الجمعة، 2 يونيو 2023

سيّاف الملك

تأليف : امل شانوحة 

الحاكم الظالم


في العصور القديمة .. أراد الشاب المدلّل (الذي استلم حكم البلاد حديثاً) إثبات قوّته لشعبه (المُعتاد على عدل والده المرحوم) من خلال حملةٍ واسعة للقبض على معارضيه : سواءً الشعراء والعلماء ، او القيّاديين البارزين الذين نصروا والده بالعديد من المعارك السابقة !


كما قام بتغيّر كل من حوله ، ممّن حصلوا على مناصبهم بجدارة .. رغبةً بتعيين زملائه وأصدقائه (الفاسدين مثله) بدل العجائز الذين اختارهم والده بحنكةٍ وذكاء !


ورغم الغضب المكبوت من شعبه وقادته ، إلا انهم التزموا الصمت بعد الإعدامات المتكرّرة من سيّاف الملك (الوحيد الذي بقيّ في عمله ، لقوّته وصلابة قلبه)

***


في أحد الأيام ، سمع الملك الفاسد شعراً غزليّاً مميّزاً.. فأمر بخطف خطيبة الشاعر ، وضمّها الى جواريّ قصره ! 

مما أفقد الشاعر صوابه ، وصار يهجوه في الأسواق كل يوم ..


وكما توقّع الجميع ، أمر بإعدامه دون محاكمة !

***


في الموعد المحدّد ، قدم السيّاف ومعه السيف الذي يقطر دماً .. فعاتبه الملك :

- أوسخت سجّادي العجميّ بدماء الفاسق .. هل قتلته ببطء كما أمرتك؟

السيّاف : بل فعلت أكثر من ذلك .. (وأشار للنافذة)  


فنظر الشاب لساحته ، ليجد رأساً مُعلّقاً على سور قصره !

- يبدو وجهه مشوّهاً ! هل هو ذاته الشاعر الوسيم ؟!  

السيّاف : طبعاً !! بعد قلع عينيه ولسانه الطويل ، وغليّ رأسه بالماء الساخن قبل قطعه  

- انت حقاً تستحق وظيفتك ، فقلبك ميّت كما أخبرني والدي ! ..لكن ليتك سألتني قبل تعذيبه ! فأنا اردّت وجهه كما هو ، ليعلم الشعراء مصيرهم في حال هجوني او نقدوني ..

- كان عقاباً عادلاً بعد نقده ملِكنا المُعظّم 

وانحنى احتراماً ..

الملك : حسناً ، شكراً لك .. أتعبتك بكثرة إعداماتي .. كم صار عددهم حتى الآن ؟


ففكّر السيّاف قليلاً ، قبل أن يقول : 

- منذ توليّك الحكم .. خمسون معارضاً من كبار العلماء ورجال الدين والشعراء والقادة العسكريّن ، وبعض الرعيّة الذين ادّعوا محاربتهم الفساد!

الملك : وسأقتل المزيد إن اضّطررت لذلك ، كيّ لا يجرؤ احد على نقد حكميّ الرشيد .. الآن عدّ لمنزلك ، سأناديك عند حاجتي اليك 

- برعاية الله ، يا مولانا المُبجّل

*** 


لم تمضي شهور ، حتى أصبح الحديث عن الملك مُحرّماً بين الناس ، بعد نشر المخابرات بينهم !

 

في بداية الصيف .. وصلت للملك رسالة من حاكم البلدة المجاورة : يطالبه بإيقاف مشروع السدّ الذي سيقللّ جريان النهر في دولته .. 

لكن الشاب (عديم الخبرة) تجاهل تهديدات منافسه ، وردّ عليه باستخفاف .. مما أغضب العدو الذي أعلن الحرب عليه !


فأسرع الملك لجمع اصدقائه (الذي عيّنهم في ارفع المناصب بدولته) وأمرهم بتجهيز جيشٍ كبير ليوم المعركة .. ممّا أربكهم (فهم من الطبقة المخمليّة الفاسدة) 


في البداية ، وعدوه بتنفيذ اوامره .. ليتفاجأ بهروبهم الى بلدانٍ بعيدة ، بعد سرقتهم المال من الصناديق المخصّصة لوظائفهم : سواءً التجاريّة او العسكريّة !


