تأليف : امل شانوحة
عروسة المدينة
في قريةٍ جبليّةٍ هادئة بنهرها العذب الذي يسيل وسط البيوت ، نُصبت الأكشاك بجانب بوّابة القرية بمؤونتها البلديّة ، لاستقبال الزوّار والسوّاح القادمين لتمتّع بمناظرها الطبيعية ، وشراء منتجاتها الطازجة بأسعارها الرخيصة
وفي إحدى المنازل .. جلس الشاب الوسيم (مراد) مُحاطاً بإخوته الخمسة وأمه القلقة على رفضه المتواصل للزواج من بنات القرية ! مُعللاً عناده :
- نحن من سكّان المدينة ، فلما إنتقلنا لهذه القرية الكئيبة ؟
امه : كان علينا العيش هنا ، بعد ورثنا أرض والدك الزراعيّة
مراد بغيظ : رحمه الله .. أجبرني على الإهتمام بالمزارعين ، كأن مشاكلهم تهمّني ! ثم عقليّة الفتيات هنا سطحيّة ، وليست فيهن من تثير اهتمامي
وبينما كانت الأسرة تواصل إقناعه (بعد ان قارب سن الأربعين) سمعوا طرقاً على بابهم ! ليجدوا صبيّة جميلة تسألهم :
- لم اقصد مضايقتكم ، لكن هل أضاعت إحداكن عقدها الذهبيّ ؟
فردت اخت مراد : انا !! .. منذ سنة تقريباً !
الصبية : هل يمكنك وصفه لي ؟
- قلبٌ ذهبيّ ، بداخله خرزةً زرقاء
فأخرجت الصبية العقد من جيبها ، وهي تقول :
- كنت أمرّ بجانب النهر ، ووجدت شيئاً يلمع في قعره .. وبما ان منزلكم هو الأقرب للنهر ، توقعت انه لكم
فتفحّصت الأخت العقد ، وهي تقول بابتسامة :
- المال الحلال لا يضيع ابداً !
ثم ودّعتهم الصبية ، وذهبت ..
ليسارع مراد اللحاق بها ، وهو يناديها :
- يا آنسة !! لم ندفع لك مكافأة
الصبية : معاذ الله ! أعدّت فقط الأمانة لصاحبتها.. فأنا هنا برحلةٍ جامعية ، لشراء بعض المؤونة لأهلي
مراد بارتياح : اذاً انت من سكان المدينة ؟
- نعم .. وأبحث عن جبنٍ بلديّ لأمي ، فأيّ الأكشاك تبيع الأفضل؟
- سأرافقك ، وأهديك أجود جبنٍ في القرية.. لكن تجاهلي فضول النّسوة وأنتِ معي
الصبية ممازحة : وهل انت وسيم القرية ؟
- شيء من هذا القبيل
- يالا تواضعك !
- آه صحيح .. لم اسألك عن اسمك ؟
- ليلى
- وانا مراد .. تشرّفت بمعرفتك
وبالفعل غمزتها البائعة وهي تقول :
- يبدو سنشهد عرساً قريباً
ليجيبها مراد ، وهو يدفع ثمن الجبن :
- يكفي يا خالة ، الدعاء لنا بالتوفيق
وقد زوّد ردّه الغامض همسات النّسوة المتواجدات بالسوق ! مما اربك ليلى التي شكرته على عجل (على الجبن).. لكنه اوقفها قبل عودتها للحافلة ، وهو يطلب رقم ابيها لزيارةٍ عائلية !
وبعد ان اعطته الرقم ، مُتجاهلةً نظرات وابتسامات النساء الفضوليات .. أزال وشاحهه الذي لفّه حول رقبتها وهو يقول :
- الجوّ بارد يا ليلى ، اخاف ان تمرضي
وإذّ بالزغاريد تنطلق من كل زاوية بالسوق ، كإشارةٍ واضحة على وقوع الشاب العنيد بالحب اخيراً .. لتُسارع ليلى الخجولة بركوب الحافلة !
بينما توجّب عليه تقبّل التهاني طوال السوق ، الى ان وصل لمنزله .. وهو يزّف الخبر المفرح لأهله الذين انصدموا من سرعة قراره !
بينما اردفت اخته قائلة :
- ضاع عقدي لعامٍ كامل ، لكيّ تعيده خطيبة اختي !
الأم بارتياح : هو قدرٌ مكتوب ولا شكّ
***
في اليوم المحدّد .. زارت عائلة مراد ، اهل ليلى .. وبعد تحدّثهم لبعض الوقت .. أخرج مراد علبة الخواتم من جيبه .. مفاجئاً الجميع ، بسؤاله والد ليلى :
- عمي .. هل يمكننا لبس الخواتم الآن ؟
ام مراد بإحراج : بني ! دعهم يسألون عنك اولاً
مراد بجرأة : عمري ضاع بانتظارها .. ولن أفوت لحظةً واحدة من دونها
الأب وهو ينظر لإبنته المحرجة : طالما احمرّ وجهها هكذا ، فهي موافقة
وتمّت الخطوبة وسط زغاريد العائلتيّن
***
بعد الزواج ، استقبلت القرية العروس الجديدة بالدبكة والورود.. لكن بعض الفتيات اللواتي رفضهن مراد ، نظرن إلى ليلى بغيرة :
- جمالها عاديّ .. لا افهم لما فضّلها علينا ؟!
- هي جامعية من اهل المدينة ، وهذا ما كان يبحث عنه
- لا اظن رتابة القرية ستعجبها ، وسينفصلان قريباً
إلا أن الأيام خيّبت ظنهن ، فقد كسبت ليلى محبة الجميع بلطفها والأخلاقها العالية
***
وبعد ستة أشهر ، حملت ليلى.. غير أن إحدى الفتيات الغيورات (التي أحبّت مراد بصمت منذ قدومه) لم تتحمّل الأمر..
وفي لحظةٍ غادرة ، دفعت ليلى نحو النهر البارد.. وأنقذها الناس بصعوبة ، قبل ان يجرفها النهر لخارج القرية
في المستشفى ، بكت ليلى بقهر على فقدان جنينها .. بينما كان مراد يشتعل غضباً بعدما أخبره أحد الصبيان : برؤيته الفتاة الحقودة تلاحق زوجته قبل الحادثة !
^^^
وبعد ايام .. أمسك مراد بعدوّته عند النهر ، وهمّ بدفعها اليه ..
قبل ان توقفه ليلى باللحظة الأخيرة :
- إن رميتها ، سأطلّقك.. فالأمان عندي أهم من الحب !!
فاكتفى مراد بإجبار الفتاة الغيّورة على مغادرة القرية ، للعيش عند أقاربها بعيداً عن عائلته
***
وبعد شهرين.. حملت ليلى من جديد ، وولدت توأميّن : احدهما يشبه والده ، والآخر يشبهها .. لتصبح عائلة مراد ، رمزاً للمحبة والإنسجام في القرية..
***
ومع مرور السنوات ، أُنتخب مراد رئيساً للبلديّة .. وبذلك استقرّ نفسياً في القرية التي رفضها طويلًا .. بعد ان وجد فيها حب حياته ، مع إحتضان الأهالي لعائلته الصغيرة .. ليؤمن اخيراً : بأن الرضا بالقدر والنصيب ، يوصلنا حتماً للسعادة المحتومة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق