السبت، 30 سبتمبر 2017

فتاة الإرشيف

فكرة : اختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة



انا أذكى من هذا العمل المملّ !

في عصر يومٍ غائم .. أوقفت صبيّة سيارتها فوق إحدى المرتفعات الجبلية .. ومن ثم مشت قليلاً , الى ان اقتربت من الحافة الصخرية 
وهناك تذكّرت جميع التجارب السيئة التي حصلت في حياتها , والتي لم يكن فيها ايّ شيء يُشجّعها على البقاء حيّة .. 

فمثلاً : قبل شهور , أجهضت جنينها للمرة الثالثة ممّا أدّى الى طلاقها .. والأسوء انها لم تجد عملاً يوفّر لها لقمة العيش بعد انفصالها عن زوجها .. والبارحة , هدّدها صاحب العمارة بطردها آخر الشهر ان لم تدفع له الأجرة المستحقّة منذ شهرين .. هذا عدا عن طفولتها المشتّتة التي عاشتها متنقلة بين منزليّ والديها المطلّقين .. وكذلك ما عانته من قِبَل الطلاّب المتنمّرين طوال سنوات دراستها .. كل هذا جعلها تتخذّ قراراً هذا اليوم بالإنتحار , للتخلّص من حياتها الكئيبة 

وقبل لحظات من قفزها نحو الهاوية , إنتابتها نوبةً هستيرية ..فصارت تصرخ بأعلى صوتها !! وتطلق الشتائم بأسماء كل من حوّل حياتها الى جحيم ..

وفجأة ! سمعت صوت رجلٍ من خلفها , يقول لها بضيق :
- هاى انت !! متى ستتوقفين عن الصراخ ؟!! اريد ان انام
وكاد خروجه المفاجىء (من الغابة الموجودة بجانب الجبل) ان يُوقعها الى الأسفل , لكنها تماسكت بآخر لحظة .. 

ثم أدارت وجهها اليه , مُعاتبةً بغضب : 
- كنت سأموت بسببك يا رجل !!
فقال ساخراً : الم تأتي الى هنا لهذا السبب ؟
فردّت بعصبية : وما دخلك انت ؟!! ثم من اين خرجت ؟ هل انت جنّي ؟!
(وقالت ذلك : بسبب شعره ولحيته الطويلتان , كما هندامه الغير مرتّب)  

فابتسم قائلاً : والله لا الومك على هذا التشبيه , فأنا لم اهتمّ بنفسي منذ مدة .. لكن ليتني كنتُ جنّياً , لروّعت جميع اعدائي .. المهم اسمعي .. بيتي قريبٌ من هنا , وصراخك العالي أزعجني .. لهذا رجاءً ..ان كنت تنوين الإنتحار , ففعليها بهدوء 

ثم تابعته الشابة بنظرها الى ان دخل بيته (الموجود خلف الأشجار القريبة منها) وهي تتمّتم بعصبية : 
- لم يكن ينقصني سواك يا احمق .. والآن اين كنت ..

واقتربت ثانيةً من الهاوية , وفتحت ذراعيها وأغمضت عيناها في محاولةٍ منها لإستجماع قواها بالقفز نحو مصيرها

الاّ انها سمعت صوته مجدّداً من بعيد , يقول لها :
- على فكرة يا آنسة !! لن تموتي مباشرةً , لأنه يوجد أسفل منك  صخرةٌ كبيرة تعترض طريقك , وستسبّب حتماً بكسّر جميع عظامك قبل خروج روحك  

فارتعبت الصبيّة , ونظرت بقلق تحت قدميها (عند الحافة) لكن الضباب الكثيف منعها من التحقّق ان كان ما يقوله صحيحاً ام لا .. بينما أكمل هو قائلاً :
- انا لا أكذب عليك !! ومن الأفضل ان تجدي طريقةً اخرى للإنتحار , لأنه لا أحد يستحق ان يموت بهذه الطريقة المؤلمة 

فاحتارت الصبيّة بأمرها , بينما استغلّ هو ارتباكها :
- ان شئتِ !! لديّ وسيلةً اخرى ستريحك أكثر .. لكن اولاً تعالي الى بيتي , لنشرب بعض الشايّ الساخن الذي سيُدفئنا في هذا الجوّ البارد .. 
ووقفت متردّدة في مكانها , الى ان شعرت ببعض زغّات المطر تتساقط على يدها ..

وهنا صرخ الشاب قائلاً : هيا اسرعي !! فالمطر سيهطل قريباً 
ولم ترى نفسها الاّ وهي تركض بسرعة ناحية منزله , بعد ان أرعبها صوت الرعد المفاجىء ! والذي يُنذر بهطول مطرٍ غزير 
***

وداخل منزل الشاب .. جلست الفتاة قرب النافذة وهي ترتشفّ كوب الشايّ , وتراقب المطر الذي ترافق مع غروب الشمس
وبعد اصرارٍ من الشاب لمعرفة اسباب إقدامها على الإنتحار , أخبرته أخيراً بتفاصيل حياتها البائسة .. 

وبعد ان انتهت (بعد ساعتين) من سرد مأساتها .. قال لها :
- انا آسف لكل ما حدث معك .. تفضلي المنديل , مدام ناديا
وبعد ان مسحت دموعها قالت له : 
- ليتك لم توقفني , فأمامي اسبوعين فقط لأوفّر أجار شقتي والاّ سأصبح مُشرّدة في الشوارع 
- سأحلّ لك هذه المشكلة الآن 

وفتح درج خزانته وأخرج منه بطاقة , أعطاها إيّاها 
- إمسكي .. هذه البطاقة عليها رقمٌ خاص لسكرتيرة تعمل في شركة محترمة .. إتصلي بها غداً , وقولي لها : بأنك من طرف الأستاذ جاك اندرسون .. وهي ستوظّفك في المكان المناسب

فقالت له بسخرية : يا سلام ! .. أبهذه السهولة وظّفتني في شركتك الخيالية يا .. آه صحيح ! ما هو اسمك ؟
- ينادوني ب(زيكو) .. وهذه الشركة يُديرها شخصٌ عزيزاً عليّ , وهو مدينٌ لي بخدمة

ثم وقف قائلاً :
- انا ذاهبٌ للنوم الآن , لأني تعوّدت على الإستيقاظ باكراً .. وانت يمكنك التمدّد على هذه الكنبة .. وغداً صباحاً تعودين الى بيتك لترتّبي أمورك للعمل الجديد .. تصبحين على خير  

ثم دخل غرفته دون ان يُفهمهما تفاصيل العمل الذي دلّها عليه .. 
ورغم انها لم تصدّق بأن هذا المتشرّد يمكنه حلّ مشكلتها المادية , الا انها قرّرت الإتصال (لاحقاً) بالشركة لأنها لا تملك حلاً آخر
***  

وبعد يومين .. حصلت ديانا على مقابلة عمل في هذه الشركة الضخمة .. لكن يبدو ان السكرتيرة (إنجي) لم تتقبّل وجودها بينهم , ولهذا وظّفتها في إرشيف الشركة الموجود في قبو المبنى ..
وهناك كان عليها مشاركة العمل مع موظفين آخرين (رجل وسيدة , كبار في السن) كانا يقضيان النهار كلّه بالحديث بينهما , لهذا لم تستطع ديانا التركيز على عملها الذي هو : تدوين الملفات داخل الكمبيوتر .. فقرّرت ان تبقى ساعتين بعد الدوام , للإستفادة من هدوء الشركة بعد خلوّها من الموظفين 
*** 

وبعد شهرين .. إكتشفت ديانا معلوماتٍ خطيرة في الملفّات القديمة تؤكّد بأن ابن عم صاحب الشركة (والذي يَشغل مركز نائب المدير) قام حتى الآن باختلاس آلاف الدولارات من رصيدها البنكي , بمساعدة بعض موظفيّ الإدارة .. 

لكن ديانا فضّلت إخفاء هذه المعلومات لحين إيجاد الأدلّة الكافية التي تدين جميع المتورّطين بهذه الجريمة , قبل ان تفضحهم لمدير الشركة (والذي لم تلتقي به حتى اليوم !)
***  

وفي عصر يومٍ ما .. تفاجأت بشابٍ وسيم يدخل خفيّة الى الأرشيف , ويبحث بين ملفاتها :
ديانا (وهي ترفع عصا المكنسة عليه) برعب : توقف عندك ايها اللصّ !!!
فسقطت الملفات من يد الشاب بفزع : آه يا الهي ! أهذا انت يا ديانا ؟! لقد أرعبتني يا فتاة  
ديانا بدهشة : كيف عرفتني يا هذا ؟! فأنا لم ارك من قبل !
فابتسم قائلاً : من حقّك ان لا تعرفيني , لكني صاحب كوخ الجبل ..
باستغراب : أهذا انت يا زيكو ؟! لقد تغيّر شكلك تماماً بعد ان حلقت شعرك وذقنك , كما ان الملابس الرسمية تبدو رائعة عليك .. من اين سرقتها ؟

فيضحك قائلاً : استلفت الطقم من صديقي .. المهم الآن .. لما انت في الأرشف بهذا الوقت المتأخّر ؟ ..(ثم قال مُمازحاً) أكنتِ تسرقين الشركة ؟
فأجابته : أسرق ماذا يا رجل , أصلاً الشركة ستعلن افلاسها قريباً 
بقلق : ولماذا تقولين ذلك ؟!
- لأن السوس ينخر فيها , ولا تسألني لماذا 
- أظنني فهمت قصدك , فلا طالما كانت لديّ شكوك عن عمليات نصب تحدث في الشركة ! لكني أحتاج الى دليل يثبت ذلك , ولهذا قدمت الى هنا بعد إنصراف الموظفين

- ولماذا يهمّك أمر الشركة كثيراً , هل تعمل هنا في قسم المحاسبة ؟
فابتسم قائلاً : شيءٌ من هذا القبيل .. المهم يا ديانا , اذا وجدّتي ايّ شيءٍ مُريب , إخبريني به فوراً 
- لا يا صديقي .. ان وجدت شيئاً , فسأسلّمه بنفسي لمدير الشركة كيّ أحصل على علاوة , او على الأقل يرفعني الى منصبٍ افضل من موظفة إرشيف , فهذا العمل المملّ لا يناسب طموحاتي
- حسناً كما تشائين , المهم ان تبقى عيونك مفتوحة لتعرفي كل المتورّطين بهذا الموضوع ..
ثم تركها لتُكمل عملها ..
***

وبعد شهر من البحث المتواصل خلف الحقائق والأرقام المزيفة المدوّنة في الملفات القديمة , استطاعت ديانا اخيراً التوصّل الى اسماء كل المتورطين بعمليات النصب لصالح النائب وقريب المدير (آدم) , كما عرفت بأن السكرتيرة (إنجي) متورّطة مادياً وكذلك عاطفياً مع النصّاب آدم 

وقد حاولت ديانا على مدار اسبوع ان تقابل مدير الشركة لتسلّمه الملف الخطير بنفسها .. لكن يبدو ان إنجي تشكّ في أمرها , ولهذا منعتها (أكثر من مرة , وبحججٍ مغايرة) من رؤية رئيس الشركة ..
***

وفي زيارتها الثامنة , غضبت إنجي من ديانا وقالت لها :
- قلت لك الف مرة ان مديرنا مشغول !! لكن في حال كان الملف الذي معك مهم كما تقولين .. فالأفضل ان تسلّميه لي , وانا سأعطيه للمدير في وقت فراغه
لكن ديانا رفضت ذلك , لأنها تعرف بأن إنجي متورّطة مع شبكة المخالفين 
ديانا بارتباك : لا شكراً , سآتي في وقتٍ لاحق

وقبل ان تنصرف , سمعت المدير يسأل سكرتيرته (من جهاز اللاسلكي على المكتب) :
- إنجي .. إرسلي في طلب ديانا , موظفة الأرشيف
فأجابت إنجي بتردّد : هي في مكتبي الآن
صوت المدير : جيد , إرسليها لي
وبعد ان أطفات إنجي جهاز الإتصال , قالت لها بلؤم :
- تفضلي , المدير في انتظارك
***

وقد تفاجأت ديانا بما رأته داخل مكتب المدير..
- أأنت يا زيكو , مدير كل هذه الشركة ؟! 
فأجابها بابتسامة : نعم , انا جاك اندرسون .. تفضلي بالجلوس
وبعد ان جلست , قالت له معاتبة : طيب لما لم تخبرني بذلك ؟ ..ولما لم .. 
مقاطعاً : أعرف ان في رأسك عشرات الأسئلة , وأهمّها : لما كنت اعيش مُشرّداً في الجبال ؟ لكن الوقت غير مناسبٌ الآن , فأنا أحتاج لمعرفة آخر أخبار الملف الذي تعملين عليه .. هل انتهيت منه ام لا ؟

فسلّمته الملف وهي تقول : 
- عليك الحذر من نائبك , فهو رئيس العصابة .. كما دوّنت في هذا الملف , جميع اسماء شركائه المتورطين في عمليات النصب 
وبعد ان قرأ زيكو الأدلّة التي تثبت تورّطهم .. 
قال بضيق : كنت متأكّداً بأن ابن عمي ينصب عليّ منذ عينته نائبي , لكني متفاجىء بحجم إختلاسه ! فهو تقريباً سرق ربع مال الخزينة ! اللعنة عليه !!
***

في غرفة السكرتيرة .. سمعت انجي حديثهما , فالمدير (جاك) لم يكن يعرف بإنها وضعت جهازاً لتنصّت في مكتبه .. 
وعلى الفور !! إتصلت بإبن عمه لتخبره بانكشاف أمرهم 

وعندما أتصل جاك بإنجي ليطلبها هي ونائبه الى مكتبه لتحقيق معها , عرف بأنهما خرجا من الشركة باكراً  
***

وفي إحدى المطاعم .. جلست إنجي مع النائب آدم وهما يخطّطان للهرب سويّاً بالمال الذي سرقوه الى الخارج .. لكن إنجي رفضت الرحيل قبل الإنتقام من ديانا التي كانت السبب في فضح مخطّطاتهما للأستيلاء على كل الشركة 
***

وبعد شهور من هرب ابن العم الى خارج البلاد  .. وصل خبرٌ لجاك من جارة ديانا : بأنها تشتمّ رائحة غاز خارجة من شقتها  
جاك بقلق : اذاً اتصلي بالأطفاء سريعاً , قبل ان يندلع حريقٌ في بيتها
الجارة : لا !! انا أخاف من الشرطة .. تعال انت وانقذ صديقتك بنفسك
ثم أقفلت الخط في وجهه
***

وكالمجنون !! انطلق نحو شقة ديانا التي وجد بابها مفتوحاً ! وعندما دخل غرفة نومها , وجدها نائمة مع عشيقها في غرفةٍ إمتلأت بالشموع الرومنسية !
وهنا التفت اليه صديقها الذي قال بنعس : هاى انت !! كيف تدخل علينا هكذا دون استئذان ؟!

