تأليف : امل شانوحة
- الو ... (ثم صوت أنفاسٍ ثقيلة) !
- من معي ؟!
- أحبك
- من المتكلّم ؟!
- أنت الوحيدة التي أحببتك من بينهنّ , وقريباً سنكون سويّاً
- من تريد يا سيد ؟ يبدو انك اخطأت بالرقم !
- لست مخطئاً يا ساندي , انا قادمٌ اليك.. إنتظريني
وأغلق الهاتف ..
فارتابها القلق ! فهي سيدةٌ مطلقة تعيش وحدها مع ابنها الصغير , وهي ليست على علاقة بأحد منذ سنوات
فحاولت تذكّر صوته , لكنها لم تعرفه !
ونسيت الموضوع بقدوم ابنها من المدرسة , بعد ان أقنعت نفسها بأن الرجل اخطأ بالرقم , وتصادف اسم من يريدها مع إسمها !
***
ومضى يومين بسلام .. وفي اليوم الثالث وصلها إتصالٌ آخر :
- ابنك لا يشبهك ..هل يشبه والده , أم يُشبهني أكثر ؟
ساندي بغضبٍ وتهديد : أنت ثانيةً ؟!! إسمع يا هذا , انا لا أعرفك ..ومن الأفضل ان تتوقف عن الإتصال والاّ أخبرت زوجي !!
- لكنك مطلقة منذ اربع سنوات ونصف
وقد صدمها معرفته بتفاصيل حياتها !
- من انت ؟! هيا تكلّم !!
- انت تعرفينني جيداً , وستريني قريباً .. الى اللقاء , حبيبتي ساندي
وأغلق الهاتف..
فقالت بنفسها برعب :((يا الهي ! من هذا اللعين الذي يلاحقني ؟!))
***
وبنهاية الأسبوع , إنشغلت بحفلة عيد ميلاد ابنها .. وازدحم بيتها بالأصدقاء ..
واثناء إنشغالها بالمعازيم رنّ هاتف منزلها , فحاولت ساندي الإستماع للمكالمة رغم ضجّة المكان وعلوّ أصوات الأطفال والموسيقى..
- الو !! من معي ؟ لوّ سمحت إرفع صوتك قليلاً , فأنا لا أسمعك
فردّ الرجل بنبرةٍ آمرة : إسمعيني جيداً .. انا لا أحب إختلاطك مع الناس , فأنا أكره الغرباء
- من انت ايها اللعين ؟!!
قالتها بصوتٍ عالي , أفزع أصدقائها ! ممّا جعلهم يقتربون حولها
- ماذا هناك يا ساندي ؟!
لكنها أكملت كلامها مع الرجل , قائلةً بغضب :
- إسمع يا رجل !! إن لم تتركني وشأني , سأبلّغ الشرطة
فردّ عليها بنبرة تهديد : وأنا لن أسمح لك ان تُتدخليني السجن ثانيةً , هل فهمت يا ساندي !!
وأغلق الهاتف.. بينما تجمّدت هي في مكانها !
فسألها أصدقائها عن هويّة المتصل .. فأجابتهم وهي ترتجف :
- انه هو ! الآن تذكّرته
- من ؟
فأخفضت صوتها , كيّ لا يسمعها الأطفال الذين يلعبون في حديقة منزلها
- انه اللعين .. مايكل دومنيك !
زميلها في العمل : أتقصدين الرجل الذي اختطفك وانت صغيرة ؟!
ساندي وهي تمسح دموعها : نعم هو ..كنت أخيراً نسيت أمره بعد ان خضعت لعشرات الجلسات النفسيّة المكثّفة في صغري ..والآن عاد الكابوس من جديد !
- الم يكن بالسجن ؟
- نعم , حكموا عليه بعشرين سنة .. آه لحظة !
وأسرعت الى غرفتها .. ثم نزلت ومعها صندوق : إحتفظت فيه ببعض قصاصات الجرائد القديمة .. ثم قالت بعد ان قرأت إحداها:
- يا الهي ! لقد خرج من السجن , كيف نسيت تاريخ تسريحه ؟!
صديقها : هو كان في الثلاثين من عمره حين خطفك وانت في سن العاشرة , اليس كذلك ؟
ساندي بحزن : نعم
- يعني هو الآن في الخمسين من عمره
صديقتها باستغراب وقلق : انا لم أكن أعرف هذه القصة ! هل آذاك ذلك اللعين ؟
ساندي : لا , فهو كان يخطف الفتيات لبيعهم لاحقاً لرجالٍ أثرياء , لهذا كان من واجبه الحفاظ علينا , فسعر العذراوات أغلى بكثير .. وقد عشت في قبو منزله لشهرين مع فتاةٍ في مثل عمري , وثلاث فتيات مراهقات قام ببيعهنّ اولاً .. وحين جاء دوري , إستطعت جرحه والهرب منه , وإبلاغ الشرطة التي أعادتني انا والفتاة الثانية الى أهلنا .. لكنهم لم يجدوا أثراً للمراهقات , ولم يعترف هو بأسماء عملائه .. وهاهو اللعين عاد للإنتقام مني .. فمالعمل الآن؟!
