الاثنين، 20 أبريل 2020

الرهان المُميت

تأليف : امل شانوحة

الهوس بالمشاهير

تجمّعت الصحافة والإعلام في المطار لاستقبال الناجيين الوحيدين من الطائرة المنكوبة التي سقطت قبل شهرين , بعد ان وجدهما بحّار يعيشان على جزيرة في وسط البحر ..
وانتظر الجميع توضيح المضيفة مروى لكيفية سقوط الطائرة.. 

فأخبرتهم بعينين دامعتين : لا ادري ما حصل بالضبط .. كنت أوزّع الوجبات الغذائية على المسافرين .. وفجأة ! انخلع الباب الرئيسي .. ولكوني قريبة منه , سحبني الهواء للخارج .. وطفوت في الجوّ لفترة , قبل سقوطي بقوة في الماء .. ثم سمعت صوت انفجارٍ هائل ! ورأيت الطائرة من بعيد تحوّلت لكتلة نار , وغرقت في البحر ... ثم فقدّت الوعيّ .. وحين استيقظت , وجدت نفسي على شاطىء جزيرةٍ نائية .. فبدأت ابحث عن ناجين آخرين , دون جدوى .. ومن حسن حظي ان الولّاعة التي استخدمها لخدمة المسافرين المدخنين مازالت في جيبي ! فأشعلت بها الحطب لتدفأتي ذلك المساء .. وقبيل الفجر , سمعت بكاء طفلٍ من بعيد ! فتتبّعت الصوت , لأجد ولداً في الخامسة من العمر مستلقي على الشاطىء .. وعشت معه على الجزيرة طوال الفترة الماضية , الى ان أنقذنا ذلك الصيّاد الطيب .. 

فسألتها الصحفية : وكيف تدبّرتما اموركما طوال الشهرين الماضيين ؟
مروى : كان لدينا شجرتين جوز الهند .. وكنت اصطاد سمكة او سمكتين برمحٍ خشبي مُسنّن , بعد تدريبٍ مستمر .. وحينما تمطر , أجمع الماء العذب في اوراق نباتٍ ضخم .. اما عن النوم : فوجدتُ كهفاً صغيراً , إحتمينا فيه بالأيام الماطرة
- الم تخافا من الحيوانات المفترسة ؟
- الجزيرة صغيرة وليس فيها سوى الطيور والسلاحف والسلاطعين .. ولم أتعمّق في البحر خوفاً من سمك القرش .. لكنّا عانينا من  البعوض والذباب 

وهنا قال موظف أمن المطار للصحفيين : 
- لوّ سمحتم !! الناجيان متعبان , واهاليهم في انتظارهم .. فتوقفوا عن التصوير وطرح الأسئلة .. 
***

كان على السلطات إعادة المضيفة الى بلدتها , وتوصيل الطفل الى اهله ..
لكن مروى رفضت السفر , قبل الإطمئنان على الصغير الذي تعلّقت به  كثيراً ..

وانتظرت في مكتب المطار لحين قدوم الوالد , الذي أتى مذهولاً لنجاة ابنه الوحيد بعد وفاة زوجته في تلك الرحلة ! وأخذ يقبله بشوقٍ كبير ..
بينما تجمّدت مروى في مكانها بعد معرفتها أن والده هو ممثلٌ مشهور شاهدت جميع افلامه !

ولم ينسى الممثل شكرها على اهتمامها بإبنه , وأعطاها رقم جواله في حال ارادت الإطمئنان على الطفل ..

ومن بعدها سافرت مروى الى بلدتها , ليستقبلها والديها بالدموع وهما يحمدان الله على سلامتها ..
***

في ليلتها الأولى بمنزلها .. إتصلت على الممثل للإطمئنان على الصغير , فأخبرها انه يرفض النوم من دونها .. 
فطلبت منه ان يضع الجوال على اذنه , وصارت تغني له انشودة إعتاد النوم عليها كل مساء في تلك الجزيرة , وسرعان ما غفى والإبتسامة تعلو وجهه .. 

فأخذ الممثل جواله ليسمعها وهي تتابع الغناء , فقال لها : 
- صوتك جميل 
مروى : آه ! كنت أغني لإبنك 
- نعم , وهو نائمٌ الآن .. شكراً لك 

وأخذ يتكلّمان لساعةٍ اضافية , شرحت فيها مروى المصاعب التي واجهتهما على الجزيرة ..
*** 

مرّت الأسابيع .. وازداد تعلّق الصبي بها , وأصرّ على محادثتها كل يوم .. بل صار يلحّ على والده بإحضار ماما مروى اليه .. 
فاقترح الممثل عليها ان تأتي الى بلدتهم في رحلةٍ استجمامية مدفوعة التكاليف ..

وسافرت مروى الى هناك .. وبعد نزولها في فندق , إتصلت بالممثل لإحضار ابنه اليها .. لكنه أصرّ على مبيتها في قصره , ليهتم بها خدمه كردّ الجميل .. فقبلت مروى بعد الحاحٍ منه 
*** 

وفور وصولها القصر , إستقبلها الصغير بالإحضان والدموع .. 
وطوال مكوثها هناك , نام الصغير معها في غرفة الضيوف ..

واعتادت بعد تنويمه على الجلوس مع والده في الصالة , ليتحدثان عن الحادثة ومصاعب الحياة واحلامهما وغيرها من الأمور 
*** 

بعد اسبوعين.. رآها الممثل تخرج من غرفتها وهي تجرّ حقيبة السفر , فسألها ان كان احداً ضايقها .. فأخبرته ان والدها غضب كثيراً حين علم ببقائها في قصره (وليس الفندق كما وعدته) وأمرها بالعودة فوراً , خوفاً على سمعتها ..

واثناء حديثهما .. امسك الصغير بيد والده , وترجّاه باكياً :
- لا تجعل ماما مروى تذهب من هنا , ارجوك !!
الممثل : اخاف ان يغضب والدها ان بقيت معنا 
ابنه : اذاً تزوجها يا بابا !!
فارتبك ابوه ومروى من اقتراحه المحرج ! 

فخرجت مُسرعة من القصر .. ليلحقها الممثل , مُعتذراً عن كلام ابنه
مروى : رجاءً لا تعاقبه , فهو لا يفهم ما قاله 
- هو يفتقد امه كثيراً 
- وانا والله احبه كأبني , لكن والدي على حق : فأنت رجلٌ غريب , ولا يحقّ لي المبيت هنا 
- وانا لا اريد ان أبقى غريباً عنك 
مروى باستغراب : ماذا تقصد ؟! 
- هل تتزوجينني يا مروى ؟ 
فسكتت قليلاً .. قبل ان تومأ برأسها إيجاباً , بخجلٍ شديد ..
***

بعد شهر العسل .. ذهبت مروى الى قصر صديقتها (مضيفةٌ سابقة) , ومدّت يدها وهي تقول : 
- اين الشيك الذي اتفقنا عليه ؟ 
فأخرجت صديقتها الظرف من درج المكتب , وأعطتها له : 
- تفضلي , لا اصدق انك كسبت الرهان !
مروى : قلت لك سأتزوج ممثلي المفضّل , مهما كلّفني الأمر .. تماماً كما تحايلتي انت على المسافر العجوز وتزوجته .. وهآ انت الآن ارملة ثرية 
- على الأقل نجحت بذكائي وجمالي .. اما انت , فاستغلّيتي حب الصغير للزواج من والده 
مروى بابتسامةٍ ماكرة : وهل تظني انه طلب ذلك من ابيه بملأ ارادته ؟ 
- لم افهم !  

مروى : قبل رحيلي من القصر , أخبرت الصغير انه لن يراني ثانيةً , لأني مسافرة بالطائرة التي ربما تنفجر واموت .. فانهار المسكين بالبكاء , وطلب مني البقاء بجانبه .. فأخبرته ان الحل الوحيد : هو زواجي من والده لكي اصبح امه , وحينها سأسمح له بأكل الحلويات واللعب كما يشاء 
صديقتها : أيّ بعكس امه (عارضة الأزياء) المهووسة بالحمية الغذائية والرياضة والسفر .. فجميعنا شاهدنا فيدوهاتها المصوّرة عن تربيتها القاسية لإبنها , دون اكتراثها بنقد الناس في مواقع تواصلها الإجتماعي 

مروى : بالضبط !! بينما أنا اعطيته كامل الحرية اثناء وجودنا على الجزيرة , وهذا سبب تعلّقه بي 
صديقتها : مازلت لا أصدّق حنانك على الصغير , فأنا اعرف انانيتك وغيرتك جيداً 
- انا بحاجته الآن .. لكن حينما انجب طفلاً او اكثر , سأقنع والده بإرساله لمدرسةٍ داخلية 
- يالك من خبيثة يا مروى ! وانا ظننت ان القدر ساعدك بسقوط الطائرة , وبقائك مع ابنه في الجزيرة 
مروى بابتسامةٍ خبيثة : عزيزتي , ليس هناك صدف بالحياة .. والآن عليّ الذهاب للبنك لقبض الشيك .. القاك لاحقاً

وبعد ذهابها , قالت صديقتها في نفسها : ((هناك سرٌ خطير تخفيه هذه الملعونة !))
***

بعد مرور اربعة اشهر على الحادثة .. وجد الغواصون اخيراً الصندوق الأسود للطائرة .. وما سمعه المحقّق فاجأه للغاية ! 
حيث ظهر بالشريط صراخ إحدى المضيفات :
- مروى !! لا تفتحي الباب..
لتعلو بعدها صرخات الركّاب , قبل لحظات من صوت الإنفجار الكبير !

فعلم المحقق ان مروى إفتعلت الحادثة (فهي الناجية الوحيدة) , وطلبها للتحقيق .. 

