الجمعة، 31 يوليو 2020

مشفى كورونا المهجور

تأليف : امل شانوحة


 علاجٌ غامضٌ وفعّال !

دخل السكرتير مكتب وزير الصحة لإخباره بآخر المستجدّات : 
- سيدي .. اعداد مرضى الكورونا في ازدياد , ولا أسرّة فارغة في المستشفيات .. فمالعمل ؟
الوزير : انقلوا المرضى من كبار السن الى مستشفى الرحمة
- أتقصد مستشفى الرحمة المهجور ؟!
- نعم , لا حل آخر امامنا .. فهو مجهّز بالكامل
- لكنه مسكون بالجن !
- مجرّد إشاعات
- وماذا عن حادثة الدخان الأصفر الغامضة التي قتلت طبيبن و3 ممرضين ؟ .. حتى المرضى الذين أخرجناهم من هناك قبل عشر سنوات أجمعوا على رؤية ظواهر غير طبيعية تحصل كل مساء .. وقال الشيخ ان المشفى بُنيّ فوق قرية من الجن المتشيطن..

الوزير مقاطعاً : كفّ عن هذا الهراء , وابدأوا بنقل المرضى الى هناك .. واحرص ان يكونوا من الطبقة الفقيرة ..
- لن يقبل اهاليهم ..
فقاطعه بحزم : لن يعرف احد بمكان وجودهم .. فالشرطة فرضت حظر تجوّل , وضريبةٌ مالية لمن يخالف الحجر الصحي .. وأساساً لن يجرأ احد على زيارة مريض بالكورونا
السكرتير : كما تشاء سيدي , انت أدرى بمصلحتنا .. سأبلّغ ادارة المستشفيات بقرارك هذا
***

خلال اسبوعٍ واحد .. نُقل مئات المصابين من الطبقة الكادحة الى المستشفى المهجور , دون اعطاء إذنٍ بالزيارة لعائلاتهم الذين لم يعرفوا بموضوع النقل السرّي .. 

كما أُحضر فريقٌ طبي من المدينة المجاورة للعمل في المستشفى دون علمهم بأنه مسكون , واحتجزوا بداخله لحين انتهاء موعد الحجر الصحي او شفاء جميع مرضاهم !
***

بعد اسبوعين , وفي آخر الليل ... أيقظ الممرض مدير المسؤول قائلاً :
- بروفيسور !! .. لقد انشفى العم احمد !
- الم يكن يحتضر هذا الصباح ؟
- نعم , وهو الآن بكامل صحته .. فحصه الطبيب المداوم , وصوّر رئته التي بدت سليمة تماماً .. أنظر للأشعة  

فوضع المدير الأشعة على الشاشة الطبية .. وبعد التمعّن فيها , قال باستغراب :
- كأنها رئة شاب رياضيّ .. امتأكد انها صورة للعم احمد ؟ فهو في الثمانين من عمره !
الممرض : نعم , وهي الصورة الثانية لرئتيه .. والآن يرفض وضع جهاز التنفس , ويصرّ على الخروج من هنا
- لا احد سيخرج دون إذن وزارة الصحة , حتى طاقمنا الطبي 
- اعرف هذا , لكن لما نبقيه بعد شفائه ؟
- ليظلّ يومين آخرين , كي لا تنتكس حالته ويعدي عائلته واصدقائه
- كما تشاء بروفيسور 
***

لكن ما حصل الأيام التالية صدم الجميع .. فشفاء المرضى الميؤوس منهم في تزايدٍ مستمر , بعكس المستشفيات الحديثة التي يموت فيها العشرات بل المئات كل يوم ! 
والأغرب انهم لم يشفوا فقط من الكورونا بل من امراضهم المزمنة , وكأنهم جدّدوا شبابهم ! 

ومع ذلك فضّل المدير كتم هذه المعلومات المهمة عن وزارة الصحة ليعرف اسباب شفائهم اولاً ..
***

وفي اثناء مراقبته الدوريّة على الغرف .. لاحظ المدير أن معظم النوافذ مفتوحة رغم الجوّ البارد .. كما أُزيلت بعض الأمصال عن أذرع المرضى 

وحين التقى بمسنّ في الردهة , سأله :
- من سمح لك بالتجوّل وحدك هنا ؟
- الممرضة أخبرتني انني شفيت , وعليّ تمرين قدمايّ قبل خروجي من هنا
المدير : أيّ ممرضة ؟ 
- ذات الشعر الأسود المسدول
البروفيسور : حسناً يا عم ..عدّ الى سريرك , وسأرسل ممرضة اخرى تُوصلك بجهاز التنفس
- لا حاجة له , فأنا اتنفس جيداً منذ ان حقنني الطبيب الأصهب بالحقنة الزرقاء 
فتمّتم المدير باستغراب : طبيبٌ أصهب , وحقنةٌ زرقاء ! .. (ثم تنهد بضيق).. عدّ الى غرفتك رجاءً , وسأرسل من يفحصك بعد قليل
***

وعقد المدير إجتماعٍ عاجل للفريق الطبي الذي لم يكن من بينهم ممرضة شعرها طويل ولا طبيب أصهب .. 

وأنكر الأطباء الأربعة حقنهم لأيّ مريض بحقنةٍ زرقاء التي أجمع المرضى المعافين انها السبب في شفائهم ! 
كما أنكرت الممرضات الثمانية فتحهنّ لنوافذ الغرف , او إزالة أمصال المرضى دون إذن الطبيب المعالج !
***

بعد انتهاء الإجتماع .. ذهب البروفيسور الى غرفة المراقبة لمشاهدة الفيديوهات التي صوّرتها الكاميرات بالأيام السابقة , ليكتشف شيئاً أدهشه: 
حيث شاهد ممرضة شديدة البياض بشعرٍ اسودٍ طويل مسدول لآخر ظهرها , تتجوّل بين الغرف في توقيتٍ متأخرٍ من الليل .. واحياناً اخرى تكون برفقة طبيبٍ أصهب اثناء حقنه المرضى بالدواء الأزرق المجهول !

المخيف في الأمر : ان كلاهما لم يظهرا بكاميرات الممرّات بعد خروجهما من الغرف , وحركتهما غير طبيعية كأنهما يطفوان ! 
ورغم شكّ المدير أنهما ليسا بشريين , الا انه أخفى الفيديوهات عن الجميع كي لا ينشر الرعب في المستشفى ..

وعاد الى مكتبه للإتصال بوزير الصحة للإستفسار عن الظواهر الغامضة التي تحصل في مشفاه , فاعترف الأخير بالإشاعات حول المشفى المهجور  

ورغم غضب المدير من عدم إخبار الوزارة عن تلك الحوادث القديمة المرعبة ! الا انه بدروه لم يطلع الوزير عن وجود علاجٍ سريع وفعّال للكورونا , رغبةً منه بالحصول على الشهرة العالمية وحده 
*** 

في الأيام التالية .. نقل المدير مكتبه الى غرفة الكاميرات بغرض مراقبة الغرف بنفسه , على أمل ان يقبض على الطبيب المجهول الذي ظهر فجأة في غرفة مريضٍ بإحدى الليالي , فأسرع المدير الى هناك ..
***

وحين دخل البروفيسور الى غرفة المريض النائم , وجد الدواء الأزرق يسري داخل مصله .. 
ففصله بسرعة عن ذراع المريض , كيّ يعرف التركيبة السرّية للعلاج الغامض ..
وهنا سمع صوتاً خلفه يقول :
- أعد العلاج للمريض

فالتفت المدير خلفه بخوف , ليرى إنعكاس الطبيب الأصهب مع ممرضته المجهولة على الزجاج المعتم للغرفة ..
فاستجمع قواه , واقترب من الزجاج قائلاً :
- أعرف انكما من الجن .. واريد ان تظهرا لي لمناقشة علاج الكورونا..

فقال له الطبيب الأصهب :
- ان كنت تريد معرفة تركيبة الدواء فدعني أتجسّد جسمك , لنركّبه سوياً في المختبر
فرفع المدير المصل (الذي ازاله من المريض) باتجاه الزجاج المعتم قائلاً :
- لا داعي لذلك , فعلاجك أصبح معي .. ومن خلال اجهزتنا المتطورة يمكنني إكتشاف تركيبته المميزة 
فردّ الطبيب الجني بغضب : ليس بعد الآن !!

فأحسّ المدير بحرارة تحرق يده , جعلته يُوقع المصل ..لينسكب الدواء الأزرق على الأرض الذي سرعان ما اختفى , كأنه تبخر بالهواء !

