تأليف : امل شانوحة
كواليس الحياة
أُشتهر الممثل التركي مراد (الثلاثيني) منذ مراهقته ، لبراعته بتقمّص الأدوار المتنوعة..
ووسط الأضواء والتصفيق ، لم يخترّ قلبه سوى الممثلة الصاعدة (بيرين) لتكون بطلة مسلّسله ، بعد انجذابه لها بتجارب الأداء
وبسبب الإنسجام الكبير بينهما ، نجح مسلّسلهما بشكلٍ فاق جميع التوقعات ! بعد ان أشعل حبهما خيال الجماهير الذين ظنوا بأن مشاعر البطليّن تجاوزت الشاشة الى حياتهما الواقعية
ليأتي جواب بيرين صادماً للجمهور ، بعد اعلانها بمقابلةٍ صحفيّة : عن رفضها الزواج ببداية مشوارها الفني !
مما كسر قلب مراد الذي اعلن في مقابلةٍ لاحقة : بأن علاقته معها انقطعت بعد نهاية التصوير !
وإنكارهما العلاقة ، خيّبت آمال المشاهدين الذين عاشوا الحب مع البطليّن ، طوال حلقات مسلّسلهما الرومنسي الناجح !
***
وذات يوم ، اراد مراد الهرب من صخب الشهرة .. واثناء تنزّهه وحده ، إعترضت طريقه فتاة بملامح عربية :
- عفواً يا سيد .. أظنني تائهة ! هل تدلّني على مطعمٍ شعبيّ قريب من هنا ؟
فدلّها على المكان .. فشكرته على عجل ، وأكملت طريقها..
فاندهش لعدم معرفتها له ، رغم شهرته الفنيّة !
وتابعها بنظراته .. الى ان رأى سائق اجرة يصرّ على ركوبها معه ، رغم رفضها ذلك !
فاندفع مراد نحوه .. وبكلمةٍ حاسمة ، صرفه بعيداً..
فشكرته الصبية بامتنان .. ثم قبلت عرضه بمرافقتها للمطعم ، كيّ لا تضيع بالطرقات
^^^
وعندما وصلا .. رأت من واجهة المحل ، الكثير من الأطعمة الشعبيّة
- هل يمكنك إخباري بالصنف الذي عليّ تجربته ؟
مراد : تفضلي للداخل ، وسأعزمك بنفسي
- لا اريد تكلفتك !
- انت ضيفتنا
واثناء تناولهما الطعام ، سألها :
- ماذا تفعلين وحدك في تركيا ؟
سلمى : لست وحدي ، اهلي بالفندق القريب من هنا .. لكني اردت استكشاف المكان .. وتناول الأكل الشعبي على اصوله ، وليس وجبات الفنادق المصقولة
- وكيف تعلّمتي لغتنا ؟
سلمى : من مسلّسلين قديميّن ، عُرضا على الشاشة العربية .. وبعدها اكملت تعليمي في إحدى معاهد اللغة
- طالما تتابعين المسلّسلات التركية ، الم تشاهدي عملي الذي انشهر بالآونة الأخيرة ؟
بدهشة : إذاً انت ممثل ! الآن فهمت شتيمة السائق : بغرورك تحت الأضواء
مراد بضيق : لم اكن يوماً مغروراً ، لكنه ضايقني بتصرّفه الطائش معك
سلمى : لنعدّ لموضوع مسلّسلك.. من كانت البطلة ؟
فأخرج جواله وهو يريها صور بيرين ..
سلمى : لاحظت انك تحتفظ بصورها الشخصيّة ، فهل انتما على علاقة ؟
فأجاب بقهر : كنا ، قبل ان تُغريها الشهرة !
سلمى : من نظرتك الحزينة ، يبدو انك احببتها بالفعل ؟!
- مع الأسف !
- لا تحزن ، فهي من خسرت شخصاً رائعاً مثلك
ثم تحدثا بعدّة مواضيع .. عرف منها : برجها المتوافق معه .. وأنها تصغره بعامين ، بعكس فرق الجيل بينه وبين بيرين
^^^
وخلال تناولهما الطعام ، راقبا اماً تحاول تهدئة طفلها المشاغب بأساليب التربية الحديثة
مراد بصوت ٍمنخفض : لا تعجبني هذه الطريقة ، فهي غير نافعة ببيئتنا المحافظة
سلمى : معك حق .. فالطفل لا يعرف حدوده إلا إذا شعر بعواقب أفعاله.. فالتربية ليست تدليلًا ، بل بناءٌ أخلاقيّ..