وبعد الضغط عليها لساعاتٍ طويلة .. إعترفت اخيراً بخطتها المحكمة , قائلةً :
- كنت راهنت صديقتي الثرية على مبلغ مليون دولار في حال تزوجت ممثلي المفضّل قبل نهاية العام .. وبحكم وظيفتي تعلّمت الهبوط بالمظلّة .. كما اعتدتُ على متابعة صفحة الفيسبوك الخاصة بزوجة الممثل , حيث كانت الغبية تنشر أدقّ تفاصيل حياتها .. فعلمت انها ستسافر على تلك الرحلة , فتبادلت مع احدى المضيفات لأكون على متن الطائرة .. وخططّتُ منذ البداية بأن أخطف ابن الممثل , لهذا وضعت مخدّراً في وجبة الأطفال , ودواء مسهّل في طعام امه .. وحين ذهبت للحمام .. حملت الصغير النائم الى الحمام الثاني , وربطته معي بالمظلة التي سرقتها من خزانة الموظفين في الطائرة ... بعد ان وضعت عربة الطعام في الممرّ , كي لا يوقفني احد اثناء فتحي الباب الرئيسي .. ومن حسن حظي ان توازن الطائرة اختلّ وتحطّمت بالبحر , والاّ لشهد الركّاب ضدّي

المحقق بدهشة : وما ادراك انك ستهبطين بمظلّتك فوق جزيرة ؟!
مروى : قبل تنفيذي الخطة .. سألت الطيّار عن وجهتنا , فأخبرني اننا نحلّق فوق سلسلة من الجزر النائية .. وكنت درست سابقاً طريق الرحلة , وعلمت إن أحد الجزر ملكاً للرجلٍ غني .. وتواصلت بالإنترنت مع حارس قصره , ووعدّته بملبغٍ محترم في حال ساعدني .. وقبل قفزي مع الطفل من الطائرة , سرقت اللاسلكي من كابينة الطيّار المخصّصة للطوارىء .. لكن تيّارت الهواء أوصلتني الى جزيرة ثانية.. ومن حسن حظي ان بوصلة سفينة الحارس إلتقطت إشارات اللاسلكي .. فأخذني انا والصغير الى القصر الذي بقينا فيه لشهرين , عشنا فيها اجمل ايام عمرنا 
- الهذا كان الطفل يخبر الصحافة عن القصر الفخم وحوض السباحة والملعب الكبير ؟! 
- والطعام الفاخر ايضاً .. لكني تداركت الموقف وأخبرت الصحفيين انها قصص ألّفتها له , كيّ لا يشعر بوحشة المكان .. 
- تابعي كلامك

مروى : كان المفترض ان نبقى هناك ثلاثة اشهر حتى يتعوّد الصبي على دلالي الزائد , بعكس امه الصارمة .. لكن في تلك الليلة أخبرني الحارس ان سيده قادم الى القصر بعد يومين .. فطلبت منه إيصالنا الى الشاطىء , وإخبار السلطات : أنه صياد , وجدنا وحدنا على جزيرةٍ نائية .. وقبل ايام دفعت له مبلغ 50 آلاف دولار , بعد صرف شيك صديقتي

المحقق بعصبية : كل هذا التخطيط لتتزوجي من حبيبك المشهور؟!
- طبعاً !!
المحقق بغضب : أتدري ما سيفعله الممثل حين يعلم انك قاتلة زوجته ؟ 
فغيّرت الموضوع قائلةً : لا تنكر سيدي ان خطتي أبهرتك 

فقال لها بحزم : سيدة مروى !! انت مُتهمة بقتل 122 راكب , ورشوى حارس القصر الذي عشت فيه دون إذن صاحبه .. أتدرين ماهو عقابك ؟
فردّت دون اكتراث : لا يهم .. يكفي انني عشت أجمل شهر عسلٍ بحياتي , مع حبيب قلبي الغالي 

فنادى المحقق بعصبية : ايها الشرطية !!
فدخلت الشرطية الى غرفة التحقيق .. فقال لها المحقق :
- خذيها الى السجن , في انتظار يوم محاكمتها ..

وقبل ذهابها .. قال المحقق لمروى بلؤم :
- توقعي حكم الإعدام !!
مروى بثقة : دولتنا ألغت حكم الأعدام في سبعينات القرن الماضي
المحقق : يبدو انك قمت ببحثٍ شامل قبل ارتكابك الجريمة ! لكن تأكدي ان القاضي سيحكم عليك على الأقل بالسجن مدى الحياة .. هيا خذيها من وجهي !!
الشرطية : حاضر سيدي !!
***

وقد أحدثت جريمتها ضجّة اعلامية كبيرة , صدمت والديها واهالي ضحايا الطائرة المنكوبة .. وكان الممثل أكثرهم حزناً , والذي دفع ضريبة شهرته غالياً بسبب هوس عروسته المجنونة ! 

الأربعاء، 15 أبريل 2020

غزوّ العناكب

تأليف : امل شانوحة


المسخ العنكبوتيّ

عادت جاكلين حزينة الى بيت صديقها بعد انتهاء مراسم العزاء , لترتيب اغراضه داخل صناديق بعد وفاته بجرعة هرمونات زائدة أخذها لتكبير عضلاته قبل مسابقة كمال الأجسام ..

وحين رأت قفص عنكبوته الذئبي , فكّرت في بيعه لمحل الحيوانات القريب من المنزل .. لكنها أشفقت عليه حين وجدته يبحث عن شيءٍ يأكله , بعد ان تركه صاحبه لأيام اثناء احتضاره في المستشفى ..

وكانت علبة الحشرات فارغة .. ففتحت الثلاجة , لتجد قطعة بيتزا قديمة .. فرمتها في القفص وهي تقول للعنكبوت :
- لا ادري ان كنت تأكل مثلنا ! لكن في حال انتهيت باكراً , أذهب لشراء طعام لك 
وظلّت ترتّب منزل صديقها طوال اليوم , الى ان غفت على سريره 
***

في اليوم التالي .. وجدت العنكبوت اكل نصف البيتزا , بعد نسج خيوطه حولها .. فقالت بدهشة : 
- يالك من عنكبوتٍ قوي !

وهنا خطرت على بالها فكرةً غريبة .. وأخرجت علبة الهرمونات التي تسبّبت بقتل صديقها من سلّة النفايات .. ووضعت حبّة داخل قطعة حلوى أعطتها للعنكبوت , قائلةً بلؤم :
- اما ان يقويك الدواء , او يقتلك كصديقي الغبي 

ثم عادت الى بيتها .. وكالعادة تشاجرت مع زوج امها ..
لكن هذه المرة قرّرت حزم امتعتها , والعيش في بيت صديقها المتوفي .. 

وهناك أخذت ترتّب اغراضها داخل خزانته , وهي غاضبة من امها التي لم تدافع عنها امام زوجها الذي طردها من المنزل ! قائلةً بغيظ :
- لست بحاجة لأحد !! فمازال معي قسط الجامعة .. سأحتفظ بالمال لحين إيجادي عملاً يناسبني 
  
ثم تذكّرت العنكبوت , فذهبت للإطمئنان عليه ..
وحين فتحت قفصه , تفاجأت بأذرعه إزدادت طولاً !
- ماهذا ! أمعقول ان دواء الهرمونات ضاعف نموك ! هذا اكتشافٌ غريب .. هل أخبر إدارة الجامعة بتجربتي ؟ لربما خصموا من اقساطي ..(ثم فكّرت قليلاً) .. لا اظنهم سيصدّقونني على الفور , عليّ توثيق الحدث اولاً
***

في اليوم التالي .. اشترت جاكلين كاميرا وعلبة هرمونات من الصديلية ..حيث دسّت كل يوم حبة في طعام العنكبوت , وهي تصوّر نموه السريع بالكاميرا ..

وفي خلال اسبوع , صار حجمه أكبر من قفصه الزجاجيّ !  
فأخرجته ووضعته في الحمام الصغير , وهي تقول له :
- سأدعك تعيش هنا .. لكن لنتفق على شيء : إيّاك ان تلدغني , فأنا من أطعمك .. اتفقنا ؟ 

فإذّ بالعنكبوت يشير برأسه إيجاباً , وكأنه فهم كلامها ! فظنت الأمر صدفة , وأغلقت الباب عليه ..

ثم تابعت طحن الدواء مع الحشرات , ووضعها في صحن اسفل الباب .. ليسحبه العنكبوت للداخل , بإحدى أذرعه الطويلة !
***

مع الأيام .. لاحظت تعلّمه طرق الباب كلما جاع ! 

وكانت بالعادة تطعمه مرة في اليوم .. لكن هذا لم يعد يكفيه , وصار يُنهي علبة الحشرات في ايام قليلة ! مما اثار اهتمام صاحب محل الحيوانات الذي بدأ يسألها عن السبب .. فأرادت جاكلين اختصار الوقت ..فاشترت فئران وطيوراً ميتة , التي يبدو انها أعجبت العنكبوت اكثر من طعامه المعتاد ! 
***

وفي أحد الأيام ... فتحت جاكلين الحمام , لتتفاجأ بحجمه وقد تضاعف بشكلٍ مريب , حيث صار جسده أشبه بجسم انسان مفتول العضلات !

فأدركت أن عليها تسليم الكائن الغريب الى مختبرٍ مُتخصّص قبل فوات الأوان .. فأسرعت نحو الهاتف .. وقبل إجرائها الإتصال , رنّ جرس الباب !

فقالت للعنكبوت :
- عدّ بسرعة الى الحمام !!
لكنه اشار برأسه بالنفيّ .. وحرّك اذرعته وكأنه يخبرها : إن المكان ضيّقٌ عليه .. فقالت له :
- اذاً خذّ الحمام الكبير

لكنه اشار الى الصالون ..
جاكلين : لا استطيع وضعك هناك , لربما زارني احد ..
فأشار الى غرفة نومها , والجارة مازالت تطرق الباب .. 
جاكلين : حسناً خذّ غرفتي , وانا سأنام بالصالة .. المهم ان تختبأ الآن !! 

ثم تحدّثت مع الجارة عند الباب .. 
وبعد ذهابها , دخلت جاكلين غرفة النوم لتسأل العنكبوت :
- جارتي تقول ان كلبها مفقود منذ الصباح , فهل رأيته ؟
فابتسم العنكبوت ابتسامةً مريبة !

