السبت، 24 نوفمبر 2018

الطبّاخ الصغير

تأليف : امل شانوحة


قصة للأطفال تصلُح كفيلم والت ديزني

في المستقبل القريب وبعد انتهاء حربٌ نوويّة عالمية أحرقت الأخضر واليابس , باتت البشريّة مُعرّضة للإنقراض بعد تلوّث النباتات .. 
وكان الحلّ الوحيد للبقاء هو إيجاد طعامٌ بديل عمّا كان متعارفاً عليه منذ بدء الخليقة ! لذلك لجأ العلماء الى الأغذية المُعدّلة وراثياً بعد تحويلها الى كبسولات دوائية تُشعر الإنسان بالشبع فور تناولها .. امّا الأطفال فقد أُخترع لهم معجوناً قابل للإمتصاص يُشبه الحليب المركز , كبديل عن الحليب بعد ان نفَقَت معظم المواشي حول العالم بسبب التلوث والحروب الشعواء .. 

ومع مرور الوقت .. أصبحت هذه الكبسولات هي الطعام الوحيد , رغم انها لا طعمٌ ولا رائحة لكنها كافية لبقاء البشر أحياء .. 
والأسوء ان الحكومات حول العالم فرضت عقوباتٍ قاسية لكل من يحاول زراعة أرضه من جديد او تربية الماشية او صيد الأسماك بحجّة ان الجوّ والأرض والبحر مازالوا ملوثين بالإشعاعات , لذا يُمنع العودة الى مصادر الغذاء القديمة التي تُساعد على نشر الأمراض السرطانية الخبيثة التي قضوا عليها بصعوبة على مدى عقدين من الزمن ! 

ومع هذا القانون الجائر حصلت تغيراتٍ أخرى : حيث ألغى البناء الحديث المطابخ من غرف الشقق , بعد ان قامت شركات المخصّصة للأدوات المنزلية بإغلاق مصانعها ! كما هُدمت بالقوّة جميع المطاعم حول العالم , مما أجبر الطبّاخون القدامى على إيجاد عملٍ آخر بعد منعهم من أداء مهمامهم للأبد !  
***

وفي جهةٍ أخرى من المدينة .. كانت تعيش عائلة صغيرة مكوّنة من فتاتين وطفلٍ وُلد حديثاً بوزنٍ زائد ..لكنه منذ البداية لم يتقبّل المعجون المخصّص للأطفال , لذا إضّطرت امه لإرضاعه خوفاً من فقدانه
وحين فعلت ذلك أول مرة , قال لها زوجها مُحذّراً وهو يُغلق عليها باب الغرفة : 
- إيّاك ان تراكِ إبنتانا فينتشر الخبر بالمدرسة , ويصل الأمر للحكومة وتعتقلكِ .. فأنت تعرفين انهم منعوا الرضاعة الطبيعية ايضاً !
الأم بقلق : فهمت .. لكن ماذا نفعل ان بقيّ بوب رافضاً ذاك الطعام حينما يكبر ؟
الأب : سنجد له حلّاً , لا تقلقي
***

وكان خوف الأم في محلّه , حيث بات الصبي يرفض بلع المزيد من الكبسولات الغذائية بعد ان اختنق بإحداها .. 
الأم : بوب حبيبي , انت لم تأكل منذ يومين .. هيا خذّ حبّتك , فأنت أصبحت ولداً كبيراً  
الأبن مقاطعاً وهو يمسك بطنه من الجوع : حتى لوّ أصبحت 7 سنوات فمازلت لا استطيع بلع الحبوب .. الم تري ما حصل لي المرّة الماضية ؟ فلوّ لم تُخرجي الحبّة العالقة من حلقي , لكنت ميتاً الآن
الأم مُشجّعة : لكنك ستنجح هذه المرّة , انا متأكدة من ذلك
بوب باكياً : لا امي مستحيل !! الا يوجد طعامٌ غيره , أكاد أموت جوعاً ؟

فلم تجد الأم حلاً الاّ بالإتصال بوالدها الذي كان يعمل طباخاً في شبابه قبل ان يجبروه على التقاعد , والذي وصل الى بيتهم مساءً 
الأم : ابي .. هل كانت الرحلة متعبة ؟
ابوها : قريتنا كما تعرفين ليست بعيدة من هنا , لكني كبرت في السن .. المهم الآن .. الم يأكل ابنك شيئاً بعد ؟
- لا , وانهارت قواه قبل قليل ..وانا خائفة جداً عليه 
- لا تقلقي بنيتي , سأطبخ له حالاً
زوج ابنته مُنبّهاً : لكن إنتبه يا عم .. فإذا اشتمّ الجيران رائحة الطبخ , ربما يبلّغون عنّا
- لا تقلق , لن استخدم الفرن.. بل سأصنع له حلوى مُغذّية .. هل لديكم اواني كيّ..
ابنته مقاطعة : وما حاجتنا لها ؟
- كنت أتوقع ذلك , لذا أحضرت حاجياتي معي .. دعوني ابدأ بالعمل فوراً

وكان الوالدان منعا الفتاتين من الخروج من غرفتهما طوال تحضير الجد للطعام خوفاً من انتشار الخبر .. وبعد إنهائه الحلوى , دخل غرفة الصبي الذي بدأ يهلّوس من الجوع .. وما ان ذاق اول ملعقة , حتى أكمل بقيّة الصحن بنهمٍ واستمتاع  
- لذيذٌ جداً يا جدي , ما هو ؟
- انه نوع من انواع الحلوى الباردة 
بوب : هي ألذّ بكثير من الكبسولات الخانقة , أتمنى ان آكلها دائماً
الجد : حسناً سأعلّم امك طريقة صنعها , لكن لا تخبر أصدقائك بالأمر
- غداً هو يومي الأول في المدرسة , لكن أختايّ سبقتاني بأسبوع
- جيد , اذاً سنعرف ماهو تخصّصك الجامعيّ

ثم تركه لينام ..في الوقت التي جهّزت فيه الأم غرفة الضيوف لوالدها ..
الجد : سأبقى عندكم يومين فقط , فأنا لا استطيع الإبتعاد كثيراً عن قريتي كما تعرفين 
ابنته : كما تشاء ابي
***

في المدرسة .. كان هناك إختراعٌ جديد يُحدّد مستقبل الأطفال .. حيث على الطالب الجلوس داخل الماكينة التي ستُخبر أهله بوظيفته حينما يكبر 
ووقفت الأم برفقة ابنها بوب في انتظار دوره , في طابور الطلاّب الجدّد
ورأت الجهاز من بعيد وقد كتب على شاشته كلمة : طبيب 
ليعلو صوت ام الصبي بسعادة وهي تقول لبقيّة الأمهات بفخر : 
- كنت أعرف ان لأبني مستقبلاً زاهراً !! فهو ولدٌ ذكي , وسيكون طبيباً ناجحاً حينما يكبر
وهنا قال المدير للناظر : ضعّ هذا الولد في قسم العلوم الذي سيفيده بمستقبله 

ثم جاء دور فتاة , اضاء لها الجهاز كلمة : مغنّية موسيقية
فقال المدير للناظر : وهذه سجّلها بقسم النشاطات المدرسية والمسرح 

وبعد ساعة.. ظهرت معظم نتائج الأولاد المستقبلية مُشرّفة : كمهندس وشرطي ورجل اطفاء او لاعب كرة .. الى ان جاء دور بوب
وحين دخل الجهاز , تعطّل فجأة ! وبدأ يصدر اصواتاً مزعجة , وتصاعد الدخان من اجزائه  

ام بوب بقلق : ماذا يحصل لأبني بالداخل ؟!
المدير : لا تقلقي يا سيدة , أظن هناك عطلٌ فنّي !
ام بوب : ولما لم يُظهر الجهاز نتيجته حتى الآن ؟! 
فقام المدير بطبع سؤالٍ آخر للجهاز : 
((إخبرنا عن إهتمامات الصبي بوب ؟))
فظهرت على الشاشة كلمة : طعام 
المدير : طعام ! يبدو ان ابنك سيعمل في مصنع الكبسولات الغذائية
الأم : لا مستحيل , هو اساساً لا يأكل تلك الحبوب ولا يطيقها
فسألتها إحدى الأمهات باستغراب : وكيف اذاً تُبقيه حيّاً ؟!