وهنا قالت الممرضة ذات الشعر الطويل :
- أنصحك ان لا تعاند طبيبنا العبقري , ودعه يحتلّ جسدك لتعليمك طريقة تحضير الدواء السحري .. فمهمتنا علاج جميع مرضاك لخروجهم السريع من مشفانا
المدير باستغراب : مشفاكم !
الطبيب الأصهب : نعم .. هذا مشفى خاص بالجن , فهو بُنيّ فوق بوّابة قريتنا التي تحت الأرض , والمنفذ الوحيد لعالمكم .. لهذا نقوم بعلاجهم بأمرٍ من رئيسنا , كيّ تخرجوا منها بأسرع وقتٍ ممكن .. 

ففكّر المدير قليلاً , قبل ان يقول :
- حسناً .. سأسبقك الى المختبر , وأجهّز الحاسوب والمحاليل .. لكن بشرط : بعد تعليمي تركيبة الدواء , تخرج فوراً من جسدي
الممرضة الجنية : اساساً تجسّدنا أجسام البشر يُرهقنا كثيراً , ولا نستطيع البقاء داخلكم اكثر من نصف ساعة 
المدير : اذاً اتفقنا
***  

ورغم قلق المدير من تلبّس الجن فيه , الا انه كان متحمّساً لمعرفة علاج كورونا الذي سيجلب له الشهرة التي لطالما حلم بها 
*** 

وفي المختبر , صنعا سوياً العقار الشافي .. ومن بعدها خرج الطبيب الأصهب من جسم المدير قائلاً : 
- هآقد علّمتك الطريقة , فاسرع بعلاج مرضاك لخروجهم من هنا 
المدير : سيحصل ذلك قريباً , لا تقلق 
*** 

في الأسبوعين التاليين .. قضى البروفيسور جلّ وقته في المختبر لتحضير عشرات العقارات الشافية , دون إخبار فريقه الطبي عن الإنجاز الضخم , رغبةً في الحصول على التكريم العلمي وحده 

فظهر له الطبيب الأصهب ثانيةً لاستعجاله بعلاج المرضى , لكن المدير لم يكترث لتهديداته .. مما أغضب الممرضة الجنية التي وافقت لاحقاً على إعطاء احد المسنين جوالاً للتكلّم مع ابنه (والتي سرقته من الطبيب المداوم البشري) .. كما أخبرته بعنوان المشفى الذي اعطاه لإبنه الذي جنّ جنونه بعد معرفته بأنهم نقلوا والده لمستشفى مسكون ..

وسرعان ما انتشر الخبر بين الأهالي .. ووصل غضبهم واحتجاجاتهم للأعلام ووسائل التواصل الإجتماعي الذين لاموا الوزارة على تميزها العنصري بين المرضى الفقراء والأغنياء 

وتجمّعت الأهالي خلف ابواب المشفى المهجور مطالبين برؤية ذويهم , لكن الحرس رفضوا ادخالهم الى هناك 

واتصل وزير الصحة بالمدير للومه على توفير الإتصالات للمرضى من داخل الحجر , ليتفاجأ بطلب البروفيسور بعقد مؤتمرٍ صحفي بعد اكتشافه علاجاً فعّالاً للكورونا الذي عجز عنه اطباء العالم !
*** 

وبالفعل تجمّعت الصحافة الوطنية والعالمية حول البروفيسور الذي عرض عقاره الأزرق بفخرٍ امامهم , مع صور أشعة رئة مرضاه المسنين قبل وبعد تناولهم علاجه المجهول الذي رفض الإفصاح عن تركيبته قبل حصوله على براءة إختراع وشهادة تقدير عالمية ..

لكن منظمة الصحة العالمية رفضت الإعتراف باختراعه قبل تجريب العقار على إحدى مرضاه الميؤوس منه ..
***

وفي اليوم المحدّد .. نقلت الأخبار العالمية الحدث مباشرةً من داخل المشفى , حيث وقف البروفيسور ومعه الحقنة الزرقاء امام شابٍ يحتضر بعد انتشار فيروس كورونا داخل رئتيه .. 

وانتظر الجميع لحظة إعطائه الدواء , ليتفاجؤا بحشرجةٍ مرعبة للمريض الذي سعل بشكلٍ متواصلٍ وعنيف ..أدّى بالنهاية لانفجار رئتيه وتلوّث الغرفة بدمائه التي تقيّأها بألمٍ شديد , الى ان لفظ انفاسه الأخيرة !
وكان المدير أشدهم فزعاً , حيث تسمّر امام الصحفين دون فهمه ما حصل!

فأسرع جراحٌ اجنبي بسحب العقار الأزرق من يده ..ووضع بضعة قطراتٍ منه تحت المجهر , ليظهر أنها مادة تُشبه الأسيد مزّقت رئتا الشاب المسكين الذي مات امام أعين الأطباء والصحفين ..

وعلى الفور !! قُبض على البروفيسور بتهمة القتل الذي قضت على مستقبله المهني للأبد
***

في مكانٍ آخر , اسفل المشفى المهجور .. كان الطبيب الأصهب وممرضته ذات الشعر الأسود المسدول في حضرة ابليس الذي سأل الطبيب باهتمام :
- لما بدّلت الحقنة في اللحظة الأخيرة ؟
- لأن المدير أغاظني حين تكلّم بغرور عن اكتشافه الدواء وحده , رغم انني أمضيت شهوراً في دراسة المرض حتى اكتشفت العلاج 
- وهل ظننته سيخبر العالم عن مساعده الجني ؟
- لا ادري .. لكن غروره وانانيته استفزتني كثيراً , فانتقمت منه

ابليس : المهم الآن .. هل انجزت المهمة ؟
- نعم , فحين تجسّدت جسم اللعين اثناء قيامنا بالأبحاث الطبيبة إكتشفت الخارطة الجينية (DNA) للإنسان ..
- وماذا نستفيد منها ؟
الطبيب الأصهب : يمكننها استحداث أمراض خبيثة تدمّر جهازهم المناعي لأجسادهم الهشّة
- ممتاز !! اذاً إبحث عن طبيبٍ بشريّ لديه نزعةً اجرامية لعملكما معاً على تطوير جرثومة أقوى من كورونا , تكون نتائجها كارثية كالطاعون والكوليرا والجدري والإنفلونزا الإسبانية .. فتطوّر الطب باستمرار حرمني من متعة إفنائهم بالملايين , كما حصل في العصور القديمة .. 

الطبيب الجني : اعدك باكتشاف جرثومة معدية تفني نصف العالم على أقل تقدير .. لكن ماذا عن مرضى مستشفى الرحمة ؟
ابليس : سأطلب من جنودي إغراقهم بالمياه , وصعق الفريق الطبي بالكهرباء .. هكذا لن يجرأ احد على إحتلال مشفى الجن ثانيةً 
الطبيب ساخراً : مستشفى الرحمة ! حقاً أسمٌ على مسمّى 
وضحكا بخبثٍ ومكر

الأربعاء، 29 يوليو 2020

إعلان


حريق في معمل الجيّة الحراري 





حريقٌ في شركة الكهرباء بلبنان , اعاد الوضع اسوأ من ذي قبل 

والإنقطاع المتواصل للكهرباء جعل الكتابة امرٌ صعب

سأحاول النشر بأقرب وقتٍ ممكن , واعتذر مسبقاً على التأخير

السبت، 25 يوليو 2020

الإهمال الوظيفيّ

تأليف : امل شانوحة


 
التلاعب بالكهرباء

في تلك الليلة .. نظرت سعاد الى ساعتها , قائلةً لصديقتها :
- عليّ الذهاب , فبعد دقائق تُقطع الكهرباء ..ولا اريد النزول على الدرج من الطابق السابع
- كما تشائين , سلّمي على اهلك

وفور نزول المصعد اول طابقين , إنقطعت الكهرباء فجأة ! فأضاءت سعاد جوالها , قائلةً باستغراب :
- بقيّ 5 دقائق , لما قطعوها باكراً على غير عادتهم !

وصارت تطرق باب المصعد بفزع , لأن لديها رهاب الأماكن الضيقة والمظلمة , وتعاني ايضاً من الربو ...

فسمعتها صديقتها , ونزلت اليها لتهدأتها من خارج المصعد .. وأخبرتها أن عليها الإنتظار قليلاً لحين عودة البوّاب من السوق ..

لكن سعاد ظلّت تصرخ بعد إحساسها بضيق النفس , الى ان أغميّ عليها !
***

في مبنى آخر .. واثناء نزول العريس مع امه على الدرج بعد إتمام الخطوبة .. تعثّرت والدته فور انقطاع الكهرباء , مُتدحرجة لأسفل السلّم !

وفتحت العروس وعائلتها باب منزلهم بعد سماعهم صراخها .. 
وبعد تشغيل البوّاب موتير البناية , علموا أنها كسرت قدمها ..

