فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة
جنّية الأسنان
جلست سلمى على كرسي طبيب الأسنان وهي ترتجف رعباً ، فهي المرّة الأولى التي تخلع فيها سن العقل التي سمعت عن خطورة عمليّته وآلامه المُبرحة.. لهذا وافقت على وضع قناع التخدير على وجهها ، لتجنّب الأوجاع المؤلمة !
^^^
لتستيقظ في قريةٍ ريفيّةٍ غريبة ، ذات اكواخٍ خشبيّة مُتهالكة وشوارع طينيّة موحلة.. فلم تفهم ما حصل ، أهو حلمٌ غريب أم تهيؤات بسبب المخدّر ؟!
ومشت بين الأزقّة ، الى ان وصلت لمرآةٍ ضخمة في نهاية الشارع .. وعندما نظرت اليها ، إنتبهت لفمها المليء بالدماء ! ففتحته بخوف ، لتنصدم باختفاء احد اسنان العقل بالإضافة لنابيّن..
فصرخت سلمى بعلوّ صوتها :
- ماذا فعل الدكتور الحقير ؟!! طلبت منه خلع ضرس العقل المتسوّس ، لا السليم.. ومن سمح له بقلع نابايّ ؟! هذه اسناني ، ملكي وحدي !!
وهنا سمعت امرأة خلفها ، تسألها باهتمام :
- ماذا يعني اسنان ؟!
فالتفتت سلمى نحوها ، لتجدها تبتسم دون اسنان !
وفجأة ! خرج سكّان القرية من اكواخهم ، متوجهين نحوها وهم يبتسمون دون اسنان ! لكنهم أخفوا أفواههم المُشوّهة بإطالة شواربهم (للرجال) او الإكثار من زينة الشفاه (لنسائهنّ) !
قائلاً كبيرهم : تبدين غريبةً عنا ! تعالي لتناول الغداء الجماعيّ
^^^
وأخذوها الى منتصف القرية ، حيث وضعت مائدةً ضخمة عليها جميع انواع العصائر والشوربات الملوّنة !
سلمى : أهذا طعامكم ؟!
- نعم ، فذلك الطبق مثلاً : فيه لحمٌ مسلوق على مدى ايام ، بعدها عصرناه وصفّيناه كيّ نشرب مرقته.. وهذا هو طبق الحلويات : عبارة عن كيك مخلوط بالحليب حتى اصبح مهروساً ، فنحن لا يمكننا تناول الطعام الجاف القاسي
جني آخر : هيا إشربي معنا ، فكل كاسة مليئة بالفيتامينات ..خصوصاً شوربة قوس القزح
وقبل ارتشاف سلمى ملعقتها ، شاهدت عجوزاً من بعيد تشير لها : بأن لا تفعل !!
فاعتذرت منهم لدخول الحمام .. فدلّوها على كشك صغير على قارعة الطريق..
^^^
وهناك التقت بالعجوز التي ما ان فتحت فمها حتى لمع سنّها الوحيد !
سلمى بدهشة : انت تملكين سنّاً ، بعكسهم ؟!
العجوز بصوتٍ منخفض : هذا لأني بشريّة مثلك
سلمى بصدمة : ماذا ! ومن يكونون ؟!
- قبيلة من الجن تعاملوا منذ سنوات مع طبيب اسنانك الذي يُرسل زبائنه لهم ممّن يمتلكون اسنان قويّة مميزة
- لم افهم شيئاً !
العجوز : هناك اسنان نادرة لديها جذور قويّة تدوم العمر كلّه ، كالتي تملكينها .. والتي كانت بفمي قبل سنوات ! حيث يقوم الجن بطحنها وإذابتها بشورباتهم لإعطائهم الطاقة .. وفي المقابل يكافئون الطبيب بالعملات الذهبيّة .. تعالي معي لأُفهمك بقيّة القصة
^^^
وأخذتها الى منزلها بأطراف القرية التي بجانبها حقلٌ مزروع ، يخرج من كل نبتة سنّاً لامعاً..
