوحيدة في كل إنجلترا بشعبها الفقير المُعدم !  


وسرعان ما تقهقر وزير إدوارد وقادته ، مُخلّفين جنودهم الذين رموا أسلحتهم مُعلنين استسلامهم .. 


وبهذه الأثناء .. أعلنت ماري امام الجميع تنصيبها روبرت ملكاً على البلاد ، وسط هتاف الجنود القادمين من كافة المناطق البريطانية

***


ولاحقاً عمّت الأفراح البلاد بعرسٍ جماهريّ للملك الجديد روبرت وزوجته ماري ، بعد حصول وصيفتها إليزابيث وعريسها الطبّاخ على لقب الفارسين .. والتي أصبحت لاحقاً مربيّة وريث العرش الصغير : الأمير آرثر الذي خطف قلوب الشعب ، بعد توحّدهم في دولةٍ تحكمها قوانين العدل والمساواة بين جميع مواطنيّ بريطانيا العظمى


الثلاثاء، 23 فبراير 2021

لاعبة الكاراتيه

 تأليف : امل شانوحة

الأنوثة الضائعة


وقف الممثلان قرب سفينةٍ راسية على الميناء مع المنتج العربي الذي يتقن القليل من لغتهما التركيّة ، بانتظار قدوم المترجم 


وبعد إقفال المنتج جواله ، قال لهما بلغته الرقيقة : 

- إتصلت بالمترجم ، وأخبرني انه مريضٌ جداً 

الممثل التركي : وكيف سنتناقش موضوع الفيلم ؟!


فلم يفهم المنتج ما قاله ، قبل أن تترجمه صبيةٌ صغيرة (15 سنة ، تلبس ملابس كاراتيه بحزامٍ أسود) صادف مرورها بجانبهم .. 

فسألها المنتج إن كانت تتقن التركية ، فأجابته بالعربي :

- امي تركية ، وهذه السفينة السياحية ملكاً لوالدي .. تفضّلوا بالدخول !! الرحلة ستبدأ بعد قليل ، ولدينا طعامٌ لذيذ

وترجمت كلامها للممثلين اللذين وافقا على اقتراحها ..


وهنا سمعوا رجلاً ينادي الصبيّة من السفينة ..

- إيلين !! اين انت ؟

فقالت لهم بارتباك :

- تأخّرت على التمارين ، عليّ الذهاب  

المنتج : ألن تترجمي لنا ؟


لكنها أسرعت للداخل ، بينما توجهوا الى المطعم الموجود في الطابق العلويّ للسفينة.. 


وفي الوقت الذي كان فيه المنتج يطلب لهم الغداء ، كان الممثلان يشاهدان تمارين الكاراتيه التي تُجرى على سطح السفينة .. 

ويبدو إن مدرّبهم هو والد إيلين الذي أجبرها على منافسة بقيّة اللاعبين من الأولاد المراهقين بعد هجومهم عليها بالعصا ! لكنها استطاعت صدّهم ببراعة ، على حسب توجيهاته الصارمة 


ورغم تأذّيها في المباراة ، الا انه لم يعالج جروحها الا بعد إطلاق صافرته! 

وبعد نزول اللاعبين من السفينة ، أعطى والدها الأوامر للقبطان لبدء الرحلة البحريّة ..


وهنا نادى الممثل إيلين من فوق :

- إن أنهيتِ تدريباتك ، هل يمكنك الترجمة لنا ؟ فنحن نريد توجيه الأسئلة للمنتج ، قبل توقيع العقد المشترك بيننا !!


فتشاورت مع والدها اولاً ، قبل أن تجيبه بصوتٍ عالي :

- وافق ابي ، بشرط وصولي اليكم في عشرة ثواني

الممثلة باستغراب : كيف !


وإذّ بها تنطلق بسرعةٍ هائلة ، بعد إطلاق والدها صافرته وهو ينظر في ساعة التوقيت .. لتقوم هي بالقفز فوق الأدراج والأسطح (كلاعبيّ الباركور) الى أن وصلت للطابق العلويّ وهي تتصبّب عرقاً .. 


ثم أطلق والدها صافرته ثانيةً ، وهو يناديها من الأسفل :

- 9 ثواني !! يمكنك الترجمة لهم 

إيلين بحماس : ممتاز !! شكراً ابي 


ثم قالت لهم ، وهم مذهولين من وصولها بهذه السرعة ! 

- سأذهب للإستحمام سريعاً وأعود لكم ، لن أتأخر


ونزلت بسرعة الأدراج باتجاه غرفتها ، تاركةً الممثلين يتحدّثان عن لياقتها البدنيّة المميزة !

***


بعد نصف ساعة .. عادت لهم وهي تلبس فستاناً زهريّاً ، وشعرها الناعم مُنسدلٌ فوق كتفيها .. حيث بدت بكامل أنوثتها ، رغم الرضوض وآثار الجروح على ذراعيها بسبب الرياضة الخشنة


وجلست معهم لترجمة مقابلة العمل .. الى أن وافقا بعد ساعة على شروط المنتج .. 

وبعد توقيعهما العقد ، لم يرغبا العودة الى الفندق .. 


فركب المنتج في قاربٍ صغير لإعادته الى الساحل ، بينما أكمل بقيّة السوّاح رحلتهم التي تستمرّ يومين في عرض البحر 

***


بعد رحيل المنتج .. سألها الممثل عن حياتها ، فأجابته إيلين بحزن :

- تطلّق والدايّ ، وعمري 6 سنوات .. ولم أرها منذ عودتها الى بلادها .. ولأجلها تعلّمت اللغة التركية .. مما أغضب والدي ، فهو يصرّ أننا لن نلتقي ثانيةً ! 

فسألتها الممثلة : هل كان والدك مُدرّب كاراتيه ، قبل شرائه هذه السفينة السياحية ؟

- نعم ، وكان مرشّحاً للبطولة العالمية في شبابه ، لكن إصابته بحادث سير منعه من المشاركة .. بعدها تزوج امي وهو يتمنى صبيّاً يُحقّق  حلمه .. لكنه لم ينجب سوايّ ، لهذا يعاملني على إنني ولد .. ودائماً ما قصّ شعري مثلهم .. الا انني السنة الفائتة أصرّيت على تطويله ، مع إبقائه مربوطاً طوال فترة التمرينات .. فنحن سنسافر بنهاية السنة الى اليابان للإشتراك ببطولة العالم لكاراتيه النساء ، فأنا أمثّل بلدي بعد وصولي للنهائيات .. ورغم كرهي لهذه الرياضة العنيفة ، الا انني أجتهد بالتمرينات على أمل أن تراني أمي في التلفاز عند نقلهم المباريات الدولية ، فهي تعلم هوس ابي بهذه الرياضة بالذات 


وهنا دخل والدها المطعم .. وأشار لها من بعيد ، لتجلس معه على طاولته:

إيلين بيأس : عليّ الذهاب .. فغدائي يجب أن يحوي بروتينات وكالسيوم لتقوية عظامي .. ورغم حبي الشديد للحلويات ، الا انه يحرمني منها لحين انتهاء البطولة اللعينة .. 


ثم شاهدا من بعيد : كيف أن والدها إنتقد فستانها ! وأجبرها على ربط شعرها ، قبل شربها مرق اللحم على مضضّ .. 


فقال الممثل لزميلته :

- انا حزينٌ عليها ، فهو يدمّر أنوثتها الرقيقة ! 

الممثلة : الآباء يظلمون اولادهم حين يجبروهم على تحقيق احلامهم الضائعة

- أودّ مساعدتها

- كيف ؟

- سأجري إتصالاً مع السفارة التركية 

- هل تفكّر بإيجاد امها ؟

الممثل : نعم ، هي قالت انها تعيش في إزمير .. سأحاول إيجاد عنوانها 

- أخاف أن يتشاجر والدها معك ! 

- سنُخفي الأمر عنه 

*** 


بحلول المساء ، ساعدتهما إيلين باختيار غرفهما في السفينة (التي تشبه الفندق العائم بحجمٍ صغير) .. من بعدها ذهبت الى غرفتها ..

