فكرة : اختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة
في عصر يومٍ غائم .. أوقفت صبيّة سيارتها فوق إحدى المرتفعات الجبلية .. ومن ثم مشت قليلاً , الى ان اقتربت من الحافة الصخرية
وهناك تذكّرت جميع التجارب السيئة التي حصلت في حياتها , والتي لم يكن فيها ايّ شيء يُشجّعها على البقاء حيّة ..
فمثلاً : قبل شهور , أجهضت جنينها للمرة الثالثة ممّا أدّى الى طلاقها .. والأسوء انها لم تجد عملاً يوفّر لها لقمة العيش بعد انفصالها عن زوجها .. والبارحة , هدّدها صاحب العمارة بطردها آخر الشهر ان لم تدفع له الأجرة المستحقّة منذ شهرين .. هذا عدا عن طفولتها المشتّتة التي عاشتها متنقلة بين منزليّ والديها المطلّقين .. وكذلك ما عانته من قِبَل الطلاّب المتنمّرين طوال سنوات دراستها .. كل هذا جعلها تتخذّ قراراً هذا اليوم بالإنتحار , للتخلّص من حياتها الكئيبة
وقبل لحظات من قفزها نحو الهاوية , إنتابتها نوبةً هستيرية ..فصارت تصرخ بأعلى صوتها !! وتطلق الشتائم بأسماء كل من حوّل حياتها الى جحيم ..
وفجأة ! سمعت صوت رجلٍ من خلفها , يقول لها بضيق :
- هاى انت !! متى ستتوقفين عن الصراخ ؟!! اريد ان انام
وكاد خروجه المفاجىء (من الغابة الموجودة بجانب الجبل) ان يُوقعها الى الأسفل , لكنها تماسكت بآخر لحظة ..
ثم أدارت وجهها اليه , مُعاتبةً بغضب :
- كنت سأموت بسببك يا رجل !!
فقال ساخراً : الم تأتي الى هنا لهذا السبب ؟
فردّت بعصبية : وما دخلك انت ؟!! ثم من اين خرجت ؟ هل انت جنّي ؟!
(وقالت ذلك : بسبب شعره ولحيته الطويلتان , كما هندامه الغير مرتّب)
فابتسم قائلاً : والله لا الومك على هذا التشبيه , فأنا لم اهتمّ بنفسي منذ مدة .. لكن ليتني كنتُ جنّياً , لروّعت جميع اعدائي .. المهم اسمعي .. بيتي قريبٌ من هنا , وصراخك العالي أزعجني .. لهذا رجاءً ..ان كنت تنوين الإنتحار , ففعليها بهدوء
ثم تابعته الشابة بنظرها الى ان دخل بيته (الموجود خلف الأشجار القريبة منها) وهي تتمّتم بعصبية :
- لم يكن ينقصني سواك يا احمق .. والآن اين كنت ..
واقتربت ثانيةً من الهاوية , وفتحت ذراعيها وأغمضت عيناها في محاولةٍ منها لإستجماع قواها بالقفز نحو مصيرها
الاّ انها سمعت صوته مجدّداً من بعيد , يقول لها :
- على فكرة يا آنسة !! لن تموتي مباشرةً , لأنه يوجد أسفل منك صخرةٌ كبيرة تعترض طريقك , وستسبّب حتماً بكسّر جميع عظامك قبل خروج روحك
فارتعبت الصبيّة , ونظرت بقلق تحت قدميها (عند الحافة) لكن الضباب الكثيف منعها من التحقّق ان كان ما يقوله صحيحاً ام لا .. بينما أكمل هو قائلاً :
- انا لا أكذب عليك !! ومن الأفضل ان تجدي طريقةً اخرى للإنتحار , لأنه لا أحد يستحق ان يموت بهذه الطريقة المؤلمة
فاحتارت الصبيّة بأمرها , بينما استغلّ هو ارتباكها :
- ان شئتِ !! لديّ وسيلةً اخرى ستريحك أكثر .. لكن اولاً تعالي الى بيتي , لنشرب بعض الشايّ الساخن الذي سيُدفئنا في هذا الجوّ البارد ..
ووقفت متردّدة في مكانها , الى ان شعرت ببعض زغّات المطر تتساقط على يدها ..
وهنا صرخ الشاب قائلاً : هيا اسرعي !! فالمطر سيهطل قريباً
ولم ترى نفسها الاّ وهي تركض بسرعة ناحية منزله , بعد ان أرعبها صوت الرعد المفاجىء ! والذي يُنذر بهطول مطرٍ غزير
***
وداخل منزل الشاب .. جلست الفتاة قرب النافذة وهي ترتشفّ كوب الشايّ , وتراقب المطر الذي ترافق مع غروب الشمس
وبعد اصرارٍ من الشاب لمعرفة اسباب إقدامها على الإنتحار , أخبرته أخيراً بتفاصيل حياتها البائسة ..
وبعد ان انتهت (بعد ساعتين) من سرد مأساتها .. قال لها :
- انا آسف لكل ما حدث معك .. تفضلي المنديل , مدام ناديا
وبعد ان مسحت دموعها قالت له :
- ليتك لم توقفني , فأمامي اسبوعين فقط لأوفّر أجار شقتي والاّ سأصبح مُشرّدة في الشوارع
- سأحلّ لك هذه المشكلة الآن
وفتح درج خزانته وأخرج منه بطاقة , أعطاها إيّاها
- إمسكي .. هذه البطاقة عليها رقمٌ خاص لسكرتيرة تعمل في شركة محترمة .. إتصلي بها غداً , وقولي لها : بأنك من طرف الأستاذ جاك اندرسون .. وهي ستوظّفك في المكان المناسب
فقالت له بسخرية : يا سلام ! .. أبهذه السهولة وظّفتني في شركتك الخيالية يا .. آه صحيح ! ما هو اسمك ؟
- ينادوني ب(زيكو) .. وهذه الشركة يُديرها شخصٌ عزيزاً عليّ , وهو مدينٌ لي بخدمة
ثم وقف قائلاً :
- انا ذاهبٌ للنوم الآن , لأني تعوّدت على الإستيقاظ باكراً .. وانت يمكنك التمدّد على هذه الكنبة .. وغداً صباحاً تعودين الى بيتك لترتّبي أمورك للعمل الجديد .. تصبحين على خير
ثم دخل غرفته دون ان يُفهمهما تفاصيل العمل الذي دلّها عليه ..
