الأحد، 25 يونيو 2023

الكنز الدمويّ

تأليف : امل شانوحة 

الإرثّ العائليّ


نشر مُكتشف الكنوز على التيك توك ، لحظة عثوره على كبسولةٍ حديديّة أثريّة في الغابة ، مُنصهرةً طرفها السفليّ رغم سماكتها !


وبعد تمكّنه من خلع غطائها بصعوبة ، وجد فيها : ورقة مرسوماً عليها شجرة العائلة بإسم محدّد ! مع نجمةٍ فضيّة لم يستطع حملها ، بسبب الصعقة الكهربائيّة المؤلمة عند لمسها ! فرماها بكيسه القماشيّ بنيّة قصّها نصفين بمنشارٍ كهربائيّ ، لمعرفة طريقة إنتاجها الطاقة رغم قِدمها .


وفي فيديو آخر ، حصد العديد من المشاهدين : بعد انفجار المنشار الضخم الى قطعٍ صغيرة فور ملامسته النجمة ! التي وصفها المعلّقون بالسحريّة ، ناصحون المغامر بالتخلّص منها قبل إصابته بلعنةٍ أبديّة.

***


ما حصل للمغامر أثار اهتمام الحكومة التي ارسلت من يبحث عن العائلة (الموجود إسمها داخل الكبسولة).. ليعلموا لاحقاً بأن أكبر أفرادها إنتقل الى دولتهم قبل ٣٠٠ سنة ! ولم يبقى منها سوى حفيدٍ أخير وابنته الصغيرة  


وبعد إرغمام الحكومة المُغامر على إرسال الإسطوانة الحديديّة الى خبيرٍ مُختصّ إكشف إنها مصنوعة من معدنٍ نادر ، أقوى عشر مرات من الحديد ! ولا يمكن صهرها بهذا الشكل ، إلاّ بفعل حرارةٍ عالية كحرارة الشهب والنيازك

***


ما أن أُذيعت تلك المعلومة ، حتى انتشرت إشاعة بجميع وسائل التواصل الإجتماعيّ بأن تلك الإسطوانة سقطت من السماء ! وهذا يعني أن تلك العائلة المميزة من الملائكة البشريين.


واجتمعت الصحافة والناس حول منزل الشاب الأرمل ، وهم يلاحقونه مع ابنته الصغيرة في كل مكان : منهم من طالبه بالشفاء من امراضه المستعصيّة ، وبعضهم سألوه عن مستقبلهم او تبنؤاته السياسيّة ، وغيرها من المعجزات الغير بشريّة ! 

خاصّة انه الوحيد الذي استطاع مسك النجمة دون صعقه كهربائيّاً ! لهذا سُمح له بالإحتفاظ بها كإرثٍ عائليّ.


وبسبب كثرة ملاحقته من الفضوليين ، إستغلّ العاصفة الجويّة (التي حبست الجميع في منازلهم) للإنتقال لمكانٍ آخر ، خوفاً على ابنته من اهتمامهم الزائد بها .. ومع هذا لم يستطع تجاهل الكنز الغريب الذي أشغل تفكيره .

***


في الصباح الباكر ، توجّه مع ابنته الى الغابة (التي وجد فيها المغامر الكنز الأثريّ الغريب) ووقف هناك وهو ينظر للسماء .. بينما ابنته تلعب بعيداً مع ارنبٍ ظهر لها فجأة !


ثم رفع النجمة الفضيّة عالياً ، وهو يقول :

- إلهي !! إن كنت فعلاً من عائلةٍ مُباركة .. فلتعمل هذه النجمة السحريّة ، لتريني معجزتي الفريدة !!


وظلّ رافعاً النجمة لعدّة دقائق ، دون حصول شيء ! فاستهزأ من نفسه :

- يالا غبائي ! أمعقول أنني صدقت تلك الخرافة

وأعاد النجمة الى جيبه ، وهو يتذكّر الماضي :

((مُحال ان أكون مباركاً .. فأجدادي ماتوا بالحروب والمجاعات ، ولم يتميّز احدٌ منهم بمعجزةٍ خارقة ! فمن اين أتتّ تلك الأسطوانة بمعدنها النادر ؟ ولما ذكرت عائلتي بالذات ؟!))

ثم أغمض عينيه وهو يتأمّل سماع صوتٍ يجيبه على تساؤلاته .. 


فإذّ بقدميه تُسحبان للأسفل ، كأن الأعشاب تحوّلت لرمالٍ متحرّكة ! 

فصرخ فزعاً وهو يحاول الخروج من مأزقه.. ونادى ابنته التي اختفت فجأة ! فخشيّ إنها غرقت في الوحل ، كما يحصل معه


وماهي إلاّ دقائق حتى سُحب بقوةٍ هائلة لباطن الأرض ، برحلةٍ سريعةٍ ومظلمة  جعلته يفقد وعيّه ! 

^^^


ليستفيق بعد دقائق امام دهليزٍ طويل ، مُضاء بشعلاتٍ ناريّة .. وعلى جداره الأسمنتيّ الغير مدهون ، عُلقت صور لرجالٍ عجائز : عرفهم على الفور من إلبوم عائلته الخاصّ بأجداده وأعمامه !


ولم يفهم ما حصل قبل تحرّك الممرّ الذي يقف عليه ، والتي أوصلته الى صالةٍ ضخمة في مقدّمتها عرشٌ مذهّب عليه مخلوقٌ مرعب ، ناداه بصوتٍ جهوريّ :

- هل رأيت صور عائلتك ؟!!

الرجل بفزع : هل انت..

مقاطعاً : نعم !! إبليس المُعظّم .. وجدك الأكبر هو ابني الأوسط الذي انشقّ عني ، وتحدّاني بعيشه مع البشر ! 

الرجل بصدمة : اذاً انا من نسل الشياطين ؟!

- ومن صفوتهم ايضاً .. فجدك كان مارداً ضخماً ، برع عن إخوانه بالشعوذة .. لهذا سلّمته النجمة السحريّة التي سرقتها بنفسي من إرث النبي سليمان .. وبواسطتها يمكن إفتعال إيّةِ حربٍ دمويّة ، وفي أيّ مكان .. لهذا اعتمدت على جدك بفتن الملوك والحكّام .. ويبدو ان نجاحاته المتكرّرة ، أغرته لحكم العالم ! لكنه صُدم فور صعوده عالمكم ، بفقده مواهبه الروحانيّة ! ومع ذلك رفض العودة لمملكتي بعد إغرامه بإنسيّة ، تزوّجها وأنجب منها ذريّةً كبيرة.. لم يبقى منها سواك انت وابنتك


فتلفّت الرجل حوله بخوف : هل ابنتي هنا ايضاً ؟!

إبليس : نعم !! وستبقى معنا لحين تنفيذك مهمّة جدّك الأكبر

- لكني لست مشعوذاً !

- سنعلّمك امور السحر بعد إتمام مهمّتك الدمويّة

الرجل بقلق : أيّةِ مهمّة ؟!

- في الماضي ، نجح جدك اللعين بإقامة الحربين العالميتيّن بواسطة كنزه الثمين .. لكنه رفض إقامة الحرب العالميّة الثالثة بعد تعوّده على حياة البشر ، بسبب زوجته التافهة !! وذات يوم نزل الى هنا بالخفاء لاسترداد طاقته الروحيّة ، وألقى تعويذةً قويّة على النجمة الفضيّة ، منعتني من استخدامها لاحقاً ! ولم يكتفي بذلك ، بل حصر طاقة النجمة بنسله فقط .. لهذا انت الوحيد القادر على خراب العالم 


الرجل : كيف يمكنني إقامة حربٍ عالميّة ، وانا مجرد استاذ بمدرسةٍ ابتدائيّة ؟!