فدخلت جاكلين الى الحمام الصغير , لتجد عظام الكلب داخل حوض الإستحمام .. فعادت اليه غاضبة :
- هل أكلت الكلب ؟!!
فردّ العنكبوت قائلاً : طعامك لم يعد يكفيني

وكادت تسقط مغمياً عليها من هول الصدمة ! لكنه أسندها بذراعه قائلاً :
- لا اعلم ما تضعينه في طعامي , لكني تحوّلت لمسخ بسببك!!
جاكلين وهي ترتجف رعباً : كيف تعلّمت لغتنا ؟! 
العنكبوت : الم تلاحظي ان جسدي يُشبه الرجال ؟ رغم انني مازلت أملك اذرع واعين كثيرة .. 
- اعدك ان لا أدسّ الدواء في طعامك بعد اليوم , لكن عُدّ كما انت
- هذا صعب .. وعقاباً لك , اريد تذوّق طعم الإنسان
جاكلين بخوف : هل ستقتلني ؟!
العنكبوت : لست غبياً لهذه الدرجة , فأنا محتاجٌ اليك .. 
- وانا مستحيل ان اساعدك بقتل انسانٍ بريء 

فرمى لها قائمة طعام لمطعمٍ ما , وهو يقول :
- اذاً أطلبي لي البيتزا 
جاكلين بارتياح : نعم !! البيتزا لذيذة , وأطيب بكثير من لحم البشر .. وسأطلب ثلاثة بالحجم العائلي , بشرط ان لا تفكّر بالقتل ثانية
- هيا اتصلي , ماذا تنتظرين ؟
وأسرعت بطلب البيتزا .. 
***

بعد مرور نصف ساعة .. وقبل وصول الطلبية , قال لها العنكبوت:
- برأيّ ادخلي الحمام الآن 
جاكلين باستغراب : لماذا ؟!
- لأني قرّرت العيش في الحمام الكبير , لتعودي الى غرفتك 
- حسناً انتظرني قليلاً لأزيل اغراضي من هناك

وما ان دخلت هناك , حتى قام بجرّ خزانة الكتب لإغلاق بابها من الخارج..
جاكلين وهي تطرق الباب بعصبية : ماذا فعلت ؟!! إفتح الباب حالاً 
العنكبوت بخبث : اخيراً وصلت البيتزا  

وهنا سمعت جاكلين صوت شاب التوصيلات يقول بصوتٍ عالي :
- هل يوجد احدٌ هنا ؟!! هل طلبتم البيتزا ؟!! بابكم مفتوح ..سأضع البيتزا في المطبخ , لكن اريد ثمنها
فصرخت جاكلين من الحمام بعلوّ صوتها :
- أهرب بسرعة !!!

فارتعب الشاب .. وقبل خروجه من المطبخ , تفاجأ بالمسخ العملاق يرمي شباكه عليه .. ثم أسرع بلفّه بخيوطه !

وحين تمكّنت جاكلين من إزاحة الخزانة قليلاً عن الباب , وجدت اشلاء الشاب حول العنكبوت الملطّخ بالدماء الذي قال لها :
- تعالي وتناولي البيتزا !! فلحم البشر اطيب بكثير 
فانهارت بالبكاء بعد خروج الأمور عن السيطرة ! 
***

في الصباح الباكر .. حاولت جاكلين الهروب من المنزل للإبلاغ عن العنكبوت القاتل , لكنها وجدت الباب الخارجيّ مُقفل بشباكه السميكة !

وهنا سمعته يقول من خلفها :
- سيرمونك في مستشفى المجانين ان أخبرتهم عني 
جاكلين باكية : ارجوك دعني أرحل من هنا , وأعدك ان لا يعرف أحد بوجودك 
- احتاجك لإحضار طعامي , وانت تعرفين ماهو طبقي المفضّل 
جاكلين صارخة بهستيريا : انا لست قاتلة !!
- اليس لديك اعداء ؟
- ماذا تقصد ؟! 
- شخص تكرهينه وتريدين الإنتقام منه , يصلح ان يكون طعاماً لي

وهنا تذكّرت زوج امها .. فقالت مبتسمة :
- نعم لديّ وجبة دسمة لك , فهو بدين كالخنزير
- جيد !! بدأنا نتفق اخيراً

فاتصلت به لتخبره : إنها وجدت خزانة حديدية في بيت صديقها , وتريده ان يفتحها (لأنه حدّاد)

فأسرع زوج امها الى هناك , وهو ينوي سرقة الخزنة .. لكنه تفاجأ بالمسخ العملاق ينتظره في الغرفة ! 
ولأول مرة , استمتعت جاكلين برؤية العنكبوت يلتهمه ببطأ 
***

وتتابعت الأحداث سريعاً .. حيث صارت جاكلين تستدرج الى بيتها كل من تنمّر عليها في حياتها , لينقضّ عليهم العنكبوت كوجبة طعامٍ لذيذة 

وحين احضرت زميلتها الماكرة , تفاجأت بالعنكبوت ينظر اليها بشرود دون ان يأكلها (بعد ان لفّها بخيوطه)
جاكلين : ماذا تنتظر ؟!
العنكبوت بذهول : انها جميلة جداً
- ماذا تقصد ؟!
- اريدها عروسٌ لي
- ماذا !
العنكبوت : نعم انا كبرت واريد الزواج والإنجاب  
جاكلين بعصبية : ولم تخترّ سوى هذه ! لن اقبل بذلك !! 
ورمت السكينة على قلب زميلتها , وقتلتها ..

العنكبوت بدهشة وفخر : فاجأتي يا جاكلين ! هل أصبحتي قاتلة مثلي ؟
فانهارت جاكلين على الأرض مذهولة : يا الهي ! ماذا فعلت ؟!
فاقترب منها العنكبوت مبتسماً : اظنك قتلتها لأنك تغارين عليّ
- أغار عليك !
- نعم لا تنكري .. لهذا قرّرت الزواج بك 
- لا مستحيل !! إيّاك ان تقترب مني 

لكنه رمى شباكه عليها .. وبعد ان لفّها جيداً بخيوطه , أخذ ينظر اليها بعيونه الكثيرة وهو يتمّتم بكلامٍ غير مفهوم وكأنه ينوّمها مغناطيسياً , الى ان غفت فجأة !
***

حين استيقظت جاكلين في صباح اليوم التالي , وجدت نفسها نائمة بجانبه فوق شبكته الضخمة !
فحاولت الهرب قبل استيقاظه , لكنها صرخت بعلوّ صوتها بعد إحساسها بألمٍ فظيع في جسدها ..

فاقترب منها وهو يقول :
- لا تخافي , أنت تتحوّلين الآن 
- أتحوّل الى ماذا ؟
- ستعلمين بعد قليل , فأنا أحسّست بهذا الألم قبلك 
***

بعد ساعة من الألم الفظيع .. حملها العنكبوت وهي تتأوّه من التعب ووضعها قرب مرآة , وهو يقول لها :
- أنظري كم اصبحتي جميلة

وكاد قلبها يقف من الفزع ! حين شاهدت أياديها الأربعة وارجلها الستة وعيونها الكثيرة التي ملأت وجهها , التي جعلت الرؤية مُكبّرة عشرات المرات .. وأكثر ما اخافها هو بطنها المنتفخ , وشعورها بحركاتٍ غريبة داخله ! 

فقال لها : لا تخافي , انت حامل بأطفالنا
- حامل ! أبهذه السرعة ؟
- نعم وستلدين هذا المساء
- عليّ الذهاب من هنا فوراً
- الى اين ؟ ان رآك احد بهذا المنظر , سيقتلك على الفور .. فأنت أصبحتي مسخاً مثلي

فصرخت بهستيريا : ماذا فعلت يا مجنون ؟!! من سيطعمنا الآن ؟
- اولادنا سيتدبّرون امرنا .. والى ان تنجبيهم , سنتقاسم جثة صديقتك في الثلاجة 
فقالت بعصبية : انا لست آكلة بشر , الا تفهم ؟!!
- حسناً اهدأي , سأبحث في القبو عن فأر او حشرة تأكلينها .. انتظريني هنا

وأقفل باب الغرفة بشباكه كيّ لا تهرب , تاركاً جاكلين منهارة بالبكاء وهي نادمة لعدم إنهائها التجربة الغريبة التي قلبت حياتها رأساً على عقب ! 
***  

في المساء .. إنفجر بطنها ليخرج آلاف العناكب الصغيرة التي ملأت الغرفة , ليقوم والدهم بفتح الباب ليسرحوا في ارجاء المنزل .. بينما كانت جاكلين تحتضر بعد خروج مصرانها من جسدها !

وحين انتبه العنكبوت على سوء وضعها ! حاول إعادة احشائها لجسمها , وتضميد جرحها ببصاقه .. لكنها ماتت بعد نزيفٍ حاد
فحملها ووضعها قرب اولاده وهو يقول :
- إكراماً لأمكم , سأدعها لكم 

فتجمّع فوق جثتها آلاف العناكب الصغيرة ليأكلونها بنهمّ , ووالدهم يراقبهم من بعيد وهو حزين على وفاتها 
***

بعد ايام .. انتهى الطعام من المنزل , فاتخذ والدهم قراراً جريئاً : وفتح الباب الخارجي مساءً , وهو يقول لهم :
- إنتشروا في اماكن مختلفة , وكلوا من بيوت الجيران.. ولا تنسوا إحضار الطعام لوالدكم .. فأنا لا استطيع الخروج بهذا المنظر , والا سيقتلونني على الفور .. هيا اذهبوا , سأنتظركم هنا

ولم تمضي ساعة , حتى علت صرخات الجيران الواحد تلوّ الآخر!
***

في الصباح الباكر ..وصلت شاحنات مخصّصة لقتل الحشرات , وبدأت برشّ الحيّ بأكمله بالمبيدات .. 

فشاهد العنكبوت الأب من نافذة غرفته : ابنائه العناكب ميتين في الطرقات بعد هروبهم من المنازل , مما اغضبه جداً .. 
فخرج من المنزل مُهاجماً عمّال المبيدات , وسط صدمة الجميع الذين هربوا في جميع الإتجاهات !

