الأحد، 27 أبريل 2025

جندي الحدود

تأليف : امل شانوحة 

 

المهمّة الصعبة


اثناء وقوف الجندي (الثلاثيني) بجانب كوخه الحديديّ على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مسح فمه الملي بالدماء بسبب اصطكاك اسنانه من شدّة البرد مع بدء العاصفة الثلجيّة.. وكان يشعر ايضاً بالجوع والإرهاق ، حين سمع سائق شاحنة نقل (ستيني) يناديه من بعيد : 

- ايها الجندي !! إن كنت جائعاً ، فتعال الى بيتي .. هو لا يبعد كثيراً عن هنا 

الجندي بصوتٍ مرتفع : لا يمكنني ترك مكان الحراسة !!

- لن يلاحظ احد غيابك بهذه العاصفة الثلجيّة

- سأُطرد من عملي إن لم يجدني الضابط في مكاني

العجوز : لن يترك مكتبه الدافئ للإطمنان عليك بهذا البرد القارص .. هيا تعال لتذوّق طعام زوجتي اللذيذ 


فرضخ الجندي لدعوة السائق بعد اشتداد العاصفة ، خاصة بأن الشمس على وشك المغيب

***


وفي الكوخ الذي يبعد نصف كيلو عن مركز تفتيش الحدود.. جلس الشاب في الصالة امام المدفأة ، حين قدمت زوجة العجوز (الخمسينيّة) ومعها شوربة ساخنة :

- خذّ يا بنيّ ، إدفئ معدتك


وكانت هذه اول وجبة ساخنة له منذ ايام ، فهو اعتاد على الشطائر الباردة التي احياناً ينسون إرسالها (مع احد الجنود) لساعاتٍ طويلة !

^^^


وبعد انهاء شوربته .. قالت السيدة : 

- ستنتهي طبخة الفاصولياء بعد قليل..ما رأيك لوّ تستحم ، كيّ اغسل ملابسك ؟

الجندي بإحراج : لم استحمّ منذ اسبوعين ، ولم أُحضر معي غيارات

- انت نحيف كزوجي ، سأعطيك بيجاما من عنده .. اما زيّك العسكري ، فستجفّفه نشّافتي الكهربائيّة خلال ساعة 

العجوز : هيا يا بنيّ .. إستحمّ ، فالمياه ساخنة

^^^


وبعد نصف ساعة ، خرج من الحمام لتناول العشاء معهما ..

الجندي : والله يا عمّ ، أجمل دشّ في حياتي .. فأنا لم أحظى بمياهٍ ساخنة منذ التحاقي بالجيش !

العجوز : اذاً تناول طعامك ، فزوجتي تهتم الآن بغسل ملابسك 

^^^


بعد ساعة.. وضع له العجوز فراشاً صوفيّاً امام المدفأة مع بطانيّة سميكة ..

الجندي : لا ادري حقاً كيف أشكركما ، فأنا لم اشعر بهذا الحنان من قبل ! 

السيدة بقلق : هل كان والداك قاسيّن عليك ؟!  

فتنهّد الجندي بحزن : 

- انا يتيم .. اوّ بالأصحّ لقيط .. وجدوني مرميّاً فوق الثلوج ! وعشت 18 سنة بالميتم ، قبل ان يجبروني على تركه .. فأصبحت مُشرّداً بالشوارع لسنتيّن ، الى ان وجدت إعلاناً للإلتحاق بالجيش.. فسجّلت لديهم ، لتوفير السكن والمأكل .. وبعد سنة من تخرّجي ، ارسلوني الى الحدود .. والله يا عمّ اوشكت على الجنون لبقائي وحدي ، وصرت أكلّم نفسي لساعاتٍ طويلة ! 


العجوز : الا يوجد من يساعدك بالعمل ؟! 

- هناك ضابط ومساعديه ، يأتون من وقتٍ لآخر للإطمئنان على سلامة الحدود

السيدة : ومنذ متى وانت هنا ؟!

الجندي : شهران تقريباً .. والغريب انني لم ارى منزلكما من قبل ؟!

السيدة : هو مُخفي خلف التلّ الصغير

العجوز : إخبرنا عن اهميّة عملك ؟ 


الجندي : للآن مسكت إثنين : احدهما سائق شاحنة مخدّرات.. ولولا لطف ربي لقتلني بسلاحه.. والثاني : مُهاجر غير شرعي.. وحالياً موقوفان بمركز الشرطة.. ونجاحي بتلك المهمّتيّن أشعرني بالفخر ، لخدمة بلادي .. فالضابط اخبرني انه مهما اشتدّت الظروف ، فواجبي هو خدمة الوطن .. وسأفعل ذلك حتى نهاية السنة .. بعدها يستبدلونني بجندي آخر ، حسب اقوال ضابطي !  

ثم بدأ بحكّ قدميه بألم .. 

السيدة : لاحظت إحمرار اصابعك 

الجندي : الحذاء ضيقٌ للغاية ، وأحدهما ممزّق .. لذلك شعرت ببرودة الثلج 

فوقفت السيدة وهي تقول : 

- سأحضر مرهماً وجوارب سميكة .. 

- سلمتي يا خالة 


العجوز : كان الله في عونك يا بنيّ ، فمهمّتك صعبة للغاية !

الجندي بضيق : ماذا افعل ؟ هذا قدري .. ربما ولدّت بالثلج ، وسأموت من البرد ايضاً !

- لا تقل هذا ، فمنزلي موجوداً لخدمتك .. متى شعرت برغبة للإستحمام او احسّست بالجوع او اردّت مكاناً دافئاً للنوم ، فتعال الى هنا .. فأنا عملي هو نقل البضائع بين الدولتيّن ، وأقلق كثيراً من بقاء زوجتي وحدها في المنزل .. 


وهنا سمعته زوجته .. فقالت وهي تعطي الدواء والجوارب للشاب :

- هذا صحيح ، تعال الينا متى شئت .. فأنت بمقام ابني المرحوم

الجندي بدهشة : متى توفيّ ؟!

العجوز بحزن : كان بمثل عمرك ، وتوفيّ بحادث سير قبل سنتيّن .. ومن وقتها نعيش وحدنا بهذا المنزل الذي بنيناه بأنفسنا

الجندي : لكنه بعيد عن المحال التجاريّة !

السيدة : لا تقلق ، لديّ مؤونة غذائية تكفينا لفصل الشتاء 

الجندي : وماذا عن الحيوانات البرّية ؟

العجوز : وضعنا مصائد حول المنزل ، كفيلة بإبعاد الدببة والثعالب عنا  

السيدة : نحن تعوّدنا على الحياة الصعبة .. لكن انت ! مازلت شاباً ، وعليك الزواج وبناء عائلة

الجندي بقهر : اساساً لم اشعر بدفء العائلة الا معكما

 

ولم يُنهي جملته ، حتى حضنته السيدة بحنان ! جعلته ينهار ببكاءٍ مرير ، كأنه كتم مشاعر الإحباط والحزن طوال حياته .. فهي المرة الأولى التي شعر بها بمحبّة الأم ! بينما العجوز يراقبهما بعيونٍ دامعة ، وهو يشعر بالأسى عليه 

^^^


وبعد ساعة .. تركاه في فراشه امام المدفأة ، ليحظى بأجمل نومة في حياته : نظيفاً وشبعاً ..ودافئاً من الخارج ، ومن الداخل ايضاً بعد شعوره باهتمام وحب العائلة لأول مرة منذ ولادته التعيسة !

***


في صباح اليوم التالي .. نظر الضابط الى جثة الجندي المُتجمّدة (فوق كرسيه بكوخه الحديديّ) وعلى وجهه ابتسامةً عريضة ! 

ليسمع مساعده يقول باستغراب : 

- يبدو انه شاهد مناماً رائعاً قبل موته !

الضابط : هو بطل ، لم يترك مكانه رغم العاصفة الثلجيّة 

 

ثم طلب من مساعديّه دفن الجثة .. ثم أدّوا التحيّة العسكريّة له ، قبل عودتهم الى مركزهم الدافئ الذي يبعد عدة كيلومترات عن الحدود  

^^^


وهناك اتصل الضابط بالمركز ، طالباً إرسال جندياً آخر الى الحدود .. وختم كلامه بالقول :  

- ولا تنسوا ان يكون مقطوعاً من شجرة .. ففصل الشتاء عندنا قارصٌ للغاية ، لهذا لا نريد إزعاجاً من الأهالي بمهمّة ابنهم الإنتحاريّة


وبعد إنهاء الإتصال ، تساءل الضابط في نفسه امام مدفأته الكهربائيّة:

((تُرى مالذي شاهده الجندي البائس في منامه ، جعله يموت مُبتسماً لهذه الدرجة؟!))


الجمعة، 25 أبريل 2025

الهاربة من العار

تأليف : امل شانوحة 

الموهبة الملعونة


في حديقة قصرٍ فخم بتركيا .. إستراح الممثلون بنهاية تصويرهم للمشاهد اليوميّة من مسلّسلهم الرومانسي الذي حصل على اعلى نسبة مشاهدة بموسمه الأول ، حينما اعلن المخرج عن قدوم كاتبة القصة (ريم) للسلام عليهم ، والتي لم يروها من قبل ! وهي كاتبة عربية تعيش في اميركا منذ سنوات


ليجدوها مُحجّبة دون مكياج ، وبدينة بعض الشيء ! ومع ذلك تتمتّع بجمال وجهها وبراءتها الطاغية ، رغم تجاوزها الثلاثين .. وايضاً شعروا بعفويّتها وضحكتها القريبة من القلب ، كأنهم يعرفونها منذ زمن ! 

كما فهموا سبب إشتراطها : خلوّ مسلّسلها من القبلات والألفاظ القذرة او الملابس الفاضحة ، كونها مُلتزمة دينيّاً .. فحلقات مسلّسلها أظهرت الحب بأسمى صوره : من احترامٍ وثقة ، وحنانٍ مُتبادل بين البطليّن


واثناء زيارتها العابرة .. توجّهت نحو طاولتهم (في الحديقة) ام تحمل طفلتها الرضيعة وإبنها البكر ٥ سنوات (المشاركان في المسلّسل بموسمه الثاني) بعد إطعامهما في مطبخ القصر .. 


وما ان اقتربت الأم من ريم .. حتى تفاجأت بترك ابنها يدها ، وارتمائه بحضن الكاتبة ، وسط دهشة الجميع ! 

فسأل المخرج ام الطفل : هل كاتبتنا تُشبه احداً من اقارب الصبيّ ؟!

الأم بدهشة : لا ! وهذا ما استغربه .. فأنتم تعرفون ابني جيداً .. هو لا يندمج بسهولة مع الغرباء ! وقد واجهنا هذه المشكلة بحلقاته الأولى بالمسلّسل

فقال المصوّر : هذا صحيح .. فرغم انه معنا منذ عشرين حلقة ، الا انه مازال يمنعني حمله او الإقتراب منه ! 


وعندما حاولت الأم إبعاد ابنها عن ريم ، وجدت طفلتها (التي تحملها) تمدّ يديها نحو الكاتبة ، كيّ تحملها ايضاً !

فأمسكت ريم بالطفلة ، بينما يصرّ اخوها البقاء في حضنها 

الأم باستغراب : ولدايّ أحبّاك بالفعل ! 

ريم بابتسامة : الأطفال يتجمّعون حولي في الأونة الأخيرة ، كأني مغناطيساً لهم.. ولا ادري ما السبب ! 

المخرج : هذا من طيبة قلبك ، فالأطفال يميّزون الطيّب من الخبيث

المصوّر ممازحاً : على هذه الحال ، يبدو انني من الشياطين

فضحك الجميع ..