- مالا تعرفه ، إن قصة الكنز الغريب أثارت فضول حاكم البلاد الذي سيقوم قريباً بدعوتك الى قصره.. وستكون مهمّتك ، طعنه بالقلب

الرجل بعصبية : مستحيل !! انا لست قاتلاً .. ثم حرّاسه سيفتشونني قبل زيارته

إبليس : لن يسمح لهم بذلك ، لتصديقه بأنك من عائلةٍ ملائكيّة ! لهذا سيُكرّمك بالمال والهدايا ، مقابل نصره على منافسيه .

- وفي حال رفضّت تنفيذ طلبك ؟

إبليس بحزم : أقتل ابنتك !!

- رجاءً أتركها ، فلا ذنب لها بماضي عائلتي الشنيع


إبليس : لا تخفّ ، لن اؤذي حفيدتي ، فهي من نسلي بنهاية الأمر.. نفّذ طلبي وسنسحبك لباطن الأرض قبل اقتراب الشرطة منك .. وبذلك تترك دولتك في فوضى عارمة ، عمّن يتولّى الحكم بعد اغتيالك الرئيس الأمريكيّ.. خاصة ان جدتك الكبرى روسيّة .. مما سيُحدث بلبلة بين الدولتين ، ظنّاً بأنك عميل مزدوج.. وهي شرارةٌ كافية لإشعال فتيل الحرب العالميّة الثالثة .. وفي حال نجحت مهمّتك ، أسلّمك مركز جدك العاقّ في مملكتي

الرجل : وكم لديّ الوقت لتنفيذ أمرك ؟

- اولاً سنعيدك الى بيتك القديم .. وهناك ستجدّ رسالةً صوتيّة على هاتف منزلك الأرضيّ من القصر الجمهوريّ ، يحدّدون فيها موعداً للقائك بالرئيس .. (ثم عدّل جلسه) .. حاول إنهاء المهمّة سريعاً ، ثم تعال نحتفل بإفنائك البشريّة .. اما ابنتك ، فسنرعاها لحين بلوغها.. بعدها نعلّمها فنّ الإغراء ، لإفساد الشباب البشريين .. فهي مهمّة نسائنا بشكلٍ عام


الرجل بخيبة أمل : كنت اريدها أن تصبح طبيبة ، لتساعد الناس..

إبليس مقاطعاً : إنسى تلك السخافات !! فأنت من نسل الشياطين ، ولا مكان للنوايا الصالحة في قلوبنا .. وإن عارضتني ، تخسر ابنتك للأبد.. والآن إغمض عيناك ، لأعيدك للدنيا

- سؤالٌ أخير... لما أبقيت نجمتك السحريّة داخل الإسطوانة ؟ أقصد لما لم تسحبها اليك ، بعد أن دفنها جدي بالغابة ؟

- حاولت ذات مرّة ، وكادت الإسطوانة تنصهر بحرارة الأرض .. فأمرت رجالي إعادتها مكانها ، خوفاً من خسارة نجمتي النادرة .. فلدهاء جدك ! صنع الإسطوانة من معدنٍ نادر ، صعبٌ كسره ! وفي نفس الوقت ينصهر بحرارةٍ عالية كباطن الأرض ، وبذلك حرمني الحصول على كنزي .. اساساً لا فائدة منها ، طالما قوّتها محصورة بعائلتك من خلال تعويذةٍ لم يتمكّن أقوى سحرتي من فكّها ! ولأننا مخلوقاتٍ أثيريّة ، طلبت من قرين المُغامر إيصاله للكنز لكسر الإسطوانة ، وتوصيل النجمة اليك عن طريق الإعلام .. بعدها تكفّلت بإنزالك اليّ .. فهل أعجبتك فكرتي ؟


الرجل باستغراب : يبدو انني أجهل الكثير عن عالمكم المخيف : مثل معرفة جدي بأسماء افراد عائلته الذي دوّنهم في رسمة الشجرة ، وهو مازال عريساً جديداً !

إبليس : أخبرتك انه كان مشعوذاً محترفاً .. وطالما أنهى الشجرة بإسمك ، هذا يعني انك آخر ذكرٍ بعائلته .. او ربما علم باكتشافي أخيراً لعنوان فردٍ من عائلته المصون ، ومن خلالك سأقضي على حلم جدك بالسلام العالميّ .. المهم !! لا تضيّع الوقت بأسئلةٍ تافهة .. إغمض عينيك ، فأمامك مهمّةً صعبة

^^^


ما أن فتح عينيه ، حتى وجد نفسه في منزله القديم دون ابنته ! 

فاستمع الى رسالة هاتفه : بصوت سكرتيرة القصر الجمهوريّ ، تحدّد موعده مع الرئيس بعد يومين !


فأخرج رسمة العائلة من درجه (الذي كتبها جده بخط يده) وهو يقول:

- يبدو انك ذكرتني بآخر الشجرة ، لأني من سيُنهي إمبراطوريّة إبليس .. فبواسطة نجمة سليمان ، سأشنّ حرباً شعواء بعالم الجن والشياطين ، أبيدهم عن بكرة ابيهم ، ولوّ كلفني ذلك حياتي انا وابنتي .. 

 

ثم بدأ بكتابة خطةٍ مُحكمة ، ستُفاجأ كلا العالميّن !


الخميس، 22 يونيو 2023

الجندي المُغرم

تأليف : امل شانوحة 

 

ظروفٌ مُعاكسة


بعد شهرين على نهاية الحرب العالميّة الثانية ، وتحديداً في برلّين الشرقيّة .. لاحظت ارملةٌ إلمانيّة كيس الحلوى التي يحملها ابنها بعد عودته من المدرسة ! مُدّعياً أنها هديّة من معلّمه لإجابته سؤالاً مهمّاً


وبعد تكرّر الأمر دون تحسّن نتائجه الأسبوعيّة ، راقبته دون علمه.. لتجده يلعب في غرفته بسيارته الجديدة التي لم يتسنّى له تخبأتها..

فجلست تستجوبه عمّن يعطيه الهدايا والحلوى ؟

فأنكر لبعض الوقت ، الى ان أخبرها بأنها هدايا من رجلٍ نمساويّ ينتظره عند باب المدرسة كل يوم ، ويبتعد فور إيصاله المنزل !


فعاتبته غاضبة :

- كم مرّة نبّهتك أن لا تكلّم الغرباء ؟!! وهآ انت تأخذ منه الحلوى ، التي ربما فيها مخدّرٍ او سُمٍّ قاتل  

الصبية : امي ، هو صديق والدي بالعسكريّة

بصدمة : ماذا !

- أخبرني انه زميله ايام الحرب ، وانه بقيّ مع والدي اثناء احتضاره وهو يتحدّث عنا بشوقٍ وحنين 

الأم باستنكار : إن كان كلامه صحيحاً ، فلما لم يقابلني اولاً لإخباري عن زوجيّ المرحوم ؟!

- قال سيراك لاحقاً ، لإعطائك الأمانة

الأم باهتمام : أيّةِ امانة ؟!

- لم يخبرني عنها

- لابد أن اراه ، لأطمئن من نواياه  

ابنها : كيف وهو يُسارع بالرحيل فور إيصالي المنزل ؟!

- اذاً سأختبئ غداً خلف الشجرة ، إيّاك إخباره بذلك

***


وفي اليوم التالي ، وقبل توديعه الصبي (بعد شرائه الحلوى له) .. نادته من بعيد وهي تصوّب مسدسها نحوه :

- لما تصاحب ابني ، ايها المنحرف ؟!!

فرفع الرجل يديه مُستسلماً :

- اهدأي سيدتي ، وسأخبرك بكل شيء

ابنها بخوف : امي ! رجاءً لا تقتلي صديقي

الأم بحزم : أدخل الى المنزل !!

- امي !

الأم بغضب : قلت الى المنزل .. الآن !! 


فركض حزيناً الى بيته .. بينما يحاول الرجل إقناعها بإنزال المسدس ، لإخبارها عن زوجها..

السيدة باستنكار : وهل تريدني أن أصدّق أنك كنت معه بنفس الكتيبة؟


ففتح حقيبة ظهره ، وهو يبحث عن شيءٍ بين غيارات ملابسه..

فاقتربت السيدة وهي تسأله : لما تحمل حقيبتك معك ؟!

الرجل : انام في فندق المسافرين .. وأخاف ان يسرقوا اغراضي بغيابي ، لذلك أحملهم معي اينما ذهبت

- حقيبتك الصغيرة تدلّ انك لست من هنا ، فهل انت حقاً نمساويّ ؟!

- دعينا نجلس في حديقة الأطفال ، لإخبارك الحقيقة

^^^


وذهبا مشيّاً الى الحديقة التي لا تبعد كثيراً عن منزلها .. 

وبعد جلوسهما هناك .. أعاد فتح حقيبته والبحث فيها ، لحين إخراجه رسالتين عليهما بقع دمٍ قديمة !


الرجل : تفضّلي !! هاذين الرسالتين من زوجك ، كتبهما اثناء احتضاره.. فمن عادتي الإحتفاظ برسائل فارغة داخل حقيبتي العسكريّة ، لعدم علمي بوقت سماحهم لنا بمراسلة أهلنا !

السيدة : إن كنت فعلاً إلمانيّ ، فلما تتحدّث بلكنةٍ غريبة ؟!

- امي نمساويّة ، وهي ربّتني بعد وفاة ابي.. لهذا استطعت التقرّب من ابنك بسهولة ، فكلانا ايتام !

- ومن سمح بعطفك على ابني ؟

الرجل : كنت أنفّذ وصيّة زوجك 


ثم وقف وهو يحمل حقيبته :

- سأتركك تقرأين الرسالة على راحتك .. ولا تنسي اعطاء الرسالة الثانية للصغير ، سيفرح بها كثيراً

السيدة : أين تذهب ؟! لم أُنهي كلامي بعد.. اريد معرفة سبب مصاحبتك إبني ؟ 

- ستعلمين لاحقاً


وابتعد ليراقبها خلف الشجرة ، وهي تبكي اثناء قراءتها رسالة زوجها الأخيرة

***


بعد يومين .. زار الرجل منزلها وهو يحمل الزهور ، مع لعبةٍ جميلة لإبنها ! فدعته على الغداء .. 


وقد اعتاد في كل زيارة على إخبار الصبي عن شجاعة ابيه النادرة في المعارك ، الى أن تدمع عينا الصغير وهو يتخيّل والده كبطلٍ خارق ! 

رغم علم السيدة بمبالغته بمدح زوجها ! بل تكاد تجزّم أن معرفته به سطحيّة ، قد لا تتعدّى الأيام ..وليس صديقه منذ التحاقهما بالعسكريّة ، كما ادّعي ! فالكثير من المعلومات التي قالها عنه خاطئة ، كوصفه بالعملاق : مع ان زوجها متوسّط الطول ، مُقارنةً بطوله الذي يُقارب المترين ! ومع ذلك لم تكذّبه امام ابنها الذي كان مُتعطّشاً لسماع قصصٍ عن والده الذي التحق بالحرب وهو طفلٌ صغير

***


مع مرور الأسابيع ، تعلّقت السيدة بالرجل ! وصارت تنتظره على الغداء كأنه فرد من العائلة ، والذي قام بتعليمها بعض الوصفات الجديدة التي أحبّتها مع ابنها الذي يطير فرحاً كلما لاعبه بالكرة او تسابقا بالدرّاجة .. كما استمع باهتمام الى نصائحه بالتعامل مع رفاقه خاصّة الفتيات ، كأنه والده الحقيقيّ !

***


لم ينتهي الشهر الثالث ، حتى تجرّأ الرجل على طلب يدها ! ولولا انه الصديق المُقرّب لزوجها التي عشقته بجنون ، لما وافقت على اقتراحه الذي سيتمّ بعد اسبوع

***


وفي يوم العرس وقبل قدوم المعازيم الى حديقة منزلها التي زيّنتها بالورود ، أصرّ على محادثتها على انفراد ! 

فخرجت امها واختها وصديقتها من الغرفة وهنّ يعاتبنه : بأنه فألٌ سيء أن يرى عروسته قبل عقد الزواج !


وبعد بقائهما بمفردهما ، لاحظت الدموع في عينه ! فسألته بقلق :

- ماذا حصل ؟!

العريس بحزن : لا استطيع بدء حياتنا مع كذبتي التي طالت مدّتها

- ماذا تقصد ؟

- انا سوفيتيّ ، ولست نمساويّ

العروس بفزع : من جيش العدوّ !


العريس بحزن : ليس هذا فحسب .. لم اكن يوماً صديق زوجك.. (ثم تنهّد بضيق) .. الحقيقة انني تهت عن كتيبتي لساعات اثناء سيري وسط غابةٍ موحشة ، الى ان وجدته يأنّ من ألم قدمه التي أُصيبت في معركتنا الأخيرة ! وكان واضحاً بأنه يحتضر .. ولأني كنت مترجماً ، فهمت توسّلاته بعدم قتله .. ولم اجد مانعاً من إشرابه الماء بعد أن رأيته يتصبّب عرقاً رغم البرد القارص ، فعرفت أن جرحه مُلتهب وأصابته بليغة.. لهذا قاسمته شطيرتي ، وأشعلت سيجارته الأخيرة اثناء كتابته الرسالتين لك ولإبنه.. ثم تحدثنا لبعض الوقت .. وقبل حلول الظلام ، سمعت طلقاتٍ ناريّة من بعيد ! فعرفت ان زملائي يلاحقون الأسرى : إمّا لقتلهم او إرسالهم للمعسكر.. فأشهرت سلاحي في وجهه ، كيّ لا يعدّونني خائناً.. فسلّمني الرسالتين وهو يقول مبتسماً : ((عائلتي امانة في عنقك.. يمكنك إطلاق النار ، فأنا مقدّرٌ وضعك يا صديقي)) .. فطلبت منه السماح ، ثم أرديته قتيلاً ! 


فجنّ جنون العروس التي هجمت عليه وهي تضرب صدره بكلتا يديها بهستيريا ، وتصرخ باكية :

- قتلت زوجي !! ثم أوهمت ابني انك صديقه ، لأقع بغرامك .. يالك من وقحٍ ملعون !!

العريس وهو يحاول تهدأتها : 

- قتلته ، لأنه أصبح صديقي خلال الساعات الثلاثة التي قضيتها معه .. لهذا خفت إن وجدوه ، أن يرسلوه لمعسكر التعذيب.. انت لا تدرين ما يفعلونه بالأسرى : هم يسلخونهم ويحرقونهم ، وأحياناً يقطّعونهم وهم احياء ! وهو بالكاد يتنفّس من آلام قدمه ، لهذا أرسلته الى الجنة .. وظننت بأني سأنساه  فور التحاقي بكتيبتي ، لكن وصيّته الأخيرة أرّقت نومي لسنوات ! .. رغم نيّتي برميّ رسائله ، لحاجتي لمعجزة للوصول لإلمانيا بجنسيّتي السوفيتيّة ، ومع هذا احتفظت بهما ! .. ورغم سيطرة السوفييت على برليّن الشرقيّة ، الا انني دفعت مبلغاً كبيراً لتزوير الهويّة النمساويّة (الموالية لإلمانيا) وتعلّمت لهجتهم البافاريّة في حال كُشف امري ، وجازفت بحياتي للوصول اليكم.. كل هذا كيّ لا تعدّينني من الأعداء .. وعندما رأيت ابنك لأول مرة ، لاحظت شبهه بأبيه ! صدّقيني ، لولا الحرب لكنت انا وزوجك من أعزّ الأصدقاء.. صحيح لم اعرفه إلاّ لوقتٍ قصير ، لكنّا تشابهنا بالأفكار والأحلام ، كأننا نشأنا من ذات البيئة ! حتى ذوقنا بالنساء مُتشابه ، فقد أُغرمت بك فور رؤيتي صورتك في جيبه بعد وفاته .. وهذا ما شجّعني للمغامرة بحياتي لرؤيتك.. ارجوك سامحيني !! 


ففتحت باب غرفتها ، وهي تقول بحزم :

- أغرب عن وجهي !! 

بصدمة : حبيبتي !

بعصبية : لست حبيبتك !! مُحالٌ ان أعيش مع قاتل زوجيّ

فتنهّد بضيق وهو يمسح دمعته :

- توقّعت ردّة فعلك .. لكن على الأقل سامحيني ، لأكمل حياتي مُرتاح البال

العروس : وهل كنت ستسامحني لوّ قتلت حبيبتك ، أيّا كانت اسبابي؟


فسكت بامتعاض.. فأكملت ، قائلةً بخيبة أمل :

- رجاءً أخرج من الحيّ بهدوء دون ان يراك احد ، خاصّة ابني الذي يكفيه فراق والده

العريس بحزن : أهذا قرارك النهائيّ ؟

- نعم !! عدّ الى بلادك.. فنحن وانتم سنبقى اعداء ، الى ان تموت جميع النساء اللآتي فقدنّ ازواجهن او اولادهن بمعارككم الوحشيّة ، فجروحنا لن تلتئم مطلقاً !! ارحل الآن قبل قدوم المعازيم


وما أن خرج ، حتى صفقت الباب بقوّة وهي منهارة بالبكاء .. بينما ابتعد مكسور القلب عن مكان العرس ، بعد أن أخسرته الحرب العبثيّة حبه الأول والأخير !


الاثنين، 19 يونيو 2023

العروس العنيدة

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

الميراث المُنتظر


علِمَ الإخّوة الثلاثة أن اختهم الكبرى (من زوج امهم الأول) سترثّ من والدها مبلغاً كبيراً فور زواجها.


ومع ذلك أصرّت على رفض العريس تلوّ الآخر بحججٍ واهية : كعيوبٍ جسديّة او ضيقها من أسلوب كلامه او مواصفاتٍ ثانويّة ! 

مما أغضب إخوانها الذين يعانون من ضائقةٍ ماليّة ، خاصة بعد بلوغها سن الأربعين . 


وبعد رفضها العديد من العرسان .. أحضروا لها شيخاً لتحصينها ، لربما كانت مسحورة او ملبوسة بالعفاريت ! ومع هذا لم يتغيّر نصيبها .. 


ووصل يأسهم لدرجة قبولهم باقتراح إحدى زوجاتهنّ : بسحرها ، للموافقة على العريس الجديد ! 

وبعد دفعهم مبلغاً كبيراً للمشعوذ ، رفضت دخول الصالة لرؤية العريس ! مُهددةً بفضح سحرهم لها بين الأقارب  


فلم يعدّ امامهم سوى الضغط عليها بطرقٍ ظالمة لإجبارها على رؤية الخطّاب ، بنيّة تقاسم ثروتها لاحقاً..

وتنوّعت العقوبات التي فرضوها عليها بين حرمانها من المصروف (بما انها لا تعمل ، ولم تُكمل دراستها الجامعيّة) .. ومنعها من الخروج من المنزل ، او محادثة صديقاتها (بعد أخذ جوّالها وحاسوبها) 


عدا عن مناقشاتهم العنيفة معها ، ووصفها بقاسية القلب لعدم مراعاتها ظروفهم الصعبة التي ممكن أن تتغيّر بعد عقد قرانها .. حيث تكفي ثروتها لشرائهم منازل جديدة لزوجاتهم اللآتي يلحوّن بزواج اختهم العنيدة.


ووصل الأمر بهم : لحرمانها من الطعام ، مما أفقدها نصف وزنها! 

ومع ذلك أغاظتهم : بشكرهم على حميّتهم الغذائية التي أفادت صحّتها كثيراً! 


فتعمّد بعضهم ضربها (رغم أنها تكبره سناً) لكنها أصرّت على رفض الزواج ، ولوّ ماتت تحت التعذيب !  

***


وفي احد الأيام ، علموا بزواج صديقتها من رجلٍ ينتمي للطبقة المخمليّة ! 

فوافقوا على ذهابها للعرس ، لربما وجدت شخصاً ذوّ مركزٍ مرموق يُحسّن ظروف حياتهم .. 

وأرسلوها مع سائقٍ آسيويّ الى صالة العرس التي تبعد ساعتين عن فلّتهم الصغيرة التي يتقاسمون غرفها (التي ورثوها عن والدتهم)  ^^^


بعد عودتها من العرس في منتصف الليل ، وجدت إخوانها بانتظارها ! حيث سألها أحدهم باهتمام :

- هل كان من بين المدعوّين شخصاً أعجبك ، او أثرتِ اهتمامه؟

فأجابت : بصراحة نعم ولا

- ماذا تعنين ؟

الفتاة : أعجبني شخص لم يكن مدعوّاً للعرس

- من تقصدين ؟!

- السائق الآسيويّ .. وجدّته ظريفاً وحسن المعشر..


فأوشك احدهم على صفعها ، لولا إيقاف أخويّه له ..

- اهدأ قليلاً !!

الأخ الغاضب : الا تسمعان ما تقوله ؟!! نحن نريد تحسين اوضاعنا الماديّة ، وهي تُغرقنا للقاعّ ! 

الأخ الثاني : اختي .. عزيزتي .. اكيد السائق علم بطريقةٍ او بأخرى عن ميراثك ، لهذا تقرّب منك طمعاً في المال

الفتاة ضاحكة : كنت أمزح معكم ، لم يعجبني احد.. انا ذاهبة للنوم ، تصبحون على خير

وتركتهم وهم يشتاظون غضباً من عنادها الغير مبرّر !

***


وذات يوم .. إجتمع إخوانها الثلاثة وهم يلحوّن عليها بالزواج من أيّ شخص بعد احتراق جزءاً من معمل والدهم الذي يعتاشون منه ، وحاجتهم الماسّة للمال..


ومع كثرة الضغط عليها ، صرخت غاضبة :

- لا استطيع الزواج ، لأني خُنثى !!

الإخّوة بصدمة : ماذا !

- علمت ذلك بعد البلوغ ، وأخفيت السرّ عن امي 

- ولما لم تخبرينا بمشكلتك ؟!

الأخت بحزن : وكيف يمكنني إخباركم أنني نصف رجل ونصف انثى ؟!

- وما العمل الآن ؟!

الأخت : قمت بإبحاثٍ مكثّفة بالأنترنت ..وتواصلت مع طبيبٍ بالدولة المجاورة ،  وأخبرني ان عمليّتي تكلّف الكثير من المال 


وبعد تشاوراتٍ حادّة بين الأخّوة ، وافقوا على إعطائها المال (رغم سوء ظروفهم الماديّة) بعد ان وعدتهم بالزواج فور عودتها كأنثى كاملة.. واشترطت عليهم إخفاء الأمر عن زواجاتهم ، وإلاّ لن يتزوّجها احد !

***


بعد شهر ، أخبرتهم بموعد عودتها .. فذهب الأخّوة الثلاثة لاستقبالها في المطار ، لكنها لم تخرج مع المسافرين ! 

وعندما سألوا الموظف ، أخبرهم أن جميع الركّاب خرجوا من الطائرة ! 


فعادوا الى موقف المطار ، وهم يتوقعون تأجيل سفرها.. ليجدوا شاباً ينتظرهم قرب السيارة ، وهو يقول :

- لما تأخّرتم ؟! هيا افتحوا الصندوق ، لأضع حقيبتي


ولولا الوحمة الحمراء على جبينه ، لما صدّقوا بأن اختهم تحوّلت الى رجل! 

ورغم صدمتهم الكبيرة بفعلتها التي ستفضحهم عند الأقارب والغرباء ، إلاّ انهم هدأوا بعد تحدّثهم مع المحامي الذي أخبرهم بأن وصيّة والدها لاستلامها الميراث : هو الزواج ، دون اشتراطه شيئاً آخر !

^^^


بعد وصولهم الفلّة ، سألها أحدهم بحماس :

- طالما تحوّلتي لشاب ، سيكون أسهل عليك الزواج من فتاةٍ فاتنة.. هيا اخترّ من تشاء ، لنزوّجك بالحال

فردّت بتهكّم : ومن قال انني أريد الزواج


فهجم عليها وهو يخنقها بكلتا يديه :

- أتنوين افلاسنا ؟!! على الأقل ، أعيدي مبلغ العمليّة

الأخ الثاني بضيق : المعمل سيتوقف إن لم نصلح الأعطال بأسرع وقتٍ ممكن

الأخ الثالث بغيظ : انت فعلاً اختٌ انانيّة ! .. او أخٌ لعين !!

^^^


وهنا ! استيقظت من منامها على طرق باب غرفتها ، قبل أن يطلّ أصغر إخوانها وهو يقول بحنان :

- هيا اختي !! اهل العريس على وشك الوصول


فنهضت مُتكاسلة وهي تشعر بالضيق لتغيّر حياتها التي تعوّدت عليها لأربعين عاماً ، عقب فشلها برفض العريس الذي وافق عليه إخوانها الثلاثة! 

^^^


وبأقل من ساعة .. تعالت زغاريد زوجات إخوانها بعد توقيع العروسيّن على كتب الكتاب الذي تمّ بسلالةٍ ويسرّ !


الخميس، 15 يونيو 2023

الزواج العسِر

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

طباعٌ مُختلفة


دخلت امرأة تُخفي وجهها بنظّارةٍ سوداء وكمّامةٍ طبّية ، وهي تجرّ عربة طفلها الى صالةٍ رياضيّة .. 

فالتفت اليها رجالٌ ذوّ عضلاتٍ مفتولة ، وهم متفاجئين من وجودها بينهم ! فسألتهم:

- اين مدرّبكم ؟


فاقترب رجلٌ في متوسط العمر ، قائلاً :

- انا !! ماذا تريدين ؟!

السيدة بنبرةٍ غاضبة : اريدك ان تُدرّبني ، لدرجة تمكّنني من ضرب زوجيّ اللعين!!

فضحك الرجال ، ساخرين منها


فأزالت بكل هدوء نظّارتها وكمّامتها .. ليظهر وجهها المتورّم من كدماتٍ حديثة ، قائلةً بقهر :

- ما ترونه في وجهي يُعتبر بسيطاً ، امام جسميّ المُتكسّر

فقال احد الرجال بغيظ :

- دلّيني على عنوان الحقير ، وأنا أضربه لك !!

فأجابت : لا !! اريد الدفاع عن نفسي وطفلي


ولأن المدرّب يكره العنف ضدّ النساء ، وافق قائلاً :

- عادةً أفتح النادي ظهراً .. لهذا حاولي القدوم صباحاً ، وسأحضر ابنتي طوال فترة تدريبك ، كيّ يرتاح بالك

السيدة : اذاً سأضع طفلي عند حماتي ، بحجّة انشغالي بأمي .. وسأتابع التدريب معك ، لحين توقف خوفي من ذلك الوحش

***


بعد التدريب لشهرين ، إستطاعت تخفيف عنف زوجها : عن طريق حماية وجهها بذراعيها الّلتان ازدادتا قوّة .. ورغم استغرابه من عدم خوفها وبكائها ، كما فعلت سابقاً ! إلاّ انه لم يخطر ببباله انها تُدرّب نفسها على مقاومته

^^^


حتى جاء اليوم الذي قدِم فيه مساءً برفقة فتاةٍ رخيصة ! 

فأوقفتهما عند الباب ، وهي تحاول كتم غيظها :

- أعرف انك تخونني من وقتٍ لآخر ، لكن أن تحضرها الى بيتي ..فهذا لا يُطاق !!

الزوج : أستظلّي تذليّني بمنزل والدك المرحوم .. هيا ابتعدي عن طريقي !! والليلة ستنامين مع ابنك المزعج في الصالة ، وأنا سأسهر مع هذه الفاتنة حتى الصباح


وقبل إكمال كلامه ، لكمته على وجهه بقوّةٍ .. أفقدته صوابه !  

وقبل أن يصفعها ، ركلته على بطنه .. جعلته يتلوّى على الأرض مُتألماً !  

بينما سارعت صديقته بالفرار ، خوفاً من زوجته المجنونة التي سحبت المفاتيح من جيبه ، وهي تقول مُهدّدة :

- إيّاك الإقتراب من منزل ابي ثانيةً !! وإن لم تصلني ورقة الطلاق خلال يومين ، سأضربك امام زملائك اثناء الدوام .. اما ابني !! فلا شأن لك به بعد اليوم 


وأغلقت الباب .. وهو مازال يتألّم بالخارج ، غير مُصدّقٍ أن زوجته الضعيفة استطاعت حماية نفسها أخيراً !

***


بعد اسبوع .. إتصلت بأختها (التي تعيش في الغربة) لتزفّ لها الخبر السعيد :

- أخيراً تطلّقت من ذلك الوحش الذي تخلّى ايضاً عن وصاية ابنه .. وانتهيت منه ، بعد تغيّر قفل منزل والدنا ولله الحمد .. ماذا عنك ؟ هل مازال زوجك يزورك يومين في الشهر ، خوفاً من زوجته الأولى وولديه؟!

- انا لا أملك جرأتك يا اختي.. ولم استطع المطالبة بحقوقي ، فوكّلت أمري لله .. بالنهاية هذا خطأي ، فأنا وافقت على علاقتنا السرّيّة .. فالقانون هنا لا يسمح بالزواج الثاني ! والحمد لله ، بعد سنوات من معاناتي مع الوحدة .. تزوّجت ابنته بسن العشرين ، وانتقل ابنه لمبنى طلاّب الجامعة.. وبعد إطمئنانه على ولديّه ، طلّق زوجته المُتسلّطة.. وهآ انا اعيش معه اجمل شهر عسل .. كل ما اتمناه ، أن لا أكون فوّتت فرصة الأمومة

- لديك صبرٌ هائل ! سبع سنوات وانت تنتظري إخبار عائلته عنك ، او تطليق زوجته المُهملة .. اما انا !! ففضّلت أخذ حقي بيدي ، بعد سنتين من عذابي مع ذلك الساديّ المُتعجرف


وانهتا المكالمة بالضحكات ، بعد ارتياحهما من مصاعب زيجاتهما المُتعسّرة

***


برأيكم من كان معها الحقّ ؟ السيدة التي أخذت حقها بيدها ، ام اختها التي تركت أمرها للزمن ؟!


الاثنين، 5 يونيو 2023

إعلان

 


سأتوقف عن الكتابة طوال الإسبوع القادم بسبب العمليّة الجراحيّة لوالدتي ، وبقائي معها في المستشفى .. دعواتكم يا اصدقاء

الأحد، 4 يونيو 2023

طائرة المحبّة

تأليف : امل شانوحة 

العريس المقهور


اثناء جلوسها في مقعد الدرجة الأولى ، إقترب منها رجلٌ (في منتصف الأربعينات) وهو يغطّي وجهه بقبعةٍ رياضيّة ونظارةٍ سوداء ، كأنه يُخفي شخصيّته ! حيث بدى عليه الثراء ، رغم ثيابه الرياضيّة ذات الماركة المشهورة .. 

ومدّ أصبعه نحوها ، وهو يقول :

- هل يمكني الجلوس امام النافذة ؟


ورغم حجّزها ذلك المقعد ، لكنها نهضت للجلوس على الكرسي بجانبه .. بينما وضع حقيبته الصغيرة اسفل قدميه .. ثم شرد بأفكاره وهو ينظر للمطار ، محاولاً إخفاء دموعه خلف نظّارته الشمسيّة (التي لا لزوم لها في ذلك المساء)


فلم تردّ مضايقته ، وتابعت كتابة قصّتها الجديدة على مذكّرة جوالها بانتظار إقلاع الطائرة

***


بعد التحليق في الجوّ .. قدِمت مراهقتان من الدرجة السياحيّة ، فأوقفتهما مضيفة الدرجة الأولى :

- غير مسموح الدخول الى هنا

فقالت إحداهنّ :

- رجاءً !! نريد توقيعاً من كاتبتنا المشهورة .. السيدة..