فابتسم مراد ، كمن وجد أخيراً من تُشابه افكاره !
^^^
بعد الطعام ، أصرّت على شراء الكيك له .. وبدوّره راقب تصرّفاتها ، اثناء تناولها اللبق لوجبتها.. وتقبيلها كسرة خبزٍ سقطت منها .. وإعطائها بقايا طعامها لفقيرٍ ، بعد خروجهما من المطعم !
فقال لها :
- اخلاقك ذكّرتني بجدتي التي ربّتني ، حين انشغل والدايّ بالعمل ..وهو احد خلافاتي مع بيرين التي تظنني مُتخلّفاً ورجعياً .. بينما اعطاها اهلها حرّيةً زائدة ، لا تناسب مفاهيم عائلتي المحافظة !
سلمى : اذاً لا تحزن من انفصالكما ، فربما يختار الله نصيباً افضل لك
وقبل ان يُجيبها ، اشارت للأمام :
- يا الهي ! لم اظن انني ابتعدت كل هذه المسافة عن الفندق ! فإن مشيت الى هناك ، سأصل بعد غروب الشمس
مراد : اذاً سأوقف تاكسي لك
- اهلي منعوني من سيارات الأجرة ، بالغربة
- اذاً سأركب معك ، لتأكّد من وصولك سالمة للفندق
سلمى بابتسامة : إن كان هذا عرضك ، سأقبل .. فأنت شخصٌ محترم
- شكراً على ثقتك بي
^^^
وبعد نزولهما من سيارة الأجرة بجانب الفندق ، سألها عن رقم غرفتها ؟
سلمى معاتبة : سيد مراد ! انا فتاةٌ عربية ، ولديّ حدود اخلاقية .. ان كنت سأقابلك مجدداً ، فسيكون بمكانٍ عام .. الا اذا كنت خائفاً من كاميرا المصوّرين ، مراعاةً لمشاعر حبيبتك بيرين ؟
- لم تعدّ حبيبتي .. ثم اردّت الإطمئنان عليك ، لحين انتهاء عطلتك
فوافقت على اعطائه رقم جوالٍ تستخدمه فقط في تركيا
^^^
وعندما دخلا الفندق ، وجدت اهلها مجتمعين بالصالة مع زملائهم
- اهلي هناك ! أتريد السلام عليهم ؟
فشعرت بارتباكه..
فقالت ممازحة : يا رجل ! لن يجبروك على خطبتي .. اردّت فقط اخبارهم عن اهتمامك بي
وبالفعل سلّم عليهم .. وبدوّرهم ، شكروه على ذوّقه مع ابنتهم
***
وفي المساء ، وصلتها رسالة على جوالها
((هل مازلتِ مستيقظة ؟))
فأجابت : كنت احاول النوم في غرفتي الخاصة (بالفندق)
مراد : اذاً افتحي الكاميرا
- إنتظر قليلاً ، ريثما أغيّر بيجامتي
واثناء تبديل ملابسها ، تذكّر بغيظ بيرين التي تعرف جيداً غيرته عليها .. ومع ذلك تعمّدت (بعد انتهاء مسلسلهما) على تصوير نفسها بزيّ البحر الخليع ، ونشر صورها مع المعجبين الذين احتضنوها دون اعتراضٍ منها ! وكأنها تتعمّد إنهاء تعلّقه بها .. بينما هذه العربية .. فخلوقةٌ للغاية ، ويهمّها سمعتها
وبعدها تحدثا بالجوال (ضمن حدود الأخلاق) .. ولأنه ارتاح لها ، أخبرها عن عمله الجديد .. وهو فيلم ((تدور احداثه حول ناجيين وحيدين من تحطّم طائرة ، واجتماعهما بجزيرةٍ نائية .. البطل يكره النساء بسبب خيانة زوجته .. والبطلة تكره الرجال بسبب قسوة زوج امها .. وعليهما التعايش معاً ، رغم اختلاف طباعهما.. لحين انقاذهما بنهاية الفيلم ))
وأخبرها عن رفضه الممثلات اللآتي اقترح المنتج تمثيلهن دور البطولة معه بالفيلم .. وسألها ان كانت توافق على اجراء إمتحان الأداء ؟
سلمى بارتباك : صحيح اني اشتركت بمسرحياتٍ مدرسيّة ، لكني لم افكّر يوماً بامتهان التمثيل ! ثم لا اظن اهلي سيوافقون على تركي هنا ، عقب انتهاء إجازتنا بعد اسبوعين
ليفاجأها بالقول : بل سيوافقون ان كتبنا كتابنا ، على ان يكون عرسنا بعد عرض الفيلم بالسينما .. ما رأيك ؟
ورغم شعورها بتسرّعه ! الا انها اشترطت موافقة اهلها الذين قبلوا الخطوبة ، بشرط إخفاء الأمر عن الإعلام .. لحين عودتهم لتركيا بإجازةٍ ثانية ، لإتمام مراسم العرس
^^^
الا ان الصحافة تمكّنت تصويرهما معاً ، لينتشر الخبر سريعاً بالإنترنت ..
