تأليف : امل شانوحة
- لم أوقفت السيارة هنا ؟
- حماتي .. إيجار الشاليهات أصبح غالياً مع بدء العطلة الصيفية , وهنا يوجد شاطىءٌ هادىء ..
زوجته بتعب : لا بأس امي , دعيني أتمشّى قليلاً
امها بقلق : حسناً , مع انه يبدو شاطئاً مخيفاً مع حلول المساء !
الصهر : ليس مظلماً تماماً خالتي ماجدة , فهناك نور الشارع .. هيا بنا
ونزلت مع ابنتها الحامل بشهرها التاسع للمشي على رمال الشاطىء لتسهيل ولادتها , فأمها (القابلة المشهورة) نصحتها بذلك
وفي الوقت الذي ابتعد فيه الزوج لشراء الطعام , شاهدتا امرأةً عجوز تلبس عباءةً سوداء وتتكأ على عكّازها , ترمي بقارورة زجاجية في البحر .. فنادتها الأم قائلة :
- هناك حاوية زبالة على الرصيف , رجاءً لا ترمي النفايات في البحر
فنظرت اليها العجوز بنظراتٍ غاضبة , أخافت الحامل التي همست لأمها:
- أتركيها وشأنها يا امي
لكن العجوز اقتربت منهما :
- انا لم أرمي أوساخاً , بل أمانة أرسلتها الى ملك البحار
فقالت الأم بقلق : هل انت مشعوذة ؟!
فضحكت العجوز ضحكاتٍ مخيفة :
- نعم يا ماجدة , أنا أشهر ساحرة في هذه المنطقة .. أيّة خدمة؟
فتراجعت الأم خطواتٍ الى الخلف , بعد ان أرعبها معرفة العجوز لإسمها والتي أكملت قائلة :
- مالذي أتى بكما الى بحرنا ؟
الأم بدهشة : بحركم ؟!
العجوز : نعم فالحكومة قامت بمعروف حين ردمت جزءاً كبيراً من البحر , ليصبح هذا الشطّ المُستحدث فوق مملكتهم , مما سهّل عملنا كثيراً
ابنتها عبير بخوف : امي , دعينا نذهب حالاً
وكادت الصبية ان تتعثّر لولا ان أمسكتها امها .. وحين التفتا الى العجوز وجداها اختفت تماماً !
في هذه الأثناء .. رآهم الزوج من بعيد وهما تُسرعا الخطى نحوه ! فوضع الطعام في السيارة ليذهب الى زوجته التي كان تشير له من بعيد , والفزع باديٍ على وجهها ..
لكن امها توقفت فجأة بعد ان التفتت الى البحر ..
- امي , مابك توقفت ؟! هيا نعود الى بيتنا
فقالت الأم وهي مازالت تنظر للبحر في ذهول :
- انهم ينادونني !
- من ؟!
- يريدون مساعدتي
وتركت يد ابنتها , لتركض مسرعةً نحو البحر .. فصرخت الصبية لزوجها:
- تعال والحق بأمي , فهي لا تجيد السباحة !!
واسرع الرجل للحاق بحماته التي رمت نفسها في البحر !
وحين وصل بالقرب منها .. شاهد فقاقيع تتجمّع حول حماته , قبل ان تغوص الى الأسفل , وكأن أحداً سحبها من قدمها !
فسبح الرجل عائداً الى الشطّ خوفاً من وجود أسماك القرش , مُتجاهلاً صراخ زوجته لإنقاذ امها من الغرق ..
وعاد لحمل زوجته المنهارة الى السيارة , قبل ان يتصل بالشرطة لانتشال حماته من البحر ..
***
من جهةٍ اخرى .. فتحت ماجدة عينيها , لتجد امرأة بجسمها الأزرق وعيناها البيضاوان تسحب رجلها الى أعماق البحر !
