تأليف : امل شانوحة
مع بداية العام .. إتفق رؤساء المدينة على ترحيل مُجرميها الى جزيرةٍ مهجورة بعد ان بنوا فيها ثلاثة سجون : سجن الأحداث , وسجن النساء , وسجن الرجال .. بشرط ان تكون تهمهم جميعاً القتل .. اما المجرمون المقبوض عليهم بتهمٍ أخرى فيبقون في سجون المدينة
وبالفعل !! بغضون شهورٍ قليلة تمّ نقل أخطر المجرمين الى تلك الجزيرة مع حراسةٍ مشدّدة ..
الاّ انه بعد خمس سنوات , بدأ حرّاس السجن بالعودة سرّاً الى المدينة بعد ان ملّوا من البقاء بتلك الجزيرة بعيداً عن أهاليهم , فانتشر الخبر سريعاً بين السجناء بأن أعداد الحرّاس في تناقص .. وبدأ الأمل يعود اليهم بعد معرفتهم بأن أجهزة المراقبة بحاجة الى صيانة , والحرّاس يهملون ذلك
وكان من بين السجناء : طبيب طوارىء سابق حُوكم ظلماً بقتله لإبنة رئيس البلدية حين لم يتمكّن من إنقاذها بعد إصطدامها بحادثٍ مروري خطير .. فاتهمه والدها بالإهمال ولفّق محاميه له عدة وفيات جرت في المستشفى الذي يعمل فيها , فرضيّ الطبيب مُرغماً بحكمهم الظالم بعد رفض القضاء إستئنافه ..
الاّ ان ابنه المراهق انتقم له وقتل رئيس البلدية عند خروجه من إحدى الحفلات الخيرية .. وبذلك اجتمع الأب والأبن في سجنين متفرّقين بتلك الجزيرة ..
ولأجل مستقبل ابنه خطّط الطبيب الذكي مع رفاقه المساجين لعملية إنقلاب على الحرّاس ..
***
وفي إحدى الليالي .. وقبل عودة المساجين الى زنازينهم (بعد السماح لهم بساعة تجوّل مسائية في حديقة السجن المُسيجة بالأسلاك الكهربائية المُطلّة على البحر من كل جانب) صفّر الطبيب بقوة مُعلناً بدأ العملية ..
وعلى الفور !! حصل هرجٍ ومرج في الساحة وهجم كل خمسة مساجين على أحد رجال الشرطة لينتزعوا منه مسدسه وصاعقه الكهربائي ..
وفي أثناء المعركة .. جُرح بعض المساجين بالرصاص الطائش لرجال الشرطة , فقام الطبيب بعلاجهم بعد اقتحامه لغرفة الطوارىء بالسجن
***
وقبيل حلول الفجر .. كان المساجين قد فرضوا سيطرتهم بالكامل على سجن الكبار..
وبعدها بساعة .. بدأت العملية الثانية وانقسم المساجين المحرّرين الى قسمين : قسم انطلق بقيادة الطبيب نحو سجن الأحداث القريب منهم , والقسم الآخر اتجه بحماس لإنقاذ المجرمات المحتجزات في سجن النساء المتواجد في أطراف الجزيرة ..
فدبّ الرعب بين رجال الشرطة الذين اسرعوا نحو قوارب النجاة وانطلقوا بها مُبتعدين عن الجزيرة .. اما القسم الآخر من الشرطة النسائية والرجالية فقد تمّ تقيدهم وحبسهم في السجن الرئيسي ..
***
وفي الصباح الباكر .. وصل الخبر الى رؤساء المدينة الذين قاموا بالتواصل مع الخاطفين بقيادة الطبيب الذي وافق على تحرير الحرّاس لكن بشرطين :
أولاً : يُمنع إقتراب السياسين ورجال الشرطة من الجزيرة مجدداً , لأنها أصبحت مدينة خاصة بالمجرمين
ثانياً : لن يُعاد الحرّاس سالمين الى المدينة الا بعد وصول المؤن الغذائية والبذور التي يحتاجونها للزراعة مع قطعان من الماشية لإستقلال أهالي الجزيرة عن موارد المدينة
***
وفي المقابل كان لرؤساء المدينة شرطٌ وحيد : انه في حال فِرار أيٍّ من سجناء الجزيرة فإن عقوبته ستتضاعف , لذلك سيقومون بتكثيف الحراسة البحريّة لحماية مدينتهم
لكن الطبيب طمأنهم بأن اصدقائه المساجين لن يهربوا من جزيرة الحرّية ليعيشوا في بلد الفساد ..
وبعد إمضاء المواثيق بينهم , تمّ الإعلان بوسائل الإعلام بأن : ((جزيرة المساجين أصبحت منذ اليوم مدينةً مستقلة غير تابعة لقوانين دولتهم))
***
وبعد سماع المساجين لخطاب رئيس المدينة من مذياع السجن : صفّقوا بحماس لبلدتهم الجديدة !! وعينوا الطبيب رئيساً عليهم والذي قام بإلقاء خطبة خلف اسوار السجون , إجتمع فيها المجرمون من كل الأعمار والأجناس :
- إخواني وأخواتي !! اليوم هو يوم استقلال جزيرتنا عن قيادة المدينة , وبهذا التاريخ أُعلن قيام دولتنا .. دولة الأحرار !!
وصفّق الجميع له بحرارة !!! ..ثم أكمل الطبيب قائلاً بصوتٍ جهوريّ :
- لطالما اعتبرونا بشراً ميؤوساً منا وبأننا حثالة المجتمع ! لكننا وان اخطأنا , نستحق فرصةً ثانية .. لذلك سنثبت لهم بأننا قادرون على بناء دولةٍ منظّمة بقوانين عادلة .. وسيعمّ الأمن والإستقرار بيننا , فلا جرائم هنا على جزيرة السلام ..جزيرتنا ..جزيرة الأبطال !!
وصفّقوا له وهم ينادونه :
- يحيا حاكمنا العادل !! يحيا طبيبنا البطل !!
***
بعدها بشهور .. تمّت الإستفادة من خبرات المساجين السابقة في الزراعة ورعاية المواشي , كما في الحدادة والنجارة لبناء دولتهم
كما انه كان بين المساجين رجلٌ يحفظ الإنجيل , فقام الطبيب بتعينه كرجل دين مسؤول عن تزويج المساجين من السجينات , رغم ان البعض إكتفى بعلاقة الصداقة بينهم ..
وأُقيمت الأعراس بعد تحويل غرف الزنزانات الى شققٍ صغيرة بعد هدم الجدران الفاصلة لتوسيع الزنزانات الإنفرادية لأجل المتزوجين , حيث نُقلت الأقفال الى الداخل لينفرد العرسان ببيتهم الجديد
***
وبخلال خمس سنوات .. استطاع الطبيب بذكائه بناء دولة تفرض القانون على شعبٍ من أخطر وأعتى المجرمين , بحيث لم تُرتكب جريمة واحدة بينهم طوال تلك السنوات , لكنه ظلّ قلقاً من حماسة شباب الأحداث الراغبون دائماً بإثارة الفوضى والعراك بينهم !
***
وفي خلال تلك الأعوام .. وُلد عشرات الأطفال الذي قدّر لهم ان يعيشوا محتجزين معهم في هذه الجزيرة بعيداً عن مظاهر الحياة في المدينة ..
وفي يوم ..قالت سجينةٌ حامل , لسجينة أنجبت حديثاً :
- وما ذنب طفلي ان يُولد بجزيرة ليس فيها مدارس او العاب او مدينة ملاهي ؟!
فردّت الأم وهي تُخيط لعبة قماشية لطفلها :
- لقد أرسلنا شكوتنا للطبيب , وهو وعدنا ببناء المدارس في الشهور القادمة
***
وبالفعل !! تمّ تحويل سجن النساء الى مدرسة وعيادة , وسوق للمنتجات المصنوعة يدويّاً لمساجين كانوا حرفيّن سابقين
***
وفي أحد الأيام .. وبينما كان المراهقون يلعبون كرة القدم في حديقة سجنهم القديم , نادى شاب صاحبه الذي جلس بعيداً عنهم :
- هل ستكتفي بمشاهدة المبارة ؟! هيا تعال والعب معنا !!
فردّ بحزن : أتدرون انه بدأت مباريات كأس العالم , وانا كنت أتابعها دائماً قبل إرسالي الى هنا
فقال ابن الطبيب (جيم) :
- لقد أخبرت والدي بالأمر قبل ايام , وهو اتصل بالمدينة وطلب منهم تلفازاً كبيراً مقابل حصاد مزروعاتنا
الشاب بحماس : وهل وافقوا ؟!
جيم : نعم وسيرسلونه غداً على ما أعتقد , وسيضعه ابي في الساحة لنشاهد جميعنا المباريات
الشاب بفرح : هذا جميل !!
جيم : لكن والدي سيضع مسؤولاً عن جهاز التحكّم , فهو لا يريدنا ان نشاهد افلام إجرامية او سياسية او حب وإثارة لأنه لا يريد مشاكل بالجزيرة
الشاب الآخر مُمتعضاً : والدك دائماً يقتل فرحتنا بقوانينه الصارمة
ابن الطبيب بغضب : لولا والدي لما كنت حرّاً يا ولد !!
فردّ الشاب مُهدّداً : لمن تقول ولد ؟! تعال لأريك من منّا الطفل ايها الصعلوك المدلّل
وحصل عراكاً بينهما , أوقفته إحدى السيدات (أكبر السجينات والمسؤولة عن المطبخ) بعد ان هدّدتهم بحرمانهم من طعام الغداء ان لم يهدأوا حالاً
فعاد كل مراهق الى غرفته غاضباً (التي كانت زنزانته قديماً) وهو يلعن حظه على بقائه في جزيرة الأشرار
***
لكن مع بداية السنة السابعة .. حصلت اول جريمة قتل بينهم ! حين وُجدت جثة شاب مقتولاً في الغابة المتواجدة بأطراف الجزيرة ..
وجنّ جنون الطبيب الذي لطالما أفهم الجميع (ضمن اجتماعاتهم الدوريّة) بأنه سيعاقب بشدّة كل شخص يُؤذي الآخر في دولته المحرّرة , لذلك أرسل أشخاصاً موثوقاً بهم للبحث والتحرّي عن القاتل .. فإذا به شاب مراهق قتل صديقه لمغازلته حبيبته !
ورغم هذا رفض سكّان الجزيرة حبس القاتل في غرفة الإستجواب المتواجدة في قبو سجن الرجال والتي تم إقفالها منذ اعلان الإستقلال !
بل ان بعضهم برّر فعلة القاتل , لأنهم مثله يشتاقون للمغامرة بارتكاب المحظورات ! وكان من بين المؤيدين : ابن الطبيب الذي شعر ايضاً بأن حياتهم كئيبة وخالية من التشويق ..
***
وفكّر الطبيب لأيام الى ان وجد فكرةً جيدة , وجمع الرجال فوق سن 20 (دون النساء والمراهقين , بما فيهم ابنه ذو 17 عام) في اجتماعٍ خاص..
واقترح عليهم لعبةً سرّية تُقام بنهاية كل شهر مساءً في الغابة حيث يجتمع الرجال للقتال بالأيدي دون استخدام الأسلحة , بشرط لبس الألبسة الموحدّة كيّ لا يميزون بعضهم البعض ..وستقام المعركة بين فريقين : فريق الفهود ضدّ فريق النمور .. والفريق الرابح يمكنه ان يُجبر الفريق الخاسر على خدمته لثلاثة ايام من سقاية الأرض ورعاية الغنم وغيرها .. فتحمّس الجميع للفكرة !!
ثم وضع الطبيب اسماء كل شخصٍ منهم داخل وعاء وقام بخلط قصاصات الورق .. ثم سحب اسماء المئة شخص التابع للفريق الأول , واسماء المئة للفريق الثاني .. بحيث يلبس الفريق الأول الأقنعة الحمراء , والفريق الثاني الأقنعة السوداء ..
وبنهاية الإجتماع , وافق الجميع على كتمان السرّ ..
وبدوره وعدهم الطبيب بعلاج الجرحى من كلا الطرفين بعد انتهاء المعارك السلمية , حيث سيكون حكماً حياديّاً بينهم ..
وانتهى الاجتماع وهم في قمّة الحماس لمعركتهم الأولى التي ستُقام بعد اسبوعين , عند نهاية الشهر
***
وبالفعل !! جرت اللعبة السرّية بسلام .. وعاد اللاعبون الى منازلهم مع تباشير الصباح وقد حصلوا على بعض الكدمات البسيطة أثر العراك بالأيدي , لكنهم كانوا يشعرون براحةٍ كبيرة لتفريغ طاقتهم السلبية ..
وبسبب لعبتهم الخشنة الدوريّة , قلّت المضاربات والمشاجرات بين المساجين الكبار في حياتهم العامة !
***
الاّ انه في الشهر السادس .. قام جيم باللحاق بوالده الى الغابة دون علمه ..واسترق النظر بين الاشجار ليرى مشهد تجمّع الرجال ضمن فريقين بانتظار صفّارة الطبيب التي ما ان أطلقها حتى هجموا على بعضهم وهم يسدّدون لبعضهم اللكمات والرفسات بحماسةٍ كبيرة !
وظلّ ابن الطبيب يراقبهم بدهشة وقلق ! حتى انتهت المعركة مع شروق الشمس بفوز فريق الأقنعة الحمراء ..
ثم تفاجأ بهم بعد صافرة النهاية وهم يسلّمون على بعضهم رغم تألّمهم بما أصابهم في المعركة , حيث عاد بعضهم الى بيته وهو يعرج ويضحك من فرط السعادة !
فأسرع الشاب الى البيت قبل وصول والده , وهو غاضبٌ منه لعدم إخباره بشأن لعبتهم الحماسيّة ..
***
وفي اليوم التالي .. صارحه ابنه بما رآه , قائلاً بغضب :
- لقد ضيّعت مستقبلي لأنتقم لك من ذلك الظالم , وانت لا تثق بي بشأن لعبةٍ سخيفة !
الطبيب : إهدأ بنيّ .. انها لعبة لأجل التخفيف من غضبهم المكبوت
فردّ ابنه بعصبية : لكنهم جميعاً فوق سن الثلاثين ! وكان الأجدر بك ان تجعلها للمراهقين , فنحن من لدينا طاقة سلبية أقوى منكم ايها العجائز !!
- تأدّب يا ولد !! فأنا لم أخبركم بها لأن اصدقائك متهورين وربما يتحمّسون زيادة باللعبة ويأذون الآخرين .. بالنهاية انا الطبيب الوحيد على هذه الجزيرة ولست قادراً على إنقاذ الجميع , خاصة اذا أُصيب أحدهم بجروح خطيرة , فالمعدّات الطبّية التي لدينا محدودة ..هل فهمت الآن ؟!
لكن ابنه لم يجيبه , بل ظلّ ينفث انفاسه بغضب ..
فأردف الطبيب قائلاً : إسمع يا جيم .. انا فعلت ذلك لصالح الجميع , لذا رجاءً لا تخبر أصدقائك بأمر اللعبة , وخاصة النساء اللآتي سيفسدنّ كل شيء
- أخائفٌ ان تمنعك عروسك من هذه اللعبة ..(ثم يتنهّد بغضب).. على كلٍ , هي لعبة سخيفة ولا تهمّني
ثم خرج من مكتب والده غاضباً ..
***
ومرّ الشهر بسلام .. لكن في صباح يوم المباراة الجديدة .. ذهب جيم الى أصدقائه في الملعب , فلاحظ صديقه تعكّر مزاجه ..وظلّ يلحّ عليه الى ان أخبرهم باللعبة السرّية..
صديقه : أقلت انها ستُقام هذه الليلة ؟
جيم بقهر : نعم , بعد منتصف الليل ..ولهم ستة أشهر يلعبونها لوحدهم !