زميلها : يجب إبلاغ الشرطة كيّ لا يؤذيك
صديقتها بقلق : او يؤذي طفلك
ساندي : ابني ! .. أفكّر ان أعود به الى بيت أهلي في القرية
زميلها : وانا أؤيّد رأيك , فالإبتعاد عن هنا هو أفضل حلّ
صديقتها : ومتى تنوين الرحيل ؟
ساندي : خلال الأيام الثلاثة التالية
وبعد ساعة ودّعوها وهم قلقين عليها ..
***
في اليوم التالي صباحاً .. ذهبت الى مدرسة ابنها لسحب ملفه , لتسجيله لاحقاً في مدارس القرية ..
المديرة وبعد ان أعطتها الملف :
- على فكرة , صديق زوجك أخذ ابنك قبل قليل
ساندي باستغراب : صديق زوجي ! لحظة سأتصل لأتأكّد
وظنّت بأن أحد اصدقائها أخبره بموضوع المجرم , فأرسل صديقه لأخذه .. لكن طليقها أنكر ذلك , بل أكّد وجوده خارج اميركا في رحلة عمل .. وحين سألها عن السبب , لم تخبره كيّ لا يقلق على ابنه ويأخذه منها
ثم عادت الى غرفة الإدارة لتسألها عن الرجل الذي أخذ ابنها , فوصفته المديرة :
- هو رجلٌ بالخمسين من عمره .. لديه وحمة على يده , وجرحٌ بارزٌ قرب عينه
وما ان قالت مواصفاته , حتى ارتجفت ساندي برعب !
المديرة : هل هناك خطبٌ ما ؟
ساندي بعصبية : كيف تعطون الأولاد لأيّ شخص دون التأكّد من هويته؟!
- لكن ابنك عرفه على الفور , وناداه بالعم جون !
ساندي بغضب : جون ليس اسمه الحقيقي !!
المديرة بقلق : ومن هو إذاً ؟!
لكن ساندي لم تخبرها بالمزيد , بل خرجت مسرعةً لأقرب مخفر شرطة للإبلاغ عن اختطاف ابنها , خوفاً من أن يبيعه ايضاً كما فعل سابقاً مع الفتيات الصغيرات !
***
مرّت الأسابيع الثلاثة ببطءٍ شديد على الأم وطليقها الذي حضر فوراً بعد معرفته بخبر إختطاف ابنه , وقد لامها كثيراً لعدم إنتباهها عليه ..
وحاولت الشرطة جهدها لإيجاد الطفل , وعمّمت صوراً للمجرم من ملفّه الإجرامي على كل مراكز الشرطة , لكنه اختفى تماماً !
في هذه الفترة .. عادت ساندي مكسورة القلب الى قريتها بعد إصرارٍ من أهلها لحمايتها من مختطفها القديم .. بينما ظلّ طليقها يتابع موضوع ابنه مع شرطة المدينة
***
بعد مرور اسبوعين آخرين ..أحسّت ساندي باختناقٍ شديد وخرجت لتتمشّى في الغابة القريبة من بيتها القديم , مُستغلةً غياب اهلها في زيارةٍ عائلية , بعد ان كانوا منعوها من الخروج طوال الفترة الماضية , خوفاً من ان يعيشوا تجربة إختطافها من جديد
واثناء إقترابها من البحيرة المتواجدة بآخر الغابة .. سمعت ولداً يضحك !
وحين اقتربت من مصدر الصوت , كادت تقع على الأرض من هول المفاجأة ! حين رأت ابنها يلعب بأرجوحةٍ مُعلّقة على شجرةٍ امامها .. وظنّت بأنها تتوّهم , لولا ركضه إتجاهها بعد رؤية امه التي أخذت تحضنه وتقبّله بشوقٍ كبير وهي لا تصدّق عينيها !
لكنها فجأة ! أحسّت بفوهة مسدسٍ تغرز في ظهرها .. ورجلٌ من الخلف يهمس لها :
- إيّاك ان تصرخي يا ساندي
وحين التفتت اليه , رأت مختطفها القديم الذي ابتسم لإبنها قائلاً :
- حبيبي عدّ الى الأرجوحة , فأنا اريد التكلّم مع والدتك قليلاً
الولد بسعادة : حاضر عمي
وعاد للعب رغم محاولة امه منعه , لكنها في الوقت ذاته تريده ان يبتعد عن المجرم الذي طلب منها التحرّك دون مقاومة !
ومشت معه في الغابة , وهو مازال يوجّه مسدسه نحوها..
ساندي بقلق : انا لا استطيع ترك ابني وحده بالغابة
- لا تخافي , سأتصل على اهلك بعد قليل لأخذه من هناك .. والآن تحرّكي بسرعة
ساندي بخوف : والى اين تأخذني ؟!
- ستعرفين بعد قليل
وأخذها المجرم نحو شاحنته المقفلة الصغيرة , المتوقفة على جانب الطريق العام .. وركبت معه , خوفاً من إنتقامه من ابنها
وانطلق بها باتجاه القرية المجاورة , بعد اتصاله بأهلها وأخبارهم بمكان حفيدهم في الغابة .. حيث أغلق المكالمة بسرعة , قبل ان تتمكّن الشرطة من تحديد مكانه , لمعرفته المُسبقة بمراقبتهم للهواتف
وفي الطريق .. سألته ساندي وهي تبكي :
- ماذا فعلت بإبني يا لعين في الأسابيع الماضية ؟!
- لا شيء بتاتاً , فكما رأيتي هو بخير ..اساساً كنت أزوره دائماً في مدرسته ومعي الكثير من الحلويات , قبل ان أُجري إتصالي الأول بك .. وذلك بعد ان أوهمته بأنني صديق والده , ممّا سهّل إختطافه لاحقاً .. فهل أعجبتك خططي الجهنّمية ؟
- مع اني ربّيته ان لا يأخذ شيئاً من الغرباء !
المجرم : ومن قال انني غريب , حتى انني أشكّ بأنني والده الحقيقي
ساندي بغضب : ما هذا الكلام السخيف ؟!! انا لم أرك منذ ان كنت طفلة
- هل انت متأكّدة ؟
ساندي بقلق : ماذا تقصد ؟!
- ما لا تعرفينه عزيزتي ..ان رئيس السجن الذي حُبست فيه , كان أحد عملائي السرّيين , وكان المفترض ان أبيعك له
ساندي بدهشة : ماذا !
- لذلك لم أعترف عليه بالتحقيقات , بعد إتفاقي معه بأن يُخرجني سرّاً من السجن من وقتٍ لآخر.. وقد فعل قبل 8 سنوات ..حتى انه ساعدني بإيجاد عنوان منزلك الجديد .. وحين وصلت اليه , كان زوجك مسافراً وكنتما متزوجان حديثاً .. فتسلّلت الى غرفتك , وقمت بتخديرك اثناء نومك .. ثم اعتديت عليك .. وعدّت الى السجن كما وعدّت الرئيس قبل حلول الصباح ..وبعد أشهر وصلني خبر حملك
وهي ترتجف بخوف : يا الهي !
- بصراحة أظنه ابني , فهو يشبهني كثيراً ..ويحب استخدام الأسلحة مثلي
ساندي بفزع : اسلحة !
- نعم , فقد علّمته الفترة الماضية صيد الطيور والأرانب وكان متحمّساً جداً لقتلها , بعكس صيد السمك التي لم تعجبه .. وطالما ان قتل الحيوانات أعجبه هكذا , فربما حينما يكبر يهوى مثلي خطف الفتيات .. لكني سأنصحه بعدم إختطاف الشرسات أمثالك .. الا تذكرين كيف أذيتي عيني بظفرك قبل وضعك بسيارة الزبون ؟
ساندي وهي تبكي : كان عليّ مقاومتك للنجاة بحياتي
- بصراحة لا أنكر إعجابي بجرأتك تلك الليلة , حين هربتي من بين يديّ وانطلقت بسرعةٍ جنونية داخل الأدغال قبل ان تصلي للشرطة وتبلّغي عنّي , كما ان مهارتك بالرسم ساعدتهم بالقبض عليّ ..وقد أعجبني كثيراً جانبك المتوحش , بل وعشقته ايضاً !
فسألته بخوف : وماذا تنوي فعله بي ؟!
- لا أستطيع بيعك لأن عملائي يعشقون الصغيرات , لهذا قرّرت أن أتزوجك
ساندي برعب : ماذا !
