الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

زغاريد القدر

تأليف : امل شانوحة 

عروسة المدينة


في قريةٍ جبليّةٍ هادئة بنهرها العذب الذي يسيل وسط البيوت ، نُصبت الأكشاك بجانب بوّابة القرية بمؤونتها البلديّة ، لاستقبال الزوّار والسوّاح القادمين لتمتّع بمناظرها الطبيعية ، وشراء منتجاتها الطازجة بأسعارها الرخيصة 


وفي إحدى المنازل .. جلس الشاب الوسيم (مراد) مُحاطاً بإخوته الخمسة وأمه القلقة على رفضه المتواصل للزواج من بنات القرية ! مُعللاً عناده :

- نحن من سكّان المدينة ، فلما إنتقلنا لهذه القرية الكئيبة ؟

امه : كان علينا العيش هنا ، بعد ورثنا أرض والدك الزراعيّة

مراد بغيظ : رحمه الله .. أجبرني على الإهتمام بالمزارعين ، كأن مشاكلهم تهمّني ! ثم عقليّة الفتيات هنا سطحيّة ، وليست فيهن من تثير اهتمامي 


وبينما كانت الأسرة تواصل إقناعه (بعد ان قارب سن الأربعين) سمعوا طرقاً على بابهم ! ليجدوا صبيّة جميلة تسألهم : 

- لم اقصد مضايقتكم ، لكن هل أضاعت إحداكن عقدها الذهبيّ ؟

فردت اخت مراد : انا !! .. منذ سنة تقريباً  !

الصبية : هل يمكنك وصفه لي ؟

- قلبٌ ذهبيّ ، بداخله خرزةً زرقاء

فأخرجت الصبية العقد من جيبها ، وهي تقول : 

- كنت أمرّ بجانب النهر ، ووجدت شيئاً يلمع في قعره .. وبما ان منزلكم هو الأقرب للنهر ، توقعت انه لكم 

فتفحّصت الأخت العقد ، وهي تقول بابتسامة :

- المال الحلال لا يضيع ابداً !

ثم ودّعتهم الصبية ، وذهبت .. 


ليسارع مراد اللحاق بها ، وهو يناديها  :

- يا آنسة !! لم ندفع لك مكافأة

الصبية : معاذ الله ! أعدّت فقط الأمانة لصاحبتها.. فأنا هنا برحلةٍ جامعية ، لشراء بعض المؤونة لأهلي

مراد بارتياح : اذاً انت من سكان المدينة ؟

- نعم .. وأبحث عن جبنٍ بلديّ لأمي ، فأيّ الأكشاك تبيع الأفضل؟ 

- سأرافقك ، وأهديك أجود جبنٍ في القرية.. لكن تجاهلي فضول النّسوة وأنتِ معي 

الصبية ممازحة : وهل انت وسيم القرية ؟

- شيء من هذا القبيل

- يالا تواضعك ! 

- آه صحيح .. لم اسألك عن اسمك ؟

- ليلى

- وانا مراد .. تشرّفت بمعرفتك 


وبالفعل غمزتها البائعة وهي تقول : 

- يبدو سنشهد عرساً قريباً 

ليجيبها مراد ، وهو يدفع ثمن الجبن :

- يكفي يا خالة ، الدعاء لنا بالتوفيق  


وقد زوّد ردّه الغامض همسات النّسوة المتواجدات بالسوق ! مما اربك ليلى التي شكرته على عجل (على الجبن).. لكنه اوقفها قبل عودتها للحافلة ، وهو يطلب رقم ابيها لزيارةٍ عائلية !


وبعد ان اعطته الرقم ، مُتجاهلةً نظرات وابتسامات النساء الفضوليات .. أزال وشاحهه الذي لفّه حول رقبتها وهو يقول :

- الجوّ بارد يا ليلى ، اخاف ان تمرضي


وإذّ بالزغاريد تنطلق من كل زاوية بالسوق ، كإشارةٍ واضحة على وقوع الشاب العنيد بالحب اخيراً .. لتُسارع ليلى الخجولة بركوب الحافلة ! 

