الخميس، 31 يناير 2019

جحيم الماضي

تأليف : امل شانوحة

 
عاد لينتقم مني !

- الو ... (ثم صوت أنفاسٍ ثقيلة) !
- من معي ؟!
- أحبك
- من المتكلّم ؟!
- أنت الوحيدة التي أحببتك من بينهنّ , وقريباً سنكون سويّاً 
- من تريد يا سيد ؟ يبدو انك اخطأت بالرقم !
- لست مخطئاً يا ساندي , انا قادمٌ اليك.. إنتظريني
وأغلق الهاتف ..

فارتابها القلق ! فهي سيدةٌ مطلقة تعيش وحدها مع ابنها الصغير , وهي ليست على علاقة بأحد منذ سنوات 
فحاولت تذكّر صوته , لكنها لم تعرفه ! 

ونسيت الموضوع بقدوم ابنها من المدرسة , بعد ان أقنعت نفسها بأن الرجل اخطأ بالرقم , وتصادف اسم من يريدها مع إسمها !
***

ومضى يومين بسلام .. وفي اليوم الثالث وصلها إتصالٌ آخر :
- ابنك لا يشبهك ..هل يشبه والده , أم يُشبهني أكثر ؟
ساندي بغضبٍ وتهديد : أنت ثانيةً ؟!! إسمع يا هذا , انا لا أعرفك ..ومن الأفضل ان تتوقف عن الإتصال والاّ أخبرت زوجي !!
- لكنك مطلقة منذ اربع سنوات ونصف
وقد صدمها معرفته بتفاصيل حياتها ! 
- من انت ؟! هيا تكلّم !!
- انت تعرفينني جيداً , وستريني قريباً .. الى اللقاء , حبيبتي ساندي
وأغلق الهاتف..
فقالت بنفسها برعب :((يا الهي ! من هذا اللعين الذي يلاحقني ؟!))
***

وبنهاية الأسبوع , إنشغلت بحفلة عيد ميلاد ابنها .. وازدحم بيتها بالأصدقاء ..
واثناء إنشغالها بالمعازيم رنّ هاتف منزلها , فحاولت ساندي الإستماع للمكالمة رغم ضجّة المكان وعلوّ أصوات الأطفال والموسيقى..
- الو !! من معي ؟ لوّ سمحت إرفع صوتك قليلاً , فأنا لا أسمعك
فردّ الرجل بنبرةٍ آمرة : إسمعيني جيداً .. انا لا أحب إختلاطك مع الناس , فأنا أكره الغرباء
- من انت ايها اللعين ؟!!
قالتها بصوتٍ عالي , أفزع أصدقائها ! ممّا جعلهم يقتربون حولها 
- ماذا هناك يا ساندي ؟!

لكنها أكملت كلامها مع الرجل , قائلةً بغضب :
- إسمع يا رجل !! إن لم تتركني وشأني , سأبلّغ الشرطة
فردّ عليها بنبرة تهديد : وأنا لن أسمح لك ان تُتدخليني السجن ثانيةً , هل فهمت يا ساندي !!
وأغلق الهاتف.. بينما تجمّدت هي في مكانها ! 

فسألها أصدقائها عن هويّة المتصل .. فأجابتهم وهي ترتجف :
- انه هو ! الآن تذكّرته
- من ؟
فأخفضت صوتها , كيّ لا يسمعها الأطفال الذين يلعبون في حديقة منزلها 
- انه اللعين .. مايكل دومنيك !
زميلها في العمل : أتقصدين الرجل الذي اختطفك وانت صغيرة ؟!
ساندي وهي تمسح دموعها : نعم هو ..كنت أخيراً نسيت أمره بعد ان خضعت لعشرات الجلسات النفسيّة المكثّفة في صغري ..والآن عاد الكابوس من جديد !
- الم يكن بالسجن ؟
- نعم , حكموا عليه بعشرين سنة .. آه لحظة !

وأسرعت الى غرفتها .. ثم نزلت ومعها صندوق : إحتفظت فيه ببعض قصاصات الجرائد القديمة .. ثم قالت بعد ان قرأت إحداها: 
- يا الهي ! لقد خرج من السجن , كيف نسيت تاريخ تسريحه ؟!
صديقها : هو كان في الثلاثين من عمره حين خطفك وانت في سن العاشرة , اليس كذلك ؟ 
ساندي بحزن : نعم 
- يعني هو الآن في الخمسين من عمره 
صديقتها باستغراب وقلق : انا لم أكن أعرف هذه القصة ! هل آذاك ذلك اللعين ؟

ساندي : لا , فهو كان يخطف الفتيات لبيعهم لاحقاً لرجالٍ أثرياء , لهذا كان من واجبه الحفاظ علينا , فسعر العذراوات أغلى بكثير .. وقد عشت في قبو منزله لشهرين مع فتاةٍ في مثل عمري , وثلاث فتيات مراهقات قام ببيعهنّ اولاً .. وحين جاء دوري , إستطعت جرحه والهرب منه , وإبلاغ الشرطة التي أعادتني انا والفتاة الثانية الى أهلنا .. لكنهم لم يجدوا أثراً للمراهقات , ولم يعترف هو بأسماء عملائه .. وهاهو اللعين عاد للإنتقام مني .. فمالعمل الآن؟!

زميلها : يجب إبلاغ الشرطة كيّ لا يؤذيك
صديقتها بقلق : او يؤذي طفلك
ساندي : ابني ! .. أفكّر ان أعود به الى بيت أهلي في القرية
زميلها : وانا أؤيّد رأيك , فالإبتعاد عن هنا هو أفضل حلّ
صديقتها : ومتى تنوين الرحيل ؟
ساندي : خلال الأيام الثلاثة التالية

وبعد ساعة ودّعوها وهم قلقين عليها ..
***

في اليوم التالي صباحاً .. ذهبت الى مدرسة ابنها لسحب ملفه , لتسجيله لاحقاً في مدارس القرية ..
المديرة وبعد ان أعطتها الملف : 
- على فكرة , صديق زوجك أخذ ابنك قبل قليل 
ساندي باستغراب : صديق زوجي ! لحظة سأتصل لأتأكّد

وظنّت بأن أحد اصدقائها أخبره بموضوع المجرم , فأرسل صديقه لأخذه .. لكن طليقها أنكر ذلك , بل أكّد وجوده خارج اميركا في رحلة عمل .. وحين سألها عن السبب , لم تخبره كيّ لا يقلق على ابنه ويأخذه منها

ثم عادت الى غرفة الإدارة لتسألها عن الرجل الذي أخذ ابنها , فوصفته المديرة : 
- هو رجلٌ بالخمسين من عمره .. لديه وحمة على يده , وجرحٌ بارزٌ قرب عينه
وما ان قالت مواصفاته , حتى ارتجفت ساندي برعب !
المديرة : هل هناك خطبٌ ما ؟
ساندي بعصبية : كيف تعطون الأولاد لأيّ شخص دون التأكّد من هويته؟!
- لكن ابنك عرفه على الفور , وناداه بالعم جون ! 
ساندي بغضب : جون ليس اسمه الحقيقي !! 
المديرة بقلق : ومن هو إذاً ؟!

لكن ساندي لم تخبرها بالمزيد , بل خرجت مسرعةً لأقرب مخفر شرطة للإبلاغ عن اختطاف ابنها , خوفاً من أن يبيعه ايضاً كما فعل سابقاً مع الفتيات الصغيرات ! 
***

مرّت الأسابيع الثلاثة ببطءٍ شديد على الأم وطليقها الذي حضر فوراً بعد معرفته بخبر إختطاف ابنه , وقد لامها كثيراً لعدم إنتباهها عليه .. 

وحاولت الشرطة جهدها لإيجاد الطفل , وعمّمت صوراً للمجرم من ملفّه الإجرامي على كل مراكز الشرطة , لكنه اختفى تماماً ! 

في هذه الفترة .. عادت ساندي مكسورة القلب الى قريتها بعد إصرارٍ من أهلها لحمايتها من مختطفها القديم .. بينما ظلّ طليقها يتابع موضوع ابنه مع شرطة المدينة 
***

بعد مرور اسبوعين آخرين ..أحسّت ساندي باختناقٍ شديد وخرجت لتتمشّى في الغابة القريبة من بيتها القديم , مُستغلةً غياب اهلها في زيارةٍ عائلية , بعد ان كانوا منعوها من الخروج طوال الفترة الماضية , خوفاً من ان يعيشوا تجربة إختطافها من جديد

واثناء إقترابها من البحيرة المتواجدة بآخر الغابة .. سمعت ولداً يضحك !
وحين اقتربت من مصدر الصوت , كادت تقع على الأرض من هول المفاجأة ! حين رأت ابنها يلعب بأرجوحةٍ مُعلّقة على شجرةٍ امامها .. وظنّت بأنها تتوّهم , لولا ركضه إتجاهها بعد رؤية امه التي أخذت تحضنه وتقبّله بشوقٍ كبير وهي لا تصدّق عينيها ! 
لكنها فجأة ! أحسّت بفوهة مسدسٍ تغرز في ظهرها .. ورجلٌ من الخلف يهمس لها :
- إيّاك ان تصرخي يا ساندي

وحين التفتت اليه , رأت مختطفها القديم الذي ابتسم لإبنها قائلاً :
- حبيبي عدّ الى الأرجوحة , فأنا اريد التكلّم مع والدتك قليلاً
الولد بسعادة : حاضر عمي
وعاد للعب رغم محاولة امه منعه , لكنها في الوقت ذاته تريده ان يبتعد عن المجرم الذي طلب منها التحرّك دون مقاومة !

ومشت معه في الغابة , وهو مازال يوجّه مسدسه نحوها.. 
ساندي بقلق : انا لا استطيع ترك ابني وحده بالغابة 
- لا تخافي , سأتصل على اهلك بعد قليل لأخذه من هناك .. والآن تحرّكي بسرعة 
ساندي بخوف : والى اين تأخذني ؟! 
- ستعرفين بعد قليل 

وأخذها المجرم نحو شاحنته المقفلة الصغيرة , المتوقفة على جانب الطريق العام .. وركبت معه , خوفاً من إنتقامه من ابنها

وانطلق بها باتجاه القرية المجاورة , بعد اتصاله بأهلها وأخبارهم بمكان حفيدهم في الغابة .. حيث أغلق المكالمة بسرعة , قبل ان تتمكّن الشرطة من تحديد مكانه , لمعرفته المُسبقة بمراقبتهم للهواتف 

وفي الطريق .. سألته ساندي وهي تبكي : 
- ماذا فعلت بإبني يا لعين في الأسابيع الماضية ؟!
- لا شيء بتاتاً , فكما رأيتي هو بخير ..اساساً كنت أزوره دائماً في مدرسته ومعي الكثير من الحلويات , قبل ان أُجري إتصالي الأول بك .. وذلك بعد ان أوهمته بأنني صديق والده , ممّا سهّل إختطافه لاحقاً .. فهل أعجبتك خططي الجهنّمية ؟ 
- مع اني ربّيته ان لا يأخذ شيئاً من الغرباء ! 