مُعرّضين سلمى لهجومٍ شرس من جمهور بيرين !
مما أجبر مراد على نشر فيديو : يجمع العائلتين في لحظة تبادل الخواتم .. ليؤكّد أنها خطيبته ، وليست عشيقته القذرة (كما وصفوها)!
أما بيرين : فحاولت إستفزازه وإثارة غيرته ، بنشر صورها العاطفيّة مع ممثلٍ لعوب.. لكن مراد تجاهلها ، وركّز اهتمامه بسلمى التي أصبحت شريكته في الحياة والفن
***
لاحقاُ ، حقّق فيلم مراد وسلمى نجاحاً باهراً .. لقصته المميزة ، وللتناغم الواضح بين البطليّن اللذين عاشا مشاعر حبٍ حقيقية بينهما
وتمثيل سلمى العفوي والمُتقن رغم صعوبة الدور ، جعلها محبوبة النقّاد والجماهير
^^^
وفي حفل التكريم .. تفاجأ الحضور بذراع سلمى المُجبّرة بعد إصابتها بالفيلم : عقب مشهد إنزلاقها العنيف فوق احجار الشاطئ ، قبل صعودها مع مراد الى سفينة النجاة
حيث عرض الحفل : كواليس الفيلم لأول مرة ، والتي امتلأت باللحظات الطريفة بين البطليّن .. والذي ظهر بنهايته : رفض سلمى (التي تكبت آلامها بصعوبة) إيقاف تصوير المشهد الأخير ، رغم تورّم ذراعها بعد كسرها المضاعف !
وهو ما جعلها تستحق جائزة الممثلة الصاعدة ، لتفانيها بالعمل
لتستلم جائزتها وسط تصفيقٍ حارّ من الجمهور الذين تناسوا انتقاداتهم السابقة ، بعد تقبّلهم وجودها ضمن لائحة ممثليهم المُفضلين (رغم اختلاف جنسيتها)
كما تواجدت في الحفل ، بيرين التي حاولت استعادة الماضي من خلال تهنئة مراد باحتضانه بشوق .. لكنه صافحها ببرود ، مُلتفتاً إلى سلمى التي تستعدّ لتكون عروسته بالأيام القادمة..
لتخرج بيرين من القاعة مُنكسرة بعد خسارتها حبّاً صادقاً ، لم تعرف قيمته إلا متأخرة..(خصوصاً بعد خيانة صديقها اللعوب وانفصالها عنه ، كما توقع الجميع!)
***
ومع مرور السنوات .. بهتتّ شهرة بيرين ، وسط فضائحها من علاقاتها المشبوهة مع رجال الدولة !
بينما ظلّ اسم مراد يلمع إلى جانب سلمى التي اختارت التمثيل معه فقط ، مما زاد احترام الجمهور لها .. خصوصاً لأمومتها الحنونة مع ولديّها التوأمين وطفلتها الجميلة .. جعلتهم اكثر العائلات السعيدة بالوسط الفني !
وكان مراد كلما نظر إلى زوجته وأطفاله ، حمد الله على اليوم الذي التقى فيه مع السائحة التائهة التي أصبحت اجمل سيناريو في حياته !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق