الأحد، 30 ديسمبر 2018

شيطان الرحمة

تأليف : امل شانوحة

إيّاكم ان تُخلفوا وعودكم معي !! 

- الو ابي .. امي تحتضر .. (ويبكي)
- توقف عن البكاء يا آدم , واخبرني ما بها بالضبط ؟
- فشل كلوي , ونتيجة فحوصاتي ظهرت اليوم .. كليتي لم تناسبها 
- حسناً , سأحضر في اول طائرة .. إنتظراني
***

وبعد يومين .. وصل جوزيف (الأب الستيني الذي يعمل طبيباً جرّاحاً متطوّعاً في منظمة (U.N) بوسط إفريقيا) الى المستشفى التي بها طليقته السابقة , والذي لديه منها ابنٌ في العشرين من عمره قام باستقباله خارج غرفة امه ..
الأب : هل امك نائمة الآن ؟
آدم وهو يمسح دموعه : نعم , غسلوا كليتها قبل قليل .. والطبيب أخبرني بأن كليتها الثانية على وشك ان تتعطّل , وهي بحاجة لزراعة كلية جديدة في أسرع وقت 

الأب : وهل الدكتور جيم موجودٌ الآن ؟
- نعم , كنت في مكتب صديقك قبل قليل 
- حسناً .. سأطلب منه إجراء الفحوصات لي , لربما كليتي تناسبها 
- أجّلها للغد يا ابي , فأنت متعبٌ من السفر
الأب : لا وقت لدينا نضيعه 
آدم متردّداً : ابي قبل ان تذهب , هناك موضوعاً آخر  

وأخبره بأنه لم يتصل به الا بعد ضياع فرصتهم الأخيرة بجعل رجلٍ مُشرّد يتبرّع بكليته التي ناسبت كلية امه 
الأب بغضب : ولما دفعت له المال مقدّماً ؟!!
- كان هذا شرطه .. ثم ما أدراني انه سيعود في كلامه بعد أن..
الأب مقاطعاً بعصبية : بالتأكيد سيرفض !! طالما حصل على ما يريد .. هل تعرف عنوان ذلك الأحمق ؟!!
- نعم , هو يتردّد دائماً على المحطّة القريبة من عيادتك القديمة 
- عرفتها .. سأتفرّغ له لاحقاً .. الآن سأذهب للقيام بالفحوصات اللازمة , لربما لا نحتاج كليته الفاسدة 
*** 

وبعد ايام .. ظهرت نتيجة فحوصات الأب سلبية .. ولم يعد امامهم الا إقناع الرجل المشرّد بالتبرّع , ولوّ اضطروا لدفع مبلغٍ إضافيّ
***

وبعد يومين , مساءً.. دخل آدم الى غرفة امه , حيث كان والده بجانبها والذي سأله :
- هل وجدّت ذلك الحقير ؟
- نعم ابي , لكنه طالب بضعف المبلغ الذي اقترحته عليه .. وأصرّ على الدفع مُقدّماً
فقالت الأم بتعب : لا تفعل بنيّ , سيسرقنا مجدّداً
الأب بعصبية : حتماً سيفعل !! لكنه لا يدري مع من يتلاعب
طليقته بقلق : جوزيف إهدأ رجاءً
- لا تقلقي سارة , سأقنعه بطريقتي .. وانت !! إبقى بجانب امك 
ثم خرج من الغرفة وهو يشتاط غضباً ..

فسأل آدم امه :
- لما ابي يغضب دائماً من إخلاف الوعود ؟! فمازلت أذكر عقابه القاسي , حين لم اساعد صديقي بالمذاكرة كما وعدّته ! 
- هذه إحدى خصال والدك , وأظن السبب يعود لما فعلته جوزفين به
آدم باستغراب : ومن هذه ؟!
- خطيبته السابقة .. كانت وعدّت ان تنظره الى حين انتهاء عسكريته , لكنها تزوجت غيره .. ولكيّ ينتقم منها , تزوجني انا
- لم افهم !

الأم : كنت صديقتها المقرّبة , فهي ابنة جارتي .. في البداية رفضّت .. لكن حين أخبرتني بأنه لم يعدّ يُعنيها , قبلت به
- الم تتأثّر صداقتكما لاحقاً ؟
- كنت مخطوبة لوالدك حين توفيت في شهر عسلها بعد تعطّل فرامل سيارتها أثناء زيارة عائلة زوجها بالجبل .. الغريب ان والدك لم يحضر معي جنازتها وكأن الامر لا يعنيه , رغم انهما كانا حبيبين منذ المرحلة الثانوية ! 

آدم : ابي المسكين .. تطلّق والداه وهو في سن المراهقة .. وفي نفس العام ماتت جدتي ..ومن بعدها قُتل والده الذي كان مثاله الأعلى في إحدى المعارك.. ثم تطلقتما وانا صغير .. والآن تُخبريني بأن حبيبته السابقة تخلّت عنه .. فلا غرابة ان يكون قاسي القلب هكذا.. (ثم تنهّد بضيق) .. المهم , لندعّ الماضي وشأنه .. دعيني أساعدك لتنامي قليلاً وترتاحين , لحين عودة ابي بالأخبار الجيدة
- أتمنى ذلك بنيّ 
**** 

لكن ما حصل بعدها كان غريباً جداً ! فقد عاد الأب بكلية داخل برادٍ صغير مُثلّج , وطلب من صديقه إجراء العملية فوراً لطليقته
الطبيب جيم وهو ينظر الى الكلية المحفوظة بدهشة : 
- وكيف وجدّت متبرّعاً بهذه السرعة ؟!
جوزيف بجدّية : قمّ بالعملية حالاً قبل ان يفسد العضوّ , وسنتكلّم لاحقاً بالتفاصيل
- لكن هذه الأمور لا تحصل دون اوراق رسمية , والاّ سنتحاسب نحن الأثنين 
جوزيف : لا تقلق , سأتحمّل كافة المسؤولية .. فقط إسرع رجاءً , فسارة تموت كل دقيقة  
***

ورغم قلق الطبيب جيم من إجراء العملية دون إخبار إدارة المستشفى , لكنه أجراها من أجل صديق عمره جوزيف ..

ونجحت العملية .. ووُضعت سارة بالعناية المركّزة .. بينما اختفى طليقها جوزيف من البلاد ! تاركاً رسالةً صوتية لصديقه يُخبره فيها : ((بأن ذلك المشرّد يكره المستشفيات , لذلك أجرى له العمليّة في عيادته القديمة .. وهو الآن يستردّ صحته بعد حصوله على مبلغٍ كبير من المال .. وفي نهاية رسالته , وجّه كلامه لمدير المستشفى قائلاً : بأنه يتحمّل كافة المسؤولية , وبأن صديقه جيم لا دخل له بالموضوع))
***

لكن هذه الأمور لا تمرّ بهذه السهولة , لأن فيها عقوبةً قضائية .. لهذا قامت الشرطة بإصدار مذكرة تفتيش بعد ان علموا من المطار بأنه سافر الى افريقيا مباشرةً بعد تسليم الكلية لصديقه .. ممّا أحزن ابنه آدم لذهابه دون الإطمئنان على امه , او حتى وداعهما !
***

وكان شكّ سارة في محلّه حين قالت لإبنها (بعد اسبوع من خروجها من غرفة العناية) : 
- مستحيل ان يقبل ذلك المشرّد العنيد بإجراء العملية بهذه السهولة .. يبدو ان والدك قام بشيءٍ غير قانوني , لهذا هرب من البلد ! 
وقبل ان تُكمل كلامها , دخل شرطي غرفتها (في المستشفى) طالباً محادثة ابنها في الخارج ..

وقد سمعت بعضاً من حديثهما , بعد ان ترك آدم الباب مشقوقاً :
الشاب بدهشة : لا مستحيل ! ابي طبيب جرّاح أمضى جلّ عمره في الأعمال الخيرية والتطوعيّة في البلدان النامية 
الشرطي : لكننا وجدنا البارحة جثة المشرّد تطفو فوق سطح البحيرة .. وبعد التشريح عرفنا انه أُزيلت كليته 
آدم : ربما انتحر بعد تبرّعه بكليته لأمي 
- لم ينتحر , بل قُتل بإبرة هواء .. وعلى حسب قول خبيرنا : فهو قُتل مباشرةً بعد العملية
آدم بصدمة : يا الهي ! لا أصدّق ذلك

وهنا عادت بعض الذكريات السيئة الى ذهن سارة : فحماتها توفيت بعد طلاقها بأيام .. وكان جوزيف أخبرها بأنه يكرهها لأنها دائماً تخون والده بعد سفره بمهمّاتٍ عسكرية , وبسببها كره كل النساء .. حتى انه أخبرها بيوم عرسها : بأنها محظوظة لأنها لا تشبه الباقيات , والا كان تخلّص منها ايضاً ! ..فهل قتل امه بعد دفعها وهي سكرانة من فوق الدرج ؟! وهل كان هو من عطّل فرامل خطيبته السابقة قبل ذهابها الى الجبل ؟! وهل إصراره على الطلاق منها , كان لخوفه ان تخونه بعد تطوّعه مع (U.N) كما حصل مع والده ؟!

اسئلة كثيرة دارت في ذهن سارة تلك الليلة , لكنها لم تخبر ابنها او الشرطة بشكوكها في نوايا طليقها .. 
وتساءلت بخوف : 
((هل معقول انني كنت متزوجة طوال تلك السنوات من طبيبٍ مجرم , دون ان ألاحظ ذلك ؟!))
***

وقد زادت التهمة على جوزيف بعد شهادة صديقه ضدّه في المحكمة : بأنه تطوّع في (U.N) بعد طرده من ادارة المستشفى لرفضه إجراء عملية ضرورية لمريض , لأنه على حسب قوله : سيء الخُلق ولا يستحق الحياة .. كما شهد عليه : بأنه كان عصبياً جداً ويثور دون سابق انذار , ولا يمكن التنبؤ بأفعاله ..

وربما فعل الطبيب جيم ذلك كيّ يُبعد تهمة التقصير عن نفسه , بعد قيامه بعملية سارة دون اتباع قوانين المستشفى ..
***

وكانت الأدلة السابقة كافية ليُصدر القاضي الحكم على جوزيف بالسجن عشرين سنة غيابياً , فهم لم يستطيعوا معرفة عنوان عيادته بإفريقيا بعد استقالته من (U.N) والعمل بشكلٍ مستقلّ ..

