‏إظهار الرسائل ذات التسميات حروب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حروب. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 21 مايو 2025

احتلال العالم

فكرة : باسم الفيل
كتابة : امل شانوحة 

السلاح الفتّاك


بعد اشتداد الحصار على فلسطين ، ورضوخ الدول العربيّة المجاورة للقرارات الأمريكيّة.. فاجأت الصين العالم بإرسالها المساعدات الإنسانيّة لغزّة عن طريق طيرانها فوق الأراضي المُحتلّة ، خارقةً بذلك الإتفاقات الدوليّة ! مما اثار غضب الحكومة الأمريكيّة التي اعلنت جهوزيّتها للقيام بحربٍ عالميّة مع الصين


وفي المقابل .. جهزت الصين عتادها العسكري المؤلّف من سفينةٍ ضخمة (حاملة الطائرات الحربيّة) ودبّابات وراجمات الصواريخ.. وجيشٌ برّي وصل عددهم الى ٥ الآف جندي.. بينما تُحضّر الدفعات الأخرى ، ليصل عدد المشاركين من جيشها بهذه المعركة المصيريّة الى مليونين من الخدمة النشطة ! عدا عن جنود الإحتياط الذين طُلب منهم ان يكونوا على أهبّة الإستعداد للمشاركة ، حسب نتائج المعارك الأولى من الحرب القادمة 


وأرسلت الصين الدفعة العسكريّة الأولى عبر البحر باتجاه اميركا .. وسط توقّع المحلّلون السياسيون حدوث الأسوء ، وتأثير حربهما على العالم اجمع!

^^^


وقبل وصول قوّة الجيش الصيني الى الشواطىء الأمريكيّة ، تفاجأ قبطان السفينة الحربيّة (التي تنقل الطائرات والمدرّعات والجنود) بضبابٍ كثيف ، حجب الرؤية تماماً ! مما منع طائراتهم من التحليق (كما هي الخطّة العسكريّة التي اتفق عليها قادة الوطن)


وسرعان ما اختفت اعظم قوّة عسكريّة من الخريطة الإلكترونيّة بشاشات المراقبة للجيش الأمريكي الذين ارسلوا طائرات (دون طيّار) لاستكشاف آخر موقعٍ ظهروا فيه قبل اختفائهم ، والذي يبعد ميلاً واحداً عن شاطئهم .. لكنهم لم يجدوا اثراً لهم ! 


فأعلن الرئيس الأمريكي للعالم : بأن الربّ حمى شعبه عن طريق تدميره عتاد العدوّ بطريقته الإلهيّة الخارقة ، دون وجود تفسيرٍ علميّ او منطقيّ لما حصل !

***


في العالم الموازي : ظهر الشاطئ من بعيد للقوّة الصينيّة بعد انحسار الضباب .. فعادوا لتحريك سفينتهم باتجاه اميركا


وبعد رسوّها على الشاطىء .. قرّر قائدهم : بعدم إعطاء الأوامر لطيرانه الحربيّ بالتحليق فوق المناطق المُستهدفة ، او إنزال دبّاباته وأفراد جيشه من السفينة .. قبل إرساله طائرة درون ، لاستكشاف المكان .. 

^^^


وبعد ساعة .. ذُهل القادة العسكريين مما شاهدوه على شاشة سفينتهم ! فهم بمكانٍ نائي أشبه بقريةٍ ساحليّة بأكواخها المُتهالكة ، دون وجود معالم للحضارة الحديثة !


فقال قائد الجيش الصيني : 

- مستحيل ان تكون هذه اميركا !

ضابط : هل ممكن ان الضباب حرف سفينتنا باتجاه المكسيك ؟ 

القائد : الا ترى اشكال الأهالي ؟ هم بيض البشرة ، كأنهم اوربيّون !

- مستحيل ان نكون انحرفنا نحو اوروبا ، خلال النصف الساعة التي عشناها بتخبّطٍ في الضباب.. ثم الأوربيّون على علم بطائرات درون.. اما هذا الشعب الهمجي فخائفٌ منها لدرجة رميهم الأحجار عليها ، كأنها حشرةً ضخمة ! 

القائد : علينا إرسال احد ، لسؤال الشعب عن البلد التي رسوّنا فيها

- حسناً ، سأرسل جندياً يتكلّم ست لغات..

وارسلوه بجيبٍ عسكريّ.. 

^^^


ليعود بعد ساعتين ، وهو مُنصدم مما سمعه !

القائد : لما تأخّرت كل هذا الوقت ؟

الجندي : سيدي ، لن تصدّق ما أخبروني به  

الضابط : أعطِنا مُلخّص رحلتك

الجندي : في البداية ، ذهلوا كثيراً برؤية آسيوي بينهم .. خاصة ان زيّ العسكري يبدو لهم من المستقبل ! وجيد انني اتقن اللغة اليونانية لأفهم من كلامهم : اننا لسنا في اميركا ، بل في مقدونيا عام 334 قبل الميلاد

الضابط : قبل الميلاد ! انت تمزح طبعاً 

الجندي : لا سيدي .. سألت تقريباً جميع نساء وعجائز القرية ، وكلّهم أجمعوا على ذات التاريخ !

القائد : أظنها لعبة من الأمريكان لتضليلنا

الجندي : يمكننا التأكّد من المعلومة ، في حال توجّهنا الى نهر الغرانيكوس في تركيا ، وأظنه يُسمّى في زماننا بنهر بيجا


الضابط باستغراب : وما دخلنا بتركيا ؟!

الجندي : لأن قائدهم الإسكندر المقدوني بالوقت الراهن ، يحارب هناك مع شبابهم ورجالهم  

الضابط : حسب ما قرأته .. هي اولى معارك الإسكندر الكبرى التي انتصر فيها ، قبل احتلاله العالم ! 

القائد بحماس : أتدرون ماذا يعني هذا ؟ 

فسكت الضابط والجندي ، ليُكمل القائد قائلاً :

- يعني اننا نملك اقوى سلاح بهذا الزمن !!

الجندي بقلق : وهل مازالت اسلحتنا تعمل هنا ؟!


فطلب القائد منه إخراج مسدسه ، وإطلاق النار على شجرةٍ بعيدة .. ففعل الجندي ذلك ..

الضابط : يبدو انها تعمل جيداً !

القائد : ماذا عن صواريخنا ، هل مازال عددها كاملاً في السفينة ؟

الضابط : قمنا بتقسيمها على دبّاباتنا بعد انحسار الضباب ، وكل شيءٍ مازال في مكانه .. لكن ماهو قصدك ، سيدي ؟! 

القائد : يمكننا تغيير التاريخ بجعل الصين تحتلّ كل بلدان هذا العصر ، وبزمنٍ قياسيّ .. فهم سيحاربوننا بالسيوف والأسهم الخشبيّة ، بينما نستطيع القضاء على دولٍ بأكملها ، من خلال قصفها بطائراتنا الحربيّة

الضابط : أفهم من كلامك ، سيدي .. انك تريد إحتلال الدول ، قبل ان يفعلها الإسكندر المقدوني ؟!


القائد بحماس : نعم !! لندع الصين تحكم العالم ، وبذلك يتغيّر مستقبلنا ..وربما تصبح عملتنا (يوان) اقوى من الدولار بكثير .. اساساً لن يكون هناك اميركا ، في حال رمينا قنبلتنا النوويّة فوق الهنود الحمر .. ولوّثنا مزروعات وأنهار تلك الدولة بالكامل ، لتصبح غير قابلة للعيش حتى في زمننا الحديث 

الضابط : الم يأمرنا زعيمنا بعدم استخدام القنبلة النوويّة إلاّ في الحالات القصوى ؟! 

القائد بعصبيّة : الا يعتبر تدمير اميركا التي تصرّ على التدخل بشؤون الدول الأخرى ، حالةً قصوى لرميّ القنبلة والتخلّص من وجودها اللعين للأبد ؟!!


ثم قال للضابط :

- هيا ماذا تنتظر ؟! إذهب لتجهيز جنودنا !! فنحن سنتوجه بسفينتنا مباشرةً لتركيا ، للقضاء على الفريقيّن المُتحاربيّن .. ثم نبدأ باحتلال الدوّل ، الواحدة تلوّ الأخرى .. وإثارة رعبهم ، بعد تناقلهم خبر القنبلة النوويّة التي سنلقيها بنهاية المعارك .. ولنعتمد على الطيران والمظلّيين لإفزاعهم .. فنحن بزمنٍ لا يعرفون فيه ، انه بإمكاننا التحليق بالسماء كالطيور .. وسيعتبروننا نوعاً من الجن والشياطين ، مما سيسهّل إحتلال العالم 

^^^


وبالفعل ضجّت اخبار العالم القديم بتلك الأحداث المفاجئة ! حيث تناقل الملوك الرسائل المكتوبة على اوراق البردى ، مُحذّرين من الزحف العسكري الصينيّ نحو بلادهم 


ولم تمضي ثلاثة شهور ، حتى احتلوا العالم اجمع .. حيث اعلن ملوك الدول إستسلامهم للقائد الصيني بوقتٍ مناسب بعد نفاد وقود طائراته وسفينته الحربيّة ، بما فيها الدبّابات والراجمات ! بالإضافة لاستخدام جنوده لجميع القنابل الكبيرة واليدويّة وذخائر الرصاص.. 

لهذا هدّد جنوده الصينيين بقتلهم جميعاً ، في حال سرّب أحدهم تلك المعلومات للدول المهزومة .. خوفاً من إنقلابهم عليهم (بعد نفاد ذخيرتهم) مما سيجبرهم على محاربتهم بالأسلحة البدائيّة التي لا يملكون خبرةً فيها .. وهذا سيعرّضهم لهزيمةٍ مُخزيّة لإمبراطوريّتهم الجديدة ! 

^^^


وبسبب قتل الجنود الصينيين لمعظم رجال العالم القديم ، لم يعد هناك مزراعين ورعاة .. مما اهلك الزرع والمواشي ، مُسببين بمجاعةٍ عالميّة ! 


لهذا اضّطر الجنود الصينيين (وكذلك جنود الدول الأخرى) لسرقة المنازل ، بحثاً عن الطعام .. الى ان وصل اليأس والجوع بهم ، لخطف الأولاد وشوائهم ! فهرب الناس للكهوف بإعالي الجبال .. كما اختبئوا بحفرٍ عميقة اسفل الغابات ، خوفاً من الأكل حيّاً من قبل الجنود الجائعين !


حتى وصل الحال ، لقيام الجنود الصينيين بأكل زملائهم الجرحى (من المعارك السابقة)

مما احزن قائدهم ، الذي تساءل بضيق : 

- هل نحن فعلاً يأجوج ومأجوج المذكورين بالكتب السماويّة ؟!


وهنا دخل الضابط الى غرفة القائد بالسفينة ، مُعترضاً على الوضع السيء الذي وصلوا اليه : 

- سيدي !! هل سنبقى عالقين بهذا الزمن الكئيب ، الى ان نأكل بعضنا البعض ؟! علينا العودة الى حياتنا السابقة بأسرع وقتٍ ممكن

القائد : المشكلة اننا لا نعرف الطريقة !

الضابط : بنفس الطريقة التي وصلنا بها الى هنا .. أقصد بواسطة دراسة الطقس بأجهزتنا الحديثة ، للبحث عن أيّ ضبابٍ في البحر نقوم بخرقه بسفينتنا .. فربما بذلك نعود من حيث اتينا

- انت تعلم جيداً ان وقود سفينتنا انتهى قبل اسابيع 

- اذاً نجذّف بقواربنا المطاطيّة نحو الضباب.. لا حلّ آخر امامنا

***


لكنه لم يظهر ايّ ضباب على شاشتهم ، الا بعد شهرٍ آخر من المجاعة.. مما ادّى لموت معظم الجنود الصينيين جوعاً او قتلاً !


وبالكاد هرب القادة الكبار بقاربٍ مطاطيّ باتجاه ضبابٍ لا يبعد كثيراً عن إحدى الشواطئ !

^^^


وفي بحرٍ هائج .. كان القادّة الخمسة مُتعبين من الجوع ، ومن التجذيف المستمرّ.. الى ان رأوا (بعد ساعات وهم يصارعون الأمواج) ضباباً كثيفاً .. لكنه لم يعد لديهم قوّة للتجذيف ، رغم ابتعاد الضباب عنهم بضعة امتارٍ قليلة !


فرفع القائد مسدسه بوجه ضبّاطه الأربعة ، مُهدّداً :

- ستجذّفون غصباً عنكم ولآخر نفس ، حتى نتمكّن العودة الى عالمنا!!

ضابط ساخراً : أستهدّدنا بمسدسك الفارغ ؟

فأطلق القائد رصاصة بالسماء ، ارعبتهم :

- انا لم استخدم سلاحي بعد ، ولا أُمانع إفراغه في رؤوسكم الغبيّة!!


فجذّفوا مُرغمين بما تبقى لهم من قوّة ، الى ان اخترقوا الضباب اخيراً.. حينها أُغمي عليهم جميعاً ، وتساقطوا نياماً وسط قاربهم المطاطيّ !

***


عندما استفاقوا في الزمن الراهن .. وجدوا اطباء خفر السواحل يحاولون إنعاشهم ، ووضع الأمصال لهم !

وسمعوا احدهم يسألهم : منذ متى وانتم عالقون بالبحر ؟!

القائد وهو ينظر حوله ، بذهنٍ مُشتّت : 

- اين نحن ؟!

الممرّض : على الشاطئ الأمريكيّ .. هل انتم مهاجرون غير شرعيّون ، ام ضبّاط صينيون ؟!


فخاف القائد من إرسالهم للتحقيق ، فنفى قائلاً : 

- لا !! لسنا ضباطاً .. هذه الثياب وجدناها بسفينةٍ عائمة وسط البحر ! بعد ان تسابقنا بالسباحة ، مُبتعدين كثيراً عن الشاطئ

الطبيب : يعني انتم تعيشون في اميركا ؟

القائد بارتباك : نعم !! من سكّان الحيّ الصيني المعروف بمطاعمه..

الطبيب مقاطعاً : اذاً سنعالجكم الآن ، ثم تذهبون حيثما شئتم

***


وبعدها اجتمع القائد مع ضبّاطه الأربعة في إحدى المطاعم الأمريكيّة السريعة ، وهم يستمعون للأخبار التي تُعرض على التلفاز : 

عندما أكّد الرئيس الأمريكي فوزه بالحرب ، بعد غرق الدفعة العسكريّة الأولى للصين .. ممازحاً الصحفيين :

- كنت متأكّداً أن سفينتهم الضخمة ستغرق بما فيها ، فهي بالنهاية صنع الصين

وضحك الصحفيّون..


بينما كتم القائد والضبّاط الصينيين غضبهم بصعوبة ! قبل ان يتساءل احدهم بصوتٍ منخفض : 

- سيدي ، هل نخبر قادتنا بما حصل ؟

القائد : لا طبعاً .. لا احد سيصدّق ما حصل معنا ، والأفضل إعتقادهم بغرقنا مع بقيّة الجيش 


ليسمعوا الرئيس الأمريكي يُكمل قائلاً (بمقابلته الصحفيّة) : 

- على زعيمهم الإقتناع باستحالة إحتلاله العالم ، كما فعلوا في القرون الماضية .. والتي انتهت بموت ملايين الناس ذلك الزمن بما فيهم جنودهم ، بسبب المجاعة العالميّة التي تعتبر الأسوء بتاريخ البشريّة 


الضابط بذهول : هل سمعتم ؟! نحن احتتلنا العالم بالفعل !

القائد بفخر : أخبرتكم انه بإمكاننا تغيير التاريخ !! 

الضابط الآخر بإحباط : وما نفع ذلك ، إن فشلنا بمهمّتنا الحالية

القائد : لا يهم ، طالما أعطينا لأولادنا ماضياً مُشرقاً

الضابط الثالث بضيق : دعونا من إنجازات الماضي .. المهم الآن !! ماذا سنفعل لإكمال حياتنا ؟! 

القائد : سنعيش هنا ، لا حلّ آخر امامنا


وأكملوا سماع الأخبار المُستفزّة بصمت..

***


وفي الشهور التالية .. تمكّن الاسرائيليون من ترحيل ما تبقّى من الفلسطينيين الى مصر والأردن ! حيث شاهد العالم إحتفال اليهود ببدء مشروعهم ، ببناء هيكل سليمان على انقاض القدس.. 


ورغم حزن المسلمون في كل العالم إلاّ انهم عجزوا عن فعل شيء ، بعد فشل آخر فرصة للقضاء على الجبروت الأمريكي والإسرائيلي ، عقب الإختفاء المُفاجئ للجيش الصيني في البحر !

^^^


واثناء حزن القائد وضبّاطه (في المقهى الأمريكي) على الأحداث الأخيرة ، إنتبهوا بأن النادل عربي يتابع عمله بشكلٍ عاديّ .. فسألوه:

- ألست حزيناً لما حصل ؟!

النادل : بل ومقهور ايضاً .. لكننا نعلم جيداً : بأن وصول اسرائيل لذرّوة قوتها ، تعني نهايتها

القائد : اذاً إجلس ، واخبرنا توقعاتك

النادل : ليست توقعاتي ، بل علامات الساعة التي أخبرنا بها النبيّ محمد عليه السلام .. فنحن سنفوز عليهم ، بقيادة المسيح عيسى

الضابط بدهشة : اذاً انتم تؤمنون كالمسيحيين ، بعودته للحياة من جديد ؟!

النادل : هو لم يمت اصلاً ، بل صعد للسماء .. وسينزل آخر الزمان ، بعد توحيده الأديان

القائد : وهو من سيقضي على اليهود ؟!

النادل : بقيادته لجيشٍ من المؤمنين الذين سيذبحونهم كالخراف.. لهذا نحن مُتفائلين على قربنا من النصر الكبير

ثم ودّعهم ، لمتابعة عمله..


القائد : كنا نريد مساعدة العرب للقضاء على دكتاتوريّة امريكا الداعمة لإسرائيل ، لكن يبدو ان ايمانهم كافياً للحصول على النصر !

الضابط : وماذا بشأننا نحن ؟!

فتنهّد القائد بضيق : لنفترق ، كلاً يجد عملاً للصرف على نفسه ..لأنه لا يمكننا الإستمرار باستعطاف الجمعيات الخيريّة للمشرّدين طوال حياتنا  

- معك حق ، سيدي  

القائد : اساساً عودتنا للصين ، ستفتح علينا ابواب التحقيقات الوطنيّة والعالميّة ، لمعرفة ما حصل لجيشنا .. وانا لا اريد خسارة ماضينا المُشرّف ، كما خسرنا مستقبلنا 

- أتدرون يا اصدقاء .. سعيد باحتلالنا العالم ، ولوّ بالعالم الموازي !


ثم ودّعوا بعضهم .. للبحث عن عملٍ ثابتٍ في اميركا التي كانت يوماً هدفهم بالقضاء عليها ، وتخليص العالم من شرورها !


السبت، 30 نوفمبر 2024

الصامدون الأحرار

تأليف : امل شانوحة 

 

الحرب الغير متكافئة


رفض طبيب وزوجته الممرّضة مغادرة منزلهما بالجنوب بعد اشتداد الحرب على لبنان ، حتى اصبحا الوحيديّن في قريتهما الزراعيّة بعد نزوح معظم السكّان للعاصمة والدول المجاورة .. 

ورغم الإتصالات المُكثّفة من اهاليهما لترك المكان ، لكنهما طمّأنوهم باحتمائهما من الصواريخ داخل ملجئهما الحصين في قبوّ فلّتهما التي تدمّرت جزءاً منها مع بداية الحرب ..


ومن بعدها انقطعت الإتصالات بينهم ، لإنعدام الإنترنت والكهرباء على كل المناطق الجنوبيّة .. ومع ذلك كانا محظوظيّن بوجود بئر ماءٍ قريب من فلّتهما المُحطّمة .. رغم قلقهما من إطالة الحرب أكثر من شهر ، بعد ان اوشكت مُعلّبات الطعام على النفاذ !


وبعد سماعهما بالمذياع : عن تهديد إسرائيل لتفجير القرية المجاورة بالكامل ! اسرعا الى هناك لأخذ ما يمكن الإستفادة منه ، قبل إفناء المنطقة التي خلت من سكّانها قبل ايام .. 

وتوجّها مباشرةً للمزارع التي تُركت قبل حصادها ، لقطف ما يمكنهما اكله بالفترة القادمة..


وبعد وضع صندوقاً مليئاً بالخضار والفاكهة في سيارتهما ، سمعا اصواتاً قادمة من المنازل الخالية التي هرب سكّانها للمناطق الآمنة! 


فتوجها نحوها .. ليجدا معظم نوافذ المنازل مفتوحة ، لحماية الزجاج من التحطّم بالإنفجارات .. رغم نيّة اسرائيل هدم القرية عن بِكرة ابيها ، مع حقولها الزراعيّة !


ليتفاجأ الزوجان بوجود خادمة آسيويّة في إحدى الفلّل ، بعد ان تُركت لحماية منزلهم من السرقات ، رغم خطر موتها الوشيك ! 

فقرّرا أخذها معهما لقبوّ منزلهما بالقرية المجاورة.. 


وقبل تحريك سيارتهما ، أوقفتهما بلغةٍ عربيّةٍ رقيقة :

- هناك اولاد بالمنازل المجاورة لفلّتي ، سمعتهم يبكون ليلة امس  

الطبيب بصدمة : مستحيل ان يتركوا النازحين اولادهم !

الخادمة : احلف انني رأيت أحدهم يلوّح بالمنديل من نافذة بيته ! 


فقرّر الزوجان تفتيش جميع منازل القرية .. لينصدما بوجود اربعة اولاد ، بالإضافة لقطّتين وكلب صغير وقفص فيه عصفوريّن نادريّن! 

فنقلوهم جميعاً لمنزلهما الشبه مُدمّر ، بعد ربط كرسي الولد المتحرّك فوق سطح السيارة !

^^^


وبعد نومهم بالقبو .. تكلّمت الزوجة بصوتٍ منخفض :

- لا اصدّق ان الأهالي تركوا اولادهم يواجهون الموت وحدهم ! يالا قساوة قلوبهم !!