فتابعت الكاتبة حديثها معهم ، والطفلان هادئان في حضنها .. وبعد ان أفهمتهم تصوّرها العام عن مسلّسلها ، ودّعتهم للذهاب الى الفندق .. لكن الصبي انفجر بالبكاء ، رافضاً الإبتعاد عنها.. وكذلك الطفلة التي لم ترغب العودة لأمها! 

الأم : لقد حلّ المساء وعليّ تنويم الطفلة اولاً ، ثم اخوها .. فكلاهما مُستيقظيّن باكراً

الولد مُعترضاً : لن انام الآن !! اريد اللعب بالأرجوحة 

 

فوافقت الأم على طلبه .. فأمسك الصغير يد الكاتبة :

- الأرجوحة كبيرة ، تعالي واستلقي بجانبي .. واخبريني قصةً جميلة

فابتسمت ريم : حسناً سأفعل ، لكن دعني أنوّم اختك اولاً .. إن سمحت امك بذلك 


فوافقت الأم .. لتحمل ريم الطفلة الى داخل القصر .. وتجلس على الكرسي الهزّاز في شرفة الصالة ..


فقال احد الممثلين : ليتنا نسمع ما تغنيه للطفلة ، فلديّ فضول لمعرفة اغنية النوم الخاصة بالعرب 

فقال حامل عصا الصوت (ميكروفون البووم الطويل) : دعوا الموضوع لي 


ووقف خفيّةً خلف كرسيها الهزّاز ، بعد مدّه عصا الميكروفون فوقها .. ليسمع كل من في الحديقة ، صوتها العذب اثناء تنوّيمها الطفلة 

^^^


وبعد ثلاثة اغاني خاصة للأطفال ، نامت الصغيرة بهدوء .. فسلّمتها لأمها .. ثم خرجت للحديقة ، لتُفاجأ بادّعاء طاقم التصوير والممثلين النوم فوق كراسيهم ! 

فضحكت ريم : لا ! مستحيل ان تكونوا سمعتموني ، فقد غنيّت بصوتٍ منخفض

فلوّح عامل الصوت بالعصا مبتسماً ..

ريم بخجل : سامحك الله يا رجل !


فقال مهندس الإضاءة : وانا ترجمت لهم كلمات الأغنية .. فأنا عربي مثلك ، ومن بلدك ايضاً 

ريم بدهشة : لم اكن اعلم ! اهلاً وسهلاً بإبن بلادي 

فردّ عليها : ما شاء الله ، صوتك جميلٌ للغاية .. ذكّرتني بفنّانةٍ قديمة ، لكني نسيت اسمها !

فابتسمت على مضضّ ، وكأن كلامه ضايقها ! بل وأربكها ، لدرجة انها أخرجت جوالها وهي تقول لهم :

- سأتصل بالسائق لأخذي للفندق


فناداها الصغير المستلقي في الأرجوحة :

- هيا خالتي !! انت وعدّتني بقصةٍ جميلة

ريم : آه نسيت ذلك !

المخرج : لقد حلّ المساء .. إبقي هنا ، وغداً تذهبين

الأم : رجاءً إبقي معنا .. فلوّ استيقظ ابني غداً دون ان يراك ، سينفجر بالبكاء

ريم : حسناً ، سأبقى لليلةٍ واحدة .. لكن عليّ الإتصال بصديقتي ، فهي قدمت معي من اميركا وتنتظرني بالفندق

^^^


وأعطتها الأم بيجاما طويلة الأكمام .. بينما أبقت ريم على حجابها ، وهي تحاول تنويم الصبي معها على الأرجوحة.. وما ان انهت قصة الأطفال ، حتى غفى الصغير فوق صدرها .. وكانت القصة رائعة ، لدرجة ان الممثلين فضّلوا البقاء في الحديقة لسماعها !


وقبل محاولة ريم الخروج من الأرجوحة (دون إيقاظ الصغير) تفاجأت بقطّة القصر تحمل صغيرها بفمها ، وتقفز نحوها .. لتستلقيان على حضنها!

فقالت ريم للجميع من بعيد : 

- يبدو عليّ فتح حضانة للأطفال والحيوانات معاً !


وقبل مناقشتها في الموضوع ، سمعوا احدهم يخرج من القصر وهو يقول للمخرج : 

- كنت أنظّف قفص العصفور ، فهرب دون انتباهي من النافذة 

المخرج معاتباً : هذا العصفور هو هديّة البطل للبطلة ، وعلينا تصويره بمشهد الغد .. وانت تعرف انني أحضرته من المدينة ، لأنه لا يوجد محلّ للطيور في القرية


وقبل إكمال كلامه ، سمعوا ريم تنادي من بعيد :

- أهذا عصفوركم ؟!!

وكان يقف على رأسها !

المخرج : نعم هو .. رجاءً إمسكيه قبل ان يطير مجدّداً .. وانتبهي ان تهجم القطة عليه  


فأمسكته ريم بسهولة ، ووضعته قرب القطة التي صارت تنظفه بلسانها ، كأنه إبنها (النائم بجانبها)

المخرج معاتباً : آنسة ريم !! انت كتبت مشهديّن لهذا العصفور ، رجاءً لا نريدها ان تأكله قبل انتهاء دوّره في المسلّسل 

ريم بثقة : لا تقلق ، الحيوانات تصبح أليفة بجانبي 


وقبل توضيح كلامها .. سمعوا صراخ عامل الزريبة (القريبة من القصر) وهو يناديهم :

- أوقفوا الحصان المجنون !!


فابتعدوا جميعاً عن الحصان الهائج الذي توقف فور رؤيته ريم ! ثم اقترب من ارجوحتها بهدوء ، سامحاً لها تمسيد شعره بحنان وهي تسأله :

- هل هربت من الزريبة لرؤيتي ؟ 

فهزّ الحصان رأسه ، كأنه موافق على كلامها !

ريم : وانا ايضاً احبك .. لكن عليك العودة الى زريبتك ، فنحن بحاجة اليك بالمسلّسل

فإذّ بالحصان يذهب طواعيّةً مع العامل الذي امسك لجامه لإعادته للزريبة ، وسط دهشة الجميع !


وهنا قطعت ريم صمتهم ، ممازحة :

- بقيّت غزالة وأرنبان ، وأصبح سنوّوايت

المخرج : غريبٌ فعلاً ! لما الأطفال والحيوانات يحبونك من النظرة الأولى؟! 


لكن ريم لم تجيبه ، بل نهضت بهدوء من الأرجوحة وهي تحمل الصبيّ النائم .. تاركةً القطة وإبنها نائميّن بهدوء هناك .. والعصفور يحلّق فوقها 


وهنا سارعت الأم بأخذ ابنها ، لتنويمه بجانب اخته (بالغرفة المخصّصة لهم بالقصر) 

ثم رفعت ريم اصبعها ، ليقف العصفور عليه .. واقتربت من العامل وهي تقول :

- رجاءً أعده الى قفصه .. (ثم نظرت للجميع).. والآن اعتذر منكم ، فأنا قادمة من السفر ومتعبة للغاية .. سأنام بغرفة الضيوف .. وغداً أودّع الطفليّن ، وأعود للفندق .. تصبحون على خير  

***


في اليوم التالي .. ذهبت ريم للسوق باكراً ، لإحضار لعبتيّن للصغيريّن قبل توديعهما .. واثناء فطور الممثلين وطاقم التصوير بالصالة ، قدمت صديقتها للسؤال عنها .. فأخبروها أن عليها إنتظار عودتها


ثم سألها المخرج عن سبب عشق الأطفال والحيوانات لريم ؟! 

فأجابت صديقتها : ربما هو تعويضاً لصبرها على ذلك الشيطان ، عجّل الله بموته

فلم يفهموا قصدها !

فأكملت قائلة : هي ستغضب مني ان اخبرتكم الحقيقة .. لذا فليبقى سرّاً بيننا


ثم توجّهت لتلفاز الصالة ، التي حوّلت شاشته الى اليوتيوب.. وقبل عرضها الفيديو ، قالت لهم :

- رجاءً لا تخبروها بفضحي سرّها ، وإلاّ ستنتهي صداقتنا.. فإسم ريم الحقيقي هو زمرّدة التي اشتهرت قبل عشر سنوات من خلال فيديو كليب واحد والأخير لها

فصُدم الجميع بأن ريم المُحجّبة الخجولة هي بالأصل مُغنية !

فأكملت صديقتها : سأريكم الفيديو كليب الذي وصل عدد مشاهداته اليوم الى ١٠٠ مليون .. ثم اخبركم لما تركت الفن بعد وصولها للقمّة من اغنيةٍ واحدة


وعرضت الفيديو .. ليتفاجأوا بجمال ريم الخلاّب وجسمها الرشيق ، وعفوّيتها بالرقص مع صوتها العذب الأخّاذ ! ورغم ان الأغنية بالعربي الا ان الممثلين الأتراك طربوا من لحنه الجميل الراقص ! 


وبعد انتهاء الفيديو ، سألتها بطلة المسلّسل :

- ولما تخلّت ريم .. أقصد زمرّدة عن شهرتها بهذه السرعة ؟!

فعرضت صديقة ريم على التلفاز ، صورة لرجلٍ عجوزٍ قبيح .. قائلةً بضيق :

- بسبب هذا اللعين !! فهو رئيس المخابرات في بلدنا ، وذوّ سمعةً سيئة .. فهو يلاحق الفنّانات والمشهورات على التواصل الإجتماعي ، للحصول على علاقةٍ عابرة مقابل آلاف الدورلات .. وقد عرض على زمرّدة : إعطاء ثقلها ذهباً ! فرفضت طلبه .. فهي من عائلةٍ محافظة ، رفضوا دخولها الفن منذ البداية .. لكنه لم يقبل رفضها ، وهدّدها بقتل كل معارفها ! 

المخرج بقلق : هو رجل دولة ، هل يعقل ان يرتكب جريمة لمتعته الشخصيّة ؟!


فردّت بحزن : هذا الملعون يخافه الجميع ، حتى رئيس الحكومة ! وهو بالفعل متورّط بمقتل فنانتيّن ، وتشويه اخرى بالأسيد ! لهذا هربت زمرّدة مع اهلها ليلاً ، عن طريق البحر .. وعندما وصلت لأميركا ، دفعت ما ربحته من الأغنية ، لتغيّر اسمها واسم عائلتها.. وقد أحدث إختفائها المفاجئ عن الساحة الفنّية بلبلةً إعلاميّة ضخمة ، فالجميع طالب بعودتها بعد عشقهم لأغنيتها الناجحة .. لكنها التزمت منزلها بالغربة ، حيث أكملت تعليمها على الإنترنت .. وبعدها أخبرتني انها تعرّفت على شابٍ خلوق ، كان حبها الأول .. وللأسف قبل عرسها بأيام ، وجدوه مقتولاً بظروفٍ غامضة .. ولم يجد المحقق سوى ورقة قرب جثته ، مكتوباً بالعربي ((هذا جزاء رفضك لي)) ..لكنها لم تخبر المحقق بشيء ، خوفاً ان يعرف اللعين اسمها الجديد .. وبعد العزاء ، إنتقلت لمدينةٍ امريكيّة اخرى .. حيث تعمّدت الأكل بشراهة لتشويه جمال جسدها.. كما تحجبت ، والتزمت منزلها لسنوات بعد صدمتها بمقتل حبيبها بسببها ! .. وقبل سنتيّن .. اعلن رئيس المخابرات المتقاعد توّبته من خلال تصوير عمرته للبيت الحرام على كرسيه المتحرّك ، بعد إصابته بشللٍ نصفيّ بحادث سير ! فتنفّس اهل زمرّدة الصعداء وعادوا الى بلادهم.. لكن زمرّدة .. أقصد ريم قرّرت القدوم الى تركيا ، لعرض قصّتها التي ألّفتها اثناء عزلتها .. والتي تخيّلت فيها حياتها الجميلة مع عريسها المرحوم ! لهذا نجح مسلّسلكم بموسمه الأول ، لصدق مشاعرها بالقصة


فسألها بطل المسلّسل : الا تنوي ريم العودة الى بلدها ؟!

