الاثنين، 29 نوفمبر 2021

لعنة الأبراج

تأليف : أمل شانوحة

الأسطورة الفلكيّة


في زمن العصور الوسطى ، سافر منجمٌ بابليّ من العراق الى إنجلترا .. ووقف أمام بوّابة القصر وهو يُطالب الحرس برؤية الملك ، لإطلاعه على علم الأبراج الذي لم يكن معروفاً لديهم .. 

وبعد موافقة الملك على استقباله ، أخذ المنجّم يُطلعه على موجز علمه المتعلّق بخريطة السماء بحسب حركة الشمس والقمر والكواكب الثمانية ، المقسّمة الى 12 برج ، كل واحداً منهم يحمل صفاتاً مشتركة حسب تاريخ ميلاد الشخص ..


فطلب الملك من قسّيسه مناقشته على انفراد ، فلديه أموراً أهم من علم التنجيم المعقّد..

***


وبالفعل أخذه القسّيس الى مكتبه في الكنيسة للتعلّم منه أساسيات التنجيم ، وتدوينها على مخطوطات إحتفظ بها في درجه.. 


وبعد شهور .. سأل الملك القسّيس عن أهميّة علم التنجيم .. فأنكر إستفادته من معلومات العالم الفلكي البابليّ ! 

فأمر الملك بقطع رأسه في جلسةٍ خاصة ، بتهمة إضاعة وقتهم بعلمٍ غير نافع 

***


باليوم المحدّد ، وفي الحديقة الخلفيّة للقصر .. حضر الملك والسيّاف والقسّيس  لتنفيذ حكم الإعدام بالمنجّم العجوز الذي ترجّى رجل الدين بإخبار الملك عن أهميّة العلم الذي نقله اليه في الشهور الماضية .. 

فاكتفى القسّيس بابتسامةٍ ماكرة ، لنيّته نسب التنجيم الفلكي إليه ..


وقبل إعدام المنجّم البابليّ ، نظر الى السماء وهو يدعو بصوتٍ مهيب :

- لتحلّ عليكم لعنة العام الجديد ، وتعانون من سلبيّات الأبراج!!


ثم وقع رأسه في سلّة القشّ ، بعد قطعه بالسيف !

ولم يهتم الملك ومن معه بتهديد المنجّم ، وعادوا لإكمال عملهم بالقصر

***


مضى الشهران بسلام .. الى أن عمّت الإحتفالات البلاد ، بليلة رأس السنة الميلادية الجديدة .. 


وفي الكنيسة .. سأل الراهب القسّيس الذي كان يعلّمه سرّاً علم التنجيم (المسروق من المنجّم البابليّ) :

- نحن الآن بشهر 1 ، أيّ برجٍ هذا ؟

القسّيس وهو يقرأ المخطوطات : برج الجدي 

الراهب : وما مميزات هذا البرج ؟

- حسب ما قاله المنجّم : أفضل صفاته هو الطموح 

الراهب : وما اسوء شيءٍ فيه ؟

- التشبّث بالرأيّ ، حتى لوّ كان على خطأ !

- أتدري يا معلمي .. أنا حقاً ممّتناً لك لاختياري من بين تلاميذك ، لتعليمي التنجيم الفلكيّ  

القسّيس مُحذّراً : إيّاك إخبار أحد بذلك ، قبل نشر كتابي 

- هل ستنسب العلم لك ؟!

- بالطبع !! فالملك لم يفهم شيئاً من كلام المنجّم .. وأنا الآن أكتبه بأسلوبٍ سلس ، يفهمه المُتعلّم والجاهل  

الراهب بحماس : بانتظار كتابك على أحرّ من الجمر 

*** 


مع بداية شهر 1 ، لاحظ الجميع تزايد عناد الملك برأيّه ! وإصراره على معاقبة اهل مدينته ، بعد رفضهم دفع الزيادة في مبلغ الضريبة المفروض عليهم .. ولم يقبل نصيحة وزيره بتقليل المبلغ ، بسبب الجفاف الذي تعرّضت له الحقول في الصيف الماضي.. 

وأصرّ الملك على إرسال جنوده لإلقاء القبض على شبابهم ، وحرق أكواخ كل من يرفض دفع الضرائب الجديدة !


والغريب إن الشعب بادله العناد لأول مرة في تاريخ المملكة ، ورفضوا الإلتزام بأوامره غير آبهين بتهديدات رئيس الجنود ! 

لتحصل بينهما مواجهةً عنيفة ، أدّت لخسائرٍ طفيفة بين الطرفين بعد تدخل الوزير لإلغاء الضرائب الأضافية بنفسه ، رغم قرار الملك الصارم ! وكاد يُشنق على مخالفته القوانين ..


والوحيد الذي شعر بغرابة الموضوع هو القسّيس الذي تذكّر تهديد المنجّم البابليّ الذي وعدهم بمعايشة سلبيات الأبراج ! فعرف أنهم سيعانون لبقية الشهر من عناد الملك الذي سيؤدي لنتائجٍ فادحة .. فقرّر معاكسة اللعنة بطريقةٍ إستثنائيّة ، قائلاً لتلميذه :

- سأحلّ المشكلة الحاصلة بالبلد

الراهب : وكيف ستسيطر على اللعنة ؟!

القسّيس : سأقلب المعادلة .. فبدل أن نعاني من سلبيات برج الجدي ، نستفيد من إيجابياته 

- وكيف يا معلمي ؟

- سأحُضر مشعوذ البلاط الملكي ، لمساعدتي في هذه المهمّة 

الراهب مستفسراً : أتقصد المشعوذ المنبوذ ؟! 

- الملك أخطأ بطرده ، فهو الأقوى بين السحرة بتخاطره مع الشياطين ..المهم أن لا تخبر أحداً ، سأدخله الى مكتبي من باب الكنيسة السرّي

***


وبالفعل استطاع المشعوذ من خلال تعويذاته الشيطانية من قلب الأحداث  

ففور إنهاء جلسته .. غطّت سماء انجلترا غيمةٌ كبيرة ، لم يلاحظها احد لاختفائها قبيل الفجر

***


في الصباح .. إستيقظ الملك وهو يشعر بنشاطٍ كبير ، وكلّه أمل وطموح بتحسين احوال البلد .. حيث انكبّ على كتابة قرارته الجديدة في مكتبه ..

 

وبعد تسليمه الورقة للوزير الذي قرأها وهو قلقٌ أن تكون ضرائب جديدة (فهو بالكاد استطاع تهدئة الشعب الثائر في الأسبوعين الماضيين) لترتسم على وجهه ابتسامة الرضا من القرارت الإيجابية للملك ، التي سلّمها لرئيس الجنود لتعليقها في ساحة المدينة التي ضجّت بالهتافات الداعمة للملك مع الصفير والتصفيق بعد قراره برفع اجور العمّال والمزارعين ، وفتح منجماً جديداً للعاطلين عن العمل ، وإعطاء اجوراً عادلة للنساء العاملات.. 

فتنفّس الشعب الصعداء وهم يشعرون بالرضا لنجاح ثورتهم الأخيرة ، التي أثّرت على قرارات الملك الجديدة التي ستُساهم بنهضة مدينتهم

***


وانتهى شهر 1 بسلام .. ليبدأ شهر 2 مع برج الدلو ، حيث تفاجأ الأهالي برحيل اولادهم الشباب الى قرى مجاورة ، رغبةً في الأستقلال ! حتى الفتيات أردنّ تعلم القراءة والكتابة (الممنوعة في عصرهنّ) وجادلنّ آبائهن بأن علمهنّ سيساهم بنهضة للوطن ، لأنهن سيربينّ أبنائهن بعقلٍ متفتّحٍ وسليم .. ولم تفهم العائلات ما حصل بتفكير اولادها !


ووصلت اللعنة الى قصر الملك بعد رفض ابنته الزواج من أمير فرنسا ، وهدّدته بالهرب من القصر إن أجبرها على ذلك .. فهي تحب الإستقلالية والإعتماد على نفسها ، وأخبرته برغبتها لتطوير مهاراتها في الفروسيّة والصيد ! 

وكاد الملك يقتلها لمخالفتها أوامره ، قبل تدخل القسّيس لطلب تأجيل زواجها لشهرٍ آخر دون إفهامه السبب .. فقبل الملك نصيحته

***


وفي الكنيسة مساءً ، إجتمع القسّيس والمشعوذ للقيام بجلسةٍ عاجلة ، للإستفادة من إيجابيات الدلو بدل سلبياته .. فأعاد تواصله مع الشياطين كما فعل الشهر الماضي .. وفور انتهائه ، أمطرت السماء فوق منازل السكّان ليلاً 

***


في الصباح .. لاحظ الأهالي تطوّر ذكاء اولادهم ومواهبهم بشكلٍ ملحوظ ! فمنهم من بدأ الرسم .. ومنهم من أطلق لصوته العنان ، وهو يغني بعذوبة في الطرقات .. ومنهم من أنشد أشعاراً من تأليفه .. مما أشعر أهاليهم بالفخر والذهول ! 


حتى الملك استمتع بعزف ابنته على القيثارة التي لم تكن تتقنها من قبل ! مما هدّأ غضبه اتجاه رفضها الزواج .. وفكّر بتأجيل الموضوع لحين إنهائها سن المراهقة ، للإستمتاع بحياتها اولاً

***


إنتهى الشهر على خير ، ليبدأ شهر 3 مع برج الحوت .. ومعه ظهرت سلبياته واضحة على الشعب : حيث بدى المزارعون ضعيفي الإرادة ، ولا يرغبون في العمل .. بل يفضّلون إمضاء وقتهم بشرب الشاي والغناء بالحقول ! ومنهم من استلقى فوق العشب لساعات ، مُطلقاً لمخيّلته العنان وهو شارد بتأمّل السماء .. مما أغضب أصحاب الأراضي الذين أمروا معاونيهم بجلدهم لمتابعة العمل ..


ووصل الخبر للملك الذي شددّ العقوبات على من يهمل عمله ، ومع ذلك تابعوا تضيّع وقتهم دون اكتراثهم بالعقوبة !

ولم يعلم المسؤولين ما حصل للمزارعين والعمّال ، بعد أن أثرّ خمولهم سلباً على حجم المنتجات الصناعية والزراعية .. 


فأخذ القسّيس على عاتقه إنهاء لعنة البرج ، بمساعدة المشعوذ المنبوذ الذي انتهت جلسته السرّية على هيئة رياحٍ خفيفة تسلّلت من نوافذ الشعب مساءً 

***


في الصباح .. تحوّل الجوّ العام لرومنسي خيالي ! وتعامل الأزواج مع بعضهم بشغفٍ وحب .. وعانقت الأمهات أطفالها بحنان .. واجتمع العشّاق في الحقول وهم يغنون وينشدون .. 


ووصلت الأجواء الرومنسية للملك الذي لم يهتم بانفلات زمام الأمور في مدينته ، لانشغاله بحفلات الرقص والغناء التي صدحت في قصره ..


فقال القسّيس للمشعوذ : يبدو إنه لا يمكننا فعل شيء مع هذا البرج المتكاسل ، علينا الإنتظار لنهاية الشهر 

- وهل تعتقد شهر 4 سيكون إيجابياً ؟

القسّيس بقلق : لنأمل ذلك

***


ومع بداية الشهر 4 ، شهر الحمل .. إستيقظ الأهالي على قرارات اولادهم المتهوّرة للقيام برحلاتٍ خطيرة : كتسلّق الجبال وغوص البحار واكتشاف الأماكن الغير مأهولة ! 

وحين اعترضوا بحزم ، أصيب الأبناء بنوبة غضب وبدأوا بافتعال المشاكل .. وخرجوا من منازلهم للقيام بما يرغبون ، دون اكتراثهم بنصائح اهلهم وقلقهم عليهم !