فانتفضت محاولةً الصعود مجدّداً الى السطح , لكنها سمعتها تقول لها :
- اهدأي يا ام عبير .. نحن الجنّ الغوّاص ونحتاج مساعدتك ..فملكتنا على وشك الولادة , وولادتها متعسّرة ..وانت قابلةٌ ماهرة .. ارجوك إنقذي أميرنا الصغير من الموت
لكنها ظلّت تقاومها بخوف , فاقتربت الجنية من وجهها , قائلةً بحنان :
- لا تخافي .. طالما انك معي , فيمكنك التنفّس تحت الماء .. هيا حاولي التنفّس بشكلٍ طبيعي
وبالفعل استطاعت ماجدة التنفّس جيداً , مما هدّأ خوفها من الغرق
ثم عادت الجنية وأمسكت بيدها التي تُشبه ملمس الإسفنج الخشن ! لتغوصا اكثر في اعماق البحر , حيث انعدمت الرؤية وسط الظلام الدامس ..
فجأة ! ظهر نورٌ من بعيد لمدينةٍ تاريخية غارقة منذ آلاف السنين , وأطلال قصرٍ قديم , وشوارعٍ لمدينة مُهدّمة امتلأت شقوقها بالطحالب والأسماك .. حيث وقفت الجن على جانبيّ الطريق لرؤية البشريّة بذهولٍ وغضب لاقتحامها عالمهم السرّي , لكنهم لم يستطيعوا الإعتراض طالما انها برفقة الحارسة الشخصية للملكة
وبعد قليل وصلتا الى القصر ..وما ان سبحت ماجدة نحو الصالة حتى سمعت صراخ امرأة قادماً من الطابق العلوي , فأخذتها الحارسة الى هناك .. لتجد بأن طبيبة الجن عاجزة عن توليد الملكة
ورغم ان الأمر برمّته كان غريباً ومخيفاً , لكن حسّ ماجدة الإنساني جعلها تقوم بعملها الذي تبرع فيه , ليتنفّس والداه الصعداء بعد سماعهما لبكاء ابنهما
الغريب ان الطفل وُلد بهيئة بشريّ , يُشبه كثيراً ابنتها عبير وهي صغيرة!
لكن بخلال ثوانيٍ معدودة تحوّلت بشرته الى اللون الأزرق وابيضت عيناه وظهرت زعانف على ظهره
فأسرعت ماجدة بوضعه في حضن امه الذي أصبح يشبهها تماماً
وهنا قال الملك للحارسة : أعيدي البشريّة الى مكانها بعد ان أنهت المهمّة بنجاح ..
وإذّ بالحارسة تضع يدها على رأس القابلة , لتسقط مغشياً عليها
***
وحين فتحت ماجدة عينيها , وجدت ممرضة الإسعاف تقوم بإنعاشها وهي مستلقية فوق تراب الشاطىء
وحين بصقت الماء من فمها , قال لها زوج ابنتها :
- الحمد الله على سلامتك حماتي .. أعرف انك متعبة الآن .. لكن عبير ولادتها متعسرة .. ساعديها ارجوك
ورغم ارهاق ماجدة التي نجت من الغرق بإعجوبة , الا انها استردّت عافيتها بعد سماعها لصراخ ابنتها وهم ينقلونها الى سيارة الإسعاف , فقالتٍ لهم بنبرةٍ آمرة :
- ضعوا ابنتي أرضاً !! سأقوم بتوليدها حالاً
وساعدتها الممرضة , لتلد ابنتها ولداً سليماً .. لكن ما ان وضعته الجدة في المنشفة , حتى رأته يُشبه امير الجن بوجهه الأزرق وعيناه البيضاوان .. وكاد يسقط من يدها من هول الصدمة ! لولا ان أسرع والده بأخذه منها
فصرخت الجدة وهي تشير للطفل بذهول :
- أرموه في البحر !! هذا ليس حفيدي بل أمير الجن ..انه الشيطان بذاته !!
وسط دهشة الجميع , حيث كان الولد جميلاً ولا يشكو من شيء !
وكانت هذه كلمات الجدة الأخيرة , قبل ان تتوقف نبضات قلبها بعد تجربتها المرعبة التي مرّت فيها !
