الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

يا سارقاً لحن قلبي

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة

قصة,حب,كبار,فراق,زواج,مراهق,خطة

هل مازلتَ تذكُر حبّي ؟

في عصر اليوم التالي لإنتقاله الى الحيّ الجديد , تفاجأ بجارته تطرق باب بيته بغضب .. وعندما فتح الباب , قالت له بعصبية :
- هذا الصندوق لك !! أحضره ساعي البريد بالخطأ الى بيتي .. وكان الأجدر بك ان تعطيهم العنوان جيداً بدل ان تزعج جيرانك

ووضعته عند الباب , وذهبت الى بيتها المجاور وهي مازالت تحرّك يديها بغضب وتتمّتمّ بكلامٍ غير مفهوم
الجار باستغراب : ما بها هذه المجنونة ؟!
ثم أدخل الصندوق الى الداخل , ليُكمل مع ابنه المراهق ترتيب بيتهم الجديد
***  

وبعد شهر .. عادت ابنة الجارة من مدرستها الثانوية برفقة ابن الجيران .. فعاتبتها امها بعد رؤيتهما سويّاً 

جاكلين : لكن مايكل يا امي انتقل الى مدرستي حديثاً , وهو يعيش في البيت المجاور ..وطبيعي ان ترينا ننزل سويّاً من الحافلة .. كما انه فتىً جيد .. لا افهم سبب رفضك لصداقتنا ؟!
الأم بعصبية : لا اريد ايّ علاقة بجارنا الجديد او بإبنه , وهذا امرٌ نهائي لا نقاش فيه ..أفهمتي ؟!!

ثم أقفلت الأم باب غرفتها بغضب , دون ان تُفهم إبنتها سبب عداوتها مع الجيران الجدّد !
*** 

في اليوم التالي بالمدرسة .. انتبه مايكل أن جاكلين لا تريد تناول غدائها معه , فاقترب منها سائلاً :
- هل قمت بشيءٍ أزعجك ؟!
- لا ابداً .. لكن امي لا تريدني ان أصاحبك .. ولا تسألني لماذا , لأنني لا اعرف السبب ! 
لكن مايكل اصرّ عليها بأن تعرف السبب من امها 
***

وقد عرفت الصبيّة هذا الأمر في عطلة نهاية الأسبوع , حين رأت امها في غرفتها تبكي لوحدها وهي تنظر الى صورها القديمة .. وبعد اصرارٍ من ابنتها اخبرتها الأم بالموضوع , حين قالت بحزن:  
- انظري الى الصورة وستفهمين كل شيء  
جاكلين : هذه صورتك عندما كنتِ في مثل عمري , لكن من الشاب الذي يحضنك ؟ انه لا يشبه ابي !
الأم بنبرةٍ حزينة : هذا جاك .. والد صديقك مايكل 
جاكلين بدهشة : هل كنتما مخطوبان قديماً ؟! 

فأجابت امها بقهر : نعم , جاك كان حبي الأول ..لكنه تركني بعد ان حصل على منحةٍ دراسية الى اوروبا .. وكم ترجّيته وقتها كي يتزوجني لنذهب سويّاً الى هناك .. لكنه قال بأنني سألهيه عن دراسته , ولهذا فسخ خطوبتنا وسافر وحده الى الخارج.. (ثم تنهدت بحزن) .. والأسوء انني عرفت لاحقاً بأنه تزوج من سيدة اجنبية بعد شهرٍ واحد من وصوله الى هناك ! بحجّة الحصول على الجنسية .. وحينها قرّرت الأنتقام منه بالزواج من اول عريس يتقدّم لي , وكان والدك الذي يكبرني بخمسة عشر سنة , وقد قبلت به رغم اعتراض اهلي على فارق العمر بيننا .. لكن بعد ان صار عمرك سنتين اصبحت ارملة , ولهذا اضّررت الى العمل كيّ أربيك وحدي , وكل هذا بسبب الملعون جاك !! كم اكره هذا المغرور الأناني

ابنتها في محاولة لتهدأتها : طيب ربما استأجر منزله بجوارنا ليعتذر منك عن ..
الأم مقاطعة بغضب : هو حتى لم يتذكّرني حينما رآني ! بينما عرفته انا منذ اللحظة الأولى لقدومه الى حيّنا .. الخائن !!
- لكن ابنه قال لي : ان امه طلقت والده قبل سنة , وهو فضّل العيش مع والده بعد زواجها من رجلٍ آخر
امها بدهشة وحماس : أحقاً ؟! يعني جاك مطلّق ! 
- نعم , هذا ما عرفته من مايكل

الأم بعصبية : جيد !! هذا جزاءه لتحطيمه قلبي .. المهم ابنتي !! لا اريدك ان تتكلّمي مع ابنه ابداً , ولا اريد لأحد ان يعرف بهذا الموضوع .. فطالما ان اللعين نسيني , فأنا ايضاً نسيته !!
- كما تشائين امي
***

في اليوم التالي بالمدرسة ..
مايكل بدهشة : لم اكن اعرف ان والدي كان خاطباً قبل امي ! 
جاكلين : المهم ان لا تخبر والدك بالأمر , لأن أمي ستغضب مني كثيراً
- فهمت , لكن عندي خطة جيدة لتحسين الوضع بينهما
فسألته باهتمام : مالذي تفكّر به ؟
مايكل : سأخبرك لاحقاً  
***

في اليوم التالي .. سمعت جاكلين صرخة مفاجئة صادرة من غرفة امها ! فركضت اليها بقلق .. وعندما فتحت الباب , رأت امها تقرأ رسالة على جوالها بابتسامةٍ عريضة !
جاكلين بقلق : ما الأمر امي ؟! لقد أرعبني صراخك
الأم وهي تكاد لا تصدّق ما قرأته : انظري بنفسك

وكان على جوالها , رسالة مُرسلة من جاك (الأب) يقول فيها :
((جوزفين .. يا حبّي الأول .. اريد ان اعتذر لك عن أنانيتي التي دمّرت حبّاً مخلصاً كحبك .. وآسف لأن اعتذاري جاء متأخراً , لكني نادمٌ أشدّ الندم على خسارة شخصٍ رائعٌ مثلك .. ارجوك إقبلي اعتذاري وسامحيني)) 

ثم شدّت الأم يدّ ابنتها مُعاتبة : هل اخبرت ابنه عن الذي تكلّمنا فيه البارحة ؟ تكلّمي !!
فاضّطرت البنت للكذب : لا والله , لم افعل  
الأم : اذاً كيف عرف جاك رقم جوالي ؟!
- لا ادري , ربما سأل أحد جيراننا
فتسكت الأم قليلاً ثم تقول : نعم , ربما طلب رقمي بعد ان عرف إسم عائلتي قبل الزواج بوالدك .. المهم انه اعتذر عن حماقاته السابقة , وهذا يكفيني 

وكان لهذه الرسالة أثراً سحرياً على تحسين نفسية الأم , التي قرّرت فجأة صنع كعكة لإبنتها على انغام الموسيقى المرتفعة ! 
وبعد ان انشغلت الأم بالمطبخ وهي تدنّدن بفرح , أسرعت جاكلين الى غرفتها للإتصال بمايكل .. ثم سألته بصوتٍ منخفض :
- من ارسل تلك الرسالة الى امي ؟!

فأجابها قائلاً : لقد سرقت جوال ابي عندما كان يستحم , وارسلت منه  رسالة الأعتذار لأمك , ثم حذفتها من جواله كي لا يعرف ابي بالأمر 
- ومن اين حصلت على رقم جوال امي ايها الماكر ؟!
- من صديقتك .. والآن قولي لي : هل تحسّن الوضع عندكم ؟
- نعم كثيراً ! حتى انني أخبرتها بأنني سأذاكر معك في الغد لأجل الإمتحان , ولم تمانع اطلاقاً !
مايكل بحماس : ممتاز !! اذاً نجحت الخطة
***

في صباح اليوم التالي .. التقت الأم والأب قرب حافلة المدرسة 
مايكل وهو يصعد مع جاكلين الحافلة , همس لها بقلق : امك تراقب ابي ! يبدو انها ستحدّثه عن رسالة البارحة
جاكلين بقلق : اللعنة ! إنكشف أمرنا .. هيا إصعد بسرعة , و دعنا نهرب قبل نشوب المعركة بينهما
***

وبعد ان ذهبت الحافلة .. توجهت الأم لسيارة الوالد حيث كان ذاهباً الى عمله , وقالت له :
- هل تظن ان رسالة الإعتذار كفيلة لإنهاء جرح الماضي ؟ 
ثم اسرعت (حتى قبل سماع جوابه) بحمل حاوية النفايات الموجودة قرب بيته , ورمتها بغضب على زجاج سيارته 
فخرج جاك من سيارته كالمجنون صارخاً فيها : لما كسرتي سيارتي يا مجنونة ؟!!

وعلى الفور !! تجمّع الجيران لتهدئة الموقف .. 
بينما تابعت هي هجومها اللفظي عليه , قائلة بغضب : هذا أقل شيء افعله كيّ استردّ كرامتي منك , ايها السافل الأناني !!
جاك وهو لا يفهم سبب جنونها المفاجىء : عن ايّ كرامة تتحدّثين ؟! .. والله سأشكيك للشرطة

لكنها تركته وعادت الى بيتها وهي تشعر بنشوّة الإنتصار دون ان تبالي بتهديداته
واستطاع الجيران بصعوبة تهدأته .. 
وقد اضّطر جاك الذهاب بسيارة الأجرة بعد ان تأخّر على عمله , ناوياً التبليغ عنها بعد عودته الى المنزل 
*** 

وبعد عودة المراهقين من المدرسة , لاحظا على الفور زجاج السيارة  المهشّم , فأسرع كلاهما الى بيته ليفهما المشكلة التي حصلت في غيابهما

وبلحظة دخول مايكل الى بيته , سمع والده يتصل غاضباً من جواله
- الو .. شرطة .. اريد التبليغ عن جارتي المجنونة
لكن ابنه أسرع بأخذ الجوال منه واغلاقه
الأب بعصبية : ماذا فعلت يا ولد ؟!!
ابنه بارتباك : ارجوك ابي , إهدأ قليلاً 
بغضب : المجنونة كسرت سيارتي !! وتريدني ان اهدأ !

وهنا اضّطر الأبن لتأليف كذبةً اخرى , حيث إدعى بأن ام صديقته تعاني من حالة نفسية بعد موت زوجها امام عينيها , وربما هاجمته لأنها لم تأخذ ادويتها هذا الصباح
الأب : وما ذنبي انا لكيّ أتعاقب على اهمالها ؟! 

وبعد الأخذ والردّ , استطاع مايكل بصعوبة تهدأة والده
الأب : حسناً سأهدأ , فقط لأنك معجبٌ بإبنتها .. لكن في حال كرّرت افعالها الحمقاء معي , فسأبّلغ عنها الشرطة 

وبعد ان ذهب الوالد الى غرفته , اتصل الشاب بصديقته :
مايكل : ارجوكِ جدي حلاً لعصبية امك , فأبي غاضبٌ جداً منها .. ولوّلا تدخلي , لزُجّت امك اليوم في السجن  
جاكلين : انا تكلّمت معها قبل قليل , وبرأيها انه استحقّ العقاب عن انانيته القديمة معها .. المهم اخبرني الآن ..هل قلت لوالدك عن الحقيقة ؟
- لا , بل أختلقت كذبة جديدة , وهي ان امك ...

وأخبرها عن الحديث الذي دار بينه وبين والده 
جاكلين : حسناً فعلت  
مايكل : وماذا سنفعل الآن ؟ الأمر يزداد سوءاً ! 
- أظنني سأفعل مع امي نفس خطتك السابقة
- ماذا تقصدين ؟!
- سأخبرك , لكن إعطني اولاً رقم جوال والدك 

ثم ارسلت جاكلين من جوّال امها (التي كانت مشغولة بطوي الثياب وهي تدنّدن بسعادة بعد ان انتقمت من جاك) رسالة الى جوال جارهم .. قالت فيها :

((مرحباً سيد جاك .. انا جارتك جوزفين .. اريد ان اعتذر عمّا حصل هذا الصباح .. لكني لم آخذ ادويتي , ولا ادري كيف تخيّلتك زوجي المرحوم الذي كان قاسياً معي .. ولم اعيّ فعلتي الا بعد ان اخبرتني ابنتي بذلك .. ولكي تتقبّل اعتذاري , اودّ ان اعزمك انت وابنك وابنتي على حسابي في المطعم الساحلي هذا المساء , كي نصفّي القلوب .. ما رأيك ؟))
فردّ الأب عليها بعد قليل : حسناً , انا موافق

فأسرعت جاكلين بحذف الرسائل بقلق .. ثم اتصلت بإبنه مايكل واخبرته بما حصل معها 
مايكل بدهشة : ولما فعلتي ذلك ؟!
جاكلين بارتباك : لم اكن اظنّ انه سيقبل عزيمتها بهذه السهولة , مالعمل الآن ؟!
فيفكّر مايكل قليلاً ثم يقول : حسناً سأنتظر دخول ابي الى الحمام , ثم ارسل نفس رسالتك الى جوّال امك

وبالفعل !! ارسل بعد قليل رسالة الى الأم .. قال فيها الشاب : 
((أرى ان الأمور تزداد سوءاً بيننا , ممّا أثّر سلبياً على اولادنا .. ولهذا اريد ان أعزمك انت وابنتك وابني على المطعم الساحلي هذا المساء وعلى حسابي , كيّ نصفّي القلوب .. ما رأيك ؟)) 
فتمّتمت الأم قائلة : 
- الرجال لا تأتي الاّ بالعين الحمراء
ثم كتبت على جوالها وعلى وجهها ابتسامة النصر :
- حسناً , قبلت دعوتك  

ثم اسرعت الفتاة بالإتصال بمايكل من غرفتها , وسألته بقلق : وماذا سيحصل هذا المساء بعد إحضار الفاتورة ؟! 
مايكل بضيق : لا ادري , كان الله في عوننا !  
***

وفي المساء .. تجهزت الأم جيّداً , ولبست فستاناً للسهرة (أسود اللون وفخم للغاية)
ابنتها بدهشة : واو امي ! لم ارك بهذا الجمال منذ سنوات
الأم بغرور : طبعاً , على الغبي ان يُدرك كم خسر بفقداني 
***

وفي منزل جاك .. 
الأبن ينادي والده : هيّا يا ابي !! لقد تأخّرنا كثيراً
الأب وهو ينزل الدرج : لا ادري لما قبلت بعزيمة هذه المجنونة ! أخاف ان تفتعل مشكلة داخل المطعم
الأبن : لا تقلق ابي , لن يحصل شيء .. وأرجوك البس ربطة العنق  
- لماذا ؟ 
- لأن صديقتي أخبرتني بأن امها تلبس ثياب سهرة , ولا نريد ان نكون أقل شأناً منهما .. انظر اليّ , لقد لبست ثياب العيد 
فيفكّر الأب قليلاً ثم يقول : معك حق .. انتظرني هنا , سأذهب لألبس طقمي الجديد 
***

وفي المطعم .. تفاجأ كلا الوالدين بلباسهما الفخم الراقي .. وبعد ان جلسوا على الطاولة .. بدأت الأم بطلب العديد من الأطباق وهي تنظر بمكر لجاك (ظنّاً منها : إن العزيمة على حسابه) .. وفعل الأب الشيء ذاته انتقاماً منها على تحطيمها سيارته 
فهمس الأبن لأبيه بقلق : لقد طلبت الكثير يا ابي 
الأب بصوتٍ منخفض وبمكر : طالما انها لم تعوّضني عن ثمن الزجاج الذي كسرته , فسأجعلها تدفع ضعف القيمة هنا 

فنظر المراهقان الى بعضهما بقلق لمعرفتهما بأن هناك مشكلة ستحدث حتماً عند قدوم الفاتورة , وأكلا طعامهما على مضضّ 

وقد جرى بعض الأحاديث العادية بين الوالدين (كالطقس ودراسة الأولاد والجيران) دون التطرّق الى الماضي (الذي كان الأب يجهله تماماً) , بينما ظنّت الأم انه لا يريد التحدّث عنه امام الأولاد  
ثم انتهى العشاء .. وحضر النادل ومعه ورقة الحساب , فنظر الوالدان لبعضهما بانتظار من سيدفع ثمن العزيمة 
وهنا قامت الأم وهي تقول لأبنتها : هيا يا ابنتي , لنعدّ الى البيت
الأب وهو ينظر اليها بازرداء : نعم ! والحساب يا خانم 
الأم بدهشة : عن ايّ حساب تتكلّم ؟! انت من عزمتنا على هذا المطعم
الأب بعصبية : ولما اعزمكما على حسابي , بعد تصرّفك السيء معي هذا الصباح ؟!

الأم بغضب : لكنك انت من ارسلت اليّ الدعوة على جوالي , انظر بنفسك !! (وبدأت تبحث في جوالها عن الرسالة) .. آه غريب ! اين الرسالة ؟!
فوقف الأب غاضباً : لا يا خانم !! انا لم ارسل لك شيئاً , بل انت التي ارسلتي لي هذه الدعوة .. حتى اقرأيها بنفسك !! ..(ونظر الى جواله) ..آه ! وانا ايضاً إنحذفت الرسالة من عندي ! ..(ثم نظر لأبنه بغضب) .. مايكل !! هل لعبت بجوالي يا ولد ؟!!