***


في الصباح الباكر .. إستيقظ الممثل التركي لتدخين سيجارته على سطح السفينة ، ليتفاجأ بالأب يدرّب إيلين هناك ! ويبدو انهما مستيقظان منذ الفجر ، بسبب الإرهاق الواضح على الفتاة التي كانت تلهث من كثرة التمارين ، لدرجة انها انهارت بالبكاء مُترجيّة والدها أن ترتاح قليلاً ! ويبدو ان ذلك ضايقه ، لأنه جلد قدمها بالعصا .. قبل تركها تبكي ، ليعود الى غرفته غاضباً 


فاقترب منها الممثل :

- لا يحقّ له أن يعذّبك هكذا ! 

فمسحت دموعها : بقيّ أمامنا ستة أشهر على البطولة العالمية ، لذا علينا تكثيف التمارين 

- ستة أشهر وقتٌ طويل !

- ليس بالنسبة لوالدي .. 

- إيلين ، إسمحي لي بمساعدتك ..

- لا شيء يريحني سوى الموت


وتوجهت الى غرفتها كئيبةً حزينة ، بينما كان الممثل عازمٌ على إيجاد والدتها لإنقاذها من جبروت والدها .. لهذا أجرى العديد من الإتصالات طوال النهار

***


في المساء .. طلب الممثلان من إيلين مرافقتهما على العشاء ، فوافق والدها بشرط ان تأكل الطعام الصحيّ فقط ..


بعد إنهاء طعامها .. وضع الممثل ورقة صغيرة في يدها ، وهو يقول بصوتٍ منخفض :

- لا اريد موظفين والدك أن يروا الورقة التي فيها رقم جوّال امك

إيلين بصدمة : امي !

- نعم .. إتصلت بالسفارة ومكتب الأحوال الشخصية بإزمير ، الى أن حصلت على رقمها الخاص .. هل لديك جوّال للإتصال بها ؟


فأخرجت جوّالها القديم من جيبها ، فسألتها الممثلة :

- والدك يملك سفينة سياحية ، ولم يشتري لك جوّالاً حديثاً !

إيلين : هو لا يريدني ان أنشغل بوسائل التواصل الإجتماعي ، لهذا أعطاني جوّاله القديم لإجراء الإتصالات الهاتفية فقط .. 


ثم وقفت وهي تقول بقلق :

- سأتصل بأمي .. مع اني خائفة أن لا تتذكّرني

فأمسكت الممثلة يدها مُهدّئة : أظنها ستعرفك منذ سماعها صوتك


ونزلت إيلين مُتوجهةً الى سطح السفينة .. بينما راقبها الممثلان من فوق (من المطعم) .. 

وكان واضحاً عليها الإرتباك وهي تقلّب الورقة بين يديها ، الى ان تجرّأت أخيراً على الإتصال بامها ..

وما أن قالت : ((الو ..امي 

حتى شاهداها تنهار باكية ! ويبدو ان امها تنتظر مكالمتها منذ مدة طويلة 


لكن فجأة ! ظهر والدها من خلفها ، والذي هجم فور سماعه كلمة (امي) .. وسحب الجوّال من يدها ، ورماه في البحر 

وحين حاولت إيلين الإعتراض ، صفعها بقوة .. ثم شدّها من ذراعها بعنف  باتجاه غرفتها..


فصرخ الممثل من فوق :

- دعها يا رجل !!

فأجابه الأب بالتركية التي يتقنها :

- أأنت الذي ساعدتها بإيجاد امها ؟!!


فسكت الممثل بعد رؤيته نظرات الأب الغاضبة اتجاهه ! والذي أكمل قائلاً بعصبية :

- لا تتدّخل فيما لا يعنيك ، والا سأطلب من عمّال سفينتي إعادتك الى الساحل فوراً .. هل فهمت ؟!!


وعاد لسحب ابنته التي نظرت للممثل بعيونٍ خائفة ، قبل إدخالها عنوةً الى غرفتها 


فلم يستطع الممثل تحمّل ما حصل ، وأسرع بنزول الأدراج ..

ولحقته زميلته التي استطاعت منعه من اقتحام غرفة إيلين :

- هل جننت ؟!! سيقتلك والدك إن دخلت اليها

الممثل بقلق : الا تسمعين صراخها ؟ هو يجلدها بالعصا 

- لا يمكننا التدخل بأمورهما العائلية .. رجاءً دعنا نعود الى المطعم 


وبصعوبة أعادته الى الطابق العلويّ .. لكنه ظلّ يراقب الوضع من فوق .. لحين خروج الأب من غرفة إيلين ، وذهابه وهو يزمجر غاضباً الى غرفته الموجودة في الجهة الخلفية للسفينة


الممثل : سأنزل للإطمئنان عليها ؟

الممثلة : إن رآك في غرفتها ، سيقتلكما انتما الإثنين

- اذاً تعالي معي 


ونزلا الى هناك ، ليجدا بابها مفتوحاً قليلاً .. 

وكانت واقعة على الأرض ، وأغراضها محطّمة من حولها !  


فأسرع الممثل بحمل إيلين ووضعها على السرير .. ليرى عينها المتورّمة من لكمة والدها ، وهي تنزف من شفّتها المشقوقة .. وقميصها الأبيض ملطّخاً بالدماء ، بعد ان جلدها بالعصا على ظهرها وقدميها ..


الممثل بحنق : سأبلّغ الشرطة عن عنف والدك

إيلين بألم : رجاءً لا تفعل

الممثل بقلق : سيقتلك يوماً ما 


فحاولت إيلين تغير الموضوع : أمي عرفتني على الفور ! بكت كثيراً حين سمعت صوتي .. قالت انها متشوّقة لرؤيتي .. هي تزوجت ثانيةً  ..وأصبح لديّ أخاً وأخت ، هما في سن السادسة والخامسة 

الممثل : إسمعي إيلين .. لن أتركك هنا ، ستسافرين معنا غداً 

الممثلة : وكيف ستسافر دون جواز سفر ؟!

إيلين : ابي جدّد جوازي لأجل البطولة العالمية

الممثل : جيد ، اذاً إحزمي أمتعتك .. سنتوجه للمطار فور عودتنا الى الميناء ، وسأتصل بأمك لانتظارك في المطار


زميلته : الم يكن سفرنا بنهاية الإسبوع ؟ 

الممثل : سأقرّب موعدي .. إن أردّت البقاء هنا ..

زميلته مقاطعة : لا ، سأسافر معكما 

إيلين : ماذا عن البطولة ؟

الممثل : لستِ مسؤولة عن تحقيق احلام والدك 

زميلته : عزيزتي .. لا تخبري والدك بشيء ، والا سيمنعك من السفر 

إيلين بحزن : انا متعبة من العيش معه ، فلا شيء يرضيه ! واريد رؤية امي واخوتي

الممثل : اذاً اتفقنا

***  


في عصر اليوم التالي .. جلست إيلين امام نافذة الطائرة ، بجانبها الممثلين 


وقبل إقلاع الطائرة ، طلبت إجراء إتصالٍ أخير بأبيها .. 

فأعطاها جوّاله ..

الممثل محذّراً : لا تخبريه بعنوان امك او رقمها

إيلين : اريد إعلامه أنني تركت البلد ، كيّ لا يبحث عنيّ مطوّلاً 


واتصلت لتقول بصوتٍ مرتجف :((ابي .. نعم آسفة لأني تركت السفينة دون إذنك .. لا ابي لن أحضر التدريبات .. ابي إسمعني رجاءً .. انا الآن في الطائرة .. سأسافر لرؤية امي ...


وما ان ذكرت والدتها ، حتى ظهر صوت صراخه من الجوال .. فأغلقت إيلين السمّاعة بيدها ، وهي تحاول تمالك نفسها .. 

فهمس لها الممثل :

- هل يشتمك ؟

فأومأت إيلين برأسها إيجاباً ..

الممثل : إذاً إنهي المكالمة

إيلين : لا تقلق ، سيغلق جواله بعد قليل


وبعد دقائق من صراخه المتواصل ، أنهى المكالمة .. 