***
وبعد سنوات .. كتب في السطور الأخيرة لقصته :
((أعرف ان حكايتي صعبٌ تصديقها .. لكن ليتهم سمعوا كلام جدتي ورموني في البحر لأعود الى حيث أنتمي , بدل ان أُحاكم لقتلي عائلتي و33 امرأة و15 طفلاً , حتى لقّبتُ بسفّاح المدينة .. هذا عدا عن سرقاتي وبيعي للمخدرات وحفلاتي الماجنة .. واليوم انتهت مغامراتي في هذه الدنيا , لأنه سيُنفّذ بي حكم الإعدام بعد قليل))
وهنا قال له الشرطي من خلف قضبان زنزانته :
- هل أنهيت كتابة قصتك كيّ نبدأ في تنفيذ الحكم ؟
الرجل السجين : نعم أنهيتها .. لكن مازال لديّ طلبٌ أخير
الشرطي : ماهو ؟
- اريد الإستحمام قبل الإعدام .. اريد ان أقابل ربي نظيفاً , على الأقل من الخارج
ففكّر الشرطي قليلاً قبل ان يقول : حسناً , لكن بسرعة ..فأهالي المقتولين ينتظرون رؤية اعدامك
***
وبالفعل أخذه الحرس الى الحمام المشترك للمساجين (الذي لم يتواجد فيه أحدٌ سواه) .. وما ان دخل , حتى أُقفل باب الحمام من الداخل بإحكام ! وسمعوا صوت صنابير الماء تُفتح جميعها , الى ان بدأ الماء يخرج من اسفل الباب ..
فكسروا الباب , ليجدوا الحمام غارقاً بالمياة ..ولا أثر للسجين هناك!
وقد جرت عملية بحثٍ شاملة لكل مخارج السجن والمناطق المجاورة , لكنه إختفى تماماً .. وظلّ هروبه لغزاً محيّراً لشهورٍ طويلة , الى ان وصلهم بلاغ بوجود رجلٍ مجنون يُشبهه يعيش على الشاطىء المهجور خلف الشاليهات
وبالفعل تمّ القبض عليه رغم إنكاره بأنه السفّاح المطلوب ..
الغريب في الأمر , ان المجنون قال كلاماً مُشابهاً لما كتبه السفّاح في قصته , حيث أخبرهم :
((بأن الجن الغوّاص إستعانوا بجدته لتوليد ملكتهم , ومن بعدها استبدلوه مكان اميرهم الذي صعد الى البشر لقتلهم والإعتداء عليهم , بينهما حُبس هو في عالم البحار لسنواتٍ طويلة , قبل ان يطلقوا سراحه على الشاطىء بعد عودة أميرهم من مهمّته منتصراً))
وقد طالب المجنون من الشرطة البحث عن والديه الحقيقين , لكن لم يصدّقه أحد ..وتمّت محاكمته على جرائمٍ لم يفعلها .. الا ان محاميه المُوكّل من دولة استطاع تخفيف حكم الإعدام الى ضرورة إخضاعه لعلاجٍ نفسيّ مُكثّف , بعد أن أكّد اطباء النفسيين جنونه ..
***
وتمّ ارساله الى مستشفى المجانين الذين عانوا معه من رفضه ملامسة المياه .. لذا كان عليهم ربطه لتحميمه جبراً عنه , لأن لديه فوبيا الغرق !
عدا عن سرده المتواصل لقصته الخرافية : عن عيشه في المدينة الغارقة تحت البحر
ولم يزوره احد خلال سنة من علاجه , سوى امرأةً عجوز دخلت الى غرفته , دون ان يلاحظها أحد من الممرضات !
واقتربت من سريره قائلةً :
- كنت سابقاً حذّرت جدتك بالإبتعاد عن شاطئنا , لكنها لم تفعل ! وهآ انت يا مسكين دفعت الثمن .. فما رأيك ان أهرّبك من هذا المكان الكئيب لتعمل معنا في نقل الأسحار الى الجن ؟ فطالما انك عشت معهم لفترةٍ طويلة , ستعرف الطريق الى مدينتهم الغارقة ..اليس كذلك ايها الشاب المطيع ؟
ومن بعد هذه الزيارة , إختفى الرجل المجنون من المستشفى !
وكان آخر ما صوّرته كاميرات المراقبة : سيدة عجوز برداءٍ اسود وعكّاز خشبي , تمسك بذراعه في ممرّ المستشفى
وقبل ان يصلا الى الباب الخارجي , تعطّلت جميع الكاميرات فجأةً .. ولم يظهرا مجدّداً الى يومنا الحالي !
ولادةٌ مخيفة في أعماق البحر !
- لم أوقفت السيارة هنا ؟
- حماتي .. إيجار الشاليهات أصبح غالياً مع بدء العطلة الصيفية , وهنا يوجد شاطىءٌ هادىء ..
زوجته بتعب : لا بأس امي , دعيني أتمشّى قليلاً
امها بقلق : حسناً , مع انه يبدو شاطئاً مخيفاً مع حلول المساء !
الصهر : ليس مظلماً تماماً خالتي ماجدة , فهناك نور الشارع .. هيا بنا
ونزلت مع ابنتها الحامل بشهرها التاسع للمشي على رمال الشاطىء لتسهيل ولادتها , فأمها (القابلة المشهورة) نصحتها بذلك
وفي الوقت الذي ابتعد فيه الزوج لشراء الطعام , شاهدتا امرأةً عجوز تلبس عباءةً سوداء وتتكأ على عكّازها , ترمي بقارورة زجاجية في البحر .. فنادتها الأم قائلة :
- هناك حاوية زبالة على الرصيف , رجاءً لا ترمي النفايات في البحر
فنظرت اليها العجوز بنظراتٍ غاضبة , أخافت الحامل التي همست لأمها:
- أتركيها وشأنها يا امي
لكن العجوز اقتربت منهما :
- انا لم أرمي أوساخاً , بل أمانة أرسلتها الى ملك البحار
فقالت الأم بقلق : هل انت مشعوذة ؟!
فضحكت العجوز ضحكاتٍ مخيفة :
- نعم يا ماجدة , أنا أشهر ساحرة في هذه المنطقة .. أيّة خدمة؟
فتراجعت الأم خطواتٍ الى الخلف , بعد ان أرعبها معرفة العجوز لإسمها والتي أكملت قائلة :
- مالذي أتى بكما الى بحرنا ؟
الأم بدهشة : بحركم ؟!
العجوز : نعم فالحكومة قامت بمعروف حين ردمت جزءاً كبيراً من البحر , ليصبح هذا الشطّ المُستحدث فوق مملكتهم , مما سهّل عملنا كثيراً
ابنتها عبير بخوف : امي , دعينا نذهب حالاً
وكادت الصبية ان تتعثّر لولا ان أمسكتها امها .. وحين التفتا الى العجوز وجداها اختفت تماماً !
في هذه الأثناء .. رآهم الزوج من بعيد وهما تُسرعا الخطى نحوه ! فوضع الطعام في السيارة ليذهب الى زوجته التي كان تشير له من بعيد , والفزع باديٍ على وجهها ..
لكن امها توقفت فجأة بعد ان التفتت الى البحر ..
- امي , مابك توقفت ؟! هيا نعود الى بيتنا
فقالت الأم وهي مازالت تنظر للبحر في ذهول :
- انهم ينادونني !
- من ؟!
- يريدون مساعدتي
وتركت يد ابنتها , لتركض مسرعةً نحو البحر .. فصرخت الصبية لزوجها:
- تعال والحق بأمي , فهي لا تجيد السباحة !!
واسرع الرجل للحاق بحماته التي رمت نفسها في البحر !
وحين وصل بالقرب منها .. شاهد فقاقيع تتجمّع حول حماته , قبل ان تغوص الى الأسفل , وكأن أحداً سحبها من قدمها !
فسبح الرجل عائداً الى الشطّ خوفاً من وجود أسماك القرش , مُتجاهلاً صراخ زوجته لإنقاذ امها من الغرق ..
وعاد لحمل زوجته المنهارة الى السيارة , قبل ان يتصل بالشرطة لانتشال حماته من البحر ..
***
من جهةٍ اخرى .. فتحت ماجدة عينيها , لتجد امرأة بجسمها الأزرق وعيناها البيضاوان تسحب رجلها الى أعماق البحر !