زوجها الطبيب : عدا عن الحيوانات التي كان بإمكانهم إطلاق سراحها ، بدل حبسها في منازلهم التي ستُقصف بأيّةِ لحظة !

زوجته : إن كانوا تركوا ابنائهم ، فهل سيهتمون بالحيوانات ؟!

الطبيب : انت ترين سبب الهجر : فأحدهم منغولي ، والثاني لديه توحدٌ صعب.. والثالث مُعاق عقليّاً وهو مشلول بالكامل.. اما أصغرهم : فلديه فرط نشاطٍ مُستفزّ .. ولولا ابرة المخدّر لما غفى أخيراً ، بعد ان تعبنا جميعاً في تهدأته !

- مهما كانت امراضهم ، لا يستحقون تركهم يواجهون الحرب وحدهم .. فصغيرهم بالسابعة ، وكبيرهم لم يتجاوز 12 سنة ! انت رأيت كيف تناولوا الطعام بنهم من شدّة جوعهم !

- ما يقلقني الآن هو توفير الملابس والحفاضات لهم ، عدا عن طعام الحيوانات

زوجته : الله سيعيننا عليهم .. لنعشّ كل يومٍ بيومه ، الى ان يفرجها الله


وهنا سمعا طرقاً على باب الطابق الأرضيّ ، فتجمّد الزوجان داخل القبوّ المضاء بالشموع !

الزوج بقلق : أيعقل ان اليهود اقتحموا قريتنا برّياً ؟!

زوجته : وهل سيستأذن الملاعين بدخول منزلنا الشبه مهدّم ؟!


ليسمعا صوتاً ينادي من فوق : هل يوجد احدٌ هنا ؟!!

الممرّضة : انه صوت امرأة ! سأصعد لأراها

الزوج : لا !! ابقي مع الأولاد والخادمة.. سأرى من تكون 

- انتبه رجاءً ، فربما يكون كميناً من العدو !

^^^


ليتفاجأ الدكتور بعجوزٍ تناشده الطعام .. والتي أخبرته أن عائلتها تركوها نائمة اثناء نزوحهم للعاصمة ! فأسندها وهو يُنزلها الى القبو


ولم تصدّق زوجته قساوة الإبن الذي هرب مع زوجته واولاده ، تاركاً امه العجوز المريضة بالقلب تواجه الحرب وحدها ! 

الطبيب : لا خالتي ، لا املك دوائك

العجوز : الست طبيباً ؟!

الطبيب : نعم ، لكن ليس لديّ دواء القلب .. سأعطيك مُسكّناً الآن ، وغداً صباحاً ابحث بالصيدليّة المهجورة عن دوائك 

العجوز : مررت بها قبل قليل ، وهي مُهدّمة بالكامل 

الطبيب : بالعادة يوجد مخزن اسفل الأرض للأدوية المهمّة ، سأبحث هناك عمّا تحتاجينه انت والأولاد 


زوجته : هل انت جائعة يا خالة ؟

العجوز : أتضوّر جوعاً

- سأفتح لك علبة تونة

- ان كان لديك برغل او عدس ، استطيع طبخهم لك .. فأنا كنت طبّاخة ماهرة في صبايّ 

الممرّضة : نعم لدينا.. سنطبخها غداً ، عندما يستيقظ الجميع  

فنظرت العجوز للأولاد النائمين : ما شاء الله ، لديكم اربعة ابناء وخادمة

الطبيب بقهر : لا ، ليسوا اولادنا

وأخبرها قصتهم..


العجوز بصدمة : يا الهي ! ماذا حصل للناس ؟! لما قست قلوبهم بهذا الشكل المقزّز؟!

الممرّضة : لا تقلقي يا خالة ، انا وزوجي سنعتني بكم جيداً

***


ومع مرور الأيام .. إستطاع الدكتور وزوجته إيجاد مؤونة كافية من المنازل المفتوحة ، مع بعض الألعاب والحلويات لتسليّة الأولاد بالقبوّ .. بينما تعلّق الصبيّ المتوحّد بالحيوانات ، حتى انه نطق بعض الكلمات ! اما المنغولي : فقد كانت شهيّته مفتوحة دائماً ، مما صعّب الأمر على الزوجيّن لتوفير الطعام له .. اما المعّاق عقليّاً : فاضّطرا لتحفيضه بملاءاتٍ ممزّقة ، يقومان بغسلها على التوالي بعد نفاذ غيّاراته.. وتساعدهما الخادمة بذلك ، بالإضافة لاهتمامها بالولد الذي لديه فرط حركة الذي أتعبهم كثيراً .. لرفضه البقاء بالقبوّ الضيّق ، رغم محاولة المرأة العجوز إشغاله بقصصها الشيّقة. .


بينما جازف الطبيب بحياته للذهاب للعيادة المُدمّرة في محاولة لإيجاد دواء العجوز بين الركام ، والتي تزداد حالتها سوءاً مع كل ضربة عنيفة للعدوّ فوق قريتهم المهجورة !

***


قبل انتهاء الحرب .. توفيّت العجوز بعد توقف قلبها ، عقب إصابة صاروخٍ منزل الطبيب ، وتدمير ما تبقى منه ! بينما كانوا يحتمون بقبوه العميق ، مما جعل الأولاد ينفجرون بكاءً من شدة الرعب .. 

فانشغل الزوجان والخادمة بتهدأتهم ، دون انتباههم لوفاة العجوز الا بعد محاولة الممرّضة إيقاظها.. وبقيّت جثتها معهم طوال الليلة العنيفة .. الى أن هدأ الوضع في الصباح ، ليقوم الطبيب بفتح باب القبو الآخر الموصل للحديقة .. وقام بدفنها هناك ، وهو يتأمّل منزله المُهدّم بحسرةٍ وقهر !

^^^


بعد الدفن .. إستمع مع زوجته للأخبار من المذياع الذي اعلن انتهاء الحرب بالساعة الرابعة صباحاً .. مما يعني ليلةً أخيرة عنيفة ، لمحاولة اسرائيل انهاء اهدافها سريعاً بلبنان !  

لهذا طلب الطبيب من زوجته والخادمة والأولاد ان يكونوا اقوياء لآخر يومٍ لهم في الجحيم ، مع تكثيف الدعاء طوال الليل حتى انتهاء الأزمة الصعبة !

^^^


وبالفعل توالت الإنفجارات فوق القرى الجنوبيّة ، لهدم ما تبقّى من مبانيها ومزارعها .. الى ان انتهت الحرب اخيراً مع تباشير الصباح ، مع إختفاء صوت المُسيّرة التي ازعجت اللبنانيين على مدار شهريّن متواصليّن !


وخرج الطبيب مع اسرته الجديدة من القبّو بحذر ، خوفاً من شظايا الزجاج والحديد المتناثر حول منزله .. ليتفاجأوا بعودة مئات النازحين منذ الصباح ، لرؤية ما تبقى من منازلهم وحقولهم !


ولم يمضي وقتٌ طويل حتى التقوا بأهالي الأولاد الأربعة ومالك الخادمة وابن المرأة العجوز .. 


وكان اول من التقوا به ، هو الإبن العاق الذي عاتبه الطبيب بنبرةٍ حادّة :

- أتبحث عن امك ؟! لوّ كان يهمّك امرها لما تركتها وحدها ، وهي بأمسّ الحاجة لدواء القلب !

الإبن : وهذا هو سبب تركي لها ، فأنا لم استطعّ تأمين الدواء لها .. 

الممرّضة مقاطعة بعصبية : عذرك أقبح من ذنبك !!

الإبن : لا وقت الآن للوم .. اين هي ؟ هل رأيتموها بالجوار ؟

فأشار الطبيب لقبرٍ بجانب منزله..

- هي هناك !! توفيّت وهي تدعو عليك.. هل ارتحت الآن من همّها ؟


فطأطأ الشاب رأسه ، حزناً .. وعاد الى سيارته التي فيها زوجته وابنائه ، مُبتعداً عن المكان بهدوء !

^^^


واثناء مناقشة الدكتور وزوجته ما حصل ، سمع رجلاً يسأله :

- هل بقيّت بالجنوب طوال الحرب ؟

الطبيب : نعم

الرجل : هل رأيت خادمتي الآسيويّة ؟


فخرجت الخادمة من خلف المنزل المهدّم ، وهي تصرخ على الرجل بغضبٍ شديد :

- لما تركتموني وحدي !!

المالك : لم يكن هناك مكان بالسيارة

فأمسك الطبيب ذراع الرجل بعنف :

- كنت ضعها في حضن زوجتك ، بدل تركها وحدها تواجه الموت!!  

الرجل : حسناً ، سنكافئها عندما نصلح احوالنا الماديّة

الخادمة باكية : لا اريد العودة معه يا دكتور ، رجاءً !!

الطبيب : أسمعت !! هي لا تريد الذهاب معك .. وانا بدوري سأوصلها لأقرب مكتب عمالة ، لإعادتها الى بلادها .. هيا اغرب عن وجهي !!

فابتعد الرجل بسيارته عن المكان !

^^^


وفي الوقت الذي كان الطبيب وزوجته يهدّآن الخادمة الغاضبة ، قدم اهالي الأولاد الأربعة بعد سماعهم من النازحين عن البطليّن اللذيّن بقيا في الجنوب طوال الحرب


الطبيب بعصبية : الآن تسألون عن اولادكم ؟!

الأب : لا تلمنا يا دكتور .. فأنا وزوجتي كبيران في السن ، لذا لم نستطع تحمّل ابننا الذي لديه نشاطٌ مفرط

الممرّضة : طالما كبيران بالسن ، يعني ابنكما الوحيد ولن تنجبا غيره .. فكيف تركتماه يواجه الحرب وحده ؟!  

الأب : حاولنا إدخاله السيارة ، لكنه هرب منا .. ولم نستطع اللحاق به ، بعد دويّ انفجارٌ هائل .. فأسرعنا بالهرب ، بنيّة العودة للبحث عنه او جثمانه .. لكننا لم نجده في أيّ مكان ، فاعتقدنا بموته 

الممرّضة : هو عاد لمنزلكما ، كان عليكما البحث هناك اولاً 

- وجدناه خالياً .. اظنه اختبأ بمكانٍ ما .. وبعد رحيلنا ، عاد للمنزل الذي وجدتموه فيه 

الأم باكية : حقاً ظننا بوفاته ! 


الطبيب : وكيف سأثقّ بتسليمه لكما ، بعد ان تركتماه بهذه السهولة ؟!

الأب : نحن سنسافر لأوروبا قريباً ، وسنضعه في مدرسةٍ داخليّة تهتم بمرضه الصعب 

الممرّضة : مدرسةٌ داخليّة ! هذا بدل إدخاله لنادي رياضيّ ، للإستفادة من نشاطه الزائد ؟

الأب : النوادي تحتاج لمتابعة واهتمام ، ونحن لا قدرة لنا على ذلك .. حاولنا معه كثيراً دون فائدة ، سندعّ المختصّون يهتمون به .. هيا إعطنا ايّاه ، فعلينا التوجّه غداً لمطار العاصمة 


ولم يستطع الطبيب منعهم من اخذ ابنهم ، رغم حزنه هو وزوجته على مصير الصغير الذي سيتعقّد نفسيّاً بمدرسته الداخليّة الصارمة !

^^^


اما اهل الولد المتوحّد : فتفاجأوا من رؤيته يلعب بسعادة مع الحيوانات الناجية ، وهو ينطق بعض الكلمات لأوّل مرة في حياته ! مما جعلهم يقرّرون إدخاله لمدرسةٍ خاصّة بالمتوحّدين ، على امل تحسّنه في المستقبل القريب .. 

لكنه لم يقبل الذهاب معهم ، دون كلبه والقطتيّن والعصفوريّن.. فاستأذنوا الطبيب أخذها معهم للشقة التي استأجروها بالشمال ، والتي سيبقون فيها لحين بناء منزلهم بالجنوب من جديد

^^^


اما والدا المنغولي ، فرفضا اخذه ! لأنه عبء عليهما لشهيّته المُفرطة ، خاصة بعد تردّي احوالهما الماديّة بعد الحرب .. 

لكن قبل ذهابهما ، فاجأهما الجدّ (الذي ظلّ كوخه وحقله سليميّن طوال الحرب على الجنوب) بقدومه من القرية المجاورة للإهتمام بحفيده المنغولي الذي سيعلّمه الإعتناء بالحقل كمساعدٍ له !

^^^


اما الولد المُعاق عقليّاً ، فأغلق ابوه الإتصال مع الطبيب بعد رفضه استلامه! 

فقرّر الدكتور وزوجته العقيمة الإهتمام به ، فور إيجادهما منزلاً سليماً في الجنوب لاستئجاره .. وتعاهدا الإعتناء به ، كونه هو وبقيّة الأولاد بركة إلهيّة منعت الصواريخ من إصابتهم طوال الحرب المرعبة .. وذلك بعد إعادة الخادمة سالمة الى بلدها ، عقب تجربتها المريرة في لبنان الجريح ! 

***


ولم تمضي ايام على انتهاء الحرب حتى انشهرت قصة الطبيب والممرّضة اللذيّن أنقذا الأولاد الأربعة والخادمة ، كما اهتمامهما بالعجوز قبل وفاتها 


بينما لام المواطنون الأهالي المهملون الذين هربوا من الإعلام حتى هدوء الوضع المتوتّر بالبلاد ..

ليصبح الزوجان بطليّن بنظر اللبنانيين الذين لقبّوهم ب: الصامدون الأحرار! 


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

المنطقة المستهدفة

تأليف : امل شانوحة 

التفجير العشوائي


في ذلك العصر ، قرّر حسين النوم بعد عودته من العمل .. واستيقظ بعد ساعة على رنين جوّاله .. ليجد إعلاناً من اسرائيل على إستهداف محيط عمارته ، لاشتباههم بوجود صواريخ للمقاومة قريبة منها !


فنهض من فراشه مُرتعباً ، وهو يدرك انه لا يملك وقتاً كافياً لأخذ ما يريد ! فاكتفى بحقيبة ظهرٍ وضع فيها : اوراقه الرسميّة وشهاداته ، وبعض العملات النقديّة ، وصورة والديّه المتوفيّن..


ثم اسرع للشرفة ، مُحرّراً جميع عصافيره التي رعاها منذ صغرها.. 

ثم ودّع أسماكه بحوضه الكبير في الصالة ، بعينين دامعتيّن :

- اعتذر منكم ، لا يمكنني إنقاذكم


ثم حمل قطّته النائمة ..وأسرع بنزول الأدراج ، خوفاً من تعطّل كهرباء المصعد .. ليجد سيارته الوحيدة في الموقف ، التي قادها مُبتعداً عن مكان الإستهداف 

***


والغريب لم يكن هناك زحام في الشارع ، فقد وصل سريعاً للجسر المُطلّ على المجمّع السكني الذي فيه مبناه القديم ! 

ووقف قرب السّور وهو يحمل قطته ، مُراقباً عمارته من بعيد بحزنٍ وقهر 


وبعد دقائق.. دوّى انفجارٌ ضخم ، مُحدثاً اهتزازاً عنيفاً تسبّب بانهيار ثلاثة مباني من المجمّع السكني ، بما فيها عمارته .. ومع الركام المُتناثر ، مرّ شريط حياته امام عينيه .. ففي تلك العمارة القديمة عاش طفولته وشبابه ، وفيها توفيّ والديّه اللذيّن تركا الشقة إرثاً له .. وهاهي تختفي مع كل ذكرياته واحلامه ومستقبله !


ثم نظر لقطته التي راقبت الحدث معه بصمت ، بعد ان أخافها صوت الإنفجار الضخم !

حسين بحزن : تُرى هل تمكّنت من إنقاذ عصافيري ؟ فقلبهم الرقيق لن يتحمّل الإنفجار الضخم ، اليس كذلك يا بوسي ؟


وإذّ بأحد طيوره الزرقاء يقف على كتفه !

حسين باستغراب : يا الهي ! فرفور ، أهذا انت ؟!

فحاول العصفور التغريد ، رغم انفاسه المُتسارعة من الحادثة المرعبة !  

فأخذ يمسح ريشه بحنان ، لتهدئة روعه..

- اعلم ان الصاروخ ارعبك كثيراً ، لكني سعيد بنجاتك انت وبوسي 

وأخذهما الى سيارته الذي تساءل داخلها : 

- لا ادري الى اين اذهب ! فمعظم اقاربي هاجروا للعراق وإفريقيا.. (ثم ادار المحرّك).. حسناً لأبحث عن ملجأ ، قبل حلول المساء 

***


وفي طريقه لأحد المدارس التي فتحوها للنازحين ، شعر بنعاسٍ شديد مع غروب الشمس ! 

- يبدو انني مازلت مُتعباً ! سأغفو قليلاً ، قبل إكمال بحثي عن مكانٍ يأويني 


ثم نظر لبوسي :

- اعرف انك جائعة ، لكن حاولي ان لا تأكلي فرفور.. فغداً أوفّر لكما الطعام او أُطلق سراحكما ، والله يتكفّل بمصيركما ! 

ثم مسح رأس قطته التي استلقت في حضنه :  

- قبل شهور أنقذتك من قطٍّ شرس ، وأسكنتك بيتي .. والآن اعيش معك في الشارع .. يالها من حياةٍ بائسة ! 

ثم أرجع مقعده للخلف ، ونام مهموماً !

***


ليستيقظ في كهفٍ مُعتم ، امام شعلة النار !

حسين بصدمة : اين انا ؟!


وإذّ بصبيّةٍ جميلة تتوجّه نحوه ، وهي تحمل صينيّة مليئة باللحم والفواكه .. يرافقها صبيّ صغير يحمل ابريق الماء ! وهي تقول بابتسامة :

- لا تخفّ ، انت بأمان في بيتي

حسين بقلق : هل هذا حلم ؟!

- لا .. انا بوسي ، وهذا فرفور.. (وأشارت للصبيّ) 

حسين بخوف : لا افهم شيئاً !

- كنت جنّية فضوليّة ، اردّت اكتشاف عالمكم .. فخرجت بهيئة قطّة .. ولم امشي بضعة خطوات ، حتى تفاجأت بقطٍّ شرس لاحقني من شارعٍ لآخر ! لولا إنقاذك لي ، وأخذي الى منزلك الجميل .. والآن أردّ لك الديّن  

- تقصدين انني في عالم الجن ؟!

بوسي : نعم ، وتحديداً تحت عمارتك المُهدّمة


حسين بارتباك : قصتك صعبة التصديق !.. ماذا عنه ؟  

وأشار الى الصبيّ الذي اجابه : 

- انا ايضاً جني ، من عمّار البيت.. سكنت مع اهلي في زوايا منزلكم ، منذ ان اشتراه والدك قبل زواجه .. وكبرت معك .. لكني ملّلت البقاء في سقف منزلكم ، لهذا تجسّدت احد طيورك الجميلة 

حسين : الآن فهمت لما عصافيري تموت خلال شهرين ، ما عداك ! فأنت معي منذ سنتيّن تقريباً ! 

فرفور : سنتيّن وثلاثة اشهر .. لهذا انا الوحيد الذي نجوّت من الإنفجار ، بعد موت اهلي وأقاربي المتواجدين بشقق العمارات الثلاثة المُهدّمة

بوسي : ليت الأمر توقف عند هذا الحدّ .. فالعديد من العمّار (قبيلة من الجنّ) ماتوا في هذه الحرب العبثيّة ، لسرعة إنهيار المباني قبل هربهم منها ! لكن ارواحهم عادت الى هنا .. يمكنك النظر بنفسك


فخرج حسين من الكهف ، ليجد اسفل منه وادٍ سحيق مليء بالنسور! 

بوسي : ألقيت تعويذة اثناء نومك لتراهم بهيئة طير ، فأنت لن تتحمّل شكل الجن المرعب .. حتى انا سأظلّ صبيةً فاتنة ، الى ان تتعوّد على حياتنا

حسين بقلق : ولما صوت النسور عالي ، كأنها تنوي على الشرّ ؟! 

فرفور : همّ يخطّطون للإنتقام من العدوّ الذي دمّر منازلهم في عالم البشر 

حسين بتهكّم : وهل ستتمكّن الجن من محاربة اسرائيل بصورايخها المُدمّرة؟!

بوسي : لا تستهين بقوتنا .. (ثم قرّبت الصينيّة منه).. كلّ طعامك !! فأنت ستبقى في ضيافتي ، لحين تنفيذ إنتقامنا بالعدوّ .. حينها تقرّر مصيرك

***


واعتكف حسين في الكهف ، خوفاً من الجن المتواجدين في الوادي المظلم اسفل منه! 

الى أن اتى يوم ، قدمت فيه بوسي وهي تحمل مذياعاً قديماً :

- حسين استيقظ !! 

- ماذا هناك ؟! 

- إسمع الخبر بنفسك .. لقد انتقمنا لكم ، بدل الدول العربيّة التي تنام في سباتٍ عميق


فسمع الخبر بالمذياع : عن خسفٍ كبير حصل تحت مدرّج الطيران العسكري الإسرائيلي ، ادّى لاختفاء عشرات الطيّارات والمسيّرات غالية الثمن .. وفي المقابل لم يُرجّح الكيان الصهيوني ان يكون بفعلٍ ارهابيّ ، بسبب الخسف الذي يمتدّ لكيلومتريّن اسفل الأرض !


حسين بارتياح : أهذا يعني انتهاء الحرب على لبنان ؟!

بوسي : وعلى الدول المجاورة ، فهم يحتاجون وقتاً طويلاً لتعويض خسائرهم الماديّة ..

- إذاً أعيديني الى فوق ، فقد اشتقت لنور الشمس

- يمكنك العودة كقطّ او طير فقط

حسين بقلق : لم افهم قصدك !

بوسي : هل تظن نفسك حيّاً لترانا ؟

- ماذا تعنين ؟!

- بسبب نومك تلك الليلة ، كنت آخر من تلقّى إنذار التفجير بعد هروب جميع جيرانك.. ألم تلاحظ هدوء المبنى اثناء نزولك الأدراج ، عدا عن الموقف الخالي من سياراتهم ؟ 

حسين بقلق : وضّحي أكثر !

بوسي : بسبب تأخّرك بالهرب ، لم تتمكّن الخروج من المبنى الذي انهار فوقك .. لكني استطعت نقل روحك بمساعدة فرفور الى هنا ، قبل صعودها للسماء مع الضحايا الذين توفّوا ذلك العصر ! 


حسين بخوف : يعني انا الآن حيّ ام ميت ؟! 

- الموت عادةً يتأخّر في عالمنا .. فلوّ قرّرت البقاء هنا ، ستعيش قرن او قرنين ، وربما اكثر .. وإن أصرّيت على العودة لعالمك ، فهذا سيتوقف على عمرك كقطّ او طير ! 

حسين : بالتأكيد لن ابقى في هذه العتمة للأبد ، اكاد اموت من الملّل داخل الكهف 

- عالمنا كبيرٌ جداً ، ويمتدّ آلاف الكيلومترات اسفل عالمكم .. فإن وافقت على البقاء هنا .. سأهديك عينيّ القطط ، لترى في الظلام دون الحاجة لشعلات النار .. كما سأطلب من فرفور إهدائك جناحيّن ، لتطير كما تشاء داخل عالمنا .. وبذلك تتمكّن من استكشاف الأنفاق البشريّة والأخاديد الحجريّة ، كما سراديب المقاومين 

- وهل استطيع مساعدتهم في الحرب ؟ 

- لا طبعاً ، فأنت روحٌ خفيّة .. 


مقاطعاً : تقصدين شبح ؟ 

- بالتأكيد لن تصبح جنّياً ، فنحن في بُعدٍ كونيّ مختلف عن البشر 

حسين بحزم : اذاً أقرّر العودة الى بلدي كقطّ شوارع !! 

- كما تشاء .. لكني لن اجازف بخسارتك تحت وطأة الصواريخ ، لهذا ستصعد فور هدوء الوضع .. (ثم سكتت قليلاً).. رغم إحتماليّة ان تعاني بلادك من أزمةٍ اقتصاديّة بعد انتهاء الحرب ، حينها سيكون صعباً إيجاد من يتكفّل بك ويرعاك .. 

حسين مقاطعاً : انا مصرّ على قراري !!

- حسناً اهدأ ، ستتحرّر قريباً .. الى ذلك الحين ، يمكنك اكتشاف عالمنا منذ هذه اللحظة 


وألقت تعويذة عليه .. جعلته يمتلك عيوناً خارقة وجناحيّن ، حلّق بهما بحريّة اسفل بلدٍ لم يعرف الحرّية مُطلقا !


الجمعة، 25 أكتوبر 2024

التهجير الحديث

تأليف : امل شانوحة 

 

الحرب العبثيّة


في جنوب لبنان ، مساءً .. سمعت زوجها يصرخ في مكتبه غاضباً! 

وعندما دخلت ، رأته يشتم بصوتٍ شبه مسموع :

- الملاعين تخلّوا عني ! وطالما أحرقوا ورقتي ، فسيقتلونني حتماً

- ماذا حصل ؟

- لابد ان اهرب ، وبأسرع وقتٍ ممكن


وخرج باتجاه غرفة النوم .. وهناك أخرج حقيبة من الخزانة ، وبدأ بحزم ثيابه.. واضعاً رزمة من الدولارات في حقيبته اليدويّة

زوجته بقلق : ماذا تفعل ؟!

- سأهرب للعراق قبل ان يقتلني الحزب او اسرائيل

- انت من اعضاء الحزب المُهمّين ، ولك الحق ان تخاف من اسرائيل بظلّ الحرب الراهنة.. لكن لماذا انت خائف من الحزب ؟!

الزوج بعصبيّة : لأني عميلٌ مزدوّج ، هل فهمتِ الآن ؟!!

بصدمة : أتقصد .. خائن ؟!

- ولما تقولينها باشمئزاز ؟

الزوجة : لأنه من السّفالة ان تخون بلدك لأجل اسرائيل ! ..رجاءً لا تقلّ انك تسبّبت في مقتل قادة الحزب والمقاومين ؟


الزوج : وهل تظني انني العميل الوحيد بالبلد ؟ ثم انت لم تعترضي حينما اشتريت هذه الفيّلا ، وملأت خزنتك بالذهب والمجوهرات ، لم تسأليني وقتها من اين أحضرت كل هذا المال !!

- ولوّ كنت سألتك ، هل ستجيبني ؟ لطالما منعتني من التدخل بعملك.. ولوّ علمت انه مالٌ حرام لكنت ..

مقاطعاً بتهكّم :

- وكأن الأمر متوقفاً على المال ، ألا أُعتبر ضالّاً حسب ديانة اهلك ؟

الزوجة : أهذا ذنبي لأني تزوّجتك رغماً عنهم ، وبسببك قاطعوني سنتيّن.. حتى انهم لم يروا ابني حتى الآن !

- أتدرين عزيزتي ، امي معها حقّ .. كان عليّ الزواج من طائفتي ، لا من طائفة اعدائي

الزوجة بدهشة : الآن اصبحت عدوّةً لك !


الزوج بضيق : إسمعيني جيداً !! لا وقت لديّ للجدال ، فحياتي بخطر ..وعليّ السفر برّاً من طرقٍ غير شرعيّة للوصول للعراق ، قبل ان يقتلني الحزب او تتخلّص مني اسرائيل بعد انكشاف أمري

- وماذا عني وعن ابنك ؟!

الزوج : الم ينتقل اهلك للشام مع بداية الحرب ؟ إذهبي اليهم

- لا اظنهم يستقبلونني ! على الأقل خذّ ابنك معك

- هل انت غبيّة ؟!! سأذهب برّاً لمسافةٍ طويلة ، فهل سأفضح نفسي بصراخ ابنك الرضيع ؟!

الزوجة بحنف : أفهم من هذا إنك ستتخلّى عن طفلك ؟!!

- هذا ان كان ابني اصلاً

فصفعته بقوة :

- انتم من لديكم المتعة وليس نحن ، ايها الحقير !!


الزوج بحزم : إلتزمي حدودك !! يكفي انني تركت لك رزمة من الدولارات في الخزنة.. ووصّيت حارسي الشخصيّ الإهتمام بكما ، فهو سوري الجنسيّة ويمكنه إيصالك الى اهلك بسلام

وهنا رن هاتفه ..

الزوج : ((نعم نعم .. انا جاهز))

وأغلق المكالمة.. قائلاً لزوجته على عجل :

- سائقي بانتظاري ..عليّ الإبتعاد من هنا في عتمة الليل.. وأنصحك بترك الفيّلا قبل قصفها 

ثم خرج من منزله مُسرعاً ، دون توديع ابنه النائم !

***


في منتصف الليل.. إستيقظت السيدة على صوت مُسيّرة (طائرة درون) تُحلّق على ارتفاعٍ منخفض ! فأسرعت بإيقاظ الحارس الذي يسكن في ملحق الفيّلا :

- علينا الهرب بسرعة من هنا !!

الحارس : وهذا رأيّ ايضاً .. فمعلمي أخبرني بانكشاف أمره للحزب ، لهذا ستقوم اسرائيل بتصفيّته قريباً

السيدة : وهل كنت تعلم بخيانته للوطن ؟!

- لا سيدتي ، أخبرني بذلك قبل رحيله 

- هرب الجبان ، وتركنا وحدنا !

- لا تقلقي ، سأجهّز السيارة بالحال

السيدة : تعال اولاً لحمل ابني دون ايقاظه ، وانا سأحضّر بعض الأغراض المهمّة.. ودعنا نخرج من هنا بأسرع وقتٍ ممكن

^^^


وما أن ابتعدوا عن محيط المنزل ، حتى دوّى إنفجارٌ هائل خلفهم ! حوّل الفيّلا الفخمة الى ركام ، خلال ثوانيٍ قليلة !

السيدة بفزع : يا الهي ! هربنا بآخر لحظة.. رجاءً إسرع !! اخاف ان يلحقوا بسيارتنا ، ظنّا بأن طليقي معنا

الحارس باستغراب : طليقك !

- نعم ، فاللعين ترك ورقة الطلاق في الخزنة ! حتى انه لم يجرأ على إخباري بذلك قبل هربه المُشين

- لا تحزني سيدتي ، فهو خائنٌ حقير.. ولوّ كنت اعلم بذلك ، لما عملت عنده..

- وما كنت تزوّجته ، وأغضبت اهلي لأجله ! رحمك الله يا جدتي ، كانت تقول دائماً : ((يلّي بياخد من غير ملّتو ، بيموت بعلّتو)) .. ولم افهم المثل إلاّ الآن!


الحارس : وماذا تنوين فعله ؟

- إنتقل اهلي للشام قبل اسبوعين .. سنتوجّه اليهم ، مع العلم مُسبقاً انهم سيرفضون استقبالي !

- ربما يحنّون بعد رؤية حفيدهم

السيدة بحزن : لن يعترفوا به اصلاً ، طالما من طائفة والده

- هو مازال صغيراً ، ويمكنك تربيّته على ديننا

السيدة بدهشة : ديننا ! الست من ..

الحارس مقاطعاً : لا .. أخبرت زوجك بذلك لحصولي على الوظيفة ، بعد هربي من قصف حلب 


فتنهّدت بارتياح : الآن تأكّدت انني بأيدٍ أمينة

- لا تقلقي لشيء ، المهم ان نخرج من البلد.. وطالما زوجك شخصيّةً معروفة بالحزب .. فالأفضل الإبتعاد عن الحدود ، كيّ لا نعلق لساعات بتحقيقات الحرس المُتعبة

السيدة : وماذا سنفعل ؟

- اولاً نسير باتجاه شمال لبنان .. ومن هناك ، نسلك طريقاً غير شرعيّ لسوريا.. مع إبتعادي قدر الإمكان عن المناطق المُستهدفة من العدوّ 

- حسناً ، إفعل ما تجده مناسباً .. المهم ان لا تعرّضني انا وطفلي للخطر

الحارس : بالتأكيد لن افعل ، فأنا حارسك الأمين

^^^


ومن حدود لبنان الشماليّة .. قاد سيارته في طريقٍ صخريّ ، بعيداً عن الطريق المعتادة بين الدولتيّن ..مُغلقين نوافذهم بعد زيادة البرودة في فصل الخريف .. وهما يراقبان من بعيد ، خط السير الطويل المليء بسيارات النازحين !

السائق : مع ذلك الزحام لن نصل لوجهتنا الا بعد يومين ، اتمنى ان لا تلاحقنا دوريّة الحدود لسلكنا الطريق الجبليّ الغير شرعيّ

السيدة بحزن : هاهم هجّرونا من جديد ! فريقٌ ذهب للعراق وفريقٌ للشام .. وبعضهم لتركيا والأردن 

- انه التهجير الحديث ، هدف اسرائيل لبناء دولتهم الجديدة .. اعاننا الله وإيّاكم على خططهم الشريرة 


وهنا بكى طفلها جوعاً ، فقالت بضيق وهي تحاول تهدأته :

- لم أُحضر ما يكفي من الحليب لهذه الرحلة الطويلة ، ماذا افعل الآن؟!

الحارس : هناك خيام على مقربة منا ، ربما تعود لعرب او غجر .. وأكيد لديهم غنم ، سأطلب منهم بعض الحليب .. لكن إبقي الأبواب ونوافذ السيارة مُغلقة ، ولا تفتحي لأحد .. فنحن نسلك طريق المُهرّبين ، والخارجين عن القانون

- معي ٥٠ دولاراً ، أعطه لهم مقابل طعامٍ لنا 

- ٢٠ دولار تكفي ، فهناك فرق عملة بين الدولتيّن


وبالفعل وافق البدوّ على هذا المبلغ البسيط ، لإعطائهم قارورة حليب وبعض خبز الصاجّ الذي أكلته السيدة والحارس بشهيّة بعد سيرهم لساعاتٍ طويلة بأرضٍ مُقفرّة

***


وقبل وصولهم لسوريا ، عصراً .. حصل انفجارٌ ضخم في منطقة الحدود بين الدولتيّن ، أفزعت الصغير الذي بكى بعلوّ صوته .. فحاول الحارس تهدئة الأم بصعوبة :

- القصف بعيدٌ عنا .. رجاءً اهدأي لأجل طفلك ، فصراخك يرعبه

وهي تمسح دموعها بفزع : ظننتهم يلاحقوننا !

الحارس : اليهود لديهم خبراء بتتبّع خطوط الجوّالات .. وأكيد عرفوا بهرب طليقك للعراق.. هذا إن لم يقتلوه ، قبل وصوله الى هناك..

- لا يهمّني مصير اللعين !! المهم ان نصل آمنين للشام

- إن شاء الله نصل للعاصمة مساءً ، فأنا اقود بسرعةٍ معتدلة كيّ لا الفت الأنظار اليّ .. حاولي إطعام الصغير ، كيّ يهدأ قليلاً

***


وفي الساعة الثامنة ليلاً ، وصلوا اخيراً للمنطقة المنشودة بسوريا .. بعد ان امضوا ساعات طويلة بالطريق الوعرة .. 

وخلال ذلك اليوم الطويل ، شعرت السيدة بحرص حارسها وخوفه عليها على طفلها ((خاصة عندما حاول بعض اللصوص سرقتهم ! لكنهم هربوا بعد تعاركه معهم بالأيديّ ، مما تسبّب له برضوض وخدوش .. فقامت بتضميد جروح الحارس من علبة الإسعافات الموجودة بسيارته.. حينها قال حارسها بألم :

- لا تقلقي عليّ.. فأنا مستعد للموت ، على السماح لهم بلمسك او خطف ابنك

فردّت بحزن : لن انسى شهامتك ابداً.. فديّتني بنفسك ، في الوقت الذي فضّل فيه طليقي النجاة بنفسه ! الله عوّضني بك ، وإلاّ لما عرفت كيف سأتصرّف بعد انفجار بيتي

- المهم ان أُوصلك لأهلك سالمة ، فهذه مهمّتي وواجبي اتجاهك))


كانت تلك المحادثة تُشغل تفكيرها ، حينما أخبرها وهو يتثاءب بنعاس :

- بقيّ شارعان ، ونصل لمنزل اهلك 

السيدة : دعني أقود عنك ، فأنت لم تنمّ منذ البارحة

- اوصلك لبيت اهلك اولاً ، ثم استريح بالسيارة .. وبعدها ابحث عن مكان انام فيه

- انت سوري ، اليس لديك بيتٌ هنا ؟!

الحارس بحزن : بيت اهلي تهدّم بحرب حلب .. وامي للأسف ، توفيّت تحت ركامه.. مما أفقد ابي اعصابه ، فصار يشتم الدولة.. فقبضوا عليه المخابرات ، ومات تحت التعذيب في سجونهم.. الملاعين ، لم يرحموا كبر سنه !

- آسفة ، لم أقصد تذكيرك بماضيك الحزين

الحارس : نحن السوريين نعاني منذ سنواتٍ طويلة من الحكم الجائر.. نتمنى ان يرحمنا الله وإيّاكم من هذه الحياة الصعبة

- آمين.. (ثم اشارت بيدها) .. آه ! هناك .. المبنى الأصفر.. ذلك منزل عمي الذي انتقلوا اليه اهلي بعد الحرب

الحارس بارتياح : الحمد الله على السلامة


وبعد قليل .. نزلت من السيارة ، وهي تقول :

- إذهب لتستريح ، فقد أديّت مهمّتك على أكمل وجه

^^^


وشاهدها وهي تصعد المبنى ، حاملةً رضيعها وحقيبتها .. لكنه شعر بأن عليه الإنتظار قليلاً ، فهي على خلاف شديد مع اهلها بعد زواجها من طائفةٍ أخرى


وكان ظنه في محله ، فلم تمضي نصف ساعة حتى شاهدها تنزل باكية برفقة طفلها.. فأطلق بوق السيارة للفت نظرها.. فتوجّهت اليه ، غير مُصدّقة بعدم رحيله بعد !


وعندما ركبت ، اخذ منها طفلها النائم وهو يحاول تهدأتها :

- ماذا حصل ؟

فأجابت بقهر : طردوني ! قالوا انهم عدّوني ميتة بعد عصياني امرهم بزواجي من ذلك الفاسد ، خاصة بعد سماعهم إشاعة عمالته لإسرائيل !

الحارس : توقعت ذلك.. حسناً ، إمسكي ابنك..

- الى اين سنذهب ؟

- اليس معك ما يكفي من الدولارات ؟

السيدة : هل ستستأجر منزلاً لي ؟

- منزل مع محل صغير ، أحوّله لمطعم شاورما ..فهذه مهنتي قبل انتقالي الى لبنان.. وسأنام بالمحل لحين انتهاء عدّتك .. وفي حال وافقتي على الزواج بي ، أتكفّل بإبنك طوال حياتي.. فمالا تعرفينه عني : انني تطلّقت مرتيّن بسبب عقمي ! لهذا سأعدّه ابني .. طبعاً في حال وافقتي على الزواج من فقيرٍ مُفلس

- وهل تظنني غنيّة بعد تخلّي طليقي عني بماله الحرام ، ورفض اهلي الإعتراف بي وبحفيدهم ؟ ..على الأقل ، سيكون مالك حلالاً 


الحارس بسعادة : يعني موافقة ؟!

- انت أثبتّ بأن الرجولة مواقف.. فوالد ابني هرب للعراق ، وتركني اواجه الموت مع طفله ..لولا شجاعتك بتهريبنا الى هنا

- اعدك بعد زواجنا ان اكون زوجاً واباً جيداً لإبنك الذي لن نخبره شيئاً عن والده الحقيقي الخائن

السيدة : لا يشرّفني ان يعرفه اصلاً.. (ثم نظرت لجوالها) .. حتى انه لم يتصل ليخبرني إن وصل سالماً للعراق ، او يطمئن على خروج ابنه حيّاً من لبنان ! 

الحارس : لا تقلقي لشيء ، فنحن في بلد الخير .. الا تعلمين ان الشام هي موطن الخلافة الإسلاميّة القادمة ، بينما العراق سيظهر فيها جبل الذهب الذي سيبيدون بعضهم لأجله ؟ 

- أتظن الخلافة ستكون بزماننا ؟!

فربت على ظهر طفلها النائم :

- إن لم تكن بزماننا ، فستكون حتماً بزمان البطل الصغير .. لهذا سنحرص على تربيّته على الدين الصحيح


فأومأت برأسها موافقة ، وهي تبتسم لحارسها الأمين بحنانٍ وامتنان!


السبت، 12 أكتوبر 2024

العميل الخائن

تأليف : امل شانوحة 

المنطقة المُستهدفة 


في منطقةٍ أمنيّةٍ مُشدّدة ، سكن فيها معظم المقاومين والقادة .. والتي عُدّت لسنوات مكاناً آمناً ، بسبب التفتيش الدقيق عند مدخل المجمّع..إندلعت الحرب ، لتُصبح اكثر منطقة خطرة بعد إستهداف العدوّ لمنازل المطلوبين فيها ! 

وفور هروب الحرس المسؤولين عن أمن منطقة الأثرياء ، تكاثر وجود اللصوص الذين يبحثون بين ركام الفلّل عن المال والذهب .. ليتفاجأوا بأن معظم البيوت خلت من الأشياء الثمينة ! 


وفي خُضمّ المعارك التي استمرّت اكثر من شهرين .. ذاع صيت مواطنٍ مُغترب تنقّل بين الأحياء ، لطمأنة النازحين (المشرّدين من بيوتهم) على بنائه مساكن لهم فور انتهاء الحرب ! مما جعله مُهاباً في المنطقة الأمنيّة التي سكن بها مُؤخّراً ، رغم خوف اتباعه الجدّد من إصابته بصواريخ العدوّ

***


وفي يوم ، إستهدف القصف مبنى سكنيّ من ثلاثة طوابق.. قتلت جميع سكّانه ، ما عدا رجلٍ كان ينام في الشرفة (حسين ، الضابط في الأمن العام) .. 

ومن قوّة الصاروخ الفراغيّ ، سقط فوق شجرة بموقف سيارات مبناه .. جعله الناجي الوحيد هناك !


وفي المستشفى .. لاحظ حسين إختفاء عقده الذي يضع فيه خاتم زوجته المتوفاة ، والذي لم يزله من رقبته لسنوات ! 


فسأل الممرّضين عنه ، حتى رجال الإسعاف الذي نقلوه للطوارئ .. لكن لا احد منهم رأى العقد الذي يصعب وقوعه بالإنفجار ، لقصر طوقه ! وقد ضايقه هذا الموضوع ، اكثر من خسارة شقته .. 


وبعد خروجه من المشفى ، إنتقل للعيش عند اقاربه في المبنى المجاور للعمارته المُهدّمة ، والتي تضرّرت بشكلٍ بسيط من الصاروخ المُوجّه بدقّة نحو الهدف !

***


وبعد ايام ، واثناء جلوسه بشرفة منزل قريبه .. لاحظ أمراً لافتاً : وهو رجل التوصيلات يدخل للمبنى المجاور .. وهو يشبه الرجل (مُخفياً وجهه بخوذة دارّجته الناريّة) الذي دخل عمارته قبل الإنفجار بقليل !

فقال حسين في نفسه ، بدهشة :

((يالا قوّة قلبك ! مازلت توصل الطلبات ، رغم نجاتك من الموت بإعجوبة المرّة الفائتة ؟!))


وظلّ يراقبه من الشرفة ، لحين نزول الدليفري وهو يحمل حقيبة ظهره بصعوبة ! 

حسين : ترى ماذا اعطوه الجيران ، ليمشي بصعوبة كأنه يحمل طوباً ؟!


وهنا شعر برغبة للنزول من المبنى وملاحقة رجل التوصيلات ، لربما يحصل منه على عنوان المطعم الذي مازال يعمل رغم القصف العنيف لهذه المنطقة بالذات !


ولحقه بسيارته ، الى أن دخل الدليفري الى منزل المغترب الشهير ! فظن حسين بأن الثريّ طلب طعاماً ، فهو بالنهاية يسكن وحده 

لكنه استغرب من عدم خروج الدليفري لوقتٍ طويل !