وسرعان ما انتشر الخبر بوسائل الاعلام بعد تصوير الشهود للحدث بجوالاتهم .. فأرسلت الحكومة جيشها لقتل العنكبوت العملاق , والذين قضوا عليه اخيراً بعد استخدام رشّاشاتهم الثقيلة .. ونقلوا جثته الى مختبراتهم لدراستها ..
***

لاحقاً قامت الشرطة بتفتيش المنزل الذي خرج منه العنكبوت (بشهادة الجيران) ليجدوا الفيديوهات المصوّرة لجاكلين التي أظهرت كيفية نموه السريع والمدهش !

فأرسلوا التسجيلات الى المخابرات العسكرية الذين استفادوا من تجربتها لصنع جيش من العناكب العملاقة لمحاربة دولة العدو المجاورة , والتي اعلنت استسلامها بعد موت اكثرية مواطنيها !
***

وقبل يوم من احتفال الدولة بانتصارها , تفاجؤا ببعض العناكب العملاقة تعود الى شواطئهم بعد اختبائها داخل سفنٍ تجارية , والتي قامت بالتزواج بينها لإنجاب ملايين العناكب التي انتقلت عبر السفن الى كل دول العالم للدغ كل من صادفها من البشر ! حيث لم ينجو من السكّان الا من هرب لإعالي الجبال الباردة .. لتؤدي تجربة جاكلين المتهّورة الى فوز جيش العناكب الذي قضى على البشرّية بأكملها ! 
**** 

ملاحظة :
النوم وقت العصر يجعلك تحلم بكوابيس غريبة وعجيبة ! وهذه إحداها , أردّت مشاركتها معكم.. 

الجمعة، 10 أبريل 2020

سيرة حياة عزرائيل

كتابة : امل شانوحة


ملك الموت , كما ذُكر في الكتاب والسنّة

في الجنة .. وبعد عودة عزرائيل من زيارة البيت المعمور في السماء السابعة , وجد اجتماعاً مهمّاً داخل المجلس المخصّص لكبار الملائكة..فسألهم :
- ماذا هناك ؟!

فردّ ميكائيل : بعثني الله لآتيه بطينٍ من الدنيا , لكن الأرض استعاذت بالله ان أنقصها , فلم أفعل .. وهذا ما حصل مع جبريل ايضاً 
عزرائيل بثقة : بإمكاني تنفيذ الأمر 
جبريل : اذاً أهبط الآن .. فالله يريد تحويلها الى صلصال لخلق جنسٍ جديد 
***

وعند وصوله الأرض , حصل الشيء ذاته .. فردّ عليها قائلاً :
- وأنا أعوذ بالله أن أرجع , ولم أفي بوعدي 
فأخذ من تربة الأرض قبضاتٍ متعدّدة الألوان , ومن اماكن مختلفة .. وعرج الى السماء بما حمله , لتسليمها لله ..
***

بعد قليل .. عاد الى مجلس الملائكة الذين سألوه باهتمام :
- ماذا حصل ؟
عزرائيل : منحني الله اسماً جديداً بعد نجاحي بالمهمّة 
- وماهو ؟ 
- ملك الموت 
- الموت ! هل سيوكّلك بقبض ارواح الجن ؟
عزرائيل : بل البشر 
- البشر ؟!
- نعم هو يخلق الآن رجلاً سمّاه آدم , ولاحقاً سيخلق زوجته من ضلعه .. وهما سينجبان بشراً تستوطن الأرض .. وستكون مهمّتي قبض ارواحهم عند انتهاء أجلهم 
- كان الله في عونك , فهي مهمّة شاقة 

عزرائيل : في البداية خفت ان يكرهني الناس , لكن الله طمأنني انهم سينسبون الموت لأشياء اخرى : كالأمراض والمعارك والحوادث .. كما انني سأظهر للمؤمن كشابٍ جميل بملابس بيضاء ورائحة ذكية .. وللكافر بشكلٍ مخيف اسود , وبحجمي الطبيعي 
- أكيد سيموتون فزعاً حين يروا قدميك في الأرض ورأسك في السماء !
عزرائيل : انا لن أشفق على من قضى حياته في معصية الله  .. وانتم !! ماهي مهمّاتكم ؟

ميكائيل : أوكلني الله بالمطر والنبات
وقال ملاكٌ آخر : وانا وظيفتي النفخ في الأرحام , وتحديد المولود ذكراً ام انثى , شقياً ام سعيداً .. وكلّه بأمر الله
- اما انا فملك الجبال 
وقال مالك : وانا خازن جهنم , بمساعدة الزبانية
رضوان : وانا خازن الجنة والحمد الله .. ولي اعوان سيخدمون المؤمنين بعد اجتيازهم الحساب يوم القيامة

جبريل : اثناء مهمّتك على الأرض يا عزرائيل , وزّع الله المهام على عددٍ كبير من الملائكة .. وأعطى ثمانية منّا مسؤولية حمل عرشه الكريم .. وأوكل الكرام الكاتبين بكتابة النيّات والأقوال والأعمال : بحيث لكل إنسان ملكان : صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات... بالإضافة لملكين آخرين يحفظان الإنسان ويحرسانه : واحد من أمامه ، وواحد من خلفه.. وخصّص بعض الملائكة لتثبيت المؤمنين عند الحروب .. وأبقى على 70 الف منّا لزيارة البيت المعمور كل يوم .. ووظّف السيّاحين لحضور حلقات الذكر على الأرض .. اما منكر ونكير فهما مسؤولان عن سؤال الميت في القبر.. وهذه اهم الوظائف التي وزّعت علينا  

عزرائيل : وماذا عنك يا جبريل ؟
فأجابه : انا وكّلت بتبليغ الوحيّ والكتب والتشريعات , وتوصيل اوامر الله للأنبياء والرسل
عزرائيل مُستفسراً : انبياء ورسل ! يعني سيضلّ البشر كما فعل الجن , وليسوا منزّهين عن الخطأ مثلنا ؟!
جبريل : هم جنسٌ جديد فيهم الطيب والشرير.. وسيبدأ عملنا فور خلق الله لآدم .. (وهنا رأى ابليس يدخل المجلس).. هآقد أتى المتغطرس ..لا تنطقوا بشيء امامه , فأنتم تعرفون غيرته وحقده

ابليس بصوتٍ جهوريّ :
- كيف حالكم يا اصدقاء ؟ !! اراكم مجتمعين هنا , هل وزّع الله المهام علينا ام بعد ؟
- ننتظر إنتهاء خلقه لآدم 
ابليس : آه آدم .. مررّت به قبل قليل .. لم يُنفخ فيه الروح بعد .. يبدو كتحفةٍ فنية من الصلصال , مُجوّفٌ من الداخل لدرجة انه يصدر صوتاً ان طرقت عليه .. من الواضح انه سيكون جنساً ضعيفاً , وأظن قومي الجن باستطاعتهم التغلّب عليه وعلى نسله بسهولةٍ ويسر

فسكت الجميع بامتعاض .. وأكمل قائلاً :
ابليس : آه قبل ان أنسى , هل سمعتم بالإشاعة المخيفة ؟
- ماهي ؟!
- يُقال ان أحدنا سيُطرد من الجنة , بعد فشله بإمتحان الله 
- وما نوع الامتحان ؟!
ابليس : لا ادري 
فقال أحد الملائكة بقلق : أخاف ان اكون انا
ملاك آخر بخوف : او انا !
ابليس بغرور : لا تقلقوا , سأدعو الله ان ينجيكم من العقاب 
جبريل بضيق : وماذا عنك ؟

فردّ ابليس بعصبية : كيف تجرأ على هذا السؤال ؟ انا أعبد الجن !! ولا توجد بقعة في الأرض لم أسجد فيها لله .. وانتقلت الى هنا بجدارة واستحقاق , وسأبقى في الجنة ما حييت !! .. والآن اعذروني , عليّ الذهاب لإكمال حديثي مع الحوريات الفاتنات ..
ثم خرج من المجلس ..

ميكائيل بعصبية : ياله من مغرور متغطرس !
عزرائيل بغضب : ليت الله يأمرني بقبض روحه اولاً 
جبريل : لا اظن مهمّته انتهت بعد .. المهم إن كانت الإشاعة صحيحة , فعلينا الإكثار من الدعاء للنجاح بالإمتحان القادم 
***

ومرّت الأيام .. الى ان دعى الله الملائكة لرؤية آدم , الذي أدهشهم خلقته الجديدة ! فهيئته تختلف عنهم وعن الجن .. 
وأمرهم بالسجود , فرضخوا للأمر وخرّوا لآدم سجّداً .. ليتفاجؤا بصوت ابليس من الخلف يقول مُعترضاً :
- لن اسجد له !! فأنا خيرٌ منه , خلقتني من نار وخلقته من طين 

ثم تتابعت الأحداث سريعاً , الى ان أخرج الله آدم وزوجته وابليس من الجنة .. ومن ذلك اليوم , بدأ عمل الملائكة مع ذريّة آدم ..  
***

بعد سنواتٍ عديدة .. كان عزرائيل يتسامر مع الملائكة في المجلس حين ناداه جبريل : 
- يا عزرائيل !! إنزل الأرض لتنفيذ مهمّتك الأولى
فأجابه بدهشة : أبهذه السرعة ! فلا يعيش هناك سوى ابناء آدم , وهم في ذرّوة شبابهم .. ام انني سأقبض روح والدهم ؟!
جبريل : إن ذهبت الآن ستعرف بنفسك
***

فنزل عزرائيل بسرعة الضوء , الى ان وصل الى الصحراء التي يعيش فيه آدم وعائلته الصغيرة .. حيث كان هو وزوجته وابنتاه يشويان اللحم في كهفهم للغداء .. 

فبحث عزرائيل عن ولديه , ليجدهما فوق الجبل يقدّمان القرابين لله .. ومن حديثهما فهم انهما تشاجرا حول الفتاة التي سيتزوجانها , ووالدهما أقترح ان يحكم الله بينهما .. 