فقال شابٌ آخر مفتول العضلات : ليس بعد الآن
جيم بقلق : ماذا تقصد ؟!
وأخرج الشاب سكينة من جيبه , وهو يقول لرفقائه :
- عليكم التجهّز جيداً للمعركة , وعلى كل واحدٍ منا ان يصنع سلاحه الخاص .. كما لا تنسوا موضوع الأقنعة .. لأن لعبة اليوم ستكون أكثر إثارة
فحاول ابن الطبيب إفهامهم بقوانين لعبة والده الصارمة , لكنهم أصرّوا على اللعب بطريقتهم ..
وقال أقوى الشباب بنيةً لبقيّة المراهقين :
- لقد قرّرت ان أكون قائدكم في هذه المعركة , وإخترت ان نسمّي فريقنا : فريق العقارب ..ما رأيكم ؟
فأيّدوه على قراره ..
ثم اقترب القائد من جيم وسأله :
- وانت ..هل ستأتي معنا , ام ستخاف من عقاب والدك ؟
فقال جيم بحزم : انا لست صغيراً لأخاف من ابي
- أحسنت !! ..هل مازالت عصا البيسبول معك ؟
جيم : نعم ..فوالدي طلبها من المدينة كهدية عيد ميلادي الماضي ..لما تسأل ؟!
فيبتسم القائد بخبث : لأننا سنضيف عليها هذه الأشياء البرّاقة
وأخرج من جيبه المسامير الحادة , ليضحك مع أصدقائه .. بعكس جيم الذي فهم حينها حكمة والده بإخفاء الأمر عن هؤلاء المتهورين , لكن ندمه جاء متأخّراً !
***
وفي ليلة المعركة وقبل صفّارة البداية .. تفاجأ الرجال بقدوم فريقٍ ثالث للغابة مكوّناً من المراهقين الملثّمين الذين ارادوا بالقوة الاشتراك باللعبة .. فاعترض الكبار على ذلك وحصلت نقاشات حادة بينهم , أوقفه الطبيب بصفّارته للتفاوض مع الشباب ..
لكن قائد المراهقين قاطع كلامه , قائلاً بحزم :
- اليوم ستقام المعركة بقوانينا نحن , لا قوانينكم ايها العجائز !!
فردّ الفريق الآخر : أسكت يا صغير !! هي بالأساس لعبتنا نحن ..لعبة للكبار فقط !!
فأجابه الشاب : لكن لعبتكم مملّة , والليلة سنجعلها أكثر حماسة.. هيا يا أصدقاء أروهم اسلحتنا !!
فأخرج المراهقون من جيوبهم السكاكين , ومن حقائبهم العصيّ المدبّبة بالمسامير !
فاعترض الكبار بقلق على مخالفتهم للشروط !
وقبل ان يُفهمهم الطبيب قوانين اللعبة السلمية , صرخ قائد المراهقين بصوتٍ جهوريّ :
- هجوووم !!!
وفجأة ! هجم المراهقون بأسلحتهم العنيفة اتجاه الكبار الذين فرّوا خائفين الى مجاهل الغابة ..
وحينها صرخ الطبيب منادياً ابنه بخوفٍ شديد :
- جيم !! ان كنت معهم , فاترك اللعبة حالاً !!
لكنه فات الآوان لإنسحابه بعد ان انخرط مع الجموع المقاتلة !
وحصلت معركة وحشية بينهم اضطر فيها الكبار لاستخدام أيّ شيء للدفاع به عن أنفسهم سواءً أغصان أشجار او أحجار او حتى لعب الكارتيه الذي يتقنه بعضهم , مما أدّى لجروح خطيرة بين الفريقين ..
***
وقبيل الفجر .. استيقظت النسوة على صراخ ازواجهنّ القادم من الغابة ! لكن خفنّ ان يدخلوها كيّ لا يتعرضنّ لما أصابهم .. وانتظروا بفارغ الصبر لخروج أحدهم سالماً ليخبرهم بما يحصل بالداخل , ظنّاً منهنّ أن الشرطة اقتحمت الجزيرة ليلاً , ورجالهم يحاولون الدفاع عن استقلالية بلدتهم ..
ولم تختفي اصوات الصراخ المفزعة الا مع شروق الشمس حيث عمّ السكون المرعب الذي زاد من خوف النساء !
***
وبعد ساعة ..خرج الطبيب بثيابه الملوثة بالدماء وهو يحمل جثة ابنه لينهار أمامهنّ باكياً وهو يقول :
- هذا خطئي .. لقد ماتوا جميعاً بسبب لعبتي .. سامحوني ارجوكم
ولم تفهم النساء ما حصل الا بعد اقتحامهنّ للغابة واكتشافهنّ لجثث رجالهم ورفقائهم الشباب مقتولين بوحشيّة في كل مكان !
***
بعدها بساعات .. بلّغ الطبيب رؤساء المدينة بانهيار دولة الجزيرة المستقلّة وبفشله بإدارة الحكم .. ليقوم المسؤولون بإرسال جنودهم لنقل بقيّة المساجين الى سجونهم القديمة ..
وتمّ إغلاق الجزيرة بعد ان حكمها الطبيب بعدلٍ وأمان لسبع سنوات وبضعة أشهر , لتصبح اليوم خالية الاّ من الزيارات السنويّة للسوّاح !