حسين : مابه تأخّر هكذا ؟! اريد سؤاله عن رقم المطعم ، لربما أعزم اهل قريبي على استضافتهم لي

***


وبعد قليل ، قرّر حسين الذهاب للسوق.. 

وبعد ساعتين .. مرّ بجانب منزل الثريّ ، ليجد درّاجة رجل التوصيلات مازالت في الخارج !

حسين : هل الدليفري يعمل حارساً في منزل المغترب ؟! بدأت أشكّ بأمره! 


ولأن حسين يعمل ضابطاً ، خطر بباله البحث عن ماضي الثريّ الذي ظهر فجأة ، ليصبح معشوق النازحين الذي وعدهم بإصلاح حالهم فور انتهاء الحرب ! 

ليكتشف امراً صادماً ..فهذا المغترب تسرّح حديثاً من سجن اوربي بعد اتهامه بعدة سرقات من سطوّ منازل ومحال تجاريّة ، حيث أمضى شبابه مُتنقلاً بين السجون ..وعاد للبلد قبل ايام من بدء المعارك ! وفور سكنه بالمنطقة الآمنة ، زادت حالات قصف منازل القادة ومقاومين.. 


والشيء المشترك : ان جميع المنازل المُستهدفة ، خلت تماماً من المال والذهب حسب اقوال اللصوص الذين قُبض عليهم هناك ! 

حينها تذكّر حسين بأن خادمته فتحت الباب لشخص اثناء وجوده بالشرفة ، وبعدها لاحظ دخاناً اصفراً ينتشر في منزله .. وقبل استسلامه للنوم المفاجئ ، سمع طائرةً حربيّة تحلّق فوق المكان ، قبل دقائق من قصفها العمارة !


كما تذكّر محاولته الوقوف مترنّحاً لرؤية الخادمة التي لم تستجب لندائه ، ليلاحظ نور ليزر يتحرّك على شرفته.. كأن أحداً من الشارع يُشير للمبنى ، قبل ثواني من دويّ الإنفجار الكبير !


لهذا قرّر حسين مراقبة الثريّ بصمت دون إخبار مركزه ، كيّ لا يطردوه من العمل .. فالمغترب اكتسب مكانةً كبيرة بين الأهالي ، وبوقتٍ قياسيّ بسبب مساعداته الإنسانيّة لهم !

***


وفي إحدى الليالي ، واثناء مراقبته منزل المغترب .. شاهد خروج الدليفري (بخوذته السوداء) وهو يقود درّاجته باتجاه إحدى الفللّ .. 


بعدها شاهده وهو يخرج من الفيلا ، حاملاً حقيبة الظهر الثقيلة .. ليقف بعيداً ، وهو يشير بقلم الليزر نحو المبنى مع اقتراب طائرة العدو المُسيّرة (درون) ..


ولم تمضي دقائق ، حتى قُصفت الفيلا بصاروخٍ من بارجةٍ بحريّة .. حوّلتها لأحجارٍ مُتناثرة !

حينها تأكّدت شكوك حسين من أن الثريّ هو عميل للعدو ! إستغلّ مكانته الزائفة بين الناس للتحرّك بحرّية بأرجاء المنطقة المشدّدة امنيّة ، دون قيام الحرس بتفتيشه او تفتيش منزله كبقية سكّان المنطقة! 


وبسرعة أبلغ حسين قادة الحزب بما حصل ، مُرسلاً لهم فيديوهات المراقبة التي سجّلها على جوّاله.. ليسارع حرس الحزب باقتحام منزل الثريّ الذي امتلأ بالذهب والمال والحواسيب والجوّالات المسروقة من المنازل المُستهدفة قبل تفجيرها ! ومنها عقد حسين الذي فيه خاتم زوجته (الذي سرقه منه ، اثناء إغماءته في الشرفة) 

***


وبعد التحقيق العنيف معه .. إعترف بأنه لصّ محترف ، عاد لوطنه للإستفادة من الإضطراب الشعبيّ مع تصاعد وتيرة الحرب.. وانه شعر بالأسى على كل المباني التي هُدمت دون سرقتها ، وإهدار الأشياء القيّمة في الشقق المُدمّرة ! 


لهذا خطر في باله التنكّر كرجل توصيلات .. وعندنا يفتحون الباب ، يرمي قنبلةً دخانيّة ، تخدّر الساكنين بالشقة قبل سرقته للأشياء الثمينة الصغيرة 


وبعدها يُشير لطائرة درون بقلمه الليزر على المبنى الذي فيه الرجل المطلوب أمنيّاً ، ليقوموا بتفجيره ! 

وحاول تبرير فعلته : بأن المستهدفين ميتون بجميع الأحوال ، لكن بفضله ماتوا نياماً دون شعورهم بالخوف او الألم .. وانه باع الكثير من الذهب المسروق لمساعدة النازحين بنيّة الحصول على دعمهم ، للترشّح للإنتخابات القادمة .. 


وبسبب جرمه الكبير ، قرّر القائد إعدام العميل الذي تسبّب بمقتل اهم مقاومي الحزب.. لكن حسين كان له رأيٌ آخر : وهو الجزاء من جنس العمل 

وقام بربطه بإحدى المنازل المهجورة .. ثم الإتصال بالعدو من جوّال المغترب .. بعدها تنكّر حسين بزيّ الدليفري ، وهو يشير بذات قلم الليزر على المنزل .. ليسارع العدو بإرسال طائرته الحربيّة .. بينما المغترب مُقيّداً بالداخل وهو منهار بالبكاء ، كلما زاد هدير الطائرة منه .. لتتناثر اشلاء الخائن مع شظايا المبنى المُهدّم ، ويصبح عبرة لكن من سوّلت نفسه خيانة الوطن !


الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

الحب الصعب

تأليف : امل شانوحة 

 

الرهينة البريئة


قبل تحريك سيارتها ، تفاجأت بقماشةٍ رطبة تُطبق على انفها من الخلف ! وقبل إغمائها ، شاهدت الخاطف المُقنّع من المقعد الخلفيّ لسيارتها


بعد قليل ، سمعت صوتاً يأمرها النزول من السيارة.. وبصعوبةٍ بالغة فتحت عينيها ، لترى المُقنّع المُسلّح يسحب ذراعها بعنف.. ولشعورها بالدوّار ، سقطت بقوّة على الأرض !

فتنهّد الخاطف بضيق : 

- اللعنة ! هذا ما كان ينقصني


وحملها مُرغماً الى منزلٍ يبدو بعيداً عن بقيّة المساكن (هذا ما لاحظته مع ضبابيّة الرؤية بسبب المخدّر) 

ثم رماها فوق فراشٍ بسيط في غرفةٍ فارغة ، وهو يقول :

- ستبقين هنا الى أن يُقرّر القائد مصيرك ، ايتها الخائنة

فقالت بدهشة وتعب : ماذا تقول ؟! من انت ؟ ومن قائدك ؟ انا لا افهم شيئاً!

- سأحبسك بالغرفة لحين وصوله من السفر 


ثم أقفل الباب عليها .. فحاولت الوقوف .. لكنها عادت للسقوط ، غائبةً عن الوعيّ فوق الفراش الصوفيّ !

***


في المساء ، شعرت بيدٍ تُبعد غرّتها عن وجهها بحنان ! لتلمح عيون الخاطف (من خلف قناعه) وهو يتأمّلها اثناء نومها.. فتكوّرت على نفسها ، بخوف :

- ماذا تريد مني ؟!

- لا تقلقي ، لن ألمسك كيّ لا أُغضب القائد

- من قائدك ؟ ولما أمرك بخطفي ؟!


لكنه لم يجيبها ، بل اكتفى بالإشارة لشطيرةٍ امامها مع قارورة ماء

- كلي عشائك.. وستجدين بزاوية غرفتك ، حمام صغير خاصٌ لك.. سأحسن ضيافتك ، رغم خيانتك للبلد

فقالت بدهشة : خيانتي للبلد ! ماذا تقصد ؟!

الخاطف : لا يحقّ لي قول المزيد

- رجاءً أخبرني بما يحصل !!


لكنه تجاهلها ، مُكملاً طريقه نحو باب الغرفة .. فنادته بنبرةٍ مُنكسرة:

- على الأقل دعني أتصل بأهلي ، لأخبرهم بأني نائمة عند صديقتي

الخاطف : هل انا مجنون لأعطيك جوّالك ، حتى تتصلي برؤسائك لقصف المكان

- عن ماذا تتحدث ؟! انا امرأة بسيطة ، ولا دخل لي بالعمليّات العسكريّة !

بعصبية : إخرسي !! ونامي بهدوء


وأقفل الباب من جديد ، وتركها مُحتارة مما سمعته !

***


واستمرّ الوضع عدّة ايام.. إعتاد فيها الخاطف وضع الطعام امامها ، والخروج من الغرفة دون التحدّث معها .. لهذا لم تتعرّف عليه (بقناعه السميك) والذي أصرّ على كتمان شخصيّة من أمره بخطفها! 


ومن وقتٍ لآخر .. شعرت بالخاطف يدخل غرفتها ، ليسرح بجمالها الناعم اثناء نومها ! وبدورها تظاهرت بالنوم ، خوفاً من إعتدائه عليها

***


وفي إحدى الليالي.. تنصتّت على الباب ، لسماع حديثه على الجوّال :

((الو .. سيد علي ، تأخّرت كثيراً بالعودة للبنان ! نعم أعرف بإغلاقهم المطار بعد الغارات الإسرائيليّة على الجنوب ، لكن ماذا بشأن حبيبتك ؟ أقصد طالما انت متأكّد من خيانتها للحزب ، فدعني أقتلها.. حسناً اهدأ سيدي .. لن ألمسها ، لحين إيجادك طريقة لأخذها من هنا.. تصل بالسلامة))


وأغلق الخاطف المكالمة ، وهو يتمّتم بضيق :

- ياله من رجلٍ عنيف ! مالذي جعلني اعمل لديه ؟! 

ثم اتصل بشخصٍ آخر :

((لن اسامحك ابداً !! فأنت ورّطتني مع السيد علي .. ما دخلي انا بخطف النساء ؟ انا قنّاصٌ محترف ، ولست حارساً لخطيبته الحسناء!!))


وهنا فهمت زينب جزءاً مما حصل ! وانتظرت إنهاء مكالمته ، لطرق باب غرفتها بقوّة ..

الخاطف بضيق : ماذا تريدين الآن ؟!

- رجاءً إفتح الباب ، اريد محادثتك بأمرٍ مهم


فلبس قناعه قبل فتحه القفل :

- ألم تتناولتي عشائك قبل قليل ؟ ماذا تريدين ايضاً ؟!!

- هل (علي المولى) هو من أمرك بخطفي ؟!

الخاطف بقلق : هل كنت تتنصتين عليّ ؟!

فردّت بعصبية : بماذا اتهمني اللعين ، بعد رفضي الزواج به ؟!!

- وكيف ترفضينه وهو من قادة الحزب المُهمّين ؟!

