الأربعاء، 31 أغسطس 2022

التعصّب الديني

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

التطرّف الإرهابي


قبل انتهاء عظة الأحد .. التفت الحاضرون للخلف ، فور دخول سائحة عربية مُحجّبة الى الكنيسة بغرض تصويرها من الداخل !

في هذه الاثناء ، كان القسّيس يسأل رعيّته :

- هل لديكم سؤال او استفسار ؟

فرفعت العربية يدها ، فقال لمساعده :

- أعطها الميكروفون


ومن بعدها سألته :

- هل يعلم رعيّتك أن الحجاب فُرض على المسلمين اقتداءً بالسيدة مريم العذراء ؟

فنظروا جميعاً للقسّيس الذي أجابها : 

- هذا صحيح 

العربية : الم يذكر في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح الحادي عشر ، بالنصّ (6) : ((إذ المرأة لا تتغطى ، فليُقصّ شعرها)) ؟

القسّيس : ذُكر ذلك بالفعل


العربية : اذاً لماذا تحاربون المحجبات ؟ اليس غريباً أن يتغاضى الإعلام عن عبّاد البقر وعبّاد الشيطان الذين يذبحون الأطفال كقرابين ، ويركّزون عدائهم على الإسلام ؟! أم لكونه دين الحقّ ؟

فضجّت القاعة وهم يطالبون بسكوتها ، خاصة السيدة العجوز التي اشارت لها بالخروج من كنيستهم

فحاول القسّيس تهدأتهم :

- رجاءً لا تشتموا داخل الكنيسة ، فهي ضيّفتنا .. تعالي يا ابنتي ، واجلسي في المقاعد الأماميّة..


لكن العجوز أصرّت على خروجها ، وعدم تدنيس كنيستهم بقذارتها ! فقالت العربية للقسّيس :

- كنت انوي مناقشتك بالدين ، لكن تلك السيدة لا تريدني بينكم ..لهذا لن اضايقكم .. (ورفعت يدها) ..السلام على من اتبع الهدى

وخرجت بهدوء من الكنيسة..


إلاّ أن طريقة سلامها استفزّ العجوز التي لحقتها للخارج ، وهي تناديها بغضب :

- هاى انت !! ايتها العربية القذرة


وفجأة ! دهستها سيارةً مسرعة .. فأسرعت العربية نحوها ، بعد رؤية قدم العجوز مكسورة وهي تصرخ بألم .. فطلبت من الناس المتواجدين هناك الإتصال بالإسعاف ، لكن معظمهم انشغل بتصوير الحدث ! 

فاضّطرت العربية لإسناد العجوز المتألمة على كتفها ، ووضعها في سيارتها.. والإنطلاق بها لأقرب مستشفى

***


بعد دفع العربية تكاليف تجبير قدم العجوز .. وقبل خروجهما من غرفة الطوارىء ، اعطتها جوالها وهي تقول :

- إتصلي بأبنائك ليعيدوك الى منزلك 

العجوز : لست متزوجة ، ولا اولاد عندي

- اذاً سأوصلك بنفسي .. هيا بنا

- لما تفعلين ذلك ؟ إن كنت تظني أن بمعاملتك اللطيفة ستجعليني أغيّر رأيّ بالعرب الإرهابيين ، فأنت مخطئة تماماً 

العربية : اساعدك لأنه واجبي .. رجاءً إخبريني بعنوان منزلك

***


وما أن وصلا الى مدخل الحيّ ، حتى قالت العربية بدهشة :

- يالها من صدفةٍ غريبة ! فمنزلي بآخر الشارع ، استأجرته قبل ايام بعد أن نصحني مسؤول الفندق بالسكن في منطقتكم الهادئة .. يبدو اننا جيران !


ثم ادخلتها منزلها .. وأجلستها على كنبة الصالة ، ووضعت العكّازين بجانبها..

العربية : سأجلب لك الماء

وحين فتحت البراد ، وجدته خالياً !

فاتصلت بمطعم البيتزا ، وتكلّمت معه بصوتٍ منخفض في المطبخ 

***


بعد دقائق من بقائها بجانب العجوز ، قالت لها :

- يمكنك العودة الى منزلك 

العربية : سأذهب فور وصوله

العجوز: ومن القادم ؟!