فنظر العريس لعروسته , قائلاً بغضب :
- يالك من شؤم !!
فعاتبه والدها : وما دخل ابنتي بانقطاع الكهرباء ؟
فأجابه : امي كسرت قدمها , وهذه علامة من الله انها زيجةٌ غير مباركة 
فردّ الأب غاضباً : ونحن ايضاً لا نتشرّف بكم !! 

ولم يكن لدى العريس وقتاً للجدال , فعليه إيصال امه للمستشفى .. فقال على عجل :
- انا أفسخ خطوبتي بإبنتك المنحوسة !! 
لتعود العروس باكية لمنزل اهلها , بعد سماع الجيران قرار العريس المُتشائم !
***  

في مكانٍ آخر بالمدينة .. كانت سيدة تُجري عملية إجهاض بعيادةٍ نسائية .. فحاولت الطبيبة الإسراع قبل موعد إنقطاع الكهرباء المعتاد , الا ان قطع التيار قبل موعده بخمس دقائق أعتم العيادة في لحظةٍ حسّاسة للغاية , حيث جرح مشرطها رحم المرأة التي صرخت بألم , بعد تعرّضها لنزيفٍ حادّ .. 

فأسرعت الممرّضة بإدارة الموتير الإحتياطي , لترى الطبيبة خطأها الكارثيّ الذي قد يطردها من مهنتها بعد تسبّبها بعقمٍ دائم للمرأة المسكينة
***

في عيادةٍ أخرى .. كان طبيب الأسنان حريصاً على وصل جميع ادواته بموتير الكهرباء الذي يُضاء تلقائياً فور إنقطاع الكهرباء .. لكن نور الكرسي لم يكن من ضمنها .. لهذا أدّى الإنقطاع المفاجىء للكهرباء الى إنحراف يده اثناء تبيّضه اسنان المريض , مما تسبّب بإتلاف العصب الرئيسي لسن العقل الموصل بالدماغ (او العصب ثلاثي التوأم) .. 

ورغم إوجاع الرجل الشديدة , الا ان الطبيب حاول تهدأته بأن الألم سيختفي خلال ساعات , رغم علمه بالضررّ الذي أصابه .. فهو سيعاني من صداعٍ مزمن لا علاج له ! 

وبعد ذهاب المريض الذي أعطاه مسكناً مضاعفاً , أسرع الطبيب بالحجز على اول طائرة للهرب الى الخارج , قبل رفع الرجل شكوى تفقده شهادته الطبية ..
***

في مكانٍ آخر .. أدّى الإنقطاع المفاجىء للكهرباء لإطفاء مدرّج الطائرات الشراعية قبل ثوانيٍ من هبوط شابٍ خلال تدريبه الأول على الطيران , والذي أربكه عتمة المدرّج ! فقام برفع العجلات محاولاً التحليق من جديد , لكن ذلك تسبّب في تحطّم طائرته الصغيرة , مودياً بحياته
***

في وسط المدينة .. كانت ناديا في طريقها الى منزل امها , لكنها علقت في زحمة السير الغير معهودة .. لتعلم لاحقاً ان إنقطاع الكهرباء قبل موعده بخمس دقائق أطفأ اشارات المرور قبل توقيت تشغيل الموتيرات , مما تسبّب بحادثٍ مروّع عند التقاطع .. حيث اصطدمت شاحنة وقود بثلاث سيارات صغيرة , قتلت جميع ركّابها .. 
ليس هذا فحسب ! بل تسرّب وقودها للشارع مُسبّبةً حريقاً ضخماً , أُغلق معها التقاطع الدائريّ ..

وبعد سماع ناديا لملحق الأخبار من مذياع سيارتها , علمت إن الزحام لن ينتهي قبل وصول الإطفاء وسيارات الإسعاف .. لهذا توجهت لطريقٍ فرعي للعودة الى بيتها , بعد ان أخبرت أمها بإلغاء خطتها بالمبيت عندها في العطلة الأسبوعية ..


ودخلت بيتها منهكة .. واثناء إعادة اغراضها , صُعقت برؤية لصٍّ مختبأً داخل خزانتها ! والذي هجم عليها , مُغلقاً فمها بيده .. قائلاً بغيظ : 
- أخبرتني جارتك انك لن تعودي للمنزل قبل يومين , فمالذي أعادك يا لعينة ؟!! 

فعضّت ناديا ذراعه بقوة , جعلها تفلت من بين يديه .. لكن قبل خروجها من المنزل , أطلق النار على مؤخرة رأسها .. ثم هرب من النافذة .. 

واجتمع الجيران امام بيتها بعد سماعهم لطلقةٍ النارية .. وكسروا الباب , ليجدوا ناديا غارقة في دمائها !
***

امّا الذي حصل في شركة الكهرباء قبل حدوث تلك الكوارث : هو أن الموظف الجديد توجه نحو مكبس الكهرباء .. فلحقه الموظف القديم قائلاً :
- لم يبدأ وقت التقنين بعد  
فأجابه الموظف الجديد بلا مبالاة :
- لا تعقّد الأمور , مالذي سيحصل يعني خلال خمس دقائق ؟
وقطع الكهرباء عن المدينة بأكملها ! 

******
ملاحظة :
مقال عن عملية تبيض اسنان فاشلة تنتنهي بطلب الموت الرحيم :
https://www.skynewsarabia.com/varieties/1130981-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D9%8A%D9%8A%D8%B6-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%8A-%D8%A8%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%85

الاثنين، 20 يوليو 2020

فتنة الطائفيّة

تأليف : امل شانوحة


التاريخ يُعيد نفسه !

عادت منال الى لبنان بعد ثلاثين سنة من الغربة .. وبعد وصولها تجوّلت بالأماكن السياحية والأثريّة .. وزارت منطقتها لاستعادة ذكريات طفولتها .. وكان من ضمن احلامها زيارة منزل الصحفي مروان الذي قُتل ايام الحرب الأهلية اللبنانية , والذي تعدّه مثلها الأعلى والسبب في إمتهانها الصحافة ..

ورغم شهرته الواسعة ايام الحرب , وشجاعته النادرة في تصوير اهم احداث المعارك , الا أن عائلته تعيش على حافة الفقر ! 

واثناء حديثها مع ابنته الكبرى أخبرتها عن يوم وفاته بطلقةٍ ناريّة في رأسه , من قنّاص تربّص بالمارّة من اعلى برج المرّ في المنطقة الشرقيّة .. وأن كل ما تبقى من أثره هي كاميرته القديمة ..

فرغبت منال برؤيتها , فاقترحت ابنته بيعها لها بسعرٍ مقبول لتسديد أجار البيت .. 
فدفعت منال ثمنها , وأخذتها لمنزلها .. 

وهناك تأمّلت الكاميرا قديمة الصنع .. ووضعتها على كتفها لتقليد استاذها مروان .. 
- يا الهي ! كم هي ثقيلة .. كيف تنقّل بها اثناء القصف العشوائي ؟
ثم وضعت عينها في منظار الكاميرا , ليحصل شيءٌ مخيفٌ للغاية!

حين فتحت عيناها .. وجدت نفسها في منطقةٍ فقيرة , قبيل الفجر .. والناس تركض من حولها بفزعٍ شديد !
وطلقات النار تدويّ في ارجاء المكان المحاصر من الخارج بالدبابات ..
فنظرت الى لافتة معلّقة على الجدار المتهالك , مكتوباً عليها :
((منطقة صبرا))
فقالت بخوف : يا الهي ! هل عُدت ليوم مذبحة صبرا وشاتيلا ؟!

ووقفت هناك دون حراك , وهي تشاهد الجنود يوقفون الرجال امام الجدار لتصفيتهم جميعاً.. 

فراعها المنظر ! وركضت مع بقية النسوة هرباً من العساكر الذين ارادوا الإعتداء عليهنّ , دون الإكتراث بأعمارهنّ سواءً كنّ اطفالاً او عجائز .. لكنها انتبهت إن لا احد يراها رغم كاميرتها الضخمة ! فهدأ خوفها وأخذت تراقبهم عن بعد وهم يشوّهون الجثث ويحرقون المنازل , وهم في قمّة السعادة والإعتزاز بالنفس !  

فلم يعد باستطاعة منال تحمّل كل هذه الوحشية , فضغطت على زرٍّ موجود في الكاميرا لإعادتها الى المستقبل .. لكن الأحداث توقفت فجأة ! حيث تجمّد الجميع امامها .. 
فأتتها فكرة غريبة : لما لا تتعرّف على المجرمين الذين لم يحاكموا عن فظائعهم ليومنا الحالي !

واقتربت منهم لتصوير وجوههم عن قرب , واستغلّت تجمّدهم لأخذ هويّاتهم من جيوبهم وتصوير اسمائهم بكاميرتها .. 
وبعد انتهاء عملها , وخروجها من هناك .. ضغطت زرّ الكاميرا لمتابعة الأحداث , ليرتفع معها أصوات الصراخ وطلقات النار من داخل المخيّم المُحاصر .. 