فأعادت الجوّال الى الممثل ، ثم أدرات رأسها للنافذة كيّ لا يريا دموعها التي تنساب بغزارة وهي تستذكر طفولتها الصعبة

***


بحلول المساء ، حلّقت الطائرة فوق تركيا .. فتغيّرت معالم وجهها ، قائلةً بابتسامةٍ عريضة : 

- وصلنا أخيراً !! امي هناك اليس كذلك ؟

الممثل : نعم ، امك تنظرك في المطار على أحرّ من الجمر

إيلين بقلق : أخاف ان يضايقها وجهي المتورّم

- أخبرتها قبل توجهنا للمطار بموجز ما حصل ، واستاءت كثيراً .. وفي نفس الوقت شكرتني لإنقاذك من ذلك الوحش

الممثلة : هيا إنهي عصيرك يا إيلين ، سنهبط بعد قليل

***


بعد هبوط الطائرة .. طلب الممثل من إدراة المطار إدخال ام إيلين الى غرفةٍ خاصة بالشخصيات المهمّة .. 


والتقيا هناك ، لتنهار الأم باكية فور رؤيتها آثار التعذيب على وجه ابنتها وذراعيها .. 

بينما كانت إيلين فرحةً جداً بالتعرّف على عائلة امها الجديدة .. 


وودّعها الممثل بعد إعطائها رقم جواله الخاص ، ليخرج مع زميلته من الباب الخارجيّ بعيداً عن المعجبين ..

*** 


بعد شهور .. إتصلت إيلين بالممثل الذي سألها عن أحوالها ، فأجابته:

- زوج امي طيبٌ للغاية ، وإخوتي تعلّقوا بي كثيراً .. وسجّلتني امي بالمدرسة الثانويّة .. واتصلت لإخبارك انني أرسلت بالبريد تذكرتين لحضور بطولة الكاراتية التي ستقام في اليابان بعد ايام

الممثل باستغراب : أمازلتي ستسافرين للبطولة ؟!

- نعم

- لكن والدك سيكون هناك مع فريقه !

- وأنا من ضمنهم

- كيف ؟


إيلين : ابي درّبني لسنوات لأجل هذه اللحظة ، ولا أريد تحطيم حلمه .. لهذا اتصلت به وأخبرته انني أكملت تماريني مع مدرّبٍ خاص ، وبأني مستعدة لدخول المنافسة

- وماذا كان جوابه ؟

- سخر من فيديو تدريباتي الذي أرسلته له ، قال إنه لا يناسب مهارة المنافسين في البطولة .. وحين أصّريت على المشاركة ، وافق على مقابلتي هناك .. وأريدك ان تكون موجوداً بين الحضور ، إن لم تكن مشغولاً

- سأتصل بزميلتي لأرى ان كنّا سنسافر معاً .. لكن حذاري العودة مع والدك الى الوطن

إيلين : لا ، هو يعلم انني سأكمل دراستي في تركيا .. قال بأنني أرحته من همّي ! يبدو ان طباعه القاسية لن تتغير ابداً .. المهم ، سأراك قريباً

***


لاحقاً إجتمعوا في اليابان .. حيث امتنع والدها السلام على طليقته التي جلست مع عائلتها في المدرّجات قرب الممثليّن ، لتشجيع إيلين بحماس ..


وفي البداية .. رفض والدها الكلام معها او إعطائها نصائحاً الرياضية ، واكتفى الإهتمام بفريقه .. فتكفّل مدرّبها الخاص بذلك ..

لكن بعد فوزها على عدّة مشتركات ، ووصولها للنهائيات .. طلب من مدرّبها أن يهتم بها في المباراة الختامية .. 

فكتمت إيلين سعادتها بموافقة والدها أخيراً على الوقوف بجانبها في المرحلة الأخيرة


الاّ أن منافستها اليابانبة كانت قوية جداً ، وأطاحتها أرضاً اكثر من مرة .. فصرخ عليها والدها بفترة الإستراحة :

- لوّ بقيت معي ، لما خسرتي الآن !!

- انا لم أخسر بعد !

- قلت لك ألف مرة أن تبتعدي عن امك ، لكنك تصرّين على عصياني

إيلين : هي امي ، ومن حقي ان أراها 

- هي تخلّت عنّا ، الا تفهمين ؟!!

- أنا لا ألومها على طلبها الطلاق ، فلا أحد يتحمّل قساوتك 

- أهذا ذنبي لأني أردّتك قوية ، لتدافعي عن نفسك 

- لعبة الكاراتيه لا تناسب الفتيات ، متى ستقتنع بذلك يا ابي؟!!  

الأب بلؤم : ليت امك أنجبت لي ولداً ، بدلاً من فتاةٍ عاقّة مثلك


وهنا رنّ جرس المباراة .. فعادت إيلين للحلبة وهي تشعر بغضبٍ شديد من والدها الذي لم يرضى يوماً بوجودها ! مما جعل الأدرينالين يتدفق في دمها ، لتهجم بشراسة على منافستها التي تفاجأت بقوة ضرباتها وركلاتها المتتالية ، التي جعلتها تنهار وتسقط أرضاً ! 

ليُسرع الحكم برفع يد إيلين ، مُعلناً فوزها بالبطولة ..


مما جعل والدها يُهلّل فرحاً ، ويهتف بعلوّ صوته بعد أن حملها على كتفه :

- هذه ابنتي !! ابنتي البطلة !!

ولأول مرة في حياة إيلين ، تشعر بفخره بها ! 


ولاحقاً.. قفز بسعادة وهي ترفع الكأس عالياً ، وسط تصفيق الجمهور ..

***


بعد توزيع الجوائز على المشتركات الثلاثة الأوائل .. توجهت إيلين الى والدها لإعطائه الكأس :

- هذا لك ابي

- الن تحتفظي به ؟!

- هو حلمك انت .. اما حلمي : أن أعيش بسعادة مع امي واخوتي

الأب : ألن تعودي معي الى الوطن ؟!

فحضنته للمرة الأخيرة وهي تهمس في أذنه : إهتم بنفسك جيداً  


ثم توجهت الى مدرّجات الجمهور .. لتحتضن والدتها واخوتها ، وتسلّم على الممثلين اللذين باركا فوزها .. 


بينما عاد والدها للإحتفال مع فريقه بالكأس ، وهو يُخفي حزنه على فقدان ابنته التي لم يعاملها جيداً ، وهو مُمتنّ لتنفيذ وعدها بتحقيق حلمه الذي لم يكن يوماً هدف حياتها !


الجمعة، 19 فبراير 2021

مُهمّةٌ روحيّة

 تأليف : امل شانوحة

الغجريّة والقطة


وافقت دار العجزة على طلب النزيلة الجديدة (سيفيل) الغجريّة بإبقاء قطتها في غرفتها ، بعد رفضها الشديد التخلّي عنها .. مُعلّلة ذلك : 

- قطتي لم تفارقني يوماً ، الاّ عند شعورها بنزول الأرواح من السماء 

الممرّضة : ماذا تقصدين ؟

- انه سرّي الخاص 

لكنهم لم يكترثوا بكلامها ، لظنّهم انها امرأة خَرِفة ..

***


بعد ايام ، تجوّلت الغجريّة بين أروقة الدار .. الى أن توقفت قطتها امام غرفة التمريض.. 

وما أن فتحت سيفيل الباب ، حتى قفزت على سرير العجوز النائم (الموصول بجهاز القلب) الذي استيقظ مرتعباً بعد رؤيته القطة مستلقية على قدميه .. وحين رأى سيفيل بجانبه ، سألها :

- أأنت النزيلة الجديدة ؟

- نعم ، واختارتك قطتي لسببٍ قد يزعجك

العجوز : لم أفهم !

- قطتي تشعر باقتراب ملك الموت

- ماهذا الكلام يا امرأة ؟!


الغجريّة : صدّقني ، مازال امامك ساعة قبل قبضه روحك .. فقطتي تنبّأت سابقاً بوفاة 27 شخصاً .. 

العجوز مقاطعاً بعصبية : إخرجي انت وقطتك من غرفتي ، قبل إبلاغي الإدارة عن إفزاعك النزلاء بخرافتك الغبية !!