لكن ما لا يعرفوه : إنه استخدم البغال والحمير في تنقّله بين القرى الأفريقية حتى لا يقبضوا عليه , خاصة بعد تزوير هويته الجديدة 

وكان آخر إتصال بإبنه , قبل يوم المحاكمة : تطمّأن فيه على شفاء طليقته .. ومن ثم ودّعه , طالباً منه الإهتمام بأمه .. وأخبره بأن عليهما إكمال حياتهما دونه !
***

وبعد سنة .. وخلال انتظار جوزيف القيام بعملية زرع كلية لطفل أفريقي , أتتّ امه باكية الى عيادته .. فسألها :
- اين المتطوّع ؟ فحالة ابنك تدهوّر كل يوم
فمسحت دموعها بقهر : اللعين !! دفن ابنه اليوم 
- أتقصدين ان والد الشاب الميت دماغياً دفنه دون ان يعطيك كليته كما وعدتك ؟
الأم بقهر : نعم , بعد ان أخذ مالي كلّه !!
- أتقصدين المال الذي رهنت به كوخك ؟
- نعم .. وبتّ الآن بلا مأوى , وإبني مازال يحتضر ..(وتبكي بقهر)

جوزيف : توقفي عن البكاء .. فأبنك لن يموت , بل سأقوم بعمليته غداً 
الأم بدهشة : وكيف دكتور ؟! 
- لأن ذلك الرجل سيتبرّع بكليته , فهي ايضاً تناسب كلية ابنك
- لا أظنه سيقبل !
الطبيب وهو يكتم غضبه : أعطني عنوانه , وانا سأحاول إقناعه بنفسي

وبعد ذهابها , تمّتمّ جوزيف بغضب : كم أكره الأشخاص الذين يخلفون بوعودهم .. لكني سأربّيه الليلة !!
*** 

وفي ذلك المساء .. إنتظر الطبيب خروج الأب الأفريقي من مجلس العزاء .. وأخذ يراقبه من بعيد بسيارته الذي وضع في مقاعدها الخلفية : براد مُثلّج صغير , وحقيبته الطبّية التي تحوي سكاكيناً وادوات جراحيّة .. 

وانتظره الى ان دخل شارعاً لا نور فيه .. فلبس جوزيف قناعه الأسود .. ونزل من السيارة , حاملاً إبرة المخدّر .. وهو يتمّتمّ بخبث :
- Show Time !!

السبت، 29 ديسمبر 2018

طعنة الظهر

تأليف : امل شانوحة


غدر الأقارب !

بعد وفاة عائلة مروى (11 سنة) بحادث سيارة , تطوّعت خالتها بتربيتها كتعويض عن خسارتها ابنتها هند التي تكبر مروى بسبع سنوات بعد ان منعها طليقها من رؤيتها , وعاملتها بحنان كما لوّ إنها إبنتها 

الى ان قام طليق الخالة بإعادة هند اليها بعد ان كثرت مشاكلها مع زوجته الجديدة .. ومن ذلك اليوم تغيّرت علاقة الخالة بمروى بعد ان فضّلت هند عليها .. فما كان من مروى الاّ ان تقبّلت حياتها الجديدة كخادمة لخالتها وإبنتها الغيورة التي احتلّت غرفتها , لتُصبح كنبة الصالة هي سرير مروى الجديد , عدا عن قيامها وحدها بكافة أعمال المنزل.. 
***

وبعد سنوات .. أصبحت مروى في المرحلة الثانوية , وهند في آخر سنة لها من الجامعة .. وكما هو متوقع , فجميع العرسان لهند التي كانت تمنع مروى من الظهور امام اهل العريس كيّ لا تسرق نصيبها (على حدّ قولها)  

وذات يوم مساءً.. وبعد ذهاب اهل خطيبها الجديد (وهو صديقها في الجامعة) جلست تبكي بقهر في غرفتها , بينما تحاول امها تهدأتها .. 

وقد سمعت مروى بعضاً من حديثهما اثناء مرورها من امام الغرفة ,  حيث كانت هند تقول بصوتٍ متهدّجٍ حزين :
- امي .. إن لم أتزوج حبيبي مروان , فسأقتل نفسي !! 
- اهدئي يا هند , فربما يتصلون بنا غداً للإتفاق على ترتيبات الزواج
هند بعصبية : لا أظن ذلك .. الم تري نظرات امه العابسة لي ؟ أنا لم أعجبها ! وهذا سادس عريس يا امي !! أخاف ان لا يكون لي نصيب في هذه الدنيا الكئيبة
- أتدرين يا هند .. (وتسكت قليلاً وكأنها تفكّر) .. إلبسي معطفك , سنذهب الى ام جهاد
- أليست هذه جارتنا المشعوذة ؟!
امها : لا هي امرأة ذات بصيرة.. وربما تساعدنا في إنقاذ الوضع قبل ان تخسري هذا العريس ايضاً

وذهبتا سريعاً الى هناك , تاركتان مروى تنظّف الصالة بعد ذهاب الضيوف ..
***

في اليوم التالي .. إستيقظت مروى على رائحة فطورٍ لذيذة أعدّته هند وامها ! مع انها بالعادة هي الموكّلة بأعمال المطبخ .. 
ثم نادتها هند بحنّيةٍ غير مسبوقة :
- مروى !! الطعام جاهزٌ في المطبح حبيبتي , تعالي لنفطر سويّةً 

وطوال ذلك اليوم ..لم يسمحا لها بالقيام بالأعمال المنزلية , بل تركاها تدرس على راحتها ! 
كما لاحظت مروى توقفهما عن الهمس كلما مرّت من امامها , وكأنهما يخطّطان لأمرٍ ما !
*** 

في ظهر اليوم التالي .. تفاجأت مروى بخالتها تنتظرها خارج المدرسة , كما كانت تفعل قديماً قبل عودة ابنتها اليها .. 
- خالتي ! كنت سأركب حافلة المدرسة
- لا داعي لذلك .. هيا إركبي
***

ومرّت ساعة وهما مازالتا في الطريق .. وانتبهت مروى بأنهما تسيران بطريقٍ مغاير عن طريق المنزل الذي لا يبعد كثيراً عن مدرستها 
- خالتي ! الى اين نذهب ؟
- الى مكانٍ جميل
- الن نعود الى المنزل ؟!
الخالة : ليس الآن .. ثم غداً يوم عطلة , فلا بأس ان نتنزّه قليلاً
- وماذا عن هند ؟
- ستتغدّى مع صديقاتها في المطعم , وستتأخّر في العودة الى المنزل 
مروى : والى اين تأخذينني ؟
- ستعرفين لاحقاً 
***

وبعد ساعةٍ أخرى .. أوقفت الخالة سيارتها في مرأب السيارت , ومشت مع ابنة اختها الى مكان تجمّع سيارات الأجرة .. وقالت لأحدهم اسم المكان الذي تريد الوصول اليه .. فرفضوا جميعاً الذهاب الى هناك .. ما عدا واحد قبِلَ لكن بضعف الأجرة ..
وركبتا معه الى تلك الوجهة المجهولة ..

وفي المقاعد الخلفية , همست مروى لخالتها :
- لما ذهبنا بالتاكسي وليس بسيارتك ؟
- لأن ذلك ممنوع 
مروى باستغراب : ممنوع ! 
- لا تكثري الأسئلة يا مروى , ستعرفين كل شيء بعد قليل 

وعمّ الصمت داخل التاكسي .. وقد لاحظت مروى إرتباك السائق كلما اقتربوا من ذلك المكان !
*** 

ثم وصلوا قرب بوابةٍ حديدية صدئة , لمجمّعٍ سكني يبدو وكأنه مهجور ! وهناك توقف السائق قائلاً :
- أعطني يا سيدة أجرتي , فمحال ان أدخل الى هناك 
فأعطته الأجرة ونزلتا , ليُسرع السائق بالإبتعاد وهو يتنفّس الصعداء !

من بعدها.. طرقت الخالة الباب ثلاث طرقات بطريقةٍ مميزة .. ففتحت الباب امرأةٍ عجوز وهي تسألها :
- عملٌ ام إستشارة ؟
الخالة : بل عملٌ مستعجل

فسمحت لهما الدخول .. لتلاحظ مروى على الفور تغير الجوّ في الداخل ! حيث كانت السماء مُصّفرة وغائمة بشكلٍ كئيب .. وأحسّت بزوبعة هواءٍ خفيفة تُثير الأكياس واوراق النفايات المترامية هنا وهناك .. وكان امامهما ساحةٍ كبيرة خالية من السيارات والبشر , بينما تجمّعت ثلاث كلاب ضخمة في إحدى الجنبات .. وقططٌ سوداء في الجهة الأخرى , أسفل إحدى المباني الخمسة الضخمة المهجورة !

وقبل ان تستوعب مروى ما تراه ! إذّ بمجموعة من النساء تخرجنّ من إحدى المباني وهنّ تلبسنّ العباءات السوداء , ببراقعٍ بيضاء تُخفي وجوههنّ .. وكنّ يمشين سويّاً كالبطاريق بشكلٍ متناسق , وترددنّ تراتيلاً بلحنٍ مخيف وبلغةٍ غير مفهومة .. تتقدّمهنّ عجوز تلبس برقعاً ذهبياً وتتوكّأ على عصاها , بيدها بخور يخرج منه دخاناً اسوداً كريه الرائحة ! 

وظلّت مروى تراقبهنّ حتى خرجنّ من البوابة , ثم أقفلت الحارسة العجوز الباب خلفهنّ .. 

وإذا برجلٍ بساقٍ خشبية ينادي على خالتها من إحدى المباني المهجورة , قائلاً :
- الآن جاء دوركما !!

لكن قبل ان تدخل الخالة الى هناك , شدّتها مروى من ملابسها بخوف :
- لا يا خالتي !! لن أدخل معك , قبل ان تخبريني بالموضوع  
- سأخبرك بالداخل
مروى بإصرار : لا !! لن أتحرّك شبراً من مكاني قبل ان أعرف كل شيء  
الخالة : حسناً اهدئي .. (ثم تنهّدت بضيق) .. أخبرتني جارتي ام جهاد انك مسحورة , ولن يُفكّ سحرك الا ابو الدهاليز
- من ؟!
- ساحرٌ عظيم يعيش هنا 

مروى بدهشة وعصبية : ساحر ! معاذ الله يا خالتي .. اولاً مازلتُ صغيرة على الزواج , وثانياً هذا حرام !! حتى لوّ كنت مسحورة كما تدّعين , فأُفضّل الذهاب الى شيخٍ مُتدين 
- لا تعانديني يا مروى , فمصير ابنتي معلّقٌ بك
- وما دخل هند بالموضوع ؟!
وهنا صرخ الرجل المعاق بغضب :
- هيا استعجلا قليلاً !! فسيدي يريد ان يرتاح 

وإذّ بالخالة تمسك بيد مروى بقوّة , وتقول بحزم :
- أدخلي معي دون اعتراض , وإيّاكِ ان تتنفّسي دون أذني ..هل كلامي مفهوم ؟!!

وكانت المرة الأولى التي تتكلّم معها بهذه القسوة ! حتى انها آلمت يدها وهي تشدّها بعنف الى هناك ..
***

وفي الداخل .. كان المكان أشدّ رعباً واسوء رائحة ! فالعفن والرطوبة المختلطة برائحة البخور تملأ المكان .. وبقايا أقمشةٍ ممزّقة علّقت حول غرفة ذلك المشعوذ .. عدا عن التماثيل والجماجم والحيوانات المُحنّطة من ثعابين وعقارب وضفادع .. وقرنيّ تيسٍ ضخم عُلّقت على الحائط خلف المشعوذ العجوز ذو اللحية البيضاء الطويلة الذي كان يرمي البخور داخل نارٍ أُشعلت امامه , لترتفع منها أدخنةً زرقاء ! 

وما ان أشار لهما بالجلوس , حتى امتثلتا لأوامره ..
ثم قالت الخالة له :
- ابنتي يا ابو الدهاليز
فقال العجوز المريب : أتقصدين هند ؟
فهلّلت الخالة بحماس : نعم !! هند , هند .. لقد أخبروني عن قوّتك في معرفة الغيب 
العجوز بغرور : هذا صحيح ..وأعلم ايضاً انها تريد الزواج من حبيبها , لكنها خائفة من خسارته كما حصل مع عرسانها السابقين 
وما ان سمعت الخالة ذلك , حتى سجدت له ! 
فأسرعت مروى برفعها وهي تُؤنّبها :
- هل جنّنتِ يا خالتي ؟!! هذا كفرٌ بالله

وفجأة ! تغيرت عينا العجوز الى لونٍ أحمرٍ قاني , صارخاً في وجه مروى بغضب :
- لا تذكري اسم الله امامي !!
فصمتت مروى وهي ترتجف بخوف , بعد ان اهتزت التماثيل من حوله بشكلٍ هستيري !
وأسرعت الخالة تقول له : أعتذر منك سيدي بالنيابة عن ابنة اختي , فهي جاهلة بالأمور الروحانيّة

ومن بعدها هدأت التماثيل , وعاد سواد عينيّ المشعوذ من جديد ! والذي أخرج عشبةً يابسة من كيسه , قائلاً للخالة : 
- أغليهم لأهل خطيب ابنتك في زيارتهم الثانية , وستتزوج من حبيبها رغماً عن أنوفهم 
فوضعت الخالة حزمة الاعشاب في حقيبتها وهي تشكره , وتسأله:
- وكم تريد ثمن هذه الأعشاب السحريّة ؟
فأجاب وهو ينظر لمروى بنظراتٍ فاحصة مخيفة , أربكتها كثيراً :
- الم تخبرك جارتك ام جهاد بثمنها ؟
الخالة : نعم نعم .. كنت أقصد ..هل جسد مروى يكفيك ؟

وما ان سمعت مروى هذا الكلام , حنى انتفضت رعباً وهي تنظر الى خالتها بدهشةٍ وخوف !
فابتسم العجوز في وجه مروى لتظهر اسنانه الذهبية وهو يقول :
- بل تكفي وتزيد.. إمسكي هذه ايضاً

ورمى للخالة صُرةً قماشية صغيرة فيها بعض الدنانير , التي ما ان رأتهم حتى هلّلت فرحة :
- هذا ذهب !!
المشعوذ : نعم , وبذلك أكون دفعت ثمنها كاملاً .. الآن يمكنك الذهاب

فنهضت الخالة وهي تمسك صرّة الدنانير بكلتا يديها , فصرخت مروى عليها بغضب : 
- ثمني انا ! ..خالتي !! ماذا تفعلين بي ؟!!
فقالت لها وهي تقترب من الباب الخارجي :
- أخبرتني ام جهاد بأن زوجة طليقي اللعينة سحرت ابنتي بأن لا تتزوج ابداً .. ولكيّ تتخلّص هند من زوجها الجني العاشق , عليه ان يتزوّجك بدلاً منها 
مروى بصدمة : ماذا ! أبعتني للشيطان ؟!
خالتها : آسفة عزيزتي , لكني بالتأكيد لن أفضّلك على ابنتي .. (ثم تنهّدت) ..أعانك الله على حياتك الجديدة 

وخرجت من المبنى .. فحاولت مروى اللحاق بها , لكن قدماها التصقتا بالأرض بعد ان ألقى عليهما العجوز إحدى تعويذاته ! 
فصرخت عليه وهي تبكي بفزع :
- أطلق سراحي !! اريد اللحاق بخالتي 
المشعوذ بحزم : خالتك باعتك لنا , وانتهى أمرك
ثم رشّ تراباً أصفراً على وجهها , لتسقط مروى مغشياً عليها !
***

وفي زمنٍ لاحق .. وفي الوقت التي كانت تُزفّ فيه هند الى حبيبها , كانت مروى تُزفّ الى زوجها الجني في العالم السفليّ بحضور الشياطين وابليس الذي قال للجميع وهو يرفع كأس الخمر :
- نخب عروستنا البشريّة التي ستُوهبنا مئات الأطفال البشريين المُشيطنين الذي سنغزو بهم الأرض لنُفسد أهلها  
فصرخت الشياطين : يحيا ملِكنا ابليس !! ولتحيا عروستنا البشريّة!!

ثم علت اصوات الأغاني الصاخبة والدفوف والمزامير والرقص الماجن الذي غطّى على صوت بكاء ونحيب مروى الجالسة على الكوشة بثياب عرسها الحمراء , وهي تلعن خالتها التي رمتها نحو مصيرٍ مُرعبٍ مجهول!  

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

مُرضعة الجنّ

تأليف : امل شانوحة

سيتدفّق حليبك كالبحر !

كان أهالي قرية حنان يشفقون عليها بعد وفاة زوجها قبل شهرٍ واحد من ولادة طفلها أمجد , ويساعدونها قدر المستطاع ..
وبعد الولادة , إنشغلت حنان بطفلها الذي أحبّته كثيراً .. وبعد بلوغ أمجد شهره الثاني , وفي إحدى الليالي .. تفاجأت به يرضع منها بنهمٍ شديد وكأنه جائع منذ أيام ! وتحمّلت الأوجاع حين عضّها مراراً , مع ان اسنانه لم تنبت بعد .. ولم تبعده عنها بعد شعورها بجوعه , رغم انه رضع منذ ساعتين فقط ! 

وبعد ان شبع وغفى , وضعته في مهده .. ليتغير شكله فجأة ! الى وجهٍ شاحب وأنيابٍ صغيرة , وعيونٍ مرعبة .. فتراجعت للخلف بسرعة حتى كادت ان تتعثّر .. وإذّ بأمرأة زرقاء اللون وشعرٍ طويل تطفو اليها بعد خروجها من الجدار , وحملت طفلها وهي تقول :
- شكراً لك سيدة حنان , انا إضطررّت لفعل ذلك بعد ان جفّ حليبي بسبب الخضّاتٍ المتتالية من حروبنا مع الشياطين القائمة منذ سنوات , فخفت ان يموت ابني جوعاً .. لكني اطمأنّيت الآن , لأنه لن يظمأ ابداً بعد رضاعته من بشريّة .. (ثم طفت نحو الجدار وهي تقول) : والآن عليّ العودة الى عالمي , لكن كمكافأة لك : سيتدفّق حليبك كالبحر , وستكون هذه رزقتك 
ثم اخترقت مع رضيعها جدار الغرفة , واختفت ! 

وأوشكت حنان ان يغمى عليها من هول ما رأته , لكنها استعادت وعيها بعد سماع بكاء طفلها من تحت السرير !
وحين أخرجته من هناك , كان واضحاً من وجهه المحمرّ أنه كان يبكي منذ فترةٍ طويلة ! لكن يبدو ان الأم الجنّية كتمت صوته , كيّ تُتابع حنان رضاعة إبنها الجني .. 

فأسرعت الأم لإرضاع طفلها وهي مازالت ترتجف رعباً .. لكنها لاحظت على الفور بأن حليبها يتدفّق بقوة على غير عادته , حتى انه استمرّ بعد شبع ابنها ونومه .. ولم يتوقف طوال تلك الليلة !
***

في اليوم التالي .. طلبت حنان من قابِلة القرية (الولاّدة) القدوم الى بيتها , وأخبرتها بما حصل ..
حنان بقلق : لكن رجاءً لا تخبري أحد بهذا السرّ , كيّ لا يخافوا مني ومن ابني في المستقبل 
المرأة العجوز : لا تقلقي إبنتي لن أفعل , مع ان ما حصل معك كان مخيفاً للغاية ! 
- وماذا بشأن مشكلتي يا خالة ؟ فحليبي لم يتوقف منذ البارحة , وبدأ صدري يؤلمني
ففكّرت العجوز قليلاً , ثم قالت : هناك طفلٌ يتيم تعتني به إحدى جاراتك , سأحضره لك كيّ ترضعيه 
***

وبعد ان قامت حنان بإرضاع الطفل , أرادت المرأة (التي تعتني بالطفل) دفع ثمن الرضاعة .. فقبلته حنان بعد إصرارٍ منها 
ومنذ ذلك اليوم أصبحت الرضاعة هي مصدر رزقها بعد ان انتشر صيتها بين نساء قريتها اللآتي أحضرنّ أطفالهنّ للرضاعة منها بعد ان لاحظوا جودة حليبها .. الغريب ان حليبها لم ينفع الا مع الأولاد , اما الصغيرات فكنّ لا تستسغنّ حليبها ! لذلك لُقبت : بمرضعة الذكور .. فيما عدا القابلة التي تمازحها دائماً بمُرضعة الجنّ , الذي بقيّ سرّاً بينهما 
***

بعد اعوام .. إنتشر مرضٌ غريب أصاب النساء المُنجبات حديثاً في قرية حنان تحديداً , حيث توقف حليبهنّ تماماً ! وأصبح حليب حنان هو الغذاء الوحيد لأطفالهنّ , حيث إصّطففنّ طوابيراً امام منزلها يومياً لإرضاع اطفالهنّ , ممّا جعلها أغنى نساء القرية وأرفعهنّ مكانة ..ولاحقاً استخدمت المال الفائض في تجارة الملابس , للصرف على ابنها الذي بلغ الخامسة من عمره , والذي كان مدلّلاً من نساء قريته 
***

ومرّت السنوات .. أصبح فيها ابن حنان شاباً , بينما أخوته بالرضاعة تفاوتت أعمارهم بين سن الشباب والمراهقة .. 
لكنهم في أحد الأيام , إختفوا جميعهم مرةً واحدة ! وبحثت الأمهات عن اولادها الذين لم يعودوا الى بيوتهم بعد حلول المساء .. 
وبدأنّ يسألنّ عنهم هنا وهناك , الى أن أخبرهم مجنون القرية بأنه رأى ابن حنان يقود الشباب عصراً نحو الشجرة المهترئة فوق التلّ , وهو بدوره لحقهم دون ان يلاحظوه ..

ام حنان بعصبية : هيا إكمل !! الى اين ذهب ابني بإخوانه ؟
وكانت الأمهات مُلتفات حول المجنون الذي أخبرهنّ : 
- دخلوا جميعهم داخل الشجرة , واختفوا !
فصرنّ يشتمنه لأنه يخبرهنّ بأمرٍ مستحيل حدوثه .. 

