الجمعة، 30 سبتمبر 2016

المرحلة الإنتقالية

امل شانوحة

الجنة,جهنم,الحساب,انتقال,روح,عقاب,مرض,عائلة
قطار فضي ينتقل الى السماء

صفّارة القطار القادمة من بعيد , ايقظته  
-اين انا ؟!
قالها الرجل الخمسيني و هو ينظر بغرابة للناس من حوله , بعد ان استفاق داخل مطعم جدرانه مطليّة باللون الذهبي !

-هاهو استيقظ اخيراً !
قالتها صبية بعمر الورود , كانت تجلس بجواره على الطاولة الدائرية
-من انتم ؟ ...و اين انا ؟!

-انا سعيد و هذه مريم .. و انت الآن في المرحلة الإنتقالية قبل يوم حسابك .. و بما انك تجلس معنا في هذا المطعم الجميل , فهناك احتمالاً كبيراً ان تكون من اصحاب الجنة بإذن الله
قالها سعيد (الرجل الثلاثيني) و هو يرتشف بعضاً من عصيره

-لم افهم شيء !
-دعني افهمه انا يا سعيد 
و اقتربت الصبية من الرجل الخمسيني , و قالت له : 
-اسمع يا عم صالح ..  
-(مقاطعاً).. لحظة ! كيف عرفتي اسمي ؟!
-هو مكتوب على بطاقتك 

فنظر الى ياقته , ليجد اسمه مكتوباً على بطاقة علّقت عليها
-اسمعني رجاءً.. يبدو انك تحتضر في مكانٍ ما على الأرض , و روحك انتقلت الى هنا مثلنا جميعاً..
-(يقاطعها من جديد , و بفزع) .. هل انا ميت ؟!
-لا !! .. انت مازلت تحتضر او في غيبوبةٍ ما 
-(بارتباك) ..و ماذا سيحصل الآن ؟!

فأكملت قائلة : 
-انت انتقلت الى هذا المكان الذي يشبه الجنة المصغّرة .. انظر مثلاً الى الطاولة التي نجلس عليها .. يمكنك ان تطلب ايّ طعام من ايّ مكانٍ في الأرض , و ستجده امامك في ثواني .. 
فتنظر الى سعيد الذي كان يبتسم ساخراً من نظرات الدهشة في عينيّ العجوز , ثم تكمل قائلة :
-يبدو انك لا تصدّقني بعد ..اذاً سأريك 

و ضغطت على زرٍ موجود فوق الطاولة , ليخرج منه ضوءاً كالشعاع , يظهر فيه صورة للكرة الأرضية 
صالح بدهشة : هذا يبدو كالحاسوب ؟!
-نعم صحيح .. انظر الآن

و بلمسها للكرة الأرضية المرسومة بالهواء , تبدأ الأرض بالدوران .. و من ثم اوقفتها بلمسة على دولة البرازيل .. ثم قالت :
-الآن و بعد ان اخترنا البلد , ستظهر لك قائمة بأشهر الطعام و الشراب التي تشتهر بها البرازيل .. و سأختار لك القهوة فهم مشهورين بالبن الجيد , هذا عدا انك تحتاجها لتركز معنا اكثر
ثم طلبت القهوة من القائمة .. فظهرت على الفور امام صالح كوب القهوة الساخنة .. ففزع و رجع بكرسيه للخلف !

فضحكت الفتاة و سعيد الذي قال :
-لا تقلق , فجميعنا ارتعبنا مثلك في البداية .. لكنك ستتفاجىء اكثر عندما تتذوق طعمها اللذيذ , فهي قادمة اليك مباشرةً من افضل مقهى بالبرازيل...هيا اشرب
-(بتردد) .. لا لا اريد ..اقصد ..انا اعاني من مشاكل صحية على ما اذكر , و القهوة لا تناسبني

فقالت الصبية مبتسمة :
-و انا اصبت بحادث سيارة ادخلتني في الغيبوبة , فهل ترى عظامي مهشّمة مثلاً ؟ 
-لم افهم !
فقال الشاب :
-يا عم , صحتك هنا مئة على مئة و كأنك مولود من جديد .. و ان كنت لا تصدّقني , انظر بنفسك

و طبع الشاب شيئاً على الأزرار الموجودة على الطاولة , فخرج ضوءٌ شعاعي من جسم العجوز , و ظهر (في هواء فوق الطاولة) شكل جسمه بالأشعة السينية , و فيه يظهر ان كل شيء بداخله يعمل بشكلٍ جيد , حتى قلبه المريض !

-هل اطمأننت الآن ؟ 
قالتها الفتاة , و هي تدني منه كوب القهوة و تقول :
-و الآن اشرب قهوتك , و ستشكرني لاحقاً

فأخذ العجوز قهوته بتردّد .. لكن ما ان ارتشف القليل منها , حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة الرضا
-يا الهي ! انه اجمل كوب قهوة شربته بحياتي
-مريم :  طيب ما رأيك الآن يا عم ان تشاركنا الطعام ؟  
-سعيد : نعم ..فنحن كنا على وشك ان نطلب طعامنا , قبل ان تظهر امامنا فجأة .. بالمناسبة اسمي سعيد , او يمكنك تلقيبي بالشاب المتهوّر كما كان يفعل اصحابي

-صالح : و لماذا يسمونك هكذا ؟
-مريم : رجاءً لنأجّل الكلام الى ما بعد طعام العشاء 
-صالح : و هل دخل الليل علينا ؟!
سعيد : نعم منذ ساعتين .. هيا مريم اطلبي طعامك , فالسيدات اولاً 
-مريم : شكراً لك .. و على فكرة يا عم صالح , الطعام هنا لا يسمن ابداً مهما كان مليئاً بالدهون