ورغم انها لم تصدّق بأن هذا المتشرّد يمكنه حلّ مشكلتها المادية , الا انها قرّرت الإتصال (لاحقاً) بالشركة لأنها لا تملك حلاً آخر
***
وبعد يومين .. حصلت ديانا على مقابلة عمل في هذه الشركة الضخمة .. لكن يبدو ان السكرتيرة (إنجي) لم تتقبّل وجودها بينهم , ولهذا وظّفتها في إرشيف الشركة الموجود في قبو المبنى ..
وهناك كان عليها مشاركة العمل مع موظفين آخرين (رجل وسيدة , كبار في السن) كانا يقضيان النهار كلّه بالحديث بينهما , لهذا لم تستطع ديانا التركيز على عملها الذي هو : تدوين الملفات داخل الكمبيوتر .. فقرّرت ان تبقى ساعتين بعد الدوام , للإستفادة من هدوء الشركة بعد خلوّها من الموظفين
***
وبعد شهرين .. إكتشفت ديانا معلوماتٍ خطيرة في الملفّات القديمة تؤكّد بأن ابن عم صاحب الشركة (والذي يَشغل مركز نائب المدير) قام حتى الآن باختلاس آلاف الدولارات من رصيدها البنكي , بمساعدة بعض موظفيّ الإدارة ..
لكن ديانا فضّلت إخفاء هذه المعلومات لحين إيجاد الأدلّة الكافية التي تدين جميع المتورّطين بهذه الجريمة , قبل ان تفضحهم لمدير الشركة (والذي لم تلتقي به حتى اليوم !)
***
وفي عصر يومٍ ما .. تفاجأت بشابٍ وسيم يدخل خفيّة الى الأرشيف , ويبحث بين ملفاتها :
ديانا (وهي ترفع عصا المكنسة عليه) برعب : توقف عندك ايها اللصّ !!!
فسقطت الملفات من يد الشاب بفزع : آه يا الهي ! أهذا انت يا ديانا ؟! لقد أرعبتني يا فتاة
ديانا بدهشة : كيف عرفتني يا هذا ؟! فأنا لم ارك من قبل !
فابتسم قائلاً : من حقّك ان لا تعرفيني , لكني صاحب كوخ الجبل ..
باستغراب : أهذا انت يا زيكو ؟! لقد تغيّر شكلك تماماً بعد ان حلقت شعرك وذقنك , كما ان الملابس الرسمية تبدو رائعة عليك .. من اين سرقتها ؟
فيضحك قائلاً : استلفت الطقم من صديقي .. المهم الآن .. لما انت في الأرشف بهذا الوقت المتأخّر ؟ ..(ثم قال مُمازحاً) أكنتِ تسرقين الشركة ؟
فأجابته : أسرق ماذا يا رجل , أصلاً الشركة ستعلن افلاسها قريباً
بقلق : ولماذا تقولين ذلك ؟!
- لأن السوس ينخر فيها , ولا تسألني لماذا
- أظنني فهمت قصدك , فلا طالما كانت لديّ شكوك عن عمليات نصب تحدث في الشركة ! لكني أحتاج الى دليل يثبت ذلك , ولهذا قدمت الى هنا بعد إنصراف الموظفين
- ولماذا يهمّك أمر الشركة كثيراً , هل تعمل هنا في قسم المحاسبة ؟
فابتسم قائلاً : شيءٌ من هذا القبيل .. المهم يا ديانا , اذا وجدّتي ايّ شيءٍ مُريب , إخبريني به فوراً
- لا يا صديقي .. ان وجدت شيئاً , فسأسلّمه بنفسي لمدير الشركة كيّ أحصل على علاوة , او على الأقل يرفعني الى منصبٍ افضل من موظفة إرشيف , فهذا العمل المملّ لا يناسب طموحاتي
- حسناً كما تشائين , المهم ان تبقى عيونك مفتوحة لتعرفي كل المتورّطين بهذا الموضوع ..
ثم تركها لتُكمل عملها ..
***
وبعد شهر من البحث المتواصل خلف الحقائق والأرقام المزيفة المدوّنة في الملفات القديمة , استطاعت ديانا اخيراً التوصّل الى اسماء كل المتورطين بعمليات النصب لصالح النائب وقريب المدير (آدم) , كما عرفت بأن السكرتيرة (إنجي) متورّطة مادياً وكذلك عاطفياً مع النصّاب آدم
وقد حاولت ديانا على مدار اسبوع ان تقابل مدير الشركة لتسلّمه الملف الخطير بنفسها .. لكن يبدو ان إنجي تشكّ في أمرها , ولهذا منعتها (أكثر من مرة , وبحججٍ مغايرة) من رؤية رئيس الشركة ..