وعادت كل ام للبحث عن ابنها في الحقول المجاورة.. 
بينما رجعت حنان خائفة الى منزلها وهي تفكّر : أمعقول ان الجنّ أخذوا شبابنا الى عالمهم ؟! ولما اختاروا ابني لقيادة هذه المهمّة المخيفة ؟!
***

ومرّت الأيام دون أثر لشباب القرية ! ممّا أحزن الأمهات اللآتي بحثنّ عنهم حتى في القرى المجاورة .. لكنهم اختفوا تماماً ! 
وذات مساء .. وبينما كانت حنان تبكي وتدعي ربها بعودة الشباب سالمين الى ديارهم , خرج ابنها من جدار الغرفة .. 
ورغم انها لم تصدّق عينيها ! الا ان شوقها جعلها تُسرع باحتضانه ..وحين فعلت , أحسّت ببرودة جسمه .. فسألته بقلق :  
- ابني ! هل انت مريض ؟!
- انا لست أمجد سيدة حنان , بل ابنك الآخر ..

وتحوّل فجأة الى جنّي بجلده الأزرق وعيونه الحمراء .. فسقطت حنان على الأرض وهي ترتجف رعباً , ممّا أربك الجني الذي قال:
- امي لا تخافي , انا الطفل الذي أرضعته قبل سنوات ..وانا من تلبّست في جسد ابنك , لأقتاد شباب قريتك الى عالمنا
حنان بدهشة : ولما فعلت ذلك ؟!
- دعيني أخبرك القصة منذ البداية .. فأمي كان بإمكانها إرضاعي تلك الليلة , لكنها ارادتك ان ترضعيني بدلاً منها

حنان باستغراب : وما غايتها من ذلك ؟!
- لأن مشعوذ قريتنا أخبرهم بأن كتابنا المقدّس يتنبّأ : بأننا لن ننتصر على جيش الشياطين الذين يحاربوننا منذ سنوات , الا بجيشٍ بشريّ تجري في دمائه عروق الجن .. واستطاعت امي بذكائها فكّ لغز ذلك النصّ الغامض .. فبإرضاعك لي , دخل في حليبك عرق الجن .. وبدورك قمتِ بإرضاع بقيّة اطفال قريتك الذكور الذين أصبحوا إخواني بالرضاعة .. وقد انتظرنا سن بلوغهم بفارغ الصبر .. ومن بعدها جاء دوري لاقتيادهم الى عالمنا , وتجهيزهم هناك لمعركتهم الشرسة ضدّ الشياطين 

حنان بقلق : وهل ابني أمجد يحارب معكم ؟!
- نعم وعُيّن قائداً على إخوانه , لأنه شجاعٌ جداً 
- ومتى سيعودون ؟
- نحن الآن في خُضمّ معاركٍ لا ادري متى ستنتهي .. وربما يوماً ما يعود اليكم بعضهم .. فهي بالنهاية حرب , وحتماً ستحصل خسائر روحيّة 
حنان صارخة بفزع : لا !! لا اريد لأبني ان يموت هناك
الجني : آسف امي , هذه قوانين المعارك .. (ثم توجّه نحو الجدار وهو يقول) : عليّ الذهاب الآن , فقائدي بالجيش يناديني ..ولا تنسي ان تدعي لأولادك يا أمي 

ثم اختفى داخل الجدار , تاركاً إيّاها تبكي بحرقة على مصيرهم المجهول .. وهي تلعن نفسها :
- ماذا فعلت بإبني ؟ وماذا فعلت بشباب قريتي ؟..اللعنة عليّ!!
***

بعد شهور .. إستيقظ اهالي القرية فجراً على طرقات ابوابهم بعد عودة ابنائهم من معمعة القتال في العالم الآخر .. 
وفي البداية لم يصدّقوا الخزعبلات التي أخبروهم بها عن عالم الجن , لكن ساورهم الشكّ بعد اتفاق جميع الشباب العائدون على القصة ذاتها ! 

الأصعب ان بعضهم عاد بعد فقدانه لأحد أطرافه او عينيه , حيث تعرّض معظمهم لحروق متفاوتة في جلده .. وهم من أخبروا بقيّة العائلات التي لم يعد اليها ابنائها بأنهم استشهدوا ودفنوا في العالم الآخر , وكان منهم أمجد إبن حنان التي تعرّضت لاحقاً للطرد من قبل نساء قريتها , بعد ان كشفت القابلة عن علاقتها بالجن , وبذلك فضحت سرّها التي أخفته عنهم طوال السنوات الماضية !
***

في ذلك المساء .. وبينما كانت حنان ترتّب أغراضها للرحيل عن قريتها , خرج ابنها الجني من الجدار وهو يقول :
- لا تحزني يا امي , فخروجك من هنا أفضل لك .. لأن سعيد بجميع الأحوال سيقضي عليهم 
- أتقصد سعيد ابن الولاّدة ؟
الجني بغيظ : نعم , فهو خاننا بالحرب واتفق مع الشياطين ضدّنا في مقابل ان يُوهبوه قدراتٍ مُدمّرة تساعده في القضاء على قريته والقرى المجاورة .. وسيتابع مجازره , الى ان يُلقّب لاحقاً بسفّاح المدينة .. لهذا أتمنى ان تأتي معي الى عالمي .. فوالدايّ توفيا بالمعارك , وأعيش وحدي في المنزل 

حنان بتردّد : لكن ..
الجني مقاطعاً : هيا يا امي .. اساساً اين ستذهبين بعد وصول إشاعة إنك مشعوذة الى كل القرى المجاورة , فهم ايضاً سيرفضون عيشك بينهم ..هيا رجاءً لا تعانديني , وسأكون تماماً كإبنك الذي فقدّته .. حتى انظري !!
وحوّل شكله الى شكل ابنها أمجد , ممّا خفّف خوفها اتجاهه !

وفجأة ! سمعت إنفجاراً ضخم , قادماً من الخارج .. فقال لها الجني:
- يبدو ان سعيد اللعين بدأ في تنفيذ خطّته التدميرية منذ الآن ! أعان الله قريتك التي سيُبيدها عن بكرة أبيها .. هيا امي إسرعي !! فهو يُطلق صورايخاً عشوائية , بعد ان علّمته الشياطين صنع البارود

ثم علت صرخات اهالي القرية مع تزايد اصوات الإنفجارات في الخارج !  فأسرعت حنان باتجاه ابنها الجني الذي أمسك بيدها وأدخلها معه الجدار الذي تدمّر في ثوانيٍ بعد انهياره بصاروخ أرسله سعيد خصيصاً لمنزل امه بالرضاعة التي كانت السبب في تحوّل حياته السلبيّ ! 

لكن ما لا يعلمه سعيد بأنه لم يصبها , بل ستعيش منذ اليوم بأمنٍ وسلام الذي ساد أخيراً عالم الجن , بعد توجّه مطامع الشياطين الى عالم البشر وعزمهم على مساندة سعيد في حربه ضدّ بنيّ جنسه , دون ان يدري بأنه فتح على نفسه وعلى بقيّة الناس ابواب الجحيم! 

الأحد، 23 ديسمبر 2018

فستانُ عرسٍ دمويّ

تأليف : امل شانوحة




فرحةٌ لن تكتملّ !

- امي !! لقد وجدته أخيراً 
قالتها الصبيّة هدى بحماس , حين وجدت فستان عرسٍ مُستعمل للإيجار في محل خياطة .. فاقتربت امها لمعاينة الفستان , قائلةً :
- قماشته ناعمة , ويبدو كأنه جديد !

وهنا اقتربت الخياطة منهما , وسألتهما :
- هل هذا إختياركِ النهائي ؟
العروس بفرح : نعم اريد هذا الفستان .. هل أجرّبه الآن يا امي ؟
فارتبكت الخياطة قائلةً : لا !! ..أقصد لا يوجد عندي مكان لقياس الفساتين .. خذيه الى بيتك , والبسيه فقط في يوم عرسك 
الأم باستغراب : وماذا لوّ كانت المقاسات غير مضبوطة ؟! فعرس ابنتي غداً ونريد ان يكون..
الخياطة مقاطعة : لا !! قياسها مُناسب , فأنا خياطة وأعرف هذا بمجرّد النظر .. وإن أردّتما .. يمكنكما أخذه الآن , والدفع لاحقاً بعد ان تعيدوه في اليوم التالي لانتهاء العرس

فاستغربتا من عرضها المغري , وكأنها تتعجّل الخلاص منه !
وقبلتا على الفور , وذهبتا به الى المنزل .. 
بينما تمّتمت الخياطة بخوف : أتمنى ان تكون شكوكي خاطئة بشأن ذلك الفستان الملعون ! 
***  

وفي تلك الليلة .. سرِحت هدى بخيالاتها الوردية , وهي تنظر الى فستان عرسها المعلّق امامها في غرفة نومها .. 
وبعد ان غفت , شاهدت كابوساً مفزعاً :((رأت فيه سيدة بوجهٍ شاحب وعينان بيضاوين تلبس فستان عرسها , والدم يخرج من معصمها ..وكانت تتنفّس بغضبٍ وحنق ! ثم قالت لهدى بنبرة تهديد :
- هذا الفستان لي !! إيّاك ان تلبسيه والاّ سأؤذيكِ .. أفهمتي ؟!!)))
***

إستيقظت هدى في صباح اليوم التالي على صوت الزغاريد , بعد ان اكتظّ منزل أهلها بالأقارب والأصحاب الذين قدموا لزفّها الى صالة فرحها التي ستقام اليوم مساءً .. 
ورغم قلقها من ذلك الكابوس الا انها سرعان ما انشغلت بالمهنئين , وبالكوفيرا التي قدمت لتزينها للعرس 

وحين جاء وقت لبس الفستان , تردّدت هدى بعد تذكّرها لتهديد المرأة الشبح .. 
فقالت أمها :
- مابك يا هدى ؟! هيا إلبسيه .. فأهل العريس وصلوا الى الصالة , وعلينا اللحاق بهم  
فأجابت بقلق : لا اريد الفستان يا امي , أشعر بأن شيئاً سيئاً سيحصل في حال لبسته ! 
فسألتها أختها أروى باستغراب : الم تكوني البارحة مُتحمّسة لتجربته ؟!
هدى وهي ترتجف : لقد رأيت البارحة كابوساً أفزعني , شاهدت فيه ..

وقبل ان تُكمل , علت أصوات الدفوف والمزامير بوصول الفرقة الموسيقية التي أرسلها العريس كمفاجئة لها , لمرافقتها الى الصالة.. 
الأم : هيا ابنتي البسيه هداك الله , فالجميع في انتظارك

فلبسته مُرغمة .. وبدأ قلبها ينبض بسرعة , دون ان تعرف ان كان السبب هو فرحة العرس , ام الفستان المشؤوم !
***  

وحين وصلت هدى الى الصالة , تناست كل شيء برؤية عريسها الوسيم .. وعلت اصوات الزغاريد والموسيقى والرقص .. 