والتقى القسّيس صدفة بإمراة تبكي في الشارع ، فسألها عن حزنها :

- ابني الغبي يريد تجربة الطيران بملاءة السرير ، ارجوك أوقفه !! سيقتل نفسه بقراره المتهوّر .. فليس لديّ إبنٌ غيره 

القسّيس : ومتى سيقوم بذلك ؟ 

- غداً صباحاً

- لا تقلقي ، سأحلّ المشكلة


وذهب الى المشعوذ على أمل إيقاف تهوّر الشباب .. فقام المشعوذ بدوره الذي ظهر بنهاية جلسة تحضيره للشياطين ، على هيئة ضبابٍ ليليّ

***


في الصباح .. تحوّل شغف الشباب الى قراراتٍ حكيمة ومغامرة ، بعد قرارهم بحلّ مشاكل المدينة بشكلٍ ذكيّ وعمليّ .. فبدل ذهابهم لمسافاتٍ طويلة لجلب المياه العذبة ، قرّر بعضهم حفر بئرٍ عميق في الساحة ، لمصلحة الأهالي .. وبدأوا بتنفيذ مشروعهم على الفور ، دون اهتمامهم بنقد الكبار.. 


وفي غضون إسبوعين .. هلّل الأهالي فرحاً بعد ظهور الماء في قعر البئر ، الذي ساعدهم في ريّ أراضيهم 


أما الأهم ما حصل بقرارات الملك ، بعد قراره الأخير بكتابة معاهدة سلام مع الأسكتلنديين عقب سنواتٍ من الحرب والقطيعة ، مما أفرح الشعبين 

وتابعت الأمور إيجابية والمشاريع الناجحة حتى نهاية الشهر

***


وبدأ الشهر 5 مع برج الثور ، وكما توقع القسّيس : ((سيشعرون بسلبيته اولاً حسب لعنة المنجم البابليّ))

ولم يكن صعباً ملاحظة ذلك ، بعد تزايد عناد الملك وشعبه ايضاً !


فقال القسّيس لتلميذه :

- يبدو إن العناد صفة رئيسية بالأبراج الترابية ! 

الراهب : أتقصد الثور والجدي والعذراء ؟

القسّيس : نحن لم نصل لبرج العذراء .. أتمنى أن لا نصاب بالعناد ثانيةً ، كما نعاني الآن

- فعلاً هذه الطاقة ثقيلةٌ للغاية  

القسّيس : عدا عن الكسل وحب الطعام .. وإن تابعنا على هذا المنوال ، سنُصاب جميعنا بالسمنة قبل نهاية الشهر 

الراهب : ومالعمل ؟

- عليّ مقابلة المشعوذ في الحال .. فبعد إسبوعين من شهر الثور ، أصبح الوضع لا يُطاق  

***


وهذه المرة انتهت جلسة المشعوذ على هيئة نسيمٍ ربيعيٍ بارد .. 

ليستيقظ الشعب صباحاً وهم يشعرون برغبة للقيام بأعمالٍ تحتاج لدقة وصبر : كالخياطة والحرفيات الدقيقة .. ولم يعترض أحد على عمله لساعاتٍ طويلة ، بعد تميّزهم المفاجىء بالرضا والصبر رغم مشقّة مهنتهم الجديدة ! 

لتمتلأ الأسواق بالحرفيات والأثواب الرائعة الذين تابعوا إنتاجها حتى نهاية الشهر

***


وبدأ الشهر 6 مع برج الجوزاء .. وتوقع القسّيس الأسوء : فسلبياته حسب ما علّمه المنجم هي : الكذب والتحايل والمكر .. 

وبالفعل !! إزداد غضب الأهالي من الأساليب الملتوية لأولادهم الذين استطاعوا بمكرهم الهرب من مسؤلياتهم ، ومن العقاب ايضاً! 


وأكثر من عانى هو الملك بعد تزايد كذب رعيّته وحرسه ، وصولاً لجواريه ..فلم يعد يعرف الحقائق ، وعلى ماذا يبني قرارته ! 

وشعر من حوله باضّطرابه اثناء خطبه الرسميّة .. وخشيّ القسّيس من إصداره قرارات ٍخاطئة تضرّ بالشعب .. فأسرع الى المشعوذ الذي أنقذهم من هذه الورطة بجلسته السرّية الليلية 

***


ليشعر الجميع في اليوم التالي بانفتاحٍ إجتماعيّ غير مسبوق ! لتتزايد معها التجمّعات العائلية ، ومقابلات الأصدقاء القدامى بعد فراقٍ وهجران .. كما تقارب الجيران فيما بينهم بشكلٍ لطيفٍ ومرح  


حتى ابناء الملك المتخاصمين معه منذ سنوات ، أقاموا مصالحة علنيّة مع والدهم الذي كان سعيداً ايضاً بتصالح جواريه اللآتي لم تعدنّ تغرنّ من بعضهن ! بل تشاركن الحفلات الراقصة التي أسعدت أهل القصر ، بعد توقف الجميع عن التفكير بالهموم والمشاكل .. 

حيث نشرت إيجابيّة البرج المحبة والألفة بين أفراد المجتمع طوال الشهر 

***


بحلول شهر 7 مع برج السرطان ، إنقلب المزاج العام فجأة ! وشعر الجميع بالإنطوائية والسلبيّة وسوداويّة الأفكار .. وسُمع بكاء ونحيب بعضهم في الليالي الهادئة ، بعد تذكّرهم مآسي الماضي التي نسوها منذ سنوات .. ومعها زادت زيارة المقابر .. كما الّلوم والعتاب بين افراد المجتمع ، وجدالهم عن مشاكل قديمة حصلت بينهم !


فقال الراهب بضيق : رجاءً يا معلمي ، جدّ حلاً يزيل الإكتئاب الذي نعيش فيه 

القسّيس بحزن : معك حق .. فأنا أشعر بالشفقة على نفسي طوال الوقت ، وبدأت ألوم نفسي لعدم زواجي وإنجابي الأولاد ! .. لهذا عليّ الإسراع الى المشعوذ لإنهاء المشكلة ، قبل أن يفسُد ديني !  

***


قام المشعوذ بجلسته المعتادة ، والدموع تسيل على وجنتيه !

القسّيس بحزن : رجاءً لا تبكي ، سأبكي معك

المشعوذ : لا ادري ماذا حصل ! منذ بداية الشهر وأنا أتذكّر كل من مات من عائلتي وأصحابي ! حتى أتفه المشاكل التي حصلت لي .. يبدو لهذا البرج اللعين ذاكرةً قوية ، تذكّرك بسلبيات الحياة 

- رجاءً عجّل الموضوع ، ودعنا نزيل الغمامة عن قلوبنا


وبالفعل تمكّنت تعويذاته من إزاحة الغيمة السوداء التي خيّمت فوق المدينة في الأيام الماضية ! 

***


في اليوم التالي ..إنقلبت الحالة السوداويّة الى عاطفةٍ جيّاشة وحب الآخرين والإهتمام والتضحيّة .. ومُدّت طاولات الطعام في السّاحات ، وتسابقت النساء على طبخ أفضل وجباتهن لمشاركتها مع الآخرين .. 

واجتمع الناس للتحدّث عن ذكرياتهم السعيدة ، وهم يضحكون طوال اليوم 


حتى الملك أعلن زواجه من إحدى جواريه التي عشقها سرّاً ، بعد أن فاضت مشاعره بشكلٍ لا مثيل له ! 

وظلّت هذه الأجواء اللطيفة طوال الأسابيع الثلاثة ، الى أن زادت اوزانهم عقب  إحتفالاتٍ متتالية 

***


بنهاية الشهر ، قال الراهب :

- جيد إن الشهر انتهى ، فلم تعد ملابسي تناسبني مع تضخّم كرشي! 

القسّيس بضيق : وانا أُخفيه تحت ثوبي ، بعد تسابق النساء على حشر لقيمات الطعام في فمي ، وسؤالي من منهن الأفضل طبخاً ! حتى صرت أختبأ في كنيستي خوفاً منهن !

الراهب : المهم إن الشهر انتهى على خير .. والآن بأيّ برجٍ أصبحنا ؟

- شهر 8 ، برج الأسد 

- هل تعلم سلبياته ؟ 

القسّيس : أكيد سنلاحظها في الأيام القادمة

***


ولم يكن صعباً ملاحظة سلبيات البرج ، مع إنتشار الغرور والغطرسة بين الناس الذين تنافسوا على لبس أجمل ثيابهم ، حتى بالأيام العمل العادية ! 

ولم يعد أحد يردّ السلام على الآخر ، لشعوره بأنه أفضل شخصيّة في المدينة  رغم كونه مزارعاً او عاملاً بسيطاً 


وأكثر المتضرّرين هم حاشية الملك بعد إصابته بجنون العظمة التي جعلته يقرّر إعلان الحرب على الدول المجاورة ، للسيطرة على اوروبا !


وفور سماع القسّيس بقرار الملك المتهوّر ، أسرع راكضاً الى منزل المشعوذ الموجود في الغابة .. وهو يترجّاه بالإسراع بجلسته ، قبل موت آلاف الشباب وتدمّر حقولهم ومبانيهم الأثرية 


وما أن أنهى جلسته الشيطانية ، حتى انطفأت النيران المشتعلة في قناديل المنازل والقصر الملكي اثناء نومهم ..

***


في الصباح ، تبدلّ الحال تماماً .. واول ما لاحظه الشعب هو قرار الملك بإلغاء الحرب ، والإستفادة من مال الخزينة في زيادة رواتب وأجور العمّال والمزارعين ! 

مما أفرح الناس الذين سارعوا بصرف مدّخراتهم على اولادهم وأهاليهم من خلال رحلاتٍ ونزهاتٍ لطيفة ، بعد ضمان زودة الملك على معاشاتهم 

وزاد الكرم بينهم ، حتى مع الشخصيات المعروفة سابقاً ببخلها ! وهذه الأجواء السعيدة استمّرت حتى نهاية الشهر

***


في الشهر 9 ومع بدء برج العذراء ، إنقلبت الأمور رأساً على عقب فور إنتشار النقد اللاذع بين الناس .. حتى الأولاد تجرّأوا على نقد اوامر واسلوب اهاليهم في تربيتهم ، كأن لا شيء يعجبهم ! 


ووصلت اللعنة الى قصر الملك الذي دمّر كل من حوله نفسيّاً بنقده الهدّام .. فصاروا يختبأون في غرفهم خوفاً أن يجرحهم بكلامه القاسي ، الذي ظنّ انها نصائح قيّمة لأجل مصلحتهم !

حتى القسّيس لم يسلم من نقد الملك الذي أخبره برغبته بتعين رجل دينٍ أصغر سنّاً يُلازم قصره ، ونصحه بالتقاعد من الكنيسة لصحّته الشخصية!


وهذا القرار أرعب القسّيس الذي طلب من المشعوذ إنهاء الحالة السلبيّة المخيّمة على البلاد ، قبل خسارته عمله..

فعمل المشعوذ طوال الليل ، في محاولة لإظهار إيجابيات البرج

***  


في اليوم التالي .. إنتشرت رائحة الصابون والعطور في اجواء إنجلترا ، بعد إنشغال النساء والأولاد وحتى الرجال بتنظيف محالهم ومنازلهم وملابسهم ..وتزاحم الناس امام الحمّامات العامة للإستحمام ، وكأن غداً يوم العيد الوطني !


حتى الخدم في قصر الملك إنتشروا في جميع الغرف لتنظيفها ، وكأنهم يستقبلون ضيفاً مهماً في الأيام القادمة ! 

أما الجواري فتزاحموا عند الخيّاطات ، رغبةً بالظهور بأجمل مظهر ..


وفي اليوم المحدّد لاجتماع الوزراء في القصر ، تفاجأوا بالملك يدخل اليهم رافعاً بنطاله ، وبيده المقشّة وسطل الماء والصابون ..وهو يأمرهم برفع أقدامهم فوق الكراسي ، لرغبته بتنظيف مجلسه وسط ذهولهم ! وصار يدنّدن ، وهو سعيد بشطف الأرضيّة 

فحاول أحدهم العمل بداله .. فصرخ عليهم لملازمة مكانهم ، لحين جفاف بلاط مجلسه الرخاميّ !