فسكت كلا الشابين وهما يشعرا بالإحراج من نظرات الناس لهم في المطعم .. فقال الأب للنادل :
- لو سمحت , تعال بعد قليل 

وبعد ان ذهب النادل , قال الأب لأبنه بغضب : 
- هيا تحدّث قبل ان اضربك امام الجميع 
فقال مايكل بخوف لهما : ارجوكما اهدئا قليلاً , وانا وجاكلين سنخبركما بكل شيء
وبعد ان أخبر المراهقان القصة لوالديهما ..

الأب وهو ينظر للأم بدهشة : أأنت جوزفين دارسن ؟! .. يا الهي ! لم اركِ منذ عشرين سنة
الأم : وهل تغير شكلي لدرجة انك لم تعرفني حتى اليوم ؟! 
الأب : بصراحة كثيراً .. أقصد ..أصبحتِ أجمل بكثير .. ثم كيف تلومينني على عدم معرفتكِ , اذا كان بريد منزلكم بإسم آل جاكسون ؟
الأم : هذا اسم عائلة زوجي المرحوم .. وانا ظننتك عرفتني من الجيران
الأب : يا الله ! كم كانت ذكرياتنا معاً جميلة .. الآن فهمت سبب تصرّفاتك الغاضبة معي .. وبصراحة , الحقّ معك

وهنا عاد اليهما النادل وهو يقول : آسف على المقاطعة , لكن من منكما سيدفع الفاتورة ؟
فأخرج الوالدان كل ما معهما من نقود , وكان نصف ثمن الفاتورة الكبيرة 
النادل : آسف , لكننا سنضّطر لأخذ أحدكم الى المطبخ للقيام بغسل الصحون بباقي سعر الفاتورة .. هذه هي القوانين هنا
***

ثم ذهب الوالدان بسيارتهما الى الشاطىء ليتكلّما عن ذكرياتهما القديمة , تاركان ابنائهما يغسلان الصحون طوال الليل
***

وفي مطبخ المطعم .. 
مايكل وهو يغسل الصحون بتعب : نحن استحقّينا هذا العقاب , لسرقة جوّالاتهما 
جاكلين وهي تجفّف الصحون : نعم ولتدّخلنا بحياتهما الخاصة .. المهم ان تنحلّ الأمور بينهما
***

وعند الشاطىء .. 
جاك بندم : انا آسف لأنني خذلتك وخذلت حبّنا
جوزفين بنبرةٍ حزينة : كنت اول حبٍ لي في حياتي , وقد آلمني تصرّفك الأناني معي
- لا تقلقي عزيزتي , فالله عاقبني عن ذنبك بطليقتي الملعونة التي اتعبتني للغاية وأخذت نصف اموالي , ولوّلا رغبتها بالزواج من صديقها لما اعطتني ابني التي حاربتني من اجله لسنوات 
- وانا تزوجت عجوزاً , وترمّلت وانا شابة
- ارجوك سامحيني يا جوزفين , لم اعرف قيمتك الاّ بعد ان خسرتك

فسكتت قليلاً , ثم نظرت لساعتها ..
الأم : لقد قارب منتصف الليل , اظنّ ان الأولاد انتهوا الآن من تنظيف الصحون
الأب : هذا أقل عقاب لهما على تدخلهما بشؤون غيرهم .. لكن اقول لك الحق .. جيد انهما فعلا ذلك
فهزّت رأسها موافقة مع ابتسامةٍ مجروحة
الأب : هيا لنذهب ونقلّهم الى المنزل 
الأم بابتسامة : اظنّهما لن يتعبونا بالسهر هذا المساء
وضحكا ساخرين من ابنائهما
***

وبعد ايام .. قرّر جاك ان يمرّ على عمل جوزفين ليعيدها الى بيتها بعد ان عرف بتعطّل سيارتها , لكن عند نزولهما من السيارة تفاجأ الأب بوجود طليقته واقفة عند باب منزله 
فقال جاك بضيق وبصوتٍ منخفض : اللعنة ! لما أتتّ هذه الملعونة؟ 
ففهمت جوزفين بأنها طليقته , فمدّت يدها لتسلّم عليها قائلة بابتسامة : 
- لابدّ انك والدة مايكل ؟ 
لكنها اجابتها بلؤم وازدراء دون ان تردّ السلام : ومن انتِ لتسألينني ؟