وقبل إبتعادها عن دبّابات العدو , سمعت أحدهم يناديها من الخلف :
- هاى انت !! توقفي والا أطلقت الرصاص عليك
فأصابها الهلع : (هل رآني ؟!)

واستدارت ببطأ .. لترى الجندي يوقف امرأة تحمل جالون ماء على رأسها , عبّأته من ماسورة مُنفجرة لإحدى المباني .. 
فقام بإطلاق النار على الجالون مُهدراً الماء في الشارع , قبل رمي السيدة الى داخل المخيّم لتلقى مصير النّسوة هناك ..

فعادت منال لضغط مراراً على زرّ الكاميرا للعودة الى المستقبل , لكن الكاميرا العجيبة نقلتها لحدثٍ آخر .. وكأن روح المصوّر مروان يريدها توثيق ما رآه سابقاً , قبل إتلاف الأعداء فيديوهاته بعد مقتله

لتنتقل هذه المرة الى قسم الطوارئ لإحدى المستشفيات .. حيث وقفت في الممرّ المُضاء بالشموع , والملوّث بدماء الجرحى الملقين على جوانبه وهم يصرخون من الألم بعد تقطّع اطرافهم من القنابل التي دمّرت بيوتهم .. 

فدخلت غرفة الجراحة لترى الطبيب يحاول بشتّى الطرق علاج حروق طفلٍ أصيب بقنبلةٍ فسفورية , لكنه عجز عن تخفيف آلامه .. فطلب من ممرّضته إنزاله الى القبو لحين موته .. ثم دفنه بالتراب لإطفاء النار التي أبت ان تنطفأ بالوسائل العادية !

وكانت رائحة المستشفى تثير الغثيان , فضغطت منال على زرّ الكاميرا التي نقلتها الى شارعٍ مظلم بعد انقطاعٍ تام للكهرباء , والذي خلا من السيارات , فيما عدا الدبابات والجنود وهدير الطائرات الحربية تشقّ عنان السماء .. فرأت هناك مخبزاً مفتوحاً , يعمل عمّاله على ضوء البطارية لتوفير الخبز للناس في الصباح الباكر .. 

حينها لاحظت رجلاً يوقف سيارته قرب المخبز .. والتي انفجرت بعد هروبه , مودية بحياة الخبّاز وعمّاله وبعض المارّة الأبرياء !  
فضغطت منال زرّ التقديم بالكاميرا لرؤية المشهد من جديد .. حيث استطاعت هذه المرة تصوير وجه المجرم فور خروجه من السيارة , وتصوير هويّته بعد تجميده بزرّ التوقف .. قائلةً بحزم : 
- سأحرص على نيلك العقاب مع بقية المجرمين , إن كنت مازلت حياً في المستقبل

ثم تتابعت الأحداث .. لتقوم بتصوير العائلات المكدّسة في الملاجىء , وانهيار المباني بالقنابل الصوتية ..وحصار المناطق والمجاعات .. كما معتقلات التعذيب ومراكز التفتيش بالطرقات , وسرقة الصيدليات.. الى ان وصلت لبرج المرّ .. فقامت بتصوير القنّاص اثناء صعوده لطوابق العليا .. ووثّقت لحظة مقتل المصوّر مروان اثناء البثّ المباشر لأخبار المحطة الوطنية ..

وكاد الشريط الموجود في الكاميرا ان يمتلأ بالأحداث , فخطرت ببالها فكرة العودة لأول حادثة تسبّبت باندلاع الحرب الأهلية .. وبعد ضغطٍ مطوّل على زرّ التقديم في الكاميرا .. رأت نفسها تجلس في حافلة صغيرة اثناء مرورها من منطقة عين رمّانة .. فصرخت منال بعلوّ صوتها لإيقاف السائق قبل وصوله للكمين , لكن لا احد من الركّاب رآها او سمعها ! 

فجلست بحزن امام سيدة عجوز تعلم قريباً انها ستكون من ضمن الضحايا 
ولم يكن امامها سوى تصوير المجرمين الذين اقتحموا الحافلة لقتل الركّاب بناءً على جنسيتهم , والذي بسببه عانى اللبنانيون من حربٍ اهلية دامت 15 عاماً ..
***

بعد امتلاء الشريط بأهم المعارك والأحداث الماضية , أعادها زرّ الكاميرا اخيراً الى المستقبل .. حيث وجدت نفسها تقف امام سينما في إحدى المولات .. 

فخطرت ببالها فكرة عرض الشريط على المشاهدين القادمين لمشاهدة فيلم أكشن , رغم ان معظمهم مراهقين لم يعاصروا الحرب الأهلية 

وطرقت باب غرفة التحكّم .. ليعاتبها المسؤول : 
- يا آنسة , ممنوع الدخول الى هنا
فأرته بطاقة عملها :
- انا صحفية , وأتيت في مهمّةٍ رسمية
- وما المطلوب مني ؟
- عرض هذا الشريط الوثائقي دون إيقافه 

ثم توجهت لقاعة السينما لتصوير ردّة فعل الجمهور , لكن الحارس أوقفها بعد رؤيته لكاميرتها الضخمة :
- هل أتيت لسرقة الفيلم ؟
فأرته بطاقتها , وأخبرته عن مهمّتها الرسمية ..

فأدخلها الى هناك .. لتلاحظ نظرات اليافعين الساخرة من كاميرتها الضخمة , دون إكتراثها لهم .. وجلست خلف رجلين في الأربعينات من العمر , هم الأكبر سناً بين الحضور..

ثم اطفأت الأنوار , لعرض الفيلم الوثائقي المُتضمّن صوراً واسماء مجرمي الحرب .. 
فشعر المشاهدون بالغثيان , وبعضهم بالغضب لأنه ليس الفيلم الذي دفعوا تذكرته .. 

الا ان عرض فضائح الحرب آثارت أحد الرجلين الذي قال لصديقه بعصبية : 
- اليس هذا والدك ؟! 
- لم اكن اعلم انه اشترك بالمعارك ؟!
- يا لعين !! أخوالي قتلوا في تلك المذبحة .. والله سأقتل اباك بيديّ هاتين !!
- اساساً الحرب لم تكن لتحدث لولا لجوئكم لبلدنا ..
- بل انتم بدأتم الحرب حين قتلتمونا بحافلة عين الرمّانة , ومن دون سبب!!

وتشابكت ايديهما .. وعلا السباب والشتائم بين الشباب الذين انقسموا الى فريقين , كلاً يدافع عن طائفته .. 

ولم يتوقف العراك حتى بعد إيقاف الفيلم , وأسرع الحرس لإبعاد المتشاجرين .. 
لكن الأمور تأزّمت بعد ان رمى أحدهم الكرسي على رأس الآخر , فقتله !

فحاولت منال الهرب , الا ان كاميرتها سقطت من يدها بعد تدافع الناس الى خارج السينما.. فلمّلمت اجزائها المنكسرة على عجل .. 

وبعد خروجها , وجدت الفوضى والرعب إنتقلت لبقية المتسوقين الذين فرّوا من المول بعد سماعهم للنزاع الحاصل في السينما 

ولم تنتهي الكارثة هنا , بعد قيام أحد المراهقين بنشر الفيلم الذي صوّره على جواله بالإنترنت , مُحدثاً ضجّة اعلامية كبيرة .. تسبّب بمظاهراتٍ عنيفة تطالب بمعاقبة المجرمين القدامى ..

فحاولت منال تصليح الكاميرا المحطّمة للعودة الى الماضي ومحوّ الفيلم بأكمله .. لكن البائع أخبرها ان كاميرتها قديمة الصنع , ولا قطع غيار لها 
***

بعد أشهر .. راقبت منال لبنان من نافذة طائرتها بعد عودتها للغربة , مُثقلةً بتأنيب الضمير لفشلها في محاسبة مجرمين القدامى .. حيث أدّى تصويرها للجناة لنتيجةٍ عكسية , تسبّب باندلاع حربٍ اهلية أعنف بكثير من سابقتها , أدّت لتقسيم لبنان لعدة مناطق .. دون وجود بوادر أمل هذه المرة لإخماد فتنة الطائفية التي دمّرت البلاد بإكملها ! 

******
ملاحظة :
كتبت سابقاً عن احداث مذبحة صبرا وشاتيلا في قصة بعنوان :
1- شاهدة على المجّزرة :

كما كتبت قصة عن برج المرّ بعنوان : 
2- القنّاص والأشباح :

وقصة اخرى عن حرب لبنان بعنوان :
3- آلام الحرب :

والقصة الرابعة بعنوان : 
4- ملجأ الحرب :

أتمنى ان تنال إعجابكم ..