قوانينٌ صارمة للعبةٍ عنيفة !
مع بداية العام .. إتفق رؤساء المدينة على ترحيل مُجرميها الى جزيرةٍ مهجورة بعد ان بنوا فيها ثلاثة سجون : سجن الأحداث , وسجن النساء , وسجن الرجال .. بشرط ان تكون تهمهم جميعاً القتل .. اما المجرمون المقبوض عليهم بتهمٍ أخرى فيبقون في سجون المدينة
وبالفعل !! بغضون شهورٍ قليلة تمّ نقل أخطر المجرمين الى تلك الجزيرة مع حراسةٍ مشدّدة ..
الاّ انه بعد خمس سنوات , بدأ حرّاس السجن بالعودة سرّاً الى المدينة بعد ان ملّوا من البقاء بتلك الجزيرة بعيداً عن أهاليهم , فانتشر الخبر سريعاً بين السجناء بأن أعداد الحرّاس في تناقص .. وبدأ الأمل يعود اليهم بعد معرفتهم بأن أجهزة المراقبة بحاجة الى صيانة , والحرّاس يهملون ذلك
وكان من بين السجناء : طبيب طوارىء سابق حُوكم ظلماً بقتله لإبنة رئيس البلدية حين لم يتمكّن من إنقاذها بعد إصطدامها بحادثٍ مروري خطير .. فاتهمه والدها بالإهمال ولفّق محاميه له عدة وفيات جرت في المستشفى الذي يعمل فيها , فرضيّ الطبيب مُرغماً بحكمهم الظالم بعد رفض القضاء إستئنافه ..
الاّ ان ابنه المراهق انتقم له وقتل رئيس البلدية عند خروجه من إحدى الحفلات الخيرية .. وبذلك اجتمع الأب والأبن في سجنين متفرّقين بتلك الجزيرة ..
ولأجل مستقبل ابنه خطّط الطبيب الذكي مع رفاقه المساجين لعملية إنقلاب على الحرّاس ..
***
وفي إحدى الليالي .. وقبل عودة المساجين الى زنازينهم (بعد السماح لهم بساعة تجوّل مسائية في حديقة السجن المُسيجة بالأسلاك الكهربائية المُطلّة على البحر من كل جانب) صفّر الطبيب بقوة مُعلناً بدأ العملية ..
وعلى الفور !! حصل هرجٍ ومرج في الساحة وهجم كل خمسة مساجين على أحد رجال الشرطة لينتزعوا منه مسدسه وصاعقه الكهربائي ..
وفي أثناء المعركة .. جُرح بعض المساجين بالرصاص الطائش لرجال الشرطة , فقام الطبيب بعلاجهم بعد اقتحامه لغرفة الطوارىء بالسجن
***
وقبيل حلول الفجر .. كان المساجين قد فرضوا سيطرتهم بالكامل على سجن الكبار..
وبعدها بساعة .. بدأت العملية الثانية وانقسم المساجين المحرّرين الى قسمين : قسم انطلق بقيادة الطبيب نحو سجن الأحداث القريب منهم , والقسم الآخر اتجه بحماس لإنقاذ المجرمات المحتجزات في سجن النساء المتواجد في أطراف الجزيرة ..
فدبّ الرعب بين رجال الشرطة الذين اسرعوا نحو قوارب النجاة وانطلقوا بها مُبتعدين عن الجزيرة .. اما القسم الآخر من الشرطة النسائية والرجالية فقد تمّ تقيدهم وحبسهم في السجن الرئيسي ..
***
وفي الصباح الباكر .. وصل الخبر الى رؤساء المدينة الذين قاموا بالتواصل مع الخاطفين بقيادة الطبيب الذي وافق على تحرير الحرّاس لكن بشرطين :
أولاً : يُمنع إقتراب السياسين ورجال الشرطة من الجزيرة مجدداً , لأنها أصبحت مدينة خاصة بالمجرمين
ثانياً : لن يُعاد الحرّاس سالمين الى المدينة الا بعد وصول المؤن الغذائية والبذور التي يحتاجونها للزراعة مع قطعان من الماشية لإستقلال أهالي الجزيرة عن موارد المدينة
***
وفي المقابل كان لرؤساء المدينة شرطٌ وحيد : انه في حال فِرار أيٍّ من سجناء الجزيرة فإن عقوبته ستتضاعف , لذلك سيقومون بتكثيف الحراسة البحريّة لحماية مدينتهم
لكن الطبيب طمأنهم بأن اصدقائه المساجين لن يهربوا من جزيرة الحرّية ليعيشوا في بلد الفساد ..
وبعد إمضاء المواثيق بينهم , تمّ الإعلان بوسائل الإعلام بأن : ((جزيرة المساجين أصبحت منذ اليوم مدينةً مستقلة غير تابعة لقوانين دولتهم))
***
وبعد سماع المساجين لخطاب رئيس المدينة من مذياع السجن : صفّقوا بحماس لبلدتهم الجديدة !! وعينوا الطبيب رئيساً عليهم والذي قام بإلقاء خطبة خلف اسوار السجون , إجتمع فيها المجرمون من كل الأعمار والأجناس :
- إخواني وأخواتي !! اليوم هو يوم استقلال جزيرتنا عن قيادة المدينة , وبهذا التاريخ أُعلن قيام دولتنا .. دولة الأحرار !!
وصفّق الجميع له بحرارة !!! ..ثم أكمل الطبيب قائلاً بصوتٍ جهوريّ :
- لطالما اعتبرونا بشراً ميؤوساً منا وبأننا حثالة المجتمع ! لكننا وان اخطأنا , نستحق فرصةً ثانية .. لذلك سنثبت لهم بأننا قادرون على بناء دولةٍ منظّمة بقوانين عادلة .. وسيعمّ الأمن والإستقرار بيننا , فلا جرائم هنا على جزيرة السلام ..جزيرتنا ..جزيرة الأبطال !!
وصفّقوا له وهم ينادونه :
- يحيا حاكمنا العادل !! يحيا طبيبنا البطل !!
***
بعدها بشهور .. تمّت الإستفادة من خبرات المساجين السابقة في الزراعة ورعاية المواشي , كما في الحدادة والنجارة لبناء دولتهم
كما انه كان بين المساجين رجلٌ يحفظ الإنجيل , فقام الطبيب بتعينه كرجل دين مسؤول عن تزويج المساجين من السجينات , رغم ان البعض إكتفى بعلاقة الصداقة بينهم ..
وأُقيمت الأعراس بعد تحويل غرف الزنزانات الى شققٍ صغيرة بعد هدم الجدران الفاصلة لتوسيع الزنزانات الإنفرادية لأجل المتزوجين , حيث نُقلت الأقفال الى الداخل لينفرد العرسان ببيتهم الجديد
***
وبخلال خمس سنوات .. استطاع الطبيب بذكائه بناء دولة تفرض القانون على شعبٍ من أخطر وأعتى المجرمين , بحيث لم تُرتكب جريمة واحدة بينهم طوال تلك السنوات , لكنه ظلّ قلقاً من حماسة شباب الأحداث الراغبون دائماً بإثارة الفوضى والعراك بينهم !
***
وفي خلال تلك الأعوام .. وُلد عشرات الأطفال الذي قدّر لهم ان يعيشوا محتجزين معهم في هذه الجزيرة بعيداً عن مظاهر الحياة في المدينة ..
وفي يوم ..قالت سجينةٌ حامل , لسجينة أنجبت حديثاً :
- وما ذنب طفلي ان يُولد بجزيرة ليس فيها مدارس او العاب او مدينة ملاهي ؟!
فردّت الأم وهي تُخيط لعبة قماشية لطفلها :
- لقد أرسلنا شكوتنا للطبيب , وهو وعدنا ببناء المدارس في الشهور القادمة
***
وبالفعل !! تمّ تحويل سجن النساء الى مدرسة وعيادة , وسوق للمنتجات المصنوعة يدويّاً لمساجين كانوا حرفيّن سابقين
***
وفي أحد الأيام .. وبينما كان المراهقون يلعبون كرة القدم في حديقة سجنهم القديم , نادى شاب صاحبه الذي جلس بعيداً عنهم :
- هل ستكتفي بمشاهدة المبارة ؟! هيا تعال والعب معنا !!
فردّ بحزن : أتدرون انه بدأت مباريات كأس العالم , وانا كنت أتابعها دائماً قبل إرسالي الى هنا
فقال ابن الطبيب (جيم) :
- لقد أخبرت والدي بالأمر قبل ايام , وهو اتصل بالمدينة وطلب منهم تلفازاً كبيراً مقابل حصاد مزروعاتنا
الشاب بحماس : وهل وافقوا ؟!
جيم : نعم وسيرسلونه غداً على ما أعتقد , وسيضعه ابي في الساحة لنشاهد جميعنا المباريات
الشاب بفرح : هذا جميل !!
جيم : لكن والدي سيضع مسؤولاً عن جهاز التحكّم , فهو لا يريدنا ان نشاهد افلام إجرامية او سياسية او حب وإثارة لأنه لا يريد مشاكل بالجزيرة
الشاب الآخر مُمتعضاً : والدك دائماً يقتل فرحتنا بقوانينه الصارمة
ابن الطبيب بغضب : لولا والدي لما كنت حرّاً يا ولد !!
فردّ الشاب مُهدّداً : لمن تقول ولد ؟! تعال لأريك من منّا الطفل ايها الصعلوك المدلّل
وحصل عراكاً بينهما , أوقفته إحدى السيدات (أكبر السجينات والمسؤولة عن المطبخ) بعد ان هدّدتهم بحرمانهم من طعام الغداء ان لم يهدأوا حالاً
فعاد كل مراهق الى غرفته غاضباً (التي كانت زنزانته قديماً) وهو يلعن حظه على بقائه في جزيرة الأشرار
***
لكن مع بداية السنة السابعة .. حصلت اول جريمة قتل بينهم ! حين وُجدت جثة شاب مقتولاً في الغابة المتواجدة بأطراف الجزيرة ..
وجنّ جنون الطبيب الذي لطالما أفهم الجميع (ضمن اجتماعاتهم الدوريّة) بأنه سيعاقب بشدّة كل شخص يُؤذي الآخر في دولته المحرّرة , لذلك أرسل أشخاصاً موثوقاً بهم للبحث والتحرّي عن القاتل .. فإذا به شاب مراهق قتل صديقه لمغازلته حبيبته !
ورغم هذا رفض سكّان الجزيرة حبس القاتل في غرفة الإستجواب المتواجدة في قبو سجن الرجال والتي تم إقفالها منذ اعلان الإستقلال !
بل ان بعضهم برّر فعلة القاتل , لأنهم مثله يشتاقون للمغامرة بارتكاب المحظورات ! وكان من بين المؤيدين : ابن الطبيب الذي شعر ايضاً بأن حياتهم كئيبة وخالية من التشويق ..
***
وفكّر الطبيب لأيام الى ان وجد فكرةً جيدة , وجمع الرجال فوق سن 20 (دون النساء والمراهقين , بما فيهم ابنه ذو 17 عام) في اجتماعٍ خاص..
واقترح عليهم لعبةً سرّية تُقام بنهاية كل شهر مساءً في الغابة حيث يجتمع الرجال للقتال بالأيدي دون استخدام الأسلحة , بشرط لبس الألبسة الموحدّة كيّ لا يميزون بعضهم البعض ..وستقام المعركة بين فريقين : فريق الفهود ضدّ فريق النمور .. والفريق الرابح يمكنه ان يُجبر الفريق الخاسر على خدمته لثلاثة ايام من سقاية الأرض ورعاية الغنم وغيرها .. فتحمّس الجميع للفكرة !!
ثم وضع الطبيب اسماء كل شخصٍ منهم داخل وعاء وقام بخلط قصاصات الورق .. ثم سحب اسماء المئة شخص التابع للفريق الأول , واسماء المئة للفريق الثاني .. بحيث يلبس الفريق الأول الأقنعة الحمراء , والفريق الثاني الأقنعة السوداء ..
وبنهاية الإجتماع , وافق الجميع على كتمان السرّ ..
وبدوره وعدهم الطبيب بعلاج الجرحى من كلا الطرفين بعد انتهاء المعارك السلمية , حيث سيكون حكماً حياديّاً بينهم ..
وانتهى الاجتماع وهم في قمّة الحماس لمعركتهم الأولى التي ستُقام بعد اسبوعين , عند نهاية الشهر
***
وبالفعل !! جرت اللعبة السرّية بسلام .. وعاد اللاعبون الى منازلهم مع تباشير الصباح وقد حصلوا على بعض الكدمات البسيطة أثر العراك بالأيدي , لكنهم كانوا يشعرون براحةٍ كبيرة لتفريغ طاقتهم السلبية ..
وبسبب لعبتهم الخشنة الدوريّة , قلّت المضاربات والمشاجرات بين المساجين الكبار في حياتهم العامة !
***
الاّ انه في الشهر السادس .. قام جيم باللحاق بوالده الى الغابة دون علمه ..واسترق النظر بين الاشجار ليرى مشهد تجمّع الرجال ضمن فريقين بانتظار صفّارة الطبيب التي ما ان أطلقها حتى هجموا على بعضهم وهم يسدّدون لبعضهم اللكمات والرفسات بحماسةٍ كبيرة !
وظلّ ابن الطبيب يراقبهم بدهشة وقلق ! حتى انتهت المعركة مع شروق الشمس بفوز فريق الأقنعة الحمراء ..
ثم تفاجأ بهم بعد صافرة النهاية وهم يسلّمون على بعضهم رغم تألّمهم بما أصابهم في المعركة , حيث عاد بعضهم الى بيته وهو يعرج ويضحك من فرط السعادة !
فأسرع الشاب الى البيت قبل وصول والده , وهو غاضبٌ منه لعدم إخباره بشأن لعبتهم الحماسيّة ..
***
وفي اليوم التالي .. صارحه ابنه بما رآه , قائلاً بغضب :
- لقد ضيّعت مستقبلي لأنتقم لك من ذلك الظالم , وانت لا تثق بي بشأن لعبةٍ سخيفة !
الطبيب : إهدأ بنيّ .. انها لعبة لأجل التخفيف من غضبهم المكبوت
فردّ ابنه بعصبية : لكنهم جميعاً فوق سن الثلاثين ! وكان الأجدر بك ان تجعلها للمراهقين , فنحن من لدينا طاقة سلبية أقوى منكم ايها العجائز !!
- تأدّب يا ولد !! فأنا لم أخبركم بها لأن اصدقائك متهورين وربما يتحمّسون زيادة باللعبة ويأذون الآخرين .. بالنهاية انا الطبيب الوحيد على هذه الجزيرة ولست قادراً على إنقاذ الجميع , خاصة اذا أُصيب أحدهم بجروح خطيرة , فالمعدّات الطبّية التي لدينا محدودة ..هل فهمت الآن ؟!
لكن ابنه لم يجيبه , بل ظلّ ينفث انفاسه بغضب ..
فأردف الطبيب قائلاً : إسمع يا جيم .. انا فعلت ذلك لصالح الجميع , لذا رجاءً لا تخبر أصدقائك بأمر اللعبة , وخاصة النساء اللآتي سيفسدنّ كل شيء
- أخائفٌ ان تمنعك عروسك من هذه اللعبة ..(ثم يتنهّد بغضب).. على كلٍ , هي لعبة سخيفة ولا تهمّني
ثم خرج من مكتب والده غاضباً ..
***
ومرّ الشهر بسلام .. لكن في صباح يوم المباراة الجديدة .. ذهب جيم الى أصدقائه في الملعب , فلاحظ صديقه تعكّر مزاجه ..وظلّ يلحّ عليه الى ان أخبرهم باللعبة السرّية..
صديقه : أقلت انها ستُقام هذه الليلة ؟
جيم بقهر : نعم , بعد منتصف الليل ..ولهم ستة أشهر يلعبونها لوحدهم !
