الاثنين، 30 أغسطس 2021

مختبر الحب

تأليف : امل شانوحة

توازن التفكير والمشاعر


بعد ثلاثة أشهر من الخطوبة ، لاحظت رؤى محاولات أحمد للإنسحاب من العلاقة ! وأصبحت عاداته السيئة وتجاربه الماضية عائقاً لإتمام الزواج 


ولأن رؤى موظفة في مجال التجارب العلميّة ، إتفقت مع زميلتها منال على خطةٍ إستثنائية .. فالمختبر الذي تعملان فيه نجح بعد إختباراتٍ سرّية على تصغير مجموعة من الحيوانات الى حجم الحشرات ! 


فخطر في بال رؤى أن تقوم منال بتصغيرها ، ووضعها فوق وردة تُهديها لأحمد  

وحين يشتمّها ، تتسلّل الى عقله وقلبه لإصلاح سلوكه وفكّ عقده النفسيّة لتسهيل زواجهما المستقبليّ 

***


ونفذّت منال الخطة وأهدت أحمد الوردة ، كإعتذارٍ من رؤى عن خصامهما الأخير .. 

فشكرها ووضعها جانباً .. فأصرّت منال أن يشمّها ، مبرّرةً ذلك :

- هذه وردة رؤى المفضّلة .. أنصحك بتميز رائحتها ، لتصالحها بها بعد الزواج 


فاشتمّها بقوةّ ، ليسحب شهيقه رؤى الى داخل أنفه .. وكاد يعطس ، لولا إسراعها بدخول تجويفه الأنفي ، متجهةً للدماغ 

***


حين وصلت الى المخّ ، وجدت فيه مراكز مضيئة ! 

فبحثت عن قسم الذاكرة الذي كان عبارة عن مجموعة من الحبال الكهربائية .. من بينها حبال مُلتفّة حول نفسها على شكل عقدٍ صغيرة وكبيرة ، فعلمت انها عقده النفسيّة القديمة !


ولكيّ تفكّ عقده ، كان عليها مشاهدة ذكرياته المخزّنة بداخلها .. منها يعود إلى أحداث حصلت في طفولته ، وأخرى في مرحلة الدراسة والعمل .. اما أكثريتها فبسبب علاقاته العاطفية الفاشلة 


فبدأت اولاً بذكريات طفولته : كتفرقة الأهل بينه وبين إخوانه ، وحمله مسؤولية أكبر من عمره ، وفرض واجبات عليه تخالف قناعاته ، وإجباره بتطبيق قوانين امه الصارمة .. ولأن تلك العقد تتلاشى أهميتها بمرور السنوات ، إستطاعت رؤى فكّها بسهولة.. وكذلك فعلت بمشاكل الدراسة والعمل .. 


اما العقدة الحسّاسة التي واجهتها : فهي مشاعره المضّطربة بعد موت أعزاءٍ له بعمرٍ صغير ! مما أدّى لخوفه الدائم من خسارة أحبائه ، فصار يتعلّق بهم بشكلٍ مرضي : كفرض سيطرته عليهم والتحكّم بقراراتهم ، مُستخدماً طرقاً ملتوية للوصول لمراده .. مما أفقده العديد من علاقاته العاطفية


كما كانت لديه عقداً أخرى بسبب طعنات الغدر من الأقارب والأصدقاء ، جعله يشكّ بنوايا الناس ، ويلومهم دائماً على أخطائه .. وقد عملت رؤى جهدها لفكّها جميعاً  


اما العقدة الأصعب : فهي محاولته الظهور كشخصٍ قويٍّ صارم ، مُخفياً رقّة مشاعره ، لتجنّب سخرية وإستغلال من حوله لطيبته الزائدة .. 

ولم يكن بمقدور رؤى فكّ هذه العقدة ، قبل فحص قلبه.. 


لكن قبل خروجها من دماغه ، دخلت الى غرفة التحكّم الرئيسية التي وجدت بداخلها جهازاً يحوي أزراراً كثيرة (تشبه معالجة تقنية الصوت في الإستديوهات الغنائية) حيث كان مستوى الإحباط عنده مرتفعاً ، والطموح والآمال والأحلام منخفضاً للغاية .. 

فقامت بعكس الأزرار ، لتضيء الشاشة امامها بأنوار التفاؤل والأمل 


فتنهّدت بارتياح : 

- هكذا أحسن ، نظرته للحياة ستتغير أخيراً .. الآن لأذهب وأرى مشكلة قلبه

***


فنزلت عبر الأوردة عن طريق ركوبها إحدى الكريات الحمراء التي أوصلتها الى قلب أحمد الذي بدى من نبضاته القوية إن مداومته على التمارين الرياضية نفعه صحيّاً .. 


لكن حين تسلّلت للداخل ، وجدت المكان مظلماً وكئيباً ! بسبب اللمبة المعلّقة في سقف قلبه التي تبدو مكسورة منذ مدةٍ طويلة ، مما جعله يائساً من الحياة 


فبحثت بالأرجاء ، إلى أن وجدت لمبة جديدة .. فتسلّقت نياط قلبه الزلقة بصعوبة .. إلى أن ركّبتها بدل القديمة ، مما جعل قلبه يشعّ من جديد .. 


وبعد انتهائها من مهمّتها الشاقة ، تعمّقت أكثر داخل حجيرات قلبه .. في البداية حاولت الصعود إلى الأذين الأيسر ، لكن لزوجة الصمام التاجي جعل الأمر شاقاً .. فقرّرت إكتشاف الحجرتين السفليتين .. لتلاحظ آثار جروحٍ قديمة في جدران البطين الأيمن !


وكلما وضعت يدها على إحدى الخدوش ، شعرت بصدمة أحمد لحظة حصوله على ذلك الجرح ! ومعظمها كان بسبب العلاقات العابرة .. 


ولشدّة فضولها وغيرتها ، ارادت معرفة لائحة الفتيات اللآتي مررّن من قلبه ..

فدخلت الدهاليز الضيقة بين الشرايين والأوردة ، الى أن وصلت الى غرفةٍ خفيّة داخل قلبه .. وسمعت ضحكات نساء من الداخل ، واللآتي رفضن فتح الباب  رغم طرقها الشديد عليه ! 

مما أغضب رؤى ، التي قالت في نفسها :

((لا ترغبن بوجودي ، إذاً سأدخل بالقوة))


وخلعت الباب بقدمها .. لتتفاجأ بعشرات الفتيات من كافة الأعمار ، معظمهن حسنات المظهر ومن جنسياتٍ مختلفة ! 

جميعهن نظرنّ اليها شزراً ، لدخولها دون إستئذان ..


مما أفقد رؤى صبرها ، لغيرتها على حبيبها .. فأخذت تطردهنّ الواحدة تلوّ الأخرى .. حتى إنها اضطّرت لسحب بعضهن من إقدامهن ، ورميهن بعنف الى خارج الغرفة..

 

وبقيت واحدة ! داخل قفصٍ ذهبيّ معلّق بسقف قلبه ، والتي قالت لها:

- لا تحاولي يا رؤى ، سأبقى دائماً في قلبه .. انا حبه الأول ، وتوفيت بحادث قبل عرسنا بمدةٍ وجيزة 

رؤى : آه ! أنت أميرته ، أخبرني عنك كثيراً.. حسناً يمكنك البقاء ، فإخلاصه لك يدلّ على رفعة أخلاقه .. هل تسمحين بحفر إسمي في قلبه ؟ خوفاً من نسياني بعد طول الخصام 

- لا يحقّ لأحد فعل ذلك ، فأحمد حرّ باختيار من تتربّع قلبه .. ولولا رغبته الداخلية بنسيان اولئك الفتيات ، لما تمكّنتي من طردهنّ .. الآن عودي الى عقله ، فعملك لم ينتهي هناك


وفجأة تدفّق الدم من نوافذ الحجيرات الأربعة للقلب ، الذي تحوّل بثواني إلى نهرٍ هائج ! دفع رؤى الى خارج الغرفة المخلوع بابها  


وماهي الا لحظات ، حتى عادت رؤى للشريان الأساسيّ الذي نقلها الى العقل من جديد

***


بعودتها الى الدماغ .. وجدت غرفةً خلفية لم تلاحظها من قبل ، عليها لافتة كبيرة بإسم (السلوك والعادات) .. 

فدخلت اليها .. لتجد خزانة بدُرجين ، فيهما ملفات مقسّمة الى : سلوكٌ حسن ، وطباعٌ سيئة ..

 

فتركت صفاته الحميدة التي تعجبها كثيراً : كموهبته الفنّية ، وعذوبة لسانه ، وإنصاته الجيد لمشاكل الناس ، وحسّه الفكاهيّ ، وذوقه الرفيع .. وغيرها من الصفات الجيدة


وفتحت درج صفاته السيئة ، وأخذت تقرأ الملفّات بصوتٍ مسموع :

- شرب الخمر بالأعياد والمناسبات .. لا طبعاً !! الدين عندي خطٌ أحمر

ومزّقت عادته السيئة .. ثم تابعت القراءة :

- حب إقتناء الكلاب .. لا يا عزيزي ، الكلاب نجسة 

ومزّقت هوايته التي لم تعجبها .. ثم فتحت ملفّ العلاقات : 

- العلاقات العابرة مقبولة طالما لا تصل للخيانة الجسدية .. لا يا حبيبي !! لن يكون هناك المزيد من علاقات الإنترنت ، فمشاعر البنات ليست لعبة 

ومزقت عادته بغضبٍ وغيرة ..


إلى أن انتهت من جميع عاداته السيئة ..

رؤى : ماذا بقيّ امامي .. فككّت عقده النفسيّة ، وأشعلت التفاؤل بداخله ، وطردت اللعينات من قلبه ، وقضيت على عاداته وسلوكياته السيئة..أظنني انتهيت ، سأتصل بمنال بعد إتمامي المهمّة 


واتصلت بجوالها (الذي صغر حجمه معها) :

- الو منال .. نجحت خطتي ، وعاد أحمد كيوم ولدته أمه ، خالي من العقد والمشاكل .. اريدك غداً أن تهديه وردة كإعتذارٍ مني عن غيابي ، ولا تنسي رشّها بالفلفل .. وقبل أن يعطس ، أعطيه منديلك الحريريّ .. ثم خذيه منه ، لتغسليه لاحقاً.. بعدها تأخذيني الى المختبر وتضعي قطرتين من المحلول السرّي فوقي ، لأعود الى حجمي الطبيعي ..  

فأجابتها منال : لا أظن خروجك من جسمه بهذه السهولة 

- بلى !! سأنتظرك في فتحة أنفه .. إكثري من رشّ الفلفل ، واتركي الباقي عليّ 


منال بلؤم : ما قصدته إنني لا أرغب بعودتك الى حياة أحمد

رؤى بصدمة وقلق : ماذا تعنين ؟!

- انا أحببته قبلك ، لكنك سبقتني اليه ..والآن بعد غيابك المفاجىء لأسابيع.. 

رؤى مقاطعة بدهشة : اسابيع ! تركت أحمد البارحة 

- لا يا عزيزتي ، لك ثلاثة اسابيع واربعة ايام في جسمه .. ربما الحشرات أمثالك لا يشعرنّ بالوقت .. المهم اين كنا .. نعم بغيابك تقرّبت منه ، وأخبرته بخيانتك له .. بل أكثر من ذلك ، أقنعته أن أفضل إنتقام هو زواجه مني .. ولشدة قهره ، وافق على خطبتي قريباً

- مستحيل !! هو لم ينساني بهذه السرعة

منال : إستخدمت وسائلي الخاصة لإقناعه .. أتمنى لك مغامرة ممتعة داخل جسمه ، إلى أن يتخلّص منك في دورة المياه

وضحكت بمكر ، قبل إغلاقها المكالمة ..


رؤى بصدمة : الملعونة ! خطّطت منذ البداية لتخلّص مني ، لهذا ساعدتني في خطتي المجنونة ..

ثم فكّرت قليلاً ، قبل أن تقول : 

- عليّ زيارة قلبه ، لأتأكّد إن وصلت منال الى غرفته الخاصة ام لا 

***


حين عادت الى غرفة قلبه .. وجدت هناك خيال منال التي ضحكت ساخرة :

- شكراً رؤى على مساعدتك .. فخلعك الباب بسبب غيرتك ، سهلّ دخولي الى قلبه  


ثم أشارت الى الأميرة النائمة في قفصها الذهبيّ بالسقف..