- لما خفتي هكذا ؟ فأنا تُبت عن أعمالي الإجرامية ..وأنوي شراء أرضٍ صغيرة بالمال الذي خبّأته عن الشرطة .. وسأشتري ايضاً بقرة وبعض الدواجن , وانت ستساعدينني لأنك بالنهاية ابنة مزارع وتعرفين بهذه الأمور .. وسنتعاون فيما بيننا , انت تعلمّينني الزراعة , وانا أعلّمك الصيد والرماية .. ما رأيك ؟
وقبل إنعطافه الى الطريق الموصل للقرية المجاورة , فاجأته بطعنةٍ قوية في بطنه ! حيث أعطاها أخوها سكينةً حادّة صغيرة , لتُبقيها معها دائماً لحمايتها من المختطف
فصرخ متألماً دون ان ينتبه على الشجرة امامه التي صدمها بمقدّمة شاحنته بقوة , ليرتطم رأسه بالمقود ويغيب عن الوعيّ
بهذه اللحظات .. خرجت ساندي من شاحنته وهي تترنّح بعد الإصطدام العنيف , لكنها مُجبرة على الإبتعاد قدر المستطاع كيّ لا يلحق بها .. بعد نجاحها بأخذ جواله من جيبه , لتقوم بالإتصال فوراً بأخيها وهي تركض بصعوبة في الطريق العام بعد ان أُصيبت قدمها بالحادث..
وسمعها أخوها وهي تبكي برعب قائلةً :
- انا قُرب مفرق القرية المجاورة , ارجوك أخي تعال بسرعة قبل ان يخطفني من جديد !!
وكان آخر ما سمعه هو صراخها وهي تقول :
- انه يلحقني !!!!
وإنقطعت المكالمة بعد صوت إرتطامٍ حادّ !
***
إجتمعت اهالي القرية في يوم دفنها , بعد ان لمّلمت الشرطة اشلائها المُبعثرة على الطريق العام , بعد ان قام بدهسها مراراً وتكرارا !
امّا القاتل فقد اختفى تماماً .. وقد وجدت الشرطة شاحنته مركونة على جانب الطريق , مُلطّخة من الداخل بكميةٍ كبيرة من دمائه التي سالت بسبب الطعن , حيث كانت السكين واقعة قرب الفرامل .. لكنهم مع هذا لم يجدوه في أيّةِ مستشفى او مكانٍ قريب !
وكان هناك إحتمالين : إمّا كان معه جوالاً آخر قام بالإتصال به على أحد أصدقائه الذي أخذه من هناك
او انه مات في الأحراش , لتقوم الدببة بافتراس جثته !
ومع ذلك طالب الجميع إيجاد جثته , خوفاً على اطفالهم من ذلك المجرم الطليق .. لكن الشرطة أقفلت عمليه البحث بعد مرور شهرين على اختفائه , رغم إعتراض عائلة الفقيدة ساندي واصدقائها !
***
بعد أعوام , وفي إحدى القرى البعيدة..
إقتربت فتاةٌ صغيرة مع أخيها من البحيرة , ليجدوا هناك صيّاد سمكٍ عجوز .. فسأله الولد :
- هل اصطدّت شيئاً يا عم ؟
الرجل : بالطبع , فأنا صيّادٌ ماهر .. الا ترى سلّتي المليئة بالسمك؟
الولد : واو ! لقد اصطدّت خمسة اسماكٍ كبيرة
الرجل : هل تريدني ان أعلّمك الطريقة ؟
الولد بحماس : نعم !!
- إذاً تعال انت واختك واجلسا بجانبي
وبعد ان جلسا , سألهما عن إسمهما وعمرهما :
فأجاب الولد : انا جيم وعمري 10 سنوات ..وهذه اختي جنيفر وعمرها 6 سنوات
فقال الرجل (الذي كان المجرم مايكل دومنيك) في نفسه :
((ست سنوات , مازالت صغيرة .. لكن بعد الذي حصل معي سابقاً , بتّ أفضّل الأطفال على البنات الأكبر سناً اللآتي تُثرنّ لي المشاكل))
ثم سأل الولد : هل تسكنا بالجوار ؟
فأجاب : نعم , في ذلك الكوخ .. هل تراه ؟
- نعم رأيته .. واين والداكما ؟
- نحن يتيمان , ونعيش مع جدتي العجوز
فقال المجرم في نفسه بارتياح : ((ممتاز !!!))
ثم قال للولد وهو يعطيه السنّارة :
- هيا إمسك العصا ..اريد ان أجري إتصالاً مهمّاً .. لكن إيّاك ان تفلت منك السمكة
- حاضر عمّي
ثم ابتعد المجرم قليلاً للإتصال بعميلٍ قديم , قائلاً له :
((لقد وجدّت لك فتاةً صغيرة في السادسة من عمرها , لكنها جميلةٌ جداً.. وهي صيدٌ سهل , فكم ستدفع لي ؟ .. مبلغٌ لا بأس به.. اذاً سأسلّمك الضحيّة خلال هذا الأسبوع .. نعم نعم , وانا ايضاً سعيد بعودتي الى عملي الشيّق .. ألقاك قريباً , سلام))
ثم تمّتم قائلاً :
- وهآقد عدنا من جديد
وابتسم وهو ينظر من بعيد الى ضحيّته الصغيرة بنظراتٍ خبيثة وشريرة !