فخرج جاك من بيتها مصدوماً , بعد ان انجرح قلبه ! لأنه أحبها بعد ان عمِلا سويّاً (خلال الشهور الماضية) لإخراج الشركة من أزمتها المادية , بعد انسحاب آدم وإنجي من الإدارة

ثم ركب سيارته وهو يتمّتمّ : كنت سأتزوجك قريباً يا ديانا , فلما خنّتِني هكذا ؟ ... (ثم صرخ بغضب) ..اللعنة عليك , وعلى كل النساء !!
ومن ثم توجه مسرعاً ناحية كوخ الجبل , الذي وصل اليه مع تباشير الصباح 
*** 

وعندما وصلت ديانا الى الشركة في اليوم التالي , تفاجأت بأمر طردها من الشركة , موقّعة من جاك شخصياً ..
فحاولت الإتصال به مراراً وتكراراً لتفهم سبب الطرد , لكن جوّاله ظلّ مقفلاً .. الاّ انها عرفت بالصدفة (بعد سماعها لحوار بين موظفتين) بأنه عاد الى كوخه في الجبال 
***

وقد وصلت ديانا الى هناك قبيل غروب الشمس .. وعندما فتح لها الباب قال لها بغضب :
- لما لحقتي بي الى هنا ؟!! 
بدهشة : ولما انت غاضبٌ مني هكذا ؟ وكيف تطردني بعد كل الذي فعلته من أجلك ومن أجل شركتك ؟!
فاقترب منها , قائلاً بغضب : لأنك تشبهين زوجتي , فجميعكنّ خونة وغير جديراتٍ بالثقة .. هيا إغربي عن وجهي !! ولا اريد رؤيتك مرة ثانية , لا هنا ولا في شركتي .. أفهمتي !! 

ثم اغلق الباب في وجهها .. 
فعادت الى سيارتها مصدومة , دون ان تفهم شيئاً !
***

وفي باريس .. إتصلت إنجي بحبيبها آدم لتبشّره بنجاح خطتها :
إنجي بفرح : وهآقد استطعت أخيراً الإنتقام من ديانا الفضولية 
آدم : وماذا فعلتي لتنجح خطتك ؟ 
إنجي : قمت بدفع بعض المال لزوجة حارس العمارة التي تسكن فيها , وهي في المقابل أعطتني نسخة عن مفتاح شقتها .. ثم أرسلت لديانا بيتزا , بعد ان طلبت من صبي التوصيل ان يُخبرها : بأنها مقدّمة من جاك 
- وهل وضعت فيها المخدّر ؟

فأجابته بخبث : بالطبع !! وبعد ان غرقت في نومٍ عميق , طلبت من زوجة البوّاب ان تتصل بجاك وتخبره بأنها جارتها , وبأن ديانا أعطتها رقمه في حال حصل لها مكروه 
آدم : وهو بالتأكيد صدّق كلامها , لأنه يعرف مخاوف ديانا من إنتقامنا 
- بالضبط .. المهم انه بعد هذا الإتصال .. دخلت الى شقتها ومعي شابٌ وسيم , كنت دفعت له المال لينام بجانبها على السرير ..وبعد ذهاب الشاب , برحيل جاك .. قمت بإزالة الزينة التي وضعتها بنفسي , كي تبدو وكأن ديانا زيّنت غرفتها لإستقبال العشيق 

فضحك آدم قائلاً : والمسكينة استيقظت على نبأ طردها من الشركة من قِبل حبيبها , دون ان تعرف المصيبة التي حصلت في بيتها 
إنجي : هي استحقّت ذلك , بسبب تدخلها فيما لا يعنيها
آدم بفخر : يالك من ملعونة يا إنجي .. مع إنني كنت أفضّل لوّ انك سافرتي معي , قبل ان تُرفع علينا قضيّة الإختلاس .. فأنا تمكنت من الهرب , لكنك علقتي في البلد بعد قرار منعك من السفر
- كان لابد ان انتقم منها ليرتاح ضميري .. ولا تقلق عزيزي , فأنا حتماً سأجد حلاً يخرجني من هذه الورطة , ويجعلني التقي بك قريباً 
- وانا في انتظارك حبيبتي .. حاولي ان لا تتأخّري عليّ 
*** 

امّا نتيجة المؤامرة الخبيثة فكانت شديدة الوقع على كلا العاشقين (جاك وديانا) التي أدّت الى فراقهما لشهورٍ طويلة .. قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي عرف فيه جاك (بالصدفة) كل الحقيقة !

ففي أحد الأيام .. وبينما كان يمشي بممرّات شركته شارد الذهن , سمع إحدى الموظفات تقول لصديقتها :
- ليتك رأيتي كم كانت إنجي منهارةٌ البارحة في حفلة زميلنا , بعد معرفتها بزواج آدم من امرأةٍ فرنسية , فهو كان وعدها بالزواج عندما يجتمعان في الخارج .. والأخطر من ذلك , هو ما أخبرتني به عن ديانا بعدما أكثرت من الشرب 

وهنا تنصّت جاك (من خلف الباب) على المؤامرة التي حِيكت ضدّ ديانا , مما جعله يشعر بالندم الشديد لظلمه لها .. 
وعلى الفور !! ذهب الى مكتبه ليجري العديد من الإتصالات لمعرفة اين ذهبت ديانا بعد تركها لمكان إقامتها  
*** 

وبعد ثلاثة ايام .. وصلت لجاك معلومات : بأن ديانا عادت الى قرية اهلها , وهي تعمل هناك كمعلمة في مدرسة حضانة
*** 

وبعد يومين .. تفاجأت به يقف عند باب مدرستها (بعد خروج الطلاب) .. 
فقابلته ديانا بوجهٍ صارم : مالذي أتى بك الى هنا ؟
الا انه أصرّ على الحديث معها ليخبرها بأمرٍ مهم .. وبصعوبة استطاع إقناعها بقبول عزيمته على الغداء في مطعمٍ قرب البحر 

وهناك أخبرها بمؤامرة إنجي ضدّهما 
فقالت ديانا بعصبية : وانت صدّقت بسرعة خيانتي لك , وطردتني من شركتك ومن كل حياتك , دون ان تناقشني في الموضوع ؟!

- لا تغضبي مني , فهذه لم تكن الصدمة الأولى لي .. فأنا أخبرتك سابقاً عن خيانة زوجتي التي جعلتني انسحب من حياتي , لأعيش وحدي مُشرداً لسنتين في الجبال .. فمن يمكنه تحمّل معرفة بأن ابنته البالغة ثماني سنوات لم تكن سوى ابنة عشيق زوجته ؟! لهذا كان من الطبيعي ان أعاقبك دون سماع تبريرك لوجود ذلك الشاب في بيتك .. وأتمنى يا ديانا أن تتفهّمي موقفي  

فسكتت ديانا وهي تنظر الى البحر (من نافذة المطعم) محاولةً امساك دموعها .. لكنها تفاجأت به ينحني قربها , رافعاً خاتم الزواج في وجهها وهو يقول :
- هل تقبلين الزواج مني يا ديانا ؟

لكنها تردّدت بالموافقة , لأنها مازالت غاضبة منه  
فقال لها بصوتٍ منخفض , بعد ان ألتفّ الناس حولهما لتصويرهما بالجوّال 
- ديانا .. إقبلي بي , لتعاقبيني كل يوم عن عدم ثقتي بك 

فابتسمت قائلة بصوتٍ منخفض : والله لأجل هذا السبب فقط , سأقبل بك .. 
ثم رفعت صوتها قائلة : نعم موافقة !!

فقام جاك وحضنها بشغف , وسط تصفيق الناس لهما 

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

الفيلا المُريبة

تأليف : امل شانوحة


ما هذا الدرج المُخيف ؟!

كانت توجد في أطراف المدينة , فيلا قديمة تم تجديدها حديثاً .. ومن ثم قام المالك بتأجيرها , بعد ان قسّم كُلّ طابقٍ منها الى شقةٍ منفردة .. بحيث كانت للشقة العلوية بابٌ خارجي خاصٌ بها (من القبو الى خلفية الفيلا) , وهي بعيدة عن الباب الخارجي الآخر الأمامي , الموجود في الفناء الصغير الذي يخصّ الطابق الأول فقط .. 

ولأن سعر الشقة العلوية أرخص , قام باستئجارها شابٌ أعزب .. بينما استأجرت العائلة (المكوّنة من الوالدين وابنتهما المراهقة , وطفليهما التوأمين في السادسة من عمرهما) الطابق السفلي , مُتضمّناً حديقة الفيلا 

وبعد ان قبض المالك أجار الشقتين عن السنة القادمة , سافر لمتابعة اعماله في الخارج ..
***

ولم تشعر العائلة طوال الثلاثة أشهر (التي مرّت عليهم منذ انتقالهم للفيلا) بالشاب الذي كان يسكن فوقها بسبب هدوء طباعه , ولأنه كان ينام صباحاً ويخرج في المساء ويعود عند الفجر !
***

وفي ليلة من الليالي .. تفاجأ الوالد بجاره الشاب يطرق عليه الباب (الفاصل بين الطابقين) لأوّل مرة .. وبعد ان فتح له :
اعطاه الشاب مفتاح شقته العلوية بيده التي ترتجف بشدّة , بينما كانت عيناه زائغتان وجسمه مُتعرّقٌ بشدة .. ثم قال وهو يتلعثم بالكلام , ويتلفّت حوله بخوف : 
- لو سمحت يا أخ .. أعدّ مفتاح شقتي لصاحبها بعد عودته من السفر , لأنني تركت المنزل ..

وبعد ان استلم منه المفتاح , قال له : 
والد العائلة : حسناً سأفعل .. وان كنت تريد المساعدة بنقل حاجيّاتك , فيمكنني ان ..
فقاطعه قائلاً وهو يلهث برعب : لا !! لا اريد شيئاً .. كل ما اطلبه منك ان لا يصعد أحدٌ منكم الى فوق مهما كانت الأسباب 

وخرج سريعاً من الفيلا (من بابها الثاني) تاركاً الأب في حيرة , بسبب رحيل جاره على عجل دون أخذ أيٍّ من حاجياته , وكأنه يهرب من شيءٍ ما !  
***

وبعد مرور اسبوعين .. وبحلول المساء .. لاحظت العائلة فروغ خزانها من الماء , ممّا ضايق الأب الذي كان ينوي الإستحمام استعداداً لمقابلة مهمّة في عمله بصباح اليوم التالي .. لهذا إضّطر للنوم باكرأ هو وابنائه الصغار .. 

وبعد ساعتين .. وبينما كانت الأم وابنتها ترتّبان غرفة المعيشة قبل استعدادهما للنوم .. تفاجئتا بالأب يفتح الباب الفاصل بين الطابقين وهو يحمل منشفته وملابسه .. 
فسألته زوجته بدهشة : هل ستستحمّ في بيت جارنا ؟!
لكنه لم يجيبها , فقالت لأبنتها : 
- مفتاح بيت جارنا بالدرج العلوي قرب سريري .. إحضريه سريعاً , لتفتحي الباب لوالدك 

وعلى الفور !! أحضرت الفتاة المفتاح .. ومن ثم سابقت والدها الى فوق بحماس لفتح بيت الجار , فهي لطالما ألحّت على والديها ان ترى الطابق العلوي قبل إعادة المفتاح لصاحب الفيلا , لكنهما كانا يرفضان طلبها في كل مرة ..