منال : وأنوي ايضاً التخلّص منها 

رؤى : دعيها وشأنها !! هي حبه الأول

منال بعصبية : لا تدخلي بشؤوني الخاصة ، أخرجي من قلبه !! فلا مكان لك هنا


وفتحت النوافذ الجانبية ، لتتدفّق الدماء من كل مكان والتي دفعتها الى خارج قلبه 


لكن رؤى العنيدة لم تستلم بسهولة ، وسبحت بكل قوتها عكس التيّار .. إلى أن تمسّكت بإحدى شراين القلب .. 

وحين تسلّقته ، وجدت فتحة في البطين الأيمن ..تلصّصت منها على منال التي تحاول إنزال القفص الذهبيّ من السقف ، لتبقى وحدها في قلب أحمد 

 

وفجأة ! صرخت رؤى برعب ، بعد ظهور مخلوقٍ اسود مخيف بجانبها وهو يقول :

- مرحباً ، انا شيطان أحمد .. أتريدني أن أوسّوس له بمشاعر اماني المزيفة ، ونواياها السيئة اتجاهه ؟

فأجابت رؤى بتردّد : نعم ، اريده أن يرتاب من تصرّفاتها نحوه

- كما تشائين ، اساساً هذا واجبي 

- سأدعك تقوم بعملك ، فورائي عمل بمكانٍ آخر

  

ثم ركبت رؤى إحدى الكريات الحمراء التي أخذتها إلى نفق الشرايين .. واثناء مرورها بالدهليز الطويل ، لامت نفسها : 

- أمعقول انه وصل بي الجنون لقبول مساعدة الشيطان ! يبدو انني فعلاً غيورة كما وصفني أحمد .. 


ثم أخذت تفكّر بما قالته صديقتها الخائنة :

- ترى ماذا قصدت منال بامتلاكها قلبه بطرقها الخاصة ؟ ..أتمنى أن لا يكون الذي في بالي.. عليّ تفقّد معدته في الحال 

***


حين نزلت الى معدته .. تفاجأت بوجود شعرٍ اسود عالق في ممرّ المريء ، وطرفه يتدلّى من بوّابة المعدة .. يشبه شعر الخاروف الأسود ، ومليئاً بالعقد الصغيرة !


رؤى بصدمة : أيعقل إنها أشربته سحراً كيّ يحبها ؟!.. إن كان كذلك ، فطبيعي أن ينساني بسهولة.. ترى كيف يمكنني إبطال السحر ؟ .. ليس أمامي الا فكّ العقد الواحدة تلوّ الأخرى 


وتسلّقت الشعر .. وكلما وصلت الى عقدة ، أخذت تقرأ المعوذات وهي تفكّها بحذر .. 


وما أن فكّت جميع العقد 13 ، حتى ارتفع الأسيد في معدته ! 

فحاولت رؤى التمسّك بالشعر ، الذي سرعان ما ارتفع للأعلى  


لتتفاجأ بخروجها بقوة من فم أحمد ! ووقوعها فوق طاولة المطعم ، بعد تقيؤه طعامه دون سيطرةٍ منه 


فوقفت رؤى متألّمة بعد إرتطامها القويّ بالطاولة ، وهي تسدّ أنفها كي لا يصيبها الغثيان .. 


وحين نظرت للأعلى ، إنصدمت برؤية منال وهي تحاول تنظيف فستانها بضيق ، وأحمد يعتذر عمّا حصل .. ثم يسارع الى دورة المياه لإفراغ ما تبقى في معدته 


بهذه الأثناء .. إتصلت رؤى بمنال التي كانت تنادي النادل لتنظيف المكان ، والتي ردّت على إتصالها بعصبية :

- انت ثانيةً !! ماذا فعلتِ لتجعليه يشعر بالغثيان هكذا ؟

رؤى : انا هنا !! على الطاولة .. رجاءً إرفعيني بمنديلك ، قبل أن يرميني النادل في سلّة النفايات ..


منال بلؤم : ولما عليّ فعل ذلك ؟

- ارجوك منال .. في حال أعدّتني الى حجمي الطبيعي ، أعدك إنني سأدع أحمد وشأنه .. اساساً عليك أن تشكريني ، فأنا فكّكت عقده النفسيّة وأنهيت عاداته السيئة ، وهذا سيجعل زواجكما سعيداً في المستقبل .. على الأقل قدّري تعبي ومجهودي.. هيا منال !! النادل يقترب منا .. رجاءً إنقذي صديقتك وزميلتك في العمل


بهذه الأثناء إقترب النادل لمسح الطاولة ، فرمت منال منديلها فوق شيءٍ يتحرّك كحشرةٍ صغيرة .. وذهبت الى دورة المياه لإكمال حديثها مع رؤى

***


في حمام المطعم ، إتصلت رؤى بمنال لتشكرها على إنقاذها لها ..

منال : حسناً سأطلب من أحمد توصيلي الى المنزل .. وبعد ذهابه ، آخذ سيارة أجرة الى المختبر 

رؤى : انا مدينة لك يا صديقتي

***  


في المختبر .. فاجأت منال رؤى برميها داخل إنبوب إختبار زجاجيّ ، وضعته بجانب الأنابيب الأخرى التي تحوي حيوانات مصغّرة .. وهي تقول بلؤم :

- أعدّت التفكير بالموضوع ، ووجدت انه ليس من صالحي أن تعودي الى حياتي .. 

رؤى باستغراب : لكني وعدتك أن لا أقابل أحمد ثانيةً ! 


منال : ليس هذا فحسب ، بل تفوقكِ بالعمل يغيظني ايضاً .. لهذا قرّرت الإحتفاظ بك ، لحين إعلان مختبرنا عن محلوله السرّي .. حينها أقدّمك للعالم كأول متطوّعة للتجربة ، وأنال بسببك جائزةً علميّة .. (ثم نظرت الى ساعتها).. تأخّر الوقت ، سأعود الى المنزل .. تركت لك قطرتيّ ماء ، وقطعة جبن تكفيك لأسابيع .. سلام


وبعد ذهابها ، إتصلت رؤى بأحمد الذي أقفل الخط في وجهها مرتين ! فعلمت انه متضايق منها ، بعد أكاذيب منال حول خيانتها له.. 

فكان عليها إيجاد حلٌ آخر 

*** 


في الصباح الباكر ... واثناء وجود رؤى داخل الخزانة الزجاجيّة في المختبر .. شاهدت عامل النظافة العجوز يكنّس المكان .. فبحثت عن رقمه بجوالها ، واتصلت به :

- عم مرتضى ، انا رؤى

- اهلاً آنسة رؤى ، لم نرك منذ اسابيع .. هل انت بخير ؟


فاخبرته مختصر الموضوع ، لكن عقله لم يستوعب ما قالته ! 

فألحّت عليه بإخراج الأنبوب ذوّ الغطاء الأحمر من الخزانة ، ورمي ما بداخله فوق طاولة المختبر .. 


وحين فعل ، أكملت حديثها معه بالجوال :

- سامحك الله يا عم ، رميتني على رأسي بقوة 

- اين انتِ ؟ لا أرى سوى حشرةً صغيرة

رؤى : ستجدّ المكبّر في الدرج ، شاهد الحشرة من خلاله 


وحين نظر ، كاد قلبه يتوقف حين شاهدها تلوّح بيديها ، وهي تتابع حديثها معه بالجوال :

- حاول تنظيم أنفاسك ، فأنا لا اريد قتلك يا رجل

العجوز بصدمة : كيف يعقل هذا !

- تجربة علمية سرّية ، الآن رجاءً نفّذ ما سأقوله لك


وطلبت منه أن يضع فوق رأسها قطرتين من المحلول المتواجد في خزنة الحائط ، التي أعطته رقمها السرّي .. 


وما أن فعل ، حتى رآها واقفة فوق الطاولة بحجمها الطبيعي .. 

فسقط العجوز على الأرض ، وهو على وشك الإغماء .. 

فسارعت رؤى بمسح وجهه بالمياه ..

 

وبعد إسترداد وعيه .. أخبرته إنها سترسل حارس المختبر للإهتمام به ، لأن عليها الذهاب لمكانٍ آخر .. 

وطلبت منه أن لا يخبر أحداً بما حصل ، كيّ لا يطردا من وظيفتهما 

وقبل ذهابها سألته عن منال .. فأخبرها انها بإجازة ، لأن خطبتها الليلة !


فتوجهت رؤى الى منزلها لتجهيز نفسها للحفلة ، وهي تنوي مفاجئة العروس بأناقتها ، للإنتقام منها

*** 


في المساء .. وجدت باب الشقة مفتوحاً ، لتوافد المعازيم الى منزل العائلة للمباركة بخطبة إبنتهم منال .. 


فتسلّلت رؤى بثوبها الأنيق بينهم .. ووقفت بوجه العريس وهي تقول :

- مبروك يا عريس !!

أحمد بصدمة : رؤى ! اين كنت طوال الشهر الماضي ؟ أخبرتني منال انك هاجرت مع حبيبك للخارج 


فنظرت بعينيّ منال بحنق ، والتي كانت ترتجف بارتباك ..

رؤى بصوتٍ منخفض كي لا يسمعها الضيوف : 

- أحقاً قالت ذلك !.. أحمد لوّ سمحت ، أريد التحدّث معك في مكانٍ آخر .. عليك معرفة الحقيقة قبل إكمالك الخطوبة  

منال بغيرة وعصبية : لن أسمح بذلك !!

رؤى بلا مبالاة : اذاً تعالي معنا ، فليس من صالحك أن يعرف الجميع بالسرّ الذي سأبوحه له 


فاعتذرت منال من أقاربها ، ودخلت مع مروى وأحمد الى غرفتها الفارغة

***


في الغرفة .. أخبرته مروى بموجز ما حصل

أحمد : أتريديني أن أصدّق أنك صغّرت نفسك لدخول جسمي ، كيّ تحلّي مشاكلي النفسية ؟! 

رؤى : نعم ، ولم يكن الأمر سهلاً  

أحمد : منال ، أحقاً مختبركم إخترع ذلك المحلول العجيب ؟

منال : لا طبعاً ، هي تهذي من شدّة غيرتها 

رؤى : توقعت ذلك منكِ .. أحمد ، إلبس هذه النظّارة المكبّرة

أحمد : وماذا أفعل بها ؟

رؤى : ضعها لترى الحقيقة


وبعد لبسه النظّارة ، أرته إنبوب اختبار فيه ثلاثة حيوانات مُصغّرة : قطة وفأر وقرد ، بحجم الحشرات 


رؤى : هذه تجاربنا السابقة التي أثبتتّ فعالية المحلول السرّي.. وإن مازلت لا تصدّقني ، كتبت في هذه الورقة ملخّصات عن عقدك الماضية .. وحوادث لا أظنك أخبرت بها احداً ، وجدتها عالقة بين ثنايا عقلك وقلبك


فأخذ أحمد يقرأ الورقة باهتمام .. ليتفاجأ بقصصٍ قديمة نسيها تماماً ، دون علمه بأن أثرها يُعرقل حياته الحالية !

أحمد بدهشة : هل استطعتي فعلاً فكّ كل هذه العقد ؟!

رؤى : نعم ، ومزّقت عاداتك السيئة

أحمد : كنت مستغرباً من تغير أفكاري وطباعي في الأيام الماضية ، وكرهي المفاجىء للسكر والسهر وتضيع وقتي مع الفتيات التافهات !


فحاولت منال تقليل أهمية مجازفة رؤى بنفسها : 

- أنت تغيرت لأنك تحبني ، لهذا قرّرت الإخلاص لي

رؤى بعصبية : لم تكن لتحبها يا أحمد ، لولا السحر الذي وضعته لك في شرابك او طعامك .. أتذكر يوم تقيّأت في المطعم ، الم يخرج من فمك شعراً أسود ؟ كان صوف الخاروف الذي ذبحته للمشعوذة ، للقيام بسحرٍ يوجّه مشاعرك نحوها 

 

وهنا تذكّر أحمد الكوابيس التي شاهدها على مدار اسابيع بعد شربه القهوة التي أعدّتها منال ، حين زار المختبر لسؤالها عن غياب رؤى المفاجىء !