***
وفي زيارتها الثامنة , غضبت إنجي من ديانا وقالت لها :
- قلت لك الف مرة ان مديرنا مشغول !! لكن في حال كان الملف الذي معك مهم كما تقولين .. فالأفضل ان تسلّميه لي , وانا سأعطيه للمدير في وقت فراغه
لكن ديانا رفضت ذلك , لأنها تعرف بأن إنجي متورّطة مع شبكة المخالفين
ديانا بارتباك : لا شكراً , سآتي في وقتٍ لاحق
وقبل ان تنصرف , سمعت المدير يسأل سكرتيرته (من جهاز اللاسلكي على المكتب) :
- إنجي .. إرسلي في طلب ديانا , موظفة الأرشيف
فأجابت إنجي بتردّد : هي في مكتبي الآن
صوت المدير : جيد , إرسليها لي
وبعد ان أطفات إنجي جهاز الإتصال , قالت لها بلؤم :
- تفضلي , المدير في انتظارك
***
وقد تفاجأت ديانا بما رأته داخل مكتب المدير..
- أأنت يا زيكو , مدير كل هذه الشركة ؟!
فأجابها بابتسامة : نعم , انا جاك اندرسون .. تفضلي بالجلوس
وبعد ان جلست , قالت له معاتبة : طيب لما لم تخبرني بذلك ؟ ..ولما لم ..
مقاطعاً : أعرف ان في رأسك عشرات الأسئلة , وأهمّها : لما كنت اعيش مُشرّداً في الجبال ؟ لكن الوقت غير مناسبٌ الآن , فأنا أحتاج لمعرفة آخر أخبار الملف الذي تعملين عليه .. هل انتهيت منه ام لا ؟
فسلّمته الملف وهي تقول :
- عليك الحذر من نائبك , فهو رئيس العصابة .. كما دوّنت في هذا الملف , جميع اسماء شركائه المتورطين في عمليات النصب
وبعد ان قرأ زيكو الأدلّة التي تثبت تورّطهم ..
قال بضيق : كنت متأكّداً بأن ابن عمي ينصب عليّ منذ عينته نائبي , لكني متفاجىء بحجم إختلاسه ! فهو تقريباً سرق ربع مال الخزينة ! اللعنة عليه !!
***
في غرفة السكرتيرة .. سمعت انجي حديثهما , فالمدير (جاك) لم يكن يعرف بإنها وضعت جهازاً لتنصّت في مكتبه ..
وعلى الفور !! إتصلت بإبن عمه لتخبره بانكشاف أمرهم
وعندما أتصل جاك بإنجي ليطلبها هي ونائبه الى مكتبه لتحقيق معها , عرف بأنهما خرجا من الشركة باكراً
***
وفي إحدى المطاعم .. جلست إنجي مع النائب آدم وهما يخطّطان للهرب سويّاً بالمال الذي سرقوه الى الخارج .. لكن إنجي رفضت الرحيل قبل الإنتقام من ديانا التي كانت السبب في فضح مخطّطاتهما للأستيلاء على كل الشركة
***
وبعد شهور من هرب ابن العم الى خارج البلاد .. وصل خبرٌ لجاك من جارة ديانا : بأنها تشتمّ رائحة غاز خارجة من شقتها
جاك بقلق : اذاً اتصلي بالأطفاء سريعاً , قبل ان يندلع حريقٌ في بيتها
الجارة : لا !! انا أخاف من الشرطة .. تعال انت وانقذ صديقتك بنفسك
ثم أقفلت الخط في وجهه
***
وكالمجنون !! انطلق نحو شقة ديانا التي وجد بابها مفتوحاً ! وعندما دخل غرفة نومها , وجدها نائمة مع عشيقها في غرفةٍ إمتلأت بالشموع الرومنسية !
وهنا التفت اليه صديقها الذي قال بنعس : هاى انت !! كيف تدخل علينا هكذا دون استئذان ؟!
فخرج جاك من بيتها مصدوماً , بعد ان انجرح قلبه ! لأنه أحبها بعد ان عمِلا سويّاً (خلال الشهور الماضية) لإخراج الشركة من أزمتها المادية , بعد انسحاب آدم وإنجي من الإدارة
ثم ركب سيارته وهو يتمّتمّ : كنت سأتزوجك قريباً يا ديانا , فلما خنّتِني هكذا ؟ ... (ثم صرخ بغضب) ..اللعنة عليك , وعلى كل النساء !!
ومن ثم توجه مسرعاً ناحية كوخ الجبل , الذي وصل اليه مع تباشير الصباح
***
وعندما وصلت ديانا الى الشركة في اليوم التالي , تفاجأت بأمر طردها من الشركة , موقّعة من جاك شخصياً ..
فحاولت الإتصال به مراراً وتكراراً لتفهم سبب الطرد , لكن جوّاله ظلّ مقفلاً .. الاّ انها عرفت بالصدفة (بعد سماعها لحوار بين موظفتين) بأنه عاد الى كوخه في الجبال
***
وقد وصلت ديانا الى هناك قبيل غروب الشمس .. وعندما فتح لها الباب قال لها بغضب :
- لما لحقتي بي الى هنا ؟!!
بدهشة : ولما انت غاضبٌ مني هكذا ؟ وكيف تطردني بعد كل الذي فعلته من أجلك ومن أجل شركتك ؟!
فاقترب منها , قائلاً بغضب : لأنك تشبهين زوجتي , فجميعكنّ خونة وغير جديراتٍ بالثقة .. هيا إغربي عن وجهي !! ولا اريد رؤيتك مرة ثانية , لا هنا ولا في شركتي .. أفهمتي !!
ثم اغلق الباب في وجهها ..
فعادت الى سيارتها مصدومة , دون ان تفهم شيئاً !