فانتفضت محاولةً الصعود مجدّداً الى السطح , لكنها سمعتها تقول لها :
- اهدأي يا ام عبير .. نحن الجنّ الغوّاص ونحتاج مساعدتك ..فملكتنا على وشك الولادة , وولادتها متعسّرة ..وانت قابلةٌ ماهرة .. ارجوك إنقذي أميرنا الصغير من الموت
لكنها ظلّت تقاومها بخوف , فاقتربت الجنية من وجهها , قائلةً بحنان :
- لا تخافي .. طالما انك معي , فيمكنك التنفّس تحت الماء .. هيا حاولي التنفّس بشكلٍ طبيعي
وبالفعل استطاعت ماجدة التنفّس جيداً , مما هدّأ خوفها من الغرق
ثم عادت الجنية وأمسكت بيدها التي تُشبه ملمس الإسفنج الخشن ! لتغوصا اكثر في اعماق البحر , حيث انعدمت الرؤية وسط الظلام الدامس ..
فجأة ! ظهر نورٌ من بعيد لمدينةٍ تاريخية غارقة منذ آلاف السنين , وأطلال قصرٍ قديم , وشوارعٍ لمدينة مُهدّمة امتلأت شقوقها بالطحالب والأسماك .. حيث وقفت الجن على جانبيّ الطريق لرؤية البشريّة بذهولٍ وغضب لاقتحامها عالمهم السرّي , لكنهم لم يستطيعوا الإعتراض طالما انها برفقة الحارسة الشخصية للملكة
وبعد قليل وصلتا الى القصر ..وما ان سبحت ماجدة نحو الصالة حتى سمعت صراخ امرأة قادماً من الطابق العلوي , فأخذتها الحارسة الى هناك .. لتجد بأن طبيبة الجن عاجزة عن توليد الملكة
ورغم ان الأمر برمّته كان غريباً ومخيفاً , لكن حسّ ماجدة الإنساني جعلها تقوم بعملها الذي تبرع فيه , ليتنفّس والداه الصعداء بعد سماعهما لبكاء ابنهما
الغريب ان الطفل وُلد بهيئة بشريّ , يُشبه كثيراً ابنتها عبير وهي صغيرة!
لكن بخلال ثوانيٍ معدودة تحوّلت بشرته الى اللون الأزرق وابيضت عيناه وظهرت زعانف على ظهره
فأسرعت ماجدة بوضعه في حضن امه الذي أصبح يشبهها تماماً
وهنا قال الملك للحارسة : أعيدي البشريّة الى مكانها بعد ان أنهت المهمّة بنجاح ..
وإذّ بالحارسة تضع يدها على رأس القابلة , لتسقط مغشياً عليها
***
وحين فتحت ماجدة عينيها , وجدت ممرضة الإسعاف تقوم بإنعاشها وهي مستلقية فوق تراب الشاطىء
وحين بصقت الماء من فمها , قال لها زوج ابنتها :
- الحمد الله على سلامتك حماتي .. أعرف انك متعبة الآن .. لكن عبير ولادتها متعسرة .. ساعديها ارجوك
ورغم ارهاق ماجدة التي نجت من الغرق بإعجوبة , الا انها استردّت عافيتها بعد سماعها لصراخ ابنتها وهم ينقلونها الى سيارة الإسعاف , فقالتٍ لهم بنبرةٍ آمرة :
- ضعوا ابنتي أرضاً !! سأقوم بتوليدها حالاً
وساعدتها الممرضة , لتلد ابنتها ولداً سليماً .. لكن ما ان وضعته الجدة في المنشفة , حتى رأته يُشبه امير الجن بوجهه الأزرق وعيناه البيضاوان .. وكاد يسقط من يدها من هول الصدمة ! لولا ان أسرع والده بأخذه منها
فصرخت الجدة وهي تشير للطفل بذهول :
- أرموه في البحر !! هذا ليس حفيدي بل أمير الجن ..انه الشيطان بذاته !!
وسط دهشة الجميع , حيث كان الولد جميلاً ولا يشكو من شيء !
وكانت هذه كلمات الجدة الأخيرة , قبل ان تتوقف نبضات قلبها بعد تجربتها المرعبة التي مرّت فيها !