رؤى : لا تقلق يا أحمد ، فكّكت سحرك ايضاً


فنظر أحمد بغضب ، لمنال الخائفة :  

- أسحرتني لأتزوجك ؟!! .. فهمت الآن لما إنطفأ حماسي قبل قدومي الليلة الى منزل أهلك ! لكني لم أردّ إحراجك امامهم .. وطالما لم تنكري قيامك بالسحر ، فهذا يعني إن علاقتنا انتهت !! 

منال بعصبية : رؤى ايتها اللعينة !! لما تحطمين كل احلامي ؟

رؤى بغضب : أحمد هو حبيبي !! وانت من فرّقتنا عن بعضنا


أحمد بضيق : كلاكما خسرتما حبي واحترامي لكما

رؤى : لكنني أنقذتك !

أحمد : انتِ لم تثقي إن بإمكاني تغير وحلّ مشاكلي وحدي .. ولشدّة غيرتك ، غامرت بنفسك لتنظيف قلبي وعقلي من ذكرياتي العاطفية السابقة .. (ثم قال لمنال) .. وانت اسوأ منها ! سحرتني لأحبك.. لهذا قرّرت !!


وأزال خاتم الخطوبة من أصبعه ، ووضعه في يد منال ..قائلاً :

- أن لا أتزوج أياً منكما !! سأهاجر للخارج وأتزوج اجنبية ليس لديها تفكيركما المنحرف  

وخرج من الغرفة ، تاركاً الفتاتين منصدمتين من قراره المفاجىء !


ولم يهتم أحمد بأسئلة المعازيم اثناء خروجه غاضباً من الشقة ، متوجهاً الى بيته وهو ينوي السفر قريباً ، رغم إنه لا ينكر فضل رؤى بإنهاء مشاكله النفسية التي عانى منها طوال حياته .. لكنه قرّر إكمال حياته دونها ، لأنه ليس سهلاً أن تعيش مع شخصٍ يعرف كل اسرارك الخفيّة ، أليس كذلك ؟!

الخميس، 26 أغسطس 2021

العريس المنحوس

تأليف : امل شانوحة 

فرحةٌ لا تكتمل ! 


دخل الشاب أحمد الى القصر سعيداً ، ليبشّر والدته بخطبته لفتاةٍ أعجبته في العمل .. فسألته امه بقلق : 

- هل انت متأكّد من قرارك يا بنيّ ؟ أنت تعرفها منذ شهرين فقط !

- فيها كل ما تمنّيته ، يا امي  

- وهل نسيت ديانا ؟

ابنها معاتباً : حادث حبيبتي حطّم قلبي لسنوات ، فلما تذكرينها الآن؟!

- لأن موتها أتعبني ايضاً .. أتذكر كيف لاحقتك من بارٍّ للآخر ، لأعيدك مخموراً الى المنزل ..كما رغبتك الدائمة بالإنتحار ، جعلني أتفقّد أنفاسك كل ليلة 


أحمد : كانت اياماً سيئة ، ومرّت 7 سنوات على وفاتها .. والآن بعد بلوغي سن 30 ، حان الوقت للمضيّ قدماً في حياتي ، اليس كذلك ؟

امه بابتسامةٍ حنونة : بالتأكيد حبيبي ، فحلمي أن اراك عريساً .. كنت أتأكّد فقط من مشاعرك نحوها ، خوفاً أن تُجرح ثانيةً .. تعال لأضمّك ، وأهنّئك على قرارك الجريء

وحضنها بسعادة..

***


ومضت شهور الخطبة بسلام .. ومع إقتراب موعد الزواج ، أصرّت امه على قيام العروس بجميع الفحوصات الطبّية للإطمئنان على قدرتها على الإنجاب ، خاصة إنها من جيل ابنها .. فرضخت العروس لطلب حماتها 

***


وفي اليوم التالي ، عاد أحمد غاضباً الى القصر !! 

فسألته امه عن نتائج التحاليل ، ليرمي الملف الصحيّ امامها بعصبية :

- أقرأي بنفسك نتائج فحص دمها 


فوضعت نظّارتها الطبية .. وبعد قراءة التقرير الطبي ، شهقت بصدمة :

- إيدز !

- الملعونة !! أكانت تنوي إصابتي معها بالداء المميت ؟!  

الأم : وكيف برّرت ذلك ؟

- لم تفعل ! فقط انهارت بالبكاء ، وحلفت مراراً إنني اول علاقة في حياتها 

- الخبيثة ! أظنت أنك لن تعرف أنها فاسدة ليلة عرسك ؟

أحمد : توسّلت لي كثيراً لإعادة الفحوصات في مختبرٍ آخر


الأم بقلق : وماذا أجبتها ؟

- رميت الخاتم في وجهها ، وعدت الى هنا

- أحسنت !! .. أقصد قرارك سليم

وحضنته بحنان ، وهي تقول :

- ارجوك لا تحزن ، فهي لا تستحق دموعك

- انا لا ابكي امي ، بل أكاد أنفجر غضباً 


فأخرجت مفاتيح من جيبها ، وأعطتها له :

- أعصابك متعبة ، إذهب واسترح في فيلا الجبل

- نعم ، احتاج لذلك فعلاً 

ودخل غرفته حزيناً لترتيب شنطة ملابسه ، للمبيت اسبوعاً في المصيف

***


بعد سنة ، تعرّف أحمد على فتاةٍ في النادي الرياضيّ .. 

وبعد شهور من صداقتهما .. أخبر امه بقرار الزواج ، قائلاً بحماس:

- عليك أن تري دلال يا امي ، بحياتي كلها لم ارى فتاةً أجمل منها

الأم : الجمال يزول مع الوقت ، المهم طريقة تفكيرها

- هي بسيطة بعض الشيء

- ماذا تقصد ؟

- يعني أحياناً أحتاج لتبسيط كلامي ، لكي تفهمه


الأم بامتعاض : يعني ليست ذكية ، ولا تملك سرعة بديهة

- هذه الأشياء غير مهمة امي ، فجمالها يطغى على كل شيء .. المهم أخبرت مساعدي أن يتصل بصالة الأعراس لتحديد الموعد.. والآن وداعاً

الأم : إلى أين تذهب ؟!

- وعدتها أن آخذها الى مطعمي المفضّل .. لا تنتظريني مساءً ، أظنك فهمتي ما أقصده

وخرج سعيداً من القصر

***


لم تمضي ايام ، حتى عاد باكياً الى القصر .. 

فأسرعت امه نحوه ، لتسأله بقلق :

- هل حصل مكروه ؟!

- دلال

- ما بها ؟

أحمد وهو يمسح دموعه : يبدو إن حبيبها السابق علم بعرسنا القريب ، فانتقم منها 

- ماذا تقصد ؟ 

- ارسل شخصاً مقنّعاً لرمي وجهها بالأسيد ..

الأم بصدمة : يا الهي !

- وجهها تشوّه تماماً

وحضنها باكياً ..

أحمد : لا ادري ماذا افعل 


الأم بقلق : وهل ستكمل مراسم الزواج ؟

ابنها بعصبية : أهذا ما يهمّك الآن !!.. الفتاة تشوّهت يا امي ، وهي منهارة تماماً في المستشفى

- أعرف إن الوقت غير مناسب ، لكنك أخبرتني سابقاً إن ما يعجبك بها هو شكلها فقط .. فهي غبية و.. 

- امي رجاءً !! همّي يكفيني

ودخل غرفته باكياً ..

***


وكان حدس امه صحيحاً ، فقد تركها بعد شهر من الإصابة ، لا بسبب تشوّهها بل لتشاؤمها بعد الحادث ، ورغبتها الشديدة بالإنتحار .. وهو إحساس لا يرغب أحمد الشعور به ثانيةً (فهو مرّ به بعد وفاة حبيبته ديانا) 

***


بعد شهرين .. تعرّف على فتاةٍ أخرى تعمل نادلة في مطعم (كيّ تصرّف على ابنها الذي يرفض طليقها الإعتناء به)

 

وجاء خبر خطبتهما صادماً لوالدة احمد التي حاولت إقناعه أنها غير مناسبة لمستواهم العائليّ ، عدا عن إنها مطلّقة وأم لطفلٍ صغير .. وأفهمته أنه سيكون دائماً بالمركز الثاني بعد ابنها .. لكنه أصرّ على الزواج بها

***


بعد اسابيع من الخطبة ، عاد غاضباً الى القصر لإخبار امه بانفصاله عنها ، بعد اتصالٍ من طليقها الذي هدّده بالقتل إن تزوج بها ! كما هدّدها بأخذ ابنه بالمحكمة إن أصرّت على ذلك .. 

فأعادت له الخاتم باكية ، مُبرّرة ذلك : بأنها لن تضحّي بطفلها لأجله 

 

فحاولت امه إخفاء ارتياحها من إنفصالهما ، فهي منذ البداية لم ترها مناسبة لمستوى العائلة المرموق  

***


وحصل الأمر ذاته مع فتاةٍ فقيرة تعمل موظفة في شركة صديقه ، والتي أخبرته بعد علاقة اسابيع انها لن تطرد اهلها في الشارع لأجله .. واستقالت من وظيفتها بعد تغير رقم جوالها ، واختفت تماماً دون توضيح الأسباب ! 

***


ومضت أسابيع قبل تعرّف أحمد على فتاةٍ ثرية ، فيها كل المواصفات التي يريدها .. وهي الوحيدة التي شجّعته امه على خطبتها .. 


وأمضيا شهورهما الأولى بسعادةٍ غامرة .. لكن مع مرور الأيام بدأ يلاحظ تصرّفاتها المُقلقة ، فهي لديها الكثير من الأصدقاء الذكور على مواقع تواصلها الإجتماعي .. كما إن افكارها متحرّرة أكثر من اللازم .. عدا عن إلحاحها المتواصل لتحقيقه مطالبها في تنظيم عرسهما القريب .. وقد كلّفه تسوّقها للعرس كل مدخراته المستقبلية .. عدا عن كونها عصبية وغيورة جداً .. كل تلك الصفات جعلته يتردّد في إتمام الزواج .. فطلب من امه إخبار اهلها بقرار إنسحابه من العلاقة ، خوفاً من ردّة فعل خطيبته العنيفة والغير متوقعة .


وبالفعل أنهت امه الموضوع ، ليتنفّس أحمد الصعداء بعد سنة من المشاكل المتواصلة مع الفتاة المدلّلة عديمة المسؤولية ..

ووعد امه أنه لن يفكّر بالزواج ثانية بعد فقد ثقته بكل النساء ، وسألها بقلق: 

- أيعقل انني مسحور او محسود يا امي ؟

الأم : تلك الأفعال تقوم بها الفتيات الشعبيّات ، وليس النساء في مجتمعنا الراقي.. فلا تفكّر كثيراً بالموضوع 


فتنهّد بضيق : كل ما اردته هو الزواج وبناء عائلة ، أهذا كثير ؟!

فحضنته بحنان وهي تقول :

- لا تحزن عزيزي ، هنّ الخاسرات .. فأنت عريسٌ رائع ، متعلّم وثريّ ووسيم .. (ثم سكتت قليلاً) .. ومع هذا أوافقك الرأيّ ، لنؤجّل موضوع الزواج قليلاً ، الى أن تصبح مستعداً لذلك.. الآن إذهب الى فلتنا بالساحل للإستمتاع مع اصحابك

فوافق على اقتراحها ..

***


وأمضى سنواته التالية في الحفلات والنزهات والعلاقات العابرة ، بعد سماعه نصيحة امه بإقفال قلبه مؤقتاً .. 


وفي حفلة عيد ميلاده الأربعين الذي أقامه في منزل صديقه ، توجهت أنظاره الى فتاةٍ بريئة من اقارب زوجة صديقه .. 

حيث راقبها طوال الحفلة ، ملاحظاً خجلها وأخلاقها العالية مع المعازيم  


وبعد انتهاء الحفل .. سأله صديقه عن رأيه بالفتاة ، فأجابه أحمد :

- لا أرى مانعاً من أخذ رقم جوالها ، لكن عدني انت وزوجتك أن لا تخبرا أحداً بعلاقتي الجديدة 

صديقه : أمازلت تخاف من السحر والشعوذة ؟

احمد : بل خوفي أن تكون امي تنشر اخباري لصديقاتها والأقارب ، لهذا تتعسّر اموري بسبب الحسد والعين ..