وبعد ان ركضت على الدرج .. ووصلت الى الشقة قبل والدها , تكلّمت معه من فوق :
- ابي !! لقد وصلت .. هل افتح لك الباب ؟
فأجابها من الدرجات السفلية : نعم , افتحيه 

وبعد ان فتحت باب الجار .. إنتابتها قشعريرة من الظلام المخيف داخل شقته .. فتراجعت الى الخلف ! 
ثم أطلّت برأسها من فوق الدرج , تنادي والدها :
- هيا ابي , تعال !! .. اين وصلت ؟! 
لكن والدها لم يجيبها , وكأنه لا يوجد أحدٌ يصعد السلالم !

وعندما نظرت الى الشقة ثانيةً , رأت والدها في الداخل وهو يدخل احد الغرف  
الصبية برعب : ابي ! كيف سبقتني الى فوق ؟!

وفجأة !! إنطفأ نور الدرج .. 
وكردّةِ فعلٍ منها : أسرعت ناحية الغرفة المضيئة التي بها والدها (داخل شقة الجار) وهي تصرخ برعب :
- ابي !! اين انت ؟!!!

وهنا أُقفل عليها باب الشقةّ !
***

وفي الطابق السفلي .. دخلت الأم غرفة نومها , لتتفاجأ بزوجها غارقٌ في النوم ..
فسألت نفسها بفزع :
- اذاً من الذي رأيناه يصعد الى فوق ؟!

وعلى الفور !! توجهت ناحية الباب الذي يفصل بين الطابقين .. وما ان فتحته , حتى سمعت صرخات ابنتها من بين الظلام , وهي تقول :
- امي !! إقفلي الباب سريعاً , واهربوا من هنا !!!

لكن خوف الأم على ابنتها جعلتها تصعد أولى الدرجات (بعد ان اشعلت النور) لكنه انتابها خوفٌ مُفاجىء حينما رأت دخاناً اسوداً ينزل باتجاهها (من فوق) .. ولم ترى نفسها الى وقد عادت الى شقتها , بعد ان أقفلت الباب الفاصل بين الشقتين , والذي اهتزّ بعنف وكأن شيئاً من خلفه يحاول فتحه بالقوة ! 

ثم ركضت الأم باتجاه غرفة طفليها لتهرّبُهما من هذا المنزل المسكون , الا ان غرفتهما كانت فارغة ! 
فعادت الى غرفة زوجها لتستغيث به , الا انه ايضاً لم يكن في سريره .. 

وهنا سمعت بوق السيارة المتتابع , قادماً من خارج الفيلا ..  
ففتحت باب الفيلا لترى الباب الخارجي مفتوح , وولداها الأثنان يجلسان في سيارة والدهما (الذي كان ينظر باتجاه الشارع ببرود) , وهما يصرخان لأمهما بفزع :
- امي !! بسرعة إركبي السيارة .. علينا الهرب قبل ان يأكلنا الوحش

فركضت الأم باتجاه الباب الخارجي , وهي تنادي زوجها :
- اين تذهب ؟! إدخل لتنقذ ابنتك اولاً
لكن باب الفناء اُغلق فجأة في وجهها ! فحاولت فتحه الا انه كان مُغلقاً من الخارج بإحكام .. 

ثم سمعت (من خلف الباب) صوت السيارة وهي تنطلق بإبنائها بعيداً عن الفيلا 
فصارت تصرخ الأم لزوجها بهستيريا :
- اين تهرب يا حقير !! تعال وانقذني انا وابنتك

وبهذه اللحظات , سمعت صرخات ابنتها من الداخل .. فأسرعت ناحية باب الفيلا , لكنه أغلق ايضاً في وجهها , لتعلق الأم في حديقة الفيلا ! 

وصارت تحاول بيأس طوال الليل دخول الفيلا او الخروج الى الشارع لتستنجد بالناس , لكن كلا البابين مُغلقان بإحكام .. 
وبالنهاية انهارت قواها , لتسقط مغشياً عليها في فناء الدار
***

في صباح اليوم التالي .. استيقظت الأم في المستشفى وهي تعاني من خربشات وجروح في انحاء متفرقة من جسدها , وهي حتى لا تدري كيف أُصيبت بها ! لكنها مازالت تتذكر جميع الأحداث المرعبة التي حصلت مساء الأمس في بيتها 
***

ورغم انها أخبرت الشرطة بما حصل هناك , الا انهم لم يجدوا ابنتها في الطابق العلوي للفيلا بعد اقتحامها , كما لم يجدوا أثراً للأب واطفالها الأثنين .. فأصيبت الأم بإنهيارٍ عصبي , وصارت تشتم زوجها الذي خذلها وخطف ولديها دون أيّ مبررٍ ! 
وظلّت تبكي وتنوح على ابنائها المفقودين , مما اضّطر الطبيب ان يخدّرها كي ترتاح قليلاً 
***

وبعد ان ذهب الجميع من غرفتها (من المحققين والممرّضات) وقبل ان تستسلم الأم للنوم , لاحظت دخول شخصٍ بالخفيّة الى غرفتها ! ورغم عدم وضوح صورته بعينيها الناعستين , الاّ انها عرفته بعد ان أقترب منها , وكان جارهم القديم الذي همس لها :
الشاب : لقد اخبروني بما حصل لعائلتك , واعتذر لك عن كل ما ..
وهنا أمسكت بيده , وقالت له بصوتٍ تعب :
- ماذا حصل لعائلتي ؟ واين هم الآن ؟! 

فقال لها بصوتٍ منخفض : إهدئي قليلاً وسأخبرك بكل شيء .. (ثم تنهّد بضيق) .. انا أدرس الشعوذة .. لكني أخطأت حين قرّرت ان أقيم لوحدي جلسةٍ روحانية .. ولم ادرك انني أخرجت جنّياً لعيناً من حبسه .. ولكونه كان مُعاقباً لقرون داخل سجن الجن لسوء اعماله , فهو خرج من هناك جائعاً
الأم بقلق : ماذا تعني بجائع ؟!

- يعني يريد زوجة بأيّ شكل , وأظنّه إختار ابنتك عروساً له 
وقبل ان تستوعب الأم كلامه , أكمل قائلاً :
- كما أظنّه تلبّس في جسد زوجك , وأجبره على خطف ابنائك الصغار 
الأم بخوف : وماذا سيفعل بهما ؟!
الجار : أعتقد انه سيتقرّب بهما الى ابليس , بجعلهما قرباناً له 
الأم بذهول : هل سيحرُقهما والدهما ؟!

لكن الجار أبعد يدها التي كانت تضغط على يده بقوة :
- أعتذر منك يا خانم .. لكنك فقدت عائلتك , وعليك ان تُكملي حياتك من دونهم .. سامحيني رجاءً

ثم هرب سريعاً من الغرفة , تاركاً الأم تصرخ بهستيريا !!! وقد أزعج صراخها كل من في المستشفى , ممّا أجبر الطبيب على إرسالها الى مستشفى الأمراض العقلية لتُكمل علاجها هناك ! 

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

الموهبة المشؤومة

 كتابة : امل شانوحة

طفل,توحّد,تنبؤات,مستقبل,مخيف

أصبحتُ أخاف من تنبؤات إبني المتوحّد !

تعوّدت الأم الشابة (سلمى) على تنويم ابنها سمير (تسع سنوات) بجانبها كلما سافر والده الى الخارج , خاصة انه يعاني من أعراض مرض التوّحد (الغير مستعصية) 

وقبل ان تستسلم للنوم جلست تفكّر بزيارة صديقتها , الاّ انها تفاجأت بإبنها يقول لها بصوتٍ نعس : 
- لا تذهبي اليها يا امي , هي امرأةٌ سيئة 
ثم غفا مجدّداً .. فلم تعرّ إهتماماً بكلامه , لظنّها بأنه تكلّم في نومه
***

في اليوم التالي .. ذهبت صباحاً الى منزل والدتها ..
- امي , سأعود بعد ساعة .. إبقي سمير عندك , لأزور صديقتي .. فأنا لم أرها منذ مدّة
فقبلت امها بذلك , لكن قبل ان تغلق الباب .. أمسك سمير بيد امه قائلاً بقلق : 
- ارجوك امي لا تذهبي اليها .. فهي ستُبكيك كثيراً

فتبادلت الأم والجدة نظرات الحيرة والدهشة ! لكن امه اقتربت منه وقبّلته قائلة :
- لا تقلق , انا لن اتأخّر عليك .. وحاول ان تكون ولداً مطيعاً ولا تتعب جدتك .. مفهوم حبيبي
ثم ذهبت لكيّ تُفاجأ صديقتها بزيارة دون موعد
***

وبعد ان وصلت سلمى لآخر الدرجات الموصلة لشقة صديقة طفولتها , تفاجأت بزوجها يخرج من بيت صديقتها قائلاً :
- سآراك بعد اسبوع حبيبتي
صديقتها مروى : يعني قرّرت العودة الى بيتك
فقال لها بابتسامة : انا لي اسبوعين معك الا يكفيك يا شقيّة .. (بسخرية) ..كما انني اشتقت الى زوجتي النكدية وابني المعاق
ولم يُكملا ضحكتهما الساخرة , الاّ وتفاجآ بصرخة الزوجة وهي تصعد اليهما كالمجنونة !! 

وعلى الفور !! تشابكت الأيدي بينها وبين عشيقته .. لكن لسوء حظها , ادّى هذا العراك الى طلاقها .. لتعود سلمى منهارة الى بيت أهلها اللذين أمضيا النهار كلّه في تهدأتها بعد ان إنفصلت عن زوجها الخائن .. 
***

وفي المساء .. دخلت سلمى الى غرفتها القديمة مع ابنها لينامان بعد هذا النهار الشاق .. فحضنها قائلاً بحزن :
- الم أقل لك بأن لا تذهبي الى هناك , يا امي ؟

وهنا تذكّرت سلمى بأن ابنها قام بتحذيرها من قبل , فمسحت دموعها وسألته : 
- سمير .. هل رأيت صديقتي مروى في بيتنا مع البابا , عندما كنت انا في الخارج ؟
- لا ابداً .. لكني رأيتك اليوم وانت تلكمينها على وجهها بقوة , وتنعتينها بالخائنة
بدهشة : كيف هذا ؟! أنت لم تكن معي هناك !
فهمس قائلاً : انا أرى كل شيء يا امي

ثم أدار ظهره للجهة الأخرى من السرير .. وقبل ان تستفهم عن قصده ,  غرق هو في نومٍ عميق
***

ومع الأيام , توالت الصدف الغريبة ! التي بدأت بأمورٍ صغيرة .. 
فمثلاً : بعد ايام من طلاقها , لاحظت سلمى إنعزال ابنها سمير عن الجميع , فقرّرت أخذه الى مسبح الصغار لتحسين نفسيته , لكنه رفض بشدّة الذهاب الى هناك 
امه : سمير ! انت تحب السباحة كثيراً , فلما لا تريد الذهاب الآن؟  لكنه ظلّ يبكي ويصرّ على الرفض , ولهذا اضّطرت الى أخذه الى هناك بالقوة.. 

وعند المساء , لاحظت إرتفاع حرارته .. وقد أمضى الثلاثة الأيام التي تلتها في السرير , وهو يعاني من تسمّمٍ حصل له بسبب مياه المسبح الملوثة 
وبينما كانت امه تغيّر له الضمّادات الباردة , قال لها بتعب : 
سمير : الم اخبرك بأنني لا اريد الذهاب الى هناك ؟
- وكيف عرفت بأن المسبح سيُصيبك بالمرض ؟ 
- وكم مرّة عليّ التكرار لكم , بأنني أعرف كل شيء .. رجاءً لا تعاندوني ثانيةً !!

وهذه كانت اللحظة التي انتبهت فيها الأم على تنبؤات ابنها المستقبلية .. وقد أخبرت أهلها بموهبة ابنها الفريدة .. لكن عائلتها لم تصدّقها الا بعد  الأحداث التالية 
*** 

فبعد اسبوع ..وقبل ذهابه مع امه في نزهة , قال سمير لخالته الصغيرة بحزم :
- ايّاكِ ان تنسي إغلاق نافذة الحمام , فأنا اخاف من الحشرات 
لكن بالطبع تناست خالته الموضوع , لتتفاجىء فيما بعد بامتلاء الحمام بنملٍ طيّار دخل من خلال النافذة المفتوحة !
***

وفي آخر يومٍ من الشهر ..
أراد الجدّ الذهاب الى البنك لاستلام معاشه التقاعدي .. فنادى على حفيده :
- سمير !! تعال لنذهب سويّاً في نزهة
لكن الصغير ظلّ يلعب بلعبته الالكترونية قائلاً لجده (دون النظر اليه) :
- لا تتعب نفسك يا جدي , فلا يوجد مالٌ في البنك .. على الأقل ليس الآن

فتفاجأ الجد , لأنه لم يخبره بشأن البنك ! ومع هذا ذهب الجدّ لوحده الى هناك , ليخبروه بأن معاشه سيتأخّر يومين عن موعده
***

وفي عطلة الربيع .. قدِمَ الخال من السفر لتمضية إجازته الشهرية مع عائلته ..