الخميس، 16 يوليو 2020

زوجة الأب العنيفة

كتابة : امل شانوحة

سأتخلّص من اولاده الواحد تلوّ الآخر

إستيقظ الولد سعيد (11 سنة , الذي يعاني من شللٍ كامل) بعد إحساسه بحرارةٍ عالية .. وحين فتح عيناه , رأى زوجة ابيه (سعاد) ترمي عليه اللحف السميكة رغم الجوّ الحار ! 
فصار يصرخ بصوتٍ مكتوم : امي , إنقذيني !! لا استطيع التنفس 
فقالت بخبث : اذاً توقف عن التنفس , وأرحني من همّك

ثم غطّت وجهه بلحافٍ سميك .. وخرجت من الغرفة , تاركةً الصبي يُصارع لالتقاط انفاسه ! 
***

في العزاء .. أخبرت الناس انها دخلت عليه بعد إنهائها الطبخ , لتجده مُزرق الوجه دون معرفة سبب وفاته ! 
(طبعاً بعد إعادتها اللحف الى الخزانة , قبل عودة والده واخوته من المدرسة) 

موته المفاجىء أثار شكوك اخته الكبرى مروى (13 سنة) ! فاتصلت بجدتها (والدة ابيها) التي نصحتها بأخذ الحيطة والحذر , والإنتباه على أخويها التوأمين (9 سنوات) ..
***

في منتصف العام .. أحضرت سعاد عريساً لمروى يكبرها بعشرين سنة .. وقبل الأب رؤيته , بعد الحاحٍ شديد من زوجته ..
الا ان مروى رفضت تقديم القهوة للخاطب وامه , لإصرارها على إكمال دراستها المتفوقة فيها .. 

وإلغاء الخطوبة أغضب سعاد التي خطّطت منذ زواجها بأبيهم على التخلّص من ابنائه الأربعة , ووعدتها بالعقاب لاحقاً .. لكن مروى لم تكترث لتهديداتها ..
*** 

في نهاية السنة الدراسية , أصرّ الأولاد الثلاثة على زيارة قبر امهم لإخبارها بنجاحهم الدراسيّ .. لكن والدهم اعتذر لسفرٍ مفاجىء في عمله , فتطوّعت زوجته بأخذهم بسيارتها الى هناك ..

وفي الصباح الباكر .. واثناء استعدادهم للذهاب الى المقبرة , طلبت سعاد من مروى إحضار غرضٍ من قبو الفلة ..
وبعد نزولها الى هناك , أقفلت الباب عليها وهي تقول :
- ستبقين وحدك هنا طوال العطلة الصيفية , فوالدك لن يعود قبل شهرين 

فطرقت مروى الباب بفزعٍ شديد , لكن لم يسمعها احد بعد خروج سيارة سعاد مع الولدين الى خارج الفلة , والتي أخبرتهما أن جدتهما أرسلت قريبها لأخذ مروى للمبيت عندها .. كما وعدتهما بالذهاب الى مصيفها البحري الذي تمتلكه عائلتها الثريّة..
***

في ظهر ذلك اليوم .. جلست سعاد في سيارة صديقتها , وهي تنهج بتعب .. فسألتها بقلق :
- مابك تلهثين ؟ واين سيارتك ؟
سعاد محاولةً إلتقاط انفاسها : تعطّلت في الطريق الرمليّ , ومشيت مسافة طويلة لأصل للطريق العام ..  
- اذاً سأتصل بشركة التصليح لكي ..
سعاد مقاطعة : لا داعي لذلك .. اساسا سيارتي قديمة وبها اعطال كثيرة , سأطلب من اهلي سيارة جديدة كهدية عيد ميلادي القادم

صديقتها : لطالما كنتِ فتاةٌ مدلّلة , لهذا فاجأني خبر زواجك من رجلٍ ارمل لديه اربعة اولاد !
- قبلت لأنني كبرت في العمر .. ولا تقلقي , اولاده لم يعودوا عقبة في طريق سعادتي 
- لم افهم ! 
سعاد : سأخبرك لاحقاً .. خذيني الآن لمصيف عائلتي , فحرارة المدينة لا تُطاق 
- واين تركتي الأولاد ؟
- عند جدتهم الخرِفة , هيا بنا 
***

بعد اسبوعين .. إتصل الأب بأمه ليسألها عن الأولاد (بعد ان أخبرته سعاد أنهم عندها)
فأجابته بصوتٍ متعبٍ ومبحوح : هم بخير , يقضون وقتاً سعيداً معي
- مابه صوتك ؟!
- نزلة برد بسيطة .. لا تقلق , ابنتك تهتم بي جيداً 
- ان ضايقك الأولاد , إتصلي بسعاد لتعيدهم الى المنزل
- الأفضل ان تأخذهم انت بعد عودتك بالسلامة
- كما تشائين امي

وتابع الأب عمله في المدينة المجاورة , وهو مرتاح بسير الأمور على ما يرام في غيابه ..
*** 

بعد شهر.. وصله اتصال من الشرطة بعد عثورهم على سيارة زوجته متوقفة في واديٍ صحراويّ , بداخلها جثة ولديه الصغيرين اللذين ماتا من الجفاف والحرّ , بعد ان تركتهما في الداخل في أيام الصيف الحارقة
ولم تستطع الشرطة القبض على سعاد , بعد قيام اهلها بتهريبها للخارج دون لومها على جرمها اللا انسانيّ !

فأسرع الوالد المكلوم الى منزل امه لسؤالها عن مروى .. لكن وجد بيتها فارغاً .. وحين سأل جارتها , اخبرته ان زوجته أخذتها لدار العجزة قبل ثلاثة اشهر !

فلم يصدّق الأب ما سمعه ! وذهب مباشرةً لدار العجزة , ليخبروه ان امه تحتضر .. 
فجلس قرب سريرها باكياً , قائلاً بحزن :
- لما اخبرتني ان الأولاد معك ؟
- زوجتك سرقت جوالي منذ ان رمتني هنا 
- ماذا ! أكانت تقلّد صوتك ؟ .. الملعونة !!
- اين اولادك الآن ؟ 

فانهار ابنها باكياً , وأخبرها بما حصل للتوأمين .. قائلاً :
- أشكّ انها قتلت سعيد ايضاً 
الجدة بفزع : واين مروى ؟
- لا اثر لها 
- هل ذهبت الى بيتك ؟
- يا الهي ! أيعقل انها تركتها هناك طوال العطلة الصيفية .. سأذهب حالاً .. ارجوك قاومي المرض يا امي , سأعود لإخراجك من هنا .. إنتظريني
***

وذهب الأب الى فلته .. وبحث في كل الغرف , دون ان يجد ابنته.. وقبل خروجه من المنزل , سمع شيئاً يسقط في القبو .. فأسرع الى هناك ليجد قفلاً حديدياً من الخارج , فكسره بصعوبة .. 

وحين دخل .. وجد مروى تلفظ انفاسها الأخيرة , ومن حولها بقايا عظام فئرانٍ عاشت عليها الفترة الماضية , بالإضافة لشربها قطرات الماء المُتسرّبة من المواسير الصدئة في القبو ..
فحاول إنقاذها , لكنها لم تنطق الا ببضعة كلمات :
- امي واخوتي ينادونني  
ثم اسلمت الروح !
***

وفي اليوم التالي .. أقام الأب جنازة لأولاده الثلاثة , بالإضافة لأمه التي فارقت الحياة بعد ساعة من دفن مروى .. وكله بسبب زوجته سعاد التي لم يعرف احد مكانها حتى اهلها , بعد تنقّلها بين عدّة مدن الأوروبية للتسوّق والسياحة !
***

بعد شهور .. واثناء قيادة سعاد في شوارع فرنسا خلال عاصفةٍ ثلجية , تعطّلت سيارتها على طريقٍ جبلي .. وأُقفلت جميع ابوابها اتوماتيكياً .. وأُضيء المكيف وحده رغم الجوّ البارد .. فحاولت كسر الباب دون جدوى 

وكان الطريق خالياً من السيارت , حيث لم يمرّ احد طوال ساعتين .. فاضّطرت للبس جميع الكنزات الصوفية التي أخرجتها من اكياس التسوّق في المقعد الخلفي , بعد شعورها بالصقيع .. واكثر ما اخافها ان جوالها لم يلتقط اي اشارة للإتصال بالشرطة ..