فأجابته : قالت لي بأنها ستعود عندما يموت اللعين ، فهي لا تصدّق توّبته! 

المخرج : يبدو ان الله عاقبه بالشلّل على ما فعله بفنّاناتكم !

صديقة ريم : هو يستحق اكثر من ذلك ، فهو حرمها الزواج وبناء اسرة .. لذلك عوّضها الله بمحبّة الأطفال والحيوانات .. فهي عاشت الأمرّين في الغربة بعد خسارة حبيبها ، وتخلّيها عن موهبتها المميزة التي كانت ستوصلها لقمّة الشهرة والثراء .. ومع ذلك فضّلت الحفاظ على دينها وشرفها وسمعة عائلتها.. لذلك يعشقها الأبرياء الطاهرين ، فهي تشابههم بنقاوة القلب والضمير !


وهنا سمعوا فتحة الباب الخارجيّ للقصر مع صرخة الصغير بحماس :

- خالتي ريم وصلت !!

فأشارت صديقتها للجميع (بأصبعها على فمها) بكتمان السرّ الذي أخبرتهم عنه..


وبعد تقديم ريم الهدايا للصغيريّن ، ودّعت الجميع قبل عودتها القريبة لأميركا.. على امل رؤيتهم بالحلقة الأخيرة من الموسم الأخير .. ثم انتظرت صديقتها في السيارة 


فأوقف مهندس الإضاءة (العربي) صديقة ريم جانباً ، وسألها بصوتٍ منخفض :

- عفواً قبل ذهابك ، هل تخبريني بعنوانكما الحاليّ ؟ فقريبي يعمل بأحد فنادق المنطقة .. فإن كان نفس الفندق الذي تنزل فيه الآنسة ريم ، وصيّته الإهتمام بكما

فأخبرته صديقتها بإسم الفندق..


وعاد الجميع الى عمله وهم يشعرون بالأسى على الحياة الصعبة التي واجهتها ريم بمفردها.. دون ان يكون بمقدورهم تخفيف همومها ، بعد ان وعدوا صديقتها بكتمان السرّ !

***


في نفس الليلة .. أجرى مهندس الإضاءة عدّة إتصالات ، حتى وصل اخيراً الى مراده .. ليسمع صوت العجوز الأجشّ ، يسأله بضيق : 

- مساعدي أخبرني بإصرارك على التحدّث معي شخصيّاً !

فسأله المهندس بخبث : 

- سيدي ، هل مازال عرضك القديم قائماً بشأن غزالتك الشاردة؟

فردّ العجوز (الذي لم يكن سوى رئيس المخابرات المتقاعد المشلول) بسعادة : 

- أتقصد زمرّدة ؟!

- نعم سيدي 

العجوز بحماس : وبأيّ منطقةٍ امريكيّة تعيش الآن ؟

- هي حالياً في تركيا ، ومن دون اهلها.. لكن عليك الإسراع ، فهي ستعود الى واشنطن بنهاية الإسبوع

- أعطني عنوانها بالحال ؟


المهندس بمكر : أولاً إرسل قاتلك المأجور الى المطار مع حقيبة المليون دولار ، فهي جائزتك التي اعلنت عنها سابقاً .. وأعدك أخذه بنفسي للفندق الذي تنزل فيه المحروسة

- ايها الطمّاع ! .. (ثم فكّر قليلاً).. لا ، غيّرت رأيّ .. لن ارسل قاتلاً مأجوراً ، بل من يخطفها ويعيدها اليّ .. فأنا لم أشفي غليلي من تمرّدها عليّ

- وماذا عن توبتك التي اعلنت عنها بعد شللك ؟.. اعتذر سيدي ، لم اقصد الإهانة

العجوز بغيظ : انا تبت عن كل المعاصي الا الإنتقام من تلك الصعلوقة التي كسرت كلامي ، وصغّرتني في الساحة الفنّية التي سيّطرت عليها لعقود ! لهذا سأنشر فيديو لرجالي وهم يعتدون عليها بجميع وسائل التواصل الإجتماعي ، لتكون عبرة للجميع

- أوصل مكافأتي اولاً .. وستكون لك ، لتفعل بها ما تشاء.. سلام

- لحظة !! قبل ان تغلق.. كيف كشفت مكانها ؟! 


المهندس : بالحقيقة لم اعرفها حين رأيتها اول مرة ، فهي غيّرت اسمها لريم .. كما تعمّدت تشويه جمالها بالبدانة ، وإهمال بشرتها .. لذلك لا تنتظر ان تكون فاتنة كما كانت

- المهم ان أحطّم روحها ، كما حطّمت كبريائي !! .. ثم لم تخبرني بعد كيف وجدتها ، بينما عجزّ رجالي عن ذلك ؟!

- بالصدفة سيدي .. فأنا اعمل مع طاقم تصوير مسلّسلها ، بعد ان وجّهت موهبتها الى تأليف القصص.. وصديقتها الغبيّة فضحت سرّها.. والآن سأغلق المكالمة.. بانتظار فيديو موتها بفارغ الصبر

العجوز : سأحرص ان يكون ببطءٍ وألمٍ شديديّن !! 


وانفجر ضاحكاً ، لنيل مراده الخبيث بعد طول انتظار ! 


الاثنين، 21 أبريل 2025

مسابقة الحب العذري

تأليف : امل شانوحة 

الفائزان بالجائزة


إعلان بوسائل التواصل الإجتماعي جذب الصبايا والشباب الأجانب ، رغم صعوبة شروط المسابقة وهي : ان تكون اعمارهم بين ٢٢ و ٣٥ سنة.. مع إلزاميّة اجراء فحصٍ طبّي يؤكّد خلوّهم من الأمراض ، بالإضافة لعفّتهم وطهارتهم الجسديّة.. كما يُشترط عدم زواجهم او ارتباطهم بعلاقاتٍ اخرى .. مع تمتّعهم بالجمال والجاذبيّة ، والشهادة العلميّة.. 

ولأن هذه الشروط تعتبر تعجيزيّة في بلدٍ اوروبيّ ، تمّ نقل المسابقة لمنطقةٍ ريفيّة التي مازالت العائلات فيها تهتم بأخلاقيّات ابنائها. .


وقد نجح المُنتج الثريّ بجمع خمسة صبايا وخمسة شباب (عذارى) في برنامجه الواقعيّ الذي سيُنقل يوميّاته مباشرةً على التلفاز الوطني .. والذين تعرّفوا على بعضهم في اليوم الأول بالمزرعة الضخمة التي استأجرها الثريّ خصيصاً للبرنامج.. 


وهناك أخبرهم نائبه (مدير المسابقة) بشروط البرنامج  

اولاً : إلباسهم ثياباً ريفيّة تناسب عملهم بالمزرعة .. لهذا منعوا من إحضار ملابسهم القصيرة او بناطيلهم الممزّقة (بالموضة الدارجة) او ادوات الزينة (المكياج للصبايا)

وثانياً : إلزامهم بوضع طوقٍ حديديّ في رقابهم ، يسمح لمُعدّي البرنامج بصعقهم كهربائياً (ألمٍ محمول) في حال نطقوا بألفاظٍ جارحة او بذيئة ، او حاولوا التلامس بشكلٍ غير لائق ..وإن تكرّرت مخالفاتهم ، يُطردون من البرنامج (المناسب لجميع افراد العائلة)


فسألت إحدى الصبايا المدير :

- لم نفهم بعد غرضكم من البرنامج ؟!

فأجابها : مُنتجنا يطمح بإنجاح الحبّ العذري بينكم .. فمع عيشكم سويّاً داخل المزرعة وقيامكم بالأعمال المرهقة : كالإعتناء بالمواشي والمزروعات ، ستنشأ روابط صداقة بينكم ، ربما تطوّر الى عشق خلال الشهور الثلاثة المُخصّصة للبرنامج

الصبيّة : اذاً هو برنامجٌ رومانسيّ ؟!

المدير : نعم ..لكن ليس بالمفهوم الحديث ، بل بمبادئه القديمة

- ماذا تقصد ؟!

- مع الأيام ستتعرّضون لضغوطاتٍ جسديّة ونفسيّة ، لاختبار حبكم وإخلاصكم لبعض .. والنتيجة : امّا إنهيار العلاقة الحديثة ، او زيادة قوّتها .. ومن يصل للنهائي دون إتصالٍ جسديّ مُخلّ بالأخلاق العامة ، سيُكافأ بعرسٍ اسطوريّ يُنقل مباشرةً على وسائل التواصل الإجتماعي ، بالإضافة لمنزلٍ مُجهزٍ بالكامل للعريسيّن


فقال احد الشباب : ربما ينتهي البرنامج بخمسة اعراس ؟

المدير : لست متفائلاً مثلك ، فالضغوطات المُقرّرة بالبرنامج لا يمكن لأيّ شخصٍ تحمّلها.. فهل انتم مستعدوّن لها ؟!!

فأجابوه بالموافقة ..

المدير : حسناً !! غرفة البنات المشتركة ستكون بأعلى منزلكم الخشبيّ ، بينما الشباب بالقبوّ .. وستتشاركون المطبخ ، بالإضافة للزريبة والمزرعة .. مع العلم بوجود كاميرات في كل زاوية من ارجاء المزرعة المُسيّجة بالأسلاك الكهربائيّة

الشاب : لا تقلق ..لن نهرب من هذا المكان الساحر ، خصوصاً مع جائزتكم الضخمة  

المدير : الأسلاك موضوعة ايضاً ، لمنع المُعجبين من إقتحام المزرعة.. فأنتم حينما تخرجون من هنا ، ستتفاجأون بأعداد المشاهدين بالخارج .. لكنكم لن تعلموا ذلك طوال مكوثكم هنا ، بعد منعنا الجوّالات والتلفاز او حتى التواصل مع اهلكم وأصدقائكم .. والآن انطلقوا لاستكتشاف المكان ، فغداً تبدأ اعمالكم المُرهقة

^^^


فانطلقوا بحماس لغرفتيّ النوم ، لاختيار سرائرهم وخزائنهم المليئة بالملابس الريفيّة.. ثم توزّعوا في ارجاء المزرعة الضخمة ، والزريبة التي اشمئزت من رائحتها بعض الصبايا (القادمات من المدينة) والتي سيُجبرن على العمل فيها منذ صباح الغد


وبعد تناولهم الطعام الذي تشاركوا في إعداده بالمطبخ.. ذهب كل واحدٍ الى سريره ، بانتظار بدء البرنامج الريفيّ الذي يُعدّ الأضخم إنتاجاً لهذا العام

***


منذ اليوم الاول ، ظهرت شخصيّة جاك القياديّة اثناء تقسيمه الأعمال على زملائه.. فاعترض احدهم باشمئزاز :

- لما عليّ العمل بالزريبة القذرة ، بينما تعمل حضرتك بالحقل؟!

جاك : لا تقلق ، الأعمال ستتبدّل بيننا كل يوم.. وربما بعد اسبوعيّن من بقائنا هنا ، ستظهر مهارة كل واحدٍ منا.. حينها أضع كل شخصٍ في المكان الذي يُجيده

شابٌ آخر بضيق : تتكلّم وكأنك قائدنا !