وقد لاحظ القسّيس (الذي كان بين الحضور) نظرات السخرية من المرسال الإسكتلندي ، فخاف على سمعة إنجلترا .. وقرّر الذهاب للمشعوذ لإنهاء إيجابيات البرج التي أزعجته أكثر من سلبياته ، بعد قيام الرهبان بتحميمه غصباً عنه هذا الصباح (رغم نذره بعدم مساس الماء لسنوات) مما ضايقه جداً .. لكنه لم يجرأ على الخروج من المجلس ، قبل إنتهاء الملك من مسح البلاط !

***


وحين ذهب الى الغابة ، إستقبله المشعوذ وهو يضع المنشفة حول وسطه

القسّيس باستغراب : حتى انت استحمّمت ؟!

- ثلاث مرات هذا اليوم ! .. إيجابات هذا البرج تقتلني يارجل!!

- دعنا نننهيها في الحال ، فأنا خائف أن يجبرني تلاميذي غداً على الإستحمام من جديد  

المشعوذ : وهل تظنني أنتظرك ؟ 

- ماذا تقصد ؟ 

- حاولت مرتين ، لكن الشياطين أخبروني إنه لا يمكنهم معاكسة الإيجابيات ! لذا علينا الإنتظار حتى نهاية شهر

القسّيس بضيق : بقيّ اسبوعين كاملين ، ولا استطيع تحمّل كل هذه النظافة!! 

- وانا ايضاً 

وحضنا بعضهما بحزنٍ ويأس ..

***


وبحلول شهر 10 ، برج الميزان .. تنفّس القسّيس الصعداء بعد أن قصّ تلامذته شعره وذقنه ، وقلّموا أظافره ، وحمّموه صبحاً ومساءً .. وتمنى أن تكون سلبيات برج الميزان مقبولة أكثر من الشهر السابق 


ليلاحظ الجميع تردّد الملك بقرارته ، كأنه لا يعرف ما يريد ! 

مما أتعب وزيره الذي عليه مهمّة نشر قراراته بين الناس ، ثم إلغائها في اليوم التالي بناءً على طلب الملك ! حتى كاد يستقيل من عمله ، لولا نصيحة القّسيس بالإنتظار لنهاية الشهر دون إفهامه السبب


وكان للشعب نصيباً من التردّد .. خاصة العرسان اللذين لم يعرفا تحديد يوم العرس .. حتى الأحباء يتخاصمون ليلاً ، ويتصالحون صباحاً دون سببٍ مقنع ! 


كما احتار القسّيس باختيار عظة الأحد .. ولاحظ رعيّته إختلاط مواضيعه ، رغم براعته بالخِطابة ! 

ممّا ضايقه ، فطلب من المشعوذ إنهاء الحالة الضبابية التي يعيشون فيها .. فنفّذ طلبه بجلسةٍ استمرّت طوال الليل

***


في الصباح .. بدت الأجواء إيجابية ، بعد اعتماد الملك الدبلوماسية مع حاشيته وجنوده ، وتقبّل آراء من حوله برحابة صدر .. مما أسعدهم ، فهي المرة الأولى التي يشعرون بسهولة التعامل معه ! 


حتى العمّال والمزارعين شعروا بتغيّر معاملة رؤسائهم الذين استمعوا لمشاكلهم ، دون إشعارهم أنهم عبيداً لهم ! 

وأقيمت مشاريع جديدة بناءً على اقتراحات الطبقة الكادحة ، التي أدّت لازدهارٍ ملموس في مجال الزراعة والصناعة

وظلّت الأجواء مريحة حتى نهاية الشهر

***


مع بداية الشهر 11 ، برج العقرب .. تغيّر كل شيءٍ للأسوء ! فمعها زادت عصبية الكبير والصغير بشكلٍ ملحوظ : كسيطرة الرجال على زوجاتهم ، والأمهات على اطفالهم ، والأولاد على حيواناتهم الأليفة ..


والأسوء ماحصل للملك الذي أصرّ هذه المرة على قتال المتمرّدين في اطراف مدينته .. ولم يستطع وزيره إقناعه بمعالجة الأمور بهدوءٍ ورويّة ، بعد أن فاجأه الملك بلبسه ثياب الحرب وهو يمتطي حصانه ، ويأمر جنوده بالّلحاق به لقتال المتمرّدين ، بحربٍ تستمرّ إلى مقتل آخر رجلٍ فيهم ! 

كما طلب من وزيره الذهاب للقرى للتجنيد الإجباريّ للشباب والمراهقين لخوض حربٍ لا تبقي ولا تذر ! 


لهذا رفض القسّيس إعتذار المشعوذ عن القدوم الى جلستهما السرّية بسبب مرضه ، وذهب الى الغابة للقائه وهو يقول له :

- إن لم نعكس سلبيات البرج ، ستحدث معركة عظيمة نخسر فيها آلاف الضحايا .. عليك القيام بالجلسة حالاً !!

المشعوذ بتعب : انت لا تفهمني .. عليّ أن أكون بكامل قوايّ لاستقبال الشياطين ، ولا استطيع ذلك بعد إصابتي بنزلة بردٍ قوية كما ترى

القسّيس بقلق : والى متى سأنتظر ؟ 

- يومين او ثلاثة 

- ستكون وقعت الكارثة وانتهى الأمر

المشعوذ : الملك يحتاج يومين للوصول لساحة المعركة ، حينها أكون إنتهيت من الجلسة التحضيريّة .. لكن لا استطيع فعلها اليوم ، أعتذر منك

فعاد القسّيس الى كنيسته وهو قلق على المصيبة القادمة

***


وكان حدسه في مكانه بعد محاصرة المتمرّدين لجيش الملك في الوادي ، وإعلانهم الحرب في الصباح الباكر


ولم تصل الأخبار لحاشية القصر ، إلاّ بعد ايام .. فتوقعوا الأسوء ، إلاّ انهم تفاجاوأ بعودة الملك مع جنوده سالمين (بعد قيام المشعوذ بجلسته دون إخبار القسّيس ، والتي جعلت رياح الإيجابية تهبّ على الفريقين المتخاصمين قبل لحظات من بدء المعركة) 


ليعود الملك وبيده وثيقة موقّعة من رئيس المتمرّدين : بعدم الإضرار بمصالح مملكته ، في مقابل إعفائه عن رقابهم والسماح لهم بزيارة عائلاتهم في المدينة بعد إصداره حكم النفيّ عليهم قبل سنوات 

***


وفي منزل المشعوذ ، سأله القسّيس :

- بصراحة لم أفهم إيجابية برج العقرب ! فماذا أخبرتك الشياطين ؟ 

المشعوذ : قالوا إن لديه القدرة على التخطيط للمدى البعيد ، وامتلاكه لحدسٍ قويّ 

- جيد انك قمت بالجلسة قبل فوات الأوان ، فهذا الشهر كان متعباً للغاية 

المشعوذ : يبدو إن العقرب كالإعصار المفاجىء ، لا تدري متى يغضب ويثور !

- أتظن إن الملك سيصدر قراراً آخر ، يصدمنا به ؟  

المشعوذ : دعنا نأمل أن ينتهي الشهر على خير ، دون جرائمٍ وحوادث جديدة

***


وتبدلّت الأحوال تماماً مع قدوم شهر 12 ، برج القوس.. 

فالأجواء المرحة عمّت البلاد ، لتعلو معها الضحكات الخارجة من المحال والمنازل .. وتسابق الجميع على إطلاق النكات ، كأنهم تحوّلوا لمهرّجين!  

ورغم السعادة العارمة التي اجتاحت الشعب ، إلاّ أن ذلك لم يُعجب رؤساء المعامل والمزارع الذين اشتكوا للوزير من قلّة مسؤولية العمّال الذين صاروا يملّون بسرعة ولا ينفّذون وعودهم ، وهمّهم الوحيد هو إمضاء اوقاتاً سعيدة مع زملائهم ورفاقهم !


وانعكست الأجواء على الملك الذي أهمل مجلس وزرائه ، وصار يقضي جلّ وقته بالغناء والرقص مع جواريه !

***


في مكتب الكنيسة ، تحدث القسّيس مع تلميذه والمشعوذ بالموضوع 

الراهب : هذا البرج جعل الأغلبية لا يتحمّلون المسؤولية ! 

القسّيس : لا يمكننا إكمال الشهر بهذه الطريقة المستهترة ، فالمزارع والمواشي بحاجة لتركيزٍ وجدّية في العمل 

المشعوذ : أتطلبان مني إظهار الوجه الآخر للبرج ؟

الراهب : نعم ، نريد رؤية إيجابياته

المشعوذ : اذاً سأبدأ الجلسة حالاً

***


وبطلوع الفجر ، إنتشرت روح المساعدة بين الناس ! فالقويّ يساعد الضعيف .. والغتي يُنفق ماله على الفقير ببذخٍ وكرم .. وتصالح جميع المتخاصمين ..


وهذا انعكس على البلاط الملكي بعد الصلح الذي حصل بين زوجة الملك ووصيفاته ! كما انتشر روح التعاون بين الحاشية والجنود 

***


في الكنيسة.. 

الراهب بارتياح : إيجابيات القوس رائعة على المجتمع

المشعوذ : هذا صحيح ، وهو برجٌ سهل لم يتعبني بالجلسة الشيطانية

الراهب : معلمي ! لما لا تتكلّم ؟ هل يقلقك شيء ؟!

القسّيس : إنتهى العام ، وفي الشهر القادم سنعود لبرج الجدي العنيد

الراهب : أتظن لعنة الأبراج ستستمرّ للأبد ؟!

القسّيس : أتمنى لا ، فالأمر متعبٌ للغاية

المشعوذ : ومتعبٌ لي ايضاً ، فجلسات الشعوذة تُرهق صحتي وأعصابي

فتنهّد القسّيس بضيق : سنعرف الإجابة في شهر 1 

***


وفي الوقت الذي احتفل فيه الإنجليز بسعادة لقدوم العام الجديد ، كان الرجال الثلاثة قلقين من يوم الغد ..

لكنه مرّ بشكلٍ طبيعي ، حيث احتفظ كل شخصٍ بطباعه الأصلية ..فالبخيل ظلّ بخيلاً ، والغني بقيّ متسلّطاً ، والطيب حافظ على اخلاقه الحسنة 

فعلم القسّيس وتلميذه والمشعوذ إن لعنة المنجّم البابليّ ، إنتهت بنهاية العام 

وحينها قرّر القسّيس بيع كتابه في الأسواق الذي ذكر فيه : الصفات الإيجابية والسلبية لمواليد كل شهر ، حسب الأبراج 12 .. 


ولكيّ ينشره بين الناس (الذين لا يعلمون شيئاً عن علم التنجيم) أرسل مساعديه الى الساحات للإعلان عن كتابه الذي يتضمّن شروحات مُفصّلة للأحداث الغريبة التي مرّوا بها العام الماضي ، والتي أثّرت على الجميع.. 


فتسارع المتعلّمون لشراء الكتاب ، وقراءته امام الجهلاء الذين اندهشوا من تطابق صفاتهم مع البرج حسب ميلادهم !

حتى باتت الناس تسأل بعضها عن برجها وصفاتها ، قبل أيّ موضوعٍ آخر ! وتصادق أصحاب البرج الواحد ، لتشاركهم الصفات والطباع الرئيسية ذاتها .. 


ومع إنتشار الكتاب ، ذيع صيت القسّيس الذي أخبرهم أن الأبراج من تأليفه لعلمه الوافر بالتنجيم ، مُستغلاً إعدام المنجّم البابليّ بجلسةٍ سرّية (حضرها هو والملك والسيّاف فقط) لهذا لم يشكّ احد بالموضوع .. 


وقد أطلق على الأبراج 12 مُسمّى الأبراج الغربية الشهريّة ، لتفريقها عن الأبراج الصينية المعتمدة على حساب السنوات ، التي لا يعلمها سوى المثقفين القلائل في زمن العصور المظلمة !  

***


وفي منزل الغابة ، سأله المشعوذ : 

- الا تشعر بالذنب لنسب العلم اليك ؟

القسّيس : وهل غريب على الإنجليز سرقة مجهودات غيرهم ؟

وابتسما بخبث !  