وفور نطقها الإسم ، إلتفتت الكاتبة نحو المضيفة وهي تقول :

- لا بأس ، سأكلّمهما على عجل


ثم وقفتا بجانب كرسيها ، وهما مُتحمستيّن لرؤيتها :

- نحن نتابع قصصك منذ سنوات

الكاتبة : حقاً ! وأيّ نوعٍ من القصص يُعجبكما ؟

فأجابت إحداهنّ :

- القصص المرعبة

المراهقة الثانية : وانا احب الرومنسيّة ، فهي واقعيّة للغاية

الكاتبة : ممتاز !! انا سعيدة إن قصصي لامست مشاعركما

- أتمنى نشر قصصي لأصبح مشهورة وثريّة مثلك


الكاتبة : إن أردّتي النجاح ، فلا تفكّري بالشهرة والثراء في بداية مشوارك المهنيّ.. كل ما عليك فعله هو إتقان الكتابة بكل قصةٍ تكتبينها .. فأنا مثلاً أتخيّل نفسي ككاتبٍ يكتب قصّته الأخيرة قبل الإعدام.. أعرف أن الصورة مخيفة ، لكن عليكِ الكتابة كأنها رسالتك الأخيرة في الحياة ! وعندما تتقنين هوايتك بشكلٍ يجعلك تكتبين تحت أيّةِ ظروف وفي أيّ مكان ، ستُفتح امامك ابواباً جديدة ، وستلاحقك الشهرة والمال أينما ذهبتِ.. قد يأخذ الأمر سنواتٍ عديدة .. فموهبة الكتابة لا تظهر سريعاً للعلن كبقيّة المواهب 

- انت كتبتِ أكثر من نصف عمرك حتى شُهرتي ، اليس كذلك؟


الكاتبة : نعم !! وهذا لا يعني انني أفضل الكتّاب ، لكني حتماً أعندهم .. تخيلا الأمر كسباق الماراثون ، يُشارك فيه آلاف الّلاعبين .. والذي يحصل على الكأس ، هو صاحب النفس الأطول.. عليكما الصبر والجهد ، مع الكثير من الأمل والتفاؤل بالمستقبل ، حتى لوّ كان واقعكما عكس ذلك.. ولا تنسيا الدعاء لله : بأن يسخّر موهبتكما لطاعته.. وأن تكون نيّتكما : مساعدة الأقارب والأصدقاء ، فهذا سيساهم بنجاحكما سريعاً

- شكراً لهذه النصيحة ، يا كاتبتنا المفضّلة

- هل يمكننا الحصول على توقيعك ؟

الكاتبة : بالطبع !!

ووقّعت لهما على نسختين من قصصها ، التي وصلت لألف قصةٍ قصيرة !

^^^


بعد عودتهما الى مقعدهما في الدرجة السياحيّة ، تمّتم الثريّ بتهكّم :

- كاتبةٌ مشهورة !

الكاتبة بابتسامةٍ متواضعة : شيء من هذا القبيل

الرجل : نصائحك لا بأس بها

- شكراً لك ، فأنا امتهنت الكتابة بعد اكتشاف موهبتي الغريبة بقراءة العيون

الرجل بنبرةٍ ساخرة : أحقاً 

- نعم ، يمكنني معرفة ماضي الشخص من نظرته الحادّة او الحزينة

فأزال نظّارته الشمسيّة ، وهو يقول باستخفاف :

- وماذا تقول عيوني ؟


فسرحت قليلاً وهي تتمعّن عينيه الدامعيتن ، قبل قولها باستغراب :

- يا الهي ! كيف تحمّلت كل هذا

- عن ماذا تتحدّثين ؟!

الكاتبة : الصدمة العاطفيّة مؤلمة للقلب ، فكيف اذا كانت من صديقٍ سرق حبيبتك !

فتوسّعت حدقتا عينيه بدهشة ! قائلاً بتلعثم :

- كيف عرفتي ؟!.. لا يعقل هذا !

الكاتبة : اهدأ رجاءً .. لن أخبر احداً بسرّك


فعاد للنظر الى النافذة ، رافضاً التحدّث بالموضوع ! 

فكتبت بقصاصة ورقٍ إقتطعتها من دفترها ، فيها :

((لربما اراد الله إزالة إمراةٍ مخادعة وصديقٍ ماكر من حياتك ، لطيبة قلبك.. لا تحزن ، فالفرج قريب))


قرأها على عجل ، قبل تجعيده الورقة .. فظنّت انه سيرميها .. لكنه دسّها في جيب قميصه ، كأن كلماتها لامست قلبه !


واستمرّ بسكوته طوال الرحلة ، لحين شعورها بالنعاس.. 

فقاومت النوم ، الى أن ذهب الى دورة المياه .. 

وفور إسناد رأسها على طرف كرسيها ، غفت على الفور 

^^^


بعد قليل ، شعرت بجسمها يهبط للخلف !


فاستيقظت مرتعبة ، لتجده يعدّل كرسيها للنوم ..وهو يقول :

- هكذا أفضل لظهرك

الكاتبة بنعاس : شكراً لك.. بالعادة لا أنام بالطائرة ، لكن رحلتنا طويلة 


وهنا اقتربت المضيفة لتسأله :

- هل أجلب غطاءً لزوجتك ؟

فأجابها : نعم ، أحضري واحداً

فابتسمت الكاتبة وهي مُغمضة العينين ، لعدم إخباره المضيفة : بأن لا علاقة تجمعه بها !

^^^


بعد نومها لنصف ساعة (مع خفض انوار الطائرة ، عقب ساعتين على بداية رحلتهم المسائيّة)


فتحت عينيها ، لتشاهد إنعكاس نور جواله على نافذة الكراسي المقابلة (الفارغة) 

وعندما أدارت رأسها نحوه ، مثّل دور النائم ! ففهمت رغبته بالعزلة


وبهدوء أزالت نظّارته الطبّية ، وإعادتها الى علبتها (على الطاولة امامه) وهي تُخفي فرحتها بعد لمحها على جوّاله المُضاء : حوارها مع الصحافة ! فعلمت انها أثارت اهتمامه


ثم اسندت رأسه على النافذة ، بعد وضع ملاءتها عليه.. ومسّدت غُرّته الناعمة بحنان ، قبل ذهابها الى دورة المياه


وكان لهذه الحركة البسيطة أثراً كبيراً في نفسه بعد فقد ثقته بالنساء ، عقب غدر حبيبته التي فضّلت صديقه (الأكثر ثراءً) عليه !

^^^


بعد خروجها من هناك .. رأته يراقبها من بعيد ، كأنه ينتظر قدومها ! وهذه المرة كان مستعداً للتحدّث معها عبر سؤاله : 

- لما كاتبة مشهورة مثلك ، حسنة المظهر لم تتزوج حتى الآن ؟

فأجابته بحزن : سحرٌ قديم

بصدمة : ماذا !

- إحدى قريباتي اعترفت بسحرٍ لن يُفكّ إلاّ بموتها ! والآن تجاوزت السبعين بينما بلغت الأربعين .. لهذا لم يعدّ موضوع الزواج مُهمّاً بالنسبة لي 

الرجل : الا يوجد حلٌّ آخر ؟!

- لا تقلق بشأني ، فأنا اؤمن بالقدر .. وإن كان لي نصيب في هذه الدنيا ، سيضع الله العريس في طريقي.