وبعد يومين .. أخذ ابن إخته سمير معه , ليستاجر سيارة يقضي بها ايام العطلة .. وعندما وصلا الى صالة العرض , أعجبته السيارة السوداء .. لكنه تفاجأ بسمير يمسك بيده ويقول بإصرار :
- لا يا خالي !! السيارة سوداء سيئة .. إختر غيرها , ارجوك !!!
لكن الخال لم يهتم لبكائه , واستأجر السيارة التي أعجبته 
*** 

وبعد يومين فقط .. زار سمير وامه , الخال في المستشفى بعد ان تعرّض لكسورٍ متفرّقة جرّاء حادث سير
وهنا اقترب منه سمير قائلاً بغضب :
- انت تستحق ذلك !! 
امه معاتبة : سمير ! ما هذا الكلام يا ولد ؟!!
سمير بعصبية : هو لم يسمع نصيحتي يا امي .. وجميعكم ايضاً تتجاهلون تحذيراتي , لأنكم أغبياء !!
ثم خرج غاضباً من الغرفة , ليقف مع جده الذي كان يطمّئن على حالة ابنه من الدكتور  

وفي الداخل .. سأل الأخ اخته عن حالة الصبي :
- سلمى ! لما أشعر بأن ابنك غير طبيعي ؟!
فأجابته بحزن : نحن لم نرد إخبارك بمرضه وانت خارج البلد , لكنه مصاب بالتوحّد 
بدهشة : كيف ! هو يتكلّم أفضل من الأطفال المتوحّدين !
- نعم لأن حالته ليست سيئة لهذه الدرجة , وهذا يعود لسرعة إكتشافي لمرضه وعلاجه على الفور 
- ومتى لاحظت مرضه ؟

- في سنّ الثانية .. حيث كنت أراه يكررّ الحركات ذاتها لوقتٍ طويل , كما كان يرفرف كثيراً بيديه , ويجد صعوبة في الإشارة الى شيءٍ يريده .. ولا يستجيب لندائي له , ولا ينظر في عينيّ , ويتضايق كثيراً حين يقترب منه ايّ شخص .. كما لم يكن يلعب مع الأطفال في نفس سنه .. وكثيراً ما كان يمشي على أطراف اصابعه , ويحب الدوران حول نفسه .. حتى انه لم يكن يلعب بسياراته , بل يكتفي بصفّها خلف بعضها ! والأسوء انه لم يكن يشعر بالألم , بل كان يستمتع بجرح نفسه .. وكل هذه الإشارات جعلتني أعرض حالته  على طبيب أطفال , والذي أخبرني : بأنه في بدايات مرض التوحّد .. لكن والحمد الله , تحسّنت حالته كثيراً بعدما أسرعت في علاجه .. لكن للأسف , كلامه مازال قليلاً .. وإن تكلّم , فأنه يُخبرني بأحداثٍ مستقبلية , عادةً ما تتحقّق !

فقال أخوها : نعم لاحظت ذلك متأخراً .. ليتني سمعت كلامه بشأن السيارة المشؤومة .. (ثم قال ممازحاً) .. برأيّ يا اختي , عليك الإستفادة من قدرات مشعوذك الصغير , فتنبؤاته ستجعلك امرأة غنيّة 
***

وفي إحدى الايام , زارتهم عمّة سلمى .. لكن سمير رفض بشدّة الدخول الى الصالة والسلام على العجوز .. وبعد ذهابها , عاتبته امه :
- سمير , لما لم تسلّم على عمتي ؟! وأغضبت بذلك جدّك
- لأنها امرأة سيئة , قامت بسحر خالتي (نجوى) كيّ لا تتزوج ابداً 
امه بدهشة : ماذا ! ولما تفعل ذلك بأختي ؟! 
- لأنكم رفضّتم إبنها عريساً لها
- هذا كان منذ خمس سنوات !
- نعم , فهي من ذلك الوقت سحرتها

وعلى الفور !! نقلت سلمى هذا الكلام الى امها , التي بدورها نقلته الى زوجها (والد سلمى) ..ورغم عدم تصديقه للموضوع , الاّ انه قبل بأخذ ابنته الصغرى الى الشيخ الذي أكّد بأن تعسّر زواج ابنته الصغيرة كان بسبب السحر ! 

ولاحقاً , استطاع الشيخ فكّ سحرها بصعوبة .. لتنهال عليها (فيما بعد) عروض الزواج , بعد ان كانت متوقفة لسنواتٍ طويلة
***

وبعد اسابيع .. وبينما كانت خالته نجوى تجلي الصحون (بعد ان نام الجميع) دخل الصبي المطبخ وهو يترنّح من النعاس  
خالته : لما استيقظت يا سمير ؟
لكنه لم يجيبها , بل أخذ كوباً نظيفاً كان موجوداً على الطاولة , ووضع فمه داخله وصار يتمّتم بكلامٍ غير مفهوم .. ثم يعود ويضعه على إذنه , وكأنّه يُجري حديثاً خفياً مع الكوب ! 

فجلست نجوى بجانبه , وسألته باستغراب :
- مالذي تفعله بالضبط ؟!
سمير : أسالهم عنك 
بدهشة : وعن ماذا تسأل ؟!
- عن عريسك 
فحاولت أن تجاريه بالكلام (رغم عدم تصديقها له) : وهل سأتزوج قريباً ؟
- نعم .. حتى إسمعي بنفسك
فأخذت منه الكوب ووضعته على إذنها (كما طلب منها) ثم قالت له: 
- انا لا أسمع شيئاً يا سمير
فقال بابتسامة : بالضبط !! لأن حياتك لن يكون فيها ايّةِ مشاكل , وسيكون منزلك هادئاً , تماماً مثل هذا الكوب 
ووقف قائلاً : لا تقلقي يا خالتي .. ستكونين بخير 
ثم ذهب للنوم , بعد ان أشغل تفكيرها
***

وفي اليوم التالي .. سألته نجوى عمّا أخبرها به البارحة
فأجابها بدهشة : لكني لم استيقظ البارحة يا خالتي ! 
ولم يتذكّر ايّ شيء مهما حاولت خالته تذكيره , الاّ انها أرادت معرفة المزيد عن عريس المستقبل .. 

فانتظرت حلول المساء ..ثم دخلت غرفة اختها , بعد ان اصرّت عليها  بأن تنوّم الصبي بنفسها .. 
وقبل ان يغفا , سألته : 
نجوى : سمير إخبرني ..هل عريسي سيكون ابن الجيران الذي يعجبني ؟
بصوتٍ نعس : لا ليس هو بل عريسٍ جديد : غني , وجميل جداً , ويعمل موظفاً .. ونصيحةٌ مني يا خالتي .. إبتعدي عن ابن الجيران فهو رجلٌ سيءٌ جداً , ولا ينوي الزواج بكِ

وبالفعل !! قبلت خالته بنصيحته وابتعدت تماماً عن ابن الجيران , على أمل ان تتحقّق نبوءته بشأن عريسها القادم 
***

لكن بعد ايام .. أغاظ سمير خالته كثيراً حينما كسر شاشة جوّالها , فضربته بحزامها .. وهنا قال لها بغضب :
سمير : الآن عرفت لما لن تنجبين البنات !! 
***

وفي إحدى الأيام .. كان سمير وامه في نزهة مع خاله وصديقه .. وعندما ذهب صديق خاله ليشتري الذرة من العربة المتوقفة هناك , اقتربت صبيّة من البائع لشراء الذرة ايضاً .. وهنا ترك سمير يد امه ووقف قرب الشاب والصبية قائلاً : 
- انت يا عم (يقصد صديق خاله) ستتزوج من هذه الصبيّة , بعد ثلاثة أشهرٍ من اليوم 
فخجلت الصبيّة من كلام الصغير , وابتعدت عنهم .. 

ومن ثم أخبر الشاب سلمى واخوها بما قاله له سمير قبل قليل ..
فقالت له ام سمير بارتباك : انا آسفة ان وضعك ابني بهذا الموقف الحرج , لكن برأيّ : لا تستخفّ بكلامه , فهو يملك حدساً قويّاً جداً
وهنا اقترب صديق الخال من الولد سمير قائلاً : والله لو صدق كلامك وتزوجت من تلك الصبيّة الجميلة , فلك مني أجمل هدية 
فقال سمير بحماس : اذاً اريدك ان تحضر لي سيارة كبيرة تمشي على البطارية 

فضحك الكبار من ثقة سمير الزائدة بتحقّق نبوءته (الشبه مستحيلة برأيهم , لأن الشاب لا يعرف من هي الفتاة , او اين تسكن)
***

ومع بداية السنة الدراسية .. إستطاعت سلمى ان تجد وظيفة لها في مدرسة إبنها الإبتدائية .. وبعد مضيّ بضعة شهور .. لاحظت المعلمات بأن توقعات سمير المستقبلية تتحقّق في كل مرّة !
***

وفي أحدى الأيام , في غرفة المعلمات .. إقتربت احداهنّ من سمير (بعدما تركته امه معهنّ لتذهب الى الحمام) فسألته قائلة :
- سمير .. بما انك ترى المستقبل كما تدّعي .. أيمكنك ان تخبرني.. متى سأنجب طفلاً , فأنا متزوجة منذ فترة طويلة ؟ 
لكن سمير ظلّ صامتاً , فضحكت منه ساخرة :
- يالا غبائي , كيف صدّقت ان طفل متوحّد مثلك يعرف المستقبل

وهنا دخلت امه الغرفة , لتلاحظ بأن ابنها يحاول كبت غضبه , بسبب سخرية المعلمات من موهبته .. 
ولم ينطق سمير بحرف الى ان خرجت تلك المعلمة (التي سألته) من الغرفة , ثم قال لهنّ بعصبية :
- انا لم اردّ ان أجيبها , لأنها ستموت بعد ايّام !!  

فصُدم الجميع من إجابته ! حتى انه لم تجرأ إحداهنّ على إخبار تلك المعلمة بتنبؤه المشؤوم لها 
***

وبعد مرور عدّة ايّام .. إستقبلنّ المعلمات ام سمير بوجوههنّ المُتجهّمة
سلمى باستغراب : خير , مالذي حصل ؟!
فقالت إحداهنّ : لقد ماتت هدى البارحة مساءً 
وقالت الثانية بعصبية : إبنك شؤم يا سلمى , ولا نريده في مدرستنا 
فردّت امه : وما ذنبه ان كان رأى مستقبلها ؟!
المعلمة الثالثة بقلق : نحن نريدك فقط ان لا تحضريه الى غرفتنا , لأننا نخاف على أنفسنا من تنبؤاته المخيفة
فوافقت على طلبهنّ مُرغمة 
***

وعندما عادت الى البيت , قالت لأبنها :
سلمى : ارجوك يا سمير .. لا تتوقّع للناس الاّ بالأشياء الجيدة
سمير : وماذا أفعل ان كنت أحياناً لا ارى الا مصائبهم المستقبيلة ؟!
- حينها لا تقلّ شيئاً يا بنيّ , لأني لا اريد أن تخاف الناس منك
- حسناً سأحاول يا امي , وان كان احياناً يُجبرني العجوز على الكلام
امه بدهشة : ايّ عجوز ؟!
لكنه لم يُجيبها , بل ذهب ليلعب في غرفته
وهنا قرّرت سلمى أن تأخذ ابنها للشيخ الذي عالج اختها من السحر
***

وفي بيت الشيخ .. وبعد ان كشف عليه , أخبر امه (بعيداً عن الصبي) :
- ابنك يا خانم لديه موهبةً فريدة , فهو يرى قرائن الناس 
الأم بقلق : وماذا يعني هذا ؟!
الشيخ : القرين يعيش معنا طوال عمرنا وهو بالتأكيد يعرف ماضينا , ولا ادري ان كان يعرف مستقبلنا ايضاً .. وفي كل الأحوال ..ابنك وجد طريقة للتواصل فيها مع قرناء الناس , وهي موهبة خطيرة .. ولهذا اتمنى ان تكتمي سرّ ابنك , كي لا يستغلّه أحد 
***

وبعد خروج سلمى مع ابنها من بيت الشيخ .. توقفت امامهما سيارة اجرة , فيها رجلٌ آخر وإمرأة تجلس في الخلف 
وبدون مقدمات .. قفز الرجل (الذي بجانب السائق) باتجاه سلمى , ورشّ المخدّر في وجهها , لتسقط مغمى عليها .. بينما أسرعت المرأة بخطف ابنها سمير
***

ومضى شهران ..لم تعرف الأم فيهما شيئاً عن ابنها المختطف ! وكانت على وشك الأنهيار العصبي , حتى أتى طليقها (والد الصبي) ذات يوم وأخبرها : بأنه وجد فيديو لإبنه على اليوتيوب وهو يُبصّر للناس في إحدى مناطق الريفية البعيدة عن المدينة .. 