الجمعة، 26 نوفمبر 2021

الصداقة الأبديّة

تأليف : امل شانوحة 

التعلّق المرضي


إلتحق جاك بالمدرسة المتوسطة في منتصف العام .. وحين نزل الى قاعة الطعام ، لاحظ طالباً يأكل وحده بوجهٍ حزين ! كأن الطلّاب تعمّدوا تجاهله 

وبما أن جاك طالبٌ جديد ، شعر بالشفقة عليه .. وحمل صينية طعامه وجلس بجانبه .. وأخذ يتعرّف عليه ، وعلامات الدهشة على وجه إريك ! فهو اول طالب يحدّثه في حياته ، بعد قضائه المرحلة الإبتدائية بمفرده 

***


مع الأيام .. إزدادت اواصر الصداقة بين الولدين ..وصارا يتقابلان بعد المدرسة للعب في الحديقة ، او المبيت في منازلهما بعطلة الإسبوع .. وتحسّنت نفسيّة إريك بشكلٍ ملحوظ وكذلك علاماته في المدرسة ، لمحاولته تقليد جاك المتفوّق بدراسته وفي طريقة كلامه ولبسه وقصّة شعره ، حتى لقّبا بالتوأمين ! وبات إريك يلازم صديقه الوحيد اينما ذهب .. 

***


بوصولهما للمرحلة الثانويّة .. بدأ جاك يلاحظ غيرة إريك المزعجة بعد رفضه التعرّف على أصدقاء جدّد ، وعنفه مع كل شخص يقترب من جاك الذي أراد يوماً الإنضمام الى فريق كرة القدم ، مما أغضب إريك (الذي رفضه المدرّب)  وخيّره بينه وبين الفريق !

ولأن جاك يراعي شعوره ، إستغنى عن هوايته المفضلة لأجله .. فهو يعرف الصعوبات التي مرّ بها إريك في حياته : فوالداه منفصلان منذ صغره .. وقد تزوجا ثانيةً ، بعد تركه عند جدته التي لم تهتم به كثيراً .. لهذا كان تعلّقه بجاك شديد ، لدرجة إعتراضه على قرار مدير المدرسة بتفريقهما في صفّين مع بداية السنة الجديدة ! وتوسّطت المعلمة لإعادته الى صفّ جاك الذي لديه تأثيراً إيجابيّاً على علاماته الدراسيّة  

***


وازدادت الأمور غرابة ، بعد معاقبة الأستاذ لجاك بسبب حديثه مع إريك قبل نهاية الحصّة .. 

حيث أخبره إريك في اليوم التالي انه غرز مسماراً في دولاب سيارة المعلم إنتقاماً له ! فنصحه بعدم تكرار ذلك ، حتى لا يطرد من المدرسة 

فردّ إريك بفخر : سأفعل أيّ شيء للدفاع عن صديقي

***


والأسوء هو ما حصل بعد مصاحبة جاك لجيم (زميله في المختبر العلميّ) وجاره في المنطقة .. 

فحين صادفهما إريك يمشيان معاً في الشارع ، لحقهما للوقوف في الوسط بغرض إبعادهما عن بعض ! 

وعند وقوفهم على الرصيف ..إلتفت جاك لصديقه الجديد ، ليجده واقعاً في منتصف الشارع ، قبل لحظات من مرور سيارةٍ مسرعة .. ولولا أن رفعه جاك من ذراعه ، لدُهس تحت عجلاتها !


وحين مرّ الأمر بسلام .. تفاجأ بجيم يهجم على إريك ، ويتهمه بدفعه اتجاه السيارة بنيّة قتله ! بينما أصرّ إريك انه تعثّر بمفرده .. 

وبسبب هذه الحادثة ، قطع جيم علاقته بجاك الذي لم يعرف من منهما يقول الحقيقة !

***


في السنة الأخيرة للثانوية .. إجتهد إريك خلال الإمتحانات النهائية ، رغبةً للإلتحاق بالجامعة التي أرادت عائلة جاك إرساله اليها .. واستطاع بالفعل الذهاب معه ، بعد تكفّل عم إريك بتكاليف الدراسة 


وأمضيا سنتين جميلتين معاً ، إلى أن أُعجب جاك بزميلته ليندا .. وصار يعتذر لإريك عن مرافقته في نزهات عطل الأسبوع ، رغبةً في إمضائها مع صديقته الجديدة .. مما أحزن إريك الذي وصل به اليأس ، لكسر زجاج منزل جاك بعد رفضه الخروج معه ! وسمع هو وحبيبته صراخه من الخارج :

إريك : هذا ظلم !! انت تعلم إنه ليس لديّ أصدقاءٌ غيرك ، وأريد إمضاء عطلتي معك .. لا يحقّ لها أن تحُلّ مكاني .. اللعنة عليكما!!

وابتعد بسيارته غاضباً 

***


وازداد الأمر سوءاً بعد تخرّجهما الجامعيّ .. وحصول جاك على وظيفةٍ إدرايّة في شركةٍ تجاريّة .. بينما لم يعثر إريك على وظيفةٍ ملائمة بدرجاته المنخفضة ، فاضّطر للعمل في محل بيتزا في أوقاتٍ متأخرة ..

وكل مرة يُنهي عمله باكراً ، يُسارع الى منزل جاك الذي اعتاد الإعتذار عن السهر معه ، بحجّة وظيفته الصباحيّة ..

***


وفي إحدى الليالي ، إستيقظ جاك لدخول الحمام .. وحين عاد لفراشه ، وجد 100 إتصال ورسالة نصيّة من إريك ، جميعها نفس الجملة :(اريد رؤيتك حالاً) !


فاتصل به غاضباً ، وأخبره بعدم الإتصال خلال الإسبوع لانشغاله بعمله ..ثم أغلق المكالمة ، دون السماح لإريك بالكلام ! 

مما أغضبه كثيراً .. فقاد سيارته الى منزل جاك الذي استيقظ آخر الليل على أصواتٍ غريبة قادمة من حديقة منزله .. ليتفاجأ بإريك يقلع جميع الزهور التي زرعتها حبيبته ليندا ! 


فخرج إليه غاضباً :  

- ماذا تفعل يا مجنون ؟!! 

إريك بعصبية : كل مرة تتهرّب عن لقائي بحجةٍ واهية .. قلّ انك قطعت علاقتك بي ، يا جبان !! 

- انا فعلاً أقطع علاقتي بك ، لأن تصرّفاتك تخيف خطيبتي

إريك بدهشة : خطيبتك !

- نعم !! انا وليندا سنتزوج قريباً

إريك باستغرابٍ وحزن : ولم تخبر صديقك المقرّب بقرارك المصيريّ ؟!

جاك بغضب : انت لم تعدّ صديقي منذ أن أصبحت تصرّفاتك مريبة ..كان عليّ قطع علاقتي بك ، بعد محاولتك قتل جيم !!

- جيم ليس صديقك ، بل انا !! ..وأنت من فضّلت عائلتك وعملك وخطيبتك الغبية عليّ !!

- إسمعني جيداً يا إريك .. انت تعاني من مشكلةٍ نفسيّة ، والأفضل أن تتعالج قبل إيذاء الآخرين بتصرّفاتك المتهوّرة الغير مسؤولة


إريك بصدمة : انا شخصٌ غير مسؤول ؟!

جاك : نعم !! انت فشلت بدراستك ، ولم تجد عملاً لائقاً .. وكل ما يهمّك هو السهر ، وتضيع وقتك بمشاهدة افلام الرعب والجرائم .. عليك النضوج والتوقف عن تصرّفات المراهقين !!

إريك : وهل نسيت هذه ؟!! 

واراه ذراعه المحروقة..

إريك : انا اقتحمت نيران المختبر المدرسي ، لإنقاذك من الموت ! انا أنقذت حياتك يا رجل !!

جاك : وانا شكرتك الف مرة ، لكني لم أعدّ أحتمل حماقاتك ..رجاءً دعني وشأني!!


فتسمّرت نظرات إريك الغاضبة نحوه ، وهو ينهجّ بصعوبة .. قبل أن يقول بصوتٍ منكسر : 

- حسناً.. كما تشاء يا صديقي 

وركب سيارته مُحاولاً مسك دموعه ، وانطلق مُبتعداً .. لتنتهي بذلك صداقة 12 سنة !

*** 


بعد شهور ، قدِمَ المحقّقٌ الجنائيّ الى منزل جاك ..

فسأله بقلق : رجاءً إخبرني إنكم وجدتم ليندا ، هل هي والجنين بخير؟

المحقّق : إستطعنا من خلال كاميرات الطرق ، إلتقاط لحظة إختطافها ..


وفتح حاسوبه ، ليرى جاك سيارةً حمراء متوقفة قرب عملها .. لتتكلّم قليلاً مع السائق ، قبل ركوبها معه.. 

جاك : مستحيل أن تركب ليندا مع شخصٍ غريب !

فعرض المحقّق صورة على شاشة الحاسوب وهو يسأله :

- هل تعرف صاحب الصورة ؟

جاك بدهشة : نعم ! هذا صديقي القديم إريك ، ما دخله بقضية إختفاء زوجتي ؟!

- نحن تتبّعنا رقم السيارة ، ووجدنا انها مستأجرة بإسم :(إريك اندرسون)

جاك بارتباكٍ وعصبية : اللعين ! ماذا يريد من زوجتي ؟!


المحقّق : قمنا باقتحام منزله هذا الصباح ، ووجدناه مشنوقاً في الصالة

جاك بصدمة : إريك إنتحر ؟!

- نعم ، بعد إرساله فيديو مسجّل إليك 

- لم يصلني شيء !

المحقّق : هل غيّرت رقم جوالك ؟

- نعم ، مباشرةً بعد زواجي .. وإريك لا يعرف رقمي الجديد

- لهذا لم يصلك الفيديو .. لا يهم ، نقلته على حاسوبي وأريدك أن تراه 


وشاهدا إريك وهو يسجّل رسالة الإنتحار حزيناً :

((اهلاً جاك .. كيف حالك يا صديقي الوحيد ؟ .. اريد الإعتراف لك ببعض الأمور قبل موتي .. نعم !! انا حاولت قتل جيم ، بدفعه نحو السيارة .. تماماً كما فعلت مع صديقك ماثيو الذي حاولت إغراقه في مسبح المدرسة ، وهدّدته بالقتل إن اقترب منك ثانيةً .. كما نشرت الإشاعات المسيئة حول جاكلين لإجبارها على الإنتقال من مدرستنا ، بعد محاولتها التودّد اليك .. وأنا من أشعل حريق المختبر لإنقاذك منه ، بعد أن هدّدتني بقطع علاقتك بي .. أردتك أن تكون مديناً لي ، لتشعر بالذنب كلما فكّرت التخلّي عني .. ليس هذا فحسب !! فأنا من نشرت الصور المسيئة لأخيك على حسابك بالفيسبوك بعد زيارتي منزلك ، لإثارة المشاكل مع عائلتك التي كنت تزورها في وقت فراغك ، وتتركني وحيداً .. كما سرقت إيميلك لتغيّر ارقام المشروع ، لطردك من الشركة التي أشغلتك عني .. اما الوحيدة التي فازت عليّ ، فهي من سرقت قلبك)) 


ثم أخذ يصوّر نفسه وهو ينزل الى قبو منزله .. لتصوير زوجة جاك المقيّدة هناك ، وآثار التعذيب على وجهها وجسدها ! 

ثم وجّه الكاميرا الى نفسه ، ليقول مبتسماً :

((أبشّرك يا صديقي !! أنقذتك من همّ الأبوّة ، بعد إجهاض جنينها .. أعرف انك غاضبٌ مني الآن .. لكني أكره كل من يفرّقني عنك ، حتى لوّ كان طفلاً صغيراً .. فأنت لست رفيقي فحسب ، بل أمي وأبي وأخي وحياتي كلّها !! لهذا لن أسمح لهذه الساقطة ولقيطها بإبعادك عني)) 

ثم صوّر نفسه وهو يطلق النار على ليندا ! 