المجرم : ومن قال انني غريب , حتى انني أشكّ بأنني والده الحقيقي
ساندي بغضب : ما هذا الكلام السخيف ؟!! انا لم أرك منذ ان كنت طفلة 
- هل انت متأكّدة ؟
ساندي بقلق : ماذا تقصد ؟! 
- ما لا تعرفينه عزيزتي ..ان رئيس السجن الذي حُبست فيه , كان أحد عملائي السرّيين , وكان المفترض ان أبيعك له  
ساندي بدهشة : ماذا !
- لذلك لم أعترف عليه بالتحقيقات , بعد إتفاقي معه بأن يُخرجني سرّاً من السجن من وقتٍ لآخر.. وقد فعل قبل 8 سنوات ..حتى انه ساعدني بإيجاد عنوان منزلك الجديد .. وحين وصلت اليه , كان زوجك مسافراً وكنتما متزوجان حديثاً .. فتسلّلت الى غرفتك , وقمت بتخديرك اثناء نومك .. ثم اعتديت عليك .. وعدّت الى السجن كما وعدّت الرئيس قبل حلول الصباح ..وبعد أشهر وصلني خبر حملك  

وهي ترتجف بخوف : يا الهي !
- بصراحة أظنه ابني , فهو يشبهني كثيراً ..ويحب استخدام الأسلحة مثلي
ساندي بفزع : اسلحة !
- نعم , فقد علّمته الفترة الماضية صيد الطيور والأرانب وكان متحمّساً جداً لقتلها , بعكس صيد السمك التي لم تعجبه .. وطالما ان قتل الحيوانات أعجبه هكذا , فربما حينما يكبر يهوى مثلي خطف الفتيات .. لكني سأنصحه بعدم إختطاف الشرسات أمثالك .. الا تذكرين كيف أذيتي عيني بظفرك قبل وضعك بسيارة الزبون ؟ 
ساندي وهي تبكي : كان عليّ مقاومتك للنجاة بحياتي  
- بصراحة لا أنكر إعجابي بجرأتك تلك الليلة , حين هربتي من بين يديّ وانطلقت بسرعةٍ جنونية داخل الأدغال قبل ان تصلي للشرطة وتبلّغي عنّي , كما ان مهارتك بالرسم ساعدتهم بالقبض عليّ ..وقد أعجبني كثيراً جانبك المتوحش , بل وعشقته ايضاً !  

فسألته بخوف : وماذا تنوي فعله بي ؟!
- لا أستطيع بيعك لأن عملائي يعشقون الصغيرات , لهذا قرّرت أن أتزوجك 
ساندي برعب : ماذا ! 
- لما خفتي هكذا ؟ فأنا تُبت عن أعمالي الإجرامية ..وأنوي شراء أرضٍ صغيرة بالمال الذي خبّأته عن الشرطة .. وسأشتري ايضاً بقرة وبعض الدواجن , وانت ستساعدينني لأنك بالنهاية ابنة مزارع وتعرفين بهذه الأمور .. وسنتعاون فيما بيننا , انت تعلمّينني الزراعة , وانا أعلّمك الصيد والرماية .. ما رأيك ؟

وقبل إنعطافه الى الطريق الموصل للقرية المجاورة , فاجأته بطعنةٍ قوية في بطنه ! حيث أعطاها أخوها سكينةً حادّة صغيرة , لتُبقيها معها دائماً لحمايتها من المختطف 

فصرخ متألماً دون ان ينتبه على الشجرة امامه التي صدمها بمقدّمة شاحنته بقوة , ليرتطم رأسه بالمقود ويغيب عن الوعيّ 

بهذه اللحظات .. خرجت ساندي من شاحنته وهي تترنّح بعد الإصطدام العنيف , لكنها مُجبرة على الإبتعاد قدر المستطاع كيّ لا يلحق بها .. بعد نجاحها بأخذ جواله من جيبه , لتقوم بالإتصال فوراً بأخيها وهي تركض بصعوبة في الطريق العام بعد ان أُصيبت قدمها بالحادث.. 

وسمعها أخوها وهي تبكي برعب قائلةً : 
- انا قُرب مفرق القرية المجاورة , ارجوك أخي تعال بسرعة قبل ان يخطفني من جديد !! 

وكان آخر ما سمعه هو صراخها وهي تقول : 
- انه يلحقني !!!! 
وإنقطعت المكالمة بعد صوت إرتطامٍ حادّ !
***

إجتمعت اهالي القرية في يوم دفنها , بعد ان لمّلمت الشرطة اشلائها المُبعثرة على الطريق العام , بعد ان قام بدهسها مراراً وتكرارا !

امّا القاتل فقد اختفى تماماً .. وقد وجدت الشرطة شاحنته مركونة على جانب الطريق , مُلطّخة من الداخل بكميةٍ كبيرة من دمائه التي سالت بسبب الطعن , حيث كانت السكين واقعة قرب الفرامل .. لكنهم مع هذا لم يجدوه في أيّةِ مستشفى او مكانٍ قريب ! 

وكان هناك إحتمالين : إمّا كان معه جوالاً آخر قام بالإتصال به على أحد أصدقائه الذي أخذه من هناك 
او انه مات في الأحراش , لتقوم الدببة بافتراس جثته ! 

ومع ذلك طالب الجميع إيجاد جثته , خوفاً على اطفالهم من ذلك المجرم الطليق .. لكن الشرطة أقفلت عمليه البحث بعد مرور شهرين على اختفائه , رغم إعتراض عائلة الفقيدة ساندي واصدقائها ! 
***

بعد أعوام , وفي إحدى القرى البعيدة..
إقتربت فتاةٌ صغيرة مع أخيها من البحيرة , ليجدوا هناك صيّاد سمكٍ عجوز .. فسأله الولد :  
- هل اصطدّت شيئاً يا عم ؟
الرجل : بالطبع , فأنا صيّادٌ ماهر .. الا ترى سلّتي المليئة بالسمك؟ 
الولد : واو ! لقد اصطدّت خمسة اسماكٍ كبيرة 
الرجل : هل تريدني ان أعلّمك الطريقة ؟
الولد بحماس : نعم !!
- إذاً تعال انت واختك واجلسا بجانبي 

وبعد ان جلسا , سألهما عن إسمهما وعمرهما :
فأجاب الولد : انا جيم وعمري 10 سنوات ..وهذه اختي جنيفر وعمرها 6 سنوات
فقال الرجل (الذي كان المجرم مايكل دومنيك) في نفسه :
((ست سنوات , مازالت صغيرة .. لكن بعد الذي حصل معي سابقاً , بتّ أفضّل الأطفال على البنات الأكبر سناً اللآتي تُثرنّ لي المشاكل)) 

ثم سأل الولد : هل تسكنا بالجوار ؟
فأجاب : نعم , في ذلك الكوخ .. هل تراه ؟ 
- نعم رأيته .. واين والداكما ؟
- نحن يتيمان , ونعيش مع جدتي العجوز 
فقال المجرم في نفسه بارتياح : ((ممتاز !!!)) 
ثم قال للولد وهو يعطيه السنّارة : 
- هيا إمسك العصا ..اريد ان أجري إتصالاً مهمّاً .. لكن إيّاك ان تفلت منك السمكة
- حاضر عمّي

ثم ابتعد المجرم قليلاً للإتصال بعميلٍ قديم , قائلاً له :  
((لقد وجدّت لك فتاةً صغيرة في السادسة من عمرها , لكنها جميلةٌ جداً.. وهي صيدٌ سهل , فكم ستدفع لي ؟ .. مبلغٌ لا بأس به.. اذاً سأسلّمك الضحيّة خلال هذا الأسبوع .. نعم نعم , وانا ايضاً سعيد بعودتي الى عملي الشيّق .. ألقاك قريباً , سلام))  

ثم تمّتم قائلاً : 
- وهآقد عدنا من جديد
وابتسم وهو ينظر من بعيد الى ضحيّته الصغيرة بنظراتٍ خبيثة وشريرة ! 

الثلاثاء، 29 يناير 2019

المدرسة الدمويّة

تأليف : امل شانوحة


 
سأعلّم المتنمّرين درساً لن ينسوه ابداً !!

كانت ناتالي الفتاة الوحيدة التي صادقته في المدرسة الثانوية , بعد ان نُقلت اليها في منتصف العام , لهذا لم تجد أحداً ترافقه سوى إريك المعروف بينهم بالمراهق غريب الأطوار ! حيث اعتادوا على رؤيته باللون الأسود سواءً في ملابسه وأظافره وحُمرة شفاهه .. بالإضافة للكحل الأسود حول عينيه ممّا يزيد من حدّة نظراته.. كما كان الطالب الوحيد الذي يملك وشماً على ذراعه , وحلقاً في لسانه وأذنه ..عدا عن إكثاره من مثبّت الشعر في تسريحاته الغريبة!

وربما تتبّعه لموضة الإيمو كان للفت أنظار والديه المنفصلين بعد ان سافرت امه مع زوجها الثاني الى خارج اميركا .. بينما عاد والده للمواعدة من جديد , والذي انحصرت علاقته بإبنه بالذهاب معه أيام العطل الى كوخ الغابة لممارسة هوايتهما في الصيد .. 
وقد تسبّبت وحدته بجعله قليل الكلام ومنعزلاً عن بقيّة الطلاب ..
***

في إحدى الأيام .. جلست ناتالي قرب إريك في الملعب قبل بِدء الحصصّ الدراسية , وكان يضع السمّاعات في إذنه ويهزّ رأسه باندماج .. فطلبت سماع الأغنية .. ومن بعدها , سألته باستغراب : 
- الصوت عاليٍ جداً وقد تؤذي سمعك ! ثم كيف يمكنك سماع أغاني روكٍ صاخبة في الصباح ؟! 
إريك : هذه ليست روك , بل موسيقى الميتال يا جاهلة
- وهل انت من عبّاد الشياطين ؟
- أليس واضحاً من ملابسي ؟
ناتالي بقلق : لم أكن أعرف !
- لا تخافي هكذا , فأنا لا أذهب الى اجتماعاتهم لأشاهد القرابين البشريّة .. انا فقط مُعجبٌ بأسلوبهم 
فأرادت تغير الموضوع , وقالت :
- انا تعجبني أكثر الأغاني الرومنسية  
فأجابها بضيق : انها تثير إشمئزازي , لأنه لا يوجد حبٌ صادق هذه الأيام.. هي مجرّد أكاذيب يضحكون بها على أصحاب العقول التافهة أمثالك
فقالت بامتعاضٍ وعصبية : انا أتفهّم عدم إيمانك بالحب بسبب طلاق والديك , لكن ليس من حقك ان تستصغر الناس من حولك !!

ثم ابتعدت عنه بعد ان جرحها بكلامه وهي ليست المرّة الأولى , فهو معروف في مدرسته بجلافة طبعه التي تُنفّر الطلاب منه 
*** 

بعد يومين .. وجدته بالكافتيريا مشغولاً بالرسم , فأصرّت ان يُريها كرّاسته .. فقبِل على مضضّ , وكان فيها عشرات الصور عن الجحيم وعن أناس تعذّب بأساليبٍ وحشيّة.. لكن الصورة الأخيرة التي كان مازال يرسمها هي التي أثارت رعبها : حيث رسم طلّاب مدرسته ممدّدين على الأرض فوق بركةٍ من الدماء !
فسألته بقلق : هل هذا نحن ؟!
فأجابها بابتسامةٍ صفراء : نعم .. وكنت على وشك رسم المدرسين ايضاً لكنك قاطعتي فنّي 
- وهل انا من بين القتلى ؟
- ربما .. وربما لا .. هذا يتوقف على مزاجيتي ذلك اليوم
فسألته بخوف : عن أيّ يومٍ تقصد ؟!
لكنه وقف وهو ينظر الى ساعته .. 
- لديّ إمتحانٌ الآن , أكلّمك لاحقاً

وذهب الى صفّه , تاركاً إيّاها في حيرةٍ من أمرها بعد تذكّرها لحواره السابق التي سألته فيه : عن قدوته بالحياة ؟ 
فأجابها بأسماء أشهر المجرمين أمثال : زودياك الملقب بشبح القرن العشرين وجاك السفّاح وغيرهم , مُشيراً بأن جرائمهم هو فنٌّ عبقريّ  يجب تدريسه !
فتساءلت في نفسها بقلق : 
((هل عليّ إخبار الإدارة بنواياه , ام هو مراهقٌ أحمق بأفكارٍ مخيفة ؟!))
*** 

وازدادت تصرّفاته غرابةً مع الأيام .. حيث تابع بشغف نشرات الحوادث والقتل والإرهاب على جوّاله , وكأنه يقرأ قصصاً مثيرة! 