ويبدو ان تلك المرأة (المختطِفة) كانت من بين الناس المتواجدون في بيت الشيخ , والتي سمعته بالصدفة وهو يتكلّم مع سلمى عن موهبة ابنها الفريدة .. فقامت بالإتصال بقريبها (سائق الأجرة) الذي حضَرَ على الفور مع صديقه , لتنفيذ خطة إختطاف سمير , لإستخدام موهبته لاحقاً في الشعوذة , وإستغلال سذاجة الناس في القرى  

وبسرعة انطلق والديّ سمير الى الشرطة ليخبروهما بالمستجدّات  
***

وبعد ايامٍ من البحث .. تم القبض على العصابة التي تديرها هذه المشعوذة .. وتم إعادة سمير الى حضن امه , التي رجعت الى طليقها (والد الصبي) بعد وقوفه بجانبها طوال المحنة 
***

وفي مساء إحدى الأيام .. وقبل ان ينام سمير سأل امه بقلق : 
- امي .. ماذا حصل للطفلة الشقراء نورا ؟
امه : كانت المشعوذة تستغلها كبقيّة الأطفال التي إختطفتهنّ , كي يتلبّس بها الجن , بغرض استغلالها في الجلسات الروحانية 
- أعرف هذا يا امي , فالمشعوذة أخبرتني بأن موهبتي النادرة وفّرت عليها مهمّة خطف الأطفال .. لكن ماذا حصل لهم ؟
- لا تقلق يا سمير , فالشرطة أعادتهم جميعاً الى أهاليهم 
- ونورا ايضاً 
امه بابتسامة : يبدو انها أعجبتك 

- كنت أشفق عليها , لأنها لم تكن تتحمّل رؤية الجن الذين كانوا يزوروننا في المساء , بسبب تعويذات المرأة التي كانت تُلقيها علينا 
سلمى بغضب : لعنة الله عليها !! المهم انها ستبقى في السجن لمدّة طويلة ..وكل ما اتمنّاه منك يا سمير , ان تحاول نسيان الأيام التي قضيتها في الريف ..وانا غداً سأقيم لك حفلة كبيرة , لعودتك سالماً اليّ
***

وفي اليوم التالي وأثناء الحفل .. قدِمت صديقاتها المعلمات لتهنئتها على سلامته ..وكانت إحداهنّ حاملاً , فقالت للجميع بفرح :
- باركوا لي يا اصدقاء .. فأنا أخيراً حاملاً بولد !!
معلمة اخرى مهنّئة : الف مبروك يا ناديا .. أكيد زوجك فرح كثيراً بقدوم هذا الصبي , بعد سبع بنات 
الحامل بارتياح : بالتأكيد !! ولا أخفي عليكنّ ..كدّت أموت من الخوف البارحة أثناء فحص الطبيبة لجنس الجنين , لأن زوجي هدّدني بأنه سيُطلّقني في حال أنجبت له البنت الثامنة

وهنا قال سمير لها : لكنك بالفعل حامل بالبنت الثامنة
فاقتربت منه (المرأة الحامل) وهي تُخفي قلقها : 
- لا يا سمير ..فالفحص أثبت بأنه صبي والحمد الله
سمير بإصرار : لا هذا غير صحيح , لأنك حامل ببنت 

فعاتبت امه (بعد ان لاحظت تضايق صديقتها الحامل من كلامه) : 
- سمير , إذهب والعب مع الأطفال 
وبعد ان ذهب , قالت لها الحامل بضيق :
- سلمى .. الم نطلب منك الا يخبرنا ابنك بتنبؤاته المشؤومة ؟!!

فاعتذرت سلمى عن ابنها .. لكن الحامل تركت الحفلة , بعد ان تضايقت من كلام سمير الذي أقلقها كثيراً 
***

ومع بداية العطلة الصيفية .. دخلت سلمى غرفة ابنها , لتجده يبكي بقهر :
امه بقلق : ماذا هناك يا سمير ؟!
وهو يمسح دموعه : صديقي العجوز أخبرني قبل قليل بما سيحصل في المستقبل 
- وعن من أخبرك هذه المرة ؟ 
سمير بحزن : عنك يا امي 
بقلق : وماذا قال عني ؟! 

فقام سمير من سريره وحضنها بقوة وهو يبكي , ثم قال :
- بأنك ستموتين بعد 17 يوم و12 ساعة من الآن .. وانا لا اريدك ان تموتي يا امي
وعاد الى البكاء المرير ! 
***

وقد جرى ذلك الحوار بيني وبين ابني قبل اسبوعين .. وهآ أنا اكتب لكم , وقد تبقى لي ثلاثة ايام فقط على الموعد المحدّد ..ولا ادري إن كان سيصدق كلامه للمرّة المئة ام لا ؟!

فأختي مثلاً : تزوجت رجلاً بنفس الصفات التي أخبرها عنه , وهي لم تنجب سوى الأولاد ! 
اما صديقتي الحامل فأنجبت بالفعل بنتاً ثامنة , وقد طلقها زوجها 
امّا صديق أخي فقد تزّوج من نفس الصبيّة التي كانت تشتري الذرة , وفي نفس الموعد الذي حدّده سمير , بعد ان التقى بها في إحدى المحال التجارية بالصدفة 

وغيرها كثير من الصدف .. فهل ستصدق تنبؤاته الأخيرة بشأني .. وهل سأموت فعلاً بعد ثلاثة أيام ؟!
انا جداً خائفة .. أرجوكم ساعدوني !
**********  

ملاحظة :
هذه القصة ما هي الاّ سرد لأحداث حقيقية حصلت مع صبي أعرفه شخصياً , حيث كانت لديه أعراض التوحّد منذ الصغر .. لكنه والحمد الله إنشفى من مرضه بعد ان أصبح شاباً , واختفت مع بلوغه تنبؤاته المستقبلية التي كانت تصدق في كل مرة .. وان كان مازال يتمتّع بحدسٍ قوي حتى يومنا الحالي 

اما قصة المشعوذة التي كانت تخطف الأطفال لتستغلّهم في جلساتها الروحانية , فهي قصة حقيقية حصلت في ريف مصر قبل سنوات  
*** 

وفي نهاية الأمر .. أنصحكم بأن لا تستهينوا ابداً بقوّة الحدس الذي يمتلكه اطفال التوحّد (ذويّ الحالات الغير مستعصية) لأنه ربما عدم إدراكهم الكامل بما حولهم , يمنحهم القدرة على التقاط الأشارات والتحذيرات الإلهية قبلنا .. 
وأختم كلامي بالدعاء : 
((اللهم إشفي جميع الأطفال المتوحّدين , وأعنّ أهاليهم على مصابهم الجللّ))

الأحد، 17 سبتمبر 2017

البريئة والخبيث

تأليف : امل شانوحة

ملاك,شيطان,حب,شرير,خبيث,فتاة,بريئة

الحبّ الذي بيننا مُستحيل !

أعترف بأنني كنتُ ذئباً بشريّاً أتصيّد الفتيات البريئات عبر وسائل التواصل الإجتماعي .. حيث كنت أُسمعهنّ كل ما يتخيّلونه عن شريك حياتهنّ المثالي , وأُغرُقهنّ في إحلامٍ خيالية لأسحب قدمهنّ نحو الهاوية .. ربما تعتبرونني شريراً , لكن ما ذنبي ان كنّ ساذجاتٌ هكذا ؟

فهنّ في نظري كزهورٍ فوّاحة عليّ الإسراع باقتطافها قبل غيري , أو كما يُقال : أختار من كل بستانٍ وردة .. 
ومن خلال تجاربي الطويلة في فنّ الإغراء , قُمت حتى الآن بإلإيقاع بالكثير من النساء .. الكبار منهنّ قبل الصغار , والمرأة العانس والمطلقة قبل العازبة .. فجميعنّ وقعن في شراكي .. الاّ واحدة !
اسمها روح .. والتي بسببها أصبحتُ جسداً بلا روح 

فأنا لم أفهم هذه الفتاة ابداً ! لأنها عبارة عن مزيج بين انماطٍ مُختلطة من النساء .. فهي عفويّة وبريئة كالأطفال .. عصبية وحادّة , كمزاجيّة النسّوة المطلقات حديثاً .. ذكيّة كإمرأةٍ مُسنّة .. وخيالية كالملائكة !

ومنذ اليوم الذي التقيت بها بالصدفة عن طريق الإنترنت لفتتّ انتباهي على الفور بصورتها التي وضعتها في صفحتها على الفيسبوك , وبدتّ لي كفتاةٍ جادّة وبريئة في نفس الوقت !
وبالطبع أردّتُ إغرائها كما فعلت مع الأخريات , وظننّت ان الأمر لن يأخذ معي أكثر من شهر .. لكن علاقتي بها تعدّت السنة وبضعة أشهر ! والسبب انني لم أجدّ فيها نقطة ضعفٍ أستغلّها للسيطرة عليها .. والأسوء من ذلك , ان شخصيتها الغامضة أشغلتني عن بقيّة البنات .. 

وقد حاولت معها كل شيء .. لكن كلمات عشقي كانت تُربك طبيعتها الخجولة ممّا جعلها تفلت من بين يديّ أكثر من مرةّ , كعصفورٍ يأبى دخول القفص 

فجرّبت طريقةً أخرى وهي الحزم والتعامل معها بعنف , فهربت مني للشهورٍ طويلة , قبل ان أجدّ وسيلةً أخرى لإعادتها الى دوّامة سيطرتي 
لكن إحتفالي بنجاح خططي لم يكن يدمّ أكثر من أيام , وأحياناً لساعاتٍ قليلة قبل ان يهرب الطائر مني ثانيةً , مما أفشل جميع خططي الخبيثة للإيقاع بها ! ومع هذا إعتبرتها تحديّاً لابد أن أفوز به .. 

فقمت باختراع عدّة شخصياتٍ لها ..ولاحظت بعد جهدٍ جهيد إنها إنجذبت كثيراً الى الشخصية المؤدبة التي لا تمتّ لي بصلة ! بل أعتبرها شخصية مُملّة جداً بالنسبة لطبيعتي المغامرة
لكن بعد مضيّ كل هذا الوقت سويّاً , وجدت أشياءً مشتركة بيننا لم أكن أنتبه عليها في بداية علاقتنا ! 

كما إنني على غير عادتي , بدأت استمتع بالحديث معها عن الأخلاقيات والحياة المثالية التي تراها في عينيها الزُرق السماوية
وقد لاحظ جميع من حولي تغيري المفاجىء , ممّا أغضبهم كثيراً!  
وقد عرفت ذلك من خلال الرسالة التي وصلتني عبر المنام ..
هو بالحقيقة لم يكن مناماً , بل كابوساً مرعباً .. شاهدت فيه :
((حارسان من الشياطين يسحباني بعنف الى الأسفل , ثم يرمياني أمام عرش ابليس الذي صرخ بي قائلاً بصوته الجهوري المرعب: 
- ماذا تظنّ نفسك فاعلاً يا ولد ؟!!
  فارتجفت قائلاً :
- لقد أحببتها حقاً يا ابي , فهي مختلفة عن .. 

فقاطعني والدي قائلاً :
- لقد أرسلتك للدنيا بهيئة بشر على حسب طلبك , لكي تغوي بنات آدم .. فماذا كانت النتيجة ؟ .. إنك تعلّقت بملاك !
- هي فتاةٌ رائعة يا ابي , ولا يطاوعني قلبي على أذيّتها
فجلدني بسوطه الذي آلم ظهري كثيراً , ثم قال مُعاتباً :
- الم تسمع ما قلته ايها العاصي !! قلت إنك أحببت ملاكاً حقيقياً 
فانصدمت كثيراً حتى كاد يُغمى عليّ , وسألته مُستفسراً :
- انا لم أفهم شيئاً ! إشرح لي رجاءً

فقال ابليس بعصبية :
- عندما وصلني خبر : إنك توقفت لأكثر من سنة عن إغواء البشريّات , أرسلت جنودي لتحقّق من أمرك .. فعرفوا ان الفتاة (روح) التي أبعدتك عن الحرام ماهي الاّ ملاكاً سماوي بهيئة بشريّة , نزلت الى الدنيا لتهدي الشباب المدمن على الإستخدام السيء لوسائل التواصل الإجتماعي .. ايّ عكس مهمّتك يا أحمق !! (ثم تنهّد بغضب) .. وبما إنك فشلت بالإمتحان , سأرسل شخصاً آخر لإغواء روح هذه  

فصرخت بكل قوتي مُعترضاً :
- لا !!! لن أقبل ان يُكلّمها أحدٌ من إخواني .. روح لي وحدي !!!
فضحك ابليس ساخراً :
- هل بُتّ تغار عليها ايضاً .. إسمع يا ولد .. سأمهلك شهراً واحداً فقط لكي تنزع عنها ثوب الطهارة , والاّ سآمرُ حرسي بزجّك في السجن لقرونٍ طويلة حتى تتشيّطن من جديد .. هل فهمت ؟!!
فقلت وانا أحبس دموعي بصعوبة :
- حاضر يا ابي , سأقوم باللازم .. لا تقلق لذلك

وهآ انا أحاول منذ أيام وأسابيع إغراء روح من جديد , وذلك بإرسال أجمل الأغاني الرومنسية الى بريدها .. كما كنت ألحّ عليها بضرورة رؤيتها بعد ان إنفطر قلبي بحبها .. وقد إنصدمتُ كثيراً حينما قبلت طلبي ! 