ليصرخ جاك بعلوّ صوته !!! حتى كاد يكسر حاسوب المحقّق الذي حاول تهدأته  ، وطلب منه تمالك أعصابه حتى نهاية الفيديو ..


ليشاهدا إريك وهو يعود الى غرفته ، ويقف فوق الكرسي بعد وضع الحبل حول رقبته .. ثم يقول للكاميرا والدموع في عينيه :

((ما يحزنني إنك لم تقدّر كل ما فعلته لأجلك ، بسبب حبي لك وتعلّقي الشديد بك ! ولأني أعرف إنهم سيسّجنوني لفترةٍ طويلة بعد إعترافي المُسجّل ، قرّرت إنهاء حياتي لعدم إستطاعتي العيش دونك .. فربما حين أموت ، ألتقي بك يوماً في عالم الأرواح ، دون أن يُفرّقنا احد !!.. أمّا الآن فسأنتحر أمامك ، لتشعر بالذنب لتدميرك صداقةٍ رائعة كان بإمكانها الإستمرار العمر كلّه .. وأمنيتي الأخيرة : أن يؤنّبك ضميرك كل ليلة ، لإبعادي عن حياتك))  

 

وقفز من الكرسي ، لينتفض عدّة إنتفاضاتٍ مؤلمة .. قبل توقف جسده عن الحركة !


ثم غادر المحقّق منزل جاك بعد إخباره : انهم سيسلّموه جثة زوجته ، بعد حصولهم على تقرير الطبيب الشرعيّ .. وتركه مصدوماً ومنهاراً بالبكاء 

***


في العزاء .. تصالح جاك مع عائلته ، بعد قطيعة سنوات .. كما زاره مديره السابق الذي علم بتلاعب إريك بالمشروع ، وبشّره بإعادته للعمل الذي طُرد منه قبل شهور .. لكن كل هذا لم يُخفّف حزنه على فقدان زوجته وإبنه الذي لم يبصر النور !  

***


بعد شهر ، إستجمع جاك قواه لزيارة قبر إريك .. حيث وقف مطوّلاً ، وهو يتأمّل إسمه المحفور على الشاهد .. قائلاً بحنق :

- لا غرابة إن الجميع رفض صداقتك ، لإحساسهم بتشوّه تفكيرك وسوء طباعك .. خطأي انني أشفقت عليك ، وليتني لم أفعل .. دمّرت كل حياتي .. انت لم تكن يوماً صديقي ، بل عدويّ اللدودّ!!


ثم أخرج من جيبه : القلادة الخشبيّة المحفور عليها :((صديقان للأبد)) الذي أهداها له إريك في المرحلة المتوسطة .. وقال بقهر :

- خذها معك الى الجحيم !! فهي لا تعني لي شيئاً

ورماها فوق قبره ، وغادر المقبرة حزيناً مقهورا !


الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

الطبّاخ المُغترب

فكرة : أختي أسمى
كتابة : امل شانوحة 

قوانين الطلاق الجائرة 


أنهى الشيف عادل تحضير البوفيه لليلة رأس السنة في قصر أحد الأثرياء الفرنسيين .. 

وبعد مغادرة طاقمه ، وقف عند الباب لاستلام الشيك من السيد .. قبل سماعه لزوجة الثريّ تصرخ من أعلى الدرج ، وهي تشدّ بعنف ذراع جنى (مساعدة الطبّاخ) :

- لا تعطه المال !! أمسكت طبّاخته وهي تسرق عقدي الماسيّ من غرفتي .. إتصل بالشرطة فوراً !!


فأسرع الشيف نحوهما .. وسحب يد مساعدته ، وهو يقول للسيدة :

- ضيوفك على وشك الوصول .. الشرطة ستُفسد حفلتك بتحقيقاتها عن التهمة .. دعيني أعاقبها بنفسي ، وأعدك أن تبيت الليلة في السجن 

ووافقه السيد الرأيّ ، ونصحه بطرد السّارقة ..

 

فاعتذر الشيف منهما ، وأخرج مساعدته من القصر .. ووضعها بجانبه في السيارة ، وانطلق مُبتعداً عن المكان 

***


في الطريق ، إلتزم الشيف الصمت وهو يتصبّب عرقاً .. وحين توقف عند إشارة المرور ، سألها :

- لما خاطرتِ بنفسك ؟

جنى : لأني لم أردّ أن تدمّر سمعتك بعد جهد ثلاثين سنة في الغربة 


((وأخبرته كيف لمحته وهو يصعد الى غرفة السيدة ، أثناء إنشغال الطبّاخين بتحضير البوفيه في الصالة .. 

فانتظرت إبتعاد الخدم عن الطابق العلويّ ومغادرة زملائها القصر ، لأخذ العقد المسروق من حقيبة سكاكينه ، وإعادتها الى درج المجوهرات في غرفة السيدة التي رأتها في موقفها المشبوه)) 


ثم سألته : لماذا فعلت ذلك ؟

الشيف بحزن : أنت لا تعلمين ما أمرّ به 

- أخبرني !! فكلانا عرب في الغربة ، وأعدك بعدم إفشاء سرّك


((فأخبرها عن معاناته مع طليقته (وهي من جنسيّته) التي حصلت بحكم القضاء الفرنسي على نصف ثروته ومنزله ، ووصاية اولاده الثلاثة ! ليس هذا فحسب ، بل بلّغت السلطات عنه لقيامه بعملٍ إضافيّ دون إذن الدولة .. فطُرد من مطعمه الذي عمل فيه طوال حياته)) 


جنى باستغراب : الم تخبرها إنك قمت بعملٍ إضافيّ لتلبيّة طلباتها وحاجيات ابنائك ؟!

الشيف : هي تعرف ذلك ، لكنها ترغب بتدميري .. رغم انني عاملتها بلطف طوال زواجنا ! 

- وماذا عن اولادك ؟

- لا يتصلون بي إلاّ لطلب المال ، هكذا ربّتهم بعد الإنفصال !


جنى : الهذا وافقت على إعداد الطعام في قصور الأثرياء ؟

عادل : نعم .. وإن علمت طليقتي بالموضوع ، سترفع قضية جديدة لأخذ نصف مدّخراتي ، إن لم يكن كلّها .. (ثم تنهّد بضيق) .. ليتني لم أتزوجها مُطلقاً ، وبقيت مع حبيبتي الأولى

جنى بدهشة : لم أكن أعرف انك متزوج مرتين ! 

عادل : لم تستطع زوجتي الأولى إنجاب الأطفال ، وطلبت مني الطلاق رغم رضائي بالقدر .. وهآ انا أنجبت الأولاد من شيطانة تربيهم على كرهي ، فماذا استفدت ؟!


ففكّرت جنى قليلاً ، قبل أن تقول :

- العمل في القصور غير مضمون .. ما رأيك لوّ نفتح كشكاً للطعام العربي في المول الفرنسي وسط البلد ؟ 

عادل بضيق : أأفتح كشكاً بعد امتلاكي مطعماً فاخراً ؟! 

جنى : البدء من الصفر ليس عيباً ، المهم الإستمراريّة .. دعني أتصل بصديقتي فهي مديرة هناك ، وهي من اقترحت الفكرة عليّ 

- الأمر يحتاج لتحضيرات وتجهيز مكان ..

جنى مقاطعة : دعّ الأمر لي .. فأنا إدّخرت معظم راتبي في الغربة ، بالإضافة لحصولي على ميراث والدي .. بشرط أن نصبح شريكين في المشروع ، المال مني والمجهود عليك .. وسنعمل معاً إلى أن نوسّع عملنا ، ونمتلك مطعماً في المول .. أما الآن ، فيكفينا كشكاً صغيراً 

- سأفكّر بالأمر

***  


وبعد شهر .. إفتتح الشيف عادل ومساعدته جنى كشكاً في المول ..

وفي يوم الإفتتاح ، لاحظا قلّة المبيع ! 

فاقترحت جنى أن يجعل البوفيه (الذي أعدّاه طوال اليوم) مجّاناً ..


الطباخ مُعترضاً : هكذا يضيع مجهودنا دون كسبنا لشيء !

جنى : إسمع نصيحتي .. الأجانب بخلاء ، ولن يصرفوا اموالهم على طعامٍ لا يعرفون مذاقه .. دعنا نوزّع عينات مجانية .. وسيجدون الأسعار مقبولة ، مقارنةً بلذّة مأكولاتنا .. 


عادل وهو ينظر لساعته : 

- بقيّ ثلاث ساعات على إقفال المول ، والأفضل توزيع الطعام بدل نقلهم إلى بيوتنا

- هذا صحيح ، فنحن ملتزمان بإعداد الطعام الطازجّ كل يوم .. هيا نقسّم الطعام على صحون بلاستيكية صغيرة 

***


لم تمضِ ساعتين ، حتى تزاحم المتسوقين الفرنسيين على الكشك العربي المجانيّ 

ورغم إنتهاء الطعام دون مكسبٍ ماديّ ، إلاً أن عادل وجنى فرحا بالمديح الذي سمعاه من المتذوّقين الجدّد

***


لم ينتج الكشك أرباحاً إلاّ عقب شهرين ، بعد اعتياد المتسوقين على مذاق الأطعمة العربية اللذيذة .. خاصة مع تنفيذه لأفكار جنى المبتكرة التي ضاعفت عدد الزبائن : 

وهي تقديم ألعاب رخيصة مع حلويات الأطفال 

والعروض المجانيّة مع كل وجبة ، التي تكفّل عادل بتحديدها حسب خبرته في نوعيّة الزبائن وذوقهم للطعام


وبما أن الكشك قريب من بوّابة المول الرئيسية ، فكان يُقدّم الشوربة الساخنة للزبون القادم من الخارج في فترات الطقس الباردة والممطرة.. 

وعند رؤيته لأيّ حبيبين ، يُسارع بإعطائهما الحلوى .. 

اما كبار السن او الرجال الذين ينتظرون إنتهاء نسائهم من التسوّق ، فيعطيهم قهوة تركية مع صحيفة اليوم .. 

وجميع تلك الشخصيات بعد حصولها على العرض المجانيّ ، يجلسون في المقاعد المخصّصة للكشك لطلب الوجبة الرئيسية ، وبذلك كسبا زبائن جدّد 

***


وبدأت أرباحهما تتزايد كل يوم ، إلى أن تفاجأ عادل بقضية مرفوعة من طليقته تحاكمه بعدم إخبارها عن مصدر رزقه الجديد ، والتي تنوي مشاركته نصف أرباحه بحجّة إهتمامها بأبنائه ! 


ممّا أغضب عادل الذي قال متوتّراً :

- أحياناً أفكّر باسترداد اولادي منها ، بأيّة طريقة !! 

جنى : رجاءً لا تفكّر بشيءٍ غير قانونيّ ، فهي سيُسعدها إنهيارك  

- أظنّها خطّطت منذ البداية لتطليقي في فرنسا ، للإستفادة من قانونهم في تبذير مالي على سعادتها الخاصة !

- اذاً لا حلّ امامك سوى العودة للوطن  

عادل بعصبية : هل جننت ؟!! أبعد كل هذا المجهود والتعب ، أعود لبلدٍ يعاني من إنهيارٍ إقتصاديّ 

- صدّقني يا شيف ، رزقك عند الله لن يتغير هنا او هناك .. ثم إن عدّت لبلدك ، لن تستفيد طليقتك من القانون الفرنسي .. وهناك لن يجبرك أحد على إرسال المال لها .. وبذلك تضطّر لإعادة اولادك إليك

- لا أظن ستفعل ذلك !


جنى : طالما انها إمرأة إتكاليّة وعديمة المسؤولية ، فهي لن تتوظّف لتصرف عليهم .. صدّقني سترسلهم إليك ، للبحث عن ضحيّةٍ أخرى تستفيد من ماله .. فما رأيك بالفكرة ؟

- ربما أعود بعد أن تُغلق جميع الأبواب في وجهي ، لكن ليس الآن .. لا اريد حرمان نفسي من رؤية اولادي ، حتى لوّ كان يوماً في الأسبوع

- القرار بيدك .. 