وبعد ساعة .. عاد العرسان الى الكوشة , اثناء إنشغال المعازيم بالأكل 
لكنه فجأة ! شعرت هدى بحرارة جسمها ترتفع شيئاً فشيئا , وبدأت تحكّ ذراعها بألم .. فهمست اختها الصغرى التي كانت بجانبها :
- هدى توقفي , سيظنك العريس جربانة 
فقالت العروس بخوف : أشعر يا أروى بنارٍ تحرق كل جسمي ! 

وبعد دقائقٍ قليلة  .. صرخت هدى بعلوّ صوتها من الألم , ممّا أفزع الجميع :
- نار !! نار !! انا أحترق .. ساعدوني !!!
ومزقت كمّ فستانها .. وبدأت تحاول فكّ سحاب فستانها بهلع , وهي تصرخ على زوجها :
- إنزع الفستان عنّي بسرعة !! انا أحترق 

لكنه تجمّد في مكانه , كما حصل مع المعازيم ! امّا العروس فكان كل همّها بهذه اللحظات هو إيقاف ذلك الألم الرهيب .. 
وقد لاحظت امها إحمرار ذراعها (من خلال الكمّ المُمزَّع) : 
- إهدأي يا هدى , كل ما في الأمر ان جلدك تحسّس من الفستان المُستعمل 

لكن هدى فاجأتها وفاجأت الجميع , حين خلعت فستانها امامهم ورمته على الأرض .. لتُسرع امها وتغطيها بعبايتها , وهي تعتابها:
- ماذا تفعلين يا مجنونة ؟!! لقد فضحتنا  
ثم قالت للعريس : بنيّ .. خذّ عروستك واذهب , فقد انتهى العرس

وبالفعل انتهى سريعاً , بعد ذهابهما الى غرفة الفندق .. بينما انشغلت امها بالإعتذار من اهل العريس والمعازييم عمّا حصل !
***

في غرفة الفندق .. لم يقمّ العريس بمعاتبتها بعد رؤيتها تبكي بمرارة وهي مازالت تأنّ من آلام جسمها , لظنّه إنه دلع بنات (كما قالت له امه , قبل خروجه من صالة العرس) 
واقترب منها مُتودّداً , فأبعدته عنها بغضب :
- أهذا كلّ همّك !! الا تراني أتألّم ؟ خدني فوراً الى المستشفى , فأنا أشعر بألمٍ داخلي فظيع ! 

لكنه لم يصدّقها الا بعد بصقها الكثير من الدماء , وفقدها للوعيّ ! فحملها مُسرعاً الى غرفة الطوارىء ..
***

وفي المستشفى .. أجروا لها الأشعة , ليتفاجأ الطبيب بجروحٍ خطيرة بمعدتها وإمعائها , وكأن أحداً مزّقها بوحشيّة من الداخل !
وقبل ان يُسعفها , أخذت هدى تتقيّأ قطع لحمٍ صغيرة مع الكثير من العصارات اللزجة المُرفقة بالدماء ! الى ان توقف قلبها عن النبض كلياً .. 
ورغم محاولات الطبيب المُستميتة لإنعاشها الاّ انها فارقت الحياة , بعد تفتّت وتآكل اجزاء كبيرة من أعضائها الداخلية دون سببٍ طبيٍّ واضح !  
***

في يوم العزاء .. كان الجميع صامتاً ومصدوماً ممّا حصل ! بينما كان العريس منهاراً بالبكاء بحرقة على موت عروسته .. ورغم حالته السيئة الا انهم ألحّوا عليه لإخبارهم بسبب الوفاة .. 

وبعد ان سمعت أروى بما عانته أختها في لحظاتها الأخيرة , تركت العزاء وذهبت غاضبةً الى محل الفساتين
***

وما ان عرفت الخياطة بما حصل , حتى قالت بحسرة :
- أماتت هي ايضاً !
أروى بدهشة وغضب : ماذا ! ومن غير اختي مات بظروفٍ غامضة , وما السبب ؟!! .. هيا تكلّمي يا امرأة !!

فلم تستطع الخياطة إخفاء الموضوع أكثر , وأخبرتها بأن الفستان كان لعروس إنتحرت في يوم عرسها !
فقالت أروى باستغراب : أتقصدين ان كل من تلبس ذلك الفستان الملعون تموت على الفور ؟!
خياطة : ظننتها إشاعة .. فقد استأجرته قبلها آنستين , لكنهما أعادوه لي بعد رؤيتهما للفتاة المنتحرة وهي تهدّدهما بالقتل ان لبستا فستانها !
أروى : وأختي خافت من لبسه ايضاً بعد كابوسٍ شاهدته , لكن لم يتسنّى لها الوقت لتخبرنا عنه ! .. (ثم فكّرت قليلاً) .. إسمعيني جيداً .. اريدك ان تعطيني عنوان اهل الفتاة المتوفية الذين باعوك الفستان ؟
الخياطة : والدها بوّاب عمارةٍ قريبة من هنا , سأعطيك العنوان حالاً
***

وذهبت أروى الى منزل البوّاب , وأخبرتهم بما حصل لأختها :
الأم بقهر : وانتم ايضاً خسرتم ابنتكم ! .. كان الله في عون امك 
أروى : إخبريني يا خالة , من اين حصلتم على ذلك الفستان المشؤوم ؟

فأخبرتها بأن صاحبة الشقة المملوكة عرفت بعرس ابنة بوّاب عمارتها ,  فأرسلت لهم خادمتها كيّ تساعدهم بيوم العرس.. 
وحين علمت الخادمة بأن ابنة البوّاب ستُزّف بملابسٍ عادية , سلّفتها فستان عرسها
أروى : لحظة ! أتقصدين ان الفستان هو فستان الخادمة .. هذا غير معقول ! فقماشته من النوع الجيد  
زوجة البوّاب : كل ما أعرفه ان الخادمة هربت بعد موت ابنتي , ولا نعرف شيئا عنها
الا ان زوجها فاجأها قائلاً : انا أعرف اين هي .. فقد لمحتها تعمل في مطعمٍ , على بعد شارعين من هنا .. 

زوجته مُعاتبة : ولما لم تكلّمها ؟! 
زوجها : لأنني اولاً لم أصدّق بخرافة الفستان المسحور .. وثانياً لأنني خجلت من نفسي لبيعي فستانها , بعد إحتياجنا لمال الدفن.. وخفت ان تسألني عنه
أروى : لوّ سمحت ..إعطني عنوان المطعم , فضروري ان أتكلّم معها 
***

وحين وصلت أروى الى المطعم , وجدتها تمسح الطاولات .. فأخبرتها باختصار عمّا حصل لأختها .. 
فقالت لها الخادمة بارتباك : ممنوع عليّ الكلام مع الزبائن , والاّ سأطرد من عملي .. تعالي غداً صباحاً الى هنا , فعملي يبدأ بعد الظهر 
***

وذهبت أروى في اليوم التالي للمطعم دون ان تخبر اهلها بما تفعله , حيث كانوا مازالوا منشغلين بالعزاء ..
وهناك أخبرتها الخادمة عن سرّ الفستان , قائلةً بنبرةٍ حزينة : 
- أحببتُ شاباً بقريتي , لكن امه رفضتني بقوة .. ومع ذلك حدّد عمّي موعد العرس مع ابي .. ومن بعدها تغيرت معاملتها معي فجأة ! وذات يوم أصرّت حماتي على شراء القماشة البيضاء بنفسها , وقد فعلت .. 
وسكتت الخادمة قليلاً وكأنها تستذكر الماضي , ثم قالت :
- أذكر حين أعطتني القماشة كانت مُرطّبة , ولاحقاً عرفت السبب

أروى : ومالسبب ؟
الخادمة : دعيني أكمل لك القصة اولاً ... (ثم تنهّدت بضيق) .. قمت لاحقاً بخياطة فستاني بنفسي , فأنا بارعة بهذه الأمور .. وحين قدِمَ خطيبي الى بيت اهلي قبل يومين من عرسي , راهنته مُمازحة بأن يقيس الفستان كيّ أقوم بخياطة أطرافه , فهو في نفس طولي تقريباً .. فلبسه , وبِتنا نضحك وانا أضع لمساتي الأخيرة عليه.. لكنه فجأة ! شعر بحرارةٍ غريبة تسري في جسمه , ونزع عنه الفستان وخرج مُسرعاً من غرفتي ! دون ان يخبرني بما حصل .. وفي عصر ذلك اليوم , علمت بوقوعه في النهر .. ولم نجد جثته الا في اليوم التالي
أروى بدهشة : أمات ؟!

الخادمة وهي تمسح دموعها : نعم مات .. وصارت امه تنوح وتصرخ في العزاء وتقول للجميع : بأنني كنت نحساً عليه .. وضاقت بي الدنيا , فسافرت الى هنا ..وعملت خادمة لسبعة شهور في منزل تلك السيدة , قبل ان تطلب مني النزول الى منزل البوّاب ومساعدتهم في عرس ابنتهم 
أروى : وهل كنت مازلت تحتفظين بفستان عرسك ؟!
- نعم .. فأنا أخذته معي كتذكار من خطيبي السابق .. وكم فرِحَت المسكينة حين سلّفتها فستاني الذي كان على مقاسها ..ومن ثم..(وسكتت)
أروى باهتمام : ثم ماذا , إكملي ؟

الخادمة : بعد انتهائي من تنظيف منزلهم , عُدّت الى شقة سيدتي في الطابق الخامس من العمارة .. ولم يحلّ المساء الا وسمعنا بكاءً ونحيب قادماً من منزل البوّاب ! وعرفنا لاحقاً انهم وجدوا العروس غارقة في دمائها بحوض الحمام بعد جرحها لمعصمها , وذلك قبل ساعة من قدوم العريس وأهله لزفّها الى بيتها !
أروى : وحينها علمتي بأن فستانك مسحور ؟

الخادمة : ساورني الشكّ بعد تشابه ظروف موتها مع موت خطيبي ! فاتصلت على حماتي بالقرية , وسألتها ان كانت سحرت القماشة البيضاء .. وتفاجأت بها تنهار بالبكاء وتعترف : بأنها أرادت موتي انا , ولم تكن تعلم بأن ابنها الأحمق سيجرّب الفستان المشؤوم .. وأغلقت المكالمة وهي تلعن نفسها على قتلها لإبنها الوحيد .. وحينها ارتعبت من معرفة البوّاب بأنني كنت السبب في إقدام ابنته على الإنتحار , فهربت من العمارة .. وبحثت طويلاً الى ان وجدت هذا العمل .. وذات يوم ..لمحت والدها يراقبني وانا أمسح أرضيّة المطعم , لكن الغريب انه مشى دون ان يحدّثني او يعاتبني ! ولم أره بعدها .. والآن علمت لماذا , بعد ان أخبرتني بأنه باع فستاني للخيّاطة التي استأجرت منها اختك المسكينة .. لكن الحمد الله ان اختك مزّقت الفستان , فبذلك أنهت لعنة حماتي للأبد

فصرخت أروى عليها بغضب : بعد ماذا !! بعد ان ماتت اختي بسبب فستانك المسحور ! لعنة الله عليك وعلى حماتك الخبيثة !!
وخرجت من المطعم غاضبة 
***

لكن ما لا يعرفه أحد .. ان خادمة صالة العرس أخذت فستان هدى الممزّق وباعته لخياطةٍ ثانية , إشترته منها بعد ان أعجبتها نوعيّة القماش .. والتي قامت لاحقاً بإصلاح الكمّ الممزّق , وعرضه على واجهة محلها بلافتة كُتب عليها : فستانُ عرسٍ للإيجار ..
***

وفي احد الأيام .. رأته صبيّة مخطوبة مع امها , وقالت بحماس : 
- امي !! أنظري الى جمال هذا الفستان ! وإيجاره ايضاً معقول 
- نعم وقماشته تبدو جيدة .. اذاً دعينا ندخل ونتفاوض مع الخياطة على سعره

وبذلك عادت لعنة الفستان المسحور لقتل العرائس الأبرياء من جديد !  