***
وفي باريس .. إتصلت إنجي بحبيبها آدم لتبشّره بنجاح خطتها :
إنجي بفرح : وهآقد استطعت أخيراً الإنتقام من ديانا الفضولية
آدم : وماذا فعلتي لتنجح خطتك ؟
إنجي : قمت بدفع بعض المال لزوجة حارس العمارة التي تسكن فيها , وهي في المقابل أعطتني نسخة عن مفتاح شقتها .. ثم أرسلت لديانا بيتزا , بعد ان طلبت من صبي التوصيل ان يُخبرها : بأنها مقدّمة من جاك
- وهل وضعت فيها المخدّر ؟
فأجابته بخبث : بالطبع !! وبعد ان غرقت في نومٍ عميق , طلبت من زوجة البوّاب ان تتصل بجاك وتخبره بأنها جارتها , وبأن ديانا أعطتها رقمه في حال حصل لها مكروه
آدم : وهو بالتأكيد صدّق كلامها , لأنه يعرف مخاوف ديانا من إنتقامنا
- بالضبط .. المهم انه بعد هذا الإتصال .. دخلت الى شقتها ومعي شابٌ وسيم , كنت دفعت له المال لينام بجانبها على السرير ..وبعد ذهاب الشاب , برحيل جاك .. قمت بإزالة الزينة التي وضعتها بنفسي , كي تبدو وكأن ديانا زيّنت غرفتها لإستقبال العشيق
فضحك آدم قائلاً : والمسكينة استيقظت على نبأ طردها من الشركة من قِبل حبيبها , دون ان تعرف المصيبة التي حصلت في بيتها
إنجي : هي استحقّت ذلك , بسبب تدخلها فيما لا يعنيها
آدم بفخر : يالك من ملعونة يا إنجي .. مع إنني كنت أفضّل لوّ انك سافرتي معي , قبل ان تُرفع علينا قضيّة الإختلاس .. فأنا تمكنت من الهرب , لكنك علقتي في البلد بعد قرار منعك من السفر
- كان لابد ان انتقم منها ليرتاح ضميري .. ولا تقلق عزيزي , فأنا حتماً سأجد حلاً يخرجني من هذه الورطة , ويجعلني التقي بك قريباً
- وانا في انتظارك حبيبتي .. حاولي ان لا تتأخّري عليّ
***
امّا نتيجة المؤامرة الخبيثة فكانت شديدة الوقع على كلا العاشقين (جاك وديانا) التي أدّت الى فراقهما لشهورٍ طويلة .. قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي عرف فيه جاك (بالصدفة) كل الحقيقة !
ففي أحد الأيام .. وبينما كان يمشي بممرّات شركته شارد الذهن , سمع إحدى الموظفات تقول لصديقتها :
- ليتك رأيتي كم كانت إنجي منهارةٌ البارحة في حفلة زميلنا , بعد معرفتها بزواج آدم من امرأةٍ فرنسية , فهو كان وعدها بالزواج عندما يجتمعان في الخارج .. والأخطر من ذلك , هو ما أخبرتني به عن ديانا بعدما أكثرت من الشرب
وهنا تنصّت جاك (من خلف الباب) على المؤامرة التي حِيكت ضدّ ديانا , مما جعله يشعر بالندم الشديد لظلمه لها ..
وعلى الفور !! ذهب الى مكتبه ليجري العديد من الإتصالات لمعرفة اين ذهبت ديانا بعد تركها لمكان إقامتها
***
وبعد ثلاثة ايام .. وصلت لجاك معلومات : بأن ديانا عادت الى قرية اهلها , وهي تعمل هناك كمعلمة في مدرسة حضانة
***
وبعد يومين .. تفاجأت به يقف عند باب مدرستها (بعد خروج الطلاب) ..
فقابلته ديانا بوجهٍ صارم : مالذي أتى بك الى هنا ؟
الا انه أصرّ على الحديث معها ليخبرها بأمرٍ مهم .. وبصعوبة استطاع إقناعها بقبول عزيمته على الغداء في مطعمٍ قرب البحر
وهناك أخبرها بمؤامرة إنجي ضدّهما
فقالت ديانا بعصبية : وانت صدّقت بسرعة خيانتي لك , وطردتني من شركتك ومن كل حياتك , دون ان تناقشني في الموضوع ؟!
- لا تغضبي مني , فهذه لم تكن الصدمة الأولى لي .. فأنا أخبرتك سابقاً عن خيانة زوجتي التي جعلتني انسحب من حياتي , لأعيش وحدي مُشرداً لسنتين في الجبال .. فمن يمكنه تحمّل معرفة بأن ابنته البالغة ثماني سنوات لم تكن سوى ابنة عشيق زوجته ؟! لهذا كان من الطبيعي ان أعاقبك دون سماع تبريرك لوجود ذلك الشاب في بيتك .. وأتمنى يا ديانا أن تتفهّمي موقفي
فسكتت ديانا وهي تنظر الى البحر (من نافذة المطعم) محاولةً امساك دموعها .. لكنها تفاجأت به ينحني قربها , رافعاً خاتم الزواج في وجهها وهو يقول :
- هل تقبلين الزواج مني يا ديانا ؟
لكنها تردّدت بالموافقة , لأنها مازالت غاضبة منه
فقال لها بصوتٍ منخفض , بعد ان ألتفّ الناس حولهما لتصويرهما بالجوّال
- ديانا .. إقبلي بي , لتعاقبيني كل يوم عن عدم ثقتي بك
فابتسمت قائلة بصوتٍ منخفض : والله لأجل هذا السبب فقط , سأقبل بك ..
ثم رفعت صوتها قائلة : نعم موافقة !!
فقام جاك وحضنها بشغف , وسط تصفيق الناس لهما
كتابة : أمل شانوحة
انا أذكى من هذا العمل المملّ !