وبالرغم إن هذا الشيء أفرحني وأراحني الاّ انه أبكاني كثيراً .. نعم بتأكيد انا سعيد لتنفيذ مهمّة والدي بنجاح .. لكني أيضاً حزينٌ جداً , لأن عنادها السابق لي , وخجلها مني وطهارة قلبها هو الذي جعلها مميّزة بالنسبة لي 

والبارحة كان اللقاء المنتظر .. حيث جلست أنتظرها في الحديقة العامة وأنا أفكّر بطريقة لإقناعها للقدوم الى منزلي .. 
لكن فجأة تجمّدت حركة الناس من حولي ! وإذا بها تظهر امامي بهيئتها الملاك وبجناحيها المضيئتين ! 

وحينها قالت لي بحزن :
- يمكنك ايضاً ان تتحوّل الى هيئتك الشيطانية .. ولا تقلق , فأنا لن أخاف منك .. كما إن الزمان متوقفٌ بنا الآن , ولن يرانا أحدٌ من البشر 
فقلت لها بدهشة :
- وهل كنتِ تعرفين سرّي منذ البداية ؟!

فمسحت دموعها قائلة :
- لا ابداً .. لكن الملائكة حذّرتني منك عن طريق منامٍ شاهدته البارحة 
- وهذا ما حصل معي ايضاً 
ثم قمتُ بإظهار نفسي بهيئتي الشيطانية .. واقتربت منها قائلاً :
- يبدو ان القدر جمع بيننا بعد ان تحوّل كلانا الى بشر ! 
- كان هذا إمتحاناً لإخلاصنا للمهمّة التي قدِمنا لتنفيذها على الأرض 
- وهل تظنين اننا فشلنا ؟

فقالت بحزن : نعم , لأنني أحببتك بالفعل .. مع إنّي والله حاولت بكل الطرق والوسائل ان أدلّك على طريق الخير , لكنك كنت تصرّ على ..
فقاطعتُها قائلاً : أن تُصبحين مثلي أسهل بكثير من أن تهدي شيطاناً , يا روح

فأجابتني بابتسامةٍ حزينة : والله لو إنك رأيت الجنة التي قدِمتُ منها لما طلبت مني ذلك 
فقلتُ لها بحزن : أهذا يعني بأنه لا أمل لنا سويّاً ؟
وقبل ان تُجيبني , سمعنا صوت ملاكٍ من السماء يقول لها :
- روح !! لقد انتهى عملك على الأرض .. هيّا عودي فوراً الى الجنة 

فحاولت ان أمسك يدها قبل ان تطير , لكن شيئاً ما شدّني من قدميّ ! فإذا به يدّ أخي الكبير تسحبني الى باطن الأرض , وهو يقول لي بصوته الأجشّ :
- لقد انتهت مهلتك !! هيّا أمامي الى سجن والدنا

وبقيت أتابع بعينيّ روح وهي تطفو نحو السماء بخفّةٍ وروحانية , بينما كان جسمي يغرز أكثر وأكثر في الوحل , حتى سُحبت الى سابع أرض , حيث توجد مملكتنا اللعينة 

وهآ انا أكتب مذكراتي في سجنٍ مهترىءٍ عفن , بعد أن حكم ابليس عليّ بالسجن لثلاثة قرونٍ مُتلاحقة !  

اما آخر كلماتي فستكون لملاكي التي عبثت بمكنونات نفسي , وتركتني أعاني وحدي ! فلا أنا اصبحتُ ملاكاً طاهراً مثلها , ولا عدّتُ قادراً على العودة كشيطانٍ قذر كما كنت في السابق ! 
فهنيئاً نجاحك يا روح , الذي حُبّك غيّر حياتي الى الأبد !  

الجمعة، 15 سبتمبر 2017

مربّية الأطفال

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة

مربية,اطفال,اهل,حنان,حب

هي أحنّ على اولادي من امهم !

في ليلة السنة الميلادية , استطاعت امرأة بصعوبة حجز طاولة للإحتفال وحدها بقدوم السنة الجديدة .. وقبيل منتصف الليل , إزدحم المطعم بالعوائل .. وهنا اقترب منها النادل قائلاً :
- هل من الممكن يا آنسة ان تسمحي لهذا الرجل بالجلوس معك على طاولتك طالما انك لوحدك ؟

فنظرت الى الرجل الذي معه , فوجدته شاباً انيقاً وحسن الهندام .. 
فأومأت برأسها موافقة , ليقوم هذا الرجل بسحب الكرسي المقابل لها  ويجلس عليه قائلاً :
- أعتذر لتطفّلي عليك , لكني لم اجدّ ..
فقاطعته وهي تنظر الى قائمة الطعام : لا يهمّ يا سيد , فأنا سأتناول طعامي سريعاً وأعود الى المنزل
- الن تبقي لحين الأحتفال برأس السنة ؟!
- لا اظنّ , فالأعياد عادةً تصيبني بالأحباط

و بعد قليل .. أحضر النادل طعامهما .. 
وقبل ان تُنهي صحنها , أتاها اتصال جعلها تتأفّف فور معرفتها بهوية المتصلّ , حيث قامت بالردّ عليه ببرود :
- نعم , ماذا تريد الآن ؟
وبعد دقائق من حديثها معه .. وضعت جوالها على الطاولة , وأكملت طعامها غير مبالية بالمتصلّ الذي ظلّ يتكلّم (وحده) بنبرةٍ تبدو غاضبة 

وبعد ان سكت .. تأكّدت السيدة من اغلاقه للهاتف , ثم اقفلت جوالها وسط دهشة الرجل الذي كان يشاركها الطاولة !
فلاحظت هي نظراته الحائرة لما حصل , فقالت السيدة عن ذلك المتصلّ :
- كان يشتمني كعادته , ولم ارغب في افساد ليلتي .. لا تقلق , هو بالتأكيد سيعاود الإتصال بي لاحقاً
- حسناً فعلتي , أحياناً الأبتعاد عن هكذا بشر أفضل من مواجهتهم .. فأنا مثلاً قبل قليل , أوصلت زوجتي وابنائي لمنزل جدتهم وأتيت هنا لأحتفل وحدي , لأني لا أطيق مشاجرات حماتي معي كما في كل مرة  

- الن يحزن هذا ابنائك ؟
- ابنتي مازالت طفلة في الثانية من عمرها .. وابني ستّ سنوات , وهو يتعبني كثيراً لأنه يكره مدرسته 
- اذاً احضر له معلمة
- فعلت .. وقبل ايام استقالت , وهي رابع معلمة ترفض التعامل معه
- هل هو مشاغب لهذه الدرجة ؟
- نعم , لكن الطبيبة النفسية اخبرتنا بأنه يفعل ذلك عن قصد ليلفت اهتمامنا 
- اذاً اهتموا به قليلاً
- انا مشغول في عملي بشركة المحاماة , واحياناً اضّطر الذهاب الى مناطق بعيدة والمبيت في الخارج 
- وماذا عن امه ؟

يتنهد بضيق : هي إساس المشكلة .. فهي صحفية تُجري مقابلات تلفزيونية مع مشاهير الفن , ولهذا تبقى مشغولة بسهراتهم واحتفالاتهم .. هذا طبعاً بعد ان تمضي النهار كلّه في تحسين مظهرها , ولذلك لا تهتم بالبيت او لأبنائنا , وهذا يفقدني صوابي ولا اعرف مالحلّ معها !
تفكّر السيدة قليلاً ثم تقول : ربما الحلّ عندي , فأنا اعمل مربيّة للأطفال منذ خمس سنوات , لكن العائلة التي كنت ارعى ابنائها سافرت الى الخارج قبل اسبوع , بعد ان اعطوني راتبي وجميع مستحقّاتي .. وكنت سأبحث عن عملٍ لي بعد انتهاء العطلة الرسمية 

الرجل بارتياح : هذا ممتاز !! وهل كنت تذاكرين لهم دروسهم ؟
المرأة : بالتأكيد , دروس المرحلة الإبتدائية وكذلك المتوسطة 
الرجل بابتسامة : وكأن القدر جمعني بك .. 
ثم يمدّ يده اليها مُصافحاً : اسمي اريك .. وانت ؟
- انا ايلين 
- تشرّفنا بمعرفتك .. سأكتب لك الآن عنوان منزلي , واتمنى ان تزورينا غداً لتقابلي زوجتي وتتفقي معها على كل شيء
وبعد ان أخذت منه الورقة التي بها العنوان , سألته : لكن عندي سؤال .. هل سأبيت عندكم , ام ابقى فقط لساعات ثم اعود الى منزلي ؟
الرجل : والله اتمنى ان تبقي عندنا , فأنا كما قلت لك اسافر كثيراً , وزوجتي ليست متواجدة في البيت معظم الوقت
- حسناً اذاً , سأرتّب اموري لذلك
***

وفي اليوم التالي .. قامت زوجة اريك بعمل مقابلة مع المربيّة ايلين , ورغم انها لم تعجبها لهذه الدرجة الا انها وافقت على تجرّبتها , بعد ان أقنعها زوجها بذلك ..
وبعد ان وضعت ايلين حقيبة ملابسها في غرفة الضيوف (التي حضرّتها لها العائلة) التقت بطفلتهما الصغيرة (جنيفر) والتي بدى عليها الإرتياح مع مربّيتها الجديدة .. 

وعند الظهيرة .. عاد ابنهم البِكر (جاك) من المدرسة ليلتقي بها , وكعادته مع المربّيات الجدّد لم يستقبلها بحفاوة , حيث ذهب الى غرفته رافضاً التحدّث معها ..
الأب اريك بإحراج : انا آسف سيدة ايلين .. لكني متأكّد انه سيتقبّل وجودك مع الأيام
ايلين : لا بأس , انا متعوّدة على تصرّفات الصغار .. والآن , هل تسمحان لي بدخول المطبخ لتحضير غداء الأولاد ؟

ديانا (الأم) : وهل تجيدين الطبخ ايضاً ؟
ايلين : بالتأكيد , أيّ شيء متعلّق بالطفلين هو اختصاصي منذ اليوم يا خانم 
الأم بازدراء : بما فيها تنظيفهم وتنظيف غرفهم ؟
وهنا لاحظ الأب تضايق المربية من كلام زوجته , فأسرع قائلاً :
- سيدة ايلين , البيت بيتك .. والأولاد سيكونون في رعايتك منذ الساعة , لأنني ذاهبٌ مع زوجتي الى منزل اصدقائنا .. (ثم وقف قائلاً لزوجته) .. هيا ديانا , تجهزي لنذهب الى هناك 
ومن ثم تركوها وحدها مع الأولاد , وذهبا سويّاً الى حفلتهم ..
***

وبعد ساعة .. كانت المربّية قد انتهت من تحضير الطعام للأطفال , لكن جاك الصغير رفض حتى الخروج من غرفته .. فتركته على راحته وأطعمت اخته الصغيرة .. 

ثم وضعت شريطاً للأطفال في المسجّل ورفعت صوته , لتتراقص على انغام الأغنية مع الطفلة .. 
فتلصّص جاك عليهما من شقّ الباب بعد ان أثارت المربّية اهتمامه ..  وما ان انتبهت عليه واقفاً هناك , حتى نادته بصوتٍ عالي :
ايلين : جاك !! تعال وشاركنا حفلتنا
لكنه صفق باب غرفته بغضب ..
فقالت المربية لإخته : يبدو ان اخاك صعبٌ يا جنيفر
فضحكت الطفلة دون ان تفهم كلامها .. 
***

وبعد قليل .. وضعت المربية ورقةً بيضاء كبيرة واقلام ملونة على الطاولة , وبدأت ترسم مع الصغيرة وهي تحادثها بصوتٍ عالي كي يسمعها الصبي الذي كانت تلاحظ اصابع قدمه من تحت باب غرفته , وتعرف انه يتلصّص عليهما من فتحة المفتاح .. فرفعت صوتها قائلة : 
- انها رسمةٌ رائعة يا جنيفر !! لكني اعتقد بأن اخيك جاك في استطاعته رسم الطائرة أفضل منك ومني , اليس كذلك ؟ 

وهنا فتح جاك الباب , واقترب منهما بحذر .. فوضعت المربّية علبة الألوان بقربه (دون النظر اليه) .. وأكملت الرسم مع الصغيرة .. 
فجلس جاك بهدوء قرب اللوحة البيضاء , ثم امسك القلم الملون وبدأ بالرسم .. فابتسمت المربية لنجاحها بجعله يرتاح لوجودها معهم .. 

وبعد ان انشغل الولدان بالرسم , ذهبت الى المطبخ واحضرت سندويشاً وكوب عصير , ثم وضعته قرب الصبي .. وعادت لترسم مع الطفلة وهي تراقبه بطرف عينها , لتجده بعد قليل يأخذ السندويش ويأكله وهو مازال يرسم باليد الأخرى .. فارتاحت المربية لأنها استطاعت إطعام الولدين دون مشاكل .. 