فردّ جاك غاضباً عليها : ريمي !! لا تتكلّمي هكذا مع خطيبتي
فتفاجأت كلا السيدتين !
ريمي بسخرية : يا سلام ! وخطبت ايضاً
جاك بغضب : نعم !! وما دخلكِ انت ؟
ريمي : يبدو انك نسيت انك ربحت الدعوة وأخذت ابني مني حين تزوجت , لكنّي تطلّقت الآن 
فأجابها بسخرية : توقعت ذلك
ريمي : لا يهمّني سخريتك .. لكن طالما انك ستتزوج قريباَ , فسأرفع قضية أطالب فيها بعودة ابني  

وهنا اقترب مايكل منهم , بعد عودته من المدرسة وسماعه حوارهم : انا لا اريد الذهاب معك يا امي
امه متفاجئة : ماذا تقول ؟!
- كما سمعتي امي .. اصلاً انا لم اعدّ صغيراً لتتقاذفاني بينكما ..لقد بلغت السادسة عشر من عمري , ومن حقّي ان أختار من سأعيش معه
امه : وهل ستختار ان تعيش في هذا المنزل المتواضع ؟!
فأجابها ابنها بلؤم : بيت ابي أجمل من قصرك الذي كسبته من طليقك 

فاقتربت ريمي من جوزفين والشررّ يتطاير من عينيها :
- هل استطعت بهذه السرعة تقليبهما عليّ ؟
جوزفين بثقة : هذا لأنهما يعرفان بأنني سأنتبه عليهما أكثر منك

وبحركة سريعة من جوزفين , قامت باحتضان ذراع جاك لتغيظ ريمي , ففاجئها جاك بأن لفّ ذراعه حول خصرها .. قائلاً لطليقته بلؤم :
- نحن سعداء هنا من دونك

فغضبت ريمي من تصرّف جاك .. ثم قالت لإبنها :
- ستندم كثيراً على تفضيل هذه السيدة على امك
فردّ ابنها بلا مبالاة : رافقتك السلامة يا امي
فذهبت ريمي بسيارتها الفارهة وهي تشتعلّ غضباً ..

وبعد ان ابتعدت عن المكان , همست جوزفين لجاك :
- وهآقد ذهبت , يمكنك الآن ان تُبعد يدك عن خصري
فأجابها جاك بغزل : لا اريد , فأنا مرتاحٌ هكذا
وغمزها , فخجلت جوزفين وذهبت الى بيتها ..

ثم توجّه الى ابنه , مُربّتاً على ظهره بفخر : 
- اشكرك بنيّ على وقوفك بجانبي
***

وبعد شهر .. وفي كافتريا المدرسة..
جاكلين : بماذا تفكّر ؟
مايكل : كنت اتساءل ..في حال تزوّج والدينا , فهل ستصبحين اختي ؟ 
- ليس بالضرورة , يمكننا ان نبقى اصدقاء ان شئت
- نعم , هذا افضل .. (ثم يقول بحماس) .. لا تدري كم انا متشوّق لإنتقالك انت وامك الى بيتنا .. وحينها يمكننا اللعب سويّاً , فعندي الكثير من الألعاب الإلكترونية 

- هذا جميل .. لكن علينا الإسراع في زواجهما قبل بدأ إمتحانات آخر السنة , حتى ندرس معاً .. كما انني لاحظت بأن امي متضايقة , لأن والدك لم يفاتحها بهذا الموضوع الى الآن 
مايكل : وانا ايضاً لا ادري مالذي ينتظره ! .. طيب هل لديك افكار لحلّ هذه المشكلة ؟ 
بابتسامةٍ ماكرة : اظنّ ذلك 
***

ثم قام المراهقان بالبحث في اوراق وصور اهاليهم القديمة , ليجدا صورتين لهما وهما صغار مع نفس الرجل ... فبحثا عنه في الإنترنت ليعرفا بأنه كان جارهم القديم في المنطقة المجاورة التي كَبِرا فيها , وقد اصبح عجوزاً .. 

وفي اليوم التالي .. خرجا باكراً من مدرستهما وذهبا عن طريق الحافلة الى هناك .. وبعد ساعة من سؤال الجيران , وجدوا منزل الرجل المنشود .. وهناك بدءا يسألانه عن والديهما .. 