في عصر يومٍ غائم .. أوقفت صبيّة سيارتها فوق إحدى المرتفعات الجبلية .. ومن ثم مشت قليلاً , الى ان اقتربت من الحافة الصخرية
وهناك تذكّرت جميع التجارب السيئة التي حصلت في حياتها , والتي لم يكن فيها ايّ شيء يُشجّعها على البقاء حيّة ..
فمثلاً : قبل شهور , أجهضت جنينها للمرة الثالثة ممّا أدّى الى طلاقها .. والأسوء انها لم تجد عملاً يوفّر لها لقمة العيش بعد انفصالها عن زوجها .. والبارحة , هدّدها صاحب العمارة بطردها آخر الشهر ان لم تدفع له الأجرة المستحقّة منذ شهرين .. هذا عدا عن طفولتها المشتّتة التي عاشتها متنقلة بين منزليّ والديها المطلّقين .. وكذلك ما عانته من قِبَل الطلاّب المتنمّرين طوال سنوات دراستها .. كل هذا جعلها تتخذّ قراراً هذا اليوم بالإنتحار , للتخلّص من حياتها الكئيبة
وقبل لحظات من قفزها نحو الهاوية , إنتابتها نوبةً هستيرية ..فصارت تصرخ بأعلى صوتها !! وتطلق الشتائم بأسماء كل من حوّل حياتها الى جحيم ..
وفجأة ! سمعت صوت رجلٍ من خلفها , يقول لها بضيق :
- هاى انت !! متى ستتوقفين عن الصراخ ؟!! اريد ان انام
وكاد خروجه المفاجىء (من الغابة الموجودة بجانب الجبل) ان يُوقعها الى الأسفل , لكنها تماسكت بآخر لحظة ..
ثم أدارت وجهها اليه , مُعاتبةً بغضب :
- كنت سأموت بسببك يا رجل !!
فقال ساخراً : الم تأتي الى هنا لهذا السبب ؟
فردّت بعصبية : وما دخلك انت ؟!! ثم من اين خرجت ؟ هل انت جنّي ؟!
(وقالت ذلك : بسبب شعره ولحيته الطويلتان , كما هندامه الغير مرتّب)
فابتسم قائلاً : والله لا الومك على هذا التشبيه , فأنا لم اهتمّ بنفسي منذ مدة .. لكن ليتني كنتُ جنّياً , لروّعت جميع اعدائي .. المهم اسمعي .. بيتي قريبٌ من هنا , وصراخك العالي أزعجني .. لهذا رجاءً ..ان كنت تنوين الإنتحار , ففعليها بهدوء
ثم تابعته الشابة بنظرها الى ان دخل بيته (الموجود خلف الأشجار القريبة منها) وهي تتمّتم بعصبية :
- لم يكن ينقصني سواك يا احمق .. والآن اين كنت ..
واقتربت ثانيةً من الهاوية , وفتحت ذراعيها وأغمضت عيناها في محاولةٍ منها لإستجماع قواها بالقفز نحو مصيرها
الاّ انها سمعت صوته مجدّداً من بعيد , يقول لها :
- على فكرة يا آنسة !! لن تموتي مباشرةً , لأنه يوجد أسفل منك صخرةٌ كبيرة تعترض طريقك , وستسبّب حتماً بكسّر جميع عظامك قبل خروج روحك
فارتعبت الصبيّة , ونظرت بقلق تحت قدميها (عند الحافة) لكن الضباب الكثيف منعها من التحقّق ان كان ما يقوله صحيحاً ام لا .. بينما أكمل هو قائلاً :
- انا لا أكذب عليك !! ومن الأفضل ان تجدي طريقةً اخرى للإنتحار , لأنه لا أحد يستحق ان يموت بهذه الطريقة المؤلمة
فاحتارت الصبيّة بأمرها , بينما استغلّ هو ارتباكها :
- ان شئتِ !! لديّ وسيلةً اخرى ستريحك أكثر .. لكن اولاً تعالي الى بيتي , لنشرب بعض الشايّ الساخن الذي سيُدفئنا في هذا الجوّ البارد ..
ووقفت متردّدة في مكانها , الى ان شعرت ببعض زغّات المطر تتساقط على يدها ..
وهنا صرخ الشاب قائلاً : هيا اسرعي !! فالمطر سيهطل قريباً
ولم ترى نفسها الاّ وهي تركض بسرعة ناحية منزله , بعد ان أرعبها صوت الرعد المفاجىء ! والذي يُنذر بهطول مطرٍ غزير
***
وداخل منزل الشاب .. جلست الفتاة قرب النافذة وهي ترتشفّ كوب الشايّ , وتراقب المطر الذي ترافق مع غروب الشمس
وبعد اصرارٍ من الشاب لمعرفة اسباب إقدامها على الإنتحار , أخبرته أخيراً بتفاصيل حياتها البائسة ..