الخميس، 20 ديسمبر 2018

انا او لا أحد

تأليف : امل شانوحة


رجلٌ متسلّط 

إستيقظت سلوى صباحاً وهي فزعة بعد رؤيتها لكابوسٍ آخر , ثم دخلت لتستحمّ .. وهناك قالت : أوه ! نسيت شراء الشامبو 
واستخدمت الصابون وخرجت .. ثم رتّبت حقيبتها للذهاب الى الجامعة .. 

وحين فتحت الباب الخارجي للمنزل , تفاجأت بعلبة شامبو مع وردةٍ حمراء على العتبة ! ممّا أرعبها جداً .. فنزلت بالمصعد وهي تفكّر :
- من عرف بحاجتي الى الشامبو ؟! هل هو صاحب المبنى المجنون ؟ أوَصَلت سفالته بأن يضع كاميرا في شقتي ؟! والأسوء ان يكون وضعها في حمامي !.. اللعنة !! عليّ تغير القفل في أقرب وقت .. كان يوماً مشؤوماً حين انتقلت الى هنا ..

وبعد خروجها من المبنى .. وجدته ينتظرها في سيارته الفارهة قرب المدخل , وناداها قائلاً :
- سلوى !! تعالي أوصلك الى الجامعة , بدل انتظارك لسيارة الأجرة في هذا الجوّ الماطر
- لا شكراً سيد سعيد
قالتها على عجل , وأسرعت بالإبتعاد عنه .. 

فقال في نفسه بضيق :
((سأجعلك تندمين على رفضك الزواج بي , سترين ما سأفعله بك))
***

ولاحقاً في حمام الجامعة .. وبعد ان انتهت سلوى من إخراج كل ما في بطنها , قالت لها صديقتها بقلق :
- هذه ثالث مرة اراك على هذه الحالة , من الأفضل ان تذهبي للمستشفى 
سلوى بتعب : أظنني تسمّمت من يوم البوفيه
- أتقصدين الحفلة التي أقامها صاحب المبنى لسكّان عمارتك؟ 
- نعم , وحينها أعلن خطبتنا امام الجميع ! لكنني أخبرتهم بأنني رفضّت عرضه , ممّا ضايقه جداً 
صديقتها : وما دخل هذا بمرضك ؟

سلوى : بعد رفضي له , هممّت بالعودة الى شقتي .. لكنه أصرّ على تناولي شيئاً من الطعام .. وأحضر لي صحناً , إختار أصنافه بنفسه .. ومن بعدها أُصبت بصداعٍ ودوخة , وبالكاد وصلت الى شقتي .. (ثم سكتت قليلاً) .. أوه لا !
صديقتها باهتمام : ماذا ؟
سلوى بخوف : الآن تذكّرت .. من يومها وانا أُعاني من كوابيس الجنّ والعفاريت !
- أتظنينه وضع شيئاً في صحنك ؟!
سلوى بغيظ : لما لا , فهو مريض نفسيّاً !!
- الم تقولي انه شابٌ وسيم وغني , فلما يُخيفك لهذه الدرجة ؟!

سلوى : لأني علمت بقصّة حياته  .. فوالده كان عنيفاً معه , واراده ان يكبر بسرعة بعد وفاة امه , وهو مازال في العاشرة من عمره .. بعكس امه التي كانت تدلله كثيراً ولا تحرمه من شيء.. وأظنّ تناقض التربية بين والديه , جعلته يعاني من مرضين نفسيّن مختلفين : الساديّة ونقص الثقة بالنفس ! 
صديقتها بقلق : برأيّ عليك البحث عن منزلٍ جديد
سلوى : أهلي يعيشون بالخارج كما تعلمين , وسيأتون بالعطلة الصيفية , وحينها انتقل معهم الى بيتنا في الجبل .. ولا اريد إشغال بالهم بمشاكلي معه , لذا سأضّطر لإستحمال سخافته لشهرين آخرين .. (ثم أمسكت بطنها بألم) ..آخ !! مازال بطني يؤلمني
- أعانك الله يا سلوى 
***

ومرّ شهر ونصف بصعوبة على سلوى , بعد تزايد مضايقات صاحب المبنى لها : سواءً بقطعه المتواصل للكهرباء والماء عن شقتها فقط , عدا عن مضايقات الجيران لها , وكأنهم على اتفاقٍ معه ! كما انه منع البوّاب من أخذ زبالة شقتها , فصار عليها رميها بنفسها كل يومين .. ليت هذا فحسب , بل في أحد الأيام تفاجأت بالحشرات مُنتشرة في بيتها ! فعلمت ان أحدهم دخل شقتها في غيابها , خاصة بعد ان رأت رسمتها لصديقها بالجامعة مُمزّقة ! 

فأسرعت بإحضار قفلٍ جديد لمنزلها للمزيد من الحماية 
وبعد ان انتهت من تركيبه , قالت في نفسها بغضب :
((بقيّ القليل وأُنهي امتحاناتي , ثم أترك هذه الشقة اللعينة للأبد!!))  
***

بعد ايام .. إلتقت صدفةً بطالبة كانت تسكن قبلها في الشقة .. وحين أخبرتها عن مضايقات سعيد لها , حذّرتها قائلة :
- إنتبهي يا سلوى , فهو معقدٌ نفسيّاً !
سلوى : أعرف هذا , لذلك رفضّت الزواج به
الطالبة باستغراب : وهل خطبك انت ايضاً ؟!
- ماذا تقصدين ؟
- لقد خطب زميلتي في السكن السنة الماضية , ورفضّته ايضاً 
سلوى : كل ما سمعته .. إنها تركت المبنى بعد ان كسرت قدمها إِثر سقوطها عن الدرج .. وانتقلتِ انت بعدها  
- هل سعيد اللعين هو من أخبرك بذلك ؟
سلوى بقلق : نعم !
الطالبة بغضب : هي لم تكسر قدمها يا سلوى , بل قُتلت غدراً
- ماذا ! هل كانت أصابتها بالغة لهذه الدرجة ؟! 

فقالت الطالبة بحزن : كنت انا آخر من زارها في المستشفى , واخبرتني حينها بما حصل .. في ذلك اليوم تعطّل المصعد , فنزلت على الدرج المظلم .. وفجأة أحسّت بنور جوّال يقترب منها مُسرعاً , وإذّ بسعيدٍ خلفها ! قام بدفعها بقوّة الى اسفل الدرج , فأُصيبت بارتجاجٍ في المخّ
- الحقير ! إذاً كيف ماتت ؟!
الطالبة : وجدوها مخنوقة بوسادة المستشفى ! وأظنه قتلها خوفاً من ان تبلّغ عنه الشرطة , بعد إرشائه للمسؤول عن كاميرات المراقبة كيّ يُلغي صورته وهو يدخل خلسةً الى غرفتها بعد انتهاء مواعيد الزيارة .. لذلك أحترسي منه يا سلوى , فهو لا يتقبّل الرفض من أحد

ثم ودّعتها وذهبت , بعد ان أدركت سلوى خطورة الموقف التي هي فيه ! لهذا قرّرت تجنّب سعيد قدر المستطاع , وصارت لا تغادر شقتها الا للمحاضرات المهمّة فقط في الجامعة 
*** 

ثم بدأت فترة الإمتحانات .. وفي ذلك الصباح , إستعدّت سلوى للذهاب الى جامعتها .. وإذّ بالمصعد يتوقف بها قبل الطابق الأخير ! فضغطت زرّ الطوارىء التي وجدته بعد ان اضاءت جوالها , ففُتح باب المصعد الذي كان يقف بين طابقين .. ورغم خطورة الموقف الا انها تدحرجت الى الخارج , رغم خوفها من تحرّك المصعد فجأة , وانقطاع جسمها الى نصفين كما في الأفلام 

لكنها تنفّست الصعداء بعد خروجها , لتنزل الدرجات على مهل خوفاً من الإنزلاق كما حصل مع تلك الطالبة .. ووصلت أخيراً الى المدخل , الذي لم يُفتح بابه بمفتاحها ! 
وهنا تذكّرت تهديد صاحب المبنى قبل يومين ! حين قال لها بعد رفضها الخروج معه للعشاء , إحتفالاً بعيد ميلاده :
- طالما لستِ لي يا سلوى , فلن تكوني لغيري 

فعادت وصعدت الى فوق (حيث توجد شقة واحدة في كل طابق : فصاحب المبنى يسكن الطابق الأخير .. وهي في الطابق الثالث ..وعائلتان لم تتعرّف عليهما بعد , تسكنان الطابق الأول والثاني ..دون وجود رجال بالمبنى سوى ذلك المجنون : ففي الطابق الأول تسكن سيدة مطلقة مع ابنتها العانس .. وفي الطابق الثاني : تعيش ارملة مع ابنة زوجها العرجاء التي هي بعمر سلوى) 

وحين طرقت باب شقة الطابق الأول , سمعت امرأة من الداخل تقول لإبنتها :
 - تعالي وافتحي الباب لسلوى !! 
وقد أرعبها ذلك , فكيف عرفت بأنها هي ..والظلام يعمّ المبنى ! فلم تجد نفسها الا وهي تُسرع للطابق الثاني .. 

وكان اول ما لاحظته سلوى بعد انفتاح باب الشقة : هو وجود الكهرباء عندهم ! كما ثياب السيدة الفاضحة , حيث بدَت من طريقة وقوفها ومضغها المُبتذلّ للُبان بأنها سيئة السمعة , والتي قالت لها :
- آه ! الصبيّة العنيدة عندنا 
فلم تردّ سلوى مجادلتها , لأنها حاولت سابقاً إقناعها بالسيد سعيد الذي يبدو انه أغراها بالمال لفعل ذلك ! 
سلوى : اريد ان اسألك عن الباب الخارجي للمبنى , هل غيّرتم قفله؟ 
السيدة : نعم , والسيد سعيد أعطانا البارحة مفاتيحاً جديدة في الإجتماع الشهريّ لسكّان المبنى , الذي لم تحضريه سيادتك
- واين نسختي من المفاتيح ؟
- معي , سأعطيك إيّاها بعد ان نتحدّث قليلاً
- ليس الآن رجاءً , فقد تأخّرت على الإمتحان 
- اريد فقط ان أعرف , كيف ترفضين رجلاً يريد تسجيل المبنى بإسمك يا غبية !