وشاهد عزرائيل من بعيد كيف نزلت الصاعقة من السماء لاختيار كبش هابيل , بدل السنابل السيئة للمزارع قابيل الذي استشاط غضباً لدرجة انه هدّد اخاه بالقتل ! لكنه نصحه بقبول امر الله , مُنذراً إيّاه بعقاب الآخرة.. ومضت تلك الليلة على خير .. 
***

في اليوم التالي .. تأخّر هابيل بالعودة الى اهله .. فأرسل آدم قابيل للبحث عنه , فوجده نائماً بين خرافه 
وفجأة ! ظهر ابليس خلف قابيل (دون ان يراه) وبدأ يوسّوس في اذنه .. 
فإذّ به يحمل صخرة كبيرة ويرميها على رأس اخيه الذي بدأ ينتفض بقوة 

وهنا اقترب ابليس من عزرائيل قائلاً :
- إذهب لأخذ روح ضحيتك الأولى
عزرائيل : الن تتوب يا ابليس ؟
- الم تسمع حكم ربك ؟!! .. انا لا توبة لي .. لهذا سأنفّذ ما وعدته به , وأظلّ أوسّوس حتى آخر نفسٍ لهم .. يبدو اننا سنتلاقي كثيراً في هذه الدنيا , يا صديقي القديم 

واختفى ابليس .. ليتوجه عزرائيل نحو جسد هابيل , ويمدّ له يده ..
هابيل بألمٍ وفزع : من انت ؟!
- انا ملك الموت , وقد حان الوقت لآخذك معي الى الجنة 
- الجنة ! المكان الذي خُلق فيه والدايّ ؟
- نعم , ستجد فيها كل ما تتمناه
- وماذا عن اهلي ؟
- يوماً ما سيلحقوا بك
هابيل : واخي ايضاً ؟
عزرائيل : لا , سيتعذّب في الجحيم الى ما شاء الله
- الجحيم ! لماذا ؟ 
- لأنه قتلك
هابيل بدهشة : هل مُتّ ؟! 
عزرائيل : الآن ستخرج روحك , هات يدك 

وما ان وضع يده بيد عزرائيل , حتى طفى معه في الهواء.. لكنه استوقفه قائلاً :
- لحظة ارجوك , لا تأخذني الآن .. اريد ان ارى ماذا سيفعله أخي بجثماني 
عزرائيل : ربما يطول الوقت قبل إيجاده الحلّ .. (ثم فكّر قليلاً) .. حسناً ليس ورائي عملٌ آخر , سننتظره قليلاً

وشاهدا سوياً إنهيار قابيل بالبكاء خوفاً من والده , وحيرته بما سيفعله بجثة اخيه ! 
وبقيّ على هذه الحال لفترة من الزمن , الى ان ارسل الله غراباً يعلّمه الطريقة .. فقام بتقليده , ودفن الجثة تحت التراب .. 
ثم تاه في الصحراء بعد قراره العيش وحيداً بعيداً عن اهله 

وهنا قال عزرائيل لهابيل :
- هل ارتحت الآن ؟
هابيل : وهل عرف والدي بما حصل لي ؟
- نعم , جبريل أطلعه بكل شيء .. وأخبره ان أخاك سيكون له نصيباً من ذنب كل شخصٍ يقتل غيره عدواناً , لأنه اول من سنّ جريمة القتل على الأرض ... والآن دعني آخذك الى السماء

وانطلقا نحو الجنة بسرعة الضوء .. وبهذا أتمّ عزرائيل مهمّته الأولى في الدنيا
***

من بعدها توالت المهام بشكلٍ بسيط , حيث طال عمر الإنسان آلاف السنين .. الى ان عمّ الفساد بينهم في زمن النبي نوح ..
وهنا وُكّل عزرائيل بمهمّة ضخمة : وهي قتل جميع البشر غرقاً , فيما عدا ركّاب سفينة نوح .. 

وهبط هو وجبريل وميكائيل سويّاً لتنفيذ المهمّة .. 
حيث لازم جبريل نوح لإعطائه الإرشادات في بناء السفينة , ومن هم ركّابها من البشر والحيوانات , عدا عن توجيهات رحلته البحريّة .. 

فيما قام ميكائيل واعوانه بإنزال المطر وتفجير الأنهار , الى ان ارتفع منسوب المياه في الكرة الأرضية بأكملها ! 

في الوقت الذي كان فيه عزرائيل يقبض ارواح الكافرين .. الى ان وصل لآخرهم : وهو ابن نوح الذي ظلّ متمسكاً بقمّة الجبل وهو يرى سفينة والده تبتعد خلف الأمواج , صارخاً بندمٍ وخوف :
- سامحني يا ابي !! كان عليّ الذهاب معك !! ارجوك عدّ وخذني معك !!
عزرائيل وهو يحلّق فوقه : لا توبة لك الآن
فسأله بفزع : من انت ؟!

فقام عزرائيل بإبعاد يديّ الشاب عن الجبل بالقوة , وغطّس رأسه تحت الماء , الى ان توقف عن الحراك .. ثم ترك جسده يغرق كبقيّة البشر !

وهنا ناداه ميكائيل من بعيد :
- هل أنهيت مهمّتك ؟!!
عزرائيل : نعم !! وانت ؟ 
- لا !! مازال امامي إعادة المياه الى جوف الأرض , وإيقاف المطر بعد وصول سفينة نوح الى جبل الجودي في تركيا .. إسبقنا انت !! وسألحقك انا وجبريل بعد قليل 
وانطلق عزرائيل الى السماء بعد انتهاء مهمّته بنجاح..
*** 

ثم توالى الأنبياء والرسل , الى ان جاء عصر سيدنا موسى .. 
وانتظر عزرائيل جيش فرعون في منتصف البحر المشقوق الى نصفين , بعد ان تجاوز موسى وقومه الضفّة الثانية.. 
وما ان رأته الأحصنة , حتى ارتعبت ورمت من فوقها الجنود ... 
وهنا التقت عينا فرعون بعزرائيل (الذي لم يره احدٌ سواه) قائلاً له:
- سيجعلك الله عبرة للعالم أجمع !!

ثم رفع عزرائيل جناحه مُشيراً للميكائيل بإعادة البحر الى هيئته السابقة .. ليغرق جنود فرعون دفعةً واحدة .. 
ثم قام اعوان عزرائيل بحمل ارواح الجنود الى السماء , بينما تكفّل عزرائيل بحمل روح فرعون الذي حلّق معه فوق البحر وهو يقول له :
- أترى الجثة الطافية هناك ؟ هذا جسدك الذي سيبقى محفوظاً في المتاحف الى ما شاء الله , فالأرض رفضت ان تُدفن فيها بعد إدعائك الألوهيّة .. (ثم قال بسخرية) .. إبشر يا فرعون !! فجبروتك ضمنت لك الدرك الأسفل من جهنم التي سأريك إيّاها الآن .. هيا بنا 

ورفعه الى السماء , وروح فرعون ترتجف رعباً بين جناحيّ ملاك الموت
***

ثم حلّ زمن سيدنا عيسى .. 
وفي الوقت الذي أُعطيت الأوامر لعزرائيل بنزول الأرض , تفاجأ بجبريل يصعد الى السماء برفقة سيدنا عيسى وهو على هيئته البشريّة !
فسأله عزرائيل باستغراب : انا لم أقبض روحه بعد !
جبريل : نعم سيبقى معنا في الجنة , الى ان أُعيده الى الدنيا بأمرٍ من الله ليحكم بين الناس بالعدل  
- اذاً سأنزل لأخذ روح شبيهه المُقيد على الصليب

وبعد نزول عزرائيل .. قال النبي عيسى لجبريل بقلق : 
- أخاف ان يُضلّ الناس من بعدي
جبريل : لا تقلق , سيأتي نبيٌ آخر لتوضيح ما حصل .. وأتباعك أحرار بتصديقه ام لا , فالهداية بيد الله وحده .. والآن دعني أوصلك الى الجنة , فالجميع في انتظارك
***

وفي زمن سيدنا محمد .. دخل عزرائيل بيته , ليجده يتصبّب عرقاً من سكرات الموت وهو في حجرة السيدة عائشة.. فقال له بحزن :
- السلام عليك يا رسول الله 
فسأله الرسول بتعب : الرفيق الأعلى ؟
- نعم هو أرسلني اليك .. وجميع الملائكة مُشتاقة لرؤيتك الشريفة بينهم .. اما عن اهل بيتك : فإبنتك فاطمة ستكون اول من تلحق بك .. ولن يطول الزمن قبل إحضاري صديقك ابو بكر اليك

فابتسم الرسول بإرهاق , ثم أغمض عينيه ومالت يده  .. لينتقل مع عزرائيل الى الجنة , ويعمّ الحزن على اهل المدينة وسائر المسلمين
*** 

وتتابعت العصور : من خلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين
ثم اندلعت الحربين العالميتين , بما تضمّنتها من مجاعات وامراضٍ فتّاكة جعلت عزرائيل وجنوده في عملٍ دائم لقبض ارواح الملايين في انحاء العالم
بعدها هدأ الوضع قليلاً , بحروب متفرقة في بعض الدويلات الصغيرة 
***

في إحدى الليالي .. سأل عزرائيل أحد جنوده الجدّد :
- لما تجلس وحدك هنا ؟
الملاك الشاب : تأثّرت حين رأيتك تأخذ روح طفلٍ صغير , ولم أتحمّل بكاء امه
- هو طير من طيور الجنة .. ستتعوّد لاحقاً , فهذه مهمّتنا
- هل يمكن ان اسألك عن نوعيّة مهمّاتنا ؟ 

عزرائيل : تختلف على حسب طريقة الوفاة : فالأكثرية يموتون لكبر سنهم او لأمراضهم المستعصية او بحوادث المواصلات والكوارث الطبيعية : من زلازل وبراكين وخسف اراضي وتسونامي وصواعق واعصارات وانهيارات الجليد , وصولاً للحشرات وهجوم الحيوانات المفترسة .. لكن حينما نقبض ارواحاً هائلة من البشر , فهي عادةً بسبب الحروب .. اما أصعبها : الموت جوعاً في معتقلات التعذيب والقتل .. وأغباها على الإطلاق هو الإنتحار  
- وليس هناك عمراً محدّداً , اليس كذلك ؟
- لا الموت يطال الجميع : اطفال وشباب وعجائز وعلّية القوم وأحقرهم .. كلهم سيموتون , حتى انا
الملاك بدهشة : حتى انت ؟!