وخبر هروبهم أرعب الملك الذي جمع حاشيته ، لمشورتهم بحلّ الأزمة .. لكن لا احد منهم لديه خبرة القادة العشرين الذين أُعدموا منذ توليه العرش! 

فأمر الملك بالتجنيد الإجباريّ .. ليتفاجأ برفض الأهالي تطوّع اولادهم لحمايته !


فصار يهددّ بقتل من يخالف اوامره .. ومع هذا لم يؤثّر على شعبه الذي يتمنّى موته بعد نشره الفساد بدولتهم ، بعكس والده العادل !

***


بعد اختراق جيش العدو حدود دولته ، لبس الملك زيّ قائد الجيش وهو يرتعد خوفاً فوق حصانه.. مع مئة رجلٍ ، وعدهم بمكافئةٍ ماليّة إن رافقوه للمعركة التي يعلم مُسبقاً بخسارتها ، فور رؤيته ألف فارسٍ من الجيش المنافس قادمين من بعيد ! 


وسرعان ما التقى الجيشان في السهل الواسع ، القريب من النهر المشترك بين الدولتين .. وكان واضحاً تقدّم جيش العدو على الملك (الذي بكى خلف قناعه الحديديّ) وهو يتراجع ببطء للوراء بعد مقتل العديد من جيشه ، الغير مُدرّب على خوض المعارك العنيفة !


وأوشك الملك على الإستسلام برميه رايته ، مُعلناً فوز العدو باحتلال بلاده .. قبل تفاجئه بمجموعة فرسان قادمين من قلعته ، بقيادة فارسٍ مقنّع ! قلبوا موازين المعركة بدقائق بعد قتلهم العديد من رجال الجيش المنافس ، وفرار الأحياء منهم لخلف النهر .. 

وبذلك فاز مشروع الملك : ببناء سدّ النهر الذي ينبع من دولته !

^^^


بغمرة فرحته بالنصر ، إقترب منه الفارس المقنّع .. 

فطلب الملك إزالة قناعه ، لتكريمه على شجاعته مع فريقه المميّز .. وإذّ به سيّاف القصر !

الملك بدهشة : أهذا أنت ؟!

السيّاف : نعم ، وهذا جيشيّ الصغير .. 


ثم طلب السيّاف من فريقه ، إزاله الّلثام عن وجوههم : ليظهر الخمسون من القادة والشعراء وكبار التجّار والسياسيين ، الذين حوكموا بالإعدام سابقاً !


الملك بصدمة : كيف هذا ، وقد رأيت رؤوسهم مُعلّقه على سور قلعتي ؟! 

السيّاف : كانت رؤوس كبار الّلصوص والقتلة الذين طلبت مني إطلاق سراحهم من السجن ، رغم ثبوت فسادهم لوالدك.. لهذا تعمّدت تشويه وجوههم ، لتظن بتنفيذ طلباتك الغبيّة : بقتل أفضل رجالنا !

الملك غاضباً : انت تعلم بأن عصيان أوامري يُعرّضك للإعدام !! 


فرفع السيّاف سلاحه في وجه الشاب الذي ارتعد رعباً ! 

- إسمع ايها التافه .. لولاهم (وأشار لفريقه) لأصبحت عبداً للعدو .. لكني بدهائي ، خبّأتهم في سردابٍ اسفل قصرك .. وأطلعتهم أولاً بأول على قراراتك الحمقاء التي أفسدت دولتنا .. وسمحت بتدرّبهم على الأسلحة ، تجهيزاً لهذه المعركة.. فأنا من ارسلت رسالةٍ للعدو ، لإخبارهم عن سدّك السرّي 

الملك بعصبية : انت ايها اللعين !!

السيّاف : نعم ، لرغبتي بقلب الحكم عليك 

- لا يمكنك ذلك ، فأنا الإبن الوحيد للملك السابق !