- لا تهتمي للموضوع.. آه لم اسألك ! هل لديك جارة مفضّلة ، كيّ اتصل بها للبقاء بجانبك ؟

- نعم ، أعطني هاتف المنزل يا..

العربية: إسمي نجوى ، سيدة مادونا

العجوز باستغراب : كيف عرفتِ اسمي ؟!

- لمحته من اوراق المستشفى

***


بعد قليل ..وصلت الجارة مع عامل البيتزا ، التي أصرّت نجوى على الدفع له.. 

وبعد وضع الطعام امام العجوزتين ، استأذنت بالرحيل

الجارة : الن تأكلي معنا ؟!

نجوى : لا شكراً .. سآتي غداً للإطمئنان عليك ، سيدة مادونا

مادونا بضيق : مهما حاولتي ، سأظلّ اكره المسلمين

نجوى : هذا شأنك ، فأنا اساعدك لنيل الحسنات .. فرسولنا وصّى على سابع جار.. اراك لاحقاً

***


بمرور الأيام .. حرصت نجوى على زيارة مادونا من وقتٍ لآخر .. وتحضير الطعام العربي الذي اعجبها كثيراً ، عدا عن جلّيها الصحون وإطعام قطط العجوز الأليفة

***


بنهاية الشهر .. رافقتها الى المستشفى ، لفكّ جبس قدمها .. ثم اعادتها الى منزلها ، التي تفاجأت به نظيفاً ومرتباً !

نجوى بابتسامة : إستغلّيت نومك البارحة عند جارتك ، وبأن مفاتيح منزلك بقيت معي ، لتنظيفه لك.. لا تقلقي كل شي في مكانه ، فقط ازلت الغبار عن الأرض والمفروشات


فسكتت مادونا قليلاً وهي تتأمّل ملامح نجوى الهادئة ، قبل أن تسألها :

- حدّثيني قليلاً عن دينك

نجوى بدهشة : أحقاً ! اذاً إسمعي هذه .. فرسولنا محمد طلب منا : أن نُبلّغ عنه ولوّ آية ، ومن بينها : هديةٌ كبيرة للمسيحيين

مادونا باهتمام : وماهي ؟!


نجوى : دعينا اشرح الموضوع قليلاً .. فنحن كمسلمين إن قصّرنا بالصلاة والصيام وغيرها من العبادات ، نذهب للحج لكيّ يغفر الله تقصيرنا بواجباتنا الدينيّة .. لكن في حال اذينا احداً بالقول او الفعل ، فلن يُغفر ذنبنا إلاّ بمسامحة المظلوم لنا ..وإلاّ سيلتقي الخصمان يوم القيامة ..ويأخذ من أذيناه ، من حسناتنا حتى يرضى .. فإن لم يرضى ، يعطينا من سيئاته ..وبذلك ندخل جهنم لنعاقب بذنبه ، الى ان يسامحنا الله .. بينما اهل الكتاب : حتى لوّ ارتكبتم جميع الذنوب والمعاصي ، وأذيتم الكثير من البشر وصولاً للقتل ! ..فبمجرّد قولكم الشهادة ، تعودون كما ولدّتكم امهاتكم .. فالإسلام يَجِبّ ما قبله 

مادونا باهتمام : أتقصدين إنه بنطق الشهادة ، تُلغى جميع ذنوبنا السابقة ؟!


نجوى : نعم ..ولا يشترط جهركم بالإسلام ، بل يكفي أن تقولي بينك وبين نفسك : ((يارب !! لا يوجد اله غيرك ..والمسيح عيسى هو أحد انبيائك)) لتُغفر جميع ذنوبك .. صدّقيني ، قوليها مرة واحدة في حياتك ، وعن يقينٍ تام .. وستشفع لك يوم القيامة ، على الأقل لن تخلّدي في النار .. فجهنم لها سبع طبقات : الأطباق الستة السفلى ، كلهم مُخلّدين بالنار .. اما الطبقة العليا ، فيسأل الله ملائكته : من منهم يوجد في قلبه ذرّة ايمان ؟ أيّ وحّده ، ولوّ مرة في حياته ؟ (فالله يغفر الذنوب جميعاً ، ماعدا الشرك به) .. وحينها يخرج كل المتواجدين فيها ، ماعدا واحد فيقول : ((يارب ، لا تجعلني أشقى خلقك)).. فيخرجه الله ، ويكون له 10 اضعاف نعيم الأرض ! .. ارأيتِ كم الله رحيم بعباده .. فقط قولي في قلبك : ((أشهد أن لا اله الا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله)) لتحصلي على هدية الله لأهل الكتاب.. وهذه هي الرسالة التي اردّت توصيلها لك ..اللهم اني بلّغت ، اللهم فاشهد .. سأذهب الآن ، واراك غداً 

وخرجت من منزلها ، تاركةً مادونا تتخبّط بأفكارها !