فارتبكت ام بوب وأسرعت بأخذ ابنها الى البيت , بعد ان أخبرها المدير انه لا يوجد إختصاصٌ له في مدرسته ..
***

في المنزل ..
والد بوب بامتعاض : وماذا الآن ؟!! هذه ثالث مدرسة ترفض تسجيل بوب فيها ! 
وهنا سمعه الجد , فقال لهما : طالما ابنكما لن يدخل المدارس , وابنتي لم تتعلّم بعد كيفية تحضير طعامه .. فما رأيكما ان يعيش معي هذه الفترة , الى ان تجدا حلاً لمشكلته ؟
فنظرا الوالدان لبعضهما بحيرة ! 
***

في اليوم التالي .. ذهب بوب مع جده الى القرية..  
بوب : لما هذه الأرض الكبيرة جرداءٌ هكذا ؟! 
الجد بنبرةٍ حزينة وغاضبة , وهو مازال يقود سيارته : 
- كانت هذه مزرعتي قديماً , زرعت فيها الكثير من أصناف الخضراوات والفواكه , قبل ان تأتي الحكومة وتحرقها كبقيّة الأراضي المجاورة بحجّة تطهيرها من الجراثيم ! ..(ثم سكت قليلاً)..هآقد وصلنا الى كوخي , هيا إنزل لأريك غرفتك 
***

ومرّت السنوات ..كانت عائلة بوب لا تزوره الا بأيام العطل بعد ان انشغلوا بطفليهما التوائم المولودين حديثاً , مُطمئنين بأن ابنهم في أيديٍ أمينة بعد ان تكفّل الجد بتعليمه اللغتان الفرنسية والإيطالية , بالإضافة الى تحسين لغته الإنجليزية
***

وبعد ان أصبح عمر بوب 13 سنة , سأل جده :
- لما تصرّ على تعليمي لغاتٍ أخرى ؟!
الجد : طالما انك تعشق الطبخ مثلي فلابد ان تتعلّم هاتين اللغتين , لأن  المطبخ الفرنسي والإيطالي مهمٌ بالنسبة لك ... وكنت أرغب بتعليمك اليابانية ايضاً , لكنها لغةٌ صعبة حتى عليّ 
- لكن لم يعد هناك طباخين سواك يا جدي !
- بل يوجد أصدقائي القدامى الذين كانوا يعملون معي في مطعمي القديم , ويوماً ما سأعرّفك بهم لتتعلّم منهم
بوب بحماس : متى ؟!!
- بعد ان تتقن أصول الزراعة مثلي
- الزراعة ! الم تقل ان أرضك احترقت بالكامل ؟!

ففكّر الجد قليلاً قبل ان يقول : أظنك كبرت كفاية لأشاركك أسراري ..
بوب باهتمام : أيةِ اسرار ؟!
الجد : الم تكن تسألني دائماً اين أغيب كل صباح ؟
بوب : نعم , فأنت ترفض ذهابي معك ! 
- اذاً نمّ باكراً , وغداً ستعرف الإجابة 
***

وفي الصباح الباكر .. ذهب مع جده الى مكانٍ بعيد , حيث كانت المفاجأة ! فقد وجد أراضاً مزروعة بكافة انواع الفواكه والخضراوات بواديٍ بعيد عن أعين الناس ! 
وهناك التقى الصغير برفاق جده الثلاثة الذين كانوا ايضاً طباخين قدامى : رجلٌ فرنسي , والآخر إيطالي , وعجوزٌ ياباني

وقد فهم بوب كلام الرجل الفرنسي حين همس لجدّه قلقاً : 
- انها لمخاطرة ان تُحضر الصغير الى هنا !
وقال الإيطالي بلغته : 
- أخاف ان يفضحنا حفيدك في المدرسة , ويتمّ اعتقلانا وحرق ارضنا التي تعبنا لسنوات في زراعتها 
بينما إكتفى الياباني بالإبتسام للبوب من بعيد ..

فأجابهم الجد : لا تقلقوا يا رفاق .. فحفيدي يدرس في المنزل , وليس لديه اصدقاءٌ غيري .. كما انني علّمته تقنيات الطبخ التي بدأ يُجيدها , فهو موهوبٌ بالطبخ .. وأريده ان يصبح محترفاً مثلنا حينما يكبر
فقال الياباني للجد بلغةٍ انجليزية يفهمها الجميع : 
- انت تعرف جيداً بأنه لم يعد هناك مستقبلاً للطباخين في أيّ مكانٍ بهذا العالم الكئيب ! 