جاك بحزم : إسمعني جيداً .. انا واحدٌ منكم.. لست عدوّكم ، ولا صديق لأحدٍ منكم .. كل ما في الأمر انني شابٌ ريفيّ ، بعكس أكثريّتكم القادم من المدينة .. ومن خبرتي بهذا المجال ، استطيع فرزكم حسب قوّتكم الجسديّة ، ومدى صبره على اعمال الزريبة او الحقل


صبية : وماذا عن الطبخ ؟

جاك : أعطيت المهمّة لهذه الصبيّة التي أظهرت البارحة مهارتها بالطبخ .. بالإضافة لهذا الشاب الذي يعمل طبّاخاً في مطعم العاصمة  

شابٌ آخر مُعترضاً : عملهما يعتبر سهلاً بالنسبة للآخرين ! 

الطبّاخ بعصبية : الا ترى الأدوات القديمة في المطبخ ؟ فكل شيءٍ هنا بدائي .. حتى الفرن على الحطب ! لذا لا تستسهل عملنا !! 

جاك : رجاءً لا تتشاجرا ، فالجميع سيبذل جهداً بهذا البرنامج .. وكما قلت مُسبقاً : ستتبدّل الأدوار بيننا كل يوم.. (ثم قال بنبرةٍ حازمة).. والآن كلاً الى عمله !! فالمواشي بحاجة الى طعام ، والأرض بحاجة للريّ ..

فقال الطبّاخ لزملائه : في حال وجدّتم فاكهة او خضار ناضجة ، إحضروها للمطبخ .. وعلى اساسها ، نُعدّ طعام الغداء


فسأل شابٌ آخر : جاك .. الن نذبح احدى الخراف للحصول على اللحم ؟

جاك : معدّوا البرنامج أخبروني أنه يمكننا فعل ذلك مرّة بالإسبوع ..وبقيّة الأيام سنعتمد على منتجات الألبان والخضار

فردّ الشاب : اذاً اتركوا ذبح الخراف عليّ ، فأنا اعمل جزّاراً بالمدينة

جاك : حسناً ، بنهاية الأسبوع نوكّلك بالمهمّة

^^^


وبالفعل بدأ كل واحدٍ عمله .. وإن بدا الأمر صعباً على القادمين من المدينة .. لكنهم فرحوا باجتماعهم وقت الغداء ، وهم يتبادلون القصص الطريفة بينهم (بعد حرمانهم من التلفاز والجوالات .. فهذه الروابط الإجتماعية افتقدوها كثيراً بالمدينة)


ولم يحلّ المساء حتى غفوا سريعاً من شدة التعب ، ولعلمهم بأن معدّوا البرنامج سيوقظوهم باكراً (مع شروق الشمس) لإتمام مهامهم بالزريبة والمزرعة.. مما صعّب الأمر على المشتركين المتعوّدين على السهر بالمدينة .. ومع ذلك كانوا سعداء بهذه التجربة الغريبة ، خصوصاً مع بدء شرارة الإعجاب بين الصبايا والشباب الذين تشاركوا ذات المهام الصعبة

***


إستمرّت الأعمال الروتينيّة لإسبوعين ، ظهر فيهما التقارب العاطفي لبعض الثنائيّات الذين طمحوا للجائزة الكبرى ، دون علمهم بأن الإمتحانات والضغوطات ستبدأ قريباً !  


ففي صباحٍ باكر .. إستيقظوا على صراخ احدهم ، بعد احتراق مخزن الحطب المُخصّص للتدفئة والطبخ ! 

وبعد تعاونهم على إطفاء الحريق.. نشب خلافٌ بين الشباب وهم يتبادلون الإتهامات بسبب الإهمال بإطفاء قنديل المخزن ، الذي برأيهم تسبّب بالحريق (دون علمهم بأن الحريق مُفتعل من معدّي البرنامج ، لكشف أخلاقهم الحقيقية للجمهور) 


وهذا الخلاف ادّى لوقوف الصبايا مع احبابهم ضدّ الأخرين ، تسبّب بشقاقٍ في صفوف المشتركين.


وعندما حاولت إحداهن تقبيل حبيبها لتهدئة غضبه من الشاب الآخر ، صرخت متألّمة من صعقة عقدها الحديديّ .. مما أغضب حبيبها الذي كسر إحدى الكاميرات وهو يشتم المدير والمنتج الثريّ على برنامجهما التافه ! 


فارتفع صوت المدير من مكبّر الصوت ، بنبرةٍ حازمة :

- أخبرتكم مراراً بقانون منع التقارب الجسدي بينكم .. وإن تكرّر الأمر ، ستطردان معاً !!

الشاب غاضباً : طالما هدف برنامجكم الزواج ، فكيف تمنعوننا التعبير عن عواطفنا؟! .. اللعنة عليكم جميعاً !! سأقبّلها غصباً عنكم


لكن قبل تقبيله حبيبته (التي لا تمانع ذلك) دخل الحارسان الغرفة ، وأمرا المتشاركيّن (الصبية والشاب) بتسليم ميكروفوناتهما بعد إخلالهما بشروط المسابقة.. وسط دهشة المتسابقين بخروج اول ثنائي من البرنامج !

***


بعدها بأيام ، ومع عودة الهدوء بين المشتركين .. تفاجأوا بوجود سلّة قشّ بداخلها طفلٍ رضيع ، وسط ارضهم الزراعيّة !  

ورغم سؤالهم مُعدّوا البرنامج عن اهله ؟ لكنهم لم يلقوا جواباً ! ففهموا انها مهمّة جديدة بالإهتمام به..


وأكثر اثنيّن اهتمّا بالطفل : كان جاك (القائد) وحبيبته جاكلين (المعروفة بشخصيّتها الحنونة العطوفة التي أعجبت الجمهور) حيث تشاركا العناية بالصغير .. مما اثار غضب احد الشباب الذي اتهم جاك بإسناد مهامه بالزريبة عليه ، بحجّة الصبيّ ! 

وتطوّرت المشاجرة بمحاولة لكم جاك الذي حاول الدفاع عن نفسه ..


فتدخلت جاكلين للفصل بينهما ، لتفاجأ بصفعة حبيبة الشاب لها :

- لا تلمسي حبيبي ، يا جاكلين !!

جاكلين بصدمة : لم ألمسه ! كنت فقط أبعده عن جاك


وهنا دخل الحارسان ، وطلبا من الشاب وحبيبته مغادرة البرنامج بعد استخدامهما العنف (الممنوع بقوانين المسابقة) .. وبذلك خرج الثنائي الثاني من المشتركين ! كما أخذ الحارسان الطفل بعد انتهاء دوّره بالبرنامج ! مما أثّر على مشاعر جاك وجاكلين اللذيّن تعلقا به خلال الأسبوع الفائت 

***


بعدها بأيام .. تفاجأوا بإمرأة عجوز تُكلّم البقرة في الزريبة ، كأنها مصابة بالخرف ، فهي لا تذكر كيف وصلت للمزرعة ! 

لكن معظمهم يُدرك أنها إحدى امتحانات البرنامج ، لذلك عاملوها بلطفٍ واهتمام .. 


لكن بعد اسبوع ، بدأ معظمهم يملّ من طلباتها المتعدّدة .. بينما ظلّ جاك وجاكلين يهتمان بها ، وهما يستمعان لنصائحها وقصصها الجميلة.. 

مما تسبّب ايضاً بمشاكل بين إحدى الصبايا وجاكلين بعد اتهامها بإهمال جليّ الصحون ، بحجّة إطعامها العجوز ! 


فوقف جاك مع حبيبته ، ضدّ الصبية وحبيبها العصبي الذي لم يكتفي بشتم جاك ، بل ايضاً العجوز التي تضايقت من كلامه البذيء ، خاصة عندما لقّبها بالإمرأة الخرِفة  


فتدخل الحارسان لإخراجه بالقوّة من البرنامج (لأنه قاومهم ، برميّ الصحون عليهم) ..وكان يتوقع وقوف حبيبته معه ، لكنها التزمت الصمت!

وعندما سألها بعصبية :

- إخبريهم كيف أن العجوز تُشكّل عائقاً لأعمالنا في المزرعة ؟

لتصدمه برأيها :

- لن أشتم احداً ، فهو مخالف لشروط اللعبة .. ولن أضيّع الجائزة الكبرى لأجلك

فردّ غاضباً : يا غبية !! ستخسرين بجميع الأحوال ، لأنه بخروجي لن يكون لك حبيب..  

فقاطعته بخبث : مازال هناك شبابٌ غيرك في المسابقة


فخرج مصدوماً ، برفقة الحارسيّن بعد خسارته المسابقة ! ورافقتهم العجوز بعد انتهاء دوّرها بالبرنامج ، بعد شكرها جاك وجاكلين على حسن الضيافة .. كما اخبرتهما عن محبة الجمهور لهما ، وأنهما المرشّحان الأقوى للفوز بالبرنامج.. وذلك لحسن تعاملهما مع الصغار وكبار السن  

***


بعدها بأيام .. طلب معُدّوا البرنامج الإستعداد للتخييم بالغابة (القريبة من المزرعة) والتي ستصوّر احداثها بطائرتيّن درون ، ستحلّقان لثلاثة ايام (المخصّصة للكشّافة) بشرط بقاء كل واحدٍ منهم في خيمته الخاصة  


فالتزموا بقوانين اللعبة .. لكن في ليلتهم الأخيرة ، إستفاقوا على صوت الحارسيّن وهما يطلبان من شابٍ وصبية الخروج من البرنامج 

وقبل فهم البقيّة ما حصل ! إعترض الشاب قائلاً : 

- كنت نائماً ، وهي من دخلت خيمتي .. احلف بأنني لم أخالف القوانين

فانصدمت حبيبته من كلامه :

- الم تكن تصرّ على بقائي بجانبك لأيام ؟!

- كاذبة !! لم اطلب منها شيئاً .. حتى راجعوا كاميرات المراقبة 


وبالفعل أظهرت كاميرا طائرة درون الليليّة : بأن الفتاة من دخلت خيمته آخر الليل .. لذلك تمّ سحبها وحدها من البرنامج وهي تلعن حبيبها الذي غدر بها ، لطمعه بالجائزة الكبرى !


وبالصباح الباكر .. عاد جاك وجاكلين ، بالإضافة للشاب والصبية (اللذان خسرا احبائهما في المسابقة) الى المزرعة 

***


ورغم ان المرجّح ان يقوم الشاب والصبيّة بادّعاء الحب بينهما ، للبقاء في المسابقة .. الا انهما خبيثيّن ، ويعلمان ان جاك هو المرشّح الأقوى للفوز بسبب شهامته وشخصيّته القياديّة .. وكذلك جاكلين ، المحبوبة للجمهور بشخصيّتها اللطيفة .. لذلك خطّطا للتقرّب منهما ، بغرض الوصول للحلقة النهائيّة .. غير آبهيّن بمشاعر جاك وجاكلين الحقيقية منذ يومهما الأول بالمزرعة !


وبالفعل حاول الشاب إثارة غيرة جاك بتقرّبه من جاكلين ، عن طريق ممازحتها ومساعدتها بأعمال المطبخ .. لكنها فهمت هدفه ، وعاملته بجفاء .. فهي مخلصة لحبيبها الشهم.. 

وكذلك حاولت الصبيّة التقرّب من جاك ، عن طريق اهتمامها الزائد به ..


لكن بسبب الثقة المتبادلة بين جاك وجاكلين ، لم يكترثا لمحاولة المشتركيّن الفصل بينهما .. بل استطاع جاك بذكائه إبعادهما ، عن طريق توكيلهما بالمهام ذاتها .. ولأنهما شخصيّتان تتميّزان بالحقد والحسد ، ثارت بينهما المشاكل .. وصلت لدرجة رميّ بعضهما بقاذورات المواشي في الزريبة ! مع فضح نيّتهما بالحصول على المال ، دون الحب والزواج .. مما ادّى لطرد الشاب .. بينما الصبيّة دخلت السجن بعد اعترافها (اثناء الشجار) بقطع سرج الحصان ، لإسقاط جاك بعد رفضه الصريح لها .. 