***


بعد اسبوع .. أُلقيّ القبض على العجوز بسبب فيديو مع افراد جمعيّتها السرّية من المسيحيين المتشدّدين لمحاربة المسلمين ، وقتلهم خلال صلاة الجمعة القادم ! كما تفجير مركز الشركة ، لتساهل رئيسها مع المسلمين

***


وفي مركز الشرطة .. وبعد رؤية مادونا للشريط المصوّر من داخل منزلها ! قالت بصدمة : 

- كيف هذا ؟! انا لم اضع كاميرات في بيتي

وهنا ! دخلت نجوى الى غرفة التحقيق ، وهي تقول :

- انا سمحت للكهربائيّ بتركيب كاميرات بجميع غرفك ، اثناء تنظيفي منزلك .. ومن ثم توصيلها بمركز المخابرات الأمريكية الذين شكّوا بترأسك لجماعةٍ ارهابية من المسيحيين المتعصّبين


مادونا بعصبية : أهذا انت ، ايتها المسلمة النتنة ؟!!

نجوى : لا تشتمي ديني ، فنحن ايضاً كمسلمين نحارب الإرهاب بأنواعه

العجوز بغضب : الم تخبريني انك عائدة لبلدك بآخر الشهر ؟ فلما تورّطيني مع الشرطة قبل رحيلك ، ايتها الفضوليّة ؟

نجوى : انا مواطنة امريكيّة .. الم تسمعي بالجمعية النسويّة ؟

- أتقصدين النساء اللآتي يهربن من بلادهن ، للجوء الى الدول الأجنبية ؟

- بل هي جمعية للمطالبة بحقوق المرأة .. لكني للأسف تهوّرت في فترة مراهقتي ، وتخلّيت عن اهلي وبلدي ..والتجأت لأميركا ، لإكمال تعليمي .. وهم في المقابل اشترطوا لمنحي الجنسيّة ، أن اعمل جاسوسة لخدمة وطني الجديد .. وعلى فكرة ، السيارة التي صدمتك من طرفنا ..وسكني في حيّك لم يكن صدفة ، فأنا اراقبك منذ فترة


فصرخت مادونا : اللعنة عليك !! كنت على وشك تغيّر رأيّ بالمسلمين

نجوى : لا تحكمي على الإسلام من المسلمين ، فالقليل منّا يطبّقه جيداً.. فهو دينٌ رائع ، ومثال للمبادىء الإنسانيّة .. وفي حال اقننعت به ، لا تتردّدي باعتناقه.. اما انا ! ولأنه لا يمكنني العودة الى بلدي واهلي ، فأنا مُجبرة أن يكون ولائي لأميركا.. 


وخرجت من غرفة التحقيق ، تاركةً العجوز مُشتّتة التفكير بين الدينين السماويين !


الأحد، 28 أغسطس 2022

الأساور السحريّة

تأليف : امل شانوحة 

 

عقوبة الأماني


أُفتتح محلٌ صغير في اطراف المدينة الذي لا يتعدّى مساحته المترين ، وليس فيه سوى طاولة يجلس عليها رجلٌ عجوز ، وامامه صندوقاً صغيراً فيه اساور مطاطيّة ملوّنة ! 

ولم يدخل اليه احد ، قرابة شهر .. فأشفق عليه الأصدقاء الخمسة ، بعد رؤيته يقضي وقته بقراءة الجرائد .. فقرّروا شراء ما يبيعه لتحسين نفسيّته 


وعندما سألوه عن سعر الإسورة (التي لا يبيع غيرها) 

اجابهم بغموض :

- هي مجّانيّة ، في حال أعدّتموها قبل انتهاء 24 ساعة

فسأله أحدهم : أتقصد انها للإيجار ليومٍ واحد ؟!