زوجة صديقه : وماذا لو قرّرتما الزواج ، ألن تخبر امك ؟ أنت ابنها الوحيد ، وهذا سيحطّم قلبها

احمد : سأخبرها بعد كتب الكتاب ، وسأقيم حفلاً صغيراً للمقرّبين مني فقط 

صديقه مُطمئناً : لا تقلق ، سرّك في بئر 

***


ومضت شهور الخطبة السرّية بسلامٍ ووئام .. 

وفي يوم اراد أحمد مفاجئة خطيبته بزيارتها في العمل .. فذهب الى دار العجزة التي تعمل فيه ممرّضة .. 

وحين أطلع عاملة الإستقبال على اسمه ، سألته :

- أأتيت لزيارة قريبك ؟ 

احمد بدهشة : قريبي !

- نعم ، هناك عجوز من نفس عائلتك 

- لم أكن اعلم إن أحد اقاربي في دار العجزة ! 

الموظفة : أتريدني أن أوصلك إلى غرفته ، لتتأكّد بنفسك ؟ 

- لا مانع من ذلك ، سأراه لحين انتهاء خطيبتي من عملها 

***


حين دخلا الغرفة ، قالت الممرضة للعجوز : 

- هذا الشاب من نفس عائلتك ، أتى لزيارتك .. سأترككما بمفردكما 


وبعد ذهابها .. تمعّن العجوز في وجهه ، قبل انتباهه على وحمة يد الشاب ، فشهق بدهشة وفرح :

- احمد !

احمد باستغراب : هل تعرفني يا عم ؟!

- لقد كبرت كثيراً يا صغيري

- هل انت أحد أقربائي بالفعل ؟!

- انا جدك يا ولد !! والد ابوك

احمد بصدمة : أخبروني انك توفيت ، حين كنت في الخامسة ! 

العجوز بغضب : أهذا ما أخبرتك به اللعينة التي إستولت على إملاكي واملاك والدك !! 

- لا تشتم امي نوغا ، رجاءً !

- نوغا ! إسمها الحقيقي نجيبة ، من عائلةٍ شعبية قذرة !! وهي ليست امك ، بل زوجة ابيك التي تزوجته بعد وفاة امك مسمومة .. والتي طردتني من قصري ، ورمتني هنا لسنواتٍ طويلة 

ونزل كلامه كالصاعقة عليه !

 

احمد بصدمة : من ماتت مسمومة ؟!

- امك مروى .. الإنسانة الأصيلة الطيبة ، التي أحببتها كإبنتي .. فقبل وفاتها ، زارت والدك بالشركة .. فقدّم الساعي لها القهوة .. لتشعر بعدها بمغصٍ قويّ .. ونقلها والدك الى المستشفى ، لتموت بعد ساعاتٍ قليلة .. كنت ماتزال رضيعاً .. ولم يمضي شهر على وفاتها ، حتى فاجأني ابني بزواجه من سكرتيرته الوسخة


احمد باستغراب : امي عملت سكرتيرة ؟!

العجوز بعصبية : نجيبة هي زوجة ابيك ، الم تستوعب ذلك بعد ؟!!

- واين الساعي الآن ؟

- حُكم عليه بعشر سنوات ، وكان المسكين يصرّ على براءته في جميع جلسات المحاكمة ..الى أن وجدوه مشنوقاً في زنزانته .. ولا ادري إن كان انتحر ، أم قُتل على يد احد السجناء 


احمد بحنق : لا أصدّق كل ما قلته !! أكيد تعاني من الزهايمر ، ولست جدي الحقيقي

- اذاً كنت لا تصدّقني ، فاسأل اماني 

- ومن هي اماني ؟

العجوز : موظفة قديمة بشركة والدك ، طردتها نجيبة فور استلامها الشركة بعد مرض والدك بالسرطان ، رحمة الله عليه 

- وأين أجدها ؟


فكتب العجوز عنوانها على قصاصة ورق ، وهو يقول :

- كنت صديق والدها .. ولا ادري إن كانت ماتزال تعيش هناك ، أم تزوجت وانتقلت لمنزلٍ آخر


فسحب أحمد الورقة منه بعصبية ، وهو يقول :

- سأثبت لك إنك ظلمت امي باتهاماتك الباطلة

العجوز : نجيبة ليست امك ، بل هي ..

أحمد مقاطعاً بعصبية : سأبحث عن الحقيقة بنفسي ، وإن كان كلامك صحيحاً سأعيدك الى قصر ابنك بعد التأكّد من اوراقك الرسميّة .. لكن إن كان غرضك هو تشويش أفكاري لنيّةٍ مُضمرة لديك ، سيكون لي تصرفاً آخر معك


وخرج غاضباً من غرفته ومن بوّابة دار العجزة ، دون التحدّث مع خطيبته التي كانت تبحث عنه في غرف المرضى .. 

وقاد سيارته مسرعاً الى عنوان اماني ، لإراحة قلبه المُنصدم مما سمعه !

***


بعد وصوله الى شقة اماني ، وجدها تعيش وحدها هناك بعد وفاة والديها ، وهي من جيل امه ولم تتزوج مطلقاً ..

وحين سألها عن نجيبة ، صدمته بقولها :

- أمازالت تلك العقربة حيّة ؟

احمد بعصبية : رجاءً لا تتحدّثي عن امي بهذه الطريقة !!

- كل ما قاله جدك صحيحاً ، هي زوجة والدك الثانية .. وأشكّ أن تكون هي من وضعت السمّ في قهوة امك ، للحصول على الشركة

احمد بغضب : امي ليست قاتلة !! 

- امك مروى كانت اروع انسانة قابلتها بحياتي .. أنت تشببها كثيراً .. دعني أريك صورتها


وأخرجت ألبوم الصور من درج خزانتها في الصالة ، وبحثت فيه قليلاً .. قبل أن تعطيه صورة وهي تشير لسيدة وتقول :

- هذه امك في حفلة نهاية السنة ، حين جمع والدك جميع الموظفين في قصره .. أنظر اليها جيداً ، أنت ورثت عينيها البرّاقتين وابتسامتها الرقيقة.. وكان والدك يعشقها بجنون ، وانهار كثيراً بعد موتها المفاجىء

أحمد بتهكّم : قلت انه تزوّج سكرتيرته بعد شهر من وفاتها ، فعن أيّ حبٍ تتكلمين ؟


اماني : لا تستهين بدهاء ومكر نجيبة ، فهي الشيطان بحد ذاته .. فهي لازمت والدك طوال محنته ، وأغدقت عليه من حنانها الكاذب.. وما أن وقع بشباكها ، حتى أصابها الغرور ، وبدأت تعامل الموظفين بتكبّرٍ ولؤم .. وبعد مرض والدك واستلامها الشركة ، طردت جميع الموظفين القدامى .. وانا منهم ، لإخفاء ماضيها القذر .. فكلنا عرفنا طمعها للوصول الى ثروة والدك ومكانته الإجتماعية .. فهي من عائلةٍ فقيرةٍ مُعدمة ، قاطعت جميع اقاربها فور زواجها .. والمثل يقول : ((من لا خير بأهله ، لا خير بالناس)) 


أحمد : إن كانت شيطانة كما تصفينها ، فلما ربّتني كأني ابنها الحقيقيّ ؟

- لأنها عقيمة .. ولوّ إنها أنجبت لرمتك بدار الأيتام ، كما رمت جدك بدار العجزة.. وإن كنت لا تصدّقني إسأل المحامي ، كان صديق والدك وكاتم اسراره ، وهو ضمن من طردتهم نجيبة من الشركة 

- أتعرفين عنوان منزله ؟

اماني : أعرف عنوان مكتبه ، سأعطيك اياه

وخرج من عندها مذهولاً من كلامها !

*** 


ولم يختلف كلام المحامي عن كلام اماني وجدّه العجوز ، حتى انه وافق على شكوكهما بأنها قتلت امه مروى لتحلّ مكانها .. 

أحمد : أكل هذا لتحصل على شركة والدي ؟!

المحامي باستغراب : أفهم من كلامك إنك لم تستلم إدارة الشركة بعد ؟!

- وكيف أفعل وأمي.. أقصد زوجة ابي مازالت حيّة ؟

- إنتظرني هنا ، سأذهب للأرشيف لإحضار ملفاً مهماً 


بعد قليل ..عاد المحامي ومعه ملف فيه وصية والده ، وضعه امامه وهو يقول :

- اقرأ المكتوب هنا

فقرأ : ((الشركة تنتقل لإبني أحمد فور زواجه)) 

أحمد بصدمة : زواجي !

- نعم ، والدك ايضاً لم يثقّ بنجيبة .. لكنه اضّطر لتسليمها الشركة بعد اشتداد مرضه ، ولكونك طفلاً صغيراً .. لهذا اراد إعادة الشركة إليك بعد زواجك 


وهنا تذكّر احمد إنتقادات نجيبة على خطيباته السابقات ، وتحفيزه على تركهنّ .. فأدرك نيتها بجعله يكره النساء ، كيّ لا تخسر إدارة الشركة بزواجه !


فقال للمحامي :

- أتسمح لي بالملف

المحامي : خذه ، لديّ نسخة عنه

وخرج احمد من مكتبه ، وهو يحاول كبت غضبه

***


في الأيام التالية .. إجتمع احمد مع خطيباته السابقات ، وأصرّ على معرفة السبب الحقيقي لتركهنّ له .. وبعد ترددٍ شديد ، أخبرنه الحقيقة


فالمطلّقة علمت بعد انفصالها عنه : بأن امه وعدت طليقها بمبلغٍ مغري في حال هدّدها بأخذ طفلها بعد الزواج منه ! 


اما الفتاة الفقيرة ، فقد دفعت امه مبلغاً لصاحب المنزل كيّ يطردهم بالشارع في حال تزوجته ، لهذا تركته بعد ضغط اهلها عليها


وقالت فتاة الإيدز أنها حاولت الإتصال به كثيراً بعد الإنفصال .. فأخبرها انه غيّر رقم جواله لصدمته الكبيرة بها .. 

فأرته الكثير من الفحوصات الطبيبة وهي تقول :

- كاد ابي واخوتي أن يقتلوني بسبب ذلك التقرير الطبّي اللعين ، لكني استطعت اقناعهم بإعادة الفحوصات في مستشفى آخر .. إقرأ بنفسك : كنت عذراء بالفعل ، ولست مصابة بالإيدز ولا أيّ مرضٍ آخر ..

أحمد بصدمة : يا الهي ! الم تعاقبوا موظف المختبر على خطئه الشنيع ؟

- إعتذر من اهلي بعد خلطه اوراقي مع مريضة ثانية ..(ثم مسحت دموعها)..كنت حبي الأول ، وبعد خسارتك لم أعد أرغب بالزواج ثانيةً 

- آسف حقاً ، لم اكن أعرف !


الفتاة : أتدري يا احمد ، هناك شيءٌ يقلق راحتي

أحمد باهتمام : ماهو ؟

- اختي الصغيرة أخبرتني إنها رأت امرأة تشبه حماتي ، وهي تعطي رزمة من المال لموظف المختبر .. لكني لم أصدّق أن تكون امك متورّطة بالتقرير الخاطىء ، ما رأيك انت ؟


فاكتفى بالإعتذار لها لانهائه خطوبتهما بطريقةٍ سيئة ، وخرج من مكتب عملها وهو يكتم غيظه 


اما دلال (الفتاة المشوّهة) وبعد فشل محاولاتها بالإنتحار .. أرته فيديو حصلت عليه من شرطة المرور ، بعد أن صوّرت كاميرا الطريق إمرأة مقنّعة تنتظرها قرب العمارة ، والتي رمت الأسيد على وجهها قبل هربها بالسيارة ، دون إكتراثها لخطيبته التي كانت تتلوّى على الأرض بألمٍ شديد 


ولم تستطع الشرطة القبض على الفاعل ، لظهور رقمين فقط من السيارة البيضاء .. لكن أحمد عرف على الفور أنها سيارة امه ، خاصة إن حقيبة اليد التي أخرجت منها المرأة المقنّعة الماء الحارق ، هي حقيبة نجيبة المفضّلة ! 