فاقترب منه عالمٌ جليل : 

- لا مُلك بعد اليوم .. فقد قرّرت انا وزملائي تحويلها الى حكومةٍ عادلة ، عن طريق تعيّن رئيسٍ كل اربع سنوات ، بإجماع مجلس الشورى الذي سيضمّ كبار التجّار ومثقفيّ بلادنا

الملك بتهكّم : تقصد انت ورفاقك ؟ 

فردّ العالم باستحقار : أتدري يا غلام .. ما وصلنا اليه الآن ، هو بسبب دلال والدك لإبنه الوحيد .. وهآ انت أفسّدت بتهوّرك ما بناه في اربعين سنة ! .. لهذا قرّرنا بالإجماع إقالتك عن العرش الملكيّ 


فقال الملك للسيّاف غاضباً : 

- كلّه بسببك !! لوّ أعدمتهم ، لما ورّطتني بهذا المشكلة

السيّاف : أتعلم لماذا لم أقتلهم ؟ لأن الفاسدين أمثالك متواجدين في كل زمانٍ ومكان .. بينما العلماء والموهوبين ، فنادروا الوجود .. فهم شرفنا وواجهة دولتنا .. 


ثم اقترب سياسي بارز من الملك : 

- لا تضعّ كل الحق على السيّاف ، فأنت من أضعت فرصتك لتكون حاكماً جيداً كوالدك ، لذلك لن نعدمك كما حكمت علينا .. بل سننفيك الى خارج البلاد 

الملك بقلق : سترسلوني لدولة العدو ؟!

العالم : لوّ أردنا ذلك ، لتركناهم يأخذونك أسيراً 

التاجر : نحن سنضعك في سفينةٍ تجاريّة ، برحلةٍ طويلة الى بلاد الغرب

الملك : لكني لا اريد الهجرة عن بلادي

السيّاف بحزم : إمّا أن ترضى بذلك ، او أقطع رأسك بسيفيّ !! فماذا تختار؟

فسكت الملك بقهر..


العالم : ولا تقلق بشأن دولتنا .. فنحن سنقيم انتخاباتٍ عادلة بين اعضاء مجلس شورى يضمّ وجهاء القوم ، لاختيار أفضلنا لحكم البلاد .. وستكون مهمّتنا نشر السلام والعدل بعد وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب  

السياسي : حتى اننا سنقيم إتفاقيّة سلام مع الدول المجاورة ، نحدّد فيها نسب مياه الريّ بيننا 


الملك : يعني ستهدمون سدودي ؟!

العالم : سنترك السدّ على النهر الصغير لمزارعنا ، أمّا السد الكبير فلا لزوم له 

الملك : لكنه كلّفني الكثير من المال !

التاجر : نعلم انك أفلستنا بمشاريعك الغبيّة ، ونحتاج الكثير من السنوات لتعويض المال الذي صرفته على حفلات رفاقك الجبناء ، وجواريك اللآتي أحضرتهن من البلاد الأجنبية .. كان الله في عوننا 


السيّاف وهو يشدّ ذراع الملك : 

- هيا !! تعال معي 

الملك بخوف : هل ستقطع رأسي ؟!

السيّاف : الم تسمع ما قلناه ؟! سآخذك الى الشاطىء ، لأتأكّد من ركوبك السفينة التجاريّة

الملك : على الأقل دعوني أعود الى قصري لتوديعه للمرة الأخيرة


القائد العسكري : أساساً شعبك متأكّد من موتك في معركتك الفاشلة ، وهذا ما سنخبرهم به .. وإن أردّت العودة ، لسرقة الأموال المُخبأة في غرفتك .. فهي ستُنقل الى بيت المال ، لإصلاح ما أفسدّته طوال الخمس سنوات من حكمك الظالم

الملك بقلق : وماذا سأفعل بالغربة دون مال ؟!

التاجر ساخراً : إعمل مزارعاً او حطّاباً ، واجني مالك من عرق جبينك .. (ثم قال للسيّاف) ..هيا خذه من هنا ، يا صديقنا الوفيّ


ثم لوّحوا لمليكهم ساخرين .. بينما يقتاده السيّاف الى الشاطىء ، برحلة اللّاعودة !


هناك تعليق واحد:

  1. عاصم : تعدو الذءاب على من لا كلاب لهم ...وتتقي مربض المستثفر الحامي .
    وحتى ذاك اليوم : سنظل تحت الزفت طيلة
    عمرنا ...مادام هذا الزفت في صنعاء .


    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...