وقبل عودة الأهل من الخارج .. قامت بتنظيف كل شيء , بينما عاد الولد الى غرفته دون ان يتحدّث معها .. 
فحملت ايلين الطفلة الناعسة الى مهدها , وظلّت تغني لها حتى نامت 
***

وبعد ساعة .. عاد الوالدان الى المنزل , فأخبرتهما عن يومها مع الأطفال 
الأم بضيق : يعني أفهم من كلامك انك لم تدرّسي جاك دروسه , وكل ما فعلته انك أضعت اليوم بالرسم ؟!
ايلين : اليوم كان يوم تعارف لتوطيد العلاقة بيننا .. وفي الأيام المقبلة سيتقبّل جاك وجودي معكم , وسيسمح لي بتدريسه والأهتمام به اكثر
فيقول الأب لزوجته : ديانا , اتركيها تتصرّف معهما كيفما تشاء , فهي أدرى بعملها
الزوجة بلؤم : اتقصد انها تجيد عملها مع الولدين اكثر مني ؟
الزوج : يا الهي ! أكل شيء تحولينه الى المشكلة ؟!

ولم تردّ المربية التواجد بينهما وهما يتجادلان , فأسرعت قائلة : 
- آسفة على المقاطعة , لكن عليّ النوم باكراً كيّ أوصل جاك الى مدرسته في الصباح
الأب : الأمر لن يكون سهلاً , فهو يقاوم الإستيقاظ في الصباح ويتعبنا كثيراً 
ايلين : لا تقلق سيد اريك , فهذا عملي .. تصبحون على خير

ثم ذهبت ايلين الى غرفتها , وهي مازالت تسمع الجدال القائم بين الزوجين .. فقالت في نفسها : 
- يبدو ان الأم مُتعبة أكثر من ابنها ! أعانك الله يا سيد اريك
***

وبالفعل !! كان ايقاظ جاك مع كل صباح مُتعباً جداً للمربية , لإصراره بعدم الذهاب الى المدرسة .. 

وفي احدى الأيام .. وعند توصيله الى حافلة المدرسة , سمعت ولداً (بعد ان اخرج رأسه من داخل الحافلة) يهدّده قائلاً :
- جاك !!هل أحضرت طعامي معك , ام اني سأضربك كما كل مرة ؟
فأخذته المربية جانباً وسألته بقلق :
- جاك , هل يضربك هذا الولد ؟!
لكن جاك أبعد يدها قائلاً بغضب : لا شأن لك بي !!
وبهذه اللحظات , فهمت المربية سبب كرهه للمدرسة .. 
***

وفي احدى الأيام .. مرض جاك ولم يذهب الى مدرسته .. فاستغلّت المربية غيابه وذهبت الى هناك بوقت الظهيرة .. ثم انتظرت خروج الولد البدين (المتنمّر) .. وعندما رأته , أخذته جانباً وسألته بحزم :
- لما تضرب جاك يا ولد ؟!!
الولد البدين بعصبية : وما دخلك انتِ بالموضوع ؟
المربية : طيب اخبرني مالذي تريده منه , وربما احضره لك 

لكنه لم يجبها , بل تركها واسرع في ركوب حافلة المدرسة ..وهنا اقتربت منها فتاةٌ صغيرة , وقالت لها :
- الولد البدين اسمه جيم وهو يعيش عند جدته العجوز , وهي لا تطبخ له الطعام لأنها مريضة , ولهذا يسرق أكلنا كيّ يُطعم نفسه واحياناً يُطعهم جدته ايضاً 
المربية : آه فهمت .. شكراً لك يا عزيزتي

ثم صعدت المربية الى الحافلة (التي لم تتحرّك بعد) , فقال لها السائق :
- الى اين يا خانم ؟!
المربية : لا تقلق , اريد التحدّث قليلاً مع الصبي جيم 
ثم جلست بقرب الولد البدين , وقالت له بصوتٍ منخفض :
- دعنا نتفق على شيء
- ماذا تريدين ؟
- سأقوم بإرسال مع جاك كل يوم , سلّة مليئة بالطعام اللذيذ الذي سيكفيك انت وجدتك .. لكن عندي شرط !! بأن لا تسرق طعام الأطفال بعد اليوم .. هل تعدني بذلك ؟
فيفكر الولد المتنمّر قليلاً , ثم يقول لها :
- وهل طعامك لذيذ ؟
- نعم جداً , وسيُعجب جدتك ايضاً
الولد بابتسامة عريضة : حسناً اتفقنا
***

ومرّت الأيام .. وصارت المربية تُحضّر الطعام للمتنمّر جيم مساءً , ليأخذه جاك له في الصباح (دون ان تُخبر الأبوين بذلك) مما جعل جاك وبقية اصدقائه سعداء , بعد ان تحسّنت معاملة جيم البدين معهم , كما احتفاظهم بطعامهم من السرقة .. مما وطّد العلاقة بين جاك والمربية , حيث صار يستيقظ بنشاط الى المدرسة دون ان يُتعبها , كما انه سمح لها بتدريسه , وبدأ يستمتع مع اخته الصغيرة بسماع قصصها قبل النوم 

وقد تعلّقت الطفلة بها كثيراً حتى انها صارت تناديها (ماما) , ممّا اغضب الأم التي طلبت منها ان تُفهم الصغار بأنها تعمل مؤقتاً عندهم وبأنها ليست امهم .. فحزنت ايلين لأنها شعرت بأنها ستُطرد قريباً , بسبب غيرة الأم من اهتمام الأولاد بمربيتهم الجديدة 
***  

وفي احدى الأيام .. مرض الأب بالزكام ولازم الفراش .. 
وفي المساء .. سمعت المربية بالصدفة حوار الزوجين , عند مرورها قرب باب غرفتهما :  
الزوج : أستتركينني وانا في هذه الحالة المزرية ؟!
زوجته : انت تعرف منذ اسبوع ان اليوم هو عيد ميلاد صديقتي , وبالتأكيد لن افوت عليّ الحفلة بعد ان اشتريت فستاناً فخماً للمناسبة
زوجها بغضب : وهل تظنين انني تعمّدت المرض اليوم , كي لا تذهبين الى حفلتك ؟!! 
فتأفّفت الزوجة بضيق : اريك رجاءً !! لا تُفسد عليّ فرحتي .. انا ذاهبة الآن , وسأعود في منتصف الليل 

وخرجت الأم من غرفتها (وهي بكامل اناقتها) ناويةً الذهاب دون توديع ابنائها , لأنه حين ركضت اليها ابنتها (التي تحمل الشوكولا) نادت المربية بقلق : 
- احمليها بسرعة يا ايلين !! قبل ان توسّخ فستاني بيديها القذرتين 

ثم ذهبت الى حفلتها غير آبهة ببكاء ابنتها التي كانت ترغب كثيراً في احتضان امها والذهاب معها 
***

وبعد ساعة .. دخل جاك غرفة المربية قائلاً بقلق : 
- ارجوك ايلين , إذهبي فوراً الى ابي !!
- ما به ؟!
- يبدو انه مريض جداً , لأنه يتأوّه بألم !

فدخلت المربية غرفة الزوجين , لتجد بأن حالة الأب ازدادت سوءاً حيث ان حرارته ارتفعت كثيراً ولم يعد يعيّ بمن حوله ! 
فأسرعت (ايلين) بالإتصال بالطبيب .. الذي قدم وفحصه , ثم اعطاه حقنة لإنزال حرارته .. ومن ثم وصّاها قائلاً :
الدكتور : عليك ان تضعي له الكمّادات الباردة طوال الليل , الى ان تخفّ حرارة زوجك
فابتسم اريك بتعب , دون ان يُعلّق على كلام الطبيب (الذي ظنّها زوجته) .. بينما قالت المربية للطبيب بارتباك :
- حسناً سأفعل كل ما بوسعي لتخفيف مرضه

وبعد ذهاب الطبيب , بقيت بجانبه لساعةٍ اخرى وهي تغير له الضمّادات الباردة .. وفجأة ! امسك بيدها قائلاً بإرهاق :
اريك : الحمد الله انك معنا يا ايلين .. لا ادري ماذا كنّا سنفعل من دونك
ولم ينتبها للدخول المفاجىء للزوجة , التي غضبت كثيراً بعد رؤيتهما بهذا المنظر .. فقالت بعصبية :
- الله الله ! هل صار زوجي من ضمن إهتماماتك يا خانم ؟!!
فوقفت المربية مُبتعدة عن السرير بارتباك : لا يا سيدتي , كنت فقط اقوم.. 
وأكمل اريك عنها قائلاً : هذا بدل ان تشكريها على اهتمامها بزوجك المريض
الزوجة تصرخ بغضب : اسكت انت !! ..وانتِ !! اخرجي من غرفتي , وحسابك فيما بعد

فعادت ايلين الى غرفتها مُتضايقة , وهي مازالت تسمع عراك الزوجة (الغير مراعية لمرض زوجها) والتي كانت تلحّ عليه بطرد المربية من منزلها بأسرع وقتٍ ممكن 

وهنا شعرت ايلين بأنها على وشك ان تهدم بيتهم , فخافت على نفسيّة الأطفال , ولذلك قامت بترتيب ملابسها في شنطتها الكبيرة وهي تنوي العودة الى منزلها في الصباح الباكر الذي صادف يوم الأحد (عطلة) 
***

وفي ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي .. استيقظ الأب بعد ان شعر بتحسّن حالته , لكنه تفاجأ برؤية المربية وهي تتسلّل بحقيبتها الى خارج المنزل .. فلحقها قبل ان تدخل المصعد
- لحظة ايلين ! الى اين انت ذاهبة ؟!
- آسفة سيد اريك , لم اردّ ايقاظكم .. لكنّي أفضل العودة الى بيتي
اريك بإصرار : لا لن تذهبي !! فنحن لا نريد خسارة مربّية جيدة مثلك .. كما ان ابنائي تعلّقوا بك كثيرا , فكيف ستذهبين دون توديعهم ؟

فتفكّر المربية قليلاً ثم تقول : اذاً لا داعي للمبيت عندكم .. اقصد يكفي ان احضر ساعتين كل يوم لمراجعة دروس جاك بعد عودته من المدرسة , وسأقبل بتخفيض راتبي 
بنبرةٍ حزينة : أهذا قرارك النهائي يا ايلين ؟
- صدّقني هذا أفضل لي ولكم
فسكت قليلاً ثم قال بضيق : حسناً كما تشائين , لكن دعيني اوصلك بنفسي الى بيتك
- لا رجاء ! فأنت مازلت مريضاً
الا انه اصرّ على توصيلها .. فانتظرته قرب سيارته بموقف العمارة حتى لبس ثيابه ونزل اليها .. 

وقد حاول اريك طوال الطريق ان يُثنيها عن قرارها , لكنها اصرّت على رأيها  
***

وبعد نصف ساعة .. واثناء مرورهما من بين المباني السكنية الشعبية , قالت له :
- نعم توقف هنا , فأنا اسكن في طابق الخامس من هذا المبنى 
- حسناً , دعيني أخرج حقيبتك
- لا داعي لذلك , هي ليست ثقيلة .. سيد اريك .. اليوم هو يوم عطلة لذلك سأمضي يومي في ترتيب منزلي , وغداً في وقت الظهيرة آتي لرؤية الأولاد
- حسناً كما تشائين

ولم تكون المربية تعرف بأن طليقها كان يمرّ من هناك بالصدفة , وبأنه  غضب كثيراً حين رآها تنزل من سيارة رجلٍ غريب وهي تحمل حقيبة ملابسها .. 