وبذلك طُرد المشتركيّن ، بعد اسبوعيّن من محاولتهما المستمينة لفصل العاشقيّن .. ليتنفّس الجمهور الصعداء بإبعاد الدخيليّن عن الحبيبيّن اللذيّن حصلا على تأيديهم منذ البداية          

***


ولم يبقى في المزرعة سوى جاك وجاكلين .. حيث اهتم جاك بالزريبة وحده ، بينما جاكلين بالمزرعة والمطبخ.. وكان ذلك مرهقاً لهما .. جعل لقائهما محدوداً بوقت الغداء والعشاء.. وقد ظهر حبهما جليّاً للجمهور بعد اهتمامه بها ، عقب إصابتها بالحمّى .. 

كما أظهرت جاكلين حبها مُسبقاً ، بعد اهتمامها بكسر قدمه (عقب سقوطه المُفتعل من الحصان) 


وكانت هناك لحظاتٍ لطيفة بينهما اثناء محاولته الطبخ معها ، مُتكئاً على عكّازه ..خصوصاً عندما أخجلها بكلامه اللطيف : بأن الحياة الزوجيّة تعتمد على المشاركة والإهتمام المتبادل .. كما عبّر عن خوفه وغيرته عليها ، منذ اليوم الأول لهما بالمزرعة ! مما رفع عدد المشاهدات لتلك الحلقة التي اعترف بها جاك اخيراً ، بحبه العميق لها 


ورغم الحب الكبير بينهما الا انهما حافظا على المسافة بينهما ، مع بناء الثقة والإحترام بينهما .. فكلاهما من عائلاتٍ محافظة ، ولديهما قدرٌ كبير من الأخلاق والأدب .. 

مما زاد إعجاب الجمهور لهما ، خصوصاً بعد بقائهما وحدهما بالشهر الأخير للمسابقة التي أصبحت أنجح برنامجٍ واقعيّ لهذا العام ، مُطالبين الجمهور بتزويج الحبيبين بأقرب وقتٍ ممكن

***


وبالفعل انتهى البرنامج بآخر يومٍ من شهره الثالث ، بعد مرور البطليّن بالكثير من الأحداث والضغوطات التي زوّدت العشق بينهما


وفي الموعد المحدّد ..تجمّعت الناس امام شاشات التلفاز ، لمشاهة العرس الأسطوري للحبيبيّن اللذيّن نجحا ببناء مشاعرٍ جيّاشة دون الفاظٍ لا إخلاقيّة او لمساتٍ مُحرّمة.. وقد عرض الثريّ صوراً لمنزلهما الجديد الفخم ، بالإضافة لوظيفة لكلاهما في شركته الضخمة للمفروشات !


وهذه الجوائز القيّمة ، جعلت الأهالي يقرّرون تربيّة مراهقيهم على الأخلاق والطهارة ، على امل مشاركتهم مُستقبلاً ببرنامج الثريّ الذي وعدهم باستمراره كل عام حتى آخر يومٍ بحياته ..  

^^^


وعندما سأله المذيع (بمقابلةٍ صحفيّة) : عن سبب صرفه لتلك المبالغ الماليّة على برنامجه الإجتماعي ؟ 

أجابه الثريّ : بأنه في شبابه احب فتاةً محافظة ، رفضت لمسها الا بعد زواج .. لكنها توفيّت قبل العرس بإسبوع بحادث سير.. ورغم قهره بعدم إكتمال علاقته بها.. الا انه مُمتنّ لتجربة الحب العذري معها ، الذي كان مليئاً بالمشاعر الصادقة .. 


وأخبر المذيع : بأن الحب لم يعد موجوداً بالعصر الحالي الذي انتشرت فيه العلاقات الغير شرعيّة والأطفال اللقطاء .. فالحب الحقيقي عبارة عن نظرةٍ عاشقة ، وضحكةٍ خجولة ، ولمسةٍ بريئة ، واحلامٍ صادقة ببناء عائلةٍ مترابطة .. ولا دخل للعشق الطاهر بالعلاقات العابرة.. 


وأكّد بنهاية المقابلة على استعداده لصرف كل ثروّته على برنامجه ، طالما سيبني مجتمعاً نظيفاً يقدّس الحب العذري كالعصور الماضية  

وبعد النجاح الساحق لمسابقته التي ترجمت لعدّة لغات ، يبدو ان أمنيّته المستحيلة ستتحقّق فعلاً !


الجمعة، 18 أبريل 2025

المتسابقة المحظوظة

تأليف : امل شانوحة 

 

فيلم الحبّار ، النسخة العربيّة  


إزدحمت القاعة بالمتسابقين المئة (الذين لبسوا الزيّ الرياضيّ الأخضر) حينما ارتفع مكبّر الصوت قائلاً : 

((على جميع المتسابقين ، التقدّم للصالة الأولى لبدء المسابقة !! وللتذكير : رغم اننا نصوّر النسخة العربية للفيلم الكوري الذي احببناه جميعاً ، الا ان المتسابق الأخير سيحصل فعلاً على الجائزة الكبرى.. لهذا لم نعطكم نصوصاً لتحفظوها ، فقط حاولوا الفوز بكل لعبة من العابنا العشرة الصعبة .. والأذكى والأقوى فيكم ، سيحصل على المليون دولار))


فهلّل المتسابقون فرحاً .. فهم قدموا لتمثيل فيلمهم المفضّل ، دون علمهم بوجود جائزةٍ ماليّة بنهاية الفيلم !


وخلال دخولهم من بوّابة القاعة الأولى .. أمسكت إحداهن ذراع زميلتها : 

- الى اين تذهبين ؟!

مروى وهي تضغط بطنها بألم : 

- يبدو سماعي لمبلغ الجائزة ، أشعرني بالمغص .. سأدخل الحمام وألحق بكم

- لا تتأخري ، كيّ لا يغضب معدّوا البرنامج

وابتعدت مروى عن المشتركين ، لدخول دوّرة المياه العامة .. 


وبعد خروجها ، دخلت القاعة الأولى لتجدها فارغة !

مروى بقلق : اين ذهب المتسابقون ؟! أمعقول أنهوا تصوير المشهد الأول بنصف ساعة ؟! ثم ماهذه القاعة الغريبة ؟ تبدو الألعاب فيها مختلفة عن نسخة الحبّار الأصليّة ! يا خوفي ان تكون فاتتني المسابقة ؟!


وهنا انتبهت على بابٍ آخر بنهاية القاعة ، مكتوباً عليه الرقم ٢.. فدخلت اليه بحذر ، لتجد بعض عمّال النظافة يمسحون المكان !

فقالت في نفسها : 

((إن رأوني ، سيبلغون الإدارة بتخلّفي عن موعد المسابقة ، وسيطردونني من الفيلم والجائزة .. الأفضل الإنتظار لحين ذهابهم ، قبل انتقالي للقاعة رقم ٣))


وبعد ذهاب عمّال النظافة .. نظرت الى ساعتها :

- يا الهي ! تأخّرت نصف ساعة اخرى .. عليّ الإسراع للباب الثالث

^^^


وهناك وجدتها خالية ايضاً من المشتركين ، فيما عدا اثنيّن مُستلقيّن على الأرض دون حراك !


وقبل إقترابها منهما ، وصل عاملان مُقنّعان (بزيّهما الأحمر) ..وبدآ بسحب الأول ، ثم الثاني .. لتلاحظ خطاً احمراً من خلفه !

مروى بخوف : ماهذا ؟! هل هي دماء ؟! لا هو مجرّد تمثيل .. لكن القاعة فارغة ، فلما لم يقف المتسابقان بعد انتهاء التصوير ؟! هل ما رأيته هو جثتهما ! وهل كانوا عمّال النظافة بالغرفة الأولى يمسحون مكان الموتى ؟! لا غير معقول ! هل فقد المخرج والمنتج عقلهما ، بتحويل احداث لعبة الحبّار لفيلم رعبٍ حقيقيّ ؟! 


وقبل إكمال سؤالها ، رأت متسابقاً يحاول الهرب من القاعة الرابعة (عائداً للغرفة الثالثة) .. قبل إطلاق رصاصة على ظهره ، وموته امام انظار مروى التي سارعت الهرب للخلف ، بعد سماعها صرخات المتسابقين المُحتجزين هناك (بعد فتح الهارب لباب القاعة الكاتمة للصوت) 

^^^


واختبأت مروى بدوّرة المياه (التي كانت فيها سابقاً) وهي تفكّر بما حصل :

((اذاً الأوراق التي وزّعوها بمحطّة القطار ، هي ليست لتمثيلٍ سينمائيّ .. بل لتطبيق ما حصل بفيلم الحبّار على الواقع ! وحتماً الدولة لا علم لها بهذه المسابقة التي لن تُعرض على التلفاز ، كما أخبرونا .. اذاً لماذا توجد كاميرات في كل مكان ؟ هل لغرض عرضها في الإنترنت المظلم ، للمراهنة علينا ؟! وهل الألعاب المتواجدة بكل قاعة ، هي بالحقيقة لقتل المشتركين بطريقةٍ وحشيّة ؟! فصراخ الهارب يدلّ بأن مجزّرة تحصل بالداخل ! يجب الهرب من هذا المكان قبل إنتباههم على كاميرات الغرف السابقة ، ومعرفتهم بعدم انضمامي لبقيّة المشتركين .. لكن كيف سأنجو من هذه المصيبة ؟!))


وهنا سمعت شخصاً يدنّدن وهو يدخل الحمام المجاور (بعد ان رفعت قدميها عن الأرض ، حتى لا يشعر بوجودها) ..

فنظرت من فتحة الباب ، لتجد عربة التنظيف في الخارج 

فقالت في نفسها :

((هذا عامل نظافة .. عليّ التصرّف سريعاً)) 


فخرجت على مهل .. وأخذت ممسحته ، بمسكتها الحديديّة .. واقتحمت عليه الحمّام .. وبدأت بضربه مراراً على رأسه .. حتى سقط جانباً ، مُدرّجاً بالدماء .. ثم ازالت زيّه الذي لبسته فوق ثيابها مع القناع الأسود ، وهي تقول : 

- جيد ان زيّه الأحمر لن يُظهر دمائه عليه !


ثم جرّت عربة التنظيف وهي تسير بهدوء باتجاه البوّابة الخلفيّة.. فأوقفها الحارس هناك : 

- ماذا تفعل يا هذا ؟!

فضخّمت صوتها :

- عليّ إحضار بعض مواد التنظيف من الخارج ، فالمكان ملوّثاً تماماً بدماء الحمقى

الحارس : لا تتأخّر ، فأنت تعرف القوانين جيداً : ممنوع دخول او خروج ايّ شخص من قاعة الألعاب ، لحين إطلاق جرس نهاية المسابقة

- لا تقلق ، سأعود حالاً


وعندما خرجت من المبنى (المتواجد بأطراف المدينة ، لأنهم احضروهم للمسابقة مُخدّرين دون جوّالاتهم) وجدّت سياراتٍ فارهة بالموقف !

مروى : هل يتابع الأثرياء الملاعين المسابقة من اعلى المبنى المهجور ، وهم يراهنون على موتنا ؟! عليّ الهرب فوراً 

^^^


وانطلقت بحذرٍ شديد ، حتى وصلت للشارع العام المظلم..