وبعد ان قاربت الشمس على المغيب , رنّ جوالها .. فأسرعت بالردّ وهي ترتجف من البرد :
- الو .. ساعدوني , انا اموت برداً 
قالتها بالفرنسية .. فسمعت صوتاً أفزعها بحق , وكان صوت حماتها المتوفية تقول لها : 
- اليوم ستنالين عقابك لقتلك احفادي

وقبل ان تعيّ سعاد ما يحصل ! رأت الولدين التوأمين في المقعد الخلفي يقولان لها :
- الموت برداً أهون من حرارة الصيف الحارقة 

فحاولت كسر الباب بما تبقى من قوتها , لترى زجاجها الأماميّ وقد اصطبغ بالدماء ! بعد ان رمت روح مروى فأراً ميتاً عليه , قائلةً لها من خارج السيارة : 
- تذوقيه ان كنت جائعة .. فهو ما اكلته طوال شهرين بالقبو , بالإضافة للحشرات المقزّزة 

ثم شاهدت سعيد يقترب من اخته , وهو يمشي دون إعاقة ! حاملاً لحافاً سميكاً بيديه , وقائلاً بسخرية :
- امي .. 
مروى معاتبة : لا تنادي الملعونة بأمي 
سعيد : معك حق .. سعاد !! اظنك بحاجة لهذا اللحاف الذي كتمت به انفاسي , أتذكرين ؟ 

فأغمضت سعاد عيناها وهي تصرخ بخوف :
- اتركوني وشأني !!
لتتفاجأ بأم الأولاد تجلس بجانبها في السيارة , تسألها بغضب : 
- لما قتلتي اولادي يا مجرمة , يا عديمة الرحمة ؟!!
سعاد وهي تبكي : رغبت بالعيش وحدي مع زوجي , وهو حلم كل عروس  
الأم : اذاً ما كان عليك الزواج بأرمل مع اولاد منذ البداية !!
سعاد : ظننت باستطاعتي تحمّلهم , لكني فشلت .. ارجوكم سامحوني جميعاً 

وحين لم تسمع إجابتهم ! فتحت عينيها , لتجدهم مجتمعين خارج السيارة برفقة روح الجدة التي انضمّت اليهم , والتي أمرتهم : 
- إدفعوا السيارة نحو الهاوية !!

فبدأت سيارتها تهتزّ وهي تقترب رويداً رويداً من حافة الجبل .. وسعاد تصرخ بهستيريا محاولةً الخروج من الباب المقفل بإحكام , وهي تترجاهم أن يتركوها وشأنها .. 
ثم راقب الجميع سيارتها وهي تتدحرج للأسفل , الى ان استقرّت بقاع الوادي.. 

الأم : إنتقمنا منها اخيراً , هيا لنعود من حيث أتينا 
الجدة وهي تنظر للوادي : ليس بعد 
مروى : ماذا تنتظرين يا جدتي ؟ 
الجدة : هاهي قادمة

وارتفعت روح سعاد المُصابة بالكسور والجروح من الوادي , لتتوقف قربهم وهي غاضبة :
- هل ارتحتم الآن بعد انتقامكم مني ؟!!
الجدة بلؤم : ومن قال اننا انتقمنا
الأم بغضب : نعم , الإنتقام يبدأ الآن

وهجمت الأرواح عليها لضربها بعنف وعضّها وشدّ شعرها .. وسعاد تصرخ بألم , الى ان قدمت الملائكة للفصل بينهم .. ورفعوا العائلة الى السماء .. 

فضحكت سعاد ساخرة , قائلة بصوتٍ عالي وهي تراهم يختفون خلف الغيوم :
- اخيراً افترقنا يا ملاعيين !!! 
فقال لها الملاك : معك حق , لن تلتقي بهم ثانيةً ..فهم ذاهبون الى الجنة , وانت الى الجحيم

ثم أنزلها معه لأسفل الأرض , لتعلو صرخاتها الفزعة بعد إحساسها بلهيب جهنم الذي سيحرق روحها لأبد الآبدين !

الاثنين، 13 يوليو 2020

إذا انتحرت , سأقتلك !!

تأليف : امل شانوحة

 
طاقتك الإيجابية ستنقذك من الموت ! 

إقترب شابٌ مُكتئب بخطواته المتثاقلة من حافة الجبل .. وتنهّد بضيق وهو ينظر للأسفل لمراقبة الضباب الذي أخفى العمق السحيق للوادي ..

أغمض عيناه المترقرقة بالدموع , وهو ينوي إنهاء حياته البائسة ..
وقبل ثواني من قفزه , شدّه أحدهم من ذراعه للخلف .. فسقط على الأرض من هول الصدمة ! 

ونظر خلفه .. ليجد رجلاً في الخمسينات من عمره , ينظر اليه بحنان ويقول :
- أنظر !! بيتي هناك 

فرأى الشاب كوخاً صغيراً يبعد امتاراً عنهما , بالكاد يُرى خلف الضباب .. وأكمل الرجل قائلاً :
- تعال نشرب الشاي معاً , ونتدفأ بهذا الجو البارد

فقال الشاب وهو ينظر الى رداء الرجل الأبيض :
- هل انت طبيب ؟
- نعم , طبيبٌ نفسيّ
- لا احب التكلّم عن مشاكلي الخاصة 
الطبيب : الكثيرون يتجنّبون القدوم لعياداتنا خوفاً ان يظنهم الناس مجانين .. لكن عملنا الحقيقي هو مشاركتكم همومكم , اما العلاج فبأيديكم .. وبصراحة لن اسمح لك بالإنتحار 
- وما شأنك انت ؟
- أصبح واجبي منذ انتقالي الى هنا , بعد إغلاق عيادتي في المدينة .. عقب قراءتي لمقال عن تزايد المنتحرين من هذا المكان بالذات 
- وهل استطعت إنقاذ احدهم ؟

الطبيب بفخر : خلال 5 سنوات أنقذت 34 شخصاً , معظمهم شباب في مثل عمرك  
- لا اظنك ستنجح معي , فحالتي ميؤوسٌ منها
- جميعهم يقولون الشيء ذاته .. تعال للداخل لنفضّفض قليلاً , فأنا مستمعٌ جيد .. ولا تخفّ , الجلسة مجانية.. هيا ماذا ستخسر ؟ على الأقل تخبر أحد بمعاناتك قبل انتحارك ..

فاقتنع الشاب باقتراحه , ومشى خلفه .. الى ان دخلا الكوخ الذي ليس فيه سوى كنبة مريحة وكرسي قرب موقد النار , وغرفة نوم داخلية ومطبخٌ صغير ..

فاستلقى الشاب المنهك على الكنبة .. بينما جلس الطبيب قربه على الكرسي , مُمسكاً دفتره وقلمه اثناء طرحه الأسئلة 
- اولاً .. ماهو اسمك ؟
- جاك
الطبيب : اسمك الكامل لوّ سمحت ؟
- جاك فقط , فأنا لا احب ابي ولا افتخر بنسبه 
- لماذا ؟
- هجر امي اثناء حملها بي , ليتزوج صديقته !  
- وما عمل امك ؟ 
- الغريب انها لا تعمل , ومع ذلك لم ينقصنا المال يوماً ! ربما ارسل اقاربها رواتباً شهرية , فأنا لم اسألها عن هذا من قبل
- وكم عمرك الآن ؟ 
جاك : 32 سنة

الطبيب : وماهي دراستك ؟
- تركت الهندسة في سنتي الثانية  
-  لكي تعمل ؟
جاك : بل لتسكّع مع اصدقاء السوء الذين تسبّبوا في ادماني لسنوات .. الى ان بلّغت امي الشرطة , فأرسلوني لمركز علاج المدمنين  
- وهل تعالجت هناك ؟
- نعم , وقاطعت امي بعدها
الطبيب : هي ارادت مساعدتك ؟!
- اعرف هذا , لكني فقدّت ثقتي بها وبالناس جميعاً .. حتى انني لم أزرّ قبرها !
- ثم ماذا حصل ؟
- عملت بوظائف زهيدة الأجر , بالكاد تكفي اجرة شقتي الصغيرة 

الطبيب : وهل ضيق الحال دفعك للتفكير بالإنتحار ؟
- بل كسرة قلبي
الطبيب : من حبيبتك ؟
- لا زوجتي
- آه متزوج ! هل لديك ابناء ؟
- طفلةٌ رائعة , حُرمت رؤيتها بعد الطلاق 
- الم تفكّر بشعورها حينما تكبر وتعرف ان والدها فضّل الإنتحار على العيش معها ؟
جاك بعصبية : قلت لا استطيع رؤيتها !! الم تسمعني ؟
- بلى .. لكن يوماً ما ستصبح فتاة كبيرة يمكنها زيارتك دون إذن امها .. الم تفكّر بالمستقبل ؟
- لا استطيع الإنتظار كل هذه السنوات 
- صدّقني , الحياة تمضي بسرعة .. الم تكن البارحة طفلاً صغيراً ثم مراهقاً , والآن شاباً يافعاً ؟

جاك بيأس : لا اشعر انني شاب , بل كهلٌ عجوز 
- طبيعي ان تُحبطنا الحياة من وقتٍ لآخر
- لا اذكر متى آخر مرة فرحت بها 
- الم تفرح ليلة عرسك ؟
- بلى
- وماذا عن يوم ولادة طفلتك ؟
- بكيت من فرط السعادة

الطبيب : اذاً الحياة لا تخلو من لحظاتٍ سعيدة .. لكنك تركّز طاقتك على ذكرياتك السيئة , وهو سبب إكتئابك 
- كل ما اتمناه ان اكون كبقية البشر , اعيش في منزلٍ مريح مع زوجتي وابنائي .. فهل ما اطلبه كثير ؟!
- لا , ويمكنك تحقيقه بسهولة 
- كيف ؟
- تزوج مرة اخرى , وحاول من جديد
جاك : المحكمة أمرتني بدفع نفقة الطفلة , ولا طاقة لي بتكرار التجربة
- اذاً جد عملاً آخر يزيد من مدخولك المادي.. 