- هذا صحيح

الكاتبة : أرأيت ، كل شخصٍ لديه بلاء على قدر صبره .. الآن دورك !! إن إردّت الفضّفضة ، فالحديث مع غريبٍ لن تراه مجدّداً ، سيُريحك حتماً


فسكت بارتباك .. لتسأله :

- هل عرفتها ايام الجامعة ؟

فأجاب بحزن : نعم

- وصديقك ؟

- ابن جيراننا

الكاتبة : يعني تعرفه منذ طفولتك ؟

فأوما برأسه إيجاباً.. وسرعان ما مسح دمعته وهو يقول :

- هو لم يسرق حبيبتي فقط ، بل كل ذكرياتنا معاً : الطفولة والمراهقة والشباب .. حتى انّي لم أعدّ أذهب الى مطاعمنا المفضّلة!


ثم أخبرها عن علاقته بالخائنين لساعةٍ كاملة .. ويبدو أن الحديث خفّف قليلاً من ألم قلبه ، حيث ابتسم بعد إلقائها نكتةً مضحكة


بينما أمضى ساعته التالية في سماع موجزٍ عن حياتها الصعبة التي تعسّرت بالسحر ، والذي كان له دوراً كبيراً في تنميّة موهبتها الكتابيّة بسبب كوابيسها المتكرّرة التي حوّلتها الى قصصٍ مخيفة ، قبل تنوّعها بالكتابة !

***


ثم جاء وقت العشاء.. فأخذ يراقبها بطرف عينه وهي تتناول طعامها ، مُراعيةً اصول الأتيكيت التي تهمّه كثيراً ، فهو يهتمّ بمظهره امام الناس بسبب عائلته الراقية

كما أسعده كلامها اللطيف مع المضيفات ، وعفويّتها المرحة بعيداً عن الغرور


وبعد هبوط الطائرة.. وقبل خروجهما من المطار ، تبادلا على عجل ارقام جوّالاتهما

^^^


بعد شهرين على محادثتهما سويّاً كل ليلة ، إكتشفا تشابه طباعهما وطموحهما وآمالهما .. وكذلك شروطهما بالزواج الناجح ، وصولاً لتربية الأطفال الناجحة !


ولم تنتهي السنة حتى عُقد زواجهما ، خاصّة بعد وفاة قريبتها الساحرة ! ممّا  شجّعها على اتخاذ هذه الخطوة الجريئة (بالنسبة لها)

***


بعد شهر العسل ، إجتمعت العروس مع المراهقتيّن (الّلتين التقت بهما في الطائرة)

- هآ خالتي .. اين مكافأتنا بعد نجاح خطتك ؟


فأعطت كلاً منهما ظرفاً من المال ، وهي تهمس بحذر :

- لنبقي السرّ بيننا .. مفهوم !!

- بالتأكيد ، يا كاتبتنا المشهورة

^^^


((فما لا يعرفه العريس : أن الكاتبة سمعته يُخبّر اخاه (بالجوّال ، اثناء جلوسه بصالة المسافرين) عن سفره للإستجمام بعد صدمته بحبيبته وصديقه ..دون ملاحظته جلوسها خلفه ، وهي تستمع لقصته الصادمة !

حيث كانت تسافر مع ابنتيّ أختها بالدرجة السياحيّة .. وبعد معرفتها بحجزّه في الدرجة الأولى ..دفعت كل ما معها لاستبدال بطاقتها بكرسي بجانبه ! وطلبت من المراهقتيّن أن تقوما بتمثليّةٍ صغيرة ، كيّ تُعرّفانه بموهبتها الكتابيّة.. وهي لم تكذب بهذا الشأن ، لكنها كاتبة مبتدئة وليست مشهورة كما أوهموه ! 


وبذلك نجحت خطتها بالزواج من رجلٍ ثريّ ووسيم ، كما تحلم دائماً .. وتعهّدت بنفسها : أن تلك الكذبة ستكون الوحيدة على زوجها (الذي يُشبه ابطال قصصها) والتي تنوي إسعاده بأفكارها الرومنسيّة الحنونة التي تستوحيها من خيالها الخصب))


الجمعة، 2 يونيو 2023

سيّاف الملك

تأليف : امل شانوحة 

الحاكم الظالم


في العصور القديمة .. أراد الشاب المدلّل (الذي استلم حكم البلاد حديثاً) إثبات قوّته لشعبه (المُعتاد على عدل والده المرحوم) من خلال حملةٍ واسعة للقبض على معارضيه : سواءً الشعراء والعلماء ، او القيّاديين البارزين الذين نصروا والده بالعديد من المعارك السابقة !


كما قام بتغيّر كل من حوله ، ممّن حصلوا على مناصبهم بجدارة .. رغبةً بتعيين زملائه وأصدقائه (الفاسدين مثله) بدل العجائز الذين اختارهم والده بحنكةٍ وذكاء !


ورغم الغضب المكبوت من شعبه وقادته ، إلا انهم التزموا الصمت بعد الإعدامات المتكرّرة من سيّاف الملك (الوحيد الذي بقيّ في عمله ، لقوّته وصلابة قلبه)

***


في أحد الأيام ، سمع الملك الفاسد شعراً غزليّاً مميّزاً.. فأمر بخطف خطيبة الشاعر ، وضمّها الى جواريّ قصره ! 

مما أفقد الشاعر صوابه ، وصار يهجوه في الأسواق كل يوم ..


وكما توقّع الجميع ، أمر بإعدامه دون محاكمة !

***


في الموعد المحدّد ، قدم السيّاف ومعه السيف الذي يقطر دماً .. فعاتبه الملك :

- أوسخت سجّادي العجميّ بدماء الفاسق .. هل قتلته ببطء كما أمرتك؟

السيّاف : بل فعلت أكثر من ذلك .. (وأشار للنافذة)  


فنظر الشاب لساحته ، ليجد رأساً مُعلّقاً على سور قصره !

- يبدو وجهه مشوّهاً ! هل هو ذاته الشاعر الوسيم ؟!  

السيّاف : طبعاً !! بعد قلع عينيه ولسانه الطويل ، وغليّ رأسه بالماء الساخن قبل قطعه  

- انت حقاً تستحق وظيفتك ، فقلبك ميّت كما أخبرني والدي ! ..لكن ليتك سألتني قبل تعذيبه ! فأنا اردّت وجهه كما هو ، ليعلم الشعراء مصيرهم في حال هجوني او نقدوني ..

- كان عقاباً عادلاً بعد نقده ملِكنا المُعظّم 

وانحنى احتراماً ..

الملك : حسناً ، شكراً لك .. أتعبتك بكثرة إعداماتي .. كم صار عددهم حتى الآن ؟


ففكّر السيّاف قليلاً ، قبل أن يقول : 

- منذ توليّك الحكم .. خمسون معارضاً من كبار العلماء ورجال الدين والشعراء والقادة العسكريّن ، وبعض الرعيّة الذين ادّعوا محاربتهم الفساد!

الملك : وسأقتل المزيد إن اضّطررت لذلك ، كيّ لا يجرؤ احد على نقد حكميّ الرشيد .. الآن عدّ لمنزلك ، سأناديك عند حاجتي اليك 

- برعاية الله ، يا مولانا المُبجّل

*** 


لم تمضي شهور ، حتى أصبح الحديث عن الملك مُحرّماً بين الناس ، بعد نشر المخابرات بينهم !

 

في بداية الصيف .. وصلت للملك رسالة من حاكم البلدة المجاورة : يطالبه بإيقاف مشروع السدّ الذي سيقللّ جريان النهر في دولته .. 

لكن الشاب (عديم الخبرة) تجاهل تهديدات منافسه ، وردّ عليه باستخفاف .. مما أغضب العدو الذي أعلن الحرب عليه !


فأسرع الملك لجمع اصدقائه (الذي عيّنهم في ارفع المناصب بدولته) وأمرهم بتجهيز جيشٍ كبير ليوم المعركة .. ممّا أربكهم (فهم من الطبقة المخمليّة الفاسدة) 


في البداية ، وعدوه بتنفيذ اوامره .. ليتفاجأ بهروبهم الى بلدانٍ بعيدة ، بعد سرقتهم المال من الصناديق المخصّصة لوظائفهم : سواءً التجاريّة او العسكريّة !