فاقتربت من وجهه ، وهي تقول بجدّية :

- ماذا لوّ كنت أقول الحقيقية 


فارتبك من نظرتها الحادّة التي أشعرته انه مُجبر على مطاوعتها دون جدال ! لهذا أجابها حين سألته عن اسمه : 

- جورج 

سيفيل : حسناً يا جورج .. سأطرح عليك سؤالاً هاماً ، بما انك تحتضر الآن .. ما الشيء الذي ندمت على فعله بحياتك ؟ او ندمت إنك لم تفعله مطلقاً ؟ 

ففكّر قليلاً ، قبل ان يقول بحزن :

- ليتني ملكت الشجاعة لأصبح كما أريد ، وليس كما توقعه الجميع 


فجلست على الكرسي بجانبه ، وهي تسأله :

- إخبرني عن حلمك الضائع يا جورج ؟

فتنهّد مطولاً وكأنه يستذكر الماضي :

- حلمت منذ طفولتي أن أصبح رحّالة يجوب العالم.. تخيّلت ذلك كل ليلةٍ من سنوات طفولتي ومراهقتي 

- ولما لم تحقّقه في شبابك ؟


جورج : توفيّ والدي بعد تخرّجي الثانويّ بأسابيع .. ولأني الإبن البكر لعائلة مكوّنة من خمسة افراد ، إستلمت دكّانه الصغير للإهتمام بمصاريفهم .. الى أن أكملوا جميعاً دراستهم الجامعية ، ماعدايّ ! ..من بعدها تزوجت امرأة روتينية تكره الخروج من المنزل ، أنجبت لي ثلاثة اطفال .. فأمضيت حياتي بين العمل والمنزل ، الى ان كبروا وعاشوا خارج البلاد .. وقدمت الى هنا بعد وفاتها ، لعدم وجود من يرعاني 

- ما رأيك لوّ تعيش حياة المغامر للمرة الأخيرة ؟

- ماذا تعنين ؟


فأزالت عقدها الذي فيه بلوّرة صغيرة بيضاء ، وأعطتها له 

جورج وهو يتفحّصه : يبدو عقداً رخيصاً !

الغجريّة : ليس ذهباً او فضة ، لكنها بلوّرة سحرّية .. إمسكها بكلتا يديك ، وسافر بأحلامك حول العالم .. لا تنظر إليّ هكذا ، فليس امامك وقتاً طويلاً .. إغمض عيناك واسرح بخيالك

^^^


وما أن أغمض عيناه ، حتى شعر بجسمه يطفو فوق سريره ! قبل أن تسحبه البلوّرة الى داخلها.. لينتقل بسرعةٍ هائلة داخل دهليزٍ حلزونيّ طويل  


وحين فتح عيناه ثانيةً : وجد نفسه فوق جبل إفرست وبيده علم بلاده الذي غرسه على القمّة ، وسط تصفيق رفاقه الذي وثّقوا اللحظة بكاميراتهم .. وحين أعطوه الصورة ، رأى نفسه شاباً يافعاً .. وقبل ان يستوعب ما حصل ! 


أغمض عيناه ثانيةً ، ليجد نفسه يجلس في خيمة وسط الصحراء .. وحين سأل رفيقه ، أخبره أنهم في الصحراء الكبرى بأفريقيا ، التي لطالما حلم باستكشافها !


فعرف جاك طريقة إنتقاله من منطقةٍ لأخرى .. فصار يغلق ويفتح عيناه بسرعة ، ليجد نفسه في اماكن مختلفة من العالم : مُستمتعاً بمنظر الشفق القطبي الخلّاب ، والسباحة في عمق البحار.. واستكشاف مع رفاقه المغامرين غابات الأمازون وأدغال افريقيا والكهوف وفوهات البراكين وغيرها .. 


وبعد زيارته عشرات الأماكن السياحيّة .. فتح عيناه للمرة الأخيرة ، ليجد نفسه في غرفة التمريض ، بجانب الغجريّة التي سألته باهتمام: 

- هل كان حلماً جميلاً ؟

جورج بحماس : بل رائعاً للغاية !! أحسّست كأني عشت حياةً ممتعة ، بدل الروتين المملّ الذي اتبعته طوال حياتي 

- وهل تشعر بالرضا الآن ؟

- كأني جرّبت كل ما أردّته من هذه الدنيا


الغجريّة : اذاً أصبحت مستعداً للإنقال لحياة الخلود 

جورج بقلق : هل اقترب موعد وفاتي ؟! 

سيفيل : طالما إن قطتي هربت لخارج غرفتك ، هذا يعني ان ملاك الموت على وشك الوصول .. (ثم وقفت وهي تقول) ..لا تخفّ من الموت يا جورج ، فهو مصيرنا المحتوم  


وفور خروجها من الغرفة ، ظهر نورٌ لامع فوق سريره ! 

فأغمض جورج عيناه الدامعتان ، وهو يقول :

- انا مستعدّ للرحيل الآن

^^^


ما أن وصلت الغجريّة الى غرفتها ، حتى رأت الممرّضات تركضنّ باتجاه غرفة التمريض بعد ارتفاع صفير جهاز القلب ، مُعلناً وفاة جورج !


فأخذت سيفيل تُمسّد فروّ قطتها وهي تقول :

- أحسنتِ !! حققنا طموح حياته قبل رحيله ..

***


بعد شهر .. خربشت القطة على باب الغرفة بشكلٍ متواصل ، فعلمت الغجريّة إن أحد النزلاء على موعدٍ مع الموت !  


فمشت خلفها في الممرّات ، الى ان وصلت القطة الى قسم الإدراة ..

فحملتها سيفيل ، لتسألها باستغراب :

- هل أنت متأكدة إن المُحتضرّ هذه المرة من الموظفين ؟!

فماءت القطة لتأكيد الخبر ! 


ثم أكملت القطة سيرها ، لحين وقوفها امام مكتب الطبيب الشاب الذي يزورهم مرتين في الإسبوع للإطمئنان على المرضى العجائز ، والذي لم يلاحظ دخول الغجريّة وقطتها الى غرفته لانشغاله بالجوّال مع طبيبٍ آخر يُناقشه بحالةٍ طبيّة لأحد النزلاء .. قائلاً : 

((كما توقعت ..رئته اليمنى تعطلّت تماماً ، ونقلته الى غرفة التمريض مع جهاز التنفّس .. سأرسل نتائج تحاليله ، لتخبرني بطريقة علاجه .. سنبقى على تواصل .. سلام))


وبعد إغلاقه المكالمة ، عاتب الغجريّة بامتعاض :

- كيف دخلتي دون استئذان ؟!

سيفيل : كنت ألحق قطتي

الدكتور بعصبية : خذيها وعودي الى غرفتك !! وإن رأيتها تتجوّل ثانيةً بين مكاتب الإدراة ، سأحرمك منها

- هل يمكنني الحديث معك بموضوعٍ هام ؟  

- لست متفرغاً الآن 

الغجريّة : لن تكون متفرغاً لشيء بعد ساعة

- ماذا تقصدين ؟


فأخبرته عن موهبة قطتها باستكشاف مواقيت ملك الموت ، كما فعلت مع العجوز جورج وغيره

الطبيب بعصبية : ما هذه الخزعبلات يا امرأة ؟! ألن تكفّوا أيها الغجر عن خرافاتكم السخيفة !!

فاقتربت من وجهه ، لتقول بنظرةٍ ثاقبة :  

- ماذا لوّ كنت أقول الحقيقية ؟ 


وكانت القطة بهذا الوقت تحكّ جسمها بقدميه ، بينما أردفت الغجريّة:

- من الأفضل أن تحقّق أمنيتك قبل فوات الآوان

لكنه فاجأها بركل القطة بعيداً ! صارخاً في وجه سيفيل :

- أخرجي من مكتبي فوراً !!


فحملت قطتها وهي تكتم غيظها : 

- سأنتظر خارج غرفتك ، فبعد قليل ستناديني بنفسك .. 

لكنه لم يكترث لها ، وعاد لمراجعة ملفّات النزلاء الطبيّة 

***


امام باب مكتبه .. جلست سيفيل على الكرسي ، وبحضنها القطة .. وهي تنظر لساعتها من وقتٍ لآخر .. 