مروى وهي تتلفّت حولها بقلق : اين اذهب الآن ؟!


وعندما رأت نور محطّة الحافلات من بعيد ، إنطلقت بأسرع ما يمكنها الى هناك

وقبل وصول الحافلة ، خلعت ملابس العامل الحمراء ورمتها بحاوية النفايات.. ثم جلست على الكرسي بانتظار الحافلة .. 


وماهي الا دقائق ، حتى جلس رجلٌ بجانبها وهو يسألها :  

- هل انت وحدك هنا ؟

فخافت ان يكون احدهم ، فأشارت بيدها بأنها معاقة...

الرجل : آه ! خرساء.. وهل انت صمّاء ايضاً ؟

فأشارت بيدها : بأن جهاز اذنها مُحطّم ..

الرجل : يعني لا تسمعين ايضاً .. لكن يبدو انك تقرأين شفتايّ ؟

فأومأت برأسها ايجاباً ..


فأدار ظهره ، كيّ لا ترى فمه .. واتصل بجواله (وهو يتحدّث على راحته ، طالما لن تسمعه) قائلاً :

((الو .. ما اخبار المسابقة ؟ الم تنتهي بعد ؟ لا لم اتابعها ، لأني منشغل بإحضار متسابقين آخرين للأسبوع القادم .. علينا استغلال شهرة فيلم الحبّار ، لإستقدام المزيد من الحمقى .. إخبرني الآن ، كم وصل مبلغ الرهانات ؟ لما منخفضٌ هذا الأسبوع ؟! يبدو علينا إضافة العابٍ دمويّة تقتل ببطءٍ وألم ، لمزيدٍ من التشويق للأثرياء.. كم وصل عدد الناجين حتى الآن ؟ ثمانية من اصل مئة .. جيد.. وكم قاعة بقيّت امامهم ؟ واحدة فقط !! هل انتم حمقى ؟ يجب ان يصل ناجيان او ثلاثة فقط للمرحلة الأخيرة .. حسناً إعملوا على تقليل عددهم بالحال ، ولا تنسوا الخاتمة .. صوّروا الرابح مع حقيبة المليون دولار ، لنضعها بإعلاننا القادم .. ثم اقتلوه لاحقاً .. فنحن لا نريد ناجين ، كيّ لا يفضحوا مكاننا السرّي.. ماذا عني ؟ .. انا جمعت ثلاثين شخصاً للمسابقة التالية ، وسأتابع حتى الوصول للمئة كما كل مرة .. وكنت سأضيف اليهم سيدة تجلس امامي الآن ، لوّ لم تكن صمّاء.. هيا سأقفل الخطّ ، فأنا انتظر الحافلة لأخذي لمحّطة القطار .. عليّ توزيع منشوراتي هناك .. إتصل بي عند انتهاء المسابقة .. سلام))


فقالت مروى بنفسها بحنق : 

((الآن تذكّرتك ايها اللعين .. فأنت من أعطيتني الإعلان الإسبوع الفائت .. عليّ التخلّص منك ، لحماية المتسابقين الجدّد)) 


فاقتربت منه ، واضعةً يدها على فخذه .. فاندهش من تصرّفها ! فأشارت بيدها برقمٍ ما !

الرجل : لا افهم ما تريدين !

فأشارت الى تطبيق المذكّرة على جواله..

الرجل : أتريدين كتابة شيءٍ لي ؟

فأومأت برأسها ايجاباً ، وهي تبتسم له ابتسامةً بلهاء

فتركها تكتب له :

((الليلة ب٥٠ دولارٍ فقط))


فابتسم بخبث : آه ! انت فتاة ليل.. ٥٠ دولار مبلغاً زهيداً.. لكن الى اين نذهب ؟

فأشارت لمكانٍ مظلم ، بعيداً عن محطّة الحافلات..

الرجل : يبدو انك بحاجة للمال ؟ حسناً لا بأس ، موافق .. فمازال لدينا نصف ساعة لقدوم الحافلة


وعندما ذهب معها الى جانب كوخٍ مهجور .. شدّت شاله الصوفيّ حول رقبته بكل قوتها ، وهو يحاول الإفلات منها .. وهنا تكلّمت مروى بغضب:

- ايها اللعين !! أتستغلّ حب الناس للشهرة والمال ، لإرسالهم لمسابقتك الدمويّة؟!

فقال بصوتٍ مخنوق ، وهو يحاول إنقاذ نفسه : 

- من انت ؟!

- انا الناجية الوحيدة


وعندما تمكّن الإفلات منها .. سارعت برميّ حجرةً مسنّنة .. أصابت رأسه من الخلف ، وأردته قتيلاً ! 


ثم جرّته من قدميه ، ورمته بين الأعشاب .. وبعدها سارعت باتجاه المحطّة ، بعد سماعها بوق الحافلة التي صعدت اليها بهدوء ، للعودة الى منزلها .. وهي تعلم تماماً بأنها محظوظة بنجاتها من العصابة المخيفة التي لن تتوقف عن إحضار المزيد من الضحايا لفخّهم المميت.. 

وبدوّرها لم تستطيع إبلاغ الشرطة ، بعد إرتكابها جريمتيّ قتل.. كما خوفها بأن يكون كبار الدولة متورّطين بالمسابقة.. لذا قرّرت متابعة حياتها كأن شيئاً لم يكن ، لسلامتها الشخصيّة !


الأربعاء، 16 أبريل 2025

إهدار المياه

تأليف : امل شانوحة 

الخطة التدميريّة


في وقت الظهيرة .. رنّ جرس شقتها ، لتجد جارتها تقول :

- هل يمكنني ترك ابني عندك لبعض الوقت ؟ عليّ الصعود لعيادة طبيب العيون .. لن اتأخّر في العودة 

جاكلين باستغراب : لكني مستأجرة جديدة ، ولا اعرف ابنك جيداً ! ومنشغلة بتفريغ اغراضي من الصناديق ! 


لكن الأم أصرّت على ترك ابنها (9 سنوات).. لأن زوجها بالعمل ، وعليها اجراء فحوصات ضروريّة بمركز العيادات (المتواجد بالطوابق العليا من ذات المبنى) 


فاضطّرت جاكلين لإدخال الصبيّ الذي شعرت بمشاغبته منذ البداية ، لرغبته باستكشاف منزلها عن طريق دخوله الغرف وفتح الخزائن واللعب بأغراضها دون إذنها ! 

فحاولت إفهامه بأن عليه الجلوس بهدوء في الصالة ، لحين عودة امه.. فأخبرها برغبته دخول الحمام

فتساءلت في نفسها بضيق :

((لما لم تدخله امه الحمام قبل إحضاره اليّ ؟!))

^^^


بعد قليل .. خرج من الحمام ، وملابسه مُبتلّة بالماء..

جاكلين بقلق : هل كنت تلعب بالداخل ؟!


وأطلّت من باب الحمام .. لتجده غارقاً بالمياه ، بعد تركه ماء صنبور المغسلة وحوض الإستحمام مفتوحيّن .. فسارعت بإغلاقهما ! 


وقبل ان تعاتبه ، ذهب لفتح مياه مغسلة المطبخ ! فأمسكت ذراعيّه بقوة :

- من علّمك هذه اللعبة السخيفة ؟!! الا تدري اننا نعاني شحّ الماء في هذه العمارة التي نُعبئ خزّاناتها من شاحنات المياه ؟ كيف لم تُفهمك امك ذلك ؟!

فردّ بوقاحة : 

- لا يهمّني الموضوع .. ثم انت لم تطعمينني حتى الآن 

جاكلين بدهشة : انت في منزلي منذ نصف ساعة ! الم تأكل غدائك بعد ؟!

- قصدّت الحلوى .. إنزلي للدكّان بالأسفل ، واحضري الكثير لأجلي

- يا سلام ! كأني المسؤولة عن ترفيهك ، او انك احد اقاربي .. اساساً انتظر امك بفارغ الصبر ، كيّ أُعيدك اليها 

الصبي : لا حاجة لذلك ، فمعي مفتاح المنزل

- اذاً عدّ الى بيتك ، وانتظر امك هناك !!

فردّ بلؤم : كما تشائين


وقبل فتحه باب شقتها ، أوقفته جاكلين :

- لا انتظر !! امك وضعتك امانةً عندي.. تعال نصعد للعيادة ، لتسليمك لها

^^^


وصعدا الى فوق.. وفي الوقت الذي كانت تسأل فيه جاكلين موظّفة الإستقبال عن عيادة طبيب العيون ، إختفى الصبيّ من امامها !


فبحثت عنه بين مكاتب العيادات وغرف المرضى .. لتجد آلة تنظيف البلاط تخرج منها الماء ، بينما يحاول العامل إصلاحها بصعوبة !

جاكلين بإنزعاج : رجاءً اوقف سحبها من الصنبور ، فهي تهدر الكثير من المياه !

العامل بعصبية : صبيٌّ مشاكس لعب فيها قبل قليل ، وعطّلها بالكامل

- اين هو الآن ؟

- دخل الى تلك الغرفة

^^^


وعندما دخلت هناك ، إستيقظت المريضة بفزع :

- ماذا تريدين ؟!

جاكلين : آسفة ، كنت ابحث عن صبيٍّ صغير .. هل رأيته ؟

- لا ، كنت نائمة


وقبل مغادرة جاكلين ، سمعت صوت تدفّق المياه من حمام الغرفة !

فدخلت هناك ، لتجد الصنبور مفتوحاً بالكامل ! فأغلقته على الفور ، وهي تتمّتم غاضبة :

- هذا الملعون الصغير يريد حرمان سكّان العمارة من المياه !

^^^


وخرجت من الغرفة للبحث عنه.. لتسمع صراخه من الغرفة المقابلة! 

وهناك وجدت ممرّضة عربية تمسكه بقوّة ، وهي تقرأ القرآن وتنفخ في وجهه ! وهو يتلوّى بين يديها ، محاولاً الإفلات منها


جاكلين باستغراب : ماذا يحدث هنا ؟!

الممرّضة : وجدّت هذا الشقيّ يخرج من الحمام العام للنساء بعد فتحه جميع الصنابير ، وكذلك فعل بحمام الرجال.. فأمسكته في هذه الغرفة الفارغة ، اثناء محاولته فتح مياه حمامها !


فاقتربت جاكلين منه ، وهي تعاتبه :

- مابك ؟! هل انت احمق ام مريضٌ نفسيّ ؟! لما تصرّ على هذه اللعبة السخيفة؟!

فأجابت الممرّضة : لأنه شيطان

جاكلين : انا اعرف انه مشاغبٌ جداً ، لكن ..

الممرّضة مقاطعة بإصرار : لا !! هو حقاً شيطان

فقال الصبيّ بابتسامةٍ مرعبة :

- هذا ما اتفق عليه الشيخ والراهب 


فأكملت الممرّضة قراءة الأدعيّة وهي تنفخ في وجهه .. الى ان صعقتا بتغيّر لون عينيه السوداوتيّن الى بياضٍ مرعب ، وهو يهدّد غاضباً :

- لست وحدي ، ايتها التافهتيّن !!

ثم تحوّل لدخانٍ اسود ، تلاشى بالهواء !


فوقعت جاكلين على الأرض من أثر الصدمة :

- يا الهي ! كان شيطاناً بالفعل

الممرّضة : او جني مُتشيّطن

- وماذا اراد منا ؟!

- اثناء تلاوتي الآيات ، أخبرني بأن ابليس اعطى الأوامر لجنوده بإغراق مدينتنا !