وفي يوم تأخرا على الحافلة , وعادا مشياً الى منزلهما.. حين توقف إريك امام واجهة محل لبيع المسدسات والبنادق , مشدوهاً نحوها كطفلٍ في عالم الألعاب ! قائلاً لها بحماس : 
- أنظري يا ناتالي الى هذا السلاح الجديد !! 
- هل هو للصيد ؟
- لا , هو يستعمل للقتل فقط 
وقد أرعبها كلامها , فقالت : ماذا تقصد ؟!
- هذا النوع قرأت عنه بالإنترنت , وفيه رصاصاتٌ مُتفجّرة .. وحين تخترق الجسم , تنفجّر بداخله مُحدثةً أضراراً صحيّة جسيمة .. وإن صُوّبت نحو القلب او الدماغ , ففرصة النجاة معدومة 

وقد ضايقها كلامه جداً , فسحبت يده وهي تقول : 
- هيا نذهب يا إريك , فقد تأخّرنا على بيوتنا وسيقلق أهلنا علينا 
فقال بنبرةٍ حزينة : أهلك فقط , فأنا لا يوجد أحد في انتظاري 
- وماذا عن والدك ؟ 
- بهذا الوقت عادةً ما يكون مع إحدى صديقاته 
- ومن يطبخ لك ؟ 
إريك بضيق : لا أحد , بالعادة أتناول حبوب الإفطار على الغداء لحين عودة ابي مساءً بوجبة عشاء .. هذا ان تذكّرني اصلاً 
- آسفة لسماع ذلك 
- لا يهمّ , فغداً يندمون على إهمالهما لي .. آه صحيح , هل تأتين معي الى كوخ الغابة في يوم العطلة لإريك اسلحة صيد والدي
- هل تصطادا معاً ؟ 
إريك : كنّا نفعل ذلك دائماً في صغري , لكن بعد طلاقه من امي أصبحنا نادراً ما نذهب الى هناك .. وأحيانا أذهب لوحدي 
- برأيّ خطأ ان يعلّمك الصيد وانت صغير , فقتل الحيوانات تؤذي مشاعر الطفل
فردّ بحماس : بل العكس تماماً !! لا شيء أجمل من قتل الطيور والأرانب , او رؤية غزالٍ يحتضر ببطء .. حتى انني مرةّ أصبت أرنباً في قدمه , ثم دست عليه عدة مرات الى ان سحقته بقدميّ .. وأنوي مستقبلاً حرق كلبٍ او قطة .. او تقطيع امعاء ..
فقاطعته ناتالي بغضب : كان الجميع ينصحني بالإبتعاد عنك لأنك غريب الأطوار , والآن إقتنعت بأنك مجنون ومجرمٌ ايضاً .. إسمع يا إريك !! هذه نهاية صداقتنا , ولا اريد التحدّث معك بعد الآن .. أفهمت ؟!!
وركضت باكية الى بيتها.. 

فتمّتم بنفسه بغضب :
((جميعكم متشابهون ! وقريباً أجعلكم تندمون على إستحقاركم لي))
*** 

في اليوم التالي .. أخبرت ناتالي صديقتها بما قاله : 
- جيد انك تركته , فهو شاب معقّد وعديم الضمير ! 
فقالت الفتاة الأخرى : 
- لا تظلموه هكذا , فهو كان معي بالمرحلة الإبتدائية وكان طيباً جداً ,  لكنه عانى كثيراً من المتنمّرين الذين اعتادوا على سرقة طعامه وضربه وإهانته امام الجميع .. وقد زاد إنطوائه بعد إنفصال والديه 
فقالت لها ناتالي : ولما لا تصاحبيه انت ؟ 
فأجابت : معاذ الله ! فقد أصبحت أفكاره مرعبة , ومن الأفضل الإبتعاد عنه 
***

ومن بعد إنفصال ناتالي عنه , أصبح إريك وحيداً يمضي جُلّ وقته برسم الصور المخيفة في الكافتريا , او سماع الأغاني الصاخبة في الملعب .. وأحياناً يسمعون ضحكاته بعد قراءته عن فاجعةٍ إنسانية , حيث أصبحت هذه الحوادث تسعده وتثير اهتمامه ! 
وقد أهمل دراسته كثيراً بعد ان لاحظ عدم إكتراث والده بنتائج امتحاناته الأخيرة السيئة , بعكس ما كان يفعل سابقاً .. لِذا أصبح نادراً ما يدخل الى الصفوف الدراسية , ويكتفي بالتسكّع بصمت في الممرّات والملعب !

وكان يستغلّ غياب والده بالعطل , للذهاب وحده الى كوخ الغابة ليُفرّغ طاقة الغضب لديه في الصيد , حتى أصبح ماهراً بالرماية..لكنه بات يفضّل إصابة الطيور والحيوانات برصاصةٍ غير قاتلة , كيّ يستمع لاحقاً بتعذيبها حتى الموت !
***

وفي الشهور الأخيرة من الدراسة .. إزداد وضعه سوءاً بعد انضمام المتنمّرون الثلاثة لثانويته , والذين عرفوه من اسمه رغم تغير ستايله 

وفي إحدى الأيام .. إلتقوا به خلف المدرسة , بعد إرسالهم إعلان على جوّالات الطلبة : للإجتماع بالساحة الخلفية بعد الدوام , لمشاهدة عرضٍ مثير للملاكمة !
وقد تفاجأ إريك بالطلاب مجتمعين هناك , وهم ينادونه بأقبح الأسماء : 
- إريك المجنون !! إريك المخيف !! إريك الكريه !!

وقد فعلوا ذلك بناءً على طلب المتنمّرين الذي ما ان رآهم إريك حتى تذكّر اساليب تعذيبهم في مرحلته الإبتدائية , لكنهم لا يعرفون بأن شخصيته تغيرت كثيراً .. لذلك تفاجأوا حين قاومهم ببسالة , مُسدّداً لهم ضرباتٍ قوية أدمت وجوههم ! الا ان قائدهم باغته بضربة عصا على رأسه من الخلف , أوقعته أرضاً .. ثم قال للجميع : 
- دعوني أخبركم قليلاً عن المجنون إريك .. لطالما كان ولداً يكرهه الجميع ..حتى والديه لم يطيقانه , فهو كسول وقبيح وغريب الأطوار ولا يحبه أحد .. هل توافقوني الرأيّ ؟

فأجابه الطلبة بصوتٍ واحد : نعم !!! 
وهم منشغلون بتصوير الحدث في جوّالاتهم .. 
ثم قال رئيس المتنمّرين لإريك الذي كان يمسك رأسه المجروح بألم : 
- أتذكر حين أغرقنا رأسك داخل كرسي الحمام , كم كانت رائحتك نتنة ذلك اليوم

وضحكوا جميعاً .. لكن حين اقترب منهم مدير المدرسة بسيارته , تفرّق الطلاب مُسرعين للذهاب الى منازلهم .. 
واكتفى المدير بسؤال إريك من بعيد :
- هل انت بخير يا ولد ؟!! 
وما ان هزّ رأسه إيجاباً , حتى أكمل المدير طريقه وكأن شيئاً لم يكن !
فتمّتم إريك بغضب :
((لم يتعب نفسه حتى بالنزول من سيارته للإطمئنان على أحد طلابه , رغم رؤيته للدماء التي تخرج من رأسي ! لكنه هو وغيره سيندمون قريباً على إستخفافهم بي !!!)) 
*** 

وعاد مقهوراً الى بيته الفارغ , بعد ان كثر غياب والده .. 
وبعد تطهير جرحه ..إستقلّ سيارة والده الثانية , وذهب للغابة .. وعاد مساءً وهو يحمل المسدس والبندقية , وجميع الرصاصات التي في الكوخ 
ثم أمضى الأسابيع اللاحقة وهو يخطّط لعمليته الإرهابية للإنتقام من الجميع 
***

وفي الليلة السابقة لليوم المحدّد (بعد ان عانى طوال المدة السابقة من أذى المتنمّرين , دون ان يحرّك أحد ساكناً !) 
قال في نفسه بغضب :
- غداً سيعرف العالم أجمع من هو البطل إريك 
كان يردّد ذلك , اثناء تعبئته لمخزن مسدسه الدوّار بالرصاص , بالإضافة الى بندقيته الرشّاشة !

وبعد ان انتهى من وضع خطّته الدمويّة , إستلقى على سريره وهو يفكّر بيوم الغد , بمشاعرٍ مُتضاربة بين الحماس والخوف .. فهو يعلم جيداً انه قد يضّطر لإنهاء حياته لأنه لن يتحمّل العيش في السجن , فهو لم يطقّ متنمّري المدارس فكيف بالسجون التي تعجّ بأمثالهم ! 
***  

قبيل الفجر .. إستفاق إريك باكراً والعرق يتصبّب من جسده بعد سلسلة من الكوابيس المتلاحقة .. فجلس على طاولته وبدأ بكتابة وصيته لوالديه :

((امي ..ابي .. أعرف انني لم أكن الإبن المثالي , لكنكما ايضاً لم تكونا الوالدين المثالين لي .. وكم تمنيت لوّ بقينا عائلة مضّطربة على ان نكون عائلةً مفكّكة .. أرجو ان لا تغضبا مني , فأنا مضّطر لعمل ذلك كيّ أعطي المتنمرين (في جميع المدارس التي بها طلاب يعانون مثلي من قساوتهم) درساً لن ينسوه ابداً .. ليس لأنني ضعيف ولا أقوى على لكماتهم ورفساتهم , وسرقتهم لمصروفي كل يوم .. لكن أحياناً شتائمهم وإهاناتهم تؤذي القلب وتُدمي الروح , وانا لم أعدّ أحتمل المزيد .. لذا سيكون هذا التاريخ آخر يومٍ في حياة الكثيرين من طلاّب مدرستي , وفي حياتي ايضاً .. أعرف بأنني ذاهبٌ حتماً الى الجحيم , لكني إحترق بنارها منذ طفولتي .. لهذا أريدكما ان تسامحاني , فأنا ذاهبٌ في طريقٍ لا رجعة منه))

من بعدها وضع الأسلحة في حقيبته , وانطلق نحو مدرسته ...
***

لكن هذه المرةّ دخل المدرسة دون خوفٍ من أحد ! بل كان يمشي بخطواتٍ واثقة , وكأنه إحدى أبطال ألعابه الإلكترونية ولديه مهمّة تدمير الأعداء .. 

وكان هدفه هو التسبّب بأكبر ضررٍ ممكن .. وكان إختياره الأول هو  الكافتيريا .. لكن بعد وصوله الى هناك , لاحظ بأن ابوابها لا تُقفل ..وهذا يعني بأن الطلاب بإمكانهم الهرب بسهولة مع اول طلقةٍ ناريّة .. 
فقال في نفسه :
- لا , اريد مكاناً يمكنني حشرهم بداخله 

فذهب الى المسرح , لكنه كان خالياً من الطلاب .. 
فاتجه نحو المكتبة التي كانت مكتظّة بالطلاب الأذكياء , خاصة مع إقتراب موعد الإمتحانات النهائية .. وتنفّس الصعداء حين رأى المفتاح في الباب بعد ان نسيته مسؤولة المكتبة .. 
فأسرع بالدخول , وأقفل الباب ووضع المفتاح في جيبه .. فلاحظت المسؤولة ما فعل ! فصرخت عليه من بعيد :
- هاى انت !! ماذا تفعل ؟!

لكنها ارتبكت , كما الخمسون طالباً حين رأوا إريك يخرج البندقية من حقيبته ! 
وقبل ان يستوعبوا الموقف , أطلق رصاصته الأولى في رأس المعلمة لتسقط ميتة على الفور , فهو ماهرٌ بالرماية !

وبعد موتها , حصل هرجٌ ومرج داخل المكتبة .. وعلت صرخاتهم التي وصلت أصدائها للطلّاب في الممرّات الخارجية الذين أسرعوا بإخبار المدير الذي بدوره أبلغ الشرطة عن حصول إطلاق نارٍ داخل مدرسته !

