الخميس، 24 يناير 2019

حان الوقت

تأليف : امل شانوحة

انا عبدٌ مأمور

أثناء تواجد منال في المكتبة .. دخل رجلٌ طويل , عريض المنكبين , يلبس ثياباً سوداء , مُسدلاً فوقها رداءً من الصوف الأسود , مُغبرّةٌ أطرافه وكأنه عافر الصحراء قبل وصوله الى قريتهم !

واثناء انشغال صاحب المكتبة بإحضار كتابٍ للصبية (17 سنة) من علّية المحل , سألها الرجل :
- أين أجد أحمد صاحب محل الأثريات ؟
- أتقصد الحاج أحمد أمين ؟
- نعم 
منال : تجد محلّه في الشارع الخلفيّ 
- اريد عنوان منزله ؟
- هو جارنا .. يمكنك انتظاري قليلاً , لنذهب معاً الى هناك
فقال بحزمٍ ولؤم : انا مستعجل , إخبريني العنوان الآن
- حسناً .. هو بآخر الشارع , بجوار المبنى المُهدّم .. هل انت صديقه؟
لكنه خرج من المحل دون ان يُجيبها , فقالت بصوتٍ مسموع :
- لا شكر على واجب !!

وتبعته للخارج , لتتأكّد من أنه سمعها بعد ان ضايقها بجلافة طبعه ..لكنها لم تجده على يمين المحل ولا يساره , مع ان الطريقين يمتدّان على طول النظر ولا شيء يحجب الرؤية من منازلٍ وأشجار .. فأين إختفى فجأة ؟ فهي لم تسمع صوت محرّك سيارته او دراجته الناريّة !

وكان صاحب المحل قد سمعها تتحدّث مع أحدهم , فسألها بعد ان عاد من المخزن :
- مع من كنتِ تتكلمين يا ابنتي ؟
- رجلٌ غريب لم أره في قريتنا من قبل , يبدو ان لديه تحفةً أثريّة يريد بيعها لجارنا أحمد .. وليتك رأيته يا عمّ , فمنظره أقرب للبدويّ القادم من العصور القديمة .. المهم الآن , هل وجدّت الكتاب الذي أريده ؟
- نعم هاهو , تفضلي
***

وقبل ان تصل منال الى بيتها .. مرّت بجانب منزل جارها احمد , لتسمع صرخات زوجته وبناته ! 
وعلى الفور !! تجمّعت الناس , لينتشر خبر وفاته بنوبةٍ قلبية !
***

وبعد دفنه عصراً ..ذهبت منال مع امها لتقديم واجب العزاء .. فقالت لإبنته (التي هي في مثل عمرها) :
- كان وجهه نحساً عليكم
ابنه الميت : من تقصدين ؟!
- الرجل ذوّ الملابس السوداء والشعر الطويل والنظرات المرعبة .. هو أراد زيارة والدك , وانا أعطيته العنوان 
- لكن والدي توفي اثناء نومه , ولم يزرنا أحد هذا اليوم
منال باستغراب : غريب ! ربما لم يعرف الوصول اليكم , مع إني دللّته جيداً 
***

مرّت الأسابيع , وتناست منال أمر الرجل المريب .. الى ان جاء اليوم الذي ذهبت فيه الى مطعمٍ شعبي لتناول الفول بعد عودتها من المدرسة .. 

وأثناء تناولها الطعام .. إذّ بها تراه يدخل المطعم ويجلس على آخر طاولة , وهو ينظر اليها مباشرةً بنظراتٍ مخيفة , وكأن شعاعاً يخرج من عينيه السوداء المكحولة ! 

وبقيّ على هذه الحال ربع ساعة , لم يفعل شيء سوى النظر الى ساعته من وقتٍ لآخر وكأنه ينتظر أحداً .. 
كما لاحظت بأن النادل لم يقترب منه لأخذ طلباته , رغم انه فعل ذلك مع الآخرين الذين قدموا بعده ! 

وحين إقترب منها النادل لأخذ الصحن , أرادت تنبيهه على الزبون الغامض .. فقالت له : 
- انت لم تأخذ بعد طلبات ذلك ..
وقبل ان تُشير له , رأت الرجل من بعيد يضع إصبعه على فمه , وكأنه يأمرها بالسكوت !

فانعقد لسانها , بينما قال لها النادل : 
- طلبات من التي لم آخذها يا آنسة ! فالجميع يأكل طعامه كما ترين 
منال بإرتباك : آسفة لا شيء .. اريد الحساب لوّ سمحت
النادل : حالاً 

بهذه اللحظات .. دخل شاب الى المطعم , وجلس على نفس طاولة ذلك الرجل .. وأخذ قائمة الطعام لاختيار طبقه , مُتجاهلاً وجود رجلٍ في المقعد المواجه له , وكأنه لا يراه ! 