لكنه لم يخبر الفتاة بذلك ، لأنه لا يريد التورّط مع الشرطة

 

وخرج من بيتها منصدماً بأن السيدة التي عاش معها أربعين سنة قادرة على ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء دون تأنيب ضمير !


ولشكّه بميول امه الإجرامية ، عيّن محققاً لمعرفة من السائق الذي صدم ديانا (حبيبته الأولى) وتركها مقتولة في الشارع العام ! 

  

فأخبره المحقّق بعد اسبوع : عن قبض الشرطة لذلك المجرم بتهمةٍ أخرى  


فذهب أحمد للسجن .. وفي غرفة للزيارات الخاصة ، إلتقى بالمجرم الذي أراه صورة ديانا من جواله ، وهو يسأله:

- أكان حادثاً ، ام جريمةٌ مدبّرة ؟  

- آه تذكّرتها ، كسبت من تلك العملية الكثير من المال

أحمد بصدمة : أتقصد أن أحدهم دفع لك لتقتلها ؟ 

- نعم ، امرأة ثريّة


فبحث احمد بيديه المرتجفتين عن صورة نجيبة بجواله ، ثم اراها له:

- أتقصد هذه ؟

المجرم باستغراب : نعم هي ، كيف عرفتها ؟!


لكن احمد لم يجيبه ، بل اسرع بالخروج وهو يحاول مسك دموعه ، بعد علمه أن امه أبعدت حبيباته بالقوة والعنف ، لغرض إحتفاظها بشركة والده 

وبعد خروجه من السجن ، قاد سيارته باكياً دون وجهةٍ محدّدة ..

***


وبعد ساعات من قيادته المتواصلة ، إضطّر للتوجه إلى أقرب محطّة قبل نفاذ البنزين .. 

وهناك تفاجأ برؤية حبيبته الأخيرة التي حاولت التملّص منه .. 

لكنه اسرع بإيقافها وهو يسألها :

- لديّ سؤال واحد .. هل نجيبة طلبت منك أن تسيئي التصرّف كيّ أكرهك ؟

فأجابته بتردّد : اشترت لي هذه السيارة الفاخرة ، مقابل أن أجعلك تكره جميع النساء .. انا آسفة حقاً


فعاد الى سيارته وهو يفكّر جدّياً بالإنتقام من زوجة ابيه ، بعد تأكّد شكوكه إنها قاتلة امه الحقيقية مروى

***


في عطلة نهاية الإسبوع .. أقنع امه نجيبة بالذهاب الى فلتهم بالجبل 

وفي السيارة سألته :

- لما أصرّيت الذهاب بهذا الوقت المتأخر ؟ هكذا نصل الى الجبل بحلول المساء 

أحمد : أحب مشاهدة الشروق معك ، غداً صباحاً 

- كما تشاء عزيزي

ووصلا هناك منهكين ، وناما على الفور

***


في الصباح الباكر .. أحضر لها كوباً من القهوة ، فقالت له :

- ليتك سمحت لي بإحضار الخادمة ، بدل إعدادك القهوة بنفسك

احمد : أردّت البقاء وحدنا قليلاً 

- ابني حبيبي

ومسّدت شعره بحنان ، بينما يحاول كتم غيظه وغضبه


بعد شربها القهوة ، شعرت بإمغاصٍ قوية :

- احمد ! ساعدني .. لا اشعر انني بخير

أحمد بلؤم : هذا طبيعي ، فالقهوة مسمومة

امه بصدمة : ماذا !

- وضعت سماً بقهوتك ، كما فعلتي بأمي مروى 

فقالت بتلعثم : أحمد ! انا ..

فقاطعها بعصبية : قتلتي امي ، ونسبت الجريمة للساعي المسكين الذي أشك إنك دفعتي لأحد المساجين لإسكاته نهائياً ، اليس كذلك ؟ 

- لا ، لم أفعل ! 


فأكمل غاضباً : وقتلتي ديانا !! ورميت الأسيد بوجه دلال ، أجمل فتاة في الدنيا .. وهدّدتي المطلقة بإبنها .. والفتاة الفقيرة برمي اهلها بالشارع ..وزوّرت الفحوصات الطبّية لتقضي على شرف فتاةٍ بريئة.. واتفقت مع الغيورة لتكرّهني بالنساء ..أظننت انني لن أكتشف جرائمك ، يا زوجة ابي اللعينة !!

نجيبة وهي ترتجف بخوف : فعلت ذلك لأجلك ، فليس هناك فتاة تستحقك

- كفى كذباً !!


ورمى وصية والده امامها : 

- فعلت ذلك خوفاً من استلامي إدارة الشركة.. دمّرتني وأذيتي اشخاصاً ابرياء ، لطمعك الماديّ .. لهذا سأدعك تموتين وحدك ، بعد تحطيمي جوالك مساءً ، وقطعي لأسلاك الهاتف الأرضيّ .. كما أخذت جميع مفاتيحك من حقيبتك اثناء نومك .. فلا تحاولي الصراخ ، لأن لا احد من الجيران في المصيف بهذا الوقت من السنة


نجيبة باكية : احمد ! رجاءً لا تتركني.. أنا نوغا امك

- بل نجيبة الماكرة .. أعدك أن أعود غداً لدفنك بالحديقة ، وسأخبر الأقارب والموظفين إنك هاجرت للخارج .. ولا اظنهم سيكترثون لرحيلك ، لسوء تصرّفك معهم.. اما انا ، فسأتزوج قريباً لأحققّ أمنيه ابي ، ومن بعدها استلم الشركة

فسألته بقلق : ومن ستتزوج ؟!

فصرخ غاضباً : ليس من شأنك !! 

ثم وقف وهو يقول بلؤم : 

-أنصحك بتلاوة ما تعرفينه من القرآن ، قبل خروج روحك الظالمة

 

فظلّت تترجاه أن ينقذها ، وهي تُذكّره بأنها امه التي ربّته .. لكنه تابع خروجه من المنزل الذي أقفل بابه الخارجي بالمفتاح .. 


ثم ركب سيارته مبتعداً عن الفيلا الجبلية ، تاركاً زوجة ابيه في الصالة وهي تصارع الموت .. إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة !  


الاثنين، 23 أغسطس 2021

المغامر

تأليف : امل شانوحة 

 

الأماكن المهجورة


تفاجأ الشاب أيمن بانضمام آلاف المتابعين الى قناته التي افتتحها حديثاً ، بعد تصويره منزلاً مهجوراً .. فسمّى قناته ب(المغامر) ، ووعدهم باكتشاف الأماكن المخيفة في مدينته والمدن المجاورة .. 

وبدورهم اشترطوا عليه : أن يكون وحده ، وأن يزورها مساءً ، وأن يختار أشهر وأخطر الأماكن المسكونة بالجن والعفاريت

***


بعد شهور من تصويره المنازل والمدارس والمستشفيات المهجورة ، إزداد عدد المشاهدين بشكلٍ ملحوظ ، خاصة على الفيديوهات التي تضمّنت ظواهراً غريبة ومخيفة ، ومنها :


تصويره لساحرٍ بوجهٍ مدهون بالصباغ الأسود ، كان جالساً تحت سقفٍ مُهدّم ، بعباءته السوداء كريهة الرائحة ، داخل منزلٍ مهجور ! 

وحين اقترب منه ، سأله بصوتٍ أجشّ : أتريد الزواج من أميرة جنّية ؟

فأجابه أيمن بثقةٍ وإيمان : لا يا عم ، لا أفكّر حتى الزواج من إنسيّة 


فأشار العجوز بأصبعه اليه ، لينطفأ جواله ! ويرفع أيمن صوته المرتجف بتلاوة المعوّذات .. 

وحين أعاد نور جواله ، إختفى الساحر من الغرفة ! 

فهرّول أيمن مبتعداً ، بعد توثيقه الحدث لمتابعيه


وخلال مغامراته الكثيرة ، إلتقى بعددٍ من الساحرات في عدّة خرائب قذرة ..معظمهن جلسن في دائرة مضاءة بالشموع ، او وسط نجمة داود وهن يتلوون التعاويذ السحرية ، واللآتي إضّطربن فور رؤية أيمن ! منهن من رمته بالحجارة ، لمقاطعته جلسة تحضيرها الجن .. اما الأخريات فأخذن يتلوّين على الأرض بألم ، بعد قراءته الأيات القرآنية بصوتٍ عالي.. 

ولاحقاً إستطاعت الشرطة القبض على بعضهن ، بعد ظهور وجوههن بوضوح في فيديوهات المغامر


أمّا أغرب ما صوّره أيمن : فكان لرجلٍ آسيويّ يعيش مُشرّداً في مكانٍ مهجور ..ورغم عدم إتقانه العربية ، الا أن أيمن فهم من إشاراته المرتبكة : أنه فرّ من كفيله الذي عمل سائقاً لديه ، والذي مازال يملك جواز سفره دون إعطائه رواتبه السابقة .. لهذا لم يستطع العودة الى بلاده ، فاختار هذا المكان المخيف ليكون منزله  

وحين سأله أيمن عن مكان نومه (لعدم رؤيته فراشاً في أيّةِ غرفة) أشار  السائق الى حوض الإستحمام داخل حمّامٍ مظلمٍ ومهدّم .. فنصحه أيمن :

- لا يجب النوم هنا ، وإلاّ ستتلبّسك الجن والعفاريت

وجاءت ردّة فعل السائق مخيفة ، حيث اكتفى بابتسامةٍ عريضة ! أرعبت كيان أيمن الذي فرّ هارباً من هناك .. 


وللصدفة الغريبة شاهد أحدهم ذلك الفيديو الذي ارسله لقريبه الذي بحث لشهور عن سائقه الهارب ، والذي بدوره اتصل بالشرطة للقبض عليه .. ليلاحظوا تصرّفاته مريبه : كهدوئه الشديد لحظة توقيفه ، وامتناعه عن تناول الطعام في السجن .. وبعد وصول كفيله ، وافق على الفور للعودة الى عمله ! 


وبعد ايام .. إنتشر خبر مقتل نساء الكفيل واطفاله ذبحاً ، وإيجاد الشرطة لجثة الكفيل محروقة في حديقة المنزل .. دون أثرٍ للسائق الذي فرّ ثانية الى وجهةٍ مجهولة !


فحمد أيمن ربه الذي نجّاه من ذلك المجرم المجنون ، مع شكّه أن يكون من ارتكب الجريمة هم الجن الذين تلبّسوا جسد السائق الأحمق 


وبسبب هذه الحادثة ، ضغطت عائلة أيمن عليه لإغلاق قناته .. فوعدهم بذلك فور عودته من السفر ، دون إخبارهم أنه في طريقه الى القرية المجاورة ، بعد قراءته تعليقاً على إحدى فيديوهاته : عن وجود صالة رياضية مهجورة ، يصدر منها اصوات نحيب نساء كل ليلة .. وتمّ إغلاقها بعد غرق اكثر من شخص في مسبحها ، دون سببٍ مقنع ! والناجي الوحيد : أكّد على وجود شبحٍ حاول سحبه لأسفل البركة.. وبسبب اقواله ، إنتشرت إشاعة أن النادي مسكونٌ بالجن ! فقرّر المشتركون هجره ، مما أدّى لإغلاقه نهائياً .


وشعر أيمن بالحماس الشديد لاكتشافه .. ولأنه وعد امه بعدم دخول الأماكن المهجورة ثانيةً ، وجد فكرةً ذكية : وهي شراء لعبة دبّابة إلكترونية (بحجم كلب الحراسة) بإمكان سلسلتها الحديدية تخطّي الأحجار والنفايات وصعود الأدراج ، عن طريق التحكّم بها لمسافاتٍ بعيدة بواسطة اللاسلكيّ


ولأنه مهندسٌ ميكانيكيّ أضاف لها بعض القطع الضرورية لمهمّته الإستثنائية : كإنارةٍ قوية ، ومسجّل للرقية الشرعية ، ومكبّر الصوت ، وكاميرا مزوّدة بالأشعة تحت الحمراء (للرؤية الليلية ، وتحليل الكفاءة الحرارية) وقاذفة لهب يمكن إطلاقها من مدفع الدبابة ، يستخدمها فقط في الحالة القصوى ... 