ثم ضغطت على زر الطاولة , فظهرت لها الكرة الأرضية من جديد
-مريم : حسناً سأطلب افضل شريحة لحم من الولاية الأميركية ...
-صالح (مقاطعاً) : لحظة يا بنتي , هم لا يذبحون وفقاً للشريعة
فضحك الشاب و الفتاة..
-لا تقلق يا عم , لن يقدّم لك حاسوب المطعم سوى الطعام الحلال
سعيد : هذا عدا انه يوجد هنا خدمة الخمور الشرعية
صالح بدهشة : لم افهم !
مريم : انظر تحت قدميك

فلاحظ صالح ان ارضية المطعم من الزجاج , و يجري من تحتها ماءٌ احمرٌ قرمذي .. فسأل :
-و هل هذا خمرٌ فعلاً ؟!
مريم : نعم و هو احد روافد نهر الخمر الموجود في الجنة , و يمكنك تذوقه 
سعيد : هو لا يسكر , بل طعمه لا يصدّق !

ثم تنادي مريم النادل .. فيمرّ من بين الطاولات (المليئة بالزبائن) ولد بعمر العاشرة , و هو يحمل صوّان فيها آنية ذهبية و عليها بعض الأقداح الكريستالية .. و بعد ان سكب فيها الخمر , قال لهم :
الولد (النديم) : تفضلوا يا سادة
و اخذ كل واحداً منهم كأسه ..

سعيد و هو يرفع كأسه : بصحة الجميع
مريم و هي تعطي صالح الكأس : لا تقلق يا عم , هذا خمر الجنة
و بعد ان ارتشف القليل منه 
صالح : يا الهي ! كم هو لذيذ , و كأن فواكه الدنيا عصرت معاً
-نعم و الآن دورك , ايّ طعام ستختار ؟

فيفكر قليلاً ثم يقول :
صالح : حسناً سأختار الكسكسي من بلدي المغرب
فضحكا عليه , ثم قالت مريم :
-يعني كم مرة اكلت الكسكسي في حياتك يا عم ؟
-ربما مرة كل اربعة ايام تقريباً
سعيد : اذاً اختار شيئاً آخر , فأمامك كل مطاعم العالم
صالح متضايق : لكني اريد ان آكل كسكسي الجنة
سعيد مبتسماً : كما تشاء ...و انا سأختار السوشي من أفضل مطعم في اليابان
مريم : المهم ان لا ننسى الحلويات , بعد ان ننتهي من الطعام
***

و مرّت الساعات ..تناولوا بها الكثير من الأطعمة وسط الضحك و الذكريات , و الغريب انهم لم يشعروا بالتخمة او الرغبة بدخول الحمام او النعاس !
ثم ظهر صوت القطار ثانية..
صالح : ما هذا الصوت ؟!
مريم : هذا قطار يمرّ مرتين في اليوم لمن يرغب منا العودة الى الدنيا
صالح باهتمام : و هل ركبتما به ؟!
سعيد : اذا ركبناه فلن نعود الى هنا ثانية , و نحن سعيدون هنا
صالح : و ماذا عن اهلكم الذين ينتظروكم في الدنيا ؟!
سعيد : هذا ما يحزننا فعلاً , لكن من يريد ان يترك هكذا حياة

صالح : و كم لك هنا ؟
سعيد : تقريباً 20 سنة 
صالح بدهشة : انت تمزح ! لك كل هذه المدة بالغيبوبة , و لم يفصلوا عنك اجهزة الإنعاش ؟!
سعيد : لا يا صديقي ..20 سنة هنا كثلاثة شهور بالدنيا
صالح باستنكار : ربما تراها قليلة , لكنها اكيد طويلة على والديك
سعيد بحزن : نعم و على خطيبتي ايضاً .. فقد كنت مهوساً بعمل حركات بطولية بدراجتي الهوائية , الى ان سقطت يوماً بقوة على رأسي 
صالح : و هل يمكننا ان نرى ما يفعلون اهلنا في هذه اللحظات ؟ 
مريم بحزن : نعم يمكننا .. لكني و سعيد نرفض ذلك , لأننا لا نريد الإحساس بهذا الألم
صالح بعصبية : الإحساس بالألم , ام انكم لا تريدون ان يعكّر شيء على سعادتكم هذه ؟!!
فسكتا بإحراج..

صالح بنبرة عتاب : عارٌ عليكم ان ترفضا العودة , و اهليكم يتعذبون كل يوم برأيتكم تموتون امامهم ..على كلٍ هذا قراركم , لكني لن افعل ذلك بزوجتي و اولادي .. هيا اروني الطريقة التي استطيع فيها رؤيتهم 
سعيد : اذا كنت مصراً فتعال معنا
***

ثم خرجوا جميعاً من المطعم ليجد صالح نفسه عند محطة قطار , و الذي كان يخرج منه اعداد من الناس من مختلف الجنسيات , لكن القليل منهم كان يتجه (بدهشة) نحو نفس المطعم , اما الباقون فظلّوا ينتظرون (بذهول) حول المحطة !
ثم جلس الأصدقاء الثلاثة على المقاعد المواجهة للقطار , و كان امامهم طاولة بها شاشة حاسوب

صالح و هو ينظر لسعيد و مريم باستغراب : و لما جلسنا هنا , لما لا نركب القطار ؟!
سعيد : لأنك وحدك ستركبه , اما انا و مريم فسنبقى هنا ..اليس كذلك يا مريم ؟
مريم : نعم فأنا لا اريد ان العودة لزوج امي القاسي , فحياتي هنا اجمل بكثير
صالح : و الى متى ؟!
مريم بحزن : الى ان يفصلوا انابيب الإنعاش عني , و انتقل حينها الى فوق
و أشارت الى السماء التي كانت تظهر منها قمر غريب منير وسط الظلام !