وماهي الا دقائق ..حتى وقف الرجل , مارّاً بجانب الشاب (الذي كان يتناول بعض حبّات الفستق من صحن الضيافة الموجود على الطاولة) وربَت على كتفه .. ثم أكمل طريقه .. 
وقبل خروج الرجل من المحل , غمَز لمنال بإبتسامةٍ أرعبتها وجعلتها تُسرع في دفع الحساب .. 

وبينما كانت تلبس معطفها للخروج , إذّ بالشاب يختنق بحبة الفستق ! ليسمع الكلّ صوت حشرجته المُقلقة .. فأسرعوا نحوه محاولين إنقاذه , بعد ان احمرّ وجهه بشكلٍ مخيف ..وحاولوا الضغط على معدته والضرب على ظهره لإخراجها .. لكن دون جدوى , فقد انهار جسده على الأرض مع إنتفاضاتٍ متكرّرة عنيفة .. قبل ان يفارق الحياة !
***

ولم تجد منال نفسها الا وهي تركض بأسرع ما يمكنها للوصول الى بيتها .. وقبل ان تفتح الباب , سمعت صفيراً قادماً من حقول الذرة القريبة منهم 

وارتجفت حين رأت الرجل يخرج من الحقل متوجّهاً اليها , وهو يحمل لفافةً من الرقّ مصنوعة من جلد الماعز تُشبه الرسائل التاريخية .. 

ثم أمسك بطرفها وفتحها بعنف , ليتوقف طرفها الأخير عند قدمها .. وكان مكتوباً فيها : مئات الأسماء من الذكور والإناث ! 
وأمسك ريشته بعد ان بلّل طرفها بالمحبرة القديمة الموجودة في جيبه , وقام بشطب اسمٍ من لائحته , وهو يقول بصوتٍ مسموع :
- سأمحي اسم الشاب الذي مات في المحل 

فقالت والقشعريرة تسري في جسدها : وكيف عرفت انه مات بعد خروجك من هناك ؟!
الرجل : لأن وقته حان , تماماً كبقيّة هؤلاء الأسماء .. وهذه اللائحة الطويلة تتغير كل يومين .. ارأيتي كم عملي ممتع ؟ 
فاستجمعت قواها وسألته : من انت ايها الغريب ؟ وماذا تريد من اهل قريتي ؟!
- ستعرفين لاحقاً .. إخبريني الآن ..هل هذا منزل السيد فؤاد مالك ؟
فسألته بقلق : وماذا تريد من ابي ؟!
- وهآقد عرفنا العنوان .. يا عزيزتي انا لا يهمّني والدك ولا أيّ شخصٍ آخر .. كل ما هناك ان إسم والدك على لائحتي .. وكذلك زوجته , التي هي امك ..وأيضاً اخوك الأصغر .. جميعهم مكتوبين عندي بنفس التاريخ , الذي يُصادف يوم الغد.. 
فصرخت بخوف : ماذا تريد من عائلتي ؟ ..هيا تكلّم !!!
- إهدأي , وستعرفين الإجابة قريباً  

وعاد للتصفير , الى ان إختفى بين سنابل الذرة في الحقول !
*** 

وأسرعت منال الى داخل بيتها لتخبر عائلتها بما حصل , لكنها وجدت رسالة من امها فوق سريرها تُخبرها : بأنهم ذهبوا للقرية الثانية لزيارة جدتها المريضة , وسيعودون غداً 

فأرادت الإتصال بهم .. لكن وجدت هاتف جدتها مفصولاً , ولا يوجد معهم الا جوال والدها ..وحين اتصلت عليه .. سمعت نغماته قادمة من الصالة , فعرفت انه نسيه في المنزل ! 
فشعرت بالضيق والقلق لرغبتها بتحذيرهم من عدم العودة غداً , خوفاً عليهم من ذلك الرجل المخيف ..

وبقيت مستيقظة طوال الليل بسبب الكوابيس المتتابعة التي رأتها .. واستيقظت في الفجر مُتعبة ..وشربت كوباً كبيراً من القهوة كيّ تبقى مستيقظة لحين عودتهم .. 
***

وحين وصلت عائلتها ظهراً , وجدوها نائمة على كنبة الصالة ..
فقال الأب : يبدو انها استغلّت غيابنا وسهرت طوال الليل على التلفاز
فاقترب اخوها الصغير لإيقاظها , لكن امه أبعدته قائلة : 
- دعّ أختك نائمة , سأوقظها بعد تسخين طعام عمتك 
***

بعد ساعة , إستيقظت منال وهي تسعل بقوة .. وأول ما لاحظته هو انتشار رائحة الغاز في ارجاء المنزل ..

فأسرعت مرتعبة الى المطبخ لإغلاق الأنبوبة وفتح النوافذ ..
وحين دخلت غرفة اهلها .. وجدت امها واقعة فوق سجادة الصلاة دون حِراك , ووالدها مُزرقّ الوجه في سريره .. ولم تستطع إيقاظهما بأيّةِ وسيلة ! 

فأسرعت باكية الى غرفة أخيها لتجده مُرتمي فوق لعبته الإلكترونية , وكان واضحاً بأنه فارق الحياة من فمه وعينيه المفتوحتين 
فصرخت بعلوّ صوتها : لاااا !!!!
- شششش !! 
سمعت هذا الصوت قادماً من خلفها ! 