وبعد مرور الوقت ، قالت لقطتها :

- مازال امامه 10 دقائق قبل وصول ملك الموت .. أظنه سيشعر بالإحتضار الآن

بهذه اللحظة ، سمعت شيئاً يرتطم بقوة على الأرض ! 


فأسرعت للداخل ، لترى الطبيب يلهث بصعوبة وهو يترجّاها أن تنادي الطبيب الآخر بعد إصابته بأزمةٍ قلبية مفاجئة !

فهمست في أذنه :

- أخبرتك قبل ساعة أن ملك الموت قادمٌ اليك ، هل صدّقتني الآن ؟

فضغط على يدها بما تبقى من قوته :

- ارجوك ساعديني

الغجريّة : أترى كيف تنظر قطتي للسقف ، هذا يعني انه بقيّ القليل لوصوله اليك .. لهذا سأسالك ثانيةً : ما الشيء الذي ندمت على فعله بحياتك ؟ او ندمت أنك لم تفعله مطلقاً ؟ 


ففكّر الطبيب قليلاً ، قبل ان يجيب وهو ينهج بألم :

- ليتني لم أعمل بهذا الجهد طوال حياتي

فوضعت بلوّرتها الصغيرة بين يديه ، وهي تقول :

- إذاً أغمض عيناك لتحقيق أمنيتك الأخيرة

^^^


وما أن فعل ، حتى انتقل لزمن الماضي : ولأيام تدريباته في المستشفى بعد تخرّجه بامتياز على دفعته .. حيث كان حريصاً تلك الفترة على دخول الغرف الجراحية لمراقبة الأطباء المحترفين اثناء عملهم .. وانتقل سريعاً الى اليوم الذي كان يستعدّ فيه لحضور مؤتمرٍ طبي ، حين دخل صديقاه ومعهما تذكرة إضافية لمشاهدة فريقهم الرياضيّ ، لكنه سخر من إضاعة وقتهما بأمورٍ سخيفة تناسب تفاهة عقلهما .. ومن يومها أصبح وحيداً دون اصدقاء .. كما تذكّر زوجته وهي تحاول إقناعه بإمضاء المزيد من الوقت معها ومع ابنته الوحيدة .. كما محاولات والداه لزيارتهما في المناسبات العائلية .. لكنه مدمن عمل ، مما تسبّب بطلاقه من زوجته التي عاشت هي وابنته في الغربة .. بينما تابع حياته بين عيادته الخاصة والمستشفيات وتطوّعه في دار العجزة ، كيّ لا يتسنّى له الوقت للتفكير بما خسره ! 


وهنا فتح عيناه الدامعتين ، ليجدّ الغجريّة تقول له :

- لا تفتح عيناك الآن !! عشّ اللحظات التي ضيّعتها ..انها فرصتك الأخيرة

^^^


فعاد لإغماض عينيه : ليجد ابنته الصغيرة تترجّاه بالذهاب معها الى حفلة الآباء في المدرسة .. 

فلم يجد نفسه الا وهو يحضنها بحنان ويقول : 

- سيكون شرفاً لي مراقصة أميرتي الصغيرة

فاندهشت زوجته من جوابه ! فهي متعوّدة على رفضه الدائم 

 

ثم تسارعت الأحداث : ليرى نفسه فوق مسرح المدرسة وهو يرقص مع ابنته التي كانت تضحك بسعادةٍ غامرة ، وزوجته بين الحضور تصوّرهما والدموع في عينيها .. 


ثم وجد نفسه معهما في السيارة ، حين سألته ابنته :

- هل ستعود الى عملك يا ابي ؟

فأجابها بحماس : بل سنذهب مباشرةً الى الملاهي !!

وبينما كانت ابنته تهلّل فرحاً ، سألته زوجته :

- أليس لديك عمليات جراحية هذا المساء ؟!

الطبيب : يوجد اطباء غيري ، فاليوم مُخصّص لعائلتي .. وبعد الملاهي سأزور والدايّ .. ثم أعود للمنزل 

وهمس لزوجته : إيّاك النوم باكراً ، فبانتظارك ليلة رومنسية رائعة


ثم تنقّل سريعاً بين الأحداث السعيدة التي أنسته أوجاع قلبه ..

^^^


حين استفاق من حلمه الجميل ، رأى نوراً أبيضاً ينزل ببطء من السقف نحوه .. فقالت له الغجريّة :

- أظنك ترى ملك الموت .. لذا عليّ الذهاب


وقبل نهوضها عن الأرض ، أمسك الطبيب يدها وهو يقول بتعب :

- شكراً لك 

^^^


ثم أسرعت الغجريّة الى غرفتها ، قبل ملاحظة الممرّضات للطبيب الواقع في مكتبه .. 


وبعد دقائق .. حصل ارتباك بين الموظفين الذين سارعوا بطلب الإسعاف ، الا أن سيفيل تعلم مسبقاً انه فارق الحياة

***


لم يمرّ اسبوع على رحيل الطبيب ، حتى عادت القطة للمواء امام باب الغرفة ..

الغجريّة باستغراب : شخصٌ آخر يحتضرّ ! .. آه نسيت اننا بدار المسنين ، وليس غريباً زيارة ملك الموت من وقتٍ لآخر .. هيا لنتعرّف على الضحيّة التالية

^^^


ومشت بين غرف العجائز .. الى ان دخلت القطة الى غرفة إحداهنّ ، واستلقت فوق قدميها .. والتي سألت الغجريّة وهي تُمسّد فروّ القطة :

- أهذه قطتك ؟

سيفيل : نعم

المرأة العجوز : انا لم يُسمحوا لي بإدخال كلبي ، فتركته مع حفيدي

- كم حفيدٌ لك ؟

- إثنان ، ولدٌ وبنت من ابني الوحيد 

الغجريّة : واين زوجك ؟

- طلّقني بعد بلوغ ابني العشر سنوات  

- هل كان قاسياً معك ؟ 

المرأة : كان زواجاً تقليديّاً ومملاً منذ البداية 

- ألم تشعري بالحب في حياتك ؟


فتنهّدت العجوز تنهيدة طويلة ، قبل ان تقول :

- بل عشت أجمل قصة رومنسية مع حبيبي الوسيم آوليفر 

سيفيل : يبدو من اسمه انه إلمانيّ ؟

- نعم ، وانا من اصول روسيّة .. لهذا رفضه ابي الذي مات والداه بالتعذيب في المعتقلات النازيّة .. فافترقنا ، وكلاً تزوج من بلده


الغجريّة : وهل انقطعت اخباره ؟

- بعد ايام من عرسي ، أرسل بطاقة مباركة بإسم فتاة .. لكني عرفته من توقيعه ، ومن القلب المكسور الذي رسمه آخر الرسالة .. آه ! كم تؤلمني ذكريات الماضي  

سيفيل بابتسامةٍ حنونة : أظنني عرفت أمنيتك .. إمسكي بلوّرتي جيداً

- هل هي بلوّرة سحريّة خاصة بالغجريين ؟

- يمكنك قول ذلك .. فقط أغمضي عينك .. وهذه المرة لا تكبتي مشاعرك ، كما فعلتي طوال حياتك

^^^


وبعد فتح العجوز لعينيها : رأت نفسها بثياب العرس ! .. فالتفتت للعريس ، لتجده حبيبها الإلمانيّ .. 

فصرخت بصدمة : آوليفر !


ولشدّة فرحتها ، حضنته بشغف امام المعازيم الذين ضحكوا من حماسها .. وخلال ثواني .. شاهدت موجزاً عن اللحظات السعيدة من شهر عسلها ، وصولاً لولادة اطفالهما الأربعة التي راقبت نموهم السريع .. الى أن رأت نفسها بجانب آوليفر بعد أن أصبح كهلاً وهو يحتضرّ بالمستشفى ، مُمسكاً يدها بحنان : 

- إيلينا ، يا حبي الأول والوحيد .. سنجتمع سوياً بعد قليل ، وهذه المرة لن يفرّقنا أحد

^^^


وهنا استيقظت العجوز وقلبها يهللّ فرحاً ، لتحتضن الغجريّة وهي تشكرها على الحلم الجميل الذي أعاد اليها روحها.. 