وقد انتظر لحين صعودها الى بيتها وذهاب اريك , ليلحقها الى فوق  ويطرق بابها بعنف :
- افتحي الباب ايتها الساقطة !!! 
فارتعبت ايلين كثيراً لقدومه , حيث اكتفت بالكلام معه من خلف الباب المقفل :
- اذهب من هنا يا آدم , والا أتصلت بالشرطة !!
طليقها بغضب : لن اذهب قبل ان تخبريني عن الرجل الذي كنتِ معه 
بصوتٍ مرتجف : انا اعمل مربّية لأبنائه .. الا تريدني ان أعمل لأسددّ ديونك ؟
- وهل ضروري ان يعرف ربّ عملك عنوان منزلك ؟ 
فأجابته بهستيريا : وما دخلك انت ؟!! اذهب فوراً والا اتصلت بالشرطة 
فردّ مُهدّداً : سأذهب الآن , لكني سأعود حتماً 
وذهب غاضباً , تاركاً ايلين ترتجف بخوف
***

وفي اليوم التالي .. لم تذهب ايلين الى عملها خوفاً من ان تكون مراقبة من قِبل طليقها , فاعتذرت لأريك عن غيابها بسبب اصابتها بالمرض 
اريك : يبدو انني نقلت العدوى لك , اليس كذلك ؟ 
فادّعت ايلين التعب , واجابته بصوتٍ مبحوح : يبدو ذلك , والأفضل ان ابتعد عن ابنائك في الثلاث الأيام القادمة , كي لا اعديهم
- حسناً لا عليك , وحاولي ان ترتاحي .. ولا تقلقي , فهذه العطلة لن تُؤثر على معاشك
- شكراً لك
***

وبعد ثلاثة ايام .. اتصلت مديرة المدرسة بها واخبرتها : بأن جاك دخل في عراك مع الولد البدين (جيم) , وهو من اعطاهم رقم جوالها 
فعرفت ايلين ان سبب المشكلة : هي لأنها لم ترسل الطعام مع جاك للمتنمّر منذ ايام 

فذهبت فوراً الى هناك , وحاولت التفاهم ثانيةً مع الولد البدين .. لكنها هذه المرّة هدّدته بأنها ستُخبر جدته بتنمّره على باقي الأطفال , وقد اخافه تهديها بالفعل  

وبعد قليل .. خرجت من المدرسة برفقة جاك .. 
وامام موقف السيارات , التقت بوالده اريك.. 
اريك بدهشة : آه ! أأنت هنا سيدة ايلين ؟!
ايلين : نعم فقد اتصلت بي الأدارة
اريك : وانا قبل قليل حتى انتبهت على رسالة المديرة .. (ثم نظر الى ابنه وسأله معاتباً) .. وانت !! ماذا فعلت هذه المرة يا شقيّ ؟
لكن ايلين دافعت عن جاك , وأفهمت والده عن معاناته مع المتنمّر البدين
  
وبعد ان هدأ الموقف .. اصرّ اريك على توصيلها الى منزلها , فوافقت دون ان تدرك بأن خطيبها لحق بها الى المدرسة .. ومن هناك , قام بتصوير الصبي جاك واريك ورقم السيارة , ثم قال في نفسه بغضب :
- سأربّيك انت وعشيقك يا ايلين .. سترين !! 
***

وفي اليوم التالي .. تفاجأ اريك بزجاج سيارته مُحطّماً , وعليها ورقة , كُتب فيها : ابتعد عن زوجتي ايها الحقير !!!
ولسوء الحظ ! كانت زوجته بجانبه , والتي ما ان قرأت الملاحظة حتى قالت لزوجها بغضب :
- ماذا يعني هذا ؟! هل تخونني يا اريك ؟!! 
اريك بدهشة : لا طبعاً !! ولا اعرف من هذا , او عنّ من يتكلّم ! 
وسمعتهما المربية (التي كانت خلفهما) لكنها خافت ان تخبرهما عن تهديدات طليقها .. وسكتت عن الموضوع , حتى بعد ان رفع اريك شكوى اعتداء للشرطة
***

وفي احدى الأيام , كانت المطر يهطل بغزارة .. فأصرّ اريك على توصيل ايلين الى بيتها , رغم اعتراضها الشديد (خوفاً عليه من طليقها)  
وبعد توصيلها .. وصلت صورة جاك الصغير كرسالة على جوال ايلين !
ثم ارسل طليقها عبارة تهديد قائلاً : هل يُهمّك أمر هذا الصغير ؟
وفي تلك اللحظة , قرّرت ايلين اخبار اريك بكل شيء  

وذهبت الى مكتب المحاماة التي يعمل بها , لكنها تفاجأت بوجود زوجته هناك على غير عادتها ! ولهذا اضّطرت ان تخبرهما سويّاً عن افعال طليقها  
اريك : ولما لم تخبرينا بأنه يهدّدك , ويهدّد ابني ؟!
ايلين وهي تشعر بالإحراج : آسفة حقاً .. القصة هي ..(ثم تنهدت بضيق) .. انني من عائلة فقيرة جداً , وقد قام اللعين باستغلال ذلك ودفع كل ديون والدي , بشرط ان يتزوجني .. وقد استطعت خلال السنوات الماضية اعادة نصف المبلغ له .. وهو في المقابل وافق على تطليقي , لكن بعد ان جعلني أوقع على كمبيالات بباقي المبلغ 

الأم بغضب وقلقٍ شديد : لا تهمّنا مشاكلك يا امرأة !! فقط ابتعدي عنّا , قبل ان تتأذّى عائلتي بسببك 
ايلين بحزن : فهمت سيدتي .. وانا اتيت اصلاً لأقدّم استقالتي
فأسرعت الأم بالقول (دون ان تنتظر جواب زوجها) : ونحن قبلنا استقالتك .. هيا اذهبي من هنا , ولا تنسي ان تخبري زوجك بأنك استقلت , كيّ يبتعد عنّا .. أفهمتي ؟!!

فقالت ايلين والدموع في عينيها : سأفعل , لكنّي كنت اودّ توديع الأطفال قبل رحيلي
الأم بحزم ولؤم : بالطبع لا !! فنحن لا نريد لذلك المجنون ان يلحقك ويعرف عنوان منزلنا ايضاً 
فنظرت ايلين لأريك بحزن , لكنه فاجأها قائلاً : 
- زوجتي معها حق , من الأفضل ان تذهبي .. وسأرسل لك باقي مرتّبك عن طريق البريد .. مع السلامة سيدة ايلين 
وخرجت ايلين حزينة من المكتب 
***

بعد الظهر , وفور عودة جاك الى البيت .. أخبرته امه برحيل المربية .. فأصيب الصغير بخيبة امل كبيرة جعلته يصرخ باكياً :
- انتما تفعلان بي ذلك كل مرة !!!
امه : وماذا فعلناه لك ؟!
جاك بعصبية : تُحضران لي المربية , وبعد ان احبها تطردانها .. انا اكرهكما جداً !!
وذهب باكياً الى غرفته .. 
***

وقد ساءت حالة جاك مع الأيام , حيث أهمل دراسته كثيراً .. حتى ان اخته الصغيرة شعرت بغياب المربية , وقد لاحظ والداها فقدان شهيتها للطعام ورغبتها في اللعب 

فبدأ ابوهما يفكّر بحلّ لهذه المشكلة , حيث قام بالإتصالات اللازمة للوصول الى طليق المربية .. 
وبعد ان اقنعه بمقابلته في المكتب .. اتفق معه على دفع باقي مستحقاته , بشرط اعطائه كافة الكمبيالات التي معه ضدّ ايلين .. لكن طليقها لم يقبل بطلبه الثاني : وهو تثبيت الطلاق بالمحكمة والإبتعاد عن ايلين تماماً , الا بعد ان دفع اريك له ضعف المبلغ المطلوب .. وقد اعطاه اريك كل ما اراده , دون ان تعرف زوجته بذلك 
***

وبعد اسبوعين .. حصلت ايلين على ورقتين من المحكمة .. ورقة طلاق رسمية , وورقة تعهّد من طليقها بعدم الأقتراب منها .. 
فذهبت فوراً الى مكتب اريك لتستفسر منه عمّا حصل ! 

وبعد ان اخبرها باتفاقه السابق مع طليقها , قالت ودموع الفرح في عينيها: 
- لا ادري كيف اشكرك سيد اريك.. لكنّي اعدك بأن أجدّ عملاً في القريب العاجل , كيّ ادفع ديوني لك 
- وانا اريدك ان تسدّدي ديني , لكن ليس بالمال 
- ماذا اذاً ؟
- بأن تعودي الى العمل عندي , فالجميع افتقدك
فقالت مُمازحة : حتى زوجتك ؟
فسكت اريك بابتسامة..
ايلين : انا أخاف ان تحصل مشاكل بعودتي
اريك : عودي اولاً , ومن ثم تُحلّ المشاكل مع الوقت 
***

وبالفعل !! عودتها أغضبت الأم كثيراً , حتى ان شجار الزوجين وصل الى ان تُخيّر زوجها بينها وبين المربية !
ففاجئها زوجها قائلاً : اذاً لنسأل الأولاد عن ذلك 
ثم نادى ابنه جاك وسأله : 
- هل تريد المربية ايلين ان تبقى معنا , ام نُعيدها الى بيتها ؟
فأجاب جاك بحماس : انا اريدها ان تعيش معنا للأبد !!
والده : والآن دور ابنتي الصغيرة ..

ثم نادى ايلين التي كانت تحملها , وأخذ منها الطفلة التي اعطاها قطعة حلوى ..ثم قال لها : حبيبتي .. اعطها لماما 
فأسرعت الطفلة بإعطاء الحلوى للمربية , وهي تناديها بفرح : ماما !!
وهنا قال اريك لزوجته : وهآقد رأيتي وسمعت بنفسك جواب اولادك 
زوجته بقلق : وماذا يعني ذلك ؟!
فقال اريك للمربية : لو سمحت ايلين , خذي الأولاد واتركينا لوحدنا

وبعد قليل ..
ارتفع الصراخ بين الزوجين مجدّداً .. 
لكن لأول مرةّ يصرخ اريك في وجه زوجته غاضباً : 
- لا !! لقد طفح الكيل .. اعطني سبباً واحداً لبقائنا سويّاً 
فأجابته بدهشة : أتريد تطليقي من اجل خادمة ؟!
فقال بغضب : اولاً ايلين مربية اطفال وليست خادمتك يا خانم , وثانياً : ليست هي السبب بل انت !! 
- وما مشكلتي انا ؟ 

- مشكلتك انك زوجة وام فاشلة !! فأنتِ لم تهتمّي ابداً لعائلتك ..لا بإعداد الطعام لنا , ولا حتى بمرضنا ..اخبريني متى آخر مرة حضنتي فيها اولادك , او اخذتهم في نزهة , او امضيت امسية معنا ؟ .. اما ايلين فهي ..
مقاطعة بغضب : ومن ايلين هذه لتقارني معها ؟!!
اريك : ايلين اعطتنا كل شيء افتقدناه معك .. اعطتنا شعور الأمان والإستقرار ..والأهم انها اعطت الحنان لأولادنا .. ليتك شاهدت اطفالك وهم ينامون بجانبها , وهي تقرأ لهما القصص 
- آها !! الآن بانت الحقيقة ..هل كنت تدخل غرفتها في المساء؟ 
لكنها تفاجأت بصفعة قوية على وجهها , وهو يصرخ فيها قائلاً :
- الن تكفّي عن تفكيرك الوسخ بالناس ؟!! أنت اصلاً لا يهمّك سوى السخفاء امثالك من المشاهير
وهي تبكي : لا اسمح لك ان تُهين عملي
غاضباً : عملك اتفه منك .. هيا اخرجي من حياتنا , فنحن افضل حالاً من دونك

- يبدو انك كنت تنوي فعل ذلك منذ مدة ؟ 
اريك بازدراء : وبماذا انوي ؟
زوجته : ان تطلقني كي تتزوج من المربية
فقال بلؤم : والله كنت افكّر بالطلاق فقط.. لكن أتدرين ...(ويسكت قليلاً) انها فكرةٌ جيدة .. سأطلب يد ايلين للزواج بعد ان اتخلّص منك

فعاد الصراخ بينهما من جديد , بينما كانت ايلين (في غرفتها) تحاول إلهاء الطفلين بالقصص , كي لا يحزنا من شجار اهلهما
***

وعند صباح .. استيقظت ايلين مُتأخرة عن موعد المدرسة ولم يكن الوالدان في المنزل .. ولهذا قبلت بغياب جاك , الذي رفض الذهاب الى مدرسته بعد ان فاته نصف الحصصّ .. 
***

وفي وقت الظهيرة .. عاد الأب سعيداً وهو يلّوح بورقةٍ رسمية في وجه ايلين التي كانت تعدّ الطعام في المطبخ  
ايلين : ما هذا سيد اريك ؟
فأجاب بسعادةٍ غامرة : لقد طلقتها اخيراً !!!
فحاولت كتم فرحتها قائلة : أبهذه السرعة ؟! اقصد ..الم يكن بوسعكما حلّ المشكلة ؟
فقال بضيق : كيف وهي حتى لم تمانع بالتخلّي عن ابنائها , بعد ان أقنعتها حماتي الخبيثة بأن ذلك سيجعلها متفرّغة اكثر للسفر مع المشاهير من أجل عملها السخيف ! 
المربية بدهشة : وانا التي ظننت بأن امها ستحلّ المشكلة , لكنها تبدو اسوء من ...

وقبل ان تكمل كلامها , تفاجأت به يركع امامها ويُخرج خاتماً من جيبه : 
- ايلين ...هل تقبلين الزواج منّي ؟

فانصدمت المربية وارتبكت وتلعثمت بالكلام , وهنا سمعت جاك (الذي كان يطلّ من الباب) قائلاً بحماس :
- نعم اقبلي !! ارجوك اقبلي يا ايلين !!!
وصار يقفز بسعادة هو واخته الصغيرة التي كانت تقلّد حركات اخوها بحماس

فقال اريك ممازحاً , وهو مازال يركع امامها : هيا ايلين .. ركبتي بدأت تؤلمني
فأجابته مُبتسمة : نعم , أقبل ان تكونوا عائلتي
فحضنها اريك , ليركض الولدين ويحضنانها ايضاً بفرحٍ غامر

وهنا همس اريك في اذنها قائلاً : الآن اصبحت لديّ عائلةٌ سعيدة , كما كنت احلم دائماً 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...