فوجدت ذلك الرجل واقفاً عند باب الغرفة .. 
منال بدهشة ورعب : كيف دخلت الى هنا ؟! 
فأجابها بثقةٍ وغرور : انا استطيع دخول أيّ مكانٍ أريده 
منال بغضب : هل أنت من فتحت الغاز , وقتلتهم جميعاً ؟!!
- لا , امك تركت عين الغاز مفتوحة بعد انتهائها من الطبخ ..واكتفيت بمراقبة الحدث .. فأنا بالنهاية عبدٌ مأمور
- من انت يا هذا ؟!!
- أمعقول انك لم تعرفينني حتى الآن ! .. انا عزرائيل

فتراجعت منال خطواتٍ الى خلف , وقلبها يرتجف بقوة ..فقال لها :
- لا تخافي .. دورك لم يحنّ بعد
وأدار ظهره , راغباً في الرحيل .. فصرخت قائلةً :
- توقف !!!
- ماذا تريدين الآن ؟
- اريدك ان تأخذ روحي معهم , فأنا لا استطيع العيش دونهم 
فقال بجدية : قلت لك .. لم يحنّ وقتك بعد !! الا تفهمين ؟

وخرج باتجاه الصالة , فلحقته بعد ان أخذت ولاّعة والدها من فوق الطاولة وهي تقول : 
- إسمع !! ان لم تأخذني معك , سأفجّر المنزل 
- لكن الغاز خفّ كثيراً بعد فتحك للنوافذ

فركضت باتجاه المطبخ ..ولحقها ليرى بأنها فتحت أنبوبة الغاز من جديد , وهي تمسك الولاّعة بيدها , قائلةً بعد ان مسحت دموعها :
- سأحرق نفسي لتأخذني اليهم 
- لا استطيع منعك , فالقرار قرارك .. لكني لا أنصحك بذلك , ومن الأفضل ان ترضين بقضاء الله وتبدأين بتحضيرات العزاء لأنه..
وقبل ان يُكمل كلامه , أشعلت الولاّعة ..

وبثوانيٍ أحرقت النار ملابسها , وشعرت منال بألمٍ فظيع .. 
وسمع الجيران صرخاتها , وركضوا اليها مُحاولين كسر الباب ..

لكن حين فتحت عيناها , رأت نفسها تقف قرب عزرائيل وهي تشاهدهم من بعيد وهم يحاولون اطفاء جسدها المحترق , بعد سقطوها على الأرض كجثةٍ هامدة
فقال لها عزرائيل : هاتي يدك , سآخذك الى السماء
*** 

وفي غمضة عين .. كانت تحلّق معه في الفضاء , وهي ترى كوكب الأرض وقد أصبح صغيراً تحت أقدامها .. 
وحين نظرت الى فوق : شاهدت روح امها ووالدها وأخوها تطفوا هناك
فصرخت لهم بارتياح :
- هآ انا قادمة , إنتظروني !!!
لكنها لاحظت نظراتهم الحزينة والمقهورة , وكأنها خيّبت أملهم !

وفجأة ! رأت ملاكاً ناصع البياض يُرفّرف نحوهم , ليحيطهم بجناحيه ..ويصعد بهم الى السماء العليا .. 
بينما توقفت مع عزرائيل عن الحركة , فقالت له : 
- دعنا نستعجل لنلحق بهم !!

لكنه لم يُجبها , بل أطلق صفّارتين تردّد صداهما في الفضاء الواسع .. ليظهر من العدم ملاكٌ اسود مخيف ! إقترب ناحيتها , وبدأ بوضع الأغلال في يديها ورجليها..
منال بخوف : ماذا تفعل ؟! .. عزرائيل , لما يُقيّدني هكذا ؟ 
فأجابها : أهلك ماتوا موتة ربهم , فذهبوا شهداء الى الجنة ..لكنك انتحرتي , لذلك سيرافقك الملك الى جهنم
منال بدهشة وخوف : ماذا قلت ! لا , لا اريد !!

وإذّ بالملك الأسود يسحبها بسرعة البرق نحو الأرض مُجدداً , لترى من فوق حقول الذرة التابعة لقريتها , فظنّت انه سيُعيدها الى بيتها .. لكنه أنزلها اسفل التربة , وصولاً الى الأرض السابعة .. وبدأت تشعر بالحرارة تزداد تصاعديّاً , الى ان بدأ جلدها يتفسّخ عن عظمها ! 

لكن صراخها إختلط مع آلاف الصرخات لأناسٍ تحترق هناك في بحيرةٍ من الحممّ البركانية بعد ان رماها الملك بينهم , ليذوب جلدها في ثوانيٍ .. لكنه عاد وتبدّل بجلدٍ جديد , ليعود ويتفسّخ مرةً أخرى 

وستبقى على هذه الحال لسنوات وربما قرون , الى ان يرحمها الله برحمته! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...