صالح باستغراب : الى القمر ؟!
فتبتسم مريم : لا يا عم , هذا ليس قمراً بل الجنة ..و ما رأيته في ذلك المطعم لا يساوي شيئاً امام ما ينتظرنا فوق
فيدير صالح وجهه نحو سعيد و يسأله : 
-و انت .. ماذا عن خطيبتك ؟
سعيد بلا مبالاة : اكيد ستملّ من فرصة نجاتي , و ستجد غيري .. (ثم يقول بحماس) ..اما انا فأكيد في انتظاري حوريات الجنة , و هنّ اجمل بكثير منها

يسكت صالح قليلاً ثم يقول بتصميم :
-لكن انا لا اريد سوى زوجتي ... (ثم يقف) .. سأركب القطار
مريم : برأيّ لا تستعجل يا عم , تعال و شاهدهم بالحاسوب قبل ان تتخذ قراراً مهماً كهذا

فيعود صالح و يجلس بقربهم , و يقوم سعيد بالبحث عن عائلته بعد ان اخبره صالح ببعض المعلومات عنهم ..
سعيد : هآقد وجدتهم اخيراً , و الآن تستطيع ان ترى ما فعلته عائلتك طوال شهورك الخمسة بالغيبوبة

و شاهد صالح عائلته في الأيام الأولى بالمشفى , حيث كانت زوجته تحضر مع ابنائه المراهقين كل يوم لزيارته و هم يبكون ..ثم بدأت تقلّ زيارتهم و صاروا يحضرون بأيام العطل , لأن زوجته عادت لوظيقتها القديمة التي كان زوجها قد طالبها بالإستقالة منها بعد زواجهم .. اما اولاده فقد انشغلوا لاحقاً بالنادي مع اصدقائهم ..

ثم رأى زوجته و هي تتشاجر مع ادارة المستشفى على تكاليف الغرفة الغالية .. و من ثم تم نقله الى البيت مع ممرضة , ثم بعد اسابيع رآى زوجته و هي تقول لها :
-لا انا لست حمل مرتبك , انت مطرودة
الممرضة : لكن يا سيدتي انت تعملين و اولادك لا يأتون حتى المساء , فمن سيهتم بالعم صالح في غيابكم ؟!
-لا تقلقي , سأتدبّر امري

و بعد اسابيع .. صار صالح يرى كيف ابنائه يتهرّبون من مساعدة امهم في تنظيفه , بحجّة انشغالهم بالدراسة 
ثم يرى ذات يوم زوجته و هي متضايقة جداً بعد عودتها من عملها متعبة , لتجد زوجها النائم و قد وسّخ نفسه
-كان ينقصني طفلاً كبيراً معاقاً !!

ثم اقتربت من اذنه (و صالح مازال بالغيبوبة) :
-يا رجل متّ , ارجوك متّ و ارحنا من هذا القرف كل يوم !!
ثم رفعت الوسادة فوق وجهه , في محاولة منها لكتم انفاسه .. لكنها تتوقف و هي تقول :
-لا ..استغفر الله .. لن اقتله .. لكن ارجوك يارب ارحني منه قريباً , فقد تعبت حقاً
***

و في هذه اللحظات .. اطفأ سعيد شاشة الحاسوب , بعد ان رأى الحزن و الغضب الباديان على وجه العم صالح 
سعيد : ارأيت لما نصرّ على البقاء هنا  
مريم : البشر يا عم بطبعهم ملولين , فلا تغضب منها ..

لكن صالح فاجئهما بوقوفه و سيره ناحية القطار المتوقف , و هو يقول بتصميم :
-لابد ان اعود فوراً الى عائلتي
و بدأ القطار بالتحرّك , فناداه سعيد :
-يا عم الا ترى ! هم لا يريدونك ؟!
صالح بغضب : و لهذا السبب سأذهب اليهم , لكيّ اربّيهم من جديد !!!
ثم انطلق القطار بلمحة بصر ليختفي من تلك المحطة
***

و بعد دقائق معدودة فتح صالح عينيه ليجد نفسه داخل غرفة منزله النتنة الرائحة بعد ان وسّخ نفسه , فصار يصرخ لعائلته ..لكن يبدو انهم تركوه لوحده في المنزل !
فقام من سريره و بدأ يتكىء بصعوبة على الجدران 
-يا الهي ما هذا الالم , و كأني في الثمانين من عمري !

حتى وصل الى هاتف المنزل بصعوبة , ثم اتصل على زوجته فوجد جوالها مغلق و كذلك ابنه الكبير , فاتصل على جوال ابنه الصغير , الذي اسرع قائلاً :
-امي ليس الآن , فعندي مباراة كرة قدم بعد قليل
فقال صالح بصوتٍ مرهق : 
-انا والدك 
فأجاب بدهشة :
-ابي ! ...هل استيقظت ؟!
***

و في الليل ..كانت العائلة و الأصدقاء مجتمعين حوله في الغرفة بينما استلقى هو على سريره (بعد ان اخذ دشاً بمساعدة ابنه الكبير و زوجته)
احد اصدقاء العائلة يسأل زوجته : 
-و متى ستحضرون الطبيب ليفحصه ؟
زوجة صالح : سآخذه غداً الى المستشفى بعد ان اعود من عملي , و بذلك نطمئن عليه اكثر
و بعد ان ذهب الجميع ..