العجوز : نعم

- وماذا سيحصل إن لم نعدّها اليك ؟

العجوز : تصيبكم عقوبة تناسب الأمنيّة التي اخترتموها

- لم نفهم شيئاً !


العجوز : كل سِوار يمنح صاحبه أمنيّة مميزة .. فالسوّار الأصفر مثلاً : يطيل عمر شخصٍ يحتضر.. 

الشاب مقاطعاً : ليومٍ واحد ؟ 

العجوز : نعم .. دعني أكمل .. اما السوّار الأحمر : فيسمح لك بتجربة الأضواء والشهرة .. والسوّار الأسود : يجعلك ثريّاً .. اما الأخضر : فستصبح مسؤولاً مهمّاً بالدولة ، ويمكنك اصدار قرارات ومراسيم طوال 24 ساعة لتغيّر مصير مدينتك .. اما البنفسجيّ : فيمكنك اختيار ايّةِ وظيفة اداريّة ، ولوّ بأعلى المراتب .. بشرط !! أن جميع امانيكم ستُحصر داخل وطنكم  

- اذاً هي اساور سحريّة ؟!

العجوز : شيء من هذا القبيل

- وماذا بشأن العقاب ؟


فأشار العجوز لساعة الحائط المُعلّقة على جدار محلّه : 

- في حال لم تردّوها غداً في منتصف الظهيرة ، أيّ بمثل هذا الوقت ، ستعاقبون ايضاً ليومٍ كامل .. مثلاً : تستيقظون لتجدوا انفسكم في سجنٍ إنفراديّ ..او تعيشون اوقاتاً عصيبة قبل إعدامكم .. او في خندقٍ بمعركةٍ ضارية .. او محاصرين تحت الأنقاض لمبنى مُنهار.. او مشلولاً بالكامل .. او تعود صغيراً بأسوء دار ايتام .. او تعالج كمجنونٍ خطير.. او تائه في جزيرةٍ منعزلة .. او عالقٌ في بيت اشباح .. فالإسورة هي التي تحدّد عقابكم .. فهل ستعيدونها بالوقت المناسب ؟


فنظروا لبعضهم وهم متحمّسين لتجربتها ، قائلاً احدهم :

- انا سأبدأ اولاً !! وسأختار السوّار الأحمر ، لأني اريد تجربة حياة مطربي المفضّل ليومٍ كامل

- وانا سأختار الأسود ، للعيش في قصر اغنى اثرياء بلدتي

- وانا البنفسجيّ ، وسأعمل مديراً للبنك المركزيّ في دولتنا

- وانا سأختار الأخضر : وسأصبح رئيس جمهوريتنا ، لإصلاح ما يمكنني فعله في يومٍ واحد 

- جيد يا رفاق انكم تركتم لي السوّار الأصفر ، فكل ما يهمّني هو استيقاظ أمي من غيبوبتها التي دامت شهور ، كيّ اريها محبتي من خلال إعتنائي بها طوال اليوم 


العجوز : اذاً إلبسوا اسورتكم ، وأراكم غداً بمثل هذه الساعة

- ومتى سيبدأ مفعول السحر ؟

العجوز : فور استلقائكم على أسرّتكم .. وما أن تفتحوا أعينكم ، حتى يبدأ يومكم الجميل والفريد من نوعه .. والأفضل ان تستعجلوا بالعودة لمنازكم ، كيّ لا تضيّعوا الوقت الذي بدأ سريانه .. الآن !!

 

فخرجوا مسرعين من المحل دون توديع بعضهم ، كيّ يستفيدوا من كل دقيقة في تجربة الحلم الذي طال انتظاره 

***


حين فتح صاحب الإسورة الخضراء عينيه : وجد نفسه في مكتب رئيس الجمهوريّة ! وامامه ملفّات لمشاريع مهمّة ، عالقة منذ تولّيه الحكم  

فقرأهم على عجل ، وهو ينظر لساعته من وقتٍ لآخر .. وما أن تأكّد من فائدتها للشعب ، حتى وقّعها جميعاً .. والغريب إن توقيعه يشابه توقيع رئيس الجمهوريّة الموجود على الورقة النقديّة الحديثة! 


ثم نادى سكرتيره ، لإرسال موافقته لأصحاب المشاريع .. 

ليشعر على الفور بارتباك سكرتيره الذي قال : 

- سيدي ! هذه القرارات ستغضب نائبك ووزرائك  

الرئيس : ولماذا يعترضون على مشاريع في صالح الشعب ؟!