وخبر هروبهم أرعب الملك الذي جمع حاشيته ، لمشورتهم بحلّ الأزمة .. لكن لا احد منهم لديه خبرة القادة العشرين الذين أُعدموا منذ توليه العرش! 

فأمر الملك بالتجنيد الإجباريّ .. ليتفاجأ برفض الأهالي تطوّع اولادهم لحمايته !


فصار يهددّ بقتل من يخالف اوامره .. ومع هذا لم يؤثّر على شعبه الذي يتمنّى موته بعد نشره الفساد بدولتهم ، بعكس والده العادل !

***


بعد اختراق جيش العدو حدود دولته ، لبس الملك زيّ قائد الجيش وهو يرتعد خوفاً فوق حصانه.. مع مئة رجلٍ ، وعدهم بمكافئةٍ ماليّة إن رافقوه للمعركة التي يعلم مُسبقاً بخسارتها ، فور رؤيته ألف فارسٍ من الجيش المنافس قادمين من بعيد ! 


وسرعان ما التقى الجيشان في السهل الواسع ، القريب من النهر المشترك بين الدولتين .. وكان واضحاً تقدّم جيش العدو على الملك (الذي بكى خلف قناعه الحديديّ) وهو يتراجع ببطء للوراء بعد مقتل العديد من جيشه ، الغير مُدرّب على خوض المعارك العنيفة !


وأوشك الملك على الإستسلام برميه رايته ، مُعلناً فوز العدو باحتلال بلاده .. قبل تفاجئه بمجموعة فرسان قادمين من قلعته ، بقيادة فارسٍ مقنّع ! قلبوا موازين المعركة بدقائق بعد قتلهم العديد من رجال الجيش المنافس ، وفرار الأحياء منهم لخلف النهر .. 

وبذلك فاز مشروع الملك : ببناء سدّ النهر الذي ينبع من دولته !

^^^


بغمرة فرحته بالنصر ، إقترب منه الفارس المقنّع .. 

فطلب الملك إزالة قناعه ، لتكريمه على شجاعته مع فريقه المميّز .. وإذّ به سيّاف القصر !

الملك بدهشة : أهذا أنت ؟!

السيّاف : نعم ، وهذا جيشيّ الصغير .. 


ثم طلب السيّاف من فريقه ، إزاله الّلثام عن وجوههم : ليظهر الخمسون من القادة والشعراء وكبار التجّار والسياسيين ، الذين حوكموا بالإعدام سابقاً !


الملك بصدمة : كيف هذا ، وقد رأيت رؤوسهم مُعلّقه على سور قلعتي ؟! 

السيّاف : كانت رؤوس كبار الّلصوص والقتلة الذين طلبت مني إطلاق سراحهم من السجن ، رغم ثبوت فسادهم لوالدك.. لهذا تعمّدت تشويه وجوههم ، لتظن بتنفيذ طلباتك الغبيّة : بقتل أفضل رجالنا !

الملك غاضباً : انت تعلم بأن عصيان أوامري يُعرّضك للإعدام !! 


فرفع السيّاف سلاحه في وجه الشاب الذي ارتعد رعباً ! 

- إسمع ايها التافه .. لولاهم (وأشار لفريقه) لأصبحت عبداً للعدو .. لكني بدهائي ، خبّأتهم في سردابٍ اسفل قصرك .. وأطلعتهم أولاً بأول على قراراتك الحمقاء التي أفسدت دولتنا .. وسمحت بتدرّبهم على الأسلحة ، تجهيزاً لهذه المعركة.. فأنا من ارسلت رسالةٍ للعدو ، لإخبارهم عن سدّك السرّي 

الملك بعصبية : انت ايها اللعين !!

السيّاف : نعم ، لرغبتي بقلب الحكم عليك 

- لا يمكنك ذلك ، فأنا الإبن الوحيد للملك السابق !


فاقترب منه عالمٌ جليل : 

- لا مُلك بعد اليوم .. فقد قرّرت انا وزملائي تحويلها الى حكومةٍ عادلة ، عن طريق تعيّن رئيسٍ كل اربع سنوات ، بإجماع مجلس الشورى الذي سيضمّ كبار التجّار ومثقفيّ بلادنا

الملك بتهكّم : تقصد انت ورفاقك ؟ 

فردّ العالم باستحقار : أتدري يا غلام .. ما وصلنا اليه الآن ، هو بسبب دلال والدك لإبنه الوحيد .. وهآ انت أفسّدت بتهوّرك ما بناه في اربعين سنة ! .. لهذا قرّرنا بالإجماع إقالتك عن العرش الملكيّ 


فقال الملك للسيّاف غاضباً : 

- كلّه بسببك !! لوّ أعدمتهم ، لما ورّطتني بهذا المشكلة

السيّاف : أتعلم لماذا لم أقتلهم ؟ لأن الفاسدين أمثالك متواجدين في كل زمانٍ ومكان .. بينما العلماء والموهوبين ، فنادروا الوجود .. فهم شرفنا وواجهة دولتنا .. 


ثم اقترب سياسي بارز من الملك : 

- لا تضعّ كل الحق على السيّاف ، فأنت من أضعت فرصتك لتكون حاكماً جيداً كوالدك ، لذلك لن نعدمك كما حكمت علينا .. بل سننفيك الى خارج البلاد 

الملك بقلق : سترسلوني لدولة العدو ؟!

العالم : لوّ أردنا ذلك ، لتركناهم يأخذونك أسيراً 

التاجر : نحن سنضعك في سفينةٍ تجاريّة ، برحلةٍ طويلة الى بلاد الغرب

الملك : لكني لا اريد الهجرة عن بلادي

السيّاف بحزم : إمّا أن ترضى بذلك ، او أقطع رأسك بسيفيّ !! فماذا تختار؟

فسكت الملك بقهر..


العالم : ولا تقلق بشأن دولتنا .. فنحن سنقيم انتخاباتٍ عادلة بين اعضاء مجلس شورى يضمّ وجهاء القوم ، لاختيار أفضلنا لحكم البلاد .. وستكون مهمّتنا نشر السلام والعدل بعد وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب  

السياسي : حتى اننا سنقيم إتفاقيّة سلام مع الدول المجاورة ، نحدّد فيها نسب مياه الريّ بيننا 


الملك : يعني ستهدمون سدودي ؟!

العالم : سنترك السدّ على النهر الصغير لمزارعنا ، أمّا السد الكبير فلا لزوم له 

الملك : لكنه كلّفني الكثير من المال !

التاجر : نعلم انك أفلستنا بمشاريعك الغبيّة ، ونحتاج الكثير من السنوات لتعويض المال الذي صرفته على حفلات رفاقك الجبناء ، وجواريك اللآتي أحضرتهن من البلاد الأجنبية .. كان الله في عوننا 


السيّاف وهو يشدّ ذراع الملك : 

- هيا !! تعال معي 

الملك بخوف : هل ستقطع رأسي ؟!

السيّاف : الم تسمع ما قلناه ؟! سآخذك الى الشاطىء ، لأتأكّد من ركوبك السفينة التجاريّة

الملك : على الأقل دعوني أعود الى قصري لتوديعه للمرة الأخيرة


القائد العسكري : أساساً شعبك متأكّد من موتك في معركتك الفاشلة ، وهذا ما سنخبرهم به .. وإن أردّت العودة ، لسرقة الأموال المُخبأة في غرفتك .. فهي ستُنقل الى بيت المال ، لإصلاح ما أفسدّته طوال الخمس سنوات من حكمك الظالم

الملك بقلق : وماذا سأفعل بالغربة دون مال ؟!

التاجر ساخراً : إعمل مزارعاً او حطّاباً ، واجني مالك من عرق جبينك .. (ثم قال للسيّاف) ..هيا خذه من هنا ، يا صديقنا الوفيّ


ثم لوّحوا لمليكهم ساخرين .. بينما يقتاده السيّاف الى الشاطىء ، برحلة اللّاعودة !


مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...