عزرائيل : نعم في نهاية الدنيا , حين يموت سكّان الأرض والسماء .. وينادي الله ويقول , كما ذكر في القرآن .. 
فأكمل الملاك الآية : ((لمن الملك اليوم , لله الواحد القهّار))
- صدق الله العظيم .. والآن استجمع قواك , فلديّ مهمة ستُسعدك
- ماهي ؟ 
عزرائيل : حاكمٌ دكتاتوريّ , أذى شعبه لسنواتٍ طويلة .. والآن وصلني خبر إنتهاء اجله 
الملاك بحماس : نعم !! أحب مشاهدتك وانت تأخذ ارواح الفسقة والمجرمين  
- امّا عن نفسي , فأحب قبض الروح المؤمنة اثناء تأديتها فرائض العبادة من صومٍ وحج , فهي أجمل موتة وأسهلها  
- صحيح 
- اذاً هيا بنا , فعملنا لا ينتهي ابداً

وانطلقا الى دولة الحاكم , لقبض روحه وإراحة شعبه من ظلمه
*** 

وفي عصرنا الحالي .. بدأ عزرائيل واعوانه بقبض ارواح مرضى الكورونا الذي تفشّى في انحاء العالم ..
الملاك : هذا اول وباء يجتاح الكرة الأرضية بأكملها !
عزرائيل : نعم , لكنه ليس اول وباءٍ فتّاك .. فهناك الكثير قبلها مثل : الطاعون والجدري والإنفلونزا الإسبانية والإيدز والتيفوئيد والجذام غيرها .. وهو تحذير من الله يحصل كل مئة عام لإعادة العباد الى دينهم , وكما قال الرسول محمد عليه السلام :(كفى بالموت واعظاً) .. وبرأيّ هذه المرة إستحقوا العقاب بعد انتشار الفساد في البلاد العربية , وأخاف ان لم يتوبوا ان يستبدلهم الله بعبادٍ آخرين يحملون راية الإسلام 
- الأمر خطيرٌ اذاً 
- نعم واعتقد قريباً ستنتهي علامات القيامة الصغرى , لتبدأ بعدها العلامات الكبرى التي ستكون مرعبة بحقّ !
***

ومرّت السنواتٍ , الى ان ظهر جبل الذهب في العراق ..
وهناك شاهد عزرائيل وجنوده مشاجرات الناس الجشعة حول نصيب كل فردٍ من الذهب , وسرعان ما تحوّلت لقتلٍ وإبادة .. 
حتى الذي تمكّن من الهرب مع حفنة بسيطة من الذهب , قُتل في الطريق قبل وصوله الى بيته .. هكذا الى أن إنفنوا جميعاً !

وهنا قال عزرائيل لأعوانه : هآقد أنهيت مهمّتي اخيراً .. الآن أنقلوا ارواحهم التي قبضتها الى السماء .. ودعوا القتلة ينظرون الى مكانتهم في جهنم , التي يصْلوْنها يوم القيامة ..

وهنا لمح عزرائيل ابليس فوق الجبل يتفقّد اعداد الجثث , فحلّق فوقه وهو يقول : 
- كنت متأكداً انني سأراك هنا 
ابليس : رغم سعادتي بالكمّ الهائل من الضحايا , لكني متفاجأ أن الجبل بقيّ على حاله !
عزرائيل : طبعاً , فمالا تعلمه ان الله أعطى الأوامر للأرض لإخراج كنوزها .. وقريباً سيصبح الذهب كأيّ حجرٍ عادي لا قيمة له
- خسارة ! كنت فتنت به الكثيرين , ولعقودٍ طويلة .. لكني حتماً سأجد مغرياً آخر يبعدهم عن الصراط المستقيم 
- كم أتوق لأخذ روحك يا ابليس
ابليس بلؤم : لا تستطيع !! فالله وعدني ان أبقى حيّاً الى يوم القيامة  
عزرائيل : اذاً موعدنا في ارض المحشر

ثم اختفى الشيطان , بينما انتقل عزرائيل الى السماء في انتظار مهمّته التالية
***  

ولم تمضي سنوات , حتى جاء عصر الدجّال الذي سرعان ما أحاط به الناس لرؤية جنته وناره , كما أوهمهم بها اعوانه من الجن والشياطين 

وكل من آمن به , ودخل جنته : تفاجأ بعزرائيل ينتظره هناك , لقبض روحه وإرسالها للجحيم بعد كفره بالله 
وقد راح ضحيّة أكاذيب الدجّال الكثيرون ممن خسروا دينهم !
***

ثم جاءت أصعب مهامّ عزرائيل في عصر يأجوج ومأجوج بعد خروجهم من السدّ , حيث قتلوا كل من صادفوه امامهم من حيواناتٍ وبشر .. 

وعمل عزرائيل وجنوده ليل نهار لنقل الأرواح تِباعاً الى السماء , حتى فرغت الأرض منهم !
وهنا قال ملاك من جنود عزرائيل : 
- مازال هناك قلّة من الناس مُختبئة فوق جبل الطور !
عزرائيل : هم بقيادة عيسى , والله سيحفظهم من شِرار اولئك الهمج

واثناء وجود عزرائيل مع جنده في السماء , تفاجؤا بأسهمٍ تنطلق نحوهم ! وهنا لمح جبريل ينزل اليهم , فسأله عزرائيل بقلق :
- ماهذه الأسهم يا جبريل ؟
- يريدون قتلنا في السماء
عزرائيل بدهشة : ماذا ! أوصلت وقاحتهم وغطرستهم لهذه الدرجة 

جبريل : نعم ..وأمرنا الله ان نصبغ نصالها باللون الأحمر ونعيدها اليهم , ليتوهموا بنجاح خطتهم 
- وماذا سيحصل بعدها ؟
جبريل مبتسماً : ليكن الله في عونك يا عزرائيل , لأن عليك أخذ ارواحهم جميعاً
عزرائيل باستغراب : دفعةٌ واحدة ! وكيف سيموتون ؟
جبريل : سترى معجزة الله بنفسك الليلة
*** 

وسهر عزرائيل مع جنده طوال الليل لمراقبة يأجوج ومأجوج اثناء نومهم , ليتفاجأوا بدخول دودٍ صغير الى انوفهم جعلتهم يتلوّون بألمٍ شديد , بعد أكلها أدمغتهم ! 

وقبيل الفجر .. وصلت اوامر الله بقبض ارواحهم جميعاً .. 
فأسرع عزرائيل وجنوده بنقل ارواحهم الى السماء , والتي صفّوها قرب جهنم لرؤية ما ينتظرهم يوم القيامة ..

وبعد انتهاء مهمّته الشاقة .. سأل عزرائيل :
- ماذا عن جثثهم ؟ ان تحلّلت , ستفسد الأرض برائحتهم العفنة
فأجابه جبريل : النبي عيسى يدعو ربه الآن لحلّ هذه الأزمة .. وقريباً سترى شيئاً يدهشك 

وخلال ساعاتٍ قليلة .. ظهرت اسراب من طيورٍ عملاقة غطّت نور الشمس , حملت جثثهم العفنة ورمتها في البحر .. 

ثم شاهدت الملائكة : عيسى ومن معه يسجدون شكراً لله بعد انتهاء محنتهم , وعودتهم سالمين الى بيوتهم لإعمار الأرض من جديد والتي أثمرت بشكلٍ خياليّ لبضع سنوات , كمكافأة من الله على صبرهم على البلاء العظيم 

فقال أحد اعوان عزرائيل : وأخيراً عمّ السلام على سكّان الأرض
عزرائيل : ليس طويلاً , فالقيامة لن تقوم الا على شِرار القوم
***

ومرّت القرون .. الى ان ظهر الحبشي ذوّ السويقتين الذي أمر بهدم الكعبة , ليقوم جنوده برميّ أحجارها في البحر .. 
فبكت الملائكة حزناً على بيت الله الذي بناه ابراهيم واسماعيل ..

فقال لهم جبريل :
- لا تحزنوا , فالأجيال القادمة لا تستحق رؤية الكعبة الشريفة 
عزرائيل : سمعت انه لا توبة لهم بعد شروق الشمس من مغربها
جبريل : صحيح .. وسيتفوقون بفسادهم كل الأمم التي سبقتهم ! لدرجة انكم ستتمنّون قيام الساعة 
***

وبعد سنوات من الفسوق والإجرام اللا إنسانيّ .. أمر الله إسرافيل بالنفخ في الصور , وهلاك الأرض بمن فيها.. 
ليقوم عزرائيل وجنوده بقبض ارواح كل البشر ..

من بعدها أمر الله عزرائيل بقبض ارواح الملائكة .. فابتدأ بجنوده اولاً , وصولاً لكبار الملائكة .. 
وحين وصل الى جبريل قال له :
- خذّ روحي يا عزرائيل , ودعنا ننتقل ليوم الحساب 
عزرائيل : اذاَ هات يدك يا صديقي 

وما ان أمسكها , حتى ضمّ جبريل أجنحته 600 حول جسمه , وابيضت عيناه..

ثم وضع الملائكة الثمانية عرش الله فوق الغيوم , واقتربوا نحوه وهم يقولون : 
- الآن دورنا
فنفخ عزرائيل في وجوههم , ليختفوا من الوجود !

ثم سجد عزرائيل امام عرش الله وهو يقول : 
- إلهي أنهيت مهمّتي , وجاء دوري الآن .. أقبض روحي يا الله 

وفجأة ! إسوّدت الدنيا في عينيّ عزرائيل .. 
وحين فتحهما مجدداً : رأى نفسه بين صفوف الملائكة بأرض المحشر ..والناس تخرج من تحت التراب كالجراد المنتشر .. ليصطفّوا في طابورين : الأخيار والأشرار .. 