وإذّ بعانس الطابق الأول خلفها , وهي تقول لسلوى بقهر : 
- سعيد شابٌ وسيم وغني , فماذا تريدين اكثر ؟!!
بينما إكتفت ابنة زوج السيدة بمسح دموعها من بعيد !
سلوى بغضب : طالما انتما مُعجبتان به , فلتأخذه إحداكما وتخلّصني منه!!
- لكنني أخترتك انت !!
قالها سعيد بحزم , بعد خروجه من المصعد الذي عاد للعمل مع عودة الكهرباء 

سلوى : إسمع يا أخ سعيد , لا يمكنك إجبار أحد على محبّتك ..
- حقاً , أتريدين المراهنة ؟
قالها بلؤم وبنظرةٍ أرعبتها .. وعلى الفور !! خطرت في بالها فكرةً ذكية للهروب من هذا الموقف
سلوى : اساساً انت لم تسألني إن كنت مخطوبة ام لا ؟
- وهل انت..
سلوى مقاطعة : نعم 
- لكني لم أرى خاتماً في أصبعك ! 
- هذا لأنني سألبسه بعرسي الذي سيُقام في العطلة الصيفية .. 
- لا , انا لا أصدّقك 
- اذاً دعني أعرّفك على خطيبي , فهو رجلٌ مفتول العضلات وعصبيّ جداً .. سأتصل به حالاً

واتصلت بجوّالها , والجميع يراقبها .. ثم قالت بصوتٍ عالي :
((مراد .. تعال الى بنايتي .. ستجدني بالطابق الثاني .. لا لا شيء , هناك سوء تفاهم صغير , واريدك ان تحلّ المشكلة .. رجاءً لا تتأخّر))

وبعد ان أغلقت المكالمة , قال سعيد ممّتعضاً :
- يعني مخطوبة ؟!
فأجابته بحزم : نعم !! وستتأكّد بنفسك حين تراه
فقال لها بلؤم : إذاً انت مطرودة من بنايتي !!
- جيد !! وحين يأتي خطيبي , نصعد سويّاً لأخذ أغراضي
سعيد بحزم : فقط أغراضك التي أتيتي بها , مفهوم !!
- لا تخفّ , لن أسرق أثاث شقتك المفروشة 
- وهل ستذهبين للعيش معه ؟ 
فأجابته بغضب : وما دخلك انت ؟!! اساساً انت رجلٌ ساديّ ولا تطاق
- أحقاً !
- نعم !! ثم من قال انك ستهنأ بزواجٍ إجباريّ .. إن كنت تريد الزواج , أنظر امامك .. فتلك الصبية تريدك

وأشارت الى الفتاة العرجاء .. فقالت العانس بعصبية :
- وانا اريده ايضاً !!
سلوى : ارأيت !! لديك اختياراتٍ أخرى , لهذا إبعد عن طريقي
سعيد : حسناً , انا ذاهبٌ الآن .. وأتمنى ان تغادري قبل ان أعود 
سلوى : سأفعل !! لا تقلق .. لكن أترك الباب الخارجي مفتوح 
***

الاّ ان سعيد لم يخرج من المبنى , بل صعد فوراً الى طابق سلوى .. وأخرج مرطباناً زجاجيّ صغير من جيبه , ورشّ قطراتٍ منه على عتبة بابها .. وهو يقول في نفسه بغيظ :
((كنت متأكداً ان عنادك سيكون سبب نهايتك , فأنت لست الأولى)) 
ثم عاد الى شقته ..
***

وحين قدِمَ خطيبها , طلبت منه مساعدتها في لمّلمة أغراضها من شقتها .. وقد فعل دون ان يسألها عن السبب , بعد ان شعر بضيقها وغضبها المكبوت من أمرٍ ما !

وبعد ان انتهوا من حزم الأمتعة .. ركبت معه السيارة , لتلاحظ بأن صاحب المبنى يودّعها من فوق بابتسامةٍ مريبة ! 
فتمّتمت بقهر : لعنة الله عليك
صديقها بدهشة : عليّ انا ؟!
سلوى : ليس انت , بل صاحب المبنى .. دعنا اولاً نبتعد من هنا , وسأخبرك بالطريق عمّا حصل 
***

وفي الطريق الجبلي ..
صديقها : ولما مُصرّة على العيش في منزل اهلك ؟! فهو بعيدٌ جداً عن الجامعة , وهذا سيرهقك في فترة الإمتحانات 
- واين أذهب بعد ان طردني ذلك الحقير ؟!!
صديقها بقهر : ليتك أخبرتني عن السبب ونحن هناك , لكنت أدّبته لك 
- لا اريدك ان تتعارك معه , فهو شخصٌ شرير ومخيف 
- الهذا كنت تناديني بخطيبك امام الجيران , رغم فسخك لخطوبتنا أول السنة ؟!
- مراد سامحني , فقد إستغلّيت خطوبتنا السابقة للهروب من الموقف.. لكننا سنبقى اصدقاء دائماً 
صديقها بغضب : وانا لا اريد ان أكون صديقك فحسب يا سلوى !!
- مراد رجاءً , لا تتعبني انت ايضاً 
- يبدو انك تريدين البقاء عزباء لتستمتعي بمغازلة الشباب لك 
سلوى بدهشة : ماذا تقصد ؟!
فقال بنبرة شكٍّ وغيرة : لما برأيك شابٌ ثريّ كسعيد يعرض عليك مهراً غالياً كمبناه , إن لم تكوني تودّدتِ اليه سابقاً ؟ 
فصرخت سلوى بغضبٍ شديد : مراد !! لا أسمح لك ان تتكلّم بسوء عن شرفي .. أفهمت ؟!! 

وصار يتشاجر معها دون تركيزه على المنحدرات الخطرة بالطريق الجبلي .. وقبل ان ينتبه ! سقطت سيارته في جرفٍ عميق , بعد عدّة إنقلابات , أدّت الى وفاتهما
***

في اليوم التالي .. سمعت الصبية العرجاء اثناء صعودها الدرج , صاحب المبنى (الخارج من المصعد) وهو يتكلّم مع صاحبه في الجوال قائلاً :  
((كنت وضعت سحراً اسوداً على بابها لأتسبّب بانفصالها عن حبيبها , لكن النتيجة جاءت أفضل ممّا توقعت ! وتسبّب سحري بقتلهما .. لا تقلق , الشرطة لن تلاحظ شيء , فهذه خامس فتاة أقضي عليها ... طبعاً لا !! إقتراحك مرفوض ..فأنا لا احب الفتيات الرخيصات .. بل أحب المُنغلقة على نفسها لأتسلّى بتعذيبها , ثم أتخلّص منها كما فعلت مع غيرها .. فأنت تعرفني , لا أتقبّل رفضهنّ بسهولة .. معك حقّ !! فجميعهنّ يصفنني بالرجل الساديّ , وكم أحب هذا اللقب)) 

ثم ضحك بسعادة وهو يخرج الى المرأب ..
بينما أسرعت منال فزعة الى بيت زوجة ابيها , دون ان تخبرها بما سمعته!
***

بعد يومين مساءً .. كانت منال في غرفتها , حين نادتها زوجة ابيها:
- منال !! تعالي الى هنا حالاً
وحين ذهبت للصالة .. وجدت سعيد بطقمه الرسميّ , وبجانبه زهوراً وعلبة حلوى ..
فقالت السيدة لإبنه زوجها المتوفي , وبوجهٍ بشوش : 
- إبشري يا عزيزتي , فالسيد سعيد قادمٌ لخطبتك

فارتبكت الصبية كثيراً , وبان الخوف على وجهها ! 
فقالت بارتباك : سيد سعيد .. نجوى , الصبيّة التي تسكن في الطابق الأول 
سعيد : ما بها ؟ 
- أرى انها تناسبك أكثر
زوجة ابيها بغضب : نجوى من يا بنت ؟!! ثم هي كبيرةٌ في العمر
منال : ليس كثيراً , فهي تصغر السيد بسنتين
فقال سعيد بحزم : منال !! انا العريس وانا من اختار , وقد اخترتك انت
فقالت السيدة : لا تقلق سيد سعيد , هذا دلع بنات .. وسأحاول لاحقاً إقناعها ولوّ بالقوّة .. (ثم وقفت) .. سأجلب لكما العصير 

واقتربت من منال الواقفة امام باب الصالة , وهمست بإذنها بلؤم : 
- إجلسي بجانبه , وإيّاك ان تضيّعي علينا هذه الفرصة .. أفهمتي !!

وبعد ذهابها الى المطبخ , جلست منال بقربه وهي ترتجف خوفاً ..
سعيد : لا تقلقي يا منال , فعرجتك لا تضايقني .. كما أنوي علاجك بأفضل المستشفيات بالخارج
- ولما اخترتني رغم اعاقتي ؟
- لأنك إنطوائية , وانا أحب هذا النوع من الفتيات 
ثم همس لها : كما ان وحمة ظهرك أعجبتني

فانتفض جسمها رعباً .. فهي دائماً تلبس ثياباً مُحتشمة , فكيف عرف بشأن الوحمة ! 
وهنا أتت زوجة ابيها ومعها العصير .. وبعد ان شرب كأسه , ودّعهما وذهب الى شقته 

وبعد ان أغلقت الباب , إنفجرت منال بالبكاء وهي ترتعش خوفاً ..
فقالت زوجة ابيها بغضب : مابك يا غبية ؟!! الم تكوني تبكين بمرارة حين عرفتي بخطبته للمرحومة سلوى ؟

فأخبرتها بكل ما سمعته , لكنها مع هذا لم تصدّق بموضوع السحر او بقتله للفتيات (المستأجرات السابقات) .. بل أصرّت زوجة ابيها على إتمام الخطوبة بعد ان وعدها سعيد بأن يكتب شقتها بإسمها 

لكن منال استجمعت قواها وقالت : ان كان يعجبك لهذه الدرجة , فتزوجيه انت !! 
وأسرعت بقفل الغرفة على نفسها , مُتجاهلةً صراخ زوجة ابيها الغاضبة 
*** 

بهذه اللحظات .. كان سعيد يشاهد كل ما يحصل من شاشات المراقبة : حيث كان يضع كاميرات سرّية في كل غرفة من شققه الأربعة , دون علم مستأجراته على مدى سنوات , وأغلبيتهنّ من طالبات الجامعات  

فقال ممّتعضاً : أترفضينني انت ايضاً ايتها العرجاء ! اذاً ستكونين ضحيّتي التالية .. فأنا شخصٌ لا يُمكن رفضه .. لكن يا تُرى مالوسيلة التي سأختارها لموتك , عزيزتي منال ؟

وابتسم ابتسامةٍ ماكرة , وهو هائمٌ بأفكاره الشيطانية التي لطالما برِعَ فيها! 