فقال شابٌ آخر مفتول العضلات : ليس بعد الآن
جيم بقلق : ماذا تقصد ؟!
وأخرج الشاب سكينة من جيبه , وهو يقول لرفقائه :
- عليكم التجهّز جيداً للمعركة , وعلى كل واحدٍ منا ان يصنع سلاحه الخاص .. كما لا تنسوا موضوع الأقنعة .. لأن لعبة اليوم ستكون أكثر إثارة
فحاول ابن الطبيب إفهامهم بقوانين لعبة والده الصارمة , لكنهم أصرّوا على اللعب بطريقتهم ..
وقال أقوى الشباب بنيةً لبقيّة المراهقين :
- لقد قرّرت ان أكون قائدكم في هذه المعركة , وإخترت ان نسمّي فريقنا : فريق العقارب ..ما رأيكم ؟
فأيّدوه على قراره ..
ثم اقترب القائد من جيم وسأله :
- وانت ..هل ستأتي معنا , ام ستخاف من عقاب والدك ؟
فقال جيم بحزم : انا لست صغيراً لأخاف من ابي
- أحسنت !! ..هل مازالت عصا البيسبول معك ؟
جيم : نعم ..فوالدي طلبها من المدينة كهدية عيد ميلادي الماضي ..لما تسأل ؟!
فيبتسم القائد بخبث : لأننا سنضيف عليها هذه الأشياء البرّاقة
وأخرج من جيبه المسامير الحادة , ليضحك مع أصدقائه .. بعكس جيم الذي فهم حينها حكمة والده بإخفاء الأمر عن هؤلاء المتهورين , لكن ندمه جاء متأخّراً !
***
وفي ليلة المعركة وقبل صفّارة البداية .. تفاجأ الرجال بقدوم فريقٍ ثالث للغابة مكوّناً من المراهقين الملثّمين الذين ارادوا بالقوة الاشتراك باللعبة .. فاعترض الكبار على ذلك وحصلت نقاشات حادة بينهم , أوقفه الطبيب بصفّارته للتفاوض مع الشباب ..
لكن قائد المراهقين قاطع كلامه , قائلاً بحزم :
- اليوم ستقام المعركة بقوانينا نحن , لا قوانينكم ايها العجائز !!
فردّ الفريق الآخر : أسكت يا صغير !! هي بالأساس لعبتنا نحن ..لعبة للكبار فقط !!
فأجابه الشاب : لكن لعبتكم مملّة , والليلة سنجعلها أكثر حماسة.. هيا يا أصدقاء أروهم اسلحتنا !!
فأخرج المراهقون من جيوبهم السكاكين , ومن حقائبهم العصيّ المدبّبة بالمسامير !
فاعترض الكبار بقلق على مخالفتهم للشروط !
وقبل ان يُفهمهم الطبيب قوانين اللعبة السلمية , صرخ قائد المراهقين بصوتٍ جهوريّ :
- هجوووم !!!
وفجأة ! هجم المراهقون بأسلحتهم العنيفة اتجاه الكبار الذين فرّوا خائفين الى مجاهل الغابة ..
وحينها صرخ الطبيب منادياً ابنه بخوفٍ شديد :
- جيم !! ان كنت معهم , فاترك اللعبة حالاً !!
لكنه فات الآوان لإنسحابه بعد ان انخرط مع الجموع المقاتلة !
وحصلت معركة وحشية بينهم اضطر فيها الكبار لاستخدام أيّ شيء للدفاع به عن أنفسهم سواءً أغصان أشجار او أحجار او حتى لعب الكارتيه الذي يتقنه بعضهم , مما أدّى لجروح خطيرة بين الفريقين ..
***
وقبيل الفجر .. استيقظت النسوة على صراخ ازواجهنّ القادم من الغابة ! لكن خفنّ ان يدخلوها كيّ لا يتعرضنّ لما أصابهم .. وانتظروا بفارغ الصبر لخروج أحدهم سالماً ليخبرهم بما يحصل بالداخل , ظنّاً منهنّ أن الشرطة اقتحمت الجزيرة ليلاً , ورجالهم يحاولون الدفاع عن استقلالية بلدتهم ..
ولم تختفي اصوات الصراخ المفزعة الا مع شروق الشمس حيث عمّ السكون المرعب الذي زاد من خوف النساء !
***
وبعد ساعة ..خرج الطبيب بثيابه الملوثة بالدماء وهو يحمل جثة ابنه لينهار أمامهنّ باكياً وهو يقول :
- هذا خطئي .. لقد ماتوا جميعاً بسبب لعبتي .. سامحوني ارجوكم
ولم تفهم النساء ما حصل الا بعد اقتحامهنّ للغابة واكتشافهنّ لجثث رجالهم ورفقائهم الشباب مقتولين بوحشيّة في كل مكان !
***
بعدها بساعات .. بلّغ الطبيب رؤساء المدينة بانهيار دولة الجزيرة المستقلّة وبفشله بإدارة الحكم .. ليقوم المسؤولون بإرسال جنودهم لنقل بقيّة المساجين الى سجونهم القديمة ..
وتمّ إغلاق الجزيرة بعد ان حكمها الطبيب بعدلٍ وأمان لسبع سنوات وبضعة أشهر , لتصبح اليوم خالية الاّ من الزيارات السنويّة للسوّاح !