ثم نزلت الجنة من السماء .. وأُخرجت جهنم من باطن الأرض .. 
وظهر الصراط المستقيم جليّاً للعيان , وكذلك ميزان الأعمال الضخم .. 

ووقف الرسول محمد بجانب الحوض الذي فيه ماء الكوثر .. وقومه ينتظرون شفاعته , وهم متشوقون لشرب جرعة ماء من يده الشريفة تقيهم حرّ الشمس التي تسطع فوق رؤوسهم ! 
ثم تطايرت الصحف فوق العباد : القلّة منهم أمسكوها باليمين .. والأغلبية بيدهم اليسار ..

وفجأة ! عمّ السكوت المهيب بعد نزول عرش الرحمن اليهم , لتبكي الناس من هول الموقف !  
فتنهد عزرائيل بارتياح , قائلاً في نفسه :((هآقد بدأت يوم القيامة)) 

وفتح رضوان باب الجنة لاستقبال المؤمنين .. وفتح مالك باب جهنم لرميّ الكفار بداخلها ..

وبعد ساعاتٍ طويلة على بدء الحساب , قال جبريل لعزرائيل : 
- دعنا نسبق الفائزين الى الجنة .. وزبانية مالك سيتكفّلون بالباقي
وحلّقا الى هناك , لاستقبال المؤمنين بالسلام والتبريكات .. 

وظلّ الوضع على هذه الحال , الى ان أمر الله بإغلاق بوّابات الجنة والنار الى أبد الآبدين !  

الأحد، 5 أبريل 2020

موعد مع الشيطان

تأليف : امل شانوحة


 
انتِ ملكٌ لي !!

في تلك الليلة .. ارسلت صديقتها نسخة عن مكالمتها الغرامية مع حبيبها .. ونصحتها بتركه لأنه شخصٌ لعوب ..
فكتبت ديانا رسالة وداع مؤثرة لوليد الذي حاول جاهداً التبرير لها , وإبدائه نيّة زيارة منطقتها للزواج بها ..

فردّت قائلة : 
- فشلت باختباري يا وليد , وانت تعلم جيداً انني اكره الخيانة والكذب 
وحذفت صفحتها على الفيسبوك نهائياً .. 
وأمضت ليلتها في بكاءٍ مرير بعد تحطّم احلامها الورديّة .. 
***

بعد يومين .. فاجأها برسالة إعتذار على بريدها الإلكتروني , رغم انه لا يعرف إيميلها الجديد ! .. فقامت بحظره من هناك ايضاً.. 

فبدأ يُرسل تعليقات مدح وثناء على موقعها على اليوتيوب الخاص بالطبخ  
وعرفته دون ذكر اسمه , لأنه لقبها بالطباخة دونا ! وهو ما دلّلها به سابقاً
فتجاهلت تعليقاته , على أمل ان ينساها يوماً 
*** 

بعد اسبوعين .. واثناء انشغالها بجوّالها في الحديقة العامة , إقترب منها بائعٌ متجوّل وهو يحمل حلوى بطعم توت .. وأخبرها بأن رجلاً دفع ثمنها , وطلب إعطائها لها ! 
فوقفت وهي تقول بارتباك : شكراً يا عم , لا اريدها 

واسرعت الى سيارتها وهي تتلفّت حولها بقلق , خوفاً من ان يكون وليد وصل الى منطقتها , فهو الوحيد الذي يعرف انها تعشق الحلويات بطعم التوت !
***

بنهاية الشهر ..كتبت ديانا في موقعها : ((سأتوقف فترة عن تسجيل  وصفات الطعام , لأن امي ستخضع لعملية جراحية في المستشفى)) 

بعد يومين .. كانت ديانا خارج غرفة المشفى , في انتظار انتهاء الممرّضة من سحب الدم لأمها .. 

وبعد خروجها , إنتبهت على إسمها في البطاقة ..فلحقتها لتسألها :
- عفواً ! أأنت ريم , طليقة وليد عيسى ؟
الممرّضة بقلق : نعم !
- أخبرني انك تعملين ممرّضة في العاصمة ! 
- نعم وانتقلت الى مدينتكم بعد طلاقي , للهروب من ذلك المجنون
ديانا بقلق : أهو خطير لهذه الدرجة ؟! فتصرّفاته بدأت تخيفيني
- هل أنت على علاقة بذلك الشيطان ؟!
- محادثات إنترنت , وقطعت علاقتي به نهائياً
- ذلك الوحش لا يقبل الرفض .. فهو تسبّب بطلاق سيدة من زوجها وحرمانها من اطفالها , لكونها رفضته قبل عشرين عاماً

ديانا بدهشة : أحقاً ! 
- وأكثر من ذلك , هو رجلٌ ساديّ عذّبني لخمس سنوات .. ولولا استعانتي بصديق والدي الذي يعمل في السياسة , لما وافق الحقير على تطليقي .. ليتك لم تخاطري بالتعرّف عليه 
- حدث ذلك صدفة ! فهو وجد موقعي على اليوتيوب , وأعجبته صورتي .. وبدأ يغدق عليّ المديح , ويصرّ على محادثتي بالفيسبوك .. وبعد شهرين , بدأت أتعلّق به .. حينها تغيرت معاملته معي , وصار ينتقدني دائماً ويضيّق الخناق عليّ بسلبيته وشكوكه الزائدة , مما أرهق نفسيّتي جداً 
الممرّضة : لا يمكنك الوثوق به فهو زير نساء , وخانني اثناء زواجنا عشرات المرات 
- لم أتصوّر انه سيء لهذه الدرجة ! ارجوك ساعديني , فأنا خائفة منه

وهنا اقترب منهما خادم المشفى ومعه باقة ورد , قائلاً لديانا :
- هذه لوالدتك 
فقرأت البطاقة : 
- يا الهي ! انه وليد .. كيف عرف بوجود امي في هذا المشفى؟!
الممرّضة بقلق : اذاً اعذريني ..سأضّطر للتبديل مع ممرّضة ثانية , فأنا لا اريد رؤيته مطلقاً
- لا ارجوك , اريدك ان تنتبهي على امي
- أطلبي ذلك من موظف الأمن , فلا شأن لي بكما 
وأسرعت بالذهاب ..

فتوجّهت ديانا لقسم الأمن في المشفى , وأخبرتهم عن وجود مشتبه يريد إيذاء امها .. فوعدوها بالإهتمام بالموضوع  

وفور خروجها من هناك , إلتقت بوليد في الممرّ ! الذي قال وهو يكتم غيظه :
- أمعقول ان باقة ورد من حبيبك أرعبتك لهذه الدرجة ؟!
- وليد اتركني وشأني , ارجوك
- الم تفرحي بقدومي لمدينتك ؟! فقد بحثت في جميع المستشفيات لأرى حماتي وأفاتحها .. 
ديانا مقاطعة بخوف : لا تدخل امي في الموضوع , رجاءً  
- لما ترتجفين هكذا ؟! الموضوع سهل : اما ان يكون هناك نصيب او لا.. فالقدر ..
مقاطعة بحزم : القدر لن يجمع بيننا , صدّقني !!
- وماذا عن الحب الذي أخبرتني عنه لشهور ؟! 
- لا وجود له بانعدام الأمان 

فسكت قليلاً , قبل ان يقول :
- كما تشائين يا دونا
- أتعدني ان تنساني تماماً ؟
فهزّ رأسه موافقاً .. فشكرته واسرعت بالخروج من مشفى وقلبها يرتجف رعباً ..
*** 

في ذلك المساء .. وصلها إتصال من المشفى يخبروها بأنهم أنقذوا امها في اللحظة الأخيرة , بعد ان وجدوا انبوبة الأكسجين مُغلقة ! 
فأغلقت المكالمة وهي في قمّة الغضب ..

وقبل إتصالها بالشرطة , أتتها مكالمة منه .. فردّت بعصبية : 
- ماذا فعلت يا لعين ؟!!
- إحمدي ربك انني لم ارسل حماتي للجحيم , كما فعلت مع طليقتي 
ديانا بخوف : ماذا حصل للممرّضة المسكينة ؟!
- لا شيء , عطل بسيط في مكابح سيارتها .. يعني , قضاء وقدر

وضحك بطريقةٍ مُستفزّة , جعلت ديانا تحطّم جوالها بغضب 
ثم أسرعت الى المشفى , لنقل امها بالإسعاف الى مشفى آخر 
***

بعد شفاء امها .. ارسلتها الى بيت خالتها في القرية , لتبعدها عن أذيّة وليد 

وبعد مرور ايام دون أثرٍ له ! عادت ديانا لتصوير وصفاتها الجديدة وعرضها على موقعها .. لتُفاجأ بسيل من الشتائم من شخصٍ مجهول .. عرفت انه وليد , لذكره لقبها (الطباخة دونا) الذي لا يعرفه احدٌ سواه 

ممّا اضطرها لإغلاق موقعها نهائياً , مع شعورها بالحسرة والألم لاقترابها من النجاح والشهرة , بعد سنواتٍ طويلة من الكفاح واختراع وصفاتٍ جديدة قد تُسرق بعد إغلاق موقعها .. لكن هذا أفضل من التشهير بسمعتها امام الأقارب والأصدقاء
***

في يوم العطلة .. ذهبت الى جامعتها القديمة لرؤية صديقتها .. وفي الساحة , أخذت تشكي همّها .. فقالت صديقتها :
- ليتني لم أتدخل بينكما , لكانت اموركما بخير
- بالعكس !! انت فضحتي خيانته .. ولولا ذلك , لكنت زوجته المُعنّفة .. كل ما أتمناه ان ينتهي الكابوس على الخير
- جيد انك غيرتي رقم جوالك 

وهنا انتبهت ديانا على شاب يتنصّت عليهما , والذي ابتعد فور مناداتها له 
الصديقة : ماذا هناك ؟!
- اظن وليد أرسل الشاب للتجسّس علينا !
- انت تبالغين يا ديانا  
- هو رجلٌ خطير , صدّقيني

وهنا وصلها اتصال من خالتها , فابتعدت ديانا لتسألها عن صحة امها ..