الجد : لكني متأكّد انه سيأتي يوم ويشتاق الناس لتذوّق الطعام الحقيقي , وسيرغمون دُولهم على فتح المطاعم من جديد .. (ثم تنهّد بضيق) .. دعونا لا نضيّع الوقت بالكلام , فأنا اريد تعليم حفيدي اصول الزراعة .. واريدكم لاحقاً ان تعلموه أكلاتكم المشهورة حين نجتمع كل مساء في قبو كوخي , لأني اريده ان يكون مُلمّاً بجميع الأذواق 
***

ومرّت الشهور .. صار فيها بوب بارعاً بالطبخ حتى تفوّق على جده , بعد تعلّمه لطرق صنع المعجنات والحلوى من صديق جده الفرنسي , والمعكرونات بأصنافها من الطباخ الإيطالي ..كما استطاع بسهولة تعلّم طهو السمك من العجوز الياباني الذي كان يذهب معه فجراً بعطلة الأسبوع للصيد من النهر دون ان يلاحظهما أحد .. 

ولاحقاً إنضمّ الى مجموعتهم السرّية راعيٍ قديم إستطاع إخفاء المواشي بعيداً عن أعين المخابرات في زريبةٍ سرية تحت منزله , والذي اتفق معهم على تهريب اللحوم والدواجن اليهم بنهاية كل شهر .. حيث استطاع بوب طبخها لهم باحترافية فاجأت الجميع ! 

كما تعلّم بوب فن الإتيكيت من رجلٍ إنجليزي إنضمّ اليهم بنهاية ذلك العام 

ومع مرور الأيام شعر الصبي بأهمية موهبته التي أخفاها عن عائلته بناءً على نصيحة الجد واصدقائه الطباخين.. 
***

وذات يوم سأل بوب جده : 
- لا ادري لما يُحارب العالم الطعام , فهو شيءٌ رائع يجمع العائلات مع بعضها ويُرضي النفوس ؟!
الجد : المسؤولون ارادوا إيهام العالم بتلوّث مصادر الطعام القديمة كيّ يجبرونا على تناول حبوب مصانعهم , وبهذه الطريقة سيّطرت كل دولة على شعبها 
- كيف يا جدي ؟!
- لأنه من يعارض اوامر الدولة يُحرم من الطعام الكيماوي , فيموت جوعاً ..وبذلك تحوّل الجميع الى روبوتات في خدمة الوطن , او هكذا يظنّون !

بوب : فهمت , لكني سأثبت للجميع انه لا بديل عن الطعام التقليدي
- ليس بعد يا صغيري .. فعليّ التأكّد اولاً من تعلّمك لكافة تقنيات الطبخ لإعداد أصنافٍ مختلفة تُرضي جميع الأذواق 
بوب بحماس : سأتعلّم يا جدي كل شيء بوقتٍ قياسي , فأنا لا أشعر بالتعب حينما أطبخ , بل أشعر وكأنني أحلّق بعالمٍ جميل لا نهاية له
الجد مبتسماً : وهذا يدلّ على إنها موهبتك الحقيقية , لذلك اريدك ان تحفظ كافة الوصفات من الكتب التي أهداها لك أصحابي , لتُطبّقها لاحقاً 
- وانا أفعل ذلك كل يوم .. لا تقلق يا جدي , سأجعلك فخوراً بي
***

وقد توفي الجد بعد ان أصبح بوب شاباً , لكنه مع هذا رفض العودة الى المدينة للإهتمام بحقول جده السرّية , دون ان تفهم عائلته سبب إصراره على البقاء في القرية ! لكنهم تركوه على راحته
*** 