لكنها كانت البداية فقط ! فقد نادى إريك على الطلّاب المذعورين الذين إختبئوا تحت الطاولات :
- هل تعرفونني ايها الحثالة ؟!! انا إريك .. الطالب الذي شاهدتموه منذ فترة وهو يُضرب خلف المدرسة دون ان تحرّكوا ساكناً .. كل ما فعلتموه هو تصويري وانا أُهان ! اذاً هيا ماذا تنتظرون ؟!! أخرجوا جوّالاتكم اللعينة وصوّروني وانا أقتلكم الواحد تلوّ الآخر
فقالت إحداهنّ باكية : أرجوك لا تقتلنا , فنحن لم نؤذيك

إريك : لكنكم لم تساعدونني ايضاً , ولم توقفوا المتنمّرين عند حدّهم , لذا قرّرت ان أربّي العالم بكم .. وكم كنت أتمنّى وجود اولئك الملاعين معنا , لكنهم كسالى ولا يدخلون المكتبة , وانا أردّت مكاناً مغلقاً .. والآن لنكتفي بهذا القدر من الكلام , فالشرطة حتماً في طريقها الى هنا .. (ثم اقترب من الطاولات وبيده الرشّاش , قائلاً) ..تُرى من سيكون هدفي الثاني ؟.. آه !! إخترتك انت ايها البدين !!
فردّ مرتجفاً : لا ارجوك لا تقتلني
إريك : ولم لا , فأنا سأريحك من بطنك المنتفخ

وأطلق النار في معدة الصبي الذي صار يتلوّى من الألم , وسط بكاء بقيّة الطلاب المذعورين  
إريك بضيق : أوه لا ! انا لا أطيق صوت النحيب هذا .. حسناً سأريحك من عذابك .. خذّ هذه ايضاً , و اسبقني الى الجحيم .. وداعاً عزيزي

وأطلق رصاصةً ثانية في رأس الولد البدين , ليغرق ميتاً في بركة من الدماء !
إريك صارخاً : والآن !!.. من التالي ؟!!  

فركض بعض الطلاّب نحو الباب .. لكنه قام بإطلاق النار على ظهورهم , لتتراكم أجسادهم الدامية فوق بعضها البعض !  
ثم قال إريك للجميع :
- المفتاح في جيبي !! وكما تلاحظون , النوافذ عالية .. لذا استسلموا لمصيركم , فلا أحد سيخرج من هنا حيّاً 

وبدأ بوضع ذخيرة جديدة في رشّاشه .. وبدأ بإطلاق نارٍ عشوائي أسفل الطاولات , ليصيب الطلاب المختبئين هناك  
***

ومرّ الوقت كأنه الدهر على الطلاب القلائل الذين مازالوا احياءً , وهم يرتجفون بانتظار دورهم !
وقد تفاجأ حين رأى ناتالي من ضمنهم , وكانت تتوسّل اليه بعينين دامعتين وهي ترتجف بخوف : 
- ارجوك إريك لا تقتلني , فأنا صديقتك الوحيدة 
- أتدرين انك أكثر شخص جرح مشاعري , لكني مع هذا أشكرك على الشهور الجميلة الماضية .. لهذا قرّرت ان أدعك تعيشين مع ذكرى مني 

ثم عاجلها بجرحٍ من سكينٍ يحمله , تسبّب بتشوّه وجهها مع نزيفٍ حاد ! 
وبينما كانت تصرخ بألم , قال لها إريك بابتسامةٍ لئيمة : 
- هكذا ضمنت إنك لن تنسينني أبداً , عزيزتي ناتالي
***

وقبل ان يُجهزّ على بقية الطلاّب , سمع طرقاتٍ عنيفة على الباب ..وصوت الشرطة تناديه من الخارج :
- إستسلم فوراً قبل ان نكسر الباب !!!

وقد قاومهم في البداية بعد ان صوّب رشّاشه نحو الباب لإبعاد الشرطة التي حاولت كسر القفل , ودفع الباب بقوة بعد ان أُغلق بعشرات الجثث للطلاب الذين حاولوا سابقاً الهرب ..

وحين رآى إريك فوهات اسلحتهم تظهر من شقّ الباب المخلوع , أدرك باقتراب نهايته .. فجثا على ركبتيه , واضعاً المسدس في فمه .. لتراه الشرطة بهذه الوضعية , بعد نجاحهم باقتحام المكتبة .. 
فقال له أحدهم :
- إبعد السلاح عن فمك , ونحن نعدك بمحاكمةٍ عادلة !!

ونزلت دمعة إريك على خدّه , وهو يشاهد شريط حياته يمرّ امام عينيه في ثوانيٍ : 
بِدءاً بمعاناته مع المتنمّرين في مدرسته الإبتدائية الذين حوّلوا حياته الى جحيم .. مروراً بطلاق والديه وإنشغالهما عنه .. وإمضاء 17 سنة من عمره وحيداً دون اصدقاء .. ثم عودة المتنمّرون للثانوية , وإهانتهم له امام الجميع .. واستمرار مضايقتهم له لشهور , مع ضحكات وتعليقات الطلاّب الساخرة التي قتلت روحه قبل جسده ! 

فتمّتم في نفسه قائلاً :
((لا شيء في هذه الحياة البائسة يستحقّ العيش لأجله)) 
وضغط على الزناد ليُنهي حياته !
***

وبموته انتهت مجزّرة الثانوية التي راح ضحيّتها معلمة و32 طالب وجرح 17 آخرين , حالة البعض منهم خطيرة !

وعمّ الحزن أرجاء البلدة , حيث اجتمع الأهالي المصدومين في المستشفيات لرؤية الجثث , او للإطمئنان على اولادهم الجرحى الذين سيحتاجون لاحقاً الى علاجٍ نفسيّ مكثّف لما أصابهم من رعب خلال الساعة التي قضوها في المكتبة مع السفّاح المراهق !
***

اما الصدمة الأكبر فكان لوالديّ إريك اللذين بالإضافة الى فقد إبنهما سيواجهون غضب المجتمع , والإتهام بسوء تربيتهما لهذا المجرم  

وكان لوالده النصيب الأكبر حيث لاموه على تعليم ابنه طرق إستخدام الأسلحة , ممّا أجبره لاحقاً على مغادرة البلدة الغاضبة التي عانت لسنواتٍ بعدها من صدمة تلك العملية الإرهابية !
***

وكانت جريمة إريك هي الأولى من نوعها في تاريخ اميركا .. وبسببها وضعت بعض المدارس ابواب التفتيش الإلكترونية الكاشفة للأسلحة .. والبعض الآخر عينوا شرطياً لمراقبة الطلاب داخل الممرّات وملاعب المدرسة 

بينما اكتفت مدارسٌ أخرى بتعين نظّار أشدّاء لمراقبة الطلاب , ومعاقبة المتنمّرين بقسوة لحماية الطلاب الضعفاء أمثال إريك (سابقاً) 

لكن الوضع لم يتغير في الكثير من مدارس العالم , حيث مازال المتنمّرون يذيقون الطلاب الضعفاء ألوان العذاب الجسدي والنفسي .. وان لم يتحرّك المسؤولون لحلّ هذه المشكلة فسينفجر الوضع عاجلاً ام آجلاً , مُنتجاً المزيد من السفّاحين الصغار الذين يرون إريك مثالاً أعلى لهم ! لتتحوّل المدارس مع الوقت الى مكانٍ إرهابي لقتل أبنائنا ! 

فهل نجح إريك بلفت أنظار العالم لمشكلة المتنمّرين , ام ان المستقبل يعدّ بالمزيد من المدارس الدمويّة ؟!  

السبت، 26 يناير 2019

لعبٌ حتى آخر نفس !

تأليف : امل شانوحة

الملاهي المرعبة

في عصر ذلك اليوم بمنطقةٍ ساحلية إيطالية .. خرجت صوفيا وماريّا من مهرجانٍ شعبيّ مُقامٌ على الشاطىء .. وقبل عودتهما الى موقف السيارات , إنقطع حذاء صوفيا الجلديّ .. فسمعت امرأة عجوز تناديها من داخل زقاقٍ مهجور :
- تعالي يا ابنتي , فأنتِ لن تستطيعي إكمال طريقك هكذا
فاستغربت صوفيا من ملاحظتها للمشكلة رغم بعدها عنهم !

ودخلتا الى هناك .. ليجدا امرأةً غجريّة تجلس فوق بقايا سجّادة , مُتكئةً بظهرها على الجدار .. وبجانبها لوازم عِدّة الخياطة وبعض النِعال المطاطيّة المناسبة للشاطىء , والتي قالت بعد ان رأت حذائها الممزّق :
- هاتِه لأُخِيطه لك .. كما يمكنك شراء نعلاً من عندي 

فاختارت صوفيا واحداً ولبسته , بعد ان دفعت ثمنه .. 
ثم سمعتا شخصاً يناديهما من فوق الجدار ..
- ما رأيكما ان تجربا الملاهي ؟!!

وحين نظرا اتجاهه , شاهدا مدينة ملاهي كبيرة خلفه .. فنظرا لبعضهما باستغراب ! حيث لم يعرفا بوجودها هناك , رغم ارتيادهما البحر طوال عطلتهما الصيفيّة ..
فذهبا اليه .. وقالت له صوفيا : 
- حسناً , سنلعب لعبةً واحدة لحين انتهاء العجوز من خياطة حذائي 

فأخرج لهما مجموعة من الكروت المُخفية , وطلب منهما اختيار بطاقة تُحدّد لعبتهما.. 
ماريّا : ولما لا نركب ما نشاء ؟
الرجل : كما ترين يا آنسة ..الملاهي مقفلة الآن , فنحن بالعادة لا نفتحها الا مساءً .. وطالما لا يوجد غيري هنا , فأريد ان أعرف أيّ الألعاب سأُديرها لكما .. هيا رجاءً إختارا الآن 

فسحبت صوفيا بطاقة عليها رسمة حبل , تحت عنوان : الحبل المقطوع
عامل الملاهي : 
- آه ! انت ستركبين اللعبة الدوّارة .. وانتِ , ماذا ستختارين ؟
فسحبت ماريّا لعبة عنوانها : التصدام حتى الموت 
فسألته : ولما هذه العناوين المرعبة ؟!
الرجل : لجذّب السوّاح , ليس أكثر .. ولعبتك ستكون سيارات التصادم
ماريّا وهي تنظر للملاهي الفارغة : 
- ومع من سأتصادم , لا أحد غيرنا هنا ؟!
الموظف : لا تخافي , ستلهين بها كثيراً .. هيا لتصعد كل واحدة لعبتها 
***

اللعبة الدوّارة

وصعدت صوفيا اولاً في اللعبة الدوّراة , حيث جلست لوحدها في المقعد الحديدي الصغير ..وبعد تأكّد عامل الملاهي من ربطها لحزام الأمان , أدار لها اللعبة 
***

سيارات التصادم


ثم توجّه الرجل مع ماريّا الى لعبتها .. 
وقبل ان يُديرها , قالت في نفسها بضيق :
((ستكون لعبةً مُملّة دون وجود لاعبين آخرين))

لكن ما ان تحرّكت سيارتها , حتى تفاجأت ببقيّة السيارات الفارغة تتحرّك نحوها ! 
ورغم انها حاولت تجنّبهم بمهارة (ظنّاً بأنها تتحرّك أتوماتيكياً !) الا انهم حاصروها في الوسط , وبدأوا يصدمونها بعنف من كل جانب ! 
وقد ضايقها ذلك كثيراً , وبدأت تصرخ لعامل الملاهي كيّ يوقف اللعبة حالاً , لكنها لم تجده في الجوار !

في هذه اللحظات .. كانت لعبة الدوّارة وصلت لأعلى علوٍّ ممكن ..وكان الأمر في البداية مسلياً لصوفيا , لكنه طال كثيراً وبدأت تشعر بالغثيان والدوار ! فصارت تطالب الرجل بايقاف اللعبة , لكن لم يسمع صرخاتها أحد في هذه الملاهي الضخمة الفارغة ! 
فحاولت تركيز نظرها قدر المستطاع , لتلاحظ بأن الملاهي إنقلبت فجأة الى ملاهيٍ مهجورة ومرعبة , حيث غطّت أغصان الشجر والأعشاب الضارّة الألعاب المُدمّرة .. فأخافها المنظر ! وصارت تصرخ بعلوّ صوتها طلباً للنجدة !!! 

وخلال ثوانيٍ ! تحوّل مقعدها الحديدي اللامع الى لون الصدأ الأحمر , بسلاسلٍ تُصدر صريراً مزعجاً كأنها على وشك التهالك! 
وفجأة ! بدأت الأراجيح الأمامية تنفلت من سلاسلها , لتتطاير مقاعدها في الهواء , مُرتطمةً بقوّة على الأرض .. 