- لأنه عنيفٌ جداً ، وهناك شكوك من كونه عميلاً لإسرائيل


فضحك الخاطف ساخراً :

- أهو العميل ام انتِ ؟

- بالله عليك ..لما تجنّدني اسرائيل وانا لم أكمل تعليمي ، ولا دراية لي بالأمور التقنية او العسكريّة ، ولا أتقن لغة العدو ؟

الخاطف : لا علم لي بمن تكونين .. لكن طالما قائدي أخبرني انك خائنة للوطن ، فستبقين هنا حتى يفتحوا المطار .. وهو يتصرّف معك على طريقته

- الم تفهم انه ينتقم مني ، لرفضي له ؟ .. فأنا لا دخل لي بالتجسّس والعمالة ، صدّقني !!

- لن أصدّق حرفاً مما تقولينه


وقبل خروجه من الغرفة ، أمسكت ذراعه بقوة :

- رأيتك اكثر من مرة ، وانت تتأملني اثناء نومي .

فارتبك قائلاً :

- إيّاك إخبار السيد علي بذلك !

- أتدري ما سيفعله إن أمسك بي ؟ سيعتدي عليّ مراراً ، قبل قتلي .. هذا إن لم يستمتع بتعذيبي اولاً.. هل تقبل بتشويهه جمال الفتاة التي انت مُعجبٌ بها ؟


وقد هزّ كلامها كيانه ! لكنه اكتفى بالخروج السريع ، وإقفال الباب عليها من الخارج

فطرقت الباب بقوة ، وهي تقول :

- على الأقل تحقّق من براءتي ، كيّ لا تندم طوال حياتك !!!

^^^


ولم يستطع الخاطف النوم تلك الليلة ، وهو يتساءل في نفسه :

((أمعقول انه اتهمها ظلماً للإنتقام منها ؟ أيعقل ان يكون هو الخائن ؟! سأتحقّق من الأمر بسرّيةٍ مُطلقة .. لأني حقاً لا اريد لأحدٍ أن يلمسها ، حتى خطيبها السابق .. يبدو انني اغار عليها بالفعل !))

***


وخلال الإسبوع التالي .. بدأ تحقيقه في الملفات والمعلومات التي وصلت لإسرائيل ، والتي كانت السبب في اغتيالاتٍ متواصلة لقادة الحزب في الحرب الجارية على لبنان.. ليستنتج بأن معظم من استهدفهم العدو الفترة الماضية كانوا على عداوة مع علي الذي يبدو انه يختبئ بالغربة لحين انتهاء الحرب ! 


وظلّ الخاطف يبحث في مكتب قائده الى ان وجد قصاصات داخل آلة تمزيق الورق ، عبارة عن فاكس بلغةٍ عبريّة : لحوالةٍ ماليّة لعلي ، بعد إرساله معلومات عن ضحيّة قُتلت قبل يومٍ واحد من سفره ! حينها تأكّد من كلام زينب الذي عاد اليها .. لتتفاجأ بدخوله دون قناع هذه المرة !


الخاطف : معك حق ! علي هو الخائن ، وأراد توريطك بدلاً منه

زينب : هل صدّقتني الآن يا ..

- إسمي حسين .. إسمعيني جيداً يا زينب !! علينا الهرب فوراً ..فقد علمت قبل قليل أن علي تسلّل الى لبنان بحراً ، وهو في طريقه الى هنا

^^^


وأسرعت بركوب سيارة الخاطف المُظلّلة التي تنقّل بها في شوارع مظلمة ..قبل إيقافها بين الجبال !

زينب بقلق : اين نحن ذاهبان ؟!

حسين : سنكمل سيراً على الأقدام .. هيا إمسكي يدي ، فالطريق وعرة

^^^


وبعدها نزلا في إحدى الأنفاق السرّية للحزب ، حيث رُصّت الأسلحة والصواريخ على كلا الجنبيّن ! لذلك مشيا بحذر وهما يُضيئان كشّافاتهما اليدويّة .. الى أن وصلا للمقرٍّ في الأسفل ، مليئاً بالجنود المحاربين الذين تفاجأوا بوجودها بينهم !

فسأله القائد العسكري : من هذه يا حسين ؟!

- زوجتي

فنظرت زينب اليه بدهشة ! لكنها فهمت من نظرته ، انه يريد حمايتها من كتيبة الشباب المتواجدين هناك.. وأكمل قائلاً :

- آسف لإحضارها الى هنا ، لكنهم قصفوا بجانب منزلي وأردّت حمايتها

القائد : اذاً استخدما الغرفة الداخلية

حسين بامتنان : شكراً سيدي

^^^


وأدخلها الغرفة وهو يقول :

- إقفلي الباب على نفسك ، ولا تفتحي إلاّ لي.. فنحن سنمثّل امامهم اننا مُتزوجيّن

زينب بقلق : وهل ستنام معي بالغرفة ؟!

حسين : مُضّطر لذلك.. لكن لا تقلقي ، سأفترش الأرض بينما تنامين على السرير الحديديّ.. سنبقى هكذا الى ان أجد طريقة لتهريبك خارج البلاد.. المهم ان لا يعرف احد انك خطيبة علي ، وإلاّ سنقع في ورطةٍ كبيرة

***


وأمضت زينب هناك عدة ايام .. وهي تستمع لإطلاق الصواريخ من النفق ، مع تهليلات النصر كلما ضربوا مراكز مهمّة بإسرائيل ! 

بينما انشغل حسين باتصالاته الخاصة لتهريب زينب الى قبرص ، قبل عثور علي عليهما او نجاح اسرائيل بقصف النفق بمن فيه !

***


وبإحدى الليالي ، أيقظها حسين وهو يهمس لها :

- هيا بنا

زينب بقلق : الى اين ؟!

- سنسافر بحراً الى قبرص 

- ألن أودّع اهلي ؟

حسين مُنبّهاً : إيّاك الإتصال بأحد ، لحين تخلّصنا من الخائن علي الذي يبحث عني في كل مكان ، ليقتلني بعد تهريبك منه

***


وبالفعل وصلا الى قبرص بعد رحلةٍ بحريّةٍ طويلة.. واستأجرا بيتاً صغيراً ، كلاً لديه غرفته الخاصة 

***


وبعد اسبوع ، قالت له :

- لا يمكننا المتابعة هكذا

حسين : ماذا تقصدين ؟

- دعنا نتزوّج

بدهشة : أحقاً !

زينب : ربما ان عرف علي بزواجنا ، يتركنا وشأننا

- انا اعرفه اكثر منك ، لا شيء سيُهدّئ باله إلاّ قتلنا

- أفهم من ذلك انك ترفض فكرة زواجنا ؟!

حسين : لا طبعاً ! لنذهب الآن ، ونتزوّج مدنيّاً .. هيا بنا !!

***


وبعد الزواج .. ظلّ حسين متوتّراً ، حيث اعتاد مراقبة محيط منزله كل مساء .. الى ان اكتشف مُقنّعاً يحاول إجتياز الحديقة ! فسارع الخروج اليه ، وهو يشهر السلاح في وجهه..

المقنّع وهو يرفع يديه مُستسلماً :

- رجاءً لا تقتلني !!

حسين هامساً : إخفض صوتك ، لا اريد لزوجتي ان تستيقظ

- اذاً الإشاعة صحيحة ! لقد تزوّجت خطيبة قائدنا

فعرفه حسين من صوته :

- حيدر ! أهذا انت ؟! 

فأزال حيدر قناعه :

- هو يبحث عنك في كل مكان .. وينوي تعذيبك ببطء الى أن تتمنّى الموت ، حسب كلامه !

حسين : إسمعني جيداً .. سأعطيك كل الأدلّة على خيانته للوطن .. أريدك إيصالها للقادة العليا ، قبل ان يضحي بهم لإسرائيل

حيدر بصدمة : أحقاً ما تقول !

- نعم !! انت تعرف جدّيتي بالعمل ، وجميع المستندات معي.. تعال للداخل لأعطيها لك


وبالفعل اعطاه كل الدلائل .. وبدوره وعده حيدر بتوصيلها للمسؤولين بالحزب

***


في الصباح الباكر ، أخذ حسين زوجته الى المطار

زينب باكية : لا اريد السفر لإيران وحدي ، تعال معي

حسين : لديّ عملٌ مهم ، سأنهيه وألحقك.. قريبي ينتظرك بالمطار ، وهو سيوصلك الى منزلنا الجديد

- عدّني ان تبقى بخير

- أعدك حبيبتي

***


وعاد حسين الى لبنان بحراً بعد معرفته باختفاء علي ، عقب انكشاف امره ! فخطّط للنيل منه قبل قتله بقيّة قادة الحزب ، بالمعلومات التي يملكها عن الأنفاق السرّية


واتصل به قائلاً :

- اعرف رقمك السرّي يا علي .. وأريد إخبارك بأن زينب فتاةٌ رائعة ، لا تصدّق كم استمتعت معها بشهر العسل

علي غاضباً : يا حقير !! سأقتلك ببطءٍ شديد

- اذاً لا تكن جبان ، وتعال وحدك للعنوان التالي

^^^


وبالفعل وصل علي وحده ، وهو يشهر سلاحه نحو هضبةٍ مرتفعة في ليلةٍ معتمة ، رغم شرارات الإنفجارات فوق كل جزءٍ من اراضي الجنوب !

علي صارخاً : أخرج ايها الحقير !!

فظهر صوت حسين من خلف الهضبة : 

- إرمي سلاحك اولاً !! دعنا نتقاتل بالأيديّ ، رجلٌ لرجل !!

علي : حسناً لنفعل !! 

ورمى سلاحه جانباً ، ليظهر حسين من خلف الهضبة وهو يقول :

- لا أصدّق انك خسيس لدرجة اتهامك سيدة رقيقة كزينب بخيانتك ، ايها العميل المتواطئ ؟!

علي : انت لا تفهم شيئاً .. وجودي بأمريكا جعلني أكتشف خطة الدول العظمى بإنهاء الحزب تماماً من لبنان ، لهذا رغبت بالكسب الماليّ قبل موتهم جميعاً

حسين بقلق : هل أرسلت جميع المعلومات التي تعرفها لإسرائيل ؟

- ليس كلها .. بل ارسلت بعضها على دفعات ، للحصول على المزيد من المال

حسين : كنت اعلم انه ليس صعباً إستفزازك ، لاستخراج الإعتراف القذر منك .. (ثم صرخ بعلوّ صوته) .. إمسكوه يا شباب !!


وخرج جنود الحزب من خلف الهضبة ، وهو يشهرون السلاح ضدّ علي الذي انهار خوفاً :  

- لم أقصد خيانتكم ، صدّقوني !


لكنهم قيّدوه ، ووضعوه في جيبٍ عسكريّ .. باتجاه سجنهم بأحد الأنفاق ، لتعذيبه حتى الموت ! بينما توجّه حسين لسفينته ، للإبحار نحو قبرص .. ومنها للمطار للقاء زينب ، بعد قراره النهائي بالإبتعاد عن الأحزاب والطوائف ..والعمل بمهنته السابقة ككهربائي ، للإهتمام بزوجته الحامل بمولودهما الأول .


الوليمة السماوية

تأليف : امل شانوحة  المائدة الخيالية  في ليلةٍ ماطرة .. إهتزّت صفائح الألمنيوم لسطح كوخ صغيرٍ عند أطراف المدينة مع كل عصفة ريحٍ هوجاء ! أيقظ...