ثم سألتها عن جملة آوليفر الأخيرة ، لتجيبها سيفيل :

- بما انه مرّت ساعة منذ تعرّفي عليك ، هذا يعني إن ملك الموت قادمٌ اليك لأخذك الى آوليفر الذي سبقك الى عالم الخلود ..

ففاجأتها بالقول : 

- إن كان سيأخذني الى حبيبي ، فأنا مستعدة للرحيل 

سيفيل : جميلٌ أن أراك بهذا الثبات والقوة ، يا عزيزتي


ثم خرجت من عندها ، فور دخول النور الأبيض الى غرفتها .. ومشت في الرّواق ، وهي تقول لقطتها :

- أخجلتني بحلمها الجريء ، على الأقل لم تكبت مشاعرها هذه المرة

***


بعد دفن إيلينا ذلك النهار ، إختفت الغجريّة وقطتها من غرفة الدار .. وبحث العاملون عنها كثيراً ، دون إيجادها ! 

فعلمت الإدارة انها هربت من دار العجزة ، رغم إن أجهزة المراقبة لم تُسجّل ذلك !

***


في السماء السابعة .. إجتمع ملك الموت مع الحورّيتين :

- هل حقّقتما حلمكما على الأرض ؟

الحوريّة سيفيل : نعم سيدي .. كنت أرغب بمعرفة الأشياء التي يندم البشر على فعلها بحياتهم ، لحظة وفاتهم .. فشكراً لسماحك لي ولصديقتي بالتجسّد بهيئة غجرّية وقطتها في الدنيا .. فبعد دراستي لثلاثين حالة ، عرفت أنهم يفسدون حياتهم بأيدهم ، رغم كل الهبات والمميزات التي وهبها الله لهم لبناء حياةٍ سعيدة ، لكنهم دائماً يضيّعونها باختياراتهم السيئة !


ملك الموت : مشاغل الدنيا دائماً ما تُلهيهم عن واجباتهم الدينية والعائلية والإجتماعية .. كما لا تنسي شياطين الإنس والجن التي توسّوس لهم للإنحراف عن الطريق المستقيم .. والآن عليّ الذهاب ، فأمامي مهمّة أخرى .. وإيّاكما أن تسبقاني لتحذير الضحيّة القادمة

سيفيل : لا تقلق سيدي .. فمهمّتي انا وكتلة الفروّ ، إنتهت على الأرض  


فسأل ملك الموت الحوريّة الثانية : ماذا عنك يا مكتشفة الأرواح ؟ 

- مياو !!.. أقصد .. سيفيل معها حق , سيدي 


وضحكوا بعفويّة ، قبل نزول الملاك للأرض لتنفيذ مهمّاتٍ لن تنتهي الى يوم القيامة !


الاثنين، 15 فبراير 2021

النقيضان

تأليف : امل شانوحة 

 

أقدارٌ مختلفة !


- توقف مكانك !!

صرخ الشرطي جون بمكبّر الصوت على شابٍ مُقنّع يفرّ هارباً من محلٍّ تجاري ، إثر بلاغٍ عن هجومٍ مسلّح في المتجر


وطارد الشرطي المشتبه به بعد دخوله زقاقٍ ضيّقة ، عقب إبلاغه (جون) المركز عن حاجته لدعم ، خوفاً ان يكون اللص متّجهاً الى وكرٍ مليء بالمجرمين ..

ولأن جون رياضيّ إستطاع اللحاق به ، وشدّه من قدمه قبل قفزه من فوق السياجّ .. مع ارتفاع صافرات الشرطة التي إقتربت من الحيّ الشعبيّ ..


وبعد تقيّد يديه خلف ظهره بالأغلال .. أزال القناع عن وجه الشاب ، ليتفاجأ بأنه شبيهه ! نفس الملامح ونفس العمر ..وكأنه ينظر في المرآة ، بخلاف الشعر الطويل وكثافة لحيّة المجرم الذي كان أشدّ ارتباكاً منه ! 


بهذه الأثناء ، علا صوت اللاّسلكي للشرطي جون :

((وصلنا المنطقة ، اين أنت ؟!! هل قبضت على اللصّ ، أم تمكّن من الهرب ؟))


فلم يجد جون نفسه الاّ وهو يُفكّ الأغلال ، بعد دسّ بطاقة عمله في جيب اللصّ ، وهو يهمس له :

- أهرب بسرعة !! واتصل بي فور وصولك لمكانٍ آمن..

ورغم دهشة اللصّ ! الا انه أسرع بالفرار قبل وصول الشرطة اليه

***


في المساء .. عاد جون الى شقته ، بعد كتابته تقريراً عن فرار المجرم الى جهةٍ مجهولة !


وانتظر عدّة ايام دون سماعه خبراً عن شبيهه الذي أشغل تفكيره كثيراً ، لدرجة انه ذهب لمنزل زوجة والده ليسألها إن كان لديه أخاً توأماً .. فأجابته:

- بالحقيقة لا أعرف ! فأنا تزوجت والدك المرحوم ، حين كنت انت في الثامنة .. 


جون : نعم أذكر انني عشت مع والدي سنتين قبل عرسكما ، لكن ألم يخبرك ابي عن وجود أخٍ لي ؟

- لا ! هو فقط أخبرني أن امك ماتت وانت صغير.. ولأني شعرت بضيقه حين تكلّم عنها ، لم أعدّ اسأله .. فلماذا تفكّر بماضيك الآن؟!


فغيّر جون الموضوع لأنه لا يريد إخبار احد عن شبيهه ، على أمل أن يتوضّح الأمر لاحقاً 

***


وهذا حصل بعد يومين ، حين تفاجأ باللصّ امام بابه !

جون بدهشة : كيف عرفت عنوان منزلي ؟!

- بحثت كثيراً ، الى أن وجدته

- كان عليك الإتصال اولاً 


الا أن الشاب دخل الصالة دون إذنه ، وأخذ يتفحّص المكان قائلاً : 

- بيتك جميل ، لكنه متواضع 

جون بنبرة تهديد : إن حاولت يوماً سرقته ، لن أسامحك هذه المرة

- لا تخفّ ، لن أسرق منزل أخي التوأم

جون بدهشة : أخوك !

- نعم .. انا جاك ، أكبر منك بخمس دقائق فقط .. اما أنت ، فأسمك الحقيقي مايكل .. 

- لا !! إسمي جون 

- أيُعقل أنك لا تذكر امنا ووالدنا اللعين ؟!


جون : ابي المرحوم كان طيب القلب ، وهو لم يخبرني عنك مطلقاً

- هذا لأنه ليس والدك الحقيقي 

جون مستنكراً : يبدو إن الشبه بيننا مجرّد صدفة ، فماضينا مختلفٌ تماماً 

- من الأفضل ان تجلس كيّ أخبرك القصة منذ البداية


وأخبره جاك عن والدتهما التي سافرت بعد ولادة التوأمين ، هرباً من عنف زوجها السكّير الذي عرف عنوانهم بعد بلوغهما سن السادسة .. وبعد اعتذاره منها بطرقٍ كثيرة ، قبلت عودته الى حياتهم 


وفي تلك الليلة المشؤومة .. غضبت الأم بعد عودته سكراناً من حفلة اصدقائه ، وهدّدته بالطرد من منزلها إن عاد لإدمانه ثانيةً .. فجنّ جنونه ، وأخذ يضرب رأسها بالجدار مراراً ، دون أن يأبه ببكاء ولديه الخائفين ! 