عاد لينتقم مني !
- الو ... (ثم صوت أنفاسٍ ثقيلة) !
- من معي ؟!
- أحبك
- من المتكلّم ؟!
- أنت الوحيدة التي أحببتك من بينهنّ , وقريباً سنكون سويّاً
- من تريد يا سيد ؟ يبدو انك اخطأت بالرقم !
- لست مخطئاً يا ساندي , انا قادمٌ اليك.. إنتظريني
وأغلق الهاتف ..
فارتابها القلق ! فهي سيدةٌ مطلقة تعيش وحدها مع ابنها الصغير , وهي ليست على علاقة بأحد منذ سنوات
فحاولت تذكّر صوته , لكنها لم تعرفه !
ونسيت الموضوع بقدوم ابنها من المدرسة , بعد ان أقنعت نفسها بأن الرجل اخطأ بالرقم , وتصادف اسم من يريدها مع إسمها !
***
ومضى يومين بسلام .. وفي اليوم الثالث وصلها إتصالٌ آخر :
- ابنك لا يشبهك ..هل يشبه والده , أم يُشبهني أكثر ؟
ساندي بغضبٍ وتهديد : أنت ثانيةً ؟!! إسمع يا هذا , انا لا أعرفك ..ومن الأفضل ان تتوقف عن الإتصال والاّ أخبرت زوجي !!
- لكنك مطلقة منذ اربع سنوات ونصف
وقد صدمها معرفته بتفاصيل حياتها !
- من انت ؟! هيا تكلّم !!
- انت تعرفينني جيداً , وستريني قريباً .. الى اللقاء , حبيبتي ساندي
وأغلق الهاتف..
فقالت بنفسها برعب :((يا الهي ! من هذا اللعين الذي يلاحقني ؟!))
***
وبنهاية الأسبوع , إنشغلت بحفلة عيد ميلاد ابنها .. وازدحم بيتها بالأصدقاء ..
واثناء إنشغالها بالمعازيم رنّ هاتف منزلها , فحاولت ساندي الإستماع للمكالمة رغم ضجّة المكان وعلوّ أصوات الأطفال والموسيقى..
- الو !! من معي ؟ لوّ سمحت إرفع صوتك قليلاً , فأنا لا أسمعك
فردّ الرجل بنبرةٍ آمرة : إسمعيني جيداً .. انا لا أحب إختلاطك مع الناس , فأنا أكره الغرباء
- من انت ايها اللعين ؟!!
قالتها بصوتٍ عالي , أفزع أصدقائها ! ممّا جعلهم يقتربون حولها
- ماذا هناك يا ساندي ؟!
لكنها أكملت كلامها مع الرجل , قائلةً بغضب :
- إسمع يا رجل !! إن لم تتركني وشأني , سأبلّغ الشرطة
فردّ عليها بنبرة تهديد : وأنا لن أسمح لك ان تُتدخليني السجن ثانيةً , هل فهمت يا ساندي !!
وأغلق الهاتف.. بينما تجمّدت هي في مكانها !
فسألها أصدقائها عن هويّة المتصل .. فأجابتهم وهي ترتجف :
- انه هو ! الآن تذكّرته
- من ؟
فأخفضت صوتها , كيّ لا يسمعها الأطفال الذين يلعبون في حديقة منزلها
- انه اللعين .. مايكل دومنيك !
زميلها في العمل : أتقصدين الرجل الذي اختطفك وانت صغيرة ؟!
ساندي وهي تمسح دموعها : نعم هو ..كنت أخيراً نسيت أمره بعد ان خضعت لعشرات الجلسات النفسيّة المكثّفة في صغري ..والآن عاد الكابوس من جديد !
- الم يكن بالسجن ؟
- نعم , حكموا عليه بعشرين سنة .. آه لحظة !
وأسرعت الى غرفتها .. ثم نزلت ومعها صندوق : إحتفظت فيه ببعض قصاصات الجرائد القديمة .. ثم قالت بعد ان قرأت إحداها:
- يا الهي ! لقد خرج من السجن , كيف نسيت تاريخ تسريحه ؟!
صديقها : هو كان في الثلاثين من عمره حين خطفك وانت في سن العاشرة , اليس كذلك ؟
ساندي بحزن : نعم
- يعني هو الآن في الخمسين من عمره
صديقتها باستغراب وقلق : انا لم أكن أعرف هذه القصة ! هل آذاك ذلك اللعين ؟
ساندي : لا , فهو كان يخطف الفتيات لبيعهم لاحقاً لرجالٍ أثرياء , لهذا كان من واجبه الحفاظ علينا , فسعر العذراوات أغلى بكثير .. وقد عشت في قبو منزله لشهرين مع فتاةٍ في مثل عمري , وثلاث فتيات مراهقات قام ببيعهنّ اولاً .. وحين جاء دوري , إستطعت جرحه والهرب منه , وإبلاغ الشرطة التي أعادتني انا والفتاة الثانية الى أهلنا .. لكنهم لم يجدوا أثراً للمراهقات , ولم يعترف هو بأسماء عملائه .. وهاهو اللعين عاد للإنتقام مني .. فمالعمل الآن؟!
زميلها : يجب إبلاغ الشرطة كيّ لا يؤذيك
صديقتها بقلق : او يؤذي طفلك
ساندي : ابني ! .. أفكّر ان أعود به الى بيت أهلي في القرية
زميلها : وانا أؤيّد رأيك , فالإبتعاد عن هنا هو أفضل حلّ
صديقتها : ومتى تنوين الرحيل ؟
ساندي : خلال الأيام الثلاثة التالية
وبعد ساعة ودّعوها وهم قلقين عليها ..
***
في اليوم التالي صباحاً .. ذهبت الى مدرسة ابنها لسحب ملفه , لتسجيله لاحقاً في مدارس القرية ..
المديرة وبعد ان أعطتها الملف :
- على فكرة , صديق زوجك أخذ ابنك قبل قليل
ساندي باستغراب : صديق زوجي ! لحظة سأتصل لأتأكّد
وظنّت بأن أحد اصدقائها أخبره بموضوع المجرم , فأرسل صديقه لأخذه .. لكن طليقها أنكر ذلك , بل أكّد وجوده خارج اميركا في رحلة عمل .. وحين سألها عن السبب , لم تخبره كيّ لا يقلق على ابنه ويأخذه منها
ثم عادت الى غرفة الإدارة لتسألها عن الرجل الذي أخذ ابنها , فوصفته المديرة :
- هو رجلٌ بالخمسين من عمره .. لديه وحمة على يده , وجرحٌ بارزٌ قرب عينه
وما ان قالت مواصفاته , حتى ارتجفت ساندي برعب !
المديرة : هل هناك خطبٌ ما ؟
ساندي بعصبية : كيف تعطون الأولاد لأيّ شخص دون التأكّد من هويته؟!
- لكن ابنك عرفه على الفور , وناداه بالعم جون !
ساندي بغضب : جون ليس اسمه الحقيقي !!
المديرة بقلق : ومن هو إذاً ؟!
لكن ساندي لم تخبرها بالمزيد , بل خرجت مسرعةً لأقرب مخفر شرطة للإبلاغ عن اختطاف ابنها , خوفاً من أن يبيعه ايضاً كما فعل سابقاً مع الفتيات الصغيرات !
***
مرّت الأسابيع الثلاثة ببطءٍ شديد على الأم وطليقها الذي حضر فوراً بعد معرفته بخبر إختطاف ابنه , وقد لامها كثيراً لعدم إنتباهها عليه ..
وحاولت الشرطة جهدها لإيجاد الطفل , وعمّمت صوراً للمجرم من ملفّه الإجرامي على كل مراكز الشرطة , لكنه اختفى تماماً !
في هذه الفترة .. عادت ساندي مكسورة القلب الى قريتها بعد إصرارٍ من أهلها لحمايتها من مختطفها القديم .. بينما ظلّ طليقها يتابع موضوع ابنه مع شرطة المدينة
***
بعد مرور اسبوعين آخرين ..أحسّت ساندي باختناقٍ شديد وخرجت لتتمشّى في الغابة القريبة من بيتها القديم , مُستغلةً غياب اهلها في زيارةٍ عائلية , بعد ان كانوا منعوها من الخروج طوال الفترة الماضية , خوفاً من ان يعيشوا تجربة إختطافها من جديد
واثناء إقترابها من البحيرة المتواجدة بآخر الغابة .. سمعت ولداً يضحك !
وحين اقتربت من مصدر الصوت , كادت تقع على الأرض من هول المفاجأة ! حين رأت ابنها يلعب بأرجوحةٍ مُعلّقة على شجرةٍ امامها .. وظنّت بأنها تتوّهم , لولا ركضه إتجاهها بعد رؤية امه التي أخذت تحضنه وتقبّله بشوقٍ كبير وهي لا تصدّق عينيها !
لكنها فجأة ! أحسّت بفوهة مسدسٍ تغرز في ظهرها .. ورجلٌ من الخلف يهمس لها :
- إيّاك ان تصرخي يا ساندي
وحين التفتت اليه , رأت مختطفها القديم الذي ابتسم لإبنها قائلاً :
- حبيبي عدّ الى الأرجوحة , فأنا اريد التكلّم مع والدتك قليلاً
الولد بسعادة : حاضر عمي
وعاد للعب رغم محاولة امه منعه , لكنها في الوقت ذاته تريده ان يبتعد عن المجرم الذي طلب منها التحرّك دون مقاومة !
ومشت معه في الغابة , وهو مازال يوجّه مسدسه نحوها..
ساندي بقلق : انا لا استطيع ترك ابني وحده بالغابة
- لا تخافي , سأتصل على اهلك بعد قليل لأخذه من هناك .. والآن تحرّكي بسرعة
ساندي بخوف : والى اين تأخذني ؟!
- ستعرفين بعد قليل
وأخذها المجرم نحو شاحنته المقفلة الصغيرة , المتوقفة على جانب الطريق العام .. وركبت معه , خوفاً من إنتقامه من ابنها
وانطلق بها باتجاه القرية المجاورة , بعد اتصاله بأهلها وأخبارهم بمكان حفيدهم في الغابة .. حيث أغلق المكالمة بسرعة , قبل ان تتمكّن الشرطة من تحديد مكانه , لمعرفته المُسبقة بمراقبتهم للهواتف
وفي الطريق .. سألته ساندي وهي تبكي :
- ماذا فعلت بإبني يا لعين في الأسابيع الماضية ؟!
- لا شيء بتاتاً , فكما رأيتي هو بخير ..اساساً كنت أزوره دائماً في مدرسته ومعي الكثير من الحلويات , قبل ان أُجري إتصالي الأول بك .. وذلك بعد ان أوهمته بأنني صديق والده , ممّا سهّل إختطافه لاحقاً .. فهل أعجبتك خططي الجهنّمية ؟
- مع اني ربّيته ان لا يأخذ شيئاً من الغرباء !
المجرم : ومن قال انني غريب , حتى انني أشكّ بأنني والده الحقيقي
ساندي بغضب : ما هذا الكلام السخيف ؟!! انا لم أرك منذ ان كنت طفلة
- هل انت متأكّدة ؟
ساندي بقلق : ماذا تقصد ؟!
- ما لا تعرفينه عزيزتي ..ان رئيس السجن الذي حُبست فيه , كان أحد عملائي السرّيين , وكان المفترض ان أبيعك له
ساندي بدهشة : ماذا !
- لذلك لم أعترف عليه بالتحقيقات , بعد إتفاقي معه بأن يُخرجني سرّاً من السجن من وقتٍ لآخر.. وقد فعل قبل 8 سنوات ..حتى انه ساعدني بإيجاد عنوان منزلك الجديد .. وحين وصلت اليه , كان زوجك مسافراً وكنتما متزوجان حديثاً .. فتسلّلت الى غرفتك , وقمت بتخديرك اثناء نومك .. ثم اعتديت عليك .. وعدّت الى السجن كما وعدّت الرئيس قبل حلول الصباح ..وبعد أشهر وصلني خبر حملك
وهي ترتجف بخوف : يا الهي !
- بصراحة أظنه ابني , فهو يشبهني كثيراً ..ويحب استخدام الأسلحة مثلي
ساندي بفزع : اسلحة !
- نعم , فقد علّمته الفترة الماضية صيد الطيور والأرانب وكان متحمّساً جداً لقتلها , بعكس صيد السمك التي لم تعجبه .. وطالما ان قتل الحيوانات أعجبه هكذا , فربما حينما يكبر يهوى مثلي خطف الفتيات .. لكني سأنصحه بعدم إختطاف الشرسات أمثالك .. الا تذكرين كيف أذيتي عيني بظفرك قبل وضعك بسيارة الزبون ؟
ساندي وهي تبكي : كان عليّ مقاومتك للنجاة بحياتي
- بصراحة لا أنكر إعجابي بجرأتك تلك الليلة , حين هربتي من بين يديّ وانطلقت بسرعةٍ جنونية داخل الأدغال قبل ان تصلي للشرطة وتبلّغي عنّي , كما ان مهارتك بالرسم ساعدتهم بالقبض عليّ ..وقد أعجبني كثيراً جانبك المتوحش , بل وعشقته ايضاً !
فسألته بخوف : وماذا تنوي فعله بي ؟!
- لا أستطيع بيعك لأن عملائي يعشقون الصغيرات , لهذا قرّرت أن أتزوجك
ساندي برعب : ماذا !
- لما خفتي هكذا ؟ فأنا تُبت عن أعمالي الإجرامية ..وأنوي شراء أرضٍ صغيرة بالمال الذي خبّأته عن الشرطة .. وسأشتري ايضاً بقرة وبعض الدواجن , وانت ستساعدينني لأنك بالنهاية ابنة مزارع وتعرفين بهذه الأمور .. وسنتعاون فيما بيننا , انت تعلمّينني الزراعة , وانا أعلّمك الصيد والرماية .. ما رأيك ؟
وقبل إنعطافه الى الطريق الموصل للقرية المجاورة , فاجأته بطعنةٍ قوية في بطنه ! حيث أعطاها أخوها سكينةً حادّة صغيرة , لتُبقيها معها دائماً لحمايتها من المختطف
فصرخ متألماً دون ان ينتبه على الشجرة امامه التي صدمها بمقدّمة شاحنته بقوة , ليرتطم رأسه بالمقود ويغيب عن الوعيّ
بهذه اللحظات .. خرجت ساندي من شاحنته وهي تترنّح بعد الإصطدام العنيف , لكنها مُجبرة على الإبتعاد قدر المستطاع كيّ لا يلحق بها .. بعد نجاحها بأخذ جواله من جيبه , لتقوم بالإتصال فوراً بأخيها وهي تركض بصعوبة في الطريق العام بعد ان أُصيبت قدمها بالحادث..
وسمعها أخوها وهي تبكي برعب قائلةً :
- انا قُرب مفرق القرية المجاورة , ارجوك أخي تعال بسرعة قبل ان يخطفني من جديد !!
وكان آخر ما سمعه هو صراخها وهي تقول :
- انه يلحقني !!!!
وإنقطعت المكالمة بعد صوت إرتطامٍ حادّ !
***
إجتمعت اهالي القرية في يوم دفنها , بعد ان لمّلمت الشرطة اشلائها المُبعثرة على الطريق العام , بعد ان قام بدهسها مراراً وتكرارا !
امّا القاتل فقد اختفى تماماً .. وقد وجدت الشرطة شاحنته مركونة على جانب الطريق , مُلطّخة من الداخل بكميةٍ كبيرة من دمائه التي سالت بسبب الطعن , حيث كانت السكين واقعة قرب الفرامل .. لكنهم مع هذا لم يجدوه في أيّةِ مستشفى او مكانٍ قريب !
وكان هناك إحتمالين : إمّا كان معه جوالاً آخر قام بالإتصال به على أحد أصدقائه الذي أخذه من هناك
او انه مات في الأحراش , لتقوم الدببة بافتراس جثته !
ومع ذلك طالب الجميع إيجاد جثته , خوفاً على اطفالهم من ذلك المجرم الطليق .. لكن الشرطة أقفلت عمليه البحث بعد مرور شهرين على اختفائه , رغم إعتراض عائلة الفقيدة ساندي واصدقائها !
***
بعد أعوام , وفي إحدى القرى البعيدة..
إقتربت فتاةٌ صغيرة مع أخيها من البحيرة , ليجدوا هناك صيّاد سمكٍ عجوز .. فسأله الولد :
- هل اصطدّت شيئاً يا عم ؟
الرجل : بالطبع , فأنا صيّادٌ ماهر .. الا ترى سلّتي المليئة بالسمك؟
الولد : واو ! لقد اصطدّت خمسة اسماكٍ كبيرة
الرجل : هل تريدني ان أعلّمك الطريقة ؟
الولد بحماس : نعم !!
- إذاً تعال انت واختك واجلسا بجانبي
وبعد ان جلسا , سألهما عن إسمهما وعمرهما :
فأجاب الولد : انا جيم وعمري 10 سنوات ..وهذه اختي جنيفر وعمرها 6 سنوات
فقال الرجل (الذي كان المجرم مايكل دومنيك) في نفسه :
((ست سنوات , مازالت صغيرة .. لكن بعد الذي حصل معي سابقاً , بتّ أفضّل الأطفال على البنات الأكبر سناً اللآتي تُثرنّ لي المشاكل))
ثم سأل الولد : هل تسكنا بالجوار ؟
فأجاب : نعم , في ذلك الكوخ .. هل تراه ؟
- نعم رأيته .. واين والداكما ؟
- نحن يتيمان , ونعيش مع جدتي العجوز
فقال المجرم في نفسه بارتياح : ((ممتاز !!!))
ثم قال للولد وهو يعطيه السنّارة :
- هيا إمسك العصا ..اريد ان أجري إتصالاً مهمّاً .. لكن إيّاك ان تفلت منك السمكة
- حاضر عمّي
ثم ابتعد المجرم قليلاً للإتصال بعميلٍ قديم , قائلاً له :
((لقد وجدّت لك فتاةً صغيرة في السادسة من عمرها , لكنها جميلةٌ جداً.. وهي صيدٌ سهل , فكم ستدفع لي ؟ .. مبلغٌ لا بأس به.. اذاً سأسلّمك الضحيّة خلال هذا الأسبوع .. نعم نعم , وانا ايضاً سعيد بعودتي الى عملي الشيّق .. ألقاك قريباً , سلام))
ثم تمّتم قائلاً :
- وهآقد عدنا من جديد
وابتسم وهو ينظر من بعيد الى ضحيّته الصغيرة بنظراتٍ خبيثة وشريرة !