وفي أحد الأيام .. زارته عائلته بالأعياد , حيث فاجأهم لأول مرة بسفرةٍ  مليئة بالطعام الشهيّ ..
الأب بقلق : ما هذا بنيّ ؟!
بوب : هذا ما كنت أخفيه عنكم طوال السنوات الماضية .. فجدي علّمني اصول الطبخ
الأم بعصبية : ماذا ! لقد طلبت منه مراراً ان لا يعلّمك هذه الأمور المحرّمة!! 
بوب باستنكار : وما الحرام في تناول الطعام اللذيذ ؟!
أخته : لا انا لن أتناول طعاماً ملوّثاً يا بوب
بوب بعصبية : ومن قال انه ملوّث ! انه طعامٌ صحيّ للغاية ..وعشت عليه لسنواتٍ طويلة دون ان أصاب بأيّ مرض !!
أخته الثانية : لا اريد تناول شيء يا أخي , اساساً أكلت حبوبي قبل قليل
الأب : وانا ايضاً

وخرج الجميع من الكوخ الى السيارة دون تناول شيء , مما أحزن بوب كثيراً .. لكن امه أسرعت ووضعت لقمة في فمها لتراضيه ,ثم همست له : 
- انه لذيذ .. لكني اريدك ان تتوقف حالاً عن الطبخ فهذا سيؤذيك بنيّ , فنحن لا نريد ان يُقبض عليك بتهمة الخيانة .. ارجوك يا بوب إسمع الكلام ولا تعاندنا

ثم أسرعت خارج المنزل بعد سماعها لبوق سيارة زوجها الذي كان يستعجلها للرحيل , بعد ان غضب من تصرّفات ابنه المتهوّر !
***

ورغم معارضة اهله لهوايته , الا ان بوب قرّر فتح مطعماً بالقرية .. ووصل الأمر الى موظفيّ الدولة , لكنهم لم يغلقوه كما هو متوقع ! بعد ان لاحظوا بأن زبائنه هم قلّة من العجائز الذين مازالوا يتذكّرون طعم الطبخ القديم 
***

وبعد سنة .. حصل حريقٌ كبير في المصنع المُنتج للكبسولات الغذائية , واحترق مخزن الحبوب بالكامل .. فدبّ الرعب في نفوس الشعب الذين سارعوا لشراء ما تبقّى من كبسولات الطعام خوفاً من مجاعةٍ مُحتملة 
وكان اهل بوب من العائلات سيئة الحظ التي لم تحصل على أيّةِ أدوية غذاء , فلم يجدوا أنفسهم الى وقد عادوا الى القرية بعد ان شعروا بألم الجوع لأول مرة في حياتهم .. 

وما ان رآهم بوب شاحبي الوجه , حتى أسرع بطبخ الحساء اللذيذ الذي تناولوه بنهمٍ شديد..
أخته : يا الهي ! لم أذقّ ألذّ من هذا الطعام في حياتي 
بوب : انها شوربة جدي المفضلة
الأم بعيونٍ دامعة : نعم تذكّرتها ..كان يُعدّها لي حينما أمرض .. لقد أعدت لي ذكريات الطفولة يا بنيّ
والده : أظن ان مطعمك سيزدهر الآن بعد حريق المصنع
بوب : لقد إزداد عدد الزبائن بالفعل هذه الأيام , ممّا أرهقني كثيراً .. فهل تساعدونني ؟
أخته الأخرى : لكننا لا نجيد الطبخ !
بوب : سأعلّمكم كل ما عليكم فعله .. فهل ستقبلون العمل معي منذ الغد صباحاً ؟
فنظروا لبعضهم بحيرة !
***

وبالفعل ساعدته عائلته بتقطيع الخضراوات , وتقديم الطعام للزبائن الذي ضجّ به مطعمه بعد ان زادت شهرته في الشهور التالية  .. ممّا أغضب مسؤوليّ الدولة الذين أرسلوا الشرطة لإغلاق مطعمه , بعد ان أُعادوا فتح مصنع الحبوب من جديد .. 