***


بحلول المساء .. إنتظر أيمن خارج النادي ، مُستمعاً بذهولٍ وقلق الى صراخ ونحيب النسوة بالداخل الذي تزايد كلما تأخر الوقت ! 


وبعد تمريره الدبابة الصغيرة اسفل السياج الحديديّ ، عاد الى سيارته لتحّكم بها لاسلكيّاً..الى أن تمكّن من إدخالها الى الصالة المهجورة  

وأخذ يصوّر من خلالها الغرف الرياضية الفارغة ، إلاّ من بعض الأدوات الرخيصة المهملة في زوايا الصالات .. وقد لاحظ إختفاء الصراخ فور بدئه التصوير ، حيث بدى المكان هادئاً بشكلٍ مريب !

 

فضغط زرّ آخر بجهاز التحكّم ، لرفع صوت القرآن من داخل اللعبة .. ومعها علا صراخ النساء من جديد ، رغم عدم وجودهن في أيّ مكان ! مع إنغلاق الأبواب والنوافذ المحطّمة وحدها ، بقوةٍ وغضبٍ شديد ! 


مما جعله يُضيء الرؤية الليلية ، ليشاهد لأول مرة هيئة الجن المرعبة التي ظهرت له بأشكالٍ مختلفة : منها ما كان يزحف كثعبانٍ بيدين قصيرتين .. ومنها ما طار كالخفاش ، بوجه أشبه بإنسي عجوز .. ومنها ما قفز كحيوان الكنغر.. حتى البركة الضحلة في قعر المسبح المهمل ، رأى من خلال الأشعة تحت الحمراء كائناً يسبح فيها ، لديه جسم انسان وذيل سمكة .. 


ورغم إرتعاب أيمن مما رآه ، الا انه كان سعيداً لأمرين : اولاً لسماعه نصيحة امه بعدم دخوله الى مكان يعجّ بالكائنات المخيفة التي كانت ستؤذيه حتماً .. وثانياً : لأن هذا الفيديو سيفجّر اللايكات ويشهره حول العالم ، وربما يصبح ثرياً بسببه.

 

لهذا تابع التصوير من خلال الدبابة الصغيرة التي وصلت أخيراً الى صالةٍ ضخمة متواجدة في وسط النادي تحوي مداخل كل الغرف الرياضية ..

وحين رفع الكاميرا للأعلى ، شاهد شيئاً كاد يوقف قلبه ! عنكبوتاً ضخماً بأرجله الثمانية تصل من الأرض الى السقف ! وهو ينسجّ شباكه بفمه المِشعرّ ، وعيونه المخيفة الحمراء .. 


فحاول أيمن إبعاد لعبته عن شباكه المنتشرة في كل مكان ، لينتبه على إهتزاز الشبكة في الأعلى ، مترافقة مع بكاء طفل ! 

فزاد قوة الإضاءة ، ليشاهد طفلة بشريّة مقيّده بشباك العنكبوت في السقف! 


ورغم رعب الموقف ، الا انه قرّر إنقاذ الطفلة التي يبدو إن السحرة باعوها للجن بطريقةٍ ما .. 

ولم يكن امامه سوى إشعال قاذفة اللهب (من مدفع الدبابة) باتجاه الشباك ، التي سرعان ما اشتعلت وصولاً للسقف .. مما جعل العنكبوت الضخم يفرّ فزعاً قبل احتراقه ..


ونجحت خطته بجعل الشباك تنقطع حول الطفلة ، لتدلّى رويداً رويداً باتجاه الأرض .. وحين وقفت مرتجفة بجانب اللعبة المضيئة ، تكلّم أيمن معها من الميكرفون :

- لا تخافي .. انا إنسي مثلك ، وانتظرك في الخارج .. إلحقي الدبابة التي ستنير طريقك للهروب من هذا الجحيم 


فركضت الفتاة خلف اللعبة ، مبتعدان عن الجن الذين هربوا بكافة الإتجاهات خوفاً من النار التي اشتعلت في ارجاء النادي المهجور  


وانتظر أيمن الفتاة خارج سياج النادي .. وفور رؤيته الدبابة تخرج من البوّابة ، ركض اليها لأخذها بيده ، وحمل الطفلة بيده الأخرى .. والإسراع الى سيارته التي قادها مبتعداً عن المكان المخيف 


ورغم شروق الشمس ، إلاّ أن الجن ظلّت تلاحق سيارته ! خاصة العنكبوت الكبير الذي انطلق بسرعةٍ مهولة ، حتى علت أقدامه السيارة ! محاولاً إدخال ذراعه من النافذة المفتوحة لخطف الفتاة .. 

فأسرع أيمن بإغلاق النافذة التي قطعت طرف ذراع العنكبوت ، التي ظلّت تنتفض في المقاعد الخلفية قبل اختفائها !

 

والغريب إن الباعة والناس في الطريق لم يشاهدوا معاناة أيمن ، بل أكملوا طريقهم كأنه يومٌ عادي ! 

وبعد ابتعاده مسافة عن النادي الذي بدأت تخرج منه ألهبة النار والدخان ، إختفى الجن اخيراً .. 


فقال أيمن للفتاة بابتسامةٍ حنونة :

- لا تبكي رجاءً .. أعرف انك عشت اياماً مخيفة هناك ، ولا ادري كم بقيت محتجزة في عالمهم .. لكن لا تخافي .. سآخذك الى الشرطة ليتصلوا بأهلك الذين حتماً بحثوا عنك في كل مكان .. وأريدك أن تثقي بي .. إسمي أيمن ، وأنت ؟ 

لكنها لم تجبه ، بل اكتفت بمسح دموعها .. 


فعاد وسألها : هل انت جائعة ؟

فأشارت برأسها إيجاباً..

أيمن : حسناً سأشتري لك شطيرة جبن وبعض الحلوى ، ثم نذهب للشرطة 


فاكتفت بإدارة رأسها نحو النافذة ، كيّ لا ينتبه على عينيها اللتين تحوّلتا لعيون قطط ! 

وتابع أيمن القيادة ، دون علمه أنه برفقة أميرة الجن ، التي قالت بنفسها بحنق :

((سأنتقم منك لرفضك الزواج مني ، ايها الإنسي المغرور))

وابتسمت بخبث !


الأربعاء، 18 أغسطس 2021

مفتاح الكنز

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

صاحبة الدم الفاتح


في الصباح الباكر .. وأثناء توجّه المعلمة سلمى الى مدرستها ، رأت صبياً (ثماني سنوات) يقف على شرفة الطابق الأول في المبنى المجاور ، قبل نزوله على قسطل عمارته باتجاه الشارع .. والركض بأسرع ما يمكنه ، داخل زقاقٍ ضيّق .. 

بعد قليل خرجت امه الى الشرفة ، وهي تبحث عنه بقلقٍ واضح ! 


فنادتها سلمى من الأسفل ، وهي تشير للزقاق : 

- رأيته يذهب بهذا الإتجاه 

فقالت الأم بضيق : سيقتلني هذا الولد ، صبّرني يارب !!


فأكملت سلمى طريقها دون التفكير بالأمر ، فهي معلمة ابتدائي ومتعوّدة على مشاغبة الأولاد بهذا العمر 

***


في اليوم التالي .. حصل الشيء نفسه ، فقرّرت سلمى اللحاق به ..لكنها لم تجده في أيّ مكان ! 

فأكملت طريقها الى المدرسة

***


في اليوم الثالث .. إستطاعت سلمى الإمساك به داخل الزقاق ، لترى في عينيه خوفٍ شديد ! خاصة بعد وصول امه التي ضربته بقسوة ، وسحبته من يده وهو منهار بالبكاء 


فأوقفتها سلمى : عفواً اريد سؤالك عن سبب هروبه المتكرّر ؟ فأنا معلمة ، وبإمكاني المساعدة

فأجابتها الأم : هو يرفض تناول الإفطار قبل ذهابه للمدرسة


فنظرت سلمى اليه .. لتجده يحرّك رأسه يميناً ويساراً ، كأنه ينفي ما قالته!

لكنها لم تستطع الإستفسار منه ، بعد أن أعادته امه بالقوة الى شقتها

***


في اليوم الرابع .. إلتقت سلمى بالولد على رصيف الشارع ، بعد هروبه من الحارة الشعبية .. وقبل قطعه الطريق ، أوقفته :

- أهربت مجدداً من امك ؟!

- هي ليست امي ، ارجوك ساعديني

وكان يرتجف خوفاً ! 


وحين سمعت صراخ امه وهي تبحث عنه ، أسرعت بإدخاله الى سيارة اجرة والإبتعاد عن المكان ، لفهم ما يحصل معه  

***


في السيارة .. أخبرها الصغير إن المرأة خطفته بعد إغرائه بشراء الحلوى ، لتقوم بتخديره وأخذه الى منزلها


وجاء كلامه صادماً لسلمى وسائق الأجرة الذي سأله عن عنوان منزله ؟

فأجابه الصبي : أذكر انه يوجد تحت عمارتنا ، محل لحوم 

السائق : ما اسم المحل ؟

الولد : مشاوي احمد واولاده

فسألت سلمى السائق : أتعرف ذلك المحل يا عم ؟

السائق : سأسأل اصدقائي عنه


واتصل بعدة سائقيّ الأجرة ، الى أن عرف العنوان .. وأخذهما الى هناك ..وفور وصولهم للمنطقة ، هللّ الولد فرحاً :

- نعم !! هذا شارعنا 

سلمى : امتأكد ؟

الولد وهو يشير لمبنى بعيد : 

- نعيش في ذاك المبنى ذوّ النوافذ الخضراء 


فشكرت سلمى السائق ، ونزلت مع الولد الى هناك ..

- هيا إصعد الى منزلك ، ماذا تنتظر ؟

- أخاف أن تغضب امي بعد غيابي اسبوعاً عن المنزل.. ارجوك إصعدي معي لتشهدي عمّا حصل 


فوافقت سلمى على اقتراحه .. 

وحين وصلا الشقة ، أخرج الولد المفتاح من جيبه .. فسألته باستغراب :

- أمعك المفتاح ؟!

- مازلت أحتفظ به .. رجاءً أدخلي بهدوء ، فأمي عادةً تكون نائمة بهذا الوقت المبكّر


وما أن دخلت الصالة ، حتى شهقت بعد رؤيتها صورة معلّقة على الجدار:

- هذه صورة ابي !

الولد : وابي ايضاً

- ماذا تقصد ؟!


وهنا دخلت امه وهي تقول : كيف حالك يا سلمى ؟

فارتجفت المعلمة فور رؤيتها زوجة ابيها التي قالت وهي تمسح رأس ابنها: 

- أخيراً إلتقى الأخوان 

سلمى : لم أكن أعرف إن لديّ أخ !

زوجة ابيها : إمك سامحها الله أصرّت على الطلاق ، بعد زواجي من والدك .. وأخذتك بعيداً عن المنطقة ، قبل إنجاب ابني .. كنتِ حينها في العاشرة على ما أذكر 


فنظرت سلمى بعتاب الى الولد :

- أكنت تعرف انني اختك منذ البداية ؟ ..وهل اختلقت قصة إختطافك لتحضرني الى هنا ؟  


وقبل أن تسمع جوابه ، سقطت مغشياً عليها بعد قيام زوجة ابيها بتخديرها بقماشة مبلولة ، أطبقتها على فمها بقوة من الخلف !

***


إستيقظت سلمى مساءً في مكانٍ مظلم ، وهي مقيّدة اليدين والقدمين بالسلاسل المثبّتة في جدارٍ متآكل بالرطوبة والعفن ! 


فظلّت تصرخ بعلوّ صوتها ، طلباً للنجدة .. إلى أن نزلت زوجة ابيها الأدراج ومعها القنديل ، وهي تقول :  

- اخيراً استيقظتِ ، لم أظن المخدّر سيجعلك تنامين النهار كلّه

سلمى : اين انا ؟

- في منزلٍ مهجور بجانب المقبرة

سلمى بخوف : أيّةِ مقبرة ؟ ماذا تنوين فعله بي ؟!