وبعد ان انتهت (بعد ساعتين) من سرد مأساتها .. قال لها :
- انا آسف لكل ما حدث معك .. تفضلي المنديل , مدام ناديا
وبعد ان مسحت دموعها قالت له :
- ليتك لم توقفني , فأمامي اسبوعين فقط لأوفّر أجار شقتي والاّ سأصبح مُشرّدة في الشوارع
- سأحلّ لك هذه المشكلة الآن
وفتح درج خزانته وأخرج منه بطاقة , أعطاها إيّاها
- إمسكي .. هذه البطاقة عليها رقمٌ خاص لسكرتيرة تعمل في شركة محترمة .. إتصلي بها غداً , وقولي لها : بأنك من طرف الأستاذ جاك اندرسون .. وهي ستوظّفك في المكان المناسب
فقالت له بسخرية : يا سلام ! .. أبهذه السهولة وظّفتني في شركتك الخيالية يا .. آه صحيح ! ما هو اسمك ؟
- ينادوني ب(زيكو) .. وهذه الشركة يُديرها شخصٌ عزيزاً عليّ , وهو مدينٌ لي بخدمة
ثم وقف قائلاً :
- انا ذاهبٌ للنوم الآن , لأني تعوّدت على الإستيقاظ باكراً .. وانت يمكنك التمدّد على هذه الكنبة .. وغداً صباحاً تعودين الى بيتك لترتّبي أمورك للعمل الجديد .. تصبحين على خير
ثم دخل غرفته دون ان يُفهمهما تفاصيل العمل الذي دلّها عليه ..
ورغم انها لم تصدّق بأن هذا المتشرّد يمكنه حلّ مشكلتها المادية , الا انها قرّرت الإتصال (لاحقاً) بالشركة لأنها لا تملك حلاً آخر
***
وبعد يومين .. حصلت ديانا على مقابلة عمل في هذه الشركة الضخمة .. لكن يبدو ان السكرتيرة (إنجي) لم تتقبّل وجودها بينهم , ولهذا وظّفتها في إرشيف الشركة الموجود في قبو المبنى ..
وهناك كان عليها مشاركة العمل مع موظفين آخرين (رجل وسيدة , كبار في السن) كانا يقضيان النهار كلّه بالحديث بينهما , لهذا لم تستطع ديانا التركيز على عملها الذي هو : تدوين الملفات داخل الكمبيوتر .. فقرّرت ان تبقى ساعتين بعد الدوام , للإستفادة من هدوء الشركة بعد خلوّها من الموظفين
***
وبعد شهرين .. إكتشفت ديانا معلوماتٍ خطيرة في الملفّات القديمة تؤكّد بأن ابن عم صاحب الشركة (والذي يَشغل مركز نائب المدير) قام حتى الآن باختلاس آلاف الدولارات من رصيدها البنكي , بمساعدة بعض موظفيّ الإدارة ..
لكن ديانا فضّلت إخفاء هذه المعلومات لحين إيجاد الأدلّة الكافية التي تدين جميع المتورّطين بهذه الجريمة , قبل ان تفضحهم لمدير الشركة (والذي لم تلتقي به حتى اليوم !)
***
وفي عصر يومٍ ما .. تفاجأت بشابٍ وسيم يدخل خفيّة الى الأرشيف , ويبحث بين ملفاتها :
ديانا (وهي ترفع عصا المكنسة عليه) برعب : توقف عندك ايها اللصّ !!!
فسقطت الملفات من يد الشاب بفزع : آه يا الهي ! أهذا انت يا ديانا ؟! لقد أرعبتني يا فتاة
ديانا بدهشة : كيف عرفتني يا هذا ؟! فأنا لم ارك من قبل !
فابتسم قائلاً : من حقّك ان لا تعرفيني , لكني صاحب كوخ الجبل ..
باستغراب : أهذا انت يا زيكو ؟! لقد تغيّر شكلك تماماً بعد ان حلقت شعرك وذقنك , كما ان الملابس الرسمية تبدو رائعة عليك .. من اين سرقتها ؟
فيضحك قائلاً : استلفت الطقم من صديقي .. المهم الآن .. لما انت في الأرشف بهذا الوقت المتأخّر ؟ ..(ثم قال مُمازحاً) أكنتِ تسرقين الشركة ؟
فأجابته : أسرق ماذا يا رجل , أصلاً الشركة ستعلن افلاسها قريباً
بقلق : ولماذا تقولين ذلك ؟!
- لأن السوس ينخر فيها , ولا تسألني لماذا
- أظنني فهمت قصدك , فلا طالما كانت لديّ شكوك عن عمليات نصب تحدث في الشركة ! لكني أحتاج الى دليل يثبت ذلك , ولهذا قدمت الى هنا بعد إنصراف الموظفين
- ولماذا يهمّك أمر الشركة كثيراً , هل تعمل هنا في قسم المحاسبة ؟
فابتسم قائلاً : شيءٌ من هذا القبيل .. المهم يا ديانا , اذا وجدّتي ايّ شيءٍ مُريب , إخبريني به فوراً
- لا يا صديقي .. ان وجدت شيئاً , فسأسلّمه بنفسي لمدير الشركة كيّ أحصل على علاوة , او على الأقل يرفعني الى منصبٍ افضل من موظفة إرشيف , فهذا العمل المملّ لا يناسب طموحاتي
- حسناً كما تشائين , المهم ان تبقى عيونك مفتوحة لتعرفي كل المتورّطين بهذا الموضوع ..
ثم تركها لتُكمل عملها ..
***
وبعد شهر من البحث المتواصل خلف الحقائق والأرقام المزيفة المدوّنة في الملفات القديمة , استطاعت ديانا اخيراً التوصّل الى اسماء كل المتورطين بعمليات النصب لصالح النائب وقريب المدير (آدم) , كما عرفت بأن السكرتيرة (إنجي) متورّطة مادياً وكذلك عاطفياً مع النصّاب آدم
وقد حاولت ديانا على مدار اسبوع ان تقابل مدير الشركة لتسلّمه الملف الخطير بنفسها .. لكن يبدو ان إنجي تشكّ في أمرها , ولهذا منعتها (أكثر من مرة , وبحججٍ مغايرة) من رؤية رئيس الشركة ..