عادل : آه قبل أن أنسى ، سينفذ الأرز والزيت من عندنا 

- أتريدني أن أشتري من السوبرماركت في الطابق السفليّ ؟

- لا ، عندي شوال أرز وقارورة زيت في منزلي .. هل يمكنك الذهاب وإحضارهم ؟

جنى : جيد إن شقتك الجديدة قريبة من المول .. حسناً إهتم انت بالزبائن ، وسأعود حالاً

وأعطاها المفاتيح ، لتُسرع بقطع الشارع باتجاه العمارة التي يسكن فيها

***


وكانت المرة الأولى التي ترى فيها شقة عادل الصغيرة ، المكوّنة من غرفة نومٍ وصالة .. 

وبعد وضعها الأرز والزيت في الكيس ، إعتراها الفضول لرؤية غرفة نومه .. فدخلت هناك .. لتجد صور اولاده معلّقة على الحائط ، لشدّة شوقه لهم .. 


وقبل خروجها من الغرفة ، سمعت صريراً أسفل قدمها .. فظنّت إنها كسرت اللوح الخشبي للأرضيّة .. فحاولت إصلاحه ، لتتفاجأ بصندوقٍ صغير مُخبّأ اسفله.. ففتحته ، لتجد إسورة ذهبيّة ! 


فشعرت بالقلق ، وبحثت بجوجل (في جوّالها) عن صور حليّ ذهبية مسروقة في الآونة الأخيرة في منطقتهم .. 

لتجد صورة الإسورة ، المحفور عليها إسم الصبيّة (ريمي) التي بلّغت الشرطة عن ضياعها !


فعرفت إن الشيف كذب عليها حين أخبرها : إنه لم يسرق بحياته سوى العقد الماسيّ لصاحبة القصر ! 

وعادت الى المول بوجهٍ متجهّمٍ حزين ..  


ولاحظ  الشيف محاولتها عدم النظر اليه ، كيّ لا يرى الدموع في عينيها بعد خيبة أملها فيه .. وأكملت عملها ، حتى نهاية اليوم ..

وخرجا من المول وهو يصرّ على توصيلها المنزل ، رغم اعتراضها

*** 


في الطريق ، ألحّ على معرفة سبب حزنها المفاجىء ! فطلبت منه إيقاف السيارة جانباً .. 


وحين فعل ، أخرجت الإسورة الذهبية من حقيبتها وهي تسأله : 

- قلّي يا عادل ، هل سرقتها ايضاً ؟!

فحاول سحبها من يدها ، لكنها منعته قبل معرفة الإجابة ..وعادت لتسأله :

- كم مرة سرقت في حياتك ؟

عادل : قلت لك سابقاً ، لم أسرق سوى العقد الماسيّ .. أما هذه ، فاحتفظت بها 

فأرته جوالها وهي تقول :

- وماذا عن بلاغ الشرطة ؟ اساساً لا يمكنك الإنكار ، وإسم صاحبتها محفوراً عليها  


فتنهّد عادل طويلاً ، قبل أن يقول :

- سأخبرك القصة منذ البداية .. بعد إستيلاء طليقتي على منزلي وطردي من مطعمي ، تعرّفت على ريمي صاحبة الإسورة .. وهي فتاةٌ ثريّة لا تثقّ بنفسها ، لقساوة والدها عليها .. فاستغلّيت نقطة ضعفها ، للسيطرة عليها من خلال مدحي وإطرائي لها .. وبذلك ضمنت عشاءً فاخراً على حسابها كل ليلة ، بعد إيقاعها في حبي .. وفي يوم ، عزمتها على شقتي .. وبعد ذهابها ، رأيت إسورتها واقعة أسفل طاولة الطعام .. فوسوّس لي الشيطان ببيعها ، وتسديد ديوني المتأخّرة لطليقتي التي تهدّدني بالسجن .. وخبّأتها لحين بيعها للصائغ ، لأتفاجأ بعودتها آخر الليل للبحث عن إسورتها .. ورغم إنكاري رؤيتها ، إلاّ أنها أصرّت على تفتيش غرفتي وخزانتي .. واستغلّيت عدم ثقتها بي ، لقطع علاقتي بها ..

 

جنى بعصبية : بالطبع ستقطع علاقتك بها ، بعد حصولك على إسورة غالية الثمن

- هي تعلّقت بي بسرعة ، في الوقت الذي لم أكن متاحاً عاطفياً .. خاصة وطليقتي تستنزف طاقتي بسلّبياتها ، ودعاويها القضائية التي لا تنتهي !  

جنى : ولما لم تبعّ الإسورة ؟

- لأني لاحظت إسمها المحفور بخطٍ صغير داخلها ، وبعد إبلاغها الشرطة صار صعباً بيعها ..فخبّأتها أسفل غرفتي ، لحين إيجادي الطريقة لإبعاد التهمة عني ..

جنى بامتعاض : وهل كنت تنوي صهر الإسورة مع العقد الإلماسيّ؟

عادل بغضب : جنى !! تلك المرحلة انتهت من حياتي ، خاصة بعد أن فديتني بنفسك لإنقاذي من ورطة العقد

- وماذا تنوي فعله بالإسورة ؟

عادل بضيق : للآن لم أجد طريقة لإعادتها الى صاحبتها ! 

- عندي فكرة لتخليصك من هذه الورطة

***


وبعد حصول جنى على رقم ريمي ، أرسلت على جوالها : عرضاً لطعام الكشك مع تخفيضٍ كبير ، لكل من يصله الإعلان ..


وبعد ايام .. لمح الشيف ريمي تدخل مع صديقتها من باب المول ، فأدار ظهره وهو يطلب من جنى التكفّل بهما..

 

وبعد جلوسهما على إحدى الطاولات ، قدّمت لهما جنى الطعام (الذي عليه الخصم)  


وبعد انتهائهما من الطعام ، أعطتها جنى الفاتورة بسعرٍ مقبول .. 

واثناء إخراج ريمي النقود من حقيبتها ، أوقعت جنى الإسورة بخفّة قرب كرسيها .. ثم قالت لها : 

- عفواً سيدتي ، هناك شيء وقع من حقيبتك


فنظرت ريمي اسفل الطاولة ، لتتفاجأ بإسورتها المفقودة ! 

وابتعدت جنى وهي تسمع صديقة ريمي تسألها :  

- اليست هذه إسورتك التي أبلغت الشرطة عن إختفائها ؟!

ريمي وهي تشعر بالإحراج : يبدو انني نسيتها في حقيبتي ، واتهمت المسكين بسرقتها ! 

صديقتها : ألهذا فسخ علاقته بك ؟ 

ريمي بحزن : ليتني أستطيع الإعتذار منه ، لكنه لا يردّ على اتصالاتي

صديقتها : المهم الآن ، ماذا ستفعلين بشان البلاغ ؟ 

ريمي : سأذهب حالاً للشرطة لإلغائه.. هل تأتين معي ؟

صديقتها : نعم ، هيا بنا


وفور خروجهما من المول ، تنفّس عادل الصعداء لنجاح خطة جنى التي وعدها أن لا يعود لأساليبه الملتوية ثانيةً 

***


في الشهور التالية .. زادت ضغوطات طليقة عادل عليه ، حتى باتت ارباح الكشك لا تكفي مصاريفها ! 

ولشدّة يأسه ، أخبر جنى بقراره العودة الى بلاده.. 


جنى : هذا جيد !! ما الذي يمنعك من السفر ؟ 

فسكت عادل بضيق .. فقالت له :

- لا تقلق بشأن الأولاد ، دعها تتحمّل مسؤوليتهم قليلاً .. وصدّقني سترسلهم لك ، بعد أن تضيق أحوالها الماديّة 

عادل بارتباك : ليس هذا ما يوقفني عن السفر ... بل انت  


فابتسمت جنى وهي تقول :

- أتدري يا عادل ، لم تسألني يوماً عن سبب تواجدي في فرنسا؟ 

عادل : الم تأتي لتتعلّمي فنون الطبخ الفرنسي ؟

- نعم ، بعد هربي من بلادي

- ماذا تقصدين ؟!


جنى : ذهبت يوماً مع فريق عملي للطبخ في إحدى المنازل ، بمناسبة زفاف .. لأتفاجأ بالعروس في سن 13 ، والعريس بعمر جدها .. وحين دخلت غرفتها لإعطائها طعاماً قبل بدء الإحتفال ، وجدتها تحاول شنق نفسها ! فأوقفتها في آخر لحظة .. فترّجتني باكية بمساعدتها الهرب قبل إتمام الزواج ، وإيصالها لعمها الحنون في القرية المجاورة ، وهو على خلاف مع والدها الذي لم يعزمه على عرسها ! 


عادل باهتمام : وماذا فعلتي ؟

- خبّأتها اسفل طاولة التقديم التي جرّرتها باتجاه سيارتي .. ثم أخذتها الى عمها الذي رفض إعادتها لوالدها لإتمام الزفاف 

عادل : وهل عرفوا أهلها بما فعلته ؟

- بالطبع !! وهدّدوا بقتلي .. فأرسل خالي تذكرة سفري الى فرنسا ، للعيش معه وإكمال تعليمي ..

عادل بابتسامة : طالما لا تستطيعين العودة الى بلادك ، فتعالي معي الى وطني 

- وهل سنفتح مطعماً هناك ؟ 

- بالطبع !! لا يمكنني الإستغناء عن مساعدتي البارعة 

جنى : بقيت مشكلة ، فخالي لن يقبل سفري مع غريب

- وهل تقبلين الزواج من سارقٍ تائب ؟  

جنى : طالما توبتك نصوح ، فأقبل بكل سرور ..

وابتسمت بحنان

***


وقد نفّذ عادل إقتراحها : وهو زواجهما السرّي ، حتى لا تستغلّ طليقته الموضوع لصالحها .. كما زار اولاده للمرة الأخيرة ، دون إخبارهم بموعد سفره القريب ..لتتفاجأ طليقته بوجودها وحدها في الغربة دون مصدر رزق ، بعد عودة عادل الى بلاده بشكلٍ نهائيّ! 

***


بعد تقديم جنى كل مدّخراتها له ، إفتتح عادل مطعماً صغيراً في حيٍ شعبيّ والذي سرعان ما ذاع صيته بعد تنفيذ عادل لمقترحات زوجته ، وهي : 

توظيف الأرامل والمطلّقات ، كمساعدات لهما في المطبخ

تعين الأيتام بتوصيل الطعام

أسعار المأكولات الرخيصة ، للمساعدة بالأزمة الإقتصادية للبلد

التبرّع بالطعام الزائد للعائلات الفقيرة ، في نهاية كل يوم


وكل هذا ساعد بازدهار المطعم بشكلٍ سريع وغير متوقع ، حتى صارت تأتيهما الطلبات من كل أنحاء البلد !

***


في أمسيةٍ هادئة ، قال لزوجته :

- كنت خائفاً من إفلاسنا السريع بسبب عروضاتك الخيالية ، لكن النتائج أتت عكس ما توقعته !

جنى : بالطبع !! فحين تعطي الله حقه ، يكافئك بأضعاف ما تمنّيته

- لم افهم ! 

- الله بارك في عملنا بعد توظيفنا الأرامل والأيتام ، لأن هذا رزقهم .. فحسابات الله يا عادل تختلف عن حساباتنا .. فنحن كبشر نعدّ الصدقات مُنقصة لأموالنا ، لكن الله يضاعفها ببركته.. أتذكر كيف أطفأنا حريق المطبخ بسهولة ، رغم إندلاعه قرب أنابيب الغاز ؟ 

عادل : لولا لطف الله لانفجر المطبخ ، وتأذّى العاملين فيه

- لن يؤذينا الله ونحن نخفّض الأسعار ، مراعاةً للأزمة المعيشية الراهنة 

عادل : سبحان الله ! كانت طليقتي تجرّني لطريق السرقة والإنحراف .. فأبدلني الله بزوجةٍ صالحة ، إزدهر معها عملي وسمعتي بين الناس 

فقالت مبتسمة : ليس هذا فحسب .. 


وأعطته ظرفاً وصل البريد اليوم : فيه اوراق عن رحلة الطائرة لأولاده القادمين بعد اسبوع !