فاكتفى جاك بالتنهد بضيق دون اجابة !
الطبيب : حسناً لنتكلّم عن شيءٍ آخر .. ما هو حلمك حين كنت صغيراً ؟ أقصد ماذا اردت ان تكون ؟
- لاعب بيسبول 
- هل كنت بارعاً ؟
- أفضل لاعب في الجامعة .. ولوّ اكملت دراستي , لأصبحت لاعباً محترفاً بعد التخرّج  
- ولما لا تتابع حلمك ؟
- كبرت على هذا 

الطبيب : أقصد لما لا تدرّب فريق البيسبول في الجامعة ؟
- مستحيل ان اعود لجامعتي القديمة 
- إذاً إخترّ جامعة اخرى , واعرض موهبتك على الإدارة .. فربما يوافقون على تدريبك فريقهم .. وتنتقل بعدها لتدريب الفرق المحترفة 
فسكت جاك وهو يفكّر بالأمر ..فأكمل الطبيب كلامه :
- ولوّ كنت محلك , أستغلّ وجودي هناك لإكمال دراستي .. وأتخرّج مع فريقي من الجامعة , لأكون قدوتهم .. ما رأيك ؟
جاك : حلمٌ جميل , لكن كما قلت لك : عليّ العمل بنقل البضائع بين المدن لتوفير المال لطليقتي , ولا وقت لديّ لمتابعة احلام المراهقة
- عملك كمدرّب يُكسبك ضعف راتبك الحاليّ , فكّر جدّياً بالأمر 

فأسرع جاك قائلاً , وهو يقوم من الكنبة ..
- لا , موتي اسهل بكثير .. أقفز من الجبل , وينتهي شقائي على الفور 

وتوجه نحو باب الكوخ الذي ما ان فتحه , حتى وجد شخصاً مقنعاً ينتظره بالخارج ..
وفجأة ! فقد وعيه , بعد تلقيه ضربة على مؤخرة رأسه 
***

حين استفاق .. وجد جثة الطبيب على الأرض , غارقاً بدمائه !
والرجل المقنع يجلس مكانه على الكرسي وهو يحتسي الشاي , ويراقبه اثناء محاولته فكّ رباطه عن الكنبة ..
جاك بخوف : دعني اذهب , ارجوك !!
الرجل المقنع : ليس قبل ان نتحدّث سوياً 
- وماذا تريد مني ؟!

فقال الرجل بنبرة تهديد : إن حاولت الإنتحار , سأقتلك !! 
- ماهذا الهراء ؟!.. ولما قتلت الطبيب ؟
- لا احب ثرثرة الأطباء النفسيين , فهي تصيبني بالصداع .. الم تلاحظ شيئاً بعد ؟
فقال الشاب المقيد : أشعر بشيءٍ قاسي تحت بنطالي ! 

فاقترب الرجل المقنع منه ورفع بنطاله , ليرى الشاب سواراً حديديّ حول فخده ..
- ماهذا ؟!
فعاد الرجل المقنع الى الكرسي , قائلاً بلا مبالاة : 
- قنبلةٌ موقوتة 
جاك بهلع : ماذا !
- لا تفزع , لن أفجّرها الآن 
- ماذا تريد مني بالضبط ؟!!
- سؤالٌ جيد .. بعد قليل سأفكّ قيودك .. فإن حاولت القفز من الجبل , أفجّر ساقك .. وكما تعلم , تمزيق عرق الفخذ يؤدي لنزيفٍ حادّ يودي بحياتك .. تماماً كما يحصل مع عضّات اسماك القرش
- أفهم من كلامك .. ان حاولت الإنتحار , تقتلني ؟
- بالضبط 
- وما المطلوب مني ؟

الرجل المقنع : ان تصحّح اخطاء حياتك .. أترى الجهاز الذي بيدي , استطيع بواسطته قياس طاقتك السلبية من خلال السوار الذي لا يستطيع احد فكّه سوايّ ..فإن وجدت ان سلبيتك زادت عن 90 بالمئة , أفجّر ساقك لتموت ببطءٍ وألمٍ شديد .. وإن نقصت سلبيتك عن 40 بالمئة , اضغط على هذا الزرّ , فينفكّ السوار وتتحرّر مني .. كما يوجد في الجهاز ..
- وماذا تستفيد من ذلك ؟!
الرجل بحزم ولؤم : لا تقاطعني يا ولد !! الجهاز فيه كاميرا وميكروفون , لرؤية وسماع كل ما يجري معك خلال يومٍ واحد 
- يومٌ واحد ؟!

الرجل المقنع : نعم , عليك تحسين نفسيتك خلال 24 ساعة فقط .. إعتبرني عزرائيل , أتيت لأخبرك انه بقي يوم واحد من حياتك .. فكيف ستقضيه , الأمر يعود اليك .. آه قبل ان انسى .. لا تحاول فكّ السوار , لأنه سينفجر على الفور .. وان أخبرت احداً بوجوده تحت بنطالك , سأقتلك انت والشهود .. (ووقف قائلاً) .. الآن سأدعك تذهب .. وان نجحت في الإختبار , يُكتب لك عمر جديد 

وما ان فكّ قيوده , حتى انطلق جاك هارباً من الكوخ .. والرجل المقنع يصرخ خلفه :
- إستغلّ يومك جيداً , فمصيرك بين يديّ .. هل سمعت ؟!!  
***

وبعد اختفاء الشاب في الضباب , أغلق الرجل المقنع الباب .. واقترب من جثة الطبيب وهو يقول :
- هيا استفق , لقد ذهب  
فقام الطبيب وخلع ردائه الأبيض المصبوغ بالدماء المزيفة , وهو يقول : 
- جيد انه استعاد وعيه بسرعة بعد ان ضربته بالعصا , خفت ان اكون تسبّبت له بنزيفٍ في المخ
- تتكلّم وكأنها اول مرة ننفذّ فيها خطتنا ! ..المهم , هل تظنه سينجح بالإختبار ؟
الطبيب : الجهاز سيحدّد ذلك 

الرجل المقنع : أتدري .. لوّ كنت مكانك لحصلت على براءة اختراع , فلا وجود لجهاز يقيس الطاقة السلبية في الأسواق !
- هو يقيس توترهم فقط 
- الم تقل .. 
الطبيب مقاطعاً : نعم , قلت ذلك لتُقنع المرضى بأنهم مراقبين  
- يعني لا يوجد بالسوار كاميرا وميكروفون ؟!
- فقط جهاز تنصّت لسماع حواراتهم خلال 24 ساعة القادمة .. فإن خفّت ذبذبات توترهم , فهو دليل على نجاح العلاج .. والآن اجلس لأريك الحالات التي عالجتها اثناء سفرك 

وجلسا قرب الموقد , بعد انقلاب الصورة الكبيرة التي فوقه الى تلفاز ! 
ومن خلاله , شاهد الرجل المقنع فتاةً مراهقة مربوطة بالكنبة ..
- إخبرني قصتها باختصار ؟

الطبيب : كانت تتبع رجيماً قاسياً أصابها بالهزال والإكتئاب شديد
- ولما كل هذا ؟
- لهوس امها بجعلها بطلة اولومبية بالجمباز .. فحاولت إقناعها باتباع حلمها بالغناء المسرحي  
- وهل وضعت لها السوار بنفسك ؟
- لا , استعنت بموظفي جيم .. لأن عليّ تمثيل دور الميت , ليقتنعوا بعنف الرجل المقنع وينفذوا طلباته دون مراوغة او تأجيل 
الرجل المقنع بقلق : اعرف هذا , لكن الا تخاف ان يفضحنا ؟
- أخبرته انها تمثيلية , وعليه وضع القناع خلال مشهد تهديده للممثلة .. وانت تعرف جيم جيداً , رجلٌ بسيط ولا خوف منه
- المهم , ماذا حصل للفتاة ؟