***
وفي زيارتها الثامنة , غضبت إنجي من ديانا وقالت لها :
- قلت لك الف مرة ان مديرنا مشغول !! لكن في حال كان الملف الذي معك مهم كما تقولين .. فالأفضل ان تسلّميه لي , وانا سأعطيه للمدير في وقت فراغه
لكن ديانا رفضت ذلك , لأنها تعرف بأن إنجي متورّطة مع شبكة المخالفين
ديانا بارتباك : لا شكراً , سآتي في وقتٍ لاحق
وقبل ان تنصرف , سمعت المدير يسأل سكرتيرته (من جهاز اللاسلكي على المكتب) :
- إنجي .. إرسلي في طلب ديانا , موظفة الأرشيف
فأجابت إنجي بتردّد : هي في مكتبي الآن
صوت المدير : جيد , إرسليها لي
وبعد ان أطفات إنجي جهاز الإتصال , قالت لها بلؤم :
- تفضلي , المدير في انتظارك
***
وقد تفاجأت ديانا بما رأته داخل مكتب المدير..
- أأنت يا زيكو , مدير كل هذه الشركة ؟!
فأجابها بابتسامة : نعم , انا جاك اندرسون .. تفضلي بالجلوس
وبعد ان جلست , قالت له معاتبة : طيب لما لم تخبرني بذلك ؟ ..ولما لم ..
مقاطعاً : أعرف ان في رأسك عشرات الأسئلة , وأهمّها : لما كنت اعيش مُشرّداً في الجبال ؟ لكن الوقت غير مناسبٌ الآن , فأنا أحتاج لمعرفة آخر أخبار الملف الذي تعملين عليه .. هل انتهيت منه ام لا ؟
فسلّمته الملف وهي تقول :
- عليك الحذر من نائبك , فهو رئيس العصابة .. كما دوّنت في هذا الملف , جميع اسماء شركائه المتورطين في عمليات النصب
وبعد ان قرأ زيكو الأدلّة التي تثبت تورّطهم ..
قال بضيق : كنت متأكّداً بأن ابن عمي ينصب عليّ منذ عينته نائبي , لكني متفاجىء بحجم إختلاسه ! فهو تقريباً سرق ربع مال الخزينة ! اللعنة عليه !!
***
في غرفة السكرتيرة .. سمعت انجي حديثهما , فالمدير (جاك) لم يكن يعرف بإنها وضعت جهازاً لتنصّت في مكتبه ..
وعلى الفور !! إتصلت بإبن عمه لتخبره بانكشاف أمرهم
وعندما أتصل جاك بإنجي ليطلبها هي ونائبه الى مكتبه لتحقيق معها , عرف بأنهما خرجا من الشركة باكراً
***
وفي إحدى المطاعم .. جلست إنجي مع النائب آدم وهما يخطّطان للهرب سويّاً بالمال الذي سرقوه الى الخارج .. لكن إنجي رفضت الرحيل قبل الإنتقام من ديانا التي كانت السبب في فضح مخطّطاتهما للأستيلاء على كل الشركة
***
وبعد شهور من هرب ابن العم الى خارج البلاد .. وصل خبرٌ لجاك من جارة ديانا : بأنها تشتمّ رائحة غاز خارجة من شقتها
جاك بقلق : اذاً اتصلي بالأطفاء سريعاً , قبل ان يندلع حريقٌ في بيتها
الجارة : لا !! انا أخاف من الشرطة .. تعال انت وانقذ صديقتك بنفسك
ثم أقفلت الخط في وجهه
***
وكالمجنون !! انطلق نحو شقة ديانا التي وجد بابها مفتوحاً ! وعندما دخل غرفة نومها , وجدها نائمة مع عشيقها في غرفةٍ إمتلأت بالشموع الرومنسية !
وهنا التفت اليه صديقها الذي قال بنعس : هاى انت !! كيف تدخل علينا هكذا دون استئذان ؟!
فخرج جاك من بيتها مصدوماً , بعد ان انجرح قلبه ! لأنه أحبها بعد ان عمِلا سويّاً (خلال الشهور الماضية) لإخراج الشركة من أزمتها المادية , بعد انسحاب آدم وإنجي من الإدارة
ثم ركب سيارته وهو يتمّتمّ : كنت سأتزوجك قريباً يا ديانا , فلما خنّتِني هكذا ؟ ... (ثم صرخ بغضب) ..اللعنة عليك , وعلى كل النساء !!
ومن ثم توجه مسرعاً ناحية كوخ الجبل , الذي وصل اليه مع تباشير الصباح
***
وعندما وصلت ديانا الى الشركة في اليوم التالي , تفاجأت بأمر طردها من الشركة , موقّعة من جاك شخصياً ..
فحاولت الإتصال به مراراً وتكراراً لتفهم سبب الطرد , لكن جوّاله ظلّ مقفلاً .. الاّ انها عرفت بالصدفة (بعد سماعها لحوار بين موظفتين) بأنه عاد الى كوخه في الجبال
***
وقد وصلت ديانا الى هناك قبيل غروب الشمس .. وعندما فتح لها الباب قال لها بغضب :
- لما لحقتي بي الى هنا ؟!!
بدهشة : ولما انت غاضبٌ مني هكذا ؟ وكيف تطردني بعد كل الذي فعلته من أجلك ومن أجل شركتك ؟!
فاقترب منها , قائلاً بغضب : لأنك تشبهين زوجتي , فجميعكنّ خونة وغير جديراتٍ بالثقة .. هيا إغربي عن وجهي !! ولا اريد رؤيتك مرة ثانية , لا هنا ولا في شركتي .. أفهمتي !!
ثم اغلق الباب في وجهها ..
فعادت الى سيارتها مصدومة , دون ان تفهم شيئاً !