فأخبرهما العجوز بأنه كان صاحب البقالة القريبة من منزلهما , وكانا يعدّانه كوالدٍ لهما , حيث حلّ الكثير من المشاكل منذ صغرهما وحتى ايام الخطوبة .. وقد أحزنه فراقهما عن بعض بعد ان شهد حبّهما منذ الصغر 

فطلب منه مايكل وجاكلين اقناع والديهما بالإسراع في الزواج , ضمن خطّة متفقٌ عليها  
***

وفي اليوم التالي .. وصلت رسالة لكلا الوالدين من العجوز يدعوهما لزيارته قبل وفاته
وقد أسرع الوالدان اليه , ليريانه يعاني وحيداً في منزله من سكرات الموت 
العجوز وهو ينهج بتعب : ان كنتما تحبانني فعلاً , فنفذا طلبي الأخير 
جاك بحزن : وماهو يا عمّ ؟
العجوز : انت يا جاك كسرت قلب ابنتي قديماً (وأشار الى جوزفين) واريدك ان تصحّح خطأك وتتزوجها قريباً , كي يتحقّق حلمي برؤيتكما سويّاً قبل ان اموت

فنظر جاك الى جوزفين التي التزمت الصمت الخجول , ثم شدّ على يد العجوز وهو يومأ برأسه موافقاً على طلبه
***

وبعد اسبوع , وفي يوم عرسهما .. تفاجىء العريس جاك وجوزفين بالعجوز يدخل قاعة الزواج وهو بصحةٍ وعافية 
جاك متفاجىء : كيف هذا ؟! 
جوزفين (بفستان عرسها) : كنّا ننوي زيارتك في المستشفى , كما أخبرونا البارحة 
العجوز بسعادة : لا تقلقا عليّ , انا بخير .. لكنها كانت خطة مدبّرة من ابنائكما  
جاك بدهشة : مايكل ! 
جوزفين : أكان انتِ جاكلين ؟! لكن كيف عرفتما بشأنه ؟!
وأشارت الى صديقهما العجوز..

ابنتها جاكلين بابتسامة : لقد قمنا بالبحث اللازم , ووجدناه 
العجوز : ارجوكما لا تتضايقا منهما , فنيّتهما سليمة .. المهم الآن .. متى تنويان الإنتقال للعيش كعائلة واحدة ؟  
الأب جاك : سأقوم بعد عودتنا من شهر العسل بالإتصال بشركة النقل .. 
العجوز مقاطعاً : لا !! دعّ موضوع النقل عليّ .. واهتم انت بزوجتك , فهي انتظرت هذه اللحظة منذ زمنٍ طويل .. اليس كذلك ابنتي ؟
فابتسمت جوزفين بخجل 

ثم صافحها العجوز مُهنّئاً : الم اخبرك يا ابنتي بعد سفره ..(وأشار الى جاك).. انه حين يُقدّر الله الجمع بين قلبين , فلا شيء سيفرّقهم , لا الزمن ولا المسافات ولا ايّةِ أعذار , لأن الحب الحقيقي لا يموت ابداً , وسيلتقي المحبّون ولوّ بعد حين .. أتذكرين ذلك ؟ 
فحضنته جوزفين والدموع في عينيها : أشكرك كثيراً على وقوفك بجانبي بتلك اللحظات العصيبة 

ثم التفت العجوز الى المراهقين : اظنّ ان توكيل مهمّة النقل الشاقة على الأولاد سيكون عقاباً عادلاً لهما .. اليس كذلك ؟
الأم والأب بحزم : بالتأكيد !!
الأبن مايكل للعجوز ممازحاً : نحن بالفعل نستحق العقاب لأننا استخدمناك , أبهذه السرعة انقلبت علينا يا عمّ ؟
العجوز ضاحكاً : انا دائماً في صفّ ابنائي .. جاك وجوزفين.. اما انتما ايها الماكران الصغيران فلا دخل لي فيكم
ثم ضحك الجميع ..

ولأوّل مرّة في حياتهما يرى المراهقان والديهما يضحكان من كلّ قلبهما بسعادةٍ غامرة , وهذا لأن التقاء المحبّين بعد فترة من اليأس والفراق المؤلم لهوَ أجمل شيءٍ في الحياة  

هناك تعليق واحد:

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...