***
وبعد سنوات .. كتب في السطور الأخيرة لقصته :
((أعرف ان حكايتي صعبٌ تصديقها .. لكن ليتهم سمعوا كلام جدتي ورموني في البحر لأعود الى حيث أنتمي , بدل ان أُحاكم لقتلي عائلتي و33 امرأة و15 طفلاً , حتى لقّبتُ بسفّاح المدينة .. هذا عدا عن سرقاتي وبيعي للمخدرات وحفلاتي الماجنة .. واليوم انتهت مغامراتي في هذه الدنيا , لأنه سيُنفّذ بي حكم الإعدام بعد قليل))
وهنا قال له الشرطي من خلف قضبان زنزانته :
- هل أنهيت كتابة قصتك كيّ نبدأ في تنفيذ الحكم ؟
الرجل السجين : نعم أنهيتها .. لكن مازال لديّ طلبٌ أخير
الشرطي : ماهو ؟
- اريد الإستحمام قبل الإعدام .. اريد ان أقابل ربي نظيفاً , على الأقل من الخارج
ففكّر الشرطي قليلاً قبل ان يقول : حسناً , لكن بسرعة ..فأهالي المقتولين ينتظرون رؤية اعدامك
***
وبالفعل أخذه الحرس الى الحمام المشترك للمساجين (الذي لم يتواجد فيه أحدٌ سواه) .. وما ان دخل , حتى أُقفل باب الحمام من الداخل بإحكام ! وسمعوا صوت صنابير الماء تُفتح جميعها , الى ان بدأ الماء يخرج من اسفل الباب ..
فكسروا الباب , ليجدوا الحمام غارقاً بالمياة ..ولا أثر للسجين هناك!
وقد جرت عملية بحثٍ شاملة لكل مخارج السجن والمناطق المجاورة , لكنه إختفى تماماً .. وظلّ هروبه لغزاً محيّراً لشهورٍ طويلة , الى ان وصلهم بلاغ بوجود رجلٍ مجنون يُشبهه يعيش على الشاطىء المهجور خلف الشاليهات
وبالفعل تمّ القبض عليه رغم إنكاره بأنه السفّاح المطلوب ..
الغريب في الأمر , ان المجنون قال كلاماً مُشابهاً لما كتبه السفّاح في قصته , حيث أخبرهم :
((بأن الجن الغوّاص إستعانوا بجدته لتوليد ملكتهم , ومن بعدها استبدلوه مكان اميرهم الذي صعد الى البشر لقتلهم والإعتداء عليهم , بينهما حُبس هو في عالم البحار لسنواتٍ طويلة , قبل ان يطلقوا سراحه على الشاطىء بعد عودة أميرهم من مهمّته منتصراً))
وقد طالب المجنون من الشرطة البحث عن والديه الحقيقين , لكن لم يصدّقه أحد ..وتمّت محاكمته على جرائمٍ لم يفعلها .. الا ان محاميه المُوكّل من دولة استطاع تخفيف حكم الإعدام الى ضرورة إخضاعه لعلاجٍ نفسيّ مُكثّف , بعد أن أكّد اطباء النفسيين جنونه ..
***
وتمّ ارساله الى مستشفى المجانين الذين عانوا معه من رفضه ملامسة المياه .. لذا كان عليهم ربطه لتحميمه جبراً عنه , لأن لديه فوبيا الغرق !
عدا عن سرده المتواصل لقصته الخرافية : عن عيشه في المدينة الغارقة تحت البحر
ولم يزوره احد خلال سنة من علاجه , سوى امرأةً عجوز دخلت الى غرفته , دون ان يلاحظها أحد من الممرضات !
واقتربت من سريره قائلةً :
- كنت سابقاً حذّرت جدتك بالإبتعاد عن شاطئنا , لكنها لم تفعل ! وهآ انت يا مسكين دفعت الثمن .. فما رأيك ان أهرّبك من هذا المكان الكئيب لتعمل معنا في نقل الأسحار الى الجن ؟ فطالما انك عشت معهم لفترةٍ طويلة , ستعرف الطريق الى مدينتهم الغارقة ..اليس كذلك ايها الشاب المطيع ؟
ومن بعد هذه الزيارة , إختفى الرجل المجنون من المستشفى !
وكان آخر ما صوّرته كاميرات المراقبة : سيدة عجوز برداءٍ اسود وعكّاز خشبي , تمسك بذراعه في ممرّ المستشفى
وقبل ان يصلا الى الباب الخارجي , تعطّلت جميع الكاميرات فجأةً .. ولم يظهرا مجدّداً الى يومنا الحالي !