فصارت تنادي على الناس المجتمعة في مهرجان الشاطىء الذين لا يبعدون كثيراً عنها , حيث رأتهم من فوق وهم يغنون ويتراقصون فرحين بغروب الشمس , دون ان يلتفتوا للملاهي المتواجدة خلفهم وكأنهم لا يرونها ! 

في هذه الاثناء ..كانت صديقتها ماريّا تعاني الأمرّين بعد ان هُوجمت من السيارات الفارغة بوحشية والتي صارت تصدمها بعنف من كل جانب , حتى كادت رقبتها ان تنكسر بسبب الإنحناءات العنيفة للأمام والخلف !
فكان عليها المجازفة بترك العربة .. ففكّت حزامها وقفزت للخارج .. لكن ما ان فعلت ذلك , حتى هجمت عليها بقيّة السيارات لتدهسها يميناً ويسارا , وهي تصرخ بألم بعد تمزّق جلدها وانكسار أطرافها 

وكان آخر ما رأته : صديقتها صوفيا وهي تطير في الهواء بعد انقطاع سلاسل لعبتها الصدئة ! قبل ان تدهس إحدى السيارات رأسها , ليعلق شعر ماريّا تحتها , فتقوم السيارة بسحلها فوق ساحة اللعبة التي تلوّثت بأشلائها بعد ان إصّطبغت الأرضيّة باللون الأحمر القانئ !  

وفجأة ! عادت السيارات الملوّثة بدمائها الى مكانها .. كما توقفت اللعبة الدوّراة بما تبقّى من مقاعدها المُحطّمة .. 

ثم توجّه الرجل لسور الملاهي , ليتكلّم مع المرأة العجوز التي تجلس بجانب الجدار , قائلاً لها :
- أمازلتِ تخيطين حذائها ؟ إرمه بعيداً , فنحن لا نريد أدلّة تورّطنا مع الشرطة 
- هل قُتلتا ؟
- نعم , هما الآن في الجحيم.. ونحن اقتربنا أكثر من تحقيق هدفنا
وإذّ بالعجوز تُغمض عينيها وكأنها تشاهد رؤية في خيالها .. ثم قالت له :
- عدّ الى الملاهي , فأنا استشعر حافلة سوّاح تقترب من هنا 
الرجل : إذاً قومي بسحرك واحضريهم اليّ , فالألعاب متحمّسة للمزيد من الدماء .. 
***

في المساء حضر مجموعة من السوّاح .. وقبل وصولهم الى الشاطىء , تعطلّت حافلتهم قرب مفرق الزقاق المظلم ..
وحين نزلوا لرؤية المشكلة , لاحظ بعضهم النور الخافت في الداخل ..
صبية : هل ذلك ضوء شمعة ؟
شاب : ربما , سأدخل وأرى
صديقته بقلق : لا تفعل , ربما تجمّعت هناك بعض الكلاب الضالّة المسعورة
فقال الشاب ساخراً : وهل خافوا من الظلام , فأضاءوا شمعة ؟
- لم أقصد ذلك !
- سأذهب وأرى , لحين إصلاح عطل الحافلة

وما ان دخل الشاب .. حتى رأى المرأة العجوز بهيئة مُشرّدة , تجلس بجانب النِعال المطاطيّة , والتي قالت له :
- نادي أصدقائك كيّ يشتروا مني بعض النِعال المناسبة للشاطىء
- أظننا جميعاً لدينا مثلها في حقائبنا يا خالة
فقالت بثقة : لا أعتقد ذلك 
الشاب : بلى , حتى انظري
لكن حين فتّش حقيبة ظهره , لم يجد فيها نعاله !
- غريب ! أحلف انني وضعتها في كيسٍ بجوار منشفتي 

وهنا سمع صديقه يقول قرب الحافلة : 
- هل رأى أحدكم نعالي البرتقاليّ ؟!! 
صديقته باستغراب : انا ايضاً لا أجد حذائي الجلديّ 
- وانا
سائق الحافلة بضيق : ومن الذي سرقها من حقائبنا ؟!
فنادتهم العجوز من الداخل : 
- تعالوا يا شباب !! فأنا أبيع نعالاً ممتازة , وبسعرٍ رخيص

فاقترب منها اربعة بنات واربعة شباب .. بينما فضّل السائق مع خمسة شباب وصبيتين إكمال طريقهم نحو الشاطىء دون الإهتمام بموضوع الأحذية

واثناء تجربتهم للنِعال لاختيار ما يناسبهم ..
سألتهم العجوز : الا تخافون السباحة في الليل ؟
الشاب : لا , فنحن رياضيين وتعودنا على هذا النوع من المسابقات  

وهنا سمعوا ذاك الرجل يناديهم من فوق السور ..وحين نظروا للأعلى تفاجؤا بأنوار الملاهي الملوّنة التي كأنها ظهرت من العدم ! خاصة مع إرتفاع صوت موسيقتها الصاخبة الترفيهية
- تعالوا الى هنا , وجرّبوا ألعابنا المثيرة !!
الشاب : لا شكراً , علينا اللّحاق بأصدقائنا على الشاطىء
الرجل : جرّبوا لعبةً واحدة , لكن عليكم إختيارها من بين هذه البطاقات
الصبية بحماس : أنا أحب الملاهي , سأذهب اليه
صديقتها : وانا ايضاً
العجوز : يا شباب , لا تتركوا صديقاتكم يذهبنّ وحدهنّ الى هناك , هيا إلحقوا بهنّ 
الشاب : معها حق , لكن سنلعب لعبةً واحدة ثم نعود الى الشاطىء
وبعد ذهابهم ..تمّتمت العجوز بخبث : هذا ان عدّتم اصلاً

وحين وصلوا اليه , لاحظوا خلوّ الملاهي من الزوّار .. فأسرع الرجل قائلاً : 
- انتم اول الواصلين ..لا تقلقوا , سيمتلأ بعد قليل بهواة الملاهي أمثالكم 
ثم اختار كل واحداً منهم بطاقته.. 
وكان نصيب الشابين : مطرقة الموت
ونصيب الصبايا الأربعة : قطار الرعب
اما الشابين الآخرين , فظهرت لهم بطاقة : رحلة الذهاب بلا عودة 
***

لعبة المطرقة 

وتحرّكت لعبة مطرقة الموت اولاً , وكانت أشبه بالمقصّ ..حيث ركب كل شاب في مركبةٍ لوحده , وبدآ يتحرّكان بشكلٍ معاكس
***

بيت الأشباح


ثم وضع عامل الملاهي الفتيات الأربعة في قطار الرعب (بيت الأشباح) , ولم يتركهنّ قبل تأكّده من عبورهنّ بوّابة اللعبة المظلمة 
***

الكرة القاذفة


ثم توجّه مع الشابين نحو الكرة القاذفة .. وجلسا داخلها وهي تُشدّ للأسفل بحبالٍ مطاطّية , قبل قذفهما للسماء .. 
وحين وصلا لأدنى نقطة , كانا في قمّة الحماس للإنطلاق.. 
فقال لهم عامل الملاهي بابتسامةٍ خبيثة :
- سلّموا لنا على سكّان المريخ.. 1 , 2 , 3 .. إنطلاق !!!

وانطلقا بسرعة البرق الى فوق , لمستوى أعلى بكثير ممّا توقعا ! دون ان يُدركا بأن الحبلين المطاطيّن إنفلتا فور انطلاقهما , ليُكملا طريقهما نحو السماء , قبل ان يسقطا بقوةٍ عن الأرض ويلقيا حتفهما .. الغريب ان لا أحد من اصدقائهم سمعوا صوت الإرتطام , الأشبه بالإنفجار الضخم ! حيث تابعت الفتيات طريقهنّ ضمن دهاليز النفق المظلم , المليء بالتماثيل المضيئة المخيفة 
فقالت إحداهنّ بسخرية : 
- ياله من قطارٍ مملّ , فتماثيله لا تخيف حتى الصغار
صديقتها في مركبةٍ خلفها : معك حق , أضعنا وقتنا بهذه اللعبة السخيفة
الفتاة الثالثة : ولما التذمّر ؟ الا يكفي ان صاحب الملاهي لم يأخذ منّا ثمن التذكرة 
الصبية الرابعة خلفهنّ : هو لم يقلّ ذلك , هو قال : الدفع بعد التجربة 
الفتاة الأولى بضيق : مهما يكن , فمازالت اللعبة مملّة .. ليتني جرّبت لعبة الكرة القاذفة , فالطيران الى السماء أكثر حماسةً

وهنا ظهر صوت عامل الملاهي من مكبّر الصوت , ليتردّد صداه داخل النفق المظلم :
- ربما ترون اللعبة تافهة لأنكنّ سويّاً , لكن حتماً سترتعبون بعد تجربتها فُرادى 

وفجأة ! إنقسمت المركبات .. لتذهب كل صبية في دهليزٍ مظلمٍ لوحدها ..وهنا فقط شعرنّ ببعض الخوف
كان كل دهليز مُضاء بلونٍ مُغاير : أحمر , أصفر , أزرق , أخضر

الفتاة التي دخلت الدهليز الأحمر : تفاجأت بتمثالٍ ضخم مُعلقٌ فوقها يحمل بيده فأساً طويلاً , والذي سقط بقوّة على يديها اللتان تمسكان بالعربة , لتقطعهما بالحال ! 
فصرخت بعلوّ صوتها من الألم وهي ترى الدماء تخرج من يديها.. وأرادت الخروج فوراً من العربة , لكن التمثال عاجلها بضربةٍ ثانية من فأسه , أطاحت برأسها فوق سكّة العربات !

اما الفتاة التي دخلت الدهليز الأصفر : فقد فُتح بابٌ امامها , فيه نارٌ تشتعل من كل جهة , وكأنها تُشوى داخل فرن ! 
فخرجت من العربة باتجاه الباب الذي أُغلف خلفها والذي لم يُفتح بأيّةِ طريقة , وصارت تطرق عليه بكلتا يديها وهي تصرخ لصديقاتها بألم , لكن لم يسمعها أحد وكأنها داخل غرفة عازلة للصوت ! 
وما هي الا لحظات ..حتى أمسكت النار بملابسها , وصارت تتلوّى على الأرض , مُحاولةً إطفاء نفسها دون جدوى .. ثم توقفت عن الحراك , لتتحوّل الى جثةٍ مُتفحّمة ! 

اما صديقتها التي دخلت الدهليز الأزرق : فقد تحرّكت العربة فوق بركةٍ متوحّلة ذات رائحةٍ كريهة , فأغلقت أنفها مُشمئزّة من المكان .. وإذّ بالعربة تنقلب بها .. فانحشرت بداخلها ووجهها عالق تحت المياة الراكدة العفنة .. ولم تستطع فكّ حزام الأمان ليدخل الوحل في أنفها وفمها , وتموت مُختنقة ! 