بينما توجّب عليه تقبّل التهاني طوال السوق ، الى ان وصل لمنزله .. وهو يزّف الخبر المفرح لأهله الذين انصدموا من سرعة قراره ! 

بينما اردفت اخته قائلة :

- ضاع عقدي لعامٍ كامل ، لكيّ تعيده خطيبة اختي !

الأم بارتياح : هو قدرٌ مكتوب ولا شكّ 

***


في اليوم المحدّد .. زارت عائلة مراد ، اهل ليلى .. وبعد تحدّثهم لبعض الوقت .. أخرج مراد علبة الخواتم من جيبه .. مفاجئاً الجميع ، بسؤاله والد ليلى :  

- عمي .. هل يمكننا لبس الخواتم الآن ؟

ام مراد بإحراج : بني ! دعهم يسألون عنك اولاً

مراد بجرأة : عمري ضاع بانتظارها .. ولن أفوت لحظةً واحدة من دونها 

الأب وهو ينظر لإبنته المحرجة : طالما احمرّ وجهها هكذا ، فهي موافقة 


وتمّت الخطوبة وسط زغاريد العائلتيّن 

***  


بعد الزواج ، استقبلت القرية العروس الجديدة بالدبكة والورود.. لكن بعض الفتيات اللواتي رفضهن مراد ، نظرن إلى ليلى بغيرة : 

- جمالها عاديّ .. لا افهم لما فضّلها علينا ؟!

- هي جامعية من اهل المدينة ، وهذا ما كان يبحث عنه 

- لا اظن رتابة القرية ستعجبها ، وسينفصلان قريباً


إلا أن الأيام خيّبت ظنهن ، فقد كسبت ليلى محبة الجميع بلطفها والأخلاقها العالية 

***


وبعد ستة أشهر ، حملت ليلى.. غير أن إحدى الفتيات الغيورات (التي أحبّت مراد بصمت منذ قدومه) لم تتحمّل الأمر.. 

وفي لحظةٍ غادرة ، دفعت ليلى نحو النهر البارد.. وأنقذها الناس بصعوبة ، قبل ان يجرفها النهر لخارج القرية


في المستشفى ، بكت ليلى بقهر على فقدان جنينها .. بينما كان مراد يشتعل غضباً بعدما أخبره أحد الصبيان : برؤيته الفتاة الحقودة تلاحق زوجته قبل الحادثة ! 

^^^


وبعد ايام .. أمسك مراد بعدوّته عند النهر ، وهمّ بدفعها اليه .. 

قبل ان توقفه ليلى باللحظة الأخيرة :

- إن رميتها ، سأطلّقك.. فالأمان عندي أهم من الحب !! 


فاكتفى مراد بإجبار الفتاة الغيّورة على مغادرة القرية ، للعيش عند أقاربها بعيداً عن عائلته 

***


وبعد شهرين.. حملت ليلى من جديد ، وولدت توأميّن : احدهما يشبه والده ، والآخر يشبهها .. لتصبح عائلة مراد ، رمزاً للمحبة والإنسجام في القرية.. 

***


ومع مرور السنوات ، أُنتخب مراد رئيساً للبلديّة .. وبذلك استقرّ نفسياً في القرية التي رفضها طويلًا .. بعد ان وجد فيها حب حياته ، مع إحتضان الأهالي لعائلته الصغيرة .. ليؤمن اخيراً : بأن الرضا بالقدر والنصيب ، يوصلنا حتماً للسعادة المحتومة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المرايا الرقمية

كتابة : امل شانوحة  تطبيقٌ مصيريّ جاكلين فتاةٌ عشرينية مرحة ، لا تأخذ الحياة محمل الجد ، ولا تهتم بدراستها الجامعيّة ..وبقيت على هذه الحال ،...