وفجأة ! سمعتا صراخ المرضى وهم يخرجون من غرفهم الغارقة بالمياه التي سالت في ممرّات العيادات (المتواجدة بالطوابق الخمسة العليا من المبنى السكنيّ)

فنظرت جاكلين للممرّضة بدهشة :

- قمت انا وانت بإغلاق جميع الصنابير ، فكيف تمكّن ذلك الصغير وحده من إغراق المبنى بالكامل ؟! 

الممرّضة بقلق : يبدو ان تهديده صحيحاً !

جاكلين بخوف : أتقصدين ان هناك جيشاً من الجن والشياطين يهجمون على عمارتنا الآن ؟!

الممرّضة بقلق : وربما منطقتنا بالكامل !


وهنا سمعتا صراخ الناس من الشارع ! فأطلّتا من نافذة العيادة.. لتشاهدا زحمةً خانقة بالطرقات ، بعد انفجار مياه المطافئ (عساكر الحريق المتواجدة على بعض الأرصفة) حتى غمرت المياه السيارات ، مُحتجزةً السائقين والركّاب داخلها !


فأسرعت جاكلين بترك العمارة المنكوبة .. مُتوجهةً لشقتها القديمة بالحيّ المجاور ، على امل ان لا تكون الجن وصلت الى هناك 

^^^


وفي الطريق .. لاحظت بأن الناس (العالقة داخل سياراتها) لا يتحرّكون ، بل متجمّدون بعيونٍ جاحظة ! بينما يعوم بعض الأشخاص بهدوء بين السيارات المتوقفة .. فتساءلت في نفسها :

((ترى هل الجن هم العالقين داخل السيارات ، ام المارّة ؟!)) 


وما ان أنهت سؤالها ، حتى ابيّضت عيون المارّة الذين التفتوا جميعاً نحوها ! لتصرخ إحداهن غاضبة ، وهي تشير لجاكلين :  

- تلك التي قتلت ابن قائدنا !!


وقبل استيعابها ما سمعته ! رأتهم يسبحون بسرعة نحوها ..

فحاولت التبرير لهم ، وهي ترتجف خوفاً :

- لست انا من قتله ، بل الممرّضة المُتديّنة !!


لكنهم تابعوا التوجّه نحوها .. فلم يكن امامها الا وضع القرآن على جوالها (بعد رؤية تأثيره على الولد الشيطانيّ) 

مما جعلهم يتجمّدون في اماكنهم ، تماماً كراكبيّ السيارات !


فقرّرت رفع صوت القرآن وهي تخفض رأسها (كيّ لا يفزعها منظرهم) ..وتابعت سيرها باتجاه عمارتها القديمة .. لتتفاجأ بجني يركض على يديه وقدميه (كأنه نمرٌ هائج) مسرعاً باتجاهها .. فوجّهت جوالها نحوه ، لتسمعه يقول من بعيد :

- انا جني مسلم !! لن يحرقني القرآن ، وإن كنت عاصياً 


وحاول إسقاطه من يدها ! لكنها حضنت جوالها ، وهي تركض بكل ما اوتيت من قوّة للهرب منه .. لتلمحه ، يتسلّق عمارةً اخرى بعد رؤيته نافذةً مفتوحة.. 

وماهي الا ثواني ، حتى رأت قفزة العجوز التي انتحرت بعد ان أفزعها إقتحام الجني لشقتها !


فأكملت جاكلين ركضها ، الى ان وصلت الى عمارتها القديمة .. ودخلت شقتها الفارغة (التي كانت تنوي تسليم مفتاحها للمالك غداً)

وبعد إقفال بابها جيداً.. سمعت صراخ الناس بالخارج ! 

جاكلين بصوتٍ مرتجف : 

- هل وصلت الجن لهذا الحيّ ايضاً ؟! 


ونظرت من النافذة الشفّافة المُغلقة .. لتجد المياه تخرج من نوافذ شقق العمارة المقابلة .. قبل سماعها صوت صنابير حمامها ومطبخها يُفتحان ايضاً !

- لا ! الملاعين وصلوا لشقتي 


فأرادت رفع صوت القرآن مجدداً ، لكن بطاريّة جوالها فرغت (لأنها استعملته طوال الطريق الطويلة ، لحين وصولها للحيّ المجاور)


ثم سمعت خربشة اظافر على باب شقتها ، قبل انكسار مفتاح باب الشقة .. حيث علق نصفه داخل القفل .. فعلمت انها علقت في شقتها الفارغة !


فصارت تضرب بكلتا يديها على بابها الخارجيّ ، لعلّ جيرانها القدامى ينقذونها .. لكنها تجمّدت في مكانها ، بعد سماعها صوتاً مألوفاً من خلفها :

- هل اشتقتي اليّ ؟

لتجد الصبيّ المشاغب داخل منزلها ، وهو يقول :

- هل تظني بأن ابن ابليس يموت بهذه السهولة ؟


فصرخت مرتجفة : ماذا تريد مني ؟!!

- الأمر ليس شخصي بيننا .. لكن والدي قرّر انهاء البشريّة ، لأن صاحبه الدجّال ملّ الإنتظار .. ولأننا لا نستطيع الإعتماد فقط على الماسون وعبّاد الشياطين لتقليص عدد البشر للمليار الذهبيّ .. فقدّ أرسل ابليس جيشاً من الجن والشياطين للإسراع بالمهمّة .. واختار أن يكون مصير مدينتكم الغرق .. بينما فريقاً آخر منا يقوم حالياً بإحراق القرى الزراعيّة .. كما خسف لمناطق اخرى .. وإسقاط الطائرات ، وحوادث القطارات ، وإغراق السفن .. ونشر الفيروسات من المختبرات العلميّة .. وخططٌ كثيرة ، لتقليل عددكم قدر الإمكان .. يعني إحمدي ربك انك في المنطقة التي ستُباد بأسهل الطرق .. والآن سأدعك تغرقين ببطء ، بعد إقفالي جميع النوافذ بإحكام .. الوداع يا جارتي الفضوليّة


واختفى الصغير ! تاركاً جاكلين تحاول بكل قوّتها ، خلع باب شقتها التي امتلأت نصفها بالمياه.. دون ان يسمع صراخها جيرانها ، او سكّان المباني المجاورة الذين يلقون ذات المصير .. بعد قيام جيشٍ من الجن والشياطين (ظهروا في كل ركنٍ بالمنطقة) بمهمّتهم التدميريّة التي ستنتشر قريباً وتتنوّع طرقها في كل انحاء العالم !


الأحد، 13 أبريل 2025

الخاتمة المنتظرة

تأليف : امل شانوحة 

الناجيان الأخيران


على شاطئٍ هادئ خالي من المصطافين ، جلس عجوزٌ وحده يشرب الشايّ وهو ينظر للبحر بشرود .. قبل ان ينتفض رعباً ، بعد سماعه رجلٍ يقول من خلفه :

- هل يمكنني مشاركتك الشايّ ؟

فالتفت العجوز حوله ، وهو يسأله بخوف :

- كيف هذا ؟! لقد انتهت البشريّة قبل سنتيّن .. تأكّدت بنفسي بعد سفري لجميع دول الشرق والغرب

فسأله الرجل باستغراب : وكيف تنقّلت وحدك ؟! أمازالت الطائرات تعمل بعد إشعاعات الحروب النوويّة التي دمّرت حضارات العالم ؟!

فالتزم العجوز الصمت ، وهو مازال قلقاً من الرجل الغريب الذي ظهر له فجاة !

 

وبعد تبادلهما الحديث لبعض الوقت ، قال العجوز بضيق :

- يبدو اننا الناجيان الوحيدان ! 

الرجل : يبدو ذلك 

العجوز بمكر : ليتك امرأة ، لأعمرت الدنيا من جديد

- الدنيا مرةً واحدة ! من يسمعك يظنك بعزّ شبابك  

- صحيح اني كبير بالسن ، لكن لا تستهين بقوّتي .. ففي الماضي كان يُحسب لي الف حساب ، قبل توالي المصائب التي قضت على البشريّة جمعاء

الرجل : واين اختبأت من دمار الحروب ؟ وكيف نجوّت من المجاعة القاتلة ؟!

- لديّ منزلاً تحت الأرض ، مزوّداً بكل شيء .. ماذا عنك ؟

- ربما مازالت لديّ مهمّة بالحياة ، لهذا لم ينتهي عمري بعد


العجوز : ومالذي تتقنه ؟

- انهاء متاعب الناس

- هل كنت محامياً ام طبيباً ؟

- سأدع مهنتي سرًاً في الوقت الحاليّ

العجوز : كما تشاء .. لكن بشرط !! لا تسألني شيئاً عن ماضيّ

- اتفقنا.. اساساً سأبقى برفقتك حتى غروب الشمس 

- وبعدها الى اين تذهب ؟

- لقدري

العجوز : كلامك كلّه الغاز ! 

- دعنا نشرب الشايّ بهدوء ، ونحن نشاهد أمواج البحر .. فماهي الا ساعاتٍ قليلة ويحلّ المساء  

- بعدها تخبرني المزيد عنك ؟

الرجل : ستعرف كل شيءٍ في وقته 

*** 


ومضى النهار سريعاً وهما يتناقشان الأحداث الماضية التي حصلت للبشريّة قبل سنوات ، حتى منذ قرون .. الى ان اوشكت الشمس على المغيب ، حينها قال العجوز بمكر :

- اريد إخبارك بسرّ قبل رحيلك .. (ثم عدّل جلسته بغرور).. أتدري من اكون ؟ ..انا ابليس المُعظّم !! ولأني مُخلّد ، بقيّت لآخر الزمان .. يعني كنت آخر كائنٍ حيّ ، لحين ظهورك المفاجئ !

فردّ الرجل بابتسامةٍ مخيفة :

- بالتأكيد اعرفك !! فقد نزلت من السماء ، خصيصاً لك

فارتعد ابليس رعباً (بعد تحوّله لشكله الحقيقيّ) :

- رجاءٍ لا تخبرني انك ..

الرجل : ملك الموت !! وعليّ قبض روحك هذا المساء

وفجأة ! اختفى ابليس من الشاطئ .. 

^^^


في سابع ارض ، جلس ابليس على عرشه الذهبيّ وهو يلتقط انفاسه .. لكن فرحته بالهرب لم تدّم ، بعد ظهور ملك الموت امامه :

- هل كنت تظن انك ستبقى مُخلّداً لأبد الآبدين ؟ بل الله زوّد عقابك بتركك حياً ، بعد ان أمرني بقبض أرواح البشر جميعاً .. لتعيش الوحدة دون ذريّتك النجسة ، وأتباعك من الجنسيّن البشر والجن .. لكن حان موعد لقاء مصيرك


فانهار ابليس باكياً لأوّل مرة في حياته ، مُترجّياً ملك الموت (بعد تحوّله لشكله الحقيقيّ المهيب) : 

- رجاءً دعني اعيش اسبوعاً آخر ، او بضعة ايام.. كيّ اودّع الدنيا التي عشت فيها لقرونٍ عديدة

ملك الموت : قلتها بنفسك !! عشت فيها لقرونٍ عديدة ، الم تملّ بعد؟!

- لا !! عليّ رؤية العديد من الأماكن قبل رحيلي 

- مثل ماذا ؟

ابليس بمكر : الجبال والبحار.. 

واختفى من جديد !

^^^


وقبل استلقاء ابليس على فراشه (في قصره تحت مياه المحيط) تفاجأ بملك الموت يظهر من جديد ، وهو يقول بعصبيّة :

- أتريد التلاعب معي ؟!!

بصوتٍ مرتجف : رجاءً !! دعني وشأني 

واختفى من جديد !

^^^


وما ان تهالك ابليس فوق ارضيّة الكهف (المتواجد بأعلى الجبال الثلجيّة) ظهر ملك الموت ، وهو يصرخ غاضباً :

- الا تفهم انه لا يمكنك الهرب مني ؟!!