جنى : الم أخبرك إنها سترسلهم إليك ؟

فمسح عادل دموعه ، وهو يشعر بالقلق ..


جنى باستغراب : مابك عادل ؟ الم يفرحك الخبر ؟! 

- انا خائف أن يضايقك اولادي  

- اولادك هم أولادي .. وأنا متأكّدة أنهم سيفرحون بالمولود الجديد

عادل بدهشة : انت حامل ؟!

- وهذه البشرى الثانية

عادل بسعادة : ما أجملها من ليلة !!

وحضنها بحنان

***


بعد قدوم اولاده ، عاملوا زوجة ابيهم بجفاء .. والتي حرصت على إحضارهم الى المطعم بعد خروجهم من المدرسة لرؤية والدهم وهو يتعب لأجلهم ، ولمراقبته أثناء تعامله مع الزبائن الذين يكنّون له المودّة والإحترام  ..


ومع الوقت تغيّرت نظرتهم اليه ، وعرفوا إن نقد والدتهم خاطئاً : فهو ليس بخيلاً كما وصفته ، بعد ملاحظة كرمه مع الفقراء ! 


وتماسكت أسرتهم مع قدوم المولود الجديد ، وتعلّقوا بزوجة والدهم التي لم تفرّق بينهم وبين ابنها .. خاصة بعد معرفتهم بزواج امهم من عجوزٍ ثريّ ، فاحتقروا حبها للمال ! بينما ازدادوا إحتراماً لوالدهم الذي كان فخوراً بزوجته جنى التي ربّتهم على تعاليم الدين والأخلاق العربية  


السبت، 20 نوفمبر 2021

الأقنعة المزيّفة

تأليف : امل شانوحة 

تضارب الآراء


في الصفّ التمثيليّ .. عرض الأستاذ على تلامذته مقطعاً من فيلمٍ رومنسيّ ، لعلاقة على وشك الإنهيار .. 

وأخذ يحلّل معهم المواقف الخاطئة التي حصلت بين الحبيبين على مدار 5 سنوات .. 


وجلس الطلّاب يشاهدون باهتمام ما حصل .. وهم يضعون أقنعة لشخصياتٍ مختلفة ، إختاروها حسب معتقداتهم.. ماعدا خرّيجة علم النفس التي تطوّعت لحضور الفيلم ، لإبداء رأيها الطبّي .. حيث ظهرت بشكلها العادي ، لرفضها فكرة الأقنعة .. رغم إن المعلم ايضاً يضع قناعاً مكسوراً ، لا يظهر منه سوى عينيه !


ومع بداية الفيلم ، ظهرت المشكلة الأولى في العلاقة :

((حيث حاول الشاب جذب الصبيّة باهتمامه الزائد وتواصله الدائم بها ، وإغداقه المديح على شكلها وتفكيرها .. وإرساله الأغاني الرومنسية ، مع مشاركته ذوقها وأحلامها ..وإلقائه النكات والتعليقات المرحة لإسعادها))


وهنا رفعت الطبيبة النفسيّة يدها ، لإبداء رأيها بشخصيّة بطل الفيلم ..فسمح الأستاذ لها بالكلام ، فقالت :

- بعد أن أعطيتنا نبذة عن حياة الشاب قبل تشغيل الفيلم ، أدركت أنه يمثّل دور المهتمّ لإيقاعها في شباكه .. فهو متعدّد العلاقات ، وشخصٌ حذر يحافظ على قلبه من التورّط العاطفي.. لهذا أُشفق على البطلة التي بدت مندهشة من إندفاعه نحوها ! فهي شخصية إنطوائية وعقلانية ، تهتم بعملها وأسرتها فقط 

الأستاذ : هذا صحيح .. البطل لم يكن مغرماً بها ، لكنه شعر بالفضول اتجاهها .. تحليلُ جيد ، أحسنت !!  


ثم سأل تلاميذه المقنّعين : من منكم ظهر في هذه الشخصيّة ؟

فرفع طالبٌ يده ، وهو يضع قناعاً أبيضاً بخدودٍ زهريّة .. قائلاً :

- هذا أنا !! بشخصيّتي الرومنسيّة المرحة ، المتفهّمة لمشاعر البنات

الأستاذ : لا أظنك تجد صعوبة بجذبهنّ ، بأسلوبك الحسّاس ؟ 

الطالب بفخر : طبعاً ، انا مغناطيس بالنسبة لهنّ

الأستاذ : وهل هي شخصيتك الحقيقية ؟

فأجابه الطالب : يمكنك القول انني اكتسبت هذه الشخصيّة من خبرتي الواسعة بصداقات الإنترنت الخالية من الإلتزامات التي تقيّد حرّيتي .. حيث يمكنني الإنسحاب منها بسهولة ، بحذف حسابي الإلكترونيّ 


الطبيبة بعصبية : برأيّ عليك تغير إسمك من رومنسي الى ماكر!! 

الطالب بلا مبالاة : لا يهم .. طالما البنات تعشق شخصيتي ، فسأظهر بها في بداية العلاقات 

الأستاذ : يبدو انها طبيعتك الأصلية التي تحاول إنكارها ! .. حسناً ، لنتابع الفيلم 


وفي المشهد الثاني : 

((ظهر البطل بشخصيةٍ جديدة ! واستمع باهتمام لذكريات الفتاة الجميلة والسيئة ، وحاول مساعدتها بحلّ مشاكلها العمليّة والعائلية .. فأُعجبت الفتاة بعقله الواعي المتفهّم))


وهنا سأل الأستاذ تلاميذه : من منكم ظهر في هذه المرحلة ؟

فرفع طالبٌ آخر يده ، وهو يضع نظّارته فوق قناعه قائلاً : 

- هذا انا !! الشخصية الناضجة .. كان لابد في هذه المرحلة أن أُظهر رجاحة عقلي وخبرتي الواسعة بالحياة ، لأبيّن لها شخصيتي الرزينة .. وبأسلوبي هذا تمكّنت من فتح صندوق اسرارها ، لمشاركتي لحظاتها الصعبة والحرجة والحزينة .. فمن خلال معرفتي لعقدها النفسيّة ، ملكت مفاتيح التحكّم بشخصيتها التي سأستغلّها لاحقاً 

 

فعاتبته الطبيبة : وقد اسأت استخدام نقاط ضعفها بجعلها لعبة بين يديك ، مما يُعارض شخصيتها الحقيقية ! فهي فتاةٌ قوية ، حوّلتها بمكرك لمتعلّقةٍ غبيّة ! لدرجة موافقتها رأيك ، حتى لوّ خالف معتقداتها الثابتة .. ليس ضعفاً منها بل خوفاً من خسارتك ، وأنت لم تقدّر تنازلها لأجلك ! 

الطالب بفخر : وهذا هدفي بالفعل ، فأنا أحب تحطيم الفتيات العنيدات 


الطبيبة بدهشة : هل سمعته استاذ ؟!

فردّ المعلم : لا تعطي إنطباعكِ الأخير ، قبل متابعة بقيّة الفيلم  

الطبيبة مُستفسرة بقلق : وهل سيسوء الوضع ؟!

الأستاذ : أظن ذلك .. لنتابع !!  

  

وأكمل الفيلم : ((لتظهر في العلاقة بمرحلتها التالية : غيرة الشاب المفاجئة ، وشكوكه اتجاه تصرّفاتها ..ونقده المتواصل لأصدقائها وأقاربها .. وعتابه لها على اسبابٍ تافهة))


فقالت الطبيبة : أكيد بطريقته المستفزّة ، يحاول السيطرة عليها 

فأجابها طالبٌ آخر ، بعيونه الحادّة الظاهرة خلف قناعه المليء بالدبابيس: 

- هذا انا !! الشخصية الغيّورة .. فعلت ذلك لتشكيكها بمن حولها .. مما يجعلني أنفرد بها ، ويُسهّل تحكّمي بأفكارها .. وقد حاولت المسكينة تبرير تصرّفاتها ، حتى البريئة منها .. فأنا بطبعي لا أثقّ بأحد .. كما أكره تفوّقها عليّ ، فهي تزاول نفس مهنتي !  


الأستاذ : وقد قمت بدورك جيداً .. 

الطبيبة باستغراب : هل تمدحه على فعله المدمّر ؟!!

الأستاذ : صدّقيني لا أحد كامل الأوصاف ، حتى البطلة التي تقفين في صفها .. أنظري ماذا فعلت  


وأكمل الفيلم : ((ليظهر إرتباك الفتاة بعد تدخّل صديقتها بالعلاقة ، والتي نصحتها بأخذ الحيطة والحذر من الشاب المتلاعب .. مما جعلها تحذف حسابها دون توديعه))


الطبيبة : لا ارى مشكلة بتصرّفها ، فهو بالفعل يتلاعب بمشاعرها 

الأستاذ : لكنها أظهرت شخصيّة غير ناضجة بسماحها للغرباء التدخل بعلاقتها معه ، وهذا تصرّفٌ خاطىء أشعرها بتعاسةٍ مُحبطة .. أنظري بنفسك لحالتها بعد الفراق


وأكمل الفيلم :(( لتظهر الفتاة وهي تبكي بحرقةٍ شديدة ، بعد تحطّم أملها الوحيد لإيجاد نصفها الثاني .. وكأن قطعة الخشب التي تطفو عليها في المحيط ، سحبتها الأمواج بعيداً عنها ! لتجابه وحدها خطر الغرق في مشاعرها المُختلطة .. خاصة بعد فتحها قلبها للمرة الأولى ، لغريبٍ لا تعرف شكله))


فقالت الطبيبة بدهشة : ألم ترى صورته بالإنترنت ؟!

الأستاذ : لا ، لم يرسلها لها  

الطبيبة باستنكار : وكيف أحبّته دون أن تراه ؟!

الأستاذ : هذا ما يسمّى إلتقاء الأرواح 

الطبيبة : لا ، أنا لا أوافق البطلة بقرارها الطائش

الأستاذ مبتسماً : ارأيتِ كيف بدأتِ تستخرجين لها الأخطاء 


الطبيبة : وهل انتهى الموضوع بينهما عند هذا الحدّ ؟

المعلم : الفيلم يتحدّث عن علاقة استمرّت 5 أعوام ، ونحن شاهدنا ربع الفيلم فقط 

- وهل سيسوء الوضع اكثر ؟

- لنرى


وأكمل الفيلم : ((وبعد شهور من إنقطاع العلاقة ، عادت للتواصل معه فور سماعها أغنية حزينة على حسابه .. وقبل أن يجيبها على رسالتها .. أخذت تبحث عن صورته في الإنترنت .. إلى أن وجدت شخصاً يشابهه في الإسم والعمر والبلد والحياة الإجتماعية .. فأرسلت الصورة لتسأله إن كان هو ، بعد شعورها بالشكّ اتجاهه ، فصاحب الصورة يجلس في البار ! ..فأنكر الأمر في البداية ، ثم فاجأها بنهاية المحادثة أنها صورته .. مما جعلها تقطع علاقتها به ، لأنها من عائلةٍ محافظة))


وهنا سأل الأستاذ تلاميذه : من منكم فكّر بهذه الطريقة الملتويّة ؟

فرفع طالبٌ يده ، وهو يلبس قناعاً ملوّناً : 

- انا !! الشخصية المراوغة .. أردّت تضليلها ، وإثارة الشكوك في نفسها 

فعاتبته الطبيبة : حرامٌ عليك !! فبتصرّفك الأرعن أثبتّ كلام صديقتها : بتلاعبك بمشاعرها !