- لأنها ستكلّف الخزينة الكثير من الأموال ، وكنتم سابقاً متفقين على توزيعها بينكم !

الرئيس بعصبية : اللعنة على الفاسدين !! أهي ثروة اهالينا لنتقاسمها بيننا ؟! .. إسمعني جيداً !! عليك نشر قراراتي الجديدة بالجريدة الرسميّة ، بأسرع وقتٍ ممكن ..


السكرتير بدهشة : دون إخبار وزرائك ؟! 

الرئيس بحزم : سيعرفون بشأنها مع بقيّة الشعب .. فأنا حاكم البلد ، وسأفعل المستحيل لنهضتها من جديد .. هذه مسؤوليتي انا !! وعلى وزرائي ونوّابي طاعة اوامري ، فهل كلامي مفهوم ؟!!

فوقف السكرتير مرتبكاً بعد تغيّر طباع رئيسه المفاجىء ، والذي أكمل مُهدّداً : 

- إن لم تنشر قراراتي بكل وسائل الإعلام خلال ساعتين ، ستُطرد من عملك !!

السكرتير بقلق : كما تشاء سيدي !


وبعد خروجه.. قال الرئيس في نفسه :

((الى أن ينتهي المفعول السحريّ للإسورة ، سأعاقب جميع الفاسدين))


ثم اتصل بقائد الجيش للحجزّ على اموال السياسيين المشبوهة ، والقبض على كبار التجّار الذين ارهقوا الشعب بغلاء الأسعار لسنواتٍ طويلة 

***


اما صاحب الإسورة البنفسجيّة : فكان سعيداً بعدّه رزم المال في البنك المركزيّ لدولته .. بل وساعد موظفيه بحمل بضعة كيلوات من الذهب ، لتكديسها في الخزنة التي يملك مفتاحها.. وانشغل بعمله ، لدرجة إهماله الوقت !  

***


اما صاحب السوّار الأسود : الذي يُجرّب حياة الأثرياء لأول مرة في حياته ، فقضى يومه بالإحتفال امام مسبح الفندق الفخم الذي يملكه ، برفقة اجمل عارضات الأزياء اللآتي راقصهنّ على انغام الموسيقى الصاخبة ! 

***


اما صاحب السوّار الأحمر : فاحتلّ جسد مطربه المشهور .. حيث قضى يومه بتوقيع البومه الجديد .. والتحدّث مع معجبيه ، خاصة الصبايا الحسناوات اللآتي تسابقن للتصوير معه ، في غمرة فرحه بجمال صوته ووسامته الفاتنة ، والشهرة الواسعة التي حلم بها دائماً

***


اما الصديق الأخير ، صاحب الإسورة الصفراء : فقضى يومه بجوار سرير امه التي استفاقت اخيراً من غيبوبتها .. لتراه يقبّل يدها والدموع في عينيه .. والذي امضى نهاره بالإستماع الى ذكريات طفولته التي أخبرته عنها.. مع رفضه مغادرة غرفتها ، وأصرّ على خدمتها دون تأفّف او ملّل  

***


وحلّ المساء ، وكل واحداً منهم مشغولاً بالأمنّية التي اختارها .. فهم لم يرغبوا بالنوم رغم تعبهم ، كيّ لا يخسروا ساعاتٍ من يومهم الإستثنائيّ   


فصاحب الإسورة الخضراء : مازال منشغلاً بالأمور السياسيّة ، حيث تابع اجتماعاته مع كبار المسؤولين لإصلاح بلده ، بعشرات القوانين الجديدة التي ارغم وزرائه التوقيع عليها .. اما الفاسدون منهم ، فزجّ بعضهم بالسجن ليوم محاكمتهم .. والبعض الآخر فرّ هارباً من البلاد ، لاعتقادهم بأن رئيسهم فقد عقله ، بعد أن كان فاسداً مثلهم قبل ايام !


اما صاحب الإسورة البنفسجيّة ، مدير البنك المركزيّ : فرفض جميع الإجتماعات المهمّة ، واكتفى بالنوم فوق تلّة العملات النقدية الذهبية الموجودة في خزنة بنكه السرّية 


اما صاحب الإسورة الحمراء الذي يعيش حياة مطربه المفضّل : فقضى ليلته بإحياء حفلةٍ صاخبة امام آلاف المعجبين الذين ردّدوا اغانيه بعلوّ صوتهم


وصاحب الإسورة السوداء الذي يعيش كثريّ : فانشغل بعلاقاته العابرة ، رغم تسارع قلبه بسبب الحبوب الزرقاء التي ابتلعها طوال الليل !