اما الفتاة الأخيرة في الدهليز الأخضر : فقد كانت مُنبهرة بالغابة المُصغّرة من أشجارٍ وزهور داخل ذلك الدهليز ! واثناء انشغالها بالمنظر البديع إذّ بها تتفاجىء بوابلٍ من الحجارة تُرمى عليها من كل صوب بواسطة قرود تعيش أعلى الأشجار .. والأسوء ان المركبة توقفت عن الحركة , لتهجم عليها قرود (البابون) من النوع الكلاّبي التي يبدو انها حُبست لشهور في الدهليز دون طعام , لتقوم بنهش لحمها بوحشيّة .. دون ان يسمع أحد صرخاتها المؤلمة المتواصلة !!! الى ان عضّ قائد القطيع رقبتها بعنف , ففارقت الحياة !
***

اما الشابان اللذان ركبا لعبة المقصّ : فقد أصابهما الغثيان من كثرة الدوران , وصرخا لعامل الملاهي مُطالبين بإيقافها فوراً .. فأشار لهم بيده من بعيد بإشارة الموافقة ..ودخل كابينة التحكّم باللعبة ليضغط على زرّ حوّل المسارين الى مسارٍ واحد ! ليتفاجئا بالمركبة متجهة بسرعة ناحية الأخرى , حيث تلاقت أعينهما الخائفة قبل ثوانيٍ من الإرتطام الهائل , لتختلط اشلائهما بركام اللعبة المدمّرة !
***

وبعد ان ساد الهدوء في الملاهي المهجورة , إقتربت العجوز من الرجل وهي تربت على كتفه :
- أحسنت بنيّ
- عشر جثث لهذا اليوم ! حصيلةٌ لا بأس بها , اليس كذلك ؟  
- نعم , بقيّ القليل لنحرّر والدك من عقاب الساحر الأعظم 
- كم أتمنى ذلك يا امي , فحلمي ان أرى ابي ولوّ لمرةٍ واحدة في حياتي
العجوز : ستفعل بنيّ لا تقلق .. والآن دعنا نوضّب هذه الفوضى قبل إنتقالنا الى مدينة أخرى , فالأهالي حتماً سيبلّغون الشرطة للبحث عن اولادهم المفقودين .. هيا بنا 

البلّورة الزجاجيّة

فأخرج الرجل بلّورة من جيبه وأعطاها لأمه التي تلت عليها تعويذةً سحريّة : تسبّبت بخروج زوبعةٍ عظيمة , قامت بسحب ألعاب الملاهي لداخلها .. لتبدو بداخل البلّورة الزجاجية : ألعاب ملاهي مُصغّرة !
وهنا همس الرجل للبلورة : إنتظرنا يا ابي , بقيّ القليل لتعود الينا.. كم اشتقنا اليك  
ثم ركب مع امه العجوز السيارة , وذهبا باتجاه منطقةٍ ساحلية أخرى .. 
***

ويبدو ان لا أحد يعرف قصة هذه العائلة الغجريّة : حين قام والد الرجل بالتأخّر على استاذه الذي يعلّمه مع عروسته الحامل أصول الشعوذة , بسبب إنشغاله بعمله في الملاهي .. فعاقبه ببقاء روحه عالقة فيها , الى ان تمتصّ تلك الآلات المهجورة دماء ألف شخصٍ بريء ! 

وهآقد مرّ ثلاثون عاماً .. كبِرَ فيها ابنه دون ان يراه .. والذي كان عليه التخطيط مع والدته للإيقاع بآخر 13 ضحيّة ستدفع دمائها ثمناً لتحرير روح والده العالقة داخل ألعاب ملاهيٍ هُجرت منذ عشرات السنين !

الخميس، 24 يناير 2019

حان الوقت

تأليف : امل شانوحة

انا عبدٌ مأمور

أثناء تواجد منال في المكتبة .. دخل رجلٌ طويل , عريض المنكبين , يلبس ثياباً سوداء , مُسدلاً فوقها رداءً من الصوف الأسود , مُغبرّةٌ أطرافه وكأنه عافر الصحراء قبل وصوله الى قريتهم !

واثناء انشغال صاحب المكتبة بإحضار كتابٍ للصبية (17 سنة) من علّية المحل , سألها الرجل :
- أين أجد أحمد صاحب محل الأثريات ؟
- أتقصد الحاج أحمد أمين ؟
- نعم 
منال : تجد محلّه في الشارع الخلفيّ 
- اريد عنوان منزله ؟
- هو جارنا .. يمكنك انتظاري قليلاً , لنذهب معاً الى هناك
فقال بحزمٍ ولؤم : انا مستعجل , إخبريني العنوان الآن
- حسناً .. هو بآخر الشارع , بجوار المبنى المُهدّم .. هل انت صديقه؟
لكنه خرج من المحل دون ان يُجيبها , فقالت بصوتٍ مسموع :
- لا شكر على واجب !!

وتبعته للخارج , لتتأكّد من أنه سمعها بعد ان ضايقها بجلافة طبعه ..لكنها لم تجده على يمين المحل ولا يساره , مع ان الطريقين يمتدّان على طول النظر ولا شيء يحجب الرؤية من منازلٍ وأشجار .. فأين إختفى فجأة ؟ فهي لم تسمع صوت محرّك سيارته او دراجته الناريّة !

وكان صاحب المحل قد سمعها تتحدّث مع أحدهم , فسألها بعد ان عاد من المخزن :
- مع من كنتِ تتكلمين يا ابنتي ؟
- رجلٌ غريب لم أره في قريتنا من قبل , يبدو ان لديه تحفةً أثريّة يريد بيعها لجارنا أحمد .. وليتك رأيته يا عمّ , فمنظره أقرب للبدويّ القادم من العصور القديمة .. المهم الآن , هل وجدّت الكتاب الذي أريده ؟
- نعم هاهو , تفضلي
***

وقبل ان تصل منال الى بيتها .. مرّت بجانب منزل جارها احمد , لتسمع صرخات زوجته وبناته ! 
وعلى الفور !! تجمّعت الناس , لينتشر خبر وفاته بنوبةٍ قلبية !
***

وبعد دفنه عصراً ..ذهبت منال مع امها لتقديم واجب العزاء .. فقالت لإبنته (التي هي في مثل عمرها) :
- كان وجهه نحساً عليكم
ابنه الميت : من تقصدين ؟!
- الرجل ذوّ الملابس السوداء والشعر الطويل والنظرات المرعبة .. هو أراد زيارة والدك , وانا أعطيته العنوان 
- لكن والدي توفي اثناء نومه , ولم يزرنا أحد هذا اليوم
منال باستغراب : غريب ! ربما لم يعرف الوصول اليكم , مع إني دللّته جيداً 
***

مرّت الأسابيع , وتناست منال أمر الرجل المريب .. الى ان جاء اليوم الذي ذهبت فيه الى مطعمٍ شعبي لتناول الفول بعد عودتها من المدرسة .. 

وأثناء تناولها الطعام .. إذّ بها تراه يدخل المطعم ويجلس على آخر طاولة , وهو ينظر اليها مباشرةً بنظراتٍ مخيفة , وكأن شعاعاً يخرج من عينيه السوداء المكحولة ! 

وبقيّ على هذه الحال ربع ساعة , لم يفعل شيء سوى النظر الى ساعته من وقتٍ لآخر وكأنه ينتظر أحداً .. 
كما لاحظت بأن النادل لم يقترب منه لأخذ طلباته , رغم انه فعل ذلك مع الآخرين الذين قدموا بعده ! 

وحين إقترب منها النادل لأخذ الصحن , أرادت تنبيهه على الزبون الغامض .. فقالت له : 
- انت لم تأخذ بعد طلبات ذلك ..
وقبل ان تُشير له , رأت الرجل من بعيد يضع إصبعه على فمه , وكأنه يأمرها بالسكوت !

فانعقد لسانها , بينما قال لها النادل : 
- طلبات من التي لم آخذها يا آنسة ! فالجميع يأكل طعامه كما ترين 
منال بإرتباك : آسفة لا شيء .. اريد الحساب لوّ سمحت
النادل : حالاً 

بهذه اللحظات .. دخل شاب الى المطعم , وجلس على نفس طاولة ذلك الرجل .. وأخذ قائمة الطعام لاختيار طبقه , مُتجاهلاً وجود رجلٍ في المقعد المواجه له , وكأنه لا يراه ! 

وماهي الا دقائق ..حتى وقف الرجل , مارّاً بجانب الشاب (الذي كان يتناول بعض حبّات الفستق من صحن الضيافة الموجود على الطاولة) وربَت على كتفه .. ثم أكمل طريقه .. 
وقبل خروج الرجل من المحل , غمَز لمنال بإبتسامةٍ أرعبتها وجعلتها تُسرع في دفع الحساب .. 

وبينما كانت تلبس معطفها للخروج , إذّ بالشاب يختنق بحبة الفستق ! ليسمع الكلّ صوت حشرجته المُقلقة .. فأسرعوا نحوه محاولين إنقاذه , بعد ان احمرّ وجهه بشكلٍ مخيف ..وحاولوا الضغط على معدته والضرب على ظهره لإخراجها .. لكن دون جدوى , فقد انهار جسده على الأرض مع إنتفاضاتٍ متكرّرة عنيفة .. قبل ان يفارق الحياة !
***

ولم تجد منال نفسها الا وهي تركض بأسرع ما يمكنها للوصول الى بيتها .. وقبل ان تفتح الباب , سمعت صفيراً قادماً من حقول الذرة القريبة منهم 

وارتجفت حين رأت الرجل يخرج من الحقل متوجّهاً اليها , وهو يحمل لفافةً من الرقّ مصنوعة من جلد الماعز تُشبه الرسائل التاريخية .. 

ثم أمسك بطرفها وفتحها بعنف , ليتوقف طرفها الأخير عند قدمها .. وكان مكتوباً فيها : مئات الأسماء من الذكور والإناث ! 
وأمسك ريشته بعد ان بلّل طرفها بالمحبرة القديمة الموجودة في جيبه , وقام بشطب اسمٍ من لائحته , وهو يقول بصوتٍ مسموع :
- سأمحي اسم الشاب الذي مات في المحل 

فقالت والقشعريرة تسري في جسدها : وكيف عرفت انه مات بعد خروجك من هناك ؟!
الرجل : لأن وقته حان , تماماً كبقيّة هؤلاء الأسماء .. وهذه اللائحة الطويلة تتغير كل يومين .. ارأيتي كم عملي ممتع ؟ 
فاستجمعت قواها وسألته : من انت ايها الغريب ؟ وماذا تريد من اهل قريتي ؟!
- ستعرفين لاحقاً .. إخبريني الآن ..هل هذا منزل السيد فؤاد مالك ؟
فسألته بقلق : وماذا تريد من ابي ؟!
- وهآقد عرفنا العنوان .. يا عزيزتي انا لا يهمّني والدك ولا أيّ شخصٍ آخر .. كل ما هناك ان إسم والدك على لائحتي .. وكذلك زوجته , التي هي امك ..وأيضاً اخوك الأصغر .. جميعهم مكتوبين عندي بنفس التاريخ , الذي يُصادف يوم الغد.. 
فصرخت بخوف : ماذا تريد من عائلتي ؟ ..هيا تكلّم !!!
- إهدأي , وستعرفين الإجابة قريباً  

وعاد للتصفير , الى ان إختفى بين سنابل الذرة في الحقول !
*** 

وأسرعت منال الى داخل بيتها لتخبر عائلتها بما حصل , لكنها وجدت رسالة من امها فوق سريرها تُخبرها : بأنهم ذهبوا للقرية الثانية لزيارة جدتها المريضة , وسيعودون غداً 

فأرادت الإتصال بهم .. لكن وجدت هاتف جدتها مفصولاً , ولا يوجد معهم الا جوال والدها ..وحين اتصلت عليه .. سمعت نغماته قادمة من الصالة , فعرفت انه نسيه في المنزل ! 
فشعرت بالضيق والقلق لرغبتها بتحذيرهم من عدم العودة غداً , خوفاً عليهم من ذلك الرجل المخيف ..

وبقيت مستيقظة طوال الليل بسبب الكوابيس المتتابعة التي رأتها .. واستيقظت في الفجر مُتعبة ..وشربت كوباً كبيراً من القهوة كيّ تبقى مستيقظة لحين عودتهم .. 
***

وحين وصلت عائلتها ظهراً , وجدوها نائمة على كنبة الصالة ..
فقال الأب : يبدو انها استغلّت غيابنا وسهرت طوال الليل على التلفاز
فاقترب اخوها الصغير لإيقاظها , لكن امه أبعدته قائلة : 
- دعّ أختك نائمة , سأوقظها بعد تسخين طعام عمتك 
***

بعد ساعة , إستيقظت منال وهي تسعل بقوة .. وأول ما لاحظته هو انتشار رائحة الغاز في ارجاء المنزل ..

فأسرعت مرتعبة الى المطبخ لإغلاق الأنبوبة وفتح النوافذ ..
وحين دخلت غرفة اهلها .. وجدت امها واقعة فوق سجادة الصلاة دون حِراك , ووالدها مُزرقّ الوجه في سريره .. ولم تستطع إيقاظهما بأيّةِ وسيلة ! 