قال صالح لزوجته : أعدّتي لعملك رغم اعتراضي سابقاً على ذلك ؟
-و ماذا افعل يا صالح , فأنت في غيبوبة منذ شهور و كان عليّ تأمين مصاريف المنزل و الأولاد و ادوية علاجك ..
-حسناً لكن فقط الى ان تتحسن حالتي ثم اعود لعملي و انت ترتاحين في المنزل , هل اتفقنا ؟
-لكن شركتك يا صالح سرّحتك من العمل , و اعطتنا تعويضك الذي دفعناه كمصاريف المستشفى
-كنت اتوقع هذا ..لا بأس ..سأبحث عن عمل جديد ..لا تقلقي
-لا تفكر بهذه الأمور , المهم ان تتعافى الآن 
ثم اقتربت منه لتضع وسادة ثانية تحت رأسه , لكنه انتفض مبتعداً 
-مابك يا صالح ؟!
-ظننتك ستقتليني بالوسادة كما حاولتي سابقاً
-ماذا ؟! لا مستحيل
-و هل تظني بأنني كنت فعلاً بغيبوبة ..لقد كنت معكِ و اسمع بوضوح تأفّفك من تنظيفي كل يوم
بدهشة : انا لم.. 
-لا يهم الآن .. دعينا ننام
***

في الصباح.. 
استيقظت عائلة صالح على صرخته الأليمة , فأسرعوا به الى المشفى
و هناك اخبرهم الطبيب بأنه تعرّض لجلطة قوية اصابته بالشلل الدائم
زوجته بضيق : اللعنة !! هل عاد من الغيبوبة ليصبح مشلولاً , ما هذا الحظ !!
***

-الم نقل لك الا تعود للأرض ثانيةً 
كان هذا صوت مريم الذي سمعه صالح قبل ثواني من استيقاظه , ليرى نفسه و قد وضعه الممرض على كرسي متحرّك 
-لا !! لا اريدك ان تدفعني , انا سأحرّكها بنفسي

ثم خرج صالح من غرفة المشفى , ليجد ابنه الصغير يقول لزوجته (في الرواق) :
-لكنك وعدتني يا امي بأنك ستدفعين لي ثمن الرحلة المدرسية
-لقد دفعت كل ما معي لمصاريف المشفى , هذا غير تكلفة شراء كرسي متحرّك لوالدك
و هنا انتبهت على صالح الذي كان يجلس بعيداً على كرسيه (بحزن)
فاقتربت منه و هي تقول :
-هيا يا صالح , لنذهب الى منزلنا
***

و مرّت الأسابيع ..و صالح مازال يحاول ان يقف على قدميه او ان يجد عملاً له , لكن بلا فائدة ..و بدأت زوجته تتأفّف من تنظيفه كلما عادت من العمل متعبة .. و صالح يصبح في كل يوم اكثر ندماً على ركوبه ذلك القطار و عودته الى هذه الحياة الكئيبة.. 
و ذات يوم..و بعد ان ركب مع زوجته في السيارة
-الى اين نحن ذاهبان ؟!
-الى مكان سيعجبك
-و لما لم يذهب الولدان معنا ؟
-هما مشغولان بالإمتحانات

و بعد ساعة , توقفت عند مبنى حكومي ..
صالح : لما توقفنا قرب دار المسنين ؟! 
فسكتت زوجته .. فقال لها بغضب :
-لا !! انا لن اسمح لك بأن ترميني هنا , انا لم ابلغ الستين بعد يا امرأة !!
-اسمع يا صالح , لقد تعبت من الإهتمام بك .. و اريدك الآن و فوراً ان تطلّقني 
-ماذا ؟!
-انظر اليّ !! انا مازلت في 38 من عمري , الا يكفي ان اهلي زوجوني لشخص يكبرني بعشرين سنة ..لما تريدني ان اضيّع كل حياتي مع شخصٍ مشلول مثلك ؟!! 
-لا الموضوع ليس انا .. انا متأكد ان هناك شخصاً آخر بحياتك..اليس كذلك ؟ 
-انا لا اخونك يا غبي !! لكن مديري معجبٌ بي , و هو رجلٌ غني جداً و يمكنه ان يأمّن حياة جيدة لي و لأولادي ..لذا طلقني و حالاً .. هيا يا صالح !!
-انت تعلمين جيداً بأن لا اهل لي , ولّو كان..
-طلقني يا صالح ..الآن !!
و بعد تردّد , قال بحزن :
-انتِ طالق

فنزلت من السيارة و هي تنادي على الممرض الذي يجلس بجانب مبنى دار المسنين
-هاى انت لو سمحت !! تعال و خذ هذا الرجل من سيارتي .. آه لحظة .. دعني احضر كرسيه المتحرّك من الصندوق
و قبل ان يأخذه الممرض الى داخل الدار تقول له :
-صالح !! لا تقلق ..سأترك زوجي الجديد يدفع لك مصاريف الدار , فهذا اتفاقي معه.. سلام
ثم انطلقت سريعاً بسيارتها 

و بذلك اصبح صالح اصغر من في الدار عمراً , و اكثرهم حزناً و اكتئاباً حيث لم يزره ابناءه منذ ذلك اليوم
***

و في احد الأيام .. و بعد ان عاتبته الممرضة على توسيخ نفسه , خرج من غرفته حزيناً و هو يجرّ كرسيه بغضب , فوجد رجلاً يتكلّم من جواله 
-نعم اختي لقد زرت امي قبل قليل ..لا لم تتذكرني كالعادة , فالزهايمر حذف كل الذكريات من رأسها 
فانتظره حتى اغلق جواله , ثم اقترب منه
-يا اخ لو سمحت .. هل يمكنني ان اكلّم ابني من جوالك ؟
-تفضل يا عم

و اتصل اولاً بإبنه الكبير لكنه لم يردّ عليه , فعاد و اتصل بإبنه الصغير
-ابني حبيبي .. ارجوك تعال و خذني من هنا
-ابي ...امي تزوجت منذ ايام ..و سأذهب انا و اخي معهم الى باريس , سيدخلني زوجها الى مدرسة داخلية هناك , و اخي الكبير سيتعلّم في احدى اهم الجامعات في فرنسا .. انا آسف يا ابي لكن عليّ ان اغلق الهاتف , لأننا ذاهبون الى المطار بعد قليل .. الوداع يا ابي 
و اغلق السمّاعة سريعاً ..

فأعاد صالح (بحزن) الجوال الى الرجل .. ثم بدأ يجرّ كرسيه الى ان وصل للمصعد الذي خرج منه الممرض
-يا عم هذا المصعد فقط لعمّال المشفى , انت تعرف القوانين
-بنيّ هل ترى ساعتي هذه ؟ انها هدية من جدي , و هي من الذهب الخالص ..سأعطيها لك بشرط ان تأخذني الى سطح الدار لأشتمّ بعض الهواء , فأنا اختنق هنا
-حسناً , لكن رجاءً لا تخبر احد بذلك , فأنا جديد هنا و لا اريدهم ان يطردوني لمخالفة القوانين
-لن اخبر احد , اعدك بذلك

و اخذه الممرض الى السطح (فوق الطابق السادس) ..
-يا عم صالح , تمشى في السطح قليلاً و سأعود بعد ساعة لأخذك .. و رجاءً ابتعد عن الحافة
-سأنتبه جيداً , لا تقلق 

و بعد ان ذهب الممرض , اقترب صالح نحو الحافة و هو يتذكّر كل الذكريات السيئة بحياته ..
فاغمض عيناه و هو يقول بندم :
-مريم .. سعيد ..اتمنى انكا مازلتما تنتظراني فوق عند المطعم الذهبي

و فجأة !! سمع صوت القطار نفسه !
فصرخ بحماس : انا قادمٌ اليكم !!
ثم حمل نفسه بصعوبة و استلقى عند حافة السطح , ثم رمى بنفسه الى الأسفل..
***

و عندما فتح صالح عيناه .. وجد نفسه في محطة القطار قرب المطعم الذهبي , لكنه كان مقيداً بمقعد قطارٍ اسود و لا يستطيع فك الحزام !
فنظر للنافذة ليجد مريم و هي تركب قطاراً فضي , و يودعها سعيد من النافذة .. فصرخ قائلاً :
-مريم !! انا العم صالح

مريم و هي تنظر بدهشة و حزن الى القطار الأسود الذي يركبه صالح : 
-يا الهي ! ماذا فعلت يا عم صالح ؟!
و هنا قال سعيد الذي مازال في المحطة قرب القطارين :
-يا عم !! ارى انك عدت ..انظر الينا .. انا لم امت بعد , لكن مريم رفعوا عنها قبل قليل اجهزة التنفس , و هي ذاهبة الآن الى فوق .. الى الجنة يا عم صالح !!

صالح بخوف : و ماذا عني ؟! لما قيدوني بهذا القطار الكئيب , و لم يجعلونني اركب معها ؟!
مريم بحزن : هل انتحرت يا عم صالح ؟
صالح : نعم , لكن ..
سعيد : الم يكن افضل لو بقيت معنا .. لقد اخترت بنفسك مصيراً سيئاً
صالح بقلق : ماذا يعني هذا ؟!

و قبل ان يجيباه , ينطلق القطار الفضي (التي به مريم) سريعاً نحو القمر الغريب في السماء , ليصبح كشهابٍ مضيء نحو الأعلى .. بينما تحرّك القطار الأسود المكّفهر الوجوه (للناس التي فيه) نحو نفقٍ بباطن الأرض !

ليعمّ الظلام الدامس مع ازدياد في درجات الحرارة ! ليظهر من بعيد ضوء يشبه لهيب النار لتزداد معه حرارة القطار بشكلٍ مفاجىء ! و يرتفع معها صرخات الركاب التي احترقت جنباتهم من المقاعد الساخنة 

و هنا سمعوا جميعاً صوت سائق القطار و هو يقول لهم :
-اهلاً بكم الى جهنم !!!
مع ضحكته المجلجلة المرعبة !


النهاية 

الحلقة المفرغة

فكرة : هامي كايرو 

كتابة : امل شانوحة

ما هذه الحلقة المفرغة اللعينة ؟!!


انتهى نسيم اخيراً من كتابة رسالة الغزل التي كتبها لروح (زميلته في العمل) بعد ان تراكمت بجانبه عشرات القصاصات التي نجمت عن محاولاته الفاشلة , و قبل ان يكتب اسمه بآخر الرسالة فاجئه صديقه رعد بملف عملٍ كان وضعه بالصدفة فوق رسالة الغرام , قائلاً :
-          
    - نسيم .. وقّع لو سمحت على هذه الأوراق لأعطيها لروح لتوقعها هي ايضاً , قبل ان ارسلها للمدير            

و بارتباك قام نسيم بالتوقيع على عدّة صفحات متلاحقة , ليقوم بعدها رعد بأخذ الملف و الدخول لغرفة روح , بينما نسيم يبحث هنا و هناك عن رسالته الضائعة , لكن مكالمة من المدير تطلبه فوراً لغرفة الأجتماع انسته الموضوع
***

في هذه اللحظات ...كانت روح توقّع الملف
روح : هآ رعد ...هل هناك اوراق اخرى تحتاج لتوقيعي ؟
رعد : لا انتهينا .. سأعطيها للمدير
و خرج من غرفتها تاركاً رسالة الغزل على طاولتها , لتقرأها روح بدهشة !
-   -ما هذا الكلام الرائع يا رعد ؟! لم اكن اعلم انك شاعريّ لهذه الدرجة ! .. (ثم تفكّر قليلاً) ..عليّ ان اكلّمه

فخرجت من الغرفة , و وجدته يخرج من مكتب المدير
-    - رعد !! هل يمكنك ان تأتي قليلاً ؟
فقدِمَ اليها و هو يقول :
-   - المدير في غرفة الإجتماعات , لهذا وضعت الملف على مكتبه
-   - لم اناديك لهذا السبب..

لكن قبل ان تكمل , تفاجأت بزيارة مفاجئة من صديقتها ايام الجامعة التي نادتها :
-    - روح !!
-    - من ..راما ؟! اهلاً و سهلاً

و ما ان رآها رعد , حتى لمعت عيناه
-    - عفواً على المقاطعة , لكن هذه اول مرة اراك هنا يا راما ؟!
فتجيب عنها روح :
-    -  لا لقد زارتني اكثر من مرة , و هي ايضاً جارة نسيم

فتسأل راما بلهفة و هي تنظر من بعيد الى مكتب نسيم
-    -  هذا صحيح .. لكن اين هو نسيم ؟!
روح : هو الآن بغرفة الإجتماعات .. هيا تفضلي لمكتبي
رعد : اذاً سأترككما سويّاُ و انهي عملي

روح و هي تنظر بابتسامة خجولة للرعد
-   - سنتكلم لاحقاً يا رعد
رعد و هو ينظر بحنان الى راما
-   - و انا اريد ان اكلّمك في موضوع يا روح .. سلام
***

و في هذه الأثناء .. خرج نسيم من غرفة الإجتماعات مباشرة الى مكتبه ليعود و يبحث هنا و هناك عن رسالته الغرامية الضائعة , فيدخل عليه رعد من جديد
-   - نسيم
-   - ماذا هناك يا رعد ؟
قالها و هو يبحث اسفل مكتبه
-   - هاااى يا رجل !! توقف عن العمل قليلاً , اريد ان اكلّمك بموضوعٍ خاص
-   - ماذا تريد ؟
-   - كلّمني قليلاً عن راما
-   - من راما ؟!
-   - جارتك
-   - و كيف عرفت بأمرها ؟!
-   - كانت تزور روح قبل قليل

نسيم متضايق : أهي هنا ؟!
-   - نعم , و قد سألت عنك
-   - ارجوك لا تقل لها اني موجود , و سأحاول أن لا التقي بها
-   - و لماذا ؟!
-   - هي تحاول ان تكلّمني بموضوع يخصّها , و تنتظرني كلما ذهبت الى بيتي ..و قد أتت الى هنا اكثر من مرة .. (ثم يتنهّد بضيق) .. و المشكلة انها صديقة روح
فيسأله رعد باهتمام : و مالموضوع الذي تريدك فيه ؟! و ما دخل روح بالأمر ؟!
لكن نسيم يسكت بارتباك
***

في غرفة روح.. كانت راما قد انتهت من قراءة رسالة غرام
-   - واو ! لم اكن اعلم ان صديقكم رعد رومنسي لهذه الدرجة
-   - و انا ايضاً اندهشت ! فهو يبدو بعيداً جداً عن اجواء الغرام , لكنه فاجأني اليوم بهذه الرسالة
-   - انت محظوظة يا روح ... لكن انا.. (و تسكت بحزن)
-   - الم يكلّمك نسيم بعد ؟

فقالت راما بحزن :
-   - اشعر انه يتهرّب مني ! و قد حاولت التكلّم معه اكثر من مرة , لكنه انسانٌ بارد ... ليته شاعريّ كصديقك الحنون .. المهم دعك مني .. هل تكلّمتي مع رعد ؟

روح بخجل : لا ليس بعد , لكني سأعطيه فرصة ليفاتحني بموضوع الرسالة
-   - هنيئاً لك يا صديقتي , فالرجال الرومنسيون نادرون هذه الأيام !
***

و مرّت الأيام .. و نسيم مازال لم يتمكّن من مفاتحة روح بالموضوع , و التي بدورها فشلت في التلميح للرعد عن الرسالة , لأنه كان مشغولاً بالحديث معها عن صديقتها راما , التي ظلّت طوال تلك الأيام تحاول التكلّم مع نسيم , الذي كان يتهرّب منها دائماً !
***
و بعد اسبوع .. اتفقوا جميعاً على الخروج سويّاً الى مطعم , و كلّ شخص منهم ينوي ان يخبر الآخر بمشاعره
و قد اقترح رعد اقتراحاً غريباً , بعد ان مرّت الساعة الأولى بسكوتٍ تام

رعد : كفى هذا السكوت يا اصدقاء !! اعلم ان كلّ واحدٍ منكم يريد ان يقول شيئاً للآخر .. لذا فلنتفق على شيء
الجميع : ماهو ؟!
رعد : لنقولها جميعناً في الوقت ذاته
الجميع : ماذا تقصد ؟!
رعد : الكلمة التي نتمنّى ان نقولها منذ ايام

فقالت روح و هي تنظر لرعد بخجل :
-   - اذاً لنقولها بعد الرقم 3
و بدأوا سويّاً بالعدّ :
-   -  1....2....3 !!!
فالتفت نسيم لروح , و روح لرعد , و رعد لراما , التي امسكت بيد نسيم , و قالوا جميعاً :
-   -  احبك !!!

ليعمّ بعدها السكوت و نظرات الصدمة , بعد ان عرفوا جميعاً أنهم علقوا داخل حلقة حبٍ فارغة !

النهاية

آخر رواية

امل شانوحة

لن اسمح لأحد ان يعرف مشكلتي


صعد الى المنصة و هو يستند على احدى مشرفي الحفل ليصل الى الرئيس و يستلم منه الدرع الذهبي عن روايته الناجحة رقم خمسة عشر , وسط تصفيق حار من الجمهور المحبّ له و لإبداعه المتواصل ..

ثم اقترب الأديب ذو الرابعة و الستون خريفاً قرب الميكريفون ليلقي كلمة الشكر لمعجبيه  
((احبائي .. و قرّائي المخلصون .. لقد وضعت بين ايديكم رواية اخرى من سلسلة رواياتي .. و كم سعدت لأنها لاقت استحسانكم))

و صفّق الجمهور مرة ثانية مع الصفير , و بعد كلمات الإعجاب المشجّعة من هنا و هناك.. ثم اكمل خطابه
((و في روايتي هذه , حاولت ان الخّص مسيرة البطل في كل السلسة الخمسة عشر .. و قد كان البطل .....))

ثم بدأت يد الكاتب ترتجف و جبينه يعرق بكثافة , فأخذ يرتشف بعضاً من كأس الماء الذي امامه , ثم اخرج منديلاً من جيبه ليجفّف عرقه ,  و الجمهور صامتٌ تماماً في انتظار ما سيقوله

فقال و هو يتلعثم :
((آسف , لقد كبرت في العمر .. و لهذا اردّت ان اودّعكم .. فهآقد انتهت رسالتي بنهاية الجزء الأخير من هذه الرواية الطويلة.. و صار لابد ان ارتاح مع عائلتي))

و هنا هاجت القاعة بعد ان جاء قرار اعتزاله صادماً للجميع , و خاصة لرئيس جمعية الكتّاب ! حيث اقترب منه و سأله :
-هل قرارك نهائي استاذ جون ؟
-نعم سيدي .. فصحّتي لم تعد تحتمل كل هذا الأرهاق الفكري

ثم رفع الكاتب المخضرم يده محيّياً جمهوره لآخر مرة , و هو يقول :
-تذكروني دائماً , لأني دائماً سأتذكركم
و رغم ان الجميع كان يرفض قراره هذا , خاصة و انه في قمة عطائه الا انهم يلاحظون تدهور حالته الصحية في الآونة الأخيرة , لذلك اكتفوا بالتصفيق الحار له 
***

و بعد ساعات , عاد الأديب العجوز الى بيته .. و بعد ان جلس قليلاً مع عائلته الذين ايّدوا قرار انسحابه من اجل صحته المعتلّة ..اخبرهم بأنه سيذهب لبعض الوقت الى مكتبه الموجود في الشارع المقابل لمنزله لإحضار بعض حاجياته من هناك 

فقالت زوجته :
-الا تستطيع تأجيلها للغد , فأنت مازلت متعباً من الحفل
-سأحاول ان لا اتأخر .. كما انه امامنا العمر بطوله .. و اعدك منذ الغد بأن لا شيء سيبعدني عنك و عن ابنائي.. لكن رجاءً حضّري لي سندويشاً لآخذه معي , فربما اتأخّر قليلاً في مكتبي 
***

و هناك في مكتبه .. دخل بعد ان اقفل الباب خلفه .. ثم ضغط على زر على جدار مكتب , ليفتح بابٌ سرّي 
و اذّ بصبية مقيدة المعصمين و مكمومة الفم , و آثار الأرهاق بادية على وجهها
و ما ان فك لثامها , حتى صرخت في وجهه :
-ايها العجوز الخرِف .. سأخبر الجميع عن ما فعلته !!

فقال بابتسامة لئيمة :
-اتدرين يا عزيزتي .. روايتك انقذتني تماماً ..فقد كنت محطماً و كانت الأفكار قد انتهت تماماً من عقلي , و لم اعد اجد خاتمة لسلسة تلك الرواية اللعينة ..و انت..
-انا كنت طالبتك !! لقد تعلمت على يديك , فلما فعلت...
-اعرف اعرف .. و عندما اعطيتك واجباً بأن تجدي لي الخاتمة , قدمتي لي اجمل قصّة و بشهرٍ واحد فقط .. يالكِ من مبدعة !
-و قمت انت بسرقتها , لتكتبها بإسمك وحدك ! .. الم تعدني سابقاً بأنك سترفق اسمي معك لكيّ أنشهر ؟!!
فقال بابتسامة ساخرة : لحظة واحدة يا صغيرتي
ثم دخل مكتبه و اخرج من حقيبته الجائزة , ثم تقدّم اليها.. 
-ارأيتِ يا عزيزتي , لقد نلت جائزة عن روايتك
-هذه لي !! .. بأيّ حق تسرق افكاري.. و الله سأخبر الجميع بأنك سارق..  
-احقاً .. و برأيك سيصدقون بأن هذه الرواية العظيمة من تأليف طالبة في الجامعة , ام من تأليف برفسور بالأدب مثلي .. لهذا كوني فتاة طيبة و تناولي هذا السندويش .. و من بعدها نجلس بهدوء لنكتب العقد
-ايّ عقد ايها المتخلّف ؟!!
-انت تكتبين و انا انسبها لنفسي ..و لا تحزني , فأنا سأدفع لك عشرة بالمئة من ايراد مبيعات الكتاب

-انت تحلم اكيد !! فأنا سأخبر الجميع بالجامعة و على برامج التواصل الإجتماعي بأنك مجرد مدّعٍ خرِف .. و قبل ان تقول لي بأنه لا احد سيصدّقني , فأنا احتفظت بكل مسودّات الرواية , و سأعرضها على صفحتي على الفيسبوك
-اتدرين ..انت ذكية ككاتبة لكن غبية جداً كمحاورة .. و بما اني كنت اتوقع تماماً هذا الردّ المتسرّع و الغبي منك , لهذا قدّمت اعتزالي عن الكتابة بالحفلة قبل قليل .. من يدري , ربما اعود للكتابة ذات يوم في حال وجدت طالباً آخر اذكى منك يرضى بأن يعطيني قصصه مقابل المال
-لا احد يرضى ببيع مجهوده الفني لك او لغيرك , ايها الحقير !!