وحين قدم رجال الشرطة الى المطعم , قال لهم بوب : 
- لحظة !! قبل ان تغلقوه , ما رأيكم ان تتذوقوا بعضاً من أطباقي بالمجّان؟ 
فقال أحدهم : بالحقيقة انا جائع , ورائحة مطبخك لا تقاوم 
- اذاً تفضلوا واجلسوا هنا

وبعد ان ذاق رجال الشرطة الثلاثة أصنافه اللذيذة , قال أكبرهم سناً : 
- لقد ذكّرني طبق السمك , بطعام والدي حين كان يشوي السمك الذي نصطاده سويّاً ايام طفولتي 
الشرطي الأخر وهو يلعق ملعقة الحلوى : برأيّ حرام ان يُغلق هذا المطعم الرائع

فوصلوا لحلٍ أخير : بأن يكذبوا على المسؤولين , بأنهم أغلقوا مطعم القرية دون تنفيذهم للقرار .. ممّا زاد من شعبية المطعم مع مرور الأيام 
***

وذات يوم .. تفاجأت عائلة بوب بعصابة أرادت سرقة مال المطعم ! لكن بوب استطاع حلّ المشكلة بكلامه مع رئيس العصابة , حيث اتفق معه على حصوله على طعامٍ مجاني كل مساء بشرط : ان يكون هو المسؤول عن أمن المطعم بعد ازدياد عمليات السرقة , بسبب ارتفاع سعر كبسولات الطعام , لأن المصنع لم يعد يصدّر ذات الكمية السابقة بعد ان تضرّر جزءٌ كبير منها بالحريق 
وقد قبل زعيم العصابة إقتراحه بعد ان أُعجب بأطباقه المميزة , لينعم المطعم بحمايته ضدّ أطماع العصابات الأخرى
***

لكن طموح بوب لم يتوقف عند مطعمه الصغير , لذلك افتتح عدة فروعٍ لها بأرجاءٍ أخرى من المدينة , بعد ان قام بتعليم الطبخ لمجموعة من الشباب العاطلين عن العمل ممّن لديهم الشغف لهذه المهنة الجديدة .. ومن بعدها سلّمهم ادارة فروعه الأخرى .. 

كما افتتح بوب مدرسةً فندقية , بعد ان أجبر وزارة التعليم على إدخال مصطلح (طبّاخ) الى الجهاز المدرسي الكاشف لمستقبل الأطفال الذين يعشقون الطعام 

ولم تستطع الحكومة إيقاف الناس عن تناول أكل المطاعم بعد ان قلّت رغبتهم في شراء الكبسولات الغذائية 

ومع الوقت .. عاد المزارعون لزراعة اراضيهم ولرعاية الماشية بعد ان ازداد الطلب على اللحوم والمزروعات ..

وبنهاية الأمر .. أُقفل مصنع الحبوب نهائياً , وافتتحت سلسة من المطاعم المتنوعة في ارجاء العالم بعد ان تعدّدت الأذواق من جديد 
لكن ظلّ مطعم القرية من أهم المعالم السياحية , حيث زاره الناس والمشاهير من كل مكان ليتذوّقوا أطباق بوب المتميّزة التي تحدّثت عنها وسائل الإعلام العالمية  

حيث يتذكّر الجميع كلمة بوب في مقابلته التلفازية الشهيرة , حين قال متأثّراً :
- لقد علّمني جدي واصدقائه كل شيء , وأحيوا بداخلي عشقاً لا ينطفأ .. فالطعام هو أكبر نعمة على هذه الأرض .. فما لذّة الحياة من دون تجربة أصناف مختلفة من الطعام ؟ والأجمل ان الإبداعات بهذا المجال لن تتوقف ابداً , وستظلّ تتجدّد باختلاف ثقافة الشعوب الى نهاية العالم .. فكلوا من رزق الله واشكروه , وادعوه بأن لا يحرمنا مجدّداً من هذه النعمة .. كل ما آمله هو ان أكون أديت الأمانة التي وضعها جدي واصدقائه على عاتقي.. رحمهم الله جميعاً 
***

وبعد موت بوب عجوزاً , إتفق ابنائه واحفاده على بناء تمثالٍ له في القرية التي فيها اول مطاعمه , بحضورٍ صحافي مُلفت أتوا لتصوير أهم الشخصيات العالمية الذين قدموا من كل مكان لتذوّق أشهر أطباقه في حفلٍ شعبيّ ضخم .. حيث عُدّ تمثال بوب رمزاً من رموز الدولة , بعد ان أعاد الذوق والطعم لحياتهم من جديد !

هناك تعليق واحد:

  1. واو🥺
    القصه تعلمنا ان لا نيأس وان نحارب راجل ما نحب
    انا اعشق قصصك♥

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...