بينما صديقهم الذي اختار الإسورة الصفراء : فأكمل رعاية أمه ، دون السماح لنفسه بالنوم رغم تعبه الشديد ..خوفاً أن يستفيق على خبر وفاتها! 

***


في ظهر اليوم التالي .. تأخروا جميعاً عن موعد إعادة اساورهم للعجوز ، بسبب استغراق الثريّ والمغني بالنوم بعد سهرهما طوال الليل .. اما صاحب البنك المركزيّ : فكان مشغولاً بتحويلاتٍ مهمّة لكبار تجار البلد..


اما رئيس الجمهوريّة : فكان عليه استقبال رئيس دولةٍ عربية بالمطار ، ولم يستطع التملّص من المسؤولية .. بينما الإبن البارّ : فلم يستطع ترك امه بعد تدهوّر صحّتها صباحاً ! 

***


في المحل الصغير ، نظر العجوز لساعة الحائط وهي ترنّ على ساعة 12 

- كالعادة ! لا احد يعيد أسورته في الوقت المناسب .. اذاً سينالوا عقابهم قريباً 

***


فجأة ! تغيّرت حياة الشباب الخمسة للأسوء ..

حيث استيقظ الثريّ في زنزانةٍ ضيّقة ، على صراخ وشتائم المجرمين في الخارج ! وكانت الزنزانة مقزّزة للغاية .. فبعد نومه البارحة على فراشٍ من ريش نعام ، هاهو ينام على فرشةٍ رطبة مليئة بالحشرات .. الشيء الوحيد الذي هدّأ روعه ، انه سيمكث في هذا الجحيم حتى ظهر اليوم التالي فقط !


اما مدير البنك ، فبعد نومه بين سبائك الذهب .. هاهو مقيّد في خندقٍ وحليّ ، بعد أن اسره جنود العدوّ .. ليواجه سيلاً من الأسئلة بلغةٍ لم يفهمها ، وهو يشعر بالخوف من ادوات التعذيب الموجودة امام قائدهم !


اما رئيس الحكومة : فوجد نفسه مربوطاً في سرير مستشفى المجانين ، وهو يستمع لصراخ مريضٍ بالغرفة المجاورة ، يقومون بعلاجه بالصعقات الكهربائيّة .. في إنتظار أن يأتي دوره !


اما الإبن البارّ : فوجد نفسه مستلقياً بسرير ، وهو ينظر للسقف دون حراك .. لتخبره الممرّضة بشلله الكامل ! وانه سيمضي يومه عاجزاً تماماً ..فشعر بعذاب امه التي امضت شهوراً بغيبوبتها ..وتساءل ان كانت ستظلّ حيّة لحين انتهاء عقوبة إسورته ، ام سيزور قبرها غداً.. وامضى وقته بالدعاء والبكاء ، على أمل ان لا تموت قبل توديعها 

 

الوحيد الذي حمد ربه على عقابه هو المغني المشهور الذي يقوم حرس السجن بخدمته وتقديم كل ما يريده ، إستعداداً لشنقه عصر يوم الغد .. فهو يعلم بأن عقاب الإسورة سينتهي قبل اعدامه .. بل شعر بنعمة الهدوء بعد عيشه ليلة صاخبة وهو ملاحق من معجباته والصحفيين الذين سلّطوا الأضواء عليه .. ونام على سريره الحديديّ بزنزانته ، وهو يقول : 

- لا شيء اجمل من الخصوصيّة ، فالشهرة ليست جميلة كما توقعتها ..كان الله في عون المشاهير

***


في ظهر اليوم التالي .. استيقظ الشباب الخمسة ، ليجدوا أنفسهم بغرفة نومهم في منازلهم ! فحمدوا الله على انتهاء العقوبة .. 

وخرجوا للشارع ، ليروا مفعول الأساور في حياتهم العادية ..


وكما هو متوقع : الغني والمشهور ومدير البنك لم يعرفهم احد ، لعودتهم اشخاصاً عادية