حينها تجرّأ جون على الإتصال بالشرطة ، بينما اختبأ جاك بسيارة والده بعد أن أرعبه منظر الدماء التي خرجت من رأس أمه المُهشّم .. وبعد أن ترك الأب زوجته غارقة بدمائها ، سمع صافرة الشرطة تقترب من المكان .. فاقتحم غرفة جون ، ليراه يتكلّم مع الشرطي .. فكسر الهاتف الأرضيّ .. وهجم عليه ليرميه بقوة على الأرض ، مما جعله يفقد الوعيّ .. ثم أسرع الى سيارته ، ليفرّ هارباً قبل وصول الشرطة الى المنزل ، دون انتباهه بأن ابنه الآخر يختبأ تحت المقاعد الخلفيّة


جون : وهل ماتت امك تلك الليلة ؟

جاك : أمنا يا مايكل .. للأسف نعم ، وأنت نُقلت الى المستشفى .. بعدها انقطعت اخبارك .. وفي الإسبوع الماضي بعد إطلاقك سراحي ، بحثت عن ماضيك .. فعرفت من مصادري إن الشرطي الذي أنقذك تلك الليلة ، تبنّاك لاحقاً .. لهذا إسميّ عائلاتنا مختلف

جون : إن كنت تقول الحقيقة ، فلما لم يخبرني ابي بهذا قبل موته ؟  

- وهل تفضّل أن تعرف ان والدك الحقيقي قتل امك ، ودمّر أخاك نفسيّاً

- وماذا فعل لك ؟


جاك : يمكنك تخيّل حياة ولدٍ صغير مع والدٍ سكّير .. بالتأكيد لن يكترث بتعليمي .. بل إن قساوته معي ، جعلتني أسرق منذ سنوات مراهقتي كيّ أجمع المال الكافي لاستئجار منزلٍ بعيداً عنه .. 

- واين والدنا الآن ؟

- لا ادري ، ولا يهمّني أمره .. ففي حال لم يقتله الخمر ، سيكون مشردّاً في الشوارع .. فأنا لم اره منذ سنوات


ثم عمّ الصمت بينهما لدقائق ، قبل ان يقول جون : 

- وماذا سنفعل الآن ؟

جاك بحماس : ما رأيك ان نزور منزلنا القديم ؟ فأنا لم اذهب هناك ، منذ أن أغلقته الشرطة بعد الحادثة  

جون : حسناً ، أعطني رقم جوالك .. وسنذهب في عطلة الأسبوع .. لكن رجاءً الا ترتكب حماقةً أخرى تتسبّب في سجنك

- لا أستطيع وعدك ، فعليّ دفع إيجار شقتي بنهاية الشهر


فأعطاه جون مبلغاً من المال لتدبير اموره .. وبدوره شكره (جاك) على المساعدة ، قبل خروجه من المنزل 

***


في تلك الليلة .. حاول جون تذكّر حادثة امه ، لكن لا احداث مهمة مُسجّلة في ذاكرته قبل سن السابعة .. وأخذ يتساءل إن كان جاك يقول الحقيقة ام لا!

*** 


في عطلة الإسبوع .. خرج جون من منزله صباحاً ، ليجد جاك ينتظره في سيارته القديمة ! والذي ناداه بحماس :

- هاى مايكل !! أتيت باكراً لأن بيتنا بعيد


فاقترب منه ، وهو يقول بصوتٍ منخفض : 

- جاك لوّ سمحت ..كل الجيران يعرفونني بالشرطي جون ، هو إسمي في الهويّة 

- حسناً فهمت ، هيا لنذهب 

جون : تبدو سيارتي أسرع من ..  

جاك مقاطعاً : هل جننت يا جون ؟! أتريد الذهاب بسيارة الشرطة الى منطقةٍ فقيرة تعجّ بالمجرمين .. هيا إركب !! انا أعرف العنوان جيداً 

*** 


ووصلا هناك عصراً .. 

وما ان دخلا الحيّ الفقير ، حتى استردّ جون مقتطفات عن ماضيه .. فهو تذكّر الحديقة العامة التي لعب فيها مع اخيه ، بعد ذهاب امهما الى عملها كنادلة في المطعم الذي عرفه من رسومات واجهته ، فور مرورهما بجانبه!

وظلّ جون يتأمّل الحيّ القديم بصمت .. الى ان وصلا لمنزلٍ مهجور ، حيث لم يجرأ أحد على اقتحامه بعد حدوث الجريمة !  


ووقف جون متجمّداً امام المنزل ، بعد تضارب الذكريات في رأسه .. في الوقت الذي كان يحاول فيه جاك فتح الباب ، إلى أن قال بارتياح :

- وأخيراً فتحته !! 

حينها انتبه جون الى السلك الذي يحمله ، فقال معاتباً :

- ظننت إن معك المفتاح !

جاك بابتسامةٍ ماكرة : هذا السلك السحريّ يفتح كل شيء .. فأنا لصٌّ محترف ، أنسيت ؟ .. هيا ندخل !! 


وما أن رأى جون رسمة الجثة بالطبشور على أرضيّة الصالة ، والجدار المنكسر الذي تحوّلت بقعة الدماء حوله للون الأسود ! حتى انهار باكياً بعد تذكّره صرخات امه ، وهي تحاول إنقاذ نفسها من زوجها المجنون


كما تذكّر كيف أسرع لغرفته للإتصال بالشرطة ، وايضاً نظرات والده المخيفة حين هجم نحوه ، ورفعه للأعلى قبل ان تسودّ الدنيا في عينيه بعد ارتطامه بقوة على الأرض والذي أدّى لشرخٍ في جمجمته ، تسبّب بنسيانه الماضي ! 

كما عادت لذاكرته كلمات الشرطي (الذي تبناه لاحقاً) وهو يشجّعه على مقاومة الألم ، ضاغطاً على نزيف رأسه الصغير بالمنشفة لحين وصول الإسعاف 

 

وهنا ربت جاك على ظهره مواسياً :

- كنت بطلاً يا جون لاتصالك بالشرطة .. اما انا ، فقد كنت جباناً بهروبي من المنزل .. ولشدّة غبائي ، إختبأت في سيارة القاتل ! ليتني هربت الى الشارع ، لكانت حياة التشرّد أفضل من الخوف الذي عشته طوال حياتي 

جون وهو يمسح دموعه : أنا لم أنقذ امي ، وابي القاتل لم ينلّ عقابه حتى الآن ، وفقدّت أخي الوحيد .. فعن أيّةِ بطولةٍ تتحدّث ؟!

- لا تنسى انك كنت طفلاً صغيراً ، وفعلت المُتاح امامك .. فلا تلمّ نفسك ، هذا ذنب والدنا فقط .. هيا دعنا نصعد الى الطابق العلويّ ، فأنا مشتاق لرؤية غرفتنا القديمة


وبالفعل صعدا الى فوق ، ليريا العابهما القديمة التي مازالت متناثرة في أرجاء الغرفة .. 

وعادت اليهما الذكريات الجميلة مع كل لعبةٍ تفحّصوها.. 


وحين أمسك جاك بالمسدس والأصفاد البلاستيكية ، قال لأخيه :

- أتذكر هذه اللعبة يا جون ..كنت تُحب دور الشرطي ، وانا كنت دائماً اللصّ .. يبدو إننا علمنا مصيرنا منذ الصغر !

جون : لا تقسو على نفسك يا جاك .. فالدنيا أجبرتك على الإنحراف ، لكن ليس بعد اليوم 

جاك ممازحاً : وهل ستوظّفني في شركتك للإستيراد والتصدير ؟

- بل في مركز الشرطة

جاك : هل جننت يا جون ؟!! أتريد توظيف لصّ في الشرطة ؟


جون : هل سُجنت من قبل ؟

- لا

- هل لديك مذكّرة توقيف بإسمك وصورتك ؟

جاك : لا ، أنا معروف بسرعتي بالهرب .. فقط توأمي هو الوحيد الذي تمكّن من القبض عليّ .. 

- يعني لا احد يعرف شكلك الحقيقي من أصحاب المحلاّت التي سرقتها ؟

جاك : كنت مُقنّعاً دائماً 

- اذاً لا مانع من عملك معي .. اساساً هويّاتنا مختلفة ، ولن يعرف احد انك اخي بهيئتك الغريبة هذه 

- لا تحاول يا جون ، لن أقصّ شعري ولحيتي مطلقاً 


جون : هذه المرة سأوافقك الرأيّ ، فالموظفون لن يلاحظوا الشبه بيننا الا اذا دقّقوا النظر في ملامحك .. اساساً سأتوسّط لك لتتوظّف كحارس على مخزن الشرطة ، وليس في الوظيفة الميدانية مثلي

- المخزن !

