كتابة : امل شانوحة
الهداية الإلهيّة
- اخيراً وصلت الى ايطاليا ، بلد الحرّيات !!
وبعد ترتيب اغراضه في غرفة الفندق ، بدأ الشاب العربي بتخطيط برنامجٍ حماسيّ قبل بداية دراسته الجامعيّة .. فهو من عائلةٍ متديّنة ، إلاّ انه كره الدين لصرامة والده (إمام الجامع) الذي اجبره على حفظ القرآن بعمرٍ صغير ، والمداومة على الصلاة في المسجد المسؤول عنه !
ولأن الشاب مُغرمٌ بالحياة الأوروبيّة ، درس بجهدٍ كبير للحصول على منحة الماجستير في ايطاليا .. فهذا سيريحه من العادات والتقاليد المُتزمّتة (حسب رأيه) والأهم من ذلك ، يُبعده عن تسلّط والده الشيخ !
وكان ينوي تجربة الخمور وعشق النساء الأجنبيات اللآتي حلم بهنّ دائماً !
واثناء بحثه بالإنترنت عن اقرب بارّ من فندقه ، غفى من مشقّة السفر..
^^^
إستيقظ آخر الليل على صوت طرقٍ خفيف ! فنظر لساعته بتعب :
- من الغبي الذي يوقظني قبل بزوغ الفجر ؟!
وفتح باب غرفته غاضباً ، ليجد راهبيّن يقولان بصوتٍ منخفض :
- هل انت قادم من المدينة المنوّرة ؟!
- نعم ، ماذا تريدان ؟
فدخلا غرفته ، وأغلقا الباب خلفهما (مما اخاف الشاب) وأكملا حديثهما بحماس :
- نحن لدينا شغف على الديانة الإسلاميّة ، دون إعلان ذلك لأحد.. فأهلنا وضعونا في الكنيسة منذ صغرنا لخدمة المطران ، وبقينا هناك حتى أصبحنا رهباناً.. وكان حلمنا الإنتقال للفاتيكان ، رغم الشكوك حول ديننا ! لهذا اشترينا جوّالات دون علم الأساقفة ، واطّلعنا على دينك الذي أُعجبنا بكل تفاصيله ..ولأننا احياناً نبيت في هذا الفندق القريب من الكنيسة ، سمعناك بالصدفة تُخبر موظفة الإستقبال بأنك عربيّ وقادم من مدينة رسول الله ! لذلك انتظرنا لهذا الوقت ، لكيّ نستفسر منك عن بعض الأمور الدينيّة.. لربما تكون هدايتنا على يديك
الشاب بضيق : الا يمكنكما تأجيل الموضوع لبعد الظهر ؟
الراهب بحماس : لا !! لأننا في حال أسلمنا ، نريدك ان تؤمّنا لصلاة الفجر التي بقيّت ساعة على أذانها .. فهل نستطيع طرح الأسئلة حول ديانتك ؟
فقال الشاب في نفسه :
((يالا سخريّة القدر ! هربت من بلدي ، لأجد راهبيّن مُتعطشيّن لمعرفة ديني اكثر مني.. ليت ابي مكاني ، فهو ادرى بهذه الأمور))
ولعدم رغبته بإظهار جهله بالدين ، حاول إجابتهما حسب دروس والده وخطبه يوم الجمعة التي حضرها غصباً عنه ، في جامعه الصغير القريب من المسجد النبويّ
^^^
بعد عدّة اسئلة .. نظر الراهبان لبعضهما بسعادة ، قبل ان يسأله أحدهما :
- ماهي صيغة الدخول في الإسلام ؟
فسألهما الشاب بدهشة :
- هل اقتنعتما بهذه السهولة ؟!
الراهب : نحن قرأنا القرآن المترجم بلغتنا قبل شهرين ، ودرسنا العديد من الأحاديث النبويّة بالإنترنت .. لكننا رغبنا بمجادلة احد المسلمين ، قبل اتخاذ قرارنا المصيريّ
الراهب الثاني بابتسامة : يبدو انك ستحصل على ثواب هدايتنا .. فماذا نقول للدخول في دينك ؟
فلقّنهما الشهادة ، ليحتضناه باكيّن من شدّة فرحتهما باعتناقهما الدين الجديد
احدهما بحماس : هل نصلي خلفك الآن ؟ فقد أذّن الفجر قبل دققتيّن ، حسب برنامج الصلاة في جوّالي
الشاب : عليكما الإغتسال اولاً
الراهب الثاني : اذاً سننزل فوراً الى غرفنا .. ثم نعود اليك لتؤمّنا ، لكيّ نحفظ خطوات الصلاة .. رجاءً لا تنمّ ، إنتظرنا !!
وبعد ذهابهما ، قال الشاب بتعب :
- اشعر بنعاسٍ شديد ، لكن عليّ انتظارهما
^^^
وبالفعل صلّى إماماً لهما بصلاة الفجر.. وعندما جلس للتشهّد الأخير .. وجد انهما مازالا ساجديّن ، وهما منهاريّن ببكاءٍ مرير عن ذنوبهما الماضية !
فشعر الشاب بالذهول لقوّة ايمانهما ، رغم دخولهما حديثاً في الإسلام ! كما استغرب شعورهما بالروحنيّات التي أخبره عنها والده كثيراً (دون إحساسه بها)
والأهم من ذلك : انه شعر بالخجل من نفسه لتخطيطه بإمضاء عطلته بالمنكرات ، بينما الراهبيّن يتوقان لتعلّم كل شيء عن دينه ، حتى السننّ النبويّة !
***
وخلال ايام .. أزال الشاب فكرة الخمور والساقطات تماماً من تفكيره ، بعد إحضار المسلمان الجدّد المزيد من الرهبان الى غرفته لدراسة الدين على يديه !
مما أجبره على التفقه بالدين من الإنترنت. .حتى انه اضّطر للإتصال بأبيه (الذي قاطعه لمدةٍ طويلة) لسؤاله عن بعض الأمور الدينيّة ..مما أسعد والده الذي اجابه عن جميع اسئلته بعيونٍ دامعة ، والذي ختم كلامه :
- لطالما دعوت لك بالهدايّة مع كل أذانٍ وصلاة ، يا بنيّ
ابنه : يبدو ان الله استجاب لك ، بعد سفري لأوروبا ! وبعد سماعي فضائح التحرّر من اصدقائي العربيين في الغربة.. عدا عن اعترافات اصحابي الرهبان بالتحرّشات التي تعرّضوا لها بالكنائس في صغرهم ! حتى زميلتي بالدراسة أخبرتني عن تعاسة النساء في الغرب ، ومعاملتهنّ كسلعةٍ رخيصة في العمل والشارع.. حينها فهمت كلامك بأن قوّتنا تكمن بالتزامنا بديننا .. وبأننا وصلنا لقمّة الحضارة في الماضي ، لخوفنا من عقاب الله ورجائنا عفوّه وبركته .. وكأن الغشاوة حول عينيّ عن حضارة الغرب وتخلّف العرب ، أُزيحت نهائيّاً بفضل الله.. لهذا قرّرت بعد حصولي على الماجستير بعلم النفس ، أن أعود لدراسة الشريعة في مدينة رسول الله ، كما تمنّيت دائماً يا ابي .. وسأستخدم علم النفس في حواري مع الديانات الأخرى لإقناعهم بديننا ، فلا شيء اجمل من هداية الناس للطريق المستقيم
الأب بفخر : ونحن بانتظار عودتك ، يا ابنيّ الغالي
***
بعد حصوله على شهادته ، وقبل عودته لبلده .. زاره عشرون شخصاً ممّن اعلنوا اسلامهم على يديه ، وهم يشكرونه على هدايتهم..
الشاب : بل انا أشكركم على إعادتي لرشدي وديني ، بعد إعجابي بتدبّركم لآيات الله وانبهاركم بأحكامه العادلة .. كما ذكّرتموني بتاريخ العرب المُشرق الذي كنت أستسّخفه سابقاً !
احدهم : طالما ستسافر غداً ، ما رأيك لوّ تشاركنا بمظاهرة غزّة التي ستُقام في السّاحة بعد قليل ؟
فرد الشاب مُبتسماً :
- يعني اسلمتم حديثاً ، وصرتم مناصرين للقضيّة الفلسطينيّة ايضاً !
- نعم ، فهي منطقة مُباركة لجميع الأديان .. ولا يحقّ لليهود إستحواذها لأنفسهم
***
وبالفعل شارك الشاب بالمظاهرة الضخمة .. ورقص مع المغتربين على الدبكة الفلسطينيّة وهو فخور للمرّة الأولى بهويّته العربيّة والإسلاميّة ، بعد سنوات من انبهاره بحضارة الغرب وقوانينهم المنحرفة !
***
في المطار .. ودّعه المسلمون الجدّد بامتنان ، ليعود الى احضان والده الذي وعده بأن يصبح شيخاً مثله بعد شعوره بالفخر لنشر دينه ، مع إستمراره بهداية الضّالين حتى آخر حياته التي أصبح لها معنى أخيراً !