ففكّرت المرأة قليلاً ، قبل أن تقول : 

- حسناً ..طالما ستختفين بعد قليل ، فلا مانع من إخبارك الحقيقة

سلمى بقلق : أختفي !

- إسمعيني دون مقاطعة !!


وجلست فوق سجادة بجانب سلمى ، وهي تقول : 

- بعد انتقالي الى عمارتكم ، عزمتني امك على حفلة ولادتك ..  وحين وضعتك في حضني ، إنتبهت على الخط الذي يقسم كفّ يدك بالتساوي ، ولسانك المشقوق طوليّاً ، وبريق عينيك الذي فيهما حولٌ بسيط ..وكلها صفات الزوهريين ، وهم اطفال نادرون جداً ..ولأن دمائكم فاتحة اللون ، فهي ترضي حرّاس كنوز الأرض من الجن والعفاريت


 

سلمى : هل انت المرأة المقنّعة التي حاولت خطفي في صغري ؟ 

- حاولت ذلك عدة مرات ، قبل انتقالكما من العمارة .. 

- ألهذا منعتني امي من الخروج وحدي واللعب مع الأطفال في الشارع ، وأحضرت لي المعلمات كيّ لا اذهب للمدرسة ؟! 

- بصراحة لا ألومها على حرصها عليك ، فأنت كنز بالنسبة لنا

سلمى : من تقصدين ؟

- السحرة 

- هل أنت ساحرة ؟ 


زوجة ابيها بفخر : ومحترفة ايضاً ، لكني أعمل في السرّ خوفاً من الشرطة وحنق المسحورين .. المهم دعيني إكمل ..حين فشلت بخطفك ، أغريت والدك بكل الطرق للزواج مني ، على أمل أن يجمعني مع امك في بيتٍ واحد كيّ أخطفك .. لكن امك أفشلت خطتي برحيلها عن المنطقة .. فحاولت إقناع والدك بالمطالبة قانونياً بحضانتك ، لكنه أصرّ على الإنجاب مني .. وبعد ولادة ابني ، تخلّصت من ذلك المُغرم السخيف 

سلمى بصدمة : أقتلت ابي ؟!


المشعوذة : بالأصح أحرقته في محفلٍ شيطانيّ ، بحضور اصدقائي السحرة .. وأوهمت اقاربك والجيران بأنه طلّقني وهاجر للخارج دون الإكتراث لطفله

سلمى بغضب : اللعنة عليك !!

- لم يكن يهمّني والدك على الإطلاق ، بل انت عزيزتي .. والآن اريدك أن تصمتي لحين انتهائي من إستحضار الجني الذي اتفقت معه مسبقاً على وهبك له 

سلمى بخوف : وماذا سيفعل بي الجني ، يا حقيرة ؟

- ربما يقتلك او يأكلك او يتزوجك او يستعبدك .. انت ملكه ، وهو حرٌّ بك .. والآن إستمتعي بالعرض السحريّ


وبدأت تتلو تعويذاتٍ شيطانية بلغةٍ غير مفهومة ، وهي تنفخ على النار التي بجانبها ، ليخرج منها زوبعة سوداء تحرّكت في ارجاء الغرفة .. قبل أن يتبدّد الضباب ، ويظهر الجني بقرونه الحادّة وحوافر الماعز ، الذي اقترب من سلمى ليتفحّصها بعينيه المخيفتين .. قبل أن يقول للمشعوذة :

- أحسنت !! هي زوهرية بالفعل 


فقالت زوجة ابيها : لقد قمت بواجبي وأحضرتها لك ، وعليك تنفيذ وعدك لي

الجني : لكنك تأخرت عليّ سنواتٍ طويلة

- هي أتعبتني كثيراً .. ولم أستطع إيجاد عنوانها الجديد ، الا بعد موت امها وانتقالها الى منزل خالتها


وهنا سمعت سلمى صوت خالتها وهي تنزل اليهم ، قائلةً للمشعوذة:

- ألم تعديني أن أشاهدك وأن تستحضرين الجني ؟ 

سلمى بصدمة : خالتي !

الخالة : آسفة سلمى ..انت تعرفين ضيق الأحوال المادية التي أمرّ بها في الآونة الأخيرة .. وامك رحمها الله أخبرتني بشكوكها حول زوجة ابيك ، وعن محاولات خطفك وانت صغيرة لأنك زوهرية .. فقمت بالإتصال بها وإعطائها العنوان 


المشعوذة : وانا بدوري ارسلت ابني (الى صديقتي التي استاجرت امام منزلك) لتمثيل هروبه المتكرّر كيّ يجذب انتباهك ، ويحضرك إليّ 

- وانا نجحت بالمهمّة ، كما وعدتك 

قالها اخوها بعد انضمامه للجلسة ، فعاتبته امه :

- ألحقت بي للمقبرة كعادتك ، ايها المشاغب ؟

الولد : لأنك وعدتني أن اشاهد الجني .. أهذا هو ؟ 

وأشار الى الجني الذي قال له :

- نعم انا .. وسأكافئك عن إتمام دورك بمهارةٍ وخبث

وأعطاه عملة نقدية ..

الولد بفرح : أنظري امي !! انها ذهب 

فقالت المشعوذة للجني : المهم أن لا تنسى نصيبي من العملية


فأعطاها الجني كيساً من الخيش مليئاً بالعملات الذهبية ، وهو يقول:

- هذه لك ، ولخالة سلمى

الخالة : لي نصف المبلغ ، كما اتفقنا

المشعوذة : أعرف هذا ، سنتقاسمها بعد رحيلهما


بهذه الأثناء .. قام الجني بفكّ قيود سلمى ، وإمساك يدها بقوة وهو يقول : 

- تعالي معي

سلمى بخوفٍ شديد : الى اين ؟

المشعوذة : إذهبي مع عريسك يا سلمى ، ولا تعانديه 

فصرخت سلمى باكية : لا اريد !! خالتي ارجوك ساعديني

الخالة : آسفة سلمى ، الموضوع خرج من يدي

فنادت أخاها :

- انا اختك الوحيدة ، ارجوك ساعدني

الولد : آسف ، لكن أمي وعدتني بتعليمي الشعوذة إن نجحت بخطفك 


فضحك الجني : ستكون مشعوذاً عظيماً ايها الماكر ، وأتطلّع للعمل معك في المستقبل القريب

الولد بحماس : وأنا أعدك بخطف الكثير من الزوهريين ، في مقابل جبالٍ من الذهب 

الجني : جبال ! أنت طمّاعٌ كأمك ، وهي ميزة كل المشعوذين


ثم شدّ الجني يد سلمى ، وهو يقول بحزم : 

- وانت !! هيا بنا ، فقد تأخرنا عليهم

سلمى برعب : على من ؟ 

-  ستعلمين لاحقاً


ثم سحبها الى باطن الارض ، تاركاً أقاربها الثلاثة منشغلين بعدّ العملات الذهبية دون اكتراثهم لمصير سلمى المجهول في عالم الجن المرعب ! 

السبت، 14 أغسطس 2021

يخلق من الشبه أربعين

تأليف : امل شانوحة 

 

الشخصية المتطوّرة


إستيقظت رؤى وهي تشعر بدوارٍ شديد ، داخل غرفةٍ مظلمة ! فأضاءت جوالها على عجل .. لتضيء معها جوالات أخرى على التوالي ، مُظهرةً وجوه فتيات متواجدات معها في الصالة الكبيرة ..

وحين وجّهت نور جوالها عليهن ، لاحظت الشبه بينهن ! كأنها تنظر في مرآة تعكس نسخاً عديدة منها ! 

وبدورهنّ إرتبعنّ من تشابههن المريب 


وفي خُضمّ الفوضى التي اعترتهنّ ، توجهنّ جميعاً نحو الباب الرئيسيّ الذي وجدنه مُغلقاً بإحكام من الخارج !


وبعد طرقٍ شديد عليه ، اضيئت أنوار الصالة وحدها ! 

لينتبهن على تشابه أذواقهن في اختيار الملابس المريحة بألوانها الناعمة ، وعدم وضعهنّ مساحيق التجميل على وجوههن !

لكن لم يكترثن لذلك لانشغالهن بفتح الباب او كسره ، للهرب من هذا الحجز المخيف ..


ومرّت ساعتان من البحث المتواصل بكل ركنٍ وزاوية في ارجاء الصالة البيضاء الخالية من النوافذ ، ليفشل الجميع بإيجاد مخرجٍ آخر للهرب من هذا المأزق .. 

وبعد شعورهن باليأس ، عدن الى وسط الصالة للجلوس ومناقشة ما حصل 


وتكلّمت رؤى اولاً :

- سأعرفكن عن نفسي ، إسمي رؤى .. كنت ذاهبة الى منزل صديقتي ، حين شعرت بدوار اثناء عبوري إحدى الزقاق ، واختلّ توازني .. من بعدها استيقظت هنا ، دون تذكّر شيئاً آخر .. ماذا عنكن ؟


فنظرن لبعضهن بدهشة ، قبل أن يقلنّ بصوتٍ واحد :

- انا ايضاً اسمي رؤى !! 


فقالت رؤى الأربعينية : هل تمزحن معي ؟! يعني نتشابه بالشكل والذوق والإسم ، ونختلف فقط بالأعمار .. لحظة ! كم عددنا ؟ 


وأخذت تعدّهن ، قبل أن تقول : 

- أنتن 39 فتاة .. يعني تريدون أن تقنعوني إن المثل القديم الذي يقول ((يخلق من الشبه اربعين)) صحيحاً ؟ .. حتى لوّ كان صحيح ، أيعقل أن جميع شبيهاتي تسكنّ نفس المدينة ، وفي العصر ذاته .. اليس المفترض أن نكون منتشرين حول العالم ، ونولد في قرونٍ متباعدة ؟


فاكتفت الشبيهات بالنظر لبعضهن باستغراب ، دون النطق بحرفٍ واحد .. فأكملت رؤى كلامها :

- حسناً أخبروني ..ماذا فعلتنّ قبل وجودكن هنا ؟


فأجابت كل واحدة منهن إجابةً مختلفة : 

فإحداهن كانت تدرس لإمتحانات الجامعة ، قبل الغفو على سريرها .. لتستيقظ هنا 

والثانية كانت تقرأ قصة على الشرفة 

والثالثة تلعب بجوالها في الحديقة العامة 

والرابعة تكلّم خطيبها على الإنترنت 

اما الآخريات فلا تذكرنّ ما حصل ، قبل تواجدهن في هذا المكان الغامض!


واثناء حديثهنّ ، إنفتح باب خزانة صغيرة داخل الجدار ! 

فأسرعن نحوها ، ليجدن 40 طاسة بها حساء ساخن .. ولشدة جوعهن شربنها مباشرةً ، دون استخدام الملاعق


ثم أُقفلت باب الخزانة ، كأن هناك من يتحكّم بأبوابها عن بُعد ! 

فنادت رؤى بعلوّ صوتها :

- يامن أرسلت إلينا الطعام !! هل تراقبنا بكاميرا خفيّة لمعرفة ردّة فعلنا بعد جمعك لنساءٍ متشابهات ؟ 


وحين لم تسمع جواباً ، قالت بعصبية :

- أتحاول تطبيق أحد افلام الرعب التي شاهدتها بالسينما ؟ ..أظنك تنوي لاحقاً إنقاص طعامنا لكيّ نتشاجر ، اليس كذلك ؟ أم ستضع حبوب هلوسة في شرابنا لنتقاتل كالمجانين ؟ ..ما النظرية التي تريد إثباتها ايها المريض المعتوه ؟!!


وإذّ ببابٍ جانبيّ في آخر الصالة يُفتح على مصراعيه ، ليجدن بداخله مهجعاً طويلاً فيه 40 سريراً .. ثم بدأت الإضاءة تخفّ تدريجياً في زوايا الصالة ! كأنه يدعوهنّ للنوم بعد تأخر الوقت !


فاتفقن بصوتٍ منخفض على السهر ، خوفاً أن يؤذيهم ذلك المهووس (الذي خطفهم لهذه التجربة) اثناء نومهن ..


لكن بعد ساعاتٍ طويلة من الدردشة ، إعتراهن النعاس .. وبدأت الواحدة تلوّ الأخرى تدخل المهجع ، لتنام على سريرها التي اختارته بنفسها ..