بهذه اللحظات : تقدّمت طالبة من صديقتها وبيدها ورقتين .. فأخذت تكتب فيهما , قبل تسليمهما للفتاة .. 
وبعد ذهابها , اقتربت ديانا منها :
- من الفتاة ؟ وماذا كتبت لها ؟
- لا شيء , مسابقة جامعية أدبية .. وفي حال ربحنا , يرسلوا هديتنا الى بيوتنا
ديانا باستغراب : ربحنا !
- نعم كتبت واحدة لك , وواحدة لي
ديانا بقلق : هل كتبتي عنوان منزلي في المسابقة ؟
- نعم , لماذا ؟!
- يا الهي ! تعالي معي

وتوجهتا لقسم الأنشطة الترفيهية للطلاّب , وسألتهم ديانا عن المسابقة ..فأخبروها أنه لا مسابقات مع اقتراب الإمتحانات النهائية 

وخرجت ديانا من هناك وهي تعاتب صديقتها :
- وليد عرف الآن عنوان منزلي !!
- ديانا كفّي عن هذا التفكير , والا ستصابين بالجنون 
ديانا وهي تبكي : ان حصل لي مكروه , فهذا ذنبك .. 
وودّعتها وذهبت وهي تشعر بخوفٍ شديد
***

بعد خروجها من الجامعة , ركبت سيارتها .. 
وفي طريقها الى بيتها .. إعترضتها سيارة فارهة , على زجاجها الخلفيّ أحرفٌ ملوّنة بعبارة :
((سأتزوجك رغماً عنك))

فشعرت ديانا بالخوف , وغيّرت طريقها .. ودخلت في شوارع مُتشعّبة  للهرب من ملاحقة وليد , الى ان وصلت بعد ساعات الى بيتها .. 
وأقفلت الباب على نفسها لشعورها بعدم الأمان
***

بعد ايام.. عزمتها صديقتها على مطعمٍ فاخر بمناسبة عيد ميلادها , لكن ديانا أصرّت على عدم الخروج من منزلها لأيّ سببٍ كان ! 
فقدمت بصحبة الأصدقاء الى بيتها للإحتفال سوياً .. وامضوا وقتاً سعيداً .. واثناء فتحها الهدايا , رنّ جرس الباب .. فظنّت ديانا ان طلبيّة البيتزا وصلت .. 

وحين فتحت الباب .. وجدت وسادة من الريش , عليها ربطة هدايا حمراء كبيرة , وبطاقة مكتوب عليها :
((أخبرتني سابقاً : انك تتوقين شوقاً للتعارك معي بوسائد الريش بعد زواجنا , أتذكرين حبيبتي ؟))
وهنا نادتها صديقتها من الصالة : من على الباب ؟!! 

فأسرعت ديانا برميّ الوسادة والبطاقة في سلّة النفايات الموجودة في ممرّ الطابق .. ودخلت بيتها وهي تقول :
- ناس اخطأوا في العنوان ..
فهي لم ترغب أن يعرف اصدقائها بعلاقتها الفاشلة على الإنترنت 
***

في صباح اليوم التالي .. خرجت ديانا لرميّ الزبالة , فرأت البوّاب يلمّلم الريش المتناثر على الأرض , وهو يلعن شقاوة اطفال العمارة .. وتبدو الوسادة وكأنها مُزّقت بشيءٍ حادّ وبغضبٍ هستيريّ ! 

فعادت خائفة الى بيتها بعد علمها بوجوده البارحة في مبناها , والذي عرفه من مسابقة الجامعة المزيّفة !
***

ومرّ اسبوع دون خروج ديانا من البيت , الى ان عرفت بتعرّض صديقتها للطعن من شخصٍ مجهول ! 

فأسرعت الى شقتها .. وبعد الإطمئنان عليها , جلستا في الشرفة .. وهناك أطلعتها على شكوكها : بأن وليد ارسل الشاب للتنّصت عليهما في الجامعة , لهذا طعنها بعد علمه انها سبب فراقهما

فضحكت صديقتها : كان عليك دراسة التحقيق الجنائي بدل التدبير المنزلي 
- انا أتكلّم بصدق , فوليد رجلٌ خطير 
الصديقة : عزيزتي .. كان لصاً اراد سرقة حقيبتي , وحين فشل .. جرح ذراعي قبل هروبه بدرّاجته الناريّة .. وكما ترين , الجرح سطحي والحمد الله

وهنا ارتفع صوت اغنية (لحسام اللباد) من مسجلّة سيارة متوقفة اسفل العمارة .. كانت كلماتها :
((غصبنّ عنك لجيبك , وأصير انا حبيبك , انتا بس ليّا مخلوق , أنا حظك نصيبك))

فوقفت ديانا وهي تنظر للشارع بقلق ..
- ماذا هناك ديانا ؟!
ديانا بخوف : هو اسفل عمارتك 
- مستحيل ! 
وهنا سمعت من مكبّر صوت السيارة المتوقفة :
((دووووووووونا))

ديانا وهي ترتجف : عليّ الذهاب فوراً .. وانت !! إيّاك ان تخرجي من منزلك هاذين اليومين , مفهوم !!
- ديانا انتظري !

وأسرعت بالخروج من الشقة..
وفجأة انقطعت الكهرباء قبل ثواني من نزول المصعد ! فنزلت ديانا الأدراج مستعينة بضوء جوالها ..

وقبل وصولها الطابق الأرضيّ , اطفات جوالها .. وبدأت تتلّمس طريقها نزولاً .. لتلمح رجلاً ضخماً ينتظرها خلف الباب الخارجيّ للعمارة ! 
فعادت مسرعة الى فوق , واتصلت بالشرطة .. وأخبرتهم عن وجود خاطف اسفل العمارة , وأعطتهم العنوان ..

بعد قليل .. هرب الرجل المجهول , فور سماعه صافرات الشرطة تقترب من الحيّ ..
وبدورها أسرعت الى سيارتها , متوجهة الى بيتها .. وهي لا تصدّق دناءة وليد الذي جعلته يرسل خاطفاً اليها , بعد إخباره بلقبها لإرباكها ! .. وحمدت ربها انها نجت منه بأعجوبة 
*** 

فور وصولها الى بيتها بأمان .. إتصلت بشرطة منطقتها لتقديم شكوى بوليد 
فسألها الشرطي : أقلتي وليد عيسى ؟!
- نعم , أهو مطلوب لديكم ؟
- لحظة واحدة , سأصلك بالمدير 

وإذّ بالمدير يقول لها : 
- يبدو الرجل الذي ارسلته لك , فشل بمهمّته ! سأعاقبه لاحقاً .. وانتِ !! كيف تجرأين على اتهام رئيس المخابرات بأنه مطلوب لدى الشرطة , سيدة دونا ؟
ديانا بدهشة : وليد ! أأنت رئيس المخابرات ؟! 

فأجاب وليد بلؤم : نعم .. كنت مسؤولاً مهمّاً في العاصمة , ولأجلك نقلت وظيفتي الى مدينتكم الريفية .. وليتك تستحقين كل هذه التضحيات.. المهم إسمعيني جيداً !! انا معروف بنزاهتي واخلاقي العالية , ولن يصدّقك أحد , حتى لوّ أثبتي بالدلائل والبراهين .. وإن حاولتي ثانيةً , سأدعّ خبير الفوتوشوب يشوّه سمعتك بأسوء الصور , فمازلت محتفظاً بصورتك التي نسختها من موقع الطبخ .. ولن اهدأ قبل ان يصبح صيتك الوسخ على كل لسان .. وعلى فكرة !! رقمك الجديد أصبح مُسجلاً لديّ , فلا تحاولي تغيره او تغير مكان إقامتك .. فرجالي يمكنهم إيجادك حتى لوّ دفنتي نفسك بالتراب !! 

وضحك ضحكته المُستفزّة , التي جعلتها تنهار ببكاءٍ مرير
***

بعد ايام .. حزمت امتعتها دون توديع اقاربها واصدقائها , حتى امها ! خوفاً من ان يصل الخبر اليه .. 
وحجزت على اول طائرة تأخذها الى انجلترا , حيث يعيش خالها 
***

في الطائرة .. تفاجأت بها تتحرّك , دون وجود ركّاب غيرها !
وبعد قليل .. تقدّمت منها المضيفة ومعها كوب عصير , فسألتها :
- عفواً ! الا يوجد مسافرين غيري ؟
- لا 
قالتها باشمئزاز ودخلت الى قسم الدرجة الأولى , وأغلقت الستارة بينهما بعصبية !
ولم تفهم ديانا ما حصل ! وأخذت تتصفّح المجلّة وهي تشرب العصير ..

بعد قليل .. شعرت بالدوّار , وأصبحت الرؤية مُشوّشة !
وهنا لمحت ظلاًّ يقترب منها , قادماً من الدرجة الأولى .. وجلس بجانبها 

وما ان سمعت صوته , حتى ارتعش جسمها خوفاً ! 
حيث همس لها وليد :
- حجزت الطائرة بأكملها , بعد إخبارهم بأني بمهمّةٍ رسميّة للقبض على جاسوسة اسرائيلية , التي هي انت
فحاولت ديانا الصراخ , لكن صوتها كان ضعيفاً للغاية !
وليد : لا أحد يتخلّى عني , يا دونا .. وعلى فكرة !! كنت أنوي فعلاً الزواج بك بالحلال , وان تعيشي معي اجمل سنوات عمرك.. لكن بسبب عنادك وصلنا الى هنا .. وحين نصل الى كوخي البارد في ريف انجلترا , سأريك اساليب النرجسيّة والساديّة على أصولها!! 

وضحك ضحكته المستفزّة التي جعلت الدموع تنهمر على خدّيها , وهي مُتوجهةً لمصيرٍ مجهول ومرعب !

العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...