ابليس وهو يرتعد خوفاً :

- لحظة ! دعنا نتفاهم .. إن قبضّت روحي ، فسينتهي عملك في الدنيا 

- اعلم هذا

ابليس : يعني سيحين موعد موتك ايضاً 

- طبيعي ، سأموت كما ماتت مخلوقات الأرض جميعاً.. وسيكون هناك اربعين سنة بين موتك وخروجك يوم القيامة ، للمحاسبة عن ذنوبك العظيمة

ابليس : اذاً دعني اعيش الأربعين سنة في الدنيا ، وبعدها تقبض روحي 

- لا يمكن لأحد الهرب من موعد وفاته .. 

ابليس صارخاً : لكنك ستموت معي !!

- موتي لن يكون مثل موتك ، ايها الفاسق 


ابليس بقلق : ماذا تقصد ؟!

- انت ستشعر بآلام كل من أغويّتهم لحظة وفاتهم

- هذا ليس عدلاً ! 

ملك الموت غاضباً : أتعترض ايضاً ؟!! الا تعلم بأنك أشرّ خلق الله؟

- كل ما فعلته انني ارسلت ذريّتي للوسّوسة للبشر .. وهم بإمكانهم بسهولة منع انفسهم من المنكرات ، بالإستعاذة من الشيطان .. لكنهم مخلوقاتٍ ضعيفة ، وهذا ليس ذنبي .. فهم مخلوقين من ترابٍ..

ملك الموت مقاطعاً : وانت من نار .. أمازلت تتمسّك بذات الحجّة الواهية التي طردتك من الجنة ، ايها المغرور المتعالي ؟


ولوّح بعصاه بوجه ابليس الذي رفع يديه مستسلماً :

- لحظة توقف !! لا تقتلني .. الم تصاحبني طوال النهار ، وتحدثنا معاً لساعات عن الماضي والمستقبل ؟

- الملاك لا يُصاحب شيطاناً !! ثم كنت أضيّع الوقت ، لحين موعد موتك .. بالنهاية لم يعد لديّ عملٌ سواك


ثم تلا ملك الموت بضعة كلمات .. فخرجت سلاسل من نار من كل مكان ، بنهايتها سكاكين حادّة ! 

فصرخ ابليس خوفاً : طالما سأعاقب بالآخرة ، فلما عقاب الدنيا ؟!

- لأنك استحقّيتها بجدارة .. إهجموا عليه !!


فالتفّت السلاسل حوله وهي تجرح وتقطّع جلده ، بينما يصرخ متألّماً  

وبقيّ على هذه الحالة قرابة ساعة .. وهو يستنجد بملك الموت ان يقبض روحه ، ويريحه من هذا العذاب !


بعدها نظر ملك الموت الى ساعته :

- الساعة 12 مساءً .. لقد حان موعد موتك

وقفز فوقه ، ساحباً روحه من اطرافه بقوّةٍ وعنف .. الى ان سقط ابليس على الأرض جثةً هامدة

فتنهّد الملك بضيق : اخيراً مات ، أتعبني بصراخه المزعج


ثم خرج من الكهف الجبليّ ، وهو ينظر للسماء :

- يارب !! أنهيت مهمّتي ، فخذّ روحي كبقيّة الملائكة


فتحوّل لدخانٍ ابيض تلاشى مع سحب السماء ، قبل موعد لقائه بجميع المخلوقات يوم القيامة .. ((يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)) صدق الله العظيم


الجمعة، 11 أبريل 2025

الإنتقام الطفولي

تأليف : امل شانوحة 

عقدة الماضي


فور خروج العجوز من منزله (للذهاب لصلاة العصر في الجامع) وجد ظرفاً على عتبة شقته ! وفي داخله ، صورةً له مع حفيده المُفضّل (ذوّ السبع سنوات) ..مكتوباً خلف الصورة :

((توجّه حالاً الى مدرستك القديمة .. ستجد تعليماتٌ اخرى هناك.. وفي حال رفضّت تنفيذ طلبي ، سأخطف حفيدك .. إيّاك إبلاغ الشرطة ، فأنا اراقبك بدقّة))

فشعر العجوز بالارتباك ! ولم يكن امامه إلاّ تنفيذ الأمر الغامض 

***


حين وصل لمدرسته المهجورة ، وجد ورقة مُلصقة على بابها الخارجيّ الصدىء.. وفيها أمرٌ ثاني من الشخص المجهول : بالتوجّه لحمام الخدم بالطابق السفليّ !


وبعد دخوله هناك.. دخل شخصٌ مُلثّمٌ خلفه ، وهو يقول :

- هل يُذكّرك المكان بحادثةٍ قديمة ؟

العجوز بقلق : من انت ؟!

فأزال لثام غترته ، ليظهر شابٌ يافع ..

العجوز : لم أعرفك !

فقال الشاب بحنق ، وبكلامٍ مُتلعثم : 

- انا الطالب الذي عاقبته على مشاغبته ، بالحبس في حمام الخدم المُعطّل طوال يوميّ العطلة !!


فارتجف العجوز رعباً ، محاولاً تبرير خطئه :

- كنت مشغولاً بترتيب حفلةٍ مدرسيّة .. ورأيتك تفقع البالونات التي علّقتها في الملعب .. فأثرت غضبي

الشاب : كنت بعمر حفيدك ، وأعاني من فرط الحركة.. وبدل ان تُفهمني خطئي بلطف ، قمت بحبسي هنا ! ولم تكتفي بذلك ، بل تركتني ليومين كاملين !!

- لم أتعمّد ذلك.. فبعد انتهاء اليوم الدراسيّ ، وجدّتُ صديقي بانتظاري خارج المدرسة .. والذي أصرّ على أخذني بنزهةٍ بريّة في عطلة الإسبوع .. ولم يكن هناك جوالات في ذاك الزمان.. وعندما عدّت مساءً الى بيتي .. علمت بأن اهلك مازالوا يبحثون عنك مع الشرطة ! حينها تذكّرتك.. وأسرعت الى هنا مع سيارة الإسعاف .. ووضع الممرّض المصل لك ، بعد جفاف جسمك من حرارة المكان


الشاب بعصبيّة : كانت دوّرة المياه مُعطّلة ، دون كهرباءٍ او ماء .. عدا عن الجن والعفاريت التي رأيت ظلالها ، وسمعت همّهماتها في الليلتين المظلمتيّن .. وربما مازلت ممسوساً حتى الآن ، لذلك حياتي مُعسّرة بالكامل !!

- عندما رأيتك شبه ميت ، عرفت عظم ذنبي .. واستقلت من وظيفتي كناظر ، رغم كوني في مثل عمرك الحاليّ.. كما دفعت عائلتي مبلغ تعويضٍ كبير لأهلك


فضرب الشاب بقبضته بعنف على باب الحمام ، أفزعت كيان العجوز :

- وما فائدة المال بعد ان عطبتني نفسيّاً ودمرّت مستقبلي !! فبعد الذي حصل ، رفضّت العودة للمدرسة .. ولم أكمل تعليمي.. وكما لاحظت ، لديّ مشاكل في النطق بسبّب حبسي في الظلام ، أصابتني بالتأتأة والتلعثم المزعجيّن .. مع رجفةٍ دائمة بيديّ ، منعتني تعلّم مهنةً حرفيّة .. عدا عن الكوابيس والأرق الدائميّن .. كما شاب شعر رأسي باكراً .. بالإضافة لرهابي من الظلام والأماكن الضيّقة.. والتبوّل اللّا إرادي الذي حرمني الزواج.. فبعد ان كنت ولداً مليئاً بالحياة ، أصبحت اعاني من الوحدة والإنطوائيّة.. ورغم كل معاناتي ، إلاّ انني نسيت امرك تماماً ! لحين رؤيتك بالصدفة وانت تُلاعب حفيدك الذي يُشبهني بحيويّتي القديمة..


العجوز باستغراب : وكيف عرفتني بعد عشرين سنة ؟!

- بالتأكيد سأعرفك !! فأنا من أطلقت عليك قديماً لقب الهندي ، بسبب الوحمة الحمراء المميّزة وسط جبينك

- كنت مشاغباً بالفعل !

الشاب : لكني مع هذا لم استحق عقابك الّلا إنساني !! لهذا خطّطت اولاً للإنتقام من حفيدك ، لأُشعرك بعذاب اهلي بعد ضياع مستقبل ابنهم الذي دمّرته نفسيّاً.. لكني شعرت بأن حفيدك لا ذنب له ، بما فعلته بي.. والأفضل ان تعيش تجربتي المريرة بنفسك !!


العجوز بقلق : ماذا ستفعل ؟!

- سأحبسك هنا ، طوال يوميّ العطلة

- لكن لديّ ادوية مهمّة عليّ تناولها

الشاب غاضباً : لا تهمّني صحتك !! .. (ومدّ يده) .. والآن هات جوالك

- لا ، لن افعل

فرفع المسدس في وجهه :

- إعطني ايّاه وإلاّ قتلتك ببطء !!


فأعطاه الجوال مُرغماً .. ثم أقفل الشاب الباب من الخارج بسلسلةٍ حديديّة ، وهو يقول بصوتٍ عالي :

- لا تحاول الصراخ او طرق الباب بقوّة .. فهذه المدرسة الكئيبة ، مهجورة منذ سنواتٍ طويلة.. ومن النادر مرور السيارات في زقاقها الضيّق .. فلا تُرهق قلبك المريض ، حسب معلوماتي الصحيّة عنك

وتركه وحده هناك !

***


في اليوم التالي .. عاد الشاب الى المدرسة ، للتأكّد بأن العجوز مازال هناك.. ووضع اذنه على باب الحمام ، دون سماعه شيء ! 

فطرق بكل قوته ، وهو يصرخ غاضباً :

- هيا استيقظ ايها العجوز !! فمازال امامك يومٌ آخر طويل.. هل ستقضي الوقت بالنوم ، ايها الكسول ؟!!


لكنه لم يسمع جواباً من الداخل ! فشعر بالقلق ، وفتح القفل .. ليجد العجوز ميتاً على الأرض بعد إصابته بسكتةٍ قلبيّة

الشاب بضيق : ايها اللعين ! لم تتحمّل ليلةً واحدة ، بينما تركت طفلاً يعاني وحده ليومين طويليّن ! .. والآن ماذا سأفعل بك ؟!

^^^


وانتظر حتى المساء ، لوضع جثته قرب الجامع قبل صلاة العشاء.. فتجمّع الناس حوله ، بعد اتصالهم بالشرطة

***


في يوم الدفن ، إقترب الشاب من الناس الذين أحاطوا قبره .. وسمعهم يعزّون ابناء الفقيد :

- مات وهو في طريقه للصلاة ، يالها من خاتمةٍ حسنة


فأغاظه كلامهم ! وخرج من المقبرة وهو يتمّتم غاضباً :

- بل مات في حمامٍ مهجور ، وهذه حتماً سوء الخاتمة .. (ثم تنهّد بضيق).. لكنه بالنهاية أصبح عند ربه العادل ، ولن يعاقبه على ذنبه مرتيّن (دنيا وآخرة).. ترى ماذا بشأني ؟ فأنا لم انوي قتله ، فقط عقابه على تدميره حياتي.. فهل سيسامحني الله على ذلك ؟!


ورغم حصوله على الإنتقام الذي خطّط له مُطوّلاً .. الا انه يعلم جيداً بأن تأنيب الضمير سيرهقه لما تبقّى من حياته البائسة !


جندي الحدود

تأليف : امل شانوحة    المهمّة الصعبة اثناء وقوف الجندي (الثلاثيني) بجانب كوخه الحديديّ على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مسح فمه الملي بالد...