العجوز بضيق : للأسف فهمت متأخرة ، ان شوربة القوس قزح تجعلك تصعدين مجدّداً لعيادة الحقير لقلع المزيد من اسنانك ! وعندما صعدت في المرّة الأخيرة ، سرقت كل اسناني المخلوعة على طاولته ، اثناء انشغاله بتحضير ادواته .. وعدّت طواعيّةً الى هنا .. وقمت بزراعتها في ارضي .. وهآ انا ابيع كل سنّ للقرية المجاورة ، مقابل طعامٍ آدميّ .. أنظري بنفسك
وشاهدت سلمى اهالي قرية العجوز يتحدثون فيما بينهم ، وكل واحدٍ يلمع في فمه سنّاً ملوّناً !
العجوز : انا لم اتعامل مع اهالي القرية التي ظهرتِ فيها ، لأنهم مخادعون ..حاولوا سرقة حقلي اكثر من مرّة ، لكني تصدّيت لهم
سلمى بقلق : كلامك يُخيفني ! فأنا خسرت سن العقل السليم ونابيّن ، ولا اريد رؤية الطبيب الملعون من جديد..
- بالطبع سيخلع ضروسك السليمة .. فالجن يشمئزّون من المتسوّسة ، فهم بالنهاية يتغذّون عليها ! اما الطبيب فلابد ان تقابليه ، كيّ تنتقمي منه لأجلك ولأجلي .. فخطؤك انك ذهبت اليه دون مرافق ، فاستغلّ وجودك وحدك لتخديرك ، والتواصل مع الجن.. المهم الآن !! شوربة قوس قزح ستعيدك اليه ..لكن قومي اولاً بصفقة مع جنّية الأسنان التي تعيش في ذلك الكهف ، فقط تتبّعي نهر الدماء
^^^
وسبحت سلمى بالنهر الأحمر مُرغمة ، الى ان وصلت لكهفٍ فيه عرش امرأة غجريّة تضع اسنان الأطفال اللبنيّة كعقد حول رقبتها !
والتي ما ان رأتها ، حتى سألتها باهتمام :
- مالذي أتى بك الى مملكتي ، ايتها البشريّة ؟!
سلمى : اريد اخبارك بأن الطبيب الذي تتعاملين معه ، لديه أندرّ الأسنان بالعالم ..وانا سأبادله معك ، مقابل إخراجي من هذه الورطة
- أحقاً ما تقولين ؟!
- نعم ..فهو طبيبٌ شاب ، لديه اسنانٌ لامعة دون تسوّس
الجنّية : حسناً ، سأهبك القوّة لإتمام صفقتنا
^^^
وعادت سلمى للإجتماع بأهالي قريتها ، وهي تطلب منهم تذوّق شوربة قوس القزح .. قائلةً بنفسها باشمئزاز :
((اتمنى ان لا يكون مطحوناً فيه اضراس المرضى ، كما الشوربات الأخرى))
^^^
وما ان شربت كاستها ، حتى عادت الى كرسي طبيب الأسنان الذي حاول إعادة قناع التخدير الى وجهها.. لكنها باغتته بغرز ماكينة الحفر في رقبته ، ورميه بدالها على الكرسي مُتألّماً (وكأن جنّية الأسنان أعطتها القوّة لمصارعة رجل) .. ثم تثبيت جهاز التخدير فوق انفه ، بعد فتحته على أقصى قوّة .. ليغفو عقب انهيار مقاومته .. وخلال ثواني ، إختفى من العيادة !
فقالت سلمى بارتياح : دعّ الملاعين يقلعون جميع اسنانك ، ايها الحقير !!
وسارعت بالخروج من عيادته ، باتجاه منزلها
***
بعد ايام ، دخلت امها الى غرفتها :
- أمازال سن العقل يؤلمك ؟!
سلمى بألم : اللعين قلع ضرسي السليم !
- أخبروني عن طبيبٍ جيد ، يقلع الأضراس دون ألم باستخدام التخدير الكلّي
سلمى صارخة : لا يا امي ، لن اذهب الى اطبّاء اسنان في حياتي !!
وانهارت باكية من الم اسنانها الذي يبدو سيمتدّ لوقتٍ طويل !