الطالب بلؤم : فعلت هذا لتصرّفها الطائش ، وعقاباً لتركها لي دون إذني 

الطبيبة : لأنك لم تقدّر الحقوق التي تنازلت عنها لأجلك  

الطالب بغرور : وأنا أستحق جميع التضحيات 

الطبيبة بغضب : أنت مليء بالعيوب وظروفك صعبة ، فكفّ عن غرورك ! .. وأنت أستاذ !! أتوافقه على تصرّفه الشرير ؟

فحاول الطالب تصحيح معلوماتها : 

- عزيزتي ، انا لست الشخصية الشريرة 


ليقول طالبٌ آخر يُدخّن آخر الصف ، بقناعه الأسود : 

- انا الشخصية الشريرة التي لم تشاهديها بعد

فقال له المعلم : أظنك ظهرت آخر الفيلم .. سنكمل الفيديو ، لنرى


وأكمل الفيلم : ((لتعود الفتاة للبطل بعد شهور من الإنقطاع ، بسبب شوقها الكبير .. فيطيل الردّ على رسائلها ، بإجاباتٍ خالية من المشاعر .. ليس هذا فحسب ، بل أخبرها انه على علاقة بفتاةٍ أخرى))


الطبيبة بدهشة : اللعين ! لما أثار غيرتها ؟ 

فردّ طالبٌ يجلس خلفها ، يضع قناعاً أحمر .. بنبرةٍ حازمة : 

- حتى أُفهمها إنها ليست خياري الوحيد ، بعكسي طبعاً 

فعاتبه الطبيبة : أتذلّها لأنها كبيرة في السن ؟!

فردّ الطالب : عليها أن تكون حذرة بتصرّفاتها معي ، فأنا أحب أن تكون فتاتي مطيعة لأوامري

الطبيبة : اذاً انت الشخصية الشريرة ؟

فأجابها : لا ، انا الشخصية النرجسيّة 


فقال الطالب في آخر الصف ، باستحقار : 

- الا تستوعبين جيداً ، أم نظرك ضعيف ؟ .. قلت لك إنني الشخصية الشريرة ، وسأظهر لاحقاً


وأكمل الأستاذ الفيلم : ((وبعد إنقطاعٍ طويل ، تغيّر أسلوب الشاب مع البطلة بعد عودتها إليه .. حيث عاملها بقسوة من خلال نقده المتواصل لتصرّفاتها وتفكيرها .. وتذكيرها بمشاكلها النفسيّة والعاطفية عبر أغاني تتحدّث عن الغدر والخيانة ، رغم إخلاصها له ، بعكس تصرّفاته ! .. ونصحها بتغير طباعها ، لتوافق أفكاره وتطلّعاته))


وهنا قال الطالب ذوّ القناع الأسود ، بفخر : 

- وأخيراً ظهرت شخصيتي الشريرة .. فبرأيّ لا تُعامل النساء إلاّ بأسلوبٍ حازم !!

الطبيبة باستنكار : تقصد بالإحتقار والإهانة ؟!

الشاب بحزم : نعم !! حتى لا يسيطروا علينا

فأجابته : لا يوجد سيطرة بالعلاقات السليمة ، بل تعاون مُشترك وتفاهم واحترام 

الطالب بلؤم : هذه طبيعتي ، ولن أغيّر نفسي لأجل امرأة 

فقالت الطبيبة للمعلم : آراء تلاميذك ستُنهي الفيلم بطريقةٍ مأساوية .. والنتيجة : فراق الحبيبين للأبد 


فسكت الأستاذ وهو يفكّر بحيرة .. فقالت له :

- استاذ !! عليك التصرّف حالاً 


وبدل أن يجيبها ، ضغط على جهاز التحكّم لرؤية نهاية الفيلم : ((وهو رحيل الفتاة عن البطل بعد إظهاره جميع عيوبه السيئة ، التي فاقت صفاته الجميلة التي ظهرت في بداية العلاقة .. فزاد يقينها أن صفاته الجيدة هو القناع الذي أخفى خلفه طباعه السيئة ، بعكس ما اعتقدته سابقاً !.. لهذا قرّرت تركه ، لمتابعة حياتها العمليّة بعد إغلاق قلبها نهائياً عن العلاقات العاطفية.. 

وخُتم الفيلم : بظهور البطل وهو يفكّر يائساً ومتردّداً بشأن الإتصال بها ، لإنقاذ العلاقة قبل فوات الآوان))


فصفّق الطلّاب المقنّعين فرحاً : 

الشخصية المراوغة : فيلمٌ رائع  

الشخصية الغيورة : قرار البطل صائب مئة في المئة !! 

الشخصية النرجسيّة : لترحل بسلام

الشخصية الشريرة :  البطل سيجد غيرها بسهولة


فقالت لهم الطبيبة مُستنكرة : 

- لا !! لن يجد مثلها في حياته ، فهي نصفه الآخر وتوأم روحه .. (ثم نظرت للشخصية الناضجة والرومنسية) .. انتما تفهمان ما أقوله ، اليس كذلك ؟ 

فطأطأ رأسيهما حزناً !


الطبيبة: استاذ !! القرار يعود إليك .. لا تدع هؤلاء الفشلة يسيطرون على تفكيرك ، فأنت تعرف إن البطل لن يجد مثلها في حياته .. خذّ قراراً حاسماً وتوقف عن التردّد ، وإلاً ستضيّع فرصة حياتك 


ففكّر المعلم قليلاً ، قبل تجرّأه على فعل شيءٍ لم يقمّ به منذ مدةٍ طويلة ، والتي صدمت تلاميذه : وهي إزالة قناعه المكسور .. ليروا وجهه الحقيقي لأول مرة منذ بدء الدراسة الجامعية ، ليظهر إنه نفس البطل في الفيلم !

 

ثم قال بحزم للشخصيّة الغيّورة والمراوغة والنرجسيّة والشريرة :

- أخرجوا من القاعة !!

التلاميذ الأربعة بصدمة : لكن استاذ !

المعلم : لقد استمعت لآرائكم منذ بدء علاقتي بالفتاة ، والمسكينة استحملتني خمسة سنوات وأنا أعاملها بأساليب ملتويّة وعدم نضوج ، مما أشعرها بالخوف وعدم الأمان معي .. هيا أعطوني أقنعتكم ، بعد رسوبكم في مادتي ..

فنظروا للطبيبة بحنق وهم يسلّموه الأقنعة ، وخرجوا غاضبين من القاعة 


ثم قال الأستاذ للشخصية الرومنسيّة والناضجة : 

- انتما ستبقيان معي ، لتساعداني بحلّ الأزمة مع حبيبتي 

الشخصية الرومنسيّة بحماس : وأنا بالخدمة !!

الشخصية الناضجة : أعدك بإعطائك النصائح الجيدة ، لحين تحقيق أمنيتك  


المعلم : وانتِ !! بماذا تنصحينني ؟

الطبيبة : أن لا تُؤخّر الإتصال بها 

المعلم بقلق : أخاف أن ترفضني ، أو تعاتبني بقسّوة فتجرح شعوري !

الطبيبة : هي تنتظر هذه اللحظة منذ مدةٍ طويلة .. وتتمنّى رؤية وجهك الحقيقي دون إخفائه خلف أقنعة تلاميذك الذين تتبّعت نصائحهم السيئة ، التي كادت تُدمّر أجمل علاقة في حياتك


فسكت المعلم وهو يفكّر حائراً ..

فتوجّهت الطبيبة نحوه ، وسحبت جهاز التحكّم من يده

المعلم بدهشة : ماذا تفعلين ؟! 

الطبيبة : سأريك شيئاً نسيته 


وأدرات التلفاز على فيلمٍ آخر ، يعرض مُقتطفات عن حياة المعلم : 

((وظهر البطل كشابٌ طيب ، عانى كثيراً من فقدان أخيه ووالده وحبيبته الأولى ، وألم الغربة وغدر الأصحاب والأمراض والعلاقات الفاشلة ..خاصة علاقته بإمرأةٍ نرجسيّة ، أذت طفله الداخلي))


المعلم بعصبية : رجاءً أطفئيه !!

الطبيبة : عليك مواجهة الماضي

 

وبعد مشاهدته مُلخّصاً عن أحزانه في التلفاز ، مسح دموعه وهو يقول معاتباً : 

- لما فعلتِ ذلك ؟!

الطبيبة : لأفهمك أن شخصيات طلّابك ، ليست انت ..فقناع القسوة واللؤم وضعتهما لحماية قلبك من الأذى العاطفي ، بعد خيبات أملك مع نساءٍ قبلها .. اما اساليب المرواغة ، فتعلّمتها من اصدقاء السوء الذين بالحقيقة لا يتمنّون سعادتك ويغارون من نجاحك ..

 

ثم أعادت شريط ذكرياته للبداية :(حين كان طفلاً حنوناً مع عائلته ورفاقه) قائلةً :

- أنظر جيداً ، هذا انت .. هذه حقيقتك !! شخصٌ بريٌ وطاهر .. فعدّ كما كنت .. ولا أظن الفتاة سترفضك او تعاتبك لوّ أظهرت وجهك الحقيقي.. رجاءً توقف عن التردّد باتخاذ القرار .. جازف لأجل حبيبتك قبل فقدانها للأبد

 

فساندها الشخصية الرومنسيّة قائلاً : نعم استاذ ، هي تستحق المجازفة

الشخصية الناضجة : على الأقل حاول ، لن تخسر شيئاً


فالتزم المعلّم الصمت .. فسألته الطبيبة :

- هل الذي يُضايقك انها لم تنهار بعد فراقها عنك ؟ ام إنها فكّت تعلّقها بك.. 

فأكمل المعلم بقهر : بعد أن تركتني مُعلّقاً بها ! 

الطبيبة : ماذا لوّ فعلت ذلك لتنقذ نفسها ؟

المعلم : ماذا تقصدين ؟


الطبيبة : تخيّل انك تحاول إنقاذ حبيبتك من الغرق ، لكنها تسحبك بقوة للإعماق .. ألن تفلت يدها للإسراع الى السطح ، والتقاط أنفاسك قبل الغرق معها ؟ ..أظنها لم تجد حلاً آخر ، سوى تركك تعالج نفسك قبل تدميرها بسلبيّاتك .. فحسب ما شاهدته بالفيلم ، هي حاولت معك بكل الطرق ..وعنادك هو ما منعك من التغير .. ولوّ انك تغيرت مثلها في بداية العلاقة ، لالتقيتما في منتصف الطريق 

المعلم بحزن : للأسف ، إستوعبت هذا متأخراً ! 


الطبيبة : إذاً ماهو قرارك ؟

المعلم بقلق : يا خوفي أن تهين كرامتي ..

الطبيبة مقاطعة : كرامتك هي بتحقيق ما وعدّتها به ، برأيّ عليك إتخاذ قراراً حاسماً لحلّ الأزمة 

 

وبعد دقائق من التفكير .. إستجمع المعلم قواه ، وقفز الى داخل التلفاز ! 

لتشاهد الطبيبة والشخصية الرومنسيّة والناضجة ، بالإضافة للشخصية المراوغة والغيّورة والنرجسيّة والشريرة وهم يسترقون النظر (من خلف نوافذ القاعة المطرودين منها) الى التلفاز ، لرؤية ما سيحصل :


حيث شاهدوا معلمهم يلتقي بالبطلة دون قناعه هذه المرة ، والتي تفاجأت بوسامته وابتسامته الرقيقة ! 

ورغم شوقها الكبير له إلاّ أنها حاولت الهرب منه ، خوفاً أن يجرحها ثانيةً .. لكنه استطاع اللّحاق بها ، وإمساك يدها وهو يقول :

- انتِ الوحيدة التي أجبرتني على مواجهة شخصياتي المتنوّعة المحشورة في دماغي ، والتي خضعت لآرائها طوال حياتي .. واليوم تمكّنت أخيراً من طرد الشخصيات السيئة ، والإبقاء على شخصيتيّ الرومنسيّة والناضجة لأجلكِ ..وهما يمثلاّن حقيقتي التي نسيتها منذ سنوات ، واستردّيتها بعد صبرك عليّ


البطلة : لطالما عرفت انك تُخفي خلف قناعك القاسي ، شخصاً طيّب القلب

وأمسكت يده بلطف ، وهي تقول : 

- لا اريد منك سوى الأمان الذي تمنّيته طوال حياتي ، وبدوري أعدك بمنح الحنان الذي تحتاجه

المعلم بارتياح : وهذا كل ما أتمنّاه

وحضنها بشوق حبيبٍ يُغرم للمرة الأولى في حياته !  


العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...