و هنا ! اسرع و امسك رقبتها بقبضة قوية , و هو يصرخ في وجهها :
-انا لست مدّعٍ , انا اديب ايتها التافهة !! و لن اقبل لمبتدئة مثلك ان تضيّع كل مجهودي طوال هذه السنين ..افهمتي !!

و صارت تقاومه و هو يطبق بيديه على حنجرتها , حتى توقفت عن الحراك ..فتركها جثة هامدة

ثم ذهب لمكتبه غاضباً و هو يقول :
-غبية ! كان بإمكاني ان اجعلها غنية .. لكني لن اسمح لأحد ان يعرف بأن كاتباً عظيماً مثلي سيصاب قريباً بالزهايمر !!

جني خفيف الظلّ

امل شانوحة

سخرية جني من البشر


مرحباً ايها البشر !! انا الجني عامر .. جني بقدراتٍ محدودة ..  اعيش في بيوتكم .. و تحديداً في زوايا غرفكم .. اتناول طعامكم في حال  لم تسمّوا الله .. و اشاركك فراشكم اذا لم تقرؤوا المعوذات .. لكن بعضكم يحدّ من حقدي , عندما يفاجأني (بعد عودته من الخارج) بالقائه السلام عليّ ! و هذا ما يمنعني من مضايقة اهله لبقية اليوم .. لكني لا اخفي عليكم .. مهما فعلتم !!! فنحن الجن سنبقى نكرهكم طوال حياتنا !! و لا تسألوني لماذا .. فهذا ما تربينا عليه جيلاً بعد جيل .. و هي اوامر ملكنا ابليس .. هيا !! لا تتصنّعوا الغباء .. فأنتم تعرفون السبب .. فهذا الأرض التي تنعمون من خيراتها , هي بالأساس ارضنا نحن !!  و ما اُخذ بالقوة لا يستردّ الاّ بالقوّة !!!! و لهذا نستمتع بتعذيكم , ايها الضعفاء !!  

لكن رغم كرهي الشديد لجنسكم التافه , الاّ انني اشعر برغبة في مشاركتكم هذا المقال ! لذلك دعوني ابدأ منذ البداية .. ايّ من عصر ابانا الأول .. فأبانا سوميا كان قد طلب من الله : ((ان نسل الجن يرَى  و لا يُرى , و أن يغيب في الثرى ، وأن يصير كهلنا شاباً)).. و مع هذا مازلت استغرب طلبه , لأننا كنا اول من سكن الأرض !  لكن يبدو ان حدسه انبأه بما سيحدث لاحقاً .. فنحن فعلاً جنسٌ لعين , يعشق الفتن و الدسائس .. لذلك ربما ادرك ابونا , بأن الله سيعاقبنا على سوء نوايانا عاجلاً ام اجلاً .. و ان كان هذا غرضه , فهو محقٌ تماماً .. يعني اذا كان ابليس (اعبدنا في ذلك الزمان , و الذي عاش سنيناً طويلة مع الملائكة المطهرون) لم يستطع التصنّع اكثر , و فضح نواياه فور طلب الله منه السجود لأباكم آدم .. فهذا يؤكّد بأننا مخلوقات تغلب عليها الطبائع الشريرة .. و لا بأس في ذلك .. لأن السائد بيننا : ان الشر ما هو الاّ نوعٌ من الدهاء و الذكاء .. 

لكن يبقى هناك صنفين من الجن , يقهروني جداً !! الجن المسلم : الذي يساعد مشايخكم بفك الأسحار , و بذلك يُفسد علينا متعة تدمير نفسياتكم الهشّة ! اما الجني الآخر الذي دائماً يضايقني برومنسيته الغبية , فهو الجني العاشق الذي يهوى جنسكم .. هو صحيح , ان نسائكم اجمل بكثير من نسائنا .. و انا الآن اهمس لكم .. لأن الملعونة زوجتي تعيش في زاوية الغرفة الأخرى .. لكني لم افهم سبب هذا العشق الغبي , الاّ بعد ان قرأت في انترنيتكم عن تجارب بعضكم مع هذا النوع من الحب.. و كم ضحكت حينها مع اصحابي , حيث يبدو انكم لا تتحملون عشقنا الجارف .. و الآن بتّ اعذر الجن العاشق .. يعني طالما ان عشقه يحقق هدفنا السامي في ايذائكم فما المانع ؟!  
اتدرون شيئاً !!! 

كم ارغب الآن في بعض العظام .. فأنا محروم من طعامنا اللذيذ , لأني مجبور على مشاركة طعامكم المقرف .. ماذا ؟ الا يعجبكم العظام ؟!!! غريب ! مع ان له نفس مذاق الشيبسي , فهو مقرمشٌ و مالح ! على كلٍ , سأذهب غداً لأتسوق بعضاً منه , من مقبرة الإنسيين .. لأننا الآن في عطلة رمضان , لذا لا بأس ان اغادر منزل هذا البشري المزعج , الذي يضايقني بصوت تلاوته للقرآن بصوتٍ عالي .. اف !!! متى ينتهي هذا الشهر .. فأنا و كل الجن متشوقين لمعايدتكم على طريقتنا الممتعة .
آه تذكرت قبل ان اذهب , اعدكم بأنكم ستروننا قريباً في كوابيسكم ايها البشريون (و قريباً جداً) .. و تأكّدوا بأنكم ستندمون بجميع الأحوال على قرائتكم لمقالتي هذه ..(ضحكة ساخرة) ...

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

السجين الهارب

 السجين الهارب  

تأليف وسيناريو وحوار
أمل شانوحة

كيف هربت من السجن ؟!


حقوق الطبع محفوظة 2016 , تحت طائلة المسؤولية

ملخص القصة :
شاب يهرب من سجنه و يختبىء عند سيدة عجوز ثكلى تغير كل حياته 


لمتابعة احداث القصة :

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...