فأسرعت باكية الى غرفة أخيها لتجده مُرتمي فوق لعبته الإلكترونية , وكان واضحاً بأنه فارق الحياة من فمه وعينيه المفتوحتين 
فصرخت بعلوّ صوتها : لاااا !!!!
- شششش !! 
سمعت هذا الصوت قادماً من خلفها ! 

فوجدت ذلك الرجل واقفاً عند باب الغرفة .. 
منال بدهشة ورعب : كيف دخلت الى هنا ؟! 
فأجابها بثقةٍ وغرور : انا استطيع دخول أيّ مكانٍ أريده 
منال بغضب : هل أنت من فتحت الغاز , وقتلتهم جميعاً ؟!!
- لا , امك تركت عين الغاز مفتوحة بعد انتهائها من الطبخ ..واكتفيت بمراقبة الحدث .. فأنا بالنهاية عبدٌ مأمور
- من انت يا هذا ؟!!
- أمعقول انك لم تعرفينني حتى الآن ! .. انا عزرائيل

فتراجعت منال خطواتٍ الى خلف , وقلبها يرتجف بقوة ..فقال لها :
- لا تخافي .. دورك لم يحنّ بعد
وأدار ظهره , راغباً في الرحيل .. فصرخت قائلةً :
- توقف !!!
- ماذا تريدين الآن ؟
- اريدك ان تأخذ روحي معهم , فأنا لا استطيع العيش دونهم 
فقال بجدية : قلت لك .. لم يحنّ وقتك بعد !! الا تفهمين ؟

وخرج باتجاه الصالة , فلحقته بعد ان أخذت ولاّعة والدها من فوق الطاولة وهي تقول : 
- إسمع !! ان لم تأخذني معك , سأفجّر المنزل 
- لكن الغاز خفّ كثيراً بعد فتحك للنوافذ

فركضت باتجاه المطبخ ..ولحقها ليرى بأنها فتحت أنبوبة الغاز من جديد , وهي تمسك الولاّعة بيدها , قائلةً بعد ان مسحت دموعها :
- سأحرق نفسي لتأخذني اليهم 
- لا استطيع منعك , فالقرار قرارك .. لكني لا أنصحك بذلك , ومن الأفضل ان ترضين بقضاء الله وتبدأين بتحضيرات العزاء لأنه..
وقبل ان يُكمل كلامه , أشعلت الولاّعة ..

وبثوانيٍ أحرقت النار ملابسها , وشعرت منال بألمٍ فظيع .. 
وسمع الجيران صرخاتها , وركضوا اليها مُحاولين كسر الباب ..

لكن حين فتحت عيناها , رأت نفسها تقف قرب عزرائيل وهي تشاهدهم من بعيد وهم يحاولون اطفاء جسدها المحترق , بعد سقطوها على الأرض كجثةٍ هامدة
فقال لها عزرائيل : هاتي يدك , سآخذك الى السماء
*** 

وفي غمضة عين .. كانت تحلّق معه في الفضاء , وهي ترى كوكب الأرض وقد أصبح صغيراً تحت أقدامها .. 
وحين نظرت الى فوق : شاهدت روح امها ووالدها وأخوها تطفوا هناك
فصرخت لهم بارتياح :
- هآ انا قادمة , إنتظروني !!!
لكنها لاحظت نظراتهم الحزينة والمقهورة , وكأنها خيّبت أملهم !

وفجأة ! رأت ملاكاً ناصع البياض يُرفّرف نحوهم , ليحيطهم بجناحيه ..ويصعد بهم الى السماء العليا .. 
بينما توقفت مع عزرائيل عن الحركة , فقالت له : 
- دعنا نستعجل لنلحق بهم !!

لكنه لم يُجبها , بل أطلق صفّارتين تردّد صداهما في الفضاء الواسع .. ليظهر من العدم ملاكٌ اسود مخيف ! إقترب ناحيتها , وبدأ بوضع الأغلال في يديها ورجليها..
منال بخوف : ماذا تفعل ؟! .. عزرائيل , لما يُقيّدني هكذا ؟ 
فأجابها : أهلك ماتوا موتة ربهم , فذهبوا شهداء الى الجنة ..لكنك انتحرتي , لذلك سيرافقك الملك الى جهنم
منال بدهشة وخوف : ماذا قلت ! لا , لا اريد !!

وإذّ بالملك الأسود يسحبها بسرعة البرق نحو الأرض مُجدداً , لترى من فوق حقول الذرة التابعة لقريتها , فظنّت انه سيُعيدها الى بيتها .. لكنه أنزلها اسفل التربة , وصولاً الى الأرض السابعة .. وبدأت تشعر بالحرارة تزداد تصاعديّاً , الى ان بدأ جلدها يتفسّخ عن عظمها ! 

لكن صراخها إختلط مع آلاف الصرخات لأناسٍ تحترق هناك في بحيرةٍ من الحممّ البركانية بعد ان رماها الملك بينهم , ليذوب جلدها في ثوانيٍ .. لكنه عاد وتبدّل بجلدٍ جديد , ليعود ويتفسّخ مرةً أخرى 

وستبقى على هذه الحال لسنوات وربما قرون , الى ان يرحمها الله برحمته! 

الاثنين، 21 يناير 2019

المصعد المسكون !

تأليف : امل شانوحة

الطابق المهجور

صعدت الطبيبة الجديدة جوليان (ذات الشعر الأحمر) الى الطابق الخامس في المستشفى للكشف على طفلٍ وُلد حديثاً ..الا ان المصعد علِق عند الطابق الثالث الذي تمّ إقفاله من قِبل الإدارة بعد إنتشار إشاعة عن روح مريضٍ بدين إحترق حتى الموت اثناء تخديره في غرفة العمليات عند إجرائه عملية تصغير معدة , إِثر إنفجار أنبوبة أكسجين في الغرفة المجاورة ممّا أدّى الى هروب الأطباء وتركه عاجزاً عن الحركة في مواجهة مصيره المشؤوم .. حيث وقفوا عاجزين عن مساعدته , وهم يستمعون الى صرخاته المؤلمة التي استمرت قرابة ساعة !

وبعد شهرين من ترميم الطابق .. بدأ المرضى والأطباء وحتى الزوّار يشعرون بروحهِ الغاضبة تجول في أرّوقة الطابق الثالث محاولةً إفزاعهم , ممّا أرغم الإدارة على إقفاله .. حتى ان السلالم المُوصلة اليه تمّ إقفال أبوابها بالسلاسل من الخارج , ليعمّ الغموض والظلام عنابر الطابق طوال السنوات الماضية

وهذا ما جعل الطبيبة جوليان تشعر بالخوف بعد توقف مصعدها هناك , فهي سمعت بالإشاعة في أول اسبوعٍ لها بالمستشفى .. وازداد رعبها بعد إنفتاح باب المصعد امام ممرّه الطويل المظلم ..
ومن شدّة خوفها إنعقد لسانها فلم تستطع الصراخ , واكتفت بالضغط المتواصل بهستيريا على الأزرار لإعادة تشغيله.. 

في هذه الأثناء ..شعرت بخطواتٍ مُتثاقلة تمشي في العنبر المواجه لها.. ثم أحسّت بنفحةِ ريحٍ باردة تحوم حولها , وكأن شيئاً غامضاً إقتحم مصعدها !
ثم سمعت صوت رجلٍ مبحوح يهمس مباشرةً في أذنها , قائلاً :
- اهلاً ماغي

وبهذه اللحظة .. رنّ جهازها (الذي على خاصرتها) يستعجلونها لفحص ذلك الطفل ..ويبدو ان صوت الرنين أرعبت الروح التي خرجت سريعاً من المصعد , ليعاود صعوده الى فوق !

وما ان انفتح باب المصعد على الطابق الخامس , حتى خرجت منه الطبيبة مسرعةً , لترتمي بين أحضان ممرّضة تمرّ من هناك , وجسمها يرتجف بقوة !

وماهي الا ساعاتٍ قليلة حتى انتشرت الحادثة بين الأطباء والإدارين الذين طالبوا موظفيهم بعدم إخبار المرضى بما حصل , حفاظاً على سمعة المستشفى .. مع إدراكهم بأن الأمر بات خطيراً!
***

الأسوء هو ما حصل لاحقاً .. حيث تعرّضت جوليان لسلسلة من الكوابيس حرمتها من النوم لأيامٍ عديدة , وكانت تشاهد دائماً : ((رجلٌ بدين يحترق وهو يلاحقها على طول العنبر المظلم لذلك الطابق , منادياً إيّاها بإسم ماغي !))
***

في عطلة الإسبوع ..ذهبت جوليان لزيارة أهلها .. وما ان فتحت امها الباب حتى إتسعت عيناها وقد لاح فيهما الهلع والفزع , صارخةً :
- جوليان ! نار !!!!

وصارت تضربها بكِلتا يديها وكأنها تحاول إطفاء شيءٍ علِق في ملابس ابنتها التي أوقفتها باستغراب :
- امي ما بكِ ؟! انا بخير , الا ترين ؟
ولم تهدأ الأم الا بعد تفحّص ملابس ابنتها من الأمام والخلف , ثم قالت وهي تنهج بإنفاسٍ متقطّعة :
- أحلف انني رأيتك تحترقين امامي !

ورغم ان ما قالته امها يُشابه إحدى كوابيسها , لكنها اصطنعت الإبتسامة مخفيةً خوفها , وقالت مُمازحة :
- هل مازال والدي يصرّ عليك لمشاهدة أفلام الرعب معه ؟ انا بخير , فهل ستدخليني المنزل ام أبقى عند الباب ؟
- آسفة يا ابنتي , فما رأيته أربكني فعلاً.. هيا ادخلي , فوالدك بانتظارك

وفي المساء ..عادت جوليان الى شقتها القريبة من المستشفى , وهي مازالت مرتعبة ممّا رأته امها !
***

ومرّ الشهر الثاني بسلام بعد امتناع جوليان عن إستخدام مصاعد المستشفى , رغم محاولة اصدقائها إقناعها بأن ما حصل معها لن يتكرّر ثانيةً بعد ان قام الكهربائي بإلغاء الطابق الثالث من الذاكرة الإلكترونيّة بكافة أجهزة المصاعد , لكنها مع هذا ظلّت تستخدم الأدراج .. فهي المسؤولة عن علاج الأطفال في الطابق الأخير (5) , لكنهم احياناً يستدعونها للطابق الأرضي حين وصول نساءٌ حوامل على وشك ولادةٍ مستعجلة ..ورغم ان إستخدام الأدراج أمرٌ صحيّ , الا انه أتعبها كثيراً
***

وفي إحدى الأيام .. أصرّت أم على أخذ صورة سيلفي معها قبل خروجها من المستشفى , بعد ان أنقذتها جوليان من ولادةٍ متعسّرة ..وارسلت لها نسخة على جوالها
***

وعصراً .. ذهبت الطبيبة جوليان الى غرفة استراحة الأطباء في المستشفى ..وهناك أرادت مشاهدة الصورة .. وحينها سقط الجوّال من يدها , بعد ان رأت شيئاً أفزعها !  
فاقتربت منها زميلتها ورفعت الجوّال ..وحين رأت الصورة , سألتها :
- من هذا الرجل البدين الذي يقف خلفكما ؟
جوليان بقلق : هذا هو المخيف بالأمر , فلم يكن هناك سوانا بالغرفة ..حتى ان زوجها لم يكن وصل بعد ! فمن أين ظهر لنا هذا فجأة ؟!
زميلتها : وكأن شكله ليس غريباً عليّ !

وهنا دخل طبيبٌ عجوز الغرفة .. فأخذت صديقتها الجوال لتُريه الصورة وهي تسأله : 
- دكتور اريك .. انت أقدم طبيبٌ هنا , فهل تعرف هذا الشخص ؟

وما ان رآه , حتى تراجع خطوتين للخلف برعب ! 
وأسرع ناحية خزانة الأرشيف المتواجدة بالغرفة , وأخذ يبحث بين ملفّاتها , مُتجاهلاً اسئلة الطبيبتين
وبعد ان أخرج ملفاً معيناً , فتحه على صورة المريض قائلاً :
- كنت متأكداً انه هو .. هذا شون ! البدين الذي مات محترقاً قبل عشر سنوات 

واقتربتا منه لرؤية صورته التي ظهرت ايضاً في جوّال جوليان التي قالت بفزع :
- ولما روحه تلاحقني ؟! فأنا لم أكن متواجدة معكم اثناء الحريق !
زميلتها : لحظة ..انتِ أخبرتنا بأنه نادكِ بإسمٍ آخر في المصعد , فماهو ؟
جوليان : ماغي ..فمن تكون ؟!