- نعم سيكون عملك هو منع دخول أحد الى هناك ، دون إذنٍ خاصّ من الإدارة .. كما عليك ترتيب البضائع المسروقة التي وجدناها مع العصابات ، لحين إعادتها لأصحابها 

جاك باهتمام : ماذا عن المخدرات ؟

- نحتفظ بها في المخزن لموعد إتلافها


جاك بحماس : تبدو وظيفة مناسبة لي ، هل الراتب جيد ؟

- هو أجرٌ ثابت ، سيجعلك تدفع الإيجار بانتظام 

- انا موافق !! .. (ثم خرج من الغرفة وهو يقول) .. الآن ما رأيك أن نذهب لمتجر الحلويات الذي كنا نشتري منه في المناسبات والأعياد؟ 

- حسناً !! انا متشوّق لكعكة التفاح الرائعة 

جاك بابتسامة : وأنا كعادتي سأختار كعكة الشوكولا .. هيا بنا !! 

وودّعا غرفة امهما للمرة الأخيرة ، قبل خروجهما من المنزل ..

***


بعد اسبوعين .. توظّف جاك في مخزن الشرطة لعدة شهور ، إلتقى فيها مع أخيه بالمركز كلما تسنّى لهما ذلك .. كما اجتمع في منزل جون للعشاء بنهاية كل اسبوع..


وفي إحدى الليالي .. قبضت الشرطة على أحد موزعيّ الممنوعات ، وصادروا صندوقاً مليئاً بصنفٍ نادر من المخدرات ، سلمّوه لجاك لوضعه في المخزن .. 

***


في اليوم التالي .. إتصل مدير المركز بجون ليسأله عن سبب غياب صاحبه جاك عن الوظيفة (فلا احد يعرف انه اخاه) ..

فاتصل جون به ليفهم سبب تأخيره ، ليجد رسالة منه تقول :


((شكراً لتقديمك فرصة ذهبية لتغير حياتي ، لكني لم أتمالك نفسي حين رأيت صندوق المخدرات ذوّ الصنف الممتاز ، فهو يساوي ثروة في الشارع .. أعتذر يا جون ، يبدو ان دور الحرامي يليق بي اكثر .. لا تحاول البحث عني ، سأغيّر رقم جوالي وشقتي .. أتمنى ان نلتقي في المستقبل بظروفٍ أفضل .. سامحني اخي))


وقد أغضبته الرسالة كثيراً ، لكنه لم يستطع أن يريها للمدير كي لا يعرف أنه أخاه .. فقام بمسحها من جواله ..

ليصدر المركز لاحقاً : أمراً بالقبض على جاك بعد تلقيبه بالشرطي الفاسد .. لكنهم لم يجدوه ابداً !

***


بعد سنوات .. وصلت رسالة ورقية الى بريد منزل جون .. 

وحين فتحها : وجد صورة له ولإخيه مع امهما ، وهما في سن الرابعة .. وفي الخلف كُتب عليها :


((كانت حياتنا جميلة قبل انضمام والدنا الينا ، اليس كذلك ؟ .. رجاءً اخي ، أنقذني .. انا مسجون في سجن تكساس المركزي بعد حكمهم عليّ عشرين سنة بسبب الإتجار بالمخدرات .. فهل يمكنك تخفيض سنوات سجني ؟ .. ليس لأجلي ، بل لأجل امنا التي ربّتنا على الإهتمام ببعضنا .. انا في انتظار زيارتك .. أخوك ، وتوأم روحك وقلبك : جاك))


فحاول جون تجاهل الرسالة التي قضّت مضجعه لأسابيع..  

الا انه بحلول عطلته السنوية ، لم يستطع نكران الأمر أكثر من ذلك .. فودّع عروسته ، وسافر الى ولاية تكساس للسؤال عن اخيه 


وبوصوله الى هناك .. طلب إذن الزيارة ، دون إخبار الحرس أنه شرطيّ.. ووضع محفظته في غرفة الأمانات في السجن ، كبقية الزائرين  

***


حين دخل صالة الزوّار .. وجد كل عائلة مجتمعة مع سجينٍ على طاولة مُنفردة.. لكنه لم يرى اخاه بينهم ! 


وهنا اقترب منه حارس ، وهو يهمس له :

- هل تبحث عن جاك دايموند ؟

جون : نعم ، اين هو ؟

- في السجن الإنفرادي ، بعد شجاره البارحة مع احد المساجين

جون بضيق : أهذا يعني انني لن اراه اليوم ، انا أتيت من واشنطن لأجله 

- هو أخبرني انك شرطي ، لهذا سأسمح لك برؤيته .. تعال معي ، ولا تجعل الحرس الآخرين يلاحظون غيابك 

فمشى خلفه ، الى ان خرجا من الصالة بهدوء .. 

***


ثم نزلا الأدراج ، الى ان وصلا الى زنزانة الإنفرادي .. ليجد اخاه يجلس هناك ، وامام قدميه خصلات شعره وذقنه المقصوصين !

جون بدهشة : جاك ! أخيراً قصصّت شعرك ، وحلقت ذقنك .. الآن أصبحت تشبهني تماماً

جاك بابتسامةٍ ماكرة : هذه هي الخطة 

جون باستغراب : ماذا تقصد ؟!


فأشار جاك للحارس الذي ضرب رأس جون بالعصا بقوة ، ليسقط على الأرض وهو يشعر بدوخةٍ شديدة ! 

جاك : هيا بسرعة !! ساعدني بتبديل الملابس معه 

الحارس : ماذا عن المقص وبقايا شعرك وذق..

جاك مقاطعاً : دعهم في الزنزانة ، لكيّ تخبر الإدارة بأني رتّبت مظهري لزيارة اليوم .. وحين اكتشفت انت سرقتي للمقصّ ، ضربتني بعنف قبل تقيدي بالأصفاد 


الحارس بمكر : كذبي على المدير سيكلّفك 5 ألاف دولار أخرى

جاك ، وهو ينزع ملابس جون : 

- لا عليك ، سأدفع المبلغ كاملاً لعائلتك بعد خروجي من هنا كما وعدّتك .. هيا بسرعة ، قبل ان يرانا أحد


وبعد إلباسه ثياب السجن لأخيه الذي كان يأنّ من الألم .. وضع الحارس الأصفاد بيديّ جون الذي بدأ يستعيد وعيّه ، لينادي اخيه قبل خروجه من الزنزانة بتعب :

- ماذا تفعل يا جاك ؟! أستتركني أُسجّن بدلاً عنك ؟ 


جاك بخبث : نعم ، فكّرت بذلك مطوّلاً .. سأهرب بعد أخذ هويّتك من أمانة السجن ، وأسافر قبل ملاحظتهم تبديل أماكننا .. ليس هذا فحسب !! بل سأعود الى وظيفتك ، فمخزنكم المليء بأجود انواع المخدرات هو كنز لعملائي المدمنين


جون وهو يحاول فكّ أصفاده بعصبية : إيّاك وتشويه سمعتي !!!! 

جاك بلؤم : آه نسيت ان أبارك زواجك ، فعروستك جميلة جداً .. وأظنك لم تخبرها عن توأمك الشرير 

جون بخوف : ماذا ستفعل يا مجنون ؟!

جاك : ألم تفهم بعد ؟ سأستبدل حياتي المزريّة بحياتك الناجحة .. لأني قرّرت هذه المرة لعب دور الشرطي .. لكني سأكون شرطياً فاسداً .. فالطباع صعبٌ تغيرها ، يبدو انني ورثت ذلك عن والدنا العزيز !


جون صارخاً بغضب : جاك !! إن لمست زوجتي ، سأقتلك !!!

جاك بابتسامةٍ صفراء : 

- أراك بعد عشرين سنة ، هذا إن بقيت حيّاً في هذا السجن المخيف


وخرج ضاحكاً من الزنزانة الإنفراديّ ، بعد قيام الحارس المُرتشي بإقفال بابها الحديديّ على جون الذي ظلّ ينادي بقيّة الحرس لإيقاف اخيه من الفرار ، والذي تمكّن بالفعل الهرب الى واشنطن وهو ينوي سرقة حياة أخيه للأبد !


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...