الطبيب : من خلال جهاز التنصّت , سمعت مشاجرتها مع امها التي حاولت جاهداً إقناعها بالعودة لتدريبات الرياضية , لكنها تمسّكت برأيها .. وفي المساء سمعتها تغني بتجارب اداء موسيقية 
- يعني حقّقت حلمها ؟!
- نعم , وسمعتها تبكي بفرح بعد مباركة امها لها بالنجاح 
- هل ذهبت معها الى المسابقة الغنائية ؟!
الطبيب : يبدو ذلك ! وبعد ارتفاع طاقتها الايجابية , ضغطت زرّ التحكّم عن بعد , لفكّ السوار عن قدمها 
- ممتاز !! وماذا فاتني ايضاً ؟
- سأريك الآن

وشاهدا على التلفاز : رجلٌ عجوز يحاول فكّ رباطه عن الكنبة 
الرجل المقنع باستغراب : ولما رجلٌ في مثل عمره يُقدم على الإنتحار ؟!
الطبيب : سأخبرك قصته باختصار .. عاد العجوز قبل سنوات الى منزله بعد طرده من العمل .. وفور وصوله , إنهالت زوجته عليه بالطلبات وتذكيره بالفواتير المتأخرة , مما افقده صوابه .. فدفعها بقوة , لتقع مُرتطمةً رأسها بحافة الطاولة وتموت على الفور.. وأبلغ الشرطة انها تعثّرت بالزيت المسكوب على أرضيّة المطبخ , فأفلت من العقاب .. ولم يخبر ابنائه يوماً بما حصل .. الا ان تأنيب ضميره رافقه طوال حياته ..وبعد زواج اولاده , قرّر الذهاب بنفسه لدار العجزة .. وبعد اشهرٍ هناك , هرب الى هنا بنيّة الإنتحار

الرجل المقنع : وهل وجود السوار على قدمه جعله يتجرّأ على قول الحقيقة لأولاده ؟ 
- نعم .. وسمعتهم يسامحوه , مُعتبرين موتها حادثة غير مقصودة .. وفي المساء احتفلوا جميعاً بعودة والدهم الى بيته .. مما رفع طاقته الإيجابية التي ظهرت على جهازي , وكان سبباً لفكّ سواره 

وهنا قطع حديثهما حوار الشاب جاك (الذي ظهر من ميكروفون السوار) وهو يسأل والده عن سبب هجرانه لأمه قبل ولادته ..فأنصت الطبيب والرجل المقنع للجهاز , ليسمعا الأب يجيبه بنبرةٍ حزينة :
- الخطأ خطأي منذ البداية , فقد تزوجت جاهلة رغم هوسي بالتعليم.. لهذا لم تفهم امك يوماً اهمية حصولي على شهادة الدكتورا , فتفكيرها يتمحور حول التنزه والسفر ! لهذا طلقتها وتزوجت زميلتي , لنكمل سوياً الدراسة الى ان اصبحنا دكاترة جامعة .. 
- وماذا عني ؟ 
- كنت ارسل لأمك مصروفاً كل شهر , وبدورها ترسل لي صورك .. الم تخبرك المرحومة بذلك ؟
فظهر صوت جاك من الجهاز كأنه مصدوم : 
- لا , ظننت جدي يصرف علينا !
- انا حزين لأنك لم تكمل دراستك يا بنيّ , فقد كنت متشوقاً لحضور حفل تخرّجك الجامعي لتعرّف عليك
- ابي .. هل جامعتك تحتاج الى مدرّب بيسبول ؟
- أخبرتني امك انك بارع بهذه الرياضة 
- صحيح 
- حسناً .. العميد صديقي , ويمكنني طلب مقابلة عمل لك .. لكن بشرط !! ان تكمل دراستك هناك  
- موافق

ويبدو ان والده حضنه بفخر , لأن مؤشّر السوار ارتفع بسرعة .. وهذا دليل على تحوّل طاقة جاك السلبية الى ايجابية ! 
لهذا ضغط الطبيب على زرّ التحكّم عن بعد , ليقع السوار من ساق جاك الذي فضّل إخبار والده إنه يضعه كموضة حديثة للشباب ! 

في الكوخ ..
الرجل المقنع : هآقد عالجت مريضاً آخر ! 
الطبيب : وانت ساهمت في ذلك .. (ثم سكت قليلاً) .. كنت اريد اخبارك قبل ان يقاطعنا صوت جاك , ان هناك حالات أخرى عالجتها بغيابك 
- وماهي ملخصات قصصهم ؟

الطبيب : قمت بنصح شخص للعودة الى حبيبته , وطلب السماح منها بعد خيانته لها .. كما ساعدت عاطلاً عن العمل بإيجاد وظيفة , بعد اتصالي بزميلٍ قديم يعمل مديراً لمصنع احذية .. وأقنعت شخصاً يافعاً برفع قضية على جاره الذي اعتدى عليه في طفولته , لعلاج قلقه وخوفه وقلة ثقته بالناس .. أتدري ماذا فعل بعد إلقاء الشرطة القبض على المعتدي ؟
الرجل المقنع باهتمام : لا , ماذا ؟
- قفز بالمظلة 
- إنتحر !

الطبيب مبتسماً : لا , ذهب مباشرة بعد المحكمة الى نادي القفز بالمظلات .. اظنه اراد الإثبات لنفسه انه تغلّب اخيراً على مخاوفه 
- واكيد هذا رفع طاقته الإيجابية ؟
- زيادة الإدرينالين في جسمه رفع معنوياته كثيراً
الرجل المقنع : فقرّرت إزالة السوار عن قدمه ؟
- بالحقيقة سقط وحده بالهواء !
وضحكا سوياً ..

الطبيب : على فكرة يا مايكل , مازلت تضع القناع على وجهك 
الرجل المقنع (مايكل) : آه نسيت ! على الأقل يدفئني بهذا الجو البارد .. لا ادري كيف تتحمّل العيش هنا !

وحين ازاله : ظهر التشابه بينه وبين الطبيب ! فهو اخوه التوأم , وان كانا مختلفا بالمصير .. فمايكل بعد انفصال والديهما عاش مع ابيه العصبي .. ولكثرة المشاكل بينهما , هرب من المنزل في سن المراهقة , وانضمّ لعصابة سرقة السيارات .. ولولا ان اخاه الطبيب (الذي عاش مع امه) دفع كفالته , لقضى وقتاً طويلاً في السجن .. 

مايكل : بصراحة لا ادري من منا المنحرف ! 
الطبيب : لما تقول ذلك ؟!
- لأن اسلوبك في علاج المكتئبين عنيفٌ للغاية ! 
- الإنسان لا يشعر بقيمة ما حوله الا بوجود شيءٍ يُهدّد سلامته , لهذا طلبت منك تهديدهم بالقتل ليشعروا بأهمية حياتهم .. ففكرة الموت بعد يومٍ واحد اعطاهم الجرأة للقيام بأمورٍ أجّلوها لسنوات , والتي أدّت لتراكم مشاكلهم النفسية .. كما تمثيليتنا العنيفة دفعتهم لمسامحة الآخرين , وبدء صفحة جديدة من عمرهم  

مايكل : الغريب ان لا احد منهم فكّر بالإنتحار بعد خروجه من الكوخ !
- بعضهم حاول القفز من جديد , لكن صعقته بالسوار لأفهمه انه مراقب .. كما وجود توقيت على السوار يُظهر الساعات المتبقية من حياتهم (24 ساعة) جعلهم يسارعون بحلّ مشاكلهم المعقدة.. فلا احد يتحمّل آلام البتر , ولوّ قبل ثواني من موته 
- لا أنكر عبقرية فكرتك , لكني حزين على بقائك هنا في انتظار قدوم شخص او شخصين كل شهر للإنتحار .. ولوّ كنت مكانك , لأخبرت العالم كله بانجازاتي الإنسانية 

الطبيب : سأفعل ذلك بعد إنقاذي ل100 شخص على الأقل , حينها أدوّن تجاربهم في رسالة الدكتورا .. 
مايكل مقاطعاً : شهادةٌ اخرى ! انت مهووس بالعلم يا اخي 
- ربما كنا نتنافس معاً , لوّ سمعت نصيحتي وأكملت تعليمك .. لكنك رفضت , رغم تكفّلي بجميع المصاريف !
مايكل بقهر : انا كبرت على الدراسة .. ثم لا اريدك ان تُشعرني بأني أقل منك .. فلوّ عشت مع ابينا لأصبحت منحرفاً مثلي , لكنك محظوظ ان امي اختارتك للسفر معها للخارج

الطبيب محذّراً : اخي .. ان لم تتوقف عن هذه السلبية , سأضّطر لتقيدك بالسوار 
مايكل مبتسماً : بدأت أخاف من افكارك الشيطانية , ولا ادري من منا التوأم الشرير !
الطبيب : على الأقل نتشابه بالخباثة 
وأغرقا بالضحك..

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...