وقبيل الفجر ، نمن جميعاً .. فيما عدا رؤى التي ظلّت تفكّر بالأحاديث التي سمعتها من الفتيات التي تشابهت ظروف حياتهن معها ، بشكلٍ كبيرٍ وصادم ! 

فجميعهن عانين من قساوة والدهم وعدم شعورهن بالأمان في صغرهن ، كما عشن في الغربة مع ضيق الأحوال المادية لسنواتٍ طويلة.. كما لديهن مواهب متعدّدة كالنحت والخيال الواسع ، وسماع الأغاني الطربية القديمة التي تحبها.. كما جميعهن لم يتوظفنّ بعد تخرجهن الجامعيّ ، للإهتمام بالعائلة .. وكأنهن يعشن الحياة ذاتها ، رغم اختلاف اسلوب تفكيرهن بحلّ الصعاب التي مرّرنا بها جميعاً!

***


إنتهى اليوم الأول في الحجز ، دون أيجاد وسيلة للهرب او معرفة نوايا الخاطف 


واستيقظن صباحاً .. ليجدن خزانة الجدار مفتوحة ، وبداخلها فطوراً ساخناً يكفي الجميع .. فتناولن طعامهن بصمتٍ وهدوء .. 


بهذه الأثناء .. لاحظت رؤى هوس إحداهن بالنظافة ، حيث قامت بمسح الكرسي وجانبها من الطاولة وملعقتها والشوكة بالمناديل المطهرة التي أخرجتها من حقيبتها ، قبل تناولها الطعام ! 


فقالت رؤى لها :

- ذكّرتني بنفسي ، كنت مثلك مهووسة بالنظافة ! 

- ومالذي تغيّر ؟

- أصبتُ بطفحٍ جلدي ، لكثرة إستخدامي المطهرات 

- لكن النظافة لا تسبّب الأمراض !

رؤى : هذا ما ظننته ايضاً ، لكن يبدو إن المطهرات ومساحيق التنظيف تُضعف مقاومة ومناعة الجلد ، فيصبح فريسة سهلة للجراثيم والفطريات.. أنصحك باستخدام التعقيم بتوازنٍ وحكمة  


لكن رؤى المراهقة لم تهتم بكلامها ، وظلّت حريصة على مسح كل شيء .. فتركتها بحالها ..


وبعد الطعام .. إنشغلن بالحديث عن حياتهن ، فلا شيء يفعلونه في مكانٍ لا إنترنت فيه ! 

حيث أعربت إحداهن عن قلقها من كلام الأقارب والجيران ، في حال تأخرت كثيراً بالعودة الى منزلها .. فقالت لها رؤى :

- انت ايضاً تذكّريني بنفسي ، فقديماً إنشغلت بكلام الناس ورأيهم عني .. لكن بعد تجاوزي الأربعين ، أصبح همّي الوحيد هو إسعاد المقرّبين مني 

- لكنّا محاطون بالناس ، وآرائهم تهمّنا

رؤى : طالما لا تقومين بشيءٍ يغضب الله ووالديك ، فلما الإهتمام برأيّ الآخرين الذين سيتحدثون عنك بالسوء في جميع الأحوال .. وانت رؤى 4 ، ماذا عنك ؟


فقالت الفتاة بسخرية : وهل رقّمتنا ايضاً ؟

- نعم ، انا رؤى الأولى لأنني أكبركنّ سناً 

- وماذا تريدين أن تعرفي ؟

رؤى الأولى : أخبرتنا البارحة إنك كنت تحادثين خطيبك بالإنترنت ، قبل تواجدك هنا .. فهل كنتما على وفاق ؟

- للأسف لا ، كنّا نتشاجر دائماً 

- ولماذا ؟

- كلانا عنيدٌ جداً ، ونريد إقناع الآخر برأينا وعاداتنا وتقاليدنا

رؤى : كنت كذلك ايضاً ، لكني تغيرت بعد فراقي عن حبيبي لأكثر من سنة

- ومالذي تغيّر ؟


رؤى بحزن : فهمت اننا غير متشابهين ، بل نُكمّل بعضنا .. يعني ما ينقصني أجده فيه ، والعكس صحيح .. لهذا طبيعي أن نكون مختلفين بالأفكار .. فأنا أميل لتحكيم عواطفي بالأمور ، بينما تفكيره عقلاني بحت .. ولوّ كلانا فهم هذا الإختلاف ، لحاولنا الإلتقاء في منتصف الطريق ، بدل الإنسحاب من العلاقة وغلق صفحتي القديمة وفي قلبي الكثير من الجروح والآلام 

- لا اريد أن يحصل هذا مع خطيبي ! 

رؤى : اذاً لا تفعلي مثلي .. إفهميه برفق أن يُخفّف سيطرته عليك .. وانتِ تعلّمي  تقبّل ارائه المختلفة لمّا تعوّدتِ عليه طوال حياتك

- وكيف عرفتي إن حبيبي مُتسلّط التفكير ؟! 

- توقعت بما اننا متشابهات بالشكل ، أن نكون وقعنا في شباك الحب ذاتها.. وماذا عنك رؤى 6 ؟

- أتقصديني انا ؟


رؤى : نعم 

- أظن مشكلتي هو تفكيري الدائم بالماضي

- ألم تسامحي والدك بعد ؟

- أجد صعوبة في ذلك 

رؤى : هل زرتي قبره ؟

- لا اظنني استطيع


رؤى : كنت مثلك قبل شهر ، لهذا أنصحك بالذهاب والتكلّم امام قبره عن افعاله القاسية التي ضايقتك وجرحت شعورك .. فضّفضي له عن مشاعرك ومخاوفك وهمومك وآلامك ، ومن بعدها سامحيه.. أتدرين لماذا ..لأنك لن تنجحي في حياتك ، وانت تفكّرين بماضيك الأليم .. تماماً كالطفل الذي يصرّ على النظر للخلف اثناء سيره مع والدته ، مما يجعله يتعثّر باستمرار .. كما إخبري والدك انك ستحتفظين دائماً بنصائحه الجيدة ، اما ذكرياته السيئة ، ستدفنينها معه في القبر ..وأعدك انك ستشعرين فوراً بالراحة ، بعد إزالة تلك الأحمال الثقيلة عن ظهرك 

- سأحاول ، شكراً على النصيحة


رؤى : وماذا عنك رؤى 40 ؟

- ولما رقّمتني بالعدد الأخير ؟ 

- لأنك آخر من رأيته هنا .. أخبريني قليلاً عن احلامك ومستقبلك ؟

- لا أظنني سأتوفّق بشيء ، طالما لم أفكّ سحري بعد

رؤى بدهشة : يا الهي ! كنت أفكّر مثلك في الماضي

- وهل كنت مسحورة ايضاً ؟


رؤى : التعسير الذي واجهته في حياتي المهنية والعاطفية ، والكوابيس المستمرة ، وضيق النفس والعصبية الزائدة والكثير من الأمور المريبة ، جعلتني أشكّ بذلك .. لكني أؤمن الآن أن لا احد يستطيع إيقاف ما قدّره الله لي .. فالرزق يلاحقنا كما الموت ، ولا يمكن للوسائل الشيطانية أن تمنعه من الوصول الينا.. وحين اقتنعت بذلك ، تحسّنت نظرتي للحياة .. أنصحك بتجربتها ايضاً

- ليتني أصبح متفائلة مثلك

رؤى : كنت متشائمة لفترةٍ طويلة من حياتي .. لكني أعيش اليوم ، كأنه آخر يومٍ في حياتي

- اليس هذا تشاؤماً ؟


رؤى : لا ، لأني احاول الإستمتاع بالمتاح امامي .. اما الغدّ ، فأترك تدبيره لربّ العالمين .. صدّقيني ، التفكير بالماضي والمستقبل متعبٌ للغاية .. إستغلّي اللحظة التي تملكينها ، واتقني عملك دون التفكير بتفاصيل ما سيحصل في المستقبل

- سأحاول ، وإن كان الأمر ليس سهلاً بالنسبة لي


ثم مضت ساعات وهن يتحدثن عن حياتهن .. وكلما مرّ الوقت ، لاحظت رؤى الأولى التشابه الكبير بين الفتيات اليافعات وتفكيرها في الماضي ، واللآتي تتشاركنّ معها العقد النفسيّة التي تخلّت عنها بصعوبة ! 

لهذا حاولت نصحهنّ قدر المستطاع ، بما أنها أكثرهنّ خبرة بالحياة 


وبعد تناولهنّ العشاء .. نامت الفتيات وهن يتأملن أن يفكّ الله أسرهنّ ، ليعدنّ قريباً الى بيوتهن  

*** 


في اليوم التالي ..إستيقظت رؤى الأولى وحدها في غرفة النوم ! 

فذهبت للصالة ، لتجدها فارغة .. 

فأسرعت للباب الرئيسيّ الذي مازال مقفلاً من الخارج 

فصرخت بعصبية :

- أأخرجت الجميع ، ما عدايّ ؟ ..ولما لم توقظني إحداهن للهرب معهن ؟ .. الآن اريد إجابة واضحة لما تنوي فعله بي ، ايها المراقب الملعون ؟!!


وهنا سمعت صوتاً رجوليّ يقول لها :

- رؤى .. اولئك الفتيات لم يكنّ شبيهاتك 

- اذاً من تكنّ ؟

الصوت : نسخك القديمة ، واختفين بعد تحقيقك الهدف 

- عن أيّ هدفٍ تقصد ؟ لا أفهم شيئاً ! 

- الم تلاحظي فرق السن بينكن ؟ 

- بلى 

- اولئك انت ، حين كنت في اعمارهنّ .. لهذا تركتك تناقشين معهن عقدك النفسيّة التي عانيت منها في الماضي ، واستطعت علاجها مع تقدّمك في السن .. الم تسامحي والدك قبل فترةٍ وجيزة؟  


رؤى : بلى !

- وتفهّمت عقلية حبيبك بعد سنة من الفراق ؟

- نعم !

- وتخلّيت أخيراً عن توهّمك بأنك مسحورة ؟

- أكيد

- وتوازنت بموضوع وسّوسة النظافة والإهتمام بآراء الآخرين ، والأمور الأخرى التي أعاقت حياتك ؟

رؤى : حاولت قدر المستطاع


الصوت : وهذا سبب تواجدك هنا .. فالقدر لم يخلقنا لنتنافس مع آخرين ، بل لنتفوّق على نسخنا القديمة المهترئة .. فالهدف من وجودنا : هو تطوير شخصيتنا لأفضل نسخة منا .. وهذا ما أصبحتي عليه الآن .. لهذا تخرّجت بنجاح من مدرسة الحياة ، وصار بإمكانك تحقيق المستقبل الذي تمنّيته.. هيا إفتحي الباب بقوةٍ وثقة ، لتري ما أعنيه  


وهذه المرة إستطاعت رؤى فتح الباب الضخم بسهولةٍ ويُسر ! لتجد امامها سلماً طويلاً بدرجاته المضاءة التي تصلها الى السماء


فقال الصوت :

- هآ انت وصلتِ أخيراً لسلّم النجاح .. اريدك أن تصعدي اليه ، دون النظر خلفك .. ونصحيتي الأخيرة : كلما حققّت نجاحاً ، أن تساعدي كل من حولك مادياً او معنوياً ، او حتى إبداء النصائح عن تجاربك في الحياة ..وأن تتناسي تماماً الإحباط والتشاؤم وعقد الماضي ، لأنك اليوم تحرّرت منها جميعاً .. 


وهنا علت الموسيقى الروحانيّة ، ليقول الصوت :

- ماذا تنتظرين يا رؤى ، إنطلقي !! 


وما أن وضعت قدمها على الدرجة الأولى ، حتى اشتعل الحماس بداخلها .. لتجد نفسها تركض بأسرع ما يمكنها الى فوق ، وكلها ثقة بالله أنه سيكافئها عن جهودها السابقة التي بذلتها لتحقيق حلمها الذي طال انتظاره ، والتي ستصل اليه بعزيمتها وجهدها المتواصل ، على أمل أن تصبح يوماً قدوة يُحتذى بها في المستقبل القريب الواعد !

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...