***
وفي باريس .. إتصلت إنجي بحبيبها آدم لتبشّره بنجاح خطتها :
إنجي بفرح : وهآقد استطعت أخيراً الإنتقام من ديانا الفضولية
آدم : وماذا فعلتي لتنجح خطتك ؟
إنجي : قمت بدفع بعض المال لزوجة حارس العمارة التي تسكن فيها , وهي في المقابل أعطتني نسخة عن مفتاح شقتها .. ثم أرسلت لديانا بيتزا , بعد ان طلبت من صبي التوصيل ان يُخبرها : بأنها مقدّمة من جاك
- وهل وضعت فيها المخدّر ؟
فأجابته بخبث : بالطبع !! وبعد ان غرقت في نومٍ عميق , طلبت من زوجة البوّاب ان تتصل بجاك وتخبره بأنها جارتها , وبأن ديانا أعطتها رقمه في حال حصل لها مكروه
آدم : وهو بالتأكيد صدّق كلامها , لأنه يعرف مخاوف ديانا من إنتقامنا
- بالضبط .. المهم انه بعد هذا الإتصال .. دخلت الى شقتها ومعي شابٌ وسيم , كنت دفعت له المال لينام بجانبها على السرير ..وبعد ذهاب الشاب , برحيل جاك .. قمت بإزالة الزينة التي وضعتها بنفسي , كي تبدو وكأن ديانا زيّنت غرفتها لإستقبال العشيق
فضحك آدم قائلاً : والمسكينة استيقظت على نبأ طردها من الشركة من قِبل حبيبها , دون ان تعرف المصيبة التي حصلت في بيتها
إنجي : هي استحقّت ذلك , بسبب تدخلها فيما لا يعنيها
آدم بفخر : يالك من ملعونة يا إنجي .. مع إنني كنت أفضّل لوّ انك سافرتي معي , قبل ان تُرفع علينا قضيّة الإختلاس .. فأنا تمكنت من الهرب , لكنك علقتي في البلد بعد قرار منعك من السفر
- كان لابد ان انتقم منها ليرتاح ضميري .. ولا تقلق عزيزي , فأنا حتماً سأجد حلاً يخرجني من هذه الورطة , ويجعلني التقي بك قريباً
- وانا في انتظارك حبيبتي .. حاولي ان لا تتأخّري عليّ
***
امّا نتيجة المؤامرة الخبيثة فكانت شديدة الوقع على كلا العاشقين (جاك وديانا) التي أدّت الى فراقهما لشهورٍ طويلة .. قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي عرف فيه جاك (بالصدفة) كل الحقيقة !
ففي أحد الأيام .. وبينما كان يمشي بممرّات شركته شارد الذهن , سمع إحدى الموظفات تقول لصديقتها :
- ليتك رأيتي كم كانت إنجي منهارةٌ البارحة في حفلة زميلنا , بعد معرفتها بزواج آدم من امرأةٍ فرنسية , فهو كان وعدها بالزواج عندما يجتمعان في الخارج .. والأخطر من ذلك , هو ما أخبرتني به عن ديانا بعدما أكثرت من الشرب
وهنا تنصّت جاك (من خلف الباب) على المؤامرة التي حِيكت ضدّ ديانا , مما جعله يشعر بالندم الشديد لظلمه لها ..
وعلى الفور !! ذهب الى مكتبه ليجري العديد من الإتصالات لمعرفة اين ذهبت ديانا بعد تركها لمكان إقامتها
***
وبعد ثلاثة ايام .. وصلت لجاك معلومات : بأن ديانا عادت الى قرية اهلها , وهي تعمل هناك كمعلمة في مدرسة حضانة
***
وبعد يومين .. تفاجأت به يقف عند باب مدرستها (بعد خروج الطلاب) ..
فقابلته ديانا بوجهٍ صارم : مالذي أتى بك الى هنا ؟
الا انه أصرّ على الحديث معها ليخبرها بأمرٍ مهم .. وبصعوبة استطاع إقناعها بقبول عزيمته على الغداء في مطعمٍ قرب البحر
وهناك أخبرها بمؤامرة إنجي ضدّهما
فقالت ديانا بعصبية : وانت صدّقت بسرعة خيانتي لك , وطردتني من شركتك ومن كل حياتك , دون ان تناقشني في الموضوع ؟!
- لا تغضبي مني , فهذه لم تكن الصدمة الأولى لي .. فأنا أخبرتك سابقاً عن خيانة زوجتي التي جعلتني انسحب من حياتي , لأعيش وحدي مُشرداً لسنتين في الجبال .. فمن يمكنه تحمّل معرفة بأن ابنته البالغة ثماني سنوات لم تكن سوى ابنة عشيق زوجته ؟! لهذا كان من الطبيعي ان أعاقبك دون سماع تبريرك لوجود ذلك الشاب في بيتك .. وأتمنى يا ديانا أن تتفهّمي موقفي
فسكتت ديانا وهي تنظر الى البحر (من نافذة المطعم) محاولةً امساك دموعها .. لكنها تفاجأت به ينحني قربها , رافعاً خاتم الزواج في وجهها وهو يقول :
- هل تقبلين الزواج مني يا ديانا ؟
لكنها تردّدت بالموافقة , لأنها مازالت غاضبة منه
فقال لها بصوتٍ منخفض , بعد ان ألتفّ الناس حولهما لتصويرهما بالجوّال
- ديانا .. إقبلي بي , لتعاقبيني كل يوم عن عدم ثقتي بك
فابتسمت قائلة بصوتٍ منخفض : والله لأجل هذا السبب فقط , سأقبل بك ..
ثم رفعت صوتها قائلة : نعم موافقة !!
فقام جاك وحضنها بشغف , وسط تصفيق الناس لهما