الأحد، 16 ديسمبر 2018

قروش الجنّ

تأليف : امل شانوحة


 
القرية الملعونة !

رفض البائع أخذ نقوده , قائلاً : من اين حصلت على هذه العُملة الغريبة ؟!
المشتري : انها نقود حسن , الم تسمع بها ؟!
وبالصدفة كان يمرّ الحارس بجانبهما , وسمع القصة .. فأخذ العملة النحاسية وذهب بها الى الوالي :
- سيدي , لقد أحضرت لك قروش الجنّ من السوق
الوالي باستغراب : الجنّ ؟! 

الحارس : سأخبرك بما سمعته بالضبط .. يُقال إن هناك مُجبّرٌ بالقرية اسمه حسن , قام بعلاج عجوزٍ كُسرت يده أثناء صعوده الجبل .. فأصرّ عليه ان يرافقه للأعلى رغم حلول المساء .. وهناك قرأ العجوز تعويذة إنشقّ لها الجبل ! ثم طلب من حسن الدخول الى المغارة لأخذ ثمن العلاج , بشرط ان لا ينطق بحرفٍ واحد .. وحين دخل الشاب وجد شعلات من النار تُضيء المكان ! وعقارباً سوداء تحرس ثلاثة جِرار من الفخّار , فاختار جرّة القروش النحاسية دون جرّتيّ الذهب والفضة ! وما ان أخرجها من الجبل , حتى قال بتعب : يا الهي ! كم هي ثقيلة .. وعلى الفور !! أُقفلت بوابة الجبل من خلفه .. فعاتبه العجوز لكلامه قبل إتمام المهمّة , قائلاً : الم تخترّ سوى النحاس ؟! يا لك من رجلٍ منحوس .. ثم تركه وذهب .. من بعدها صار حسن يشتري بهذه النقود بضائعاً من السوق : فرفضها الباعة لأنها ليست العملة المُتداول بها , لكن بعضهم قبلها بعد تأكّده بأنها نحاسٌ حقيقي , وأسموها : قروش حسن , وصاروا يتداولون بها في السوق منذ شهور .. ورغم ان معظم الناس لم تصدّق بخرافة كنز الجبل , الا ان الخبر انتشر بينهم كالنار في الهشيم !  
فطلب الوالي إحضار حسن اليه فوراً .. 
***

وبعد ساعتين .. أحضره الحارس مُكبّلاً الى الوالي 
فقال حسن بقلق : سيدي , مالذي فعلته لتقبضوا عليّ ؟!
الوالي : انت تزوّر عملتنا 
حسن : هي ليست عملتي , بل عملة..
الوالي مقاطعاً : الجنّ .. نعم سمعنا بكذبتك

لكنه أصرّ على كلامه .. فطلب الوالي من الحرّاس إحضار العجوز بعد ان أخبرهم حسن بعنوان كوخه الذي استأجره حديثاً , لأنه غريب عن قريته
*** 

وبعد قليل .. وصل العجوز الى القصر , وطالبه الوالي بإخباره عن جنّ الجبل ..فنظر بغضب الى الحسن الذي كان بحراسة الجندي الآخر , وقال معاتباً : 
- الم أطلب منك صهر العملات النحاسية الى سبيكة او حُليّ قبل استخدامها؟!!
حسن : كنت محتاجاً اليها كنقود .. آسف , لم أقصد فضح سرّك
الوالي بعصبية : كفاكما عتاباً !! وانت ايها العجوز , ستذهب معي الآن الى الجبل لتقول تعويذتك وتفتح لي البوابة السرّية , لأحصل على جرّتي الذهب والفضة .. فنحن أحقّ بها !!.. (بارتباك) ..أقصد خزينة قريتنا

العجوز بخوف : لا أستطيع فعل ذلك الا حينما يكون القمر بدراً 
الوالي : وانا لن انتظر اسبوعين آخرين .. سنذهب الآن ومعنا شعلات النار , ونجمع الناس لرؤية الحدث .. وسنُعطي ديناراً ذهبياً لكل عائلة , امّا بقيّة الكنز فسيكون لخزينتنا.. هل كلامي مفهوم ؟!!
العجوز بقلق : ان فعلت ذلك دون علم الجنّ , سيفتحون علينا ابواب جهنم , فهم يغضبون كثيراً حين ننتهك خصوصيتهم
الوالي بنبرة تهديد : إسمع يا هذا !! ان لم تقلّ تعويذتك هناك , فسأقوم بتفجير الجبل 
العجوز : والله تكون بذلك أحلّلت اللعنة على قريتك الى أبد الآبدين .. انا فقط أحذّرك من هذا التصرّف المتهوّر
الوالي بغضب : ومن انت لتحذّرني ؟!! ..ايها السيّاف !! إقطع رأس هذا المشعوذ الخرف ..

ولم يستطع العجوز القيام بشيء , وذهب طواعيّةً مع السيّاف بعد ان استسلم لقدره ! بينما كان حسن يرتجف رعباً من ان يلقى نفس المصير , الا ان الوالي كان منشغلاً مع حارسه : الذي أمره بإخراج المتفجّرات من المخزن تحضيراً لخطّة المساء  
***

وبعد ان دلّهم حسن على مكان الكنز , تجمّع اهالي القرية تحت الجبل وهم ينتظرون نصيبهم من العملات الذهبية كما أخبرهم حرس الوالي , بينما كان جنوده في هذه اللحظات يفخّخون الجبل بالديناميت 
ومن ثم عمّ السكوت في انتظار اوامر الوالي الذي قال بصوتٍ جهوريّ لقائد جيشه :
- عند الرقم الثلاثة تُفجّر الجبل .. واحد !! اثنان !!..

وإذّ بحسن يصرخ بعلوّ صوته : توقفوا !!!
الوالي بارتباك وقلق : ماذا هناك يا ولد ؟!
حسن : هناك قطة قرب مدخل الجبل , دعني أبعدها رجاءً
الوالي بغضب : لعنة الله عليك وعلى القطة السوداء !! أخفتني يا رجل , ظننتك رأيت جنّياً هناك ! 
حسن : ارجوك سيدي , دعني أُبعدها قبل التفجير
الوالي : إذهب وخذها , ولا تسمعني صوتك من جديد

فأسرع حسن نحو الجبل , وحاول حمل القطة وهو يقول لها :
- مالذي أحضرك الى هنا ؟ هل أضعتِ امك ؟ هيا تعالي .. لا تهربي مني , فأنا اريد إنقاذك ..
ورغم مقاومة القطة العنيدة له , الا انه استطاع ابعادها .. 

لتنطلق بعدها شرارة الإنفجار الضخم الذي صمّ دويّه الآذان ! 
وفجأة !! خرج بريقٌ ذهبيّ يخطف الأبصار من داخل المغارة السرّية التي ظهرت بعد إنقشاع غبار التفجير , ممّا أفقد الناس عقولها ! وصاروا يركضون كالمجانين باتجاه البوّابة , ولم يستطع حرس الوالي منعهم , فتبعوهم الى داخل الجبل .. ممّا أخاف الوالي على كنزه , فلحقهم وهو يتوعّهدهم بالعقاب لعدم إنتظاره 

بينما ظلّ حسن يراقبهم من الخارج , وهو يحمل قطته التي تكلمت معه قائلةً :
- لما فضحت سرّنا يا حسن ؟!
وما ان سمعها تتكلّم ! حتى رماها فزعاً على الأرض .. لتتحوّل الى ملكة الجنّ بجسمها الأزرق وتاجها الإلماسيّ .. ثم نظرت الى الأعلى , ليشاهد حسن قبيلة الجن برجالها ونسائها واطفالها جميعهم يقفون فوق الجبل .. 
وما ان أشارت لهم الملكة بيدها .. حتى تسارع الجن بحمل الأحجار وإغلاق المغارة , ليعلق أهل القرية بداخل الجبل 

ومرّت دقائق قبل ان يستوعب الناس الموقف ! من بعدها تعالت صيحاتهم من الداخل , وهم يحاولون إزاحة الأحجار الضخمة عن البوّابة .. 
فقالت الملكة لحسن : 
- عقاربنا وثعابيننا ستقوم بدورها في القضاء على اولئك الطمّاعين .. اما انت يا حسن !! فرغم غضبنا منك لفضحك مقرّنا , الا ان إنقاذك لي جعلني أغفر ذنبك .. والآن أخرج من قريتك , فقد أصبحت ملعونة الى أبد الآبدين 
***

كل الأحداث المرعبة التي ذُكرت سابقاً : شاهدها الصبي لؤي خلال ثوانيٍ بعد لمسه للعملة النحاسيّة الموجودة في المتحف , والمكتوب في بطاقتها التعريفيّة : قروش الجنّ .. 
ولم يعدّ لواقعه , الا بعد سماع استاذه بجانبه يعاتبه :  
- لؤي !! لا تلمس شيئاً في المتحف  

فأبعد لؤي يده , وهو يرتجفّ ممّا شاهده ! بينما كان حارس المتحف يُخبر أصدقائه عن هذه العملة (ضمن رحلتهم المدرسيّة) قائلاً لهم : 
- ولا أحد يعرف مصدر هذا القرش النحاسيّ الذي وُجد في جيب عجوزٍ اسمه حسن , مات في مصحٍّ نفسيّ قبل قرنٍ من الزمن ..كل ما قاله لهم : انها آخر ما تبقّى معه من قروش الجنّ
فرفع لؤي يده وهو يقول للحارس : انا أعرف قصّة حسن كاملةً

وقبل ان يُكمل كلامه , لمح لوحده قطةً سوداء أسفل طاولة الآثار تضع يدها على فمها وكأنها تأمره بالصمت ! ثم لمعت عيناها كلهيبٍ من النار , قبل ان تختفي .. 

ولم يستوعب لؤي ما رآه ! الا بعد سماعه لضحكات أصدقائه الساخرة بعد ان لوّث ملابسه بسبب الخوف 
فقال الأستاذ للحارس وهو يكتمّ ضحكته : يبدو ان سيرة الجن أرعبته

فركض لؤي باكياً الى الخارج , مُتجهاً الى بيته القريب من المتحف .. بينما أكمل اصدقائه جولتهم بين الآثار , بعد ان تناسوا قصّة قروش الجنّ التي لن ينساها لؤي طوال حياته !
*********

ملاحظة :
هذه القصّة مستوحاة من أحداثٍ قرأتها في قسم : تجارب ومواقف غريبة , من موقع كابوس .. بعنوان : حسن قروش.. ويُقال انها قصّة حقيقية ! 
الرابط :
https://www.kabbos.com/index.php?darck=1172

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...