وعاد الطبيب اريك للبحث في ملف المريض , ليجد ورقةً رسمية باستلام الزوجة لجثته المتفحّمة , والموقعة بإسم ماغي
جوليان باستغراب : ولما يظنّني زوجته ؟ هل أشبهها ؟
اريك : انا مازلت أذكر تلك المرأة المتعالية , وكانت صهباء مثلك 
الطبيبة الأخرى : وكيف مازلت تذكرها بعد كل تلك السنوات ؟! 
الطبيب : لأنني كنت أمرّ بالصدفة من مشرحتنا حين رأيتها تكلّم جثته (داخل كيس البلاستيك) قائلةً بشماتة :
((هآقد ورثتك أخيراً , ايها البخيل البشع)).. وقد استفزّني كلامها الغير إنسانيّ , لذلك علقت في ذهني

جوليان : وهل تظن ان الحريق كان مفتعلاً ؟
الطبيب : لا أظن , فالمحقّق أخبرنا بأن ماسّاً كهربائياً تفاعل مع تسرّب للأكسجين مما أدّى للإنفجار .. المشكلة ان ظهوره في الصورة معك , أخافني بحقّ !
جوليان بقلق : ولماذا ؟
الطبيب بفزع : لأنني كنت من ضمن الثلاثة أطباء الذين أجروا له العملية , وجميعنا هربنا وتركناه يحترق لوحده .. وزميلي مات منذ 8 سنوات بحادث سيارة .. وطبيب التخدير أُصيب بشللٍ رباعيّ بعد سقوطه عن فرسه قبل عامين ..وأخاف ان أكون ضحيته التالية!
الطبيبة الثانية : كان الأولى به ان يتخلّص من زوجته التي أجبرته على عملية التجميل التي أدّت لوفاته
اريك : ربما فعل , فنحن لا نعلم أخبارها

فأخذت جوليان الملف من يده , وبدأت تسجّل اسم الزوجة كاملاً في جوّالها
صديقتها : ماذا ستفعلين ؟
جوليان : سأسال عنها .. إن كانت مازالت حيّة , فنحن بخير .. كما اريد منك يا دكتور ان تعطيني عنوان صديقك المشلول , لعلّه يُخبرنا بشيءٍ يُفيدنا بهذا الموضوع
***

وفي نهاية الأسبوع ..ذهبت صباحاً الى منزل الطبيب المشلول الذي إستطاع بصعوبة إمساك القلم بفمه للإجابة على اسئلتها ..
والذي أخبرها : بأنه كان فارساً ماهراً.. لكن في إحدى المسابقات السنويّة للخيول وقبل قفزه , تفاجأ برجلٍ بدين يقف خلف الحاجز مباشرةً وكأنه ظهر من العدم ! ممّا أربكه , فسقط عن فرسه وارتطم ظهره بقوّة بالحاجز الحديديّ , ممّا أدّى لشلله..

جوليان : هل كان هذا الرجل ؟
وأرته جوالها الذي فيه صورة المريض (الواقف خلفها هي والأم) .. فأومأ برأسه إيجاباً

ورغم دهشته من معرفتها للشخص المجهول الذي رآه يوم الحادث ! الا انها لم تخبره بأنه شاهد روح شون الذي يبدو انه فضّل معاقبته بالعجز الذي شعر فيه بلحظاته الأخيرة في مواجهته للحريق بأطرافٍ مُخدّرة .. لذلك ترك الطبيب يُكمل بقيّة حياته مشلولاً !
***

وفي المساء .. ذهبت الى قصر الميت , ليستقبلها شابٌ يعيش هناك
وحين دخلا الصالة , سألته :
- هل انت ابن شون ؟
- لا , هو زوج امي ..وهي من كتبت القصر بإسمي بعد وفاته
جوليان : واين امك الآن ؟
فسكت الشاب وقد بان الحزن على ملامح وجهه , فسألته بقلق :
- هل هي بخير ؟

الشاب بحزن : امي توفيت قبل تسعة اعوام بحادثةٍ أليمة , حيث تركتها الكوفيرا اللعينة داخل ماكينة التسمير المتواجدة في قبو المحل , وأسرعت للمدرسة لأخذ ابنها الذي تأذّى اثناء اللعب ..وقد صادف إعطائها إجازة لموظفاتها , فلم يسمع أحد صرخاتها بعد ان علقت لساعتين في ذلك الجحيم .. وكأنها شُويت على نارٍ خفيفة !

وانهار باكياً .. ولم تستطع جوليان تهدئته , لأنها كانت ترتجف بقوة بعد  ان أدركت بأن حياتها في خطر !
*** 

بعد خروجها من القصر ..أسرعت الى أقرب محل كوافير لصبغ شعرها باللون الأسود الفاحم
وحين رأت لونه الجديد في المرآة , قالت في نفسها بضيق :
((وهآ انا لم أعد أشبه زوجتك , ايتها الروح اللعينة !!))
***

بعد ايام .. سألت عن الطبيب اريك , فأخبروها بأنه استقال من المستشفى ..ويبدو انه فزع , بعد ان أخبرته بما حصل لزوجة الشبح..
***

ومرّت الأسابيع التالية بسلام على جوليان التي إعتقدت بأن إخفائها للون شعرها الأحمر هو ما أبعد الكوابيس عنها .. 

لكن الخوف عاودها بعد معرفتها بموت الطبيب اريك اثناء نومه ..خاصةً بعد ان أخبرتها زوجته التي زارتها لتقديم العزاء , بأن آخر ما قاله قبل وفاته : ((لا تخنقني , ارجوك))
- فهل كان شون يخنقه في فراشه ؟! 
***

وفي إحدى الليالي .. وفور وصول جوليان الى المستشفى في مناوبتها المسائية , إستدعوها الى الطابق الخامس بعد ان إنحشرت حلوى في حلق طفلٍ قدِم مع والده لزيارة امه وأخيه المولود حديثاً ..ولخوفها على حياته , إضّطرت لركوب المصعد التي امتنعت عنه منذ بداية السنة !

وحصل ما كانت تخشاه , فقد توقف المصعد مجدداً عند الطابق الثالث ليفتح ابوابه امام عنبره المظلم !
وهذه المرة صرخت بعلوّ صوتها !!! لكن يبدو ان صداه لم يتردّد الا بين ارجاء الطابق المهجور , حيث لم يسمعها احد رغم طرقاتها العنيفة على جدارن المصعد ! 

وإذا بها تسمع خطواتٍ مُتثاقلة تقترب منها .. ونفحة هواءٍ باردة دخلت المصعد .. ثم سمعته يهمس في أذنها : 
- اهلاً ماغي
فصرخت والدموع على وجنتيها :
- انا لست زوجتك ماغي !! انت قتلتها قبل سنوات , الا تذكر ؟ ..لذا دعني وشأني ايها اللعين !!!!
فهمس قائلاً : كما تشائين

وسمعت وكأن حبال المصعد تنفصل عن بعضها ! فنظرت الى فوق لترى بأن الغطاء العلويّ للمصعد فُتح , ليظهر منه وجه رجلٍ بدين مُحترق يقول لها بابتسامةٍ مريبة : 
- وداعاً ماغي

ليهوى بها المصعد بقوّة الى الطابق الأرضيّ , مُحدِثاً صوت إنفجارٍ ضخم أرعب كل من في المستشفى !

وكانت هذه الحادثة سبباً في نقل المعدّات مع الأطباء والمرضى الى فرعٍ آخر , وإغلاق المبنى نهائياً ..
*** 

بعد سنوات .. آثارت إشاعة الأشباح في المستشفى المهجور حماس ثلاثة مغامرين : شابان وصبية (صادف انها صهباء ايضاً !)
وحين دخلوا اليه مساءً .. وقفوا امام المصعد المدمّر , بعد ان وجّه أحد الشابين كشّافه نحوه قائلاً :
- انظروا !! مازال هناك آثار دماءٍ داكنة .. فقد قرأت بأنهم أخرجوا اشلاء الطبيبة بصعوبة من بين حطامه !
الشاب الآخر : ليته بقيّ على حاله لكيّ نكتشف الروح المثيرة التي تسكنه

الصبية بحماس : هناك مصعداً آخر , دعونا نصعد به الى فوق
الشاب : لا أظنه يعمل حتى الآن 
الشاب الثاني وهو يضغط على زرّ المصعد المواجه للمصعد المحطّم , قائلاً :
- لنجرّب .. هاهو يعمل , كم هذا غريب ! ..هيا لنصعد اولاً الى الطابق الأخير , أظنه الدور الخامس .. ومن ثم نكتشف بقيّة الأدوار  
الشاب بقلق : لا , انا سأصعد الأدراج
فابتسم الآخر بسخرية : اذاً نحن سنسبقك الى فوق , يا جبان

وصعد الشاب والفتاة الى ان وصلا للطابق الخامس ..
وخرج الشاب اولاً , بينما كانت الفتاة مشغولة بكتابة رسالةٍ على جوالها..فناداها :
- هيا ماري , تعالي !! 
- لحظة واحدة 
وإذّ بباب المصعد يغلق لوحده , لتعلق بداخله !
فصرخت بفزع :
- شباب !! انا عالقة بالمصعد .. آه لحظة ! لقد تحرّك من جديد

لكنه نزل بها الى الطابق الثالث المشبوه , فارتجفت حين وجّهت كشّافها ناحية العنبر الطويل المظلم .. 
وحينها سمعت خطواتٍ مُتثاقلة تتجه نحوها .. ثم نسمة هواءٍ باردة لامست رقبتها .. ورجلٌ يهمس في أذنها بصوته المبحوح :
- اهلاً ماغي

وقد فزع الشابان بعد سماعهما لصرخاتها المؤلمة وهي تصارع شيئاً وحشيّ هناك , بعد ان علقت في وسط المبنى .. ليفِرّا عبر السلالم مُسرعين الى خارج المستشفى , تاركيّ صديقتهما تواجه وحدها مصيرها المشؤوم !
***

بعد وصول الشرطة .. وجدوا المصعد متوقفاً عند الطابق الأرضيّ .. ففتحوا بابه عنّوةً بأدواتهم .. ليجدوا جدرانه وقد اصطبغ بدماءٍ حديثة , ولا أثر للفتاة ! 
ولم يجرأ أحد على اقتحام الطابق الثالث للبحث عنها , رغم إصرار أهلها على استلام جثتها , او ما تبقّى من اشلائها !
***

بعد انتشار الخبر بالصحافة , أصدر محافظ المدينة قراراً بهدم المبنى المهجور ..
وتجمّعت الناس ووسائل الإعلام لنقل الحدث ..حيث صفّق الجميع بارتياح بعد ان سُويّ المبنى بالأرض , والذي أرعبهم لسنواتٍ عديدة

بعد ذهابهم ..إقتربت صبيّةٌ صهباء لأخذ صورة سيلفي امام الركام..
وحين أرادت رؤية الصورة , تفاجأت برجلٍ بدين يقف خلفها ! فقالت بامتعاض :
- من ثقيل الدم هذا الذي أفسد صورتي ؟!

وقبل ان تُعيد التصوير , وصلها إتصال من النادي يستعجلونها لتمارين السباحة , فأسرعت الى هناك
***

وعصراً , تمّ إنتشال جثتها من قاعّ المسبح ..
وكان آخر ما قالته (بشهادة الحاضرين) .. بأنها صرخت بفزع :
- البدين يُغرقني .. ساعدوني !!!
لكن لم يفهموا قصدها , لأنه لم يكن هناك رجالاً بدناء في المسبح !

ويبدو ان روح البدين شون لن تهدأ قبل قتله للصهباوات في ارجاء منطقته .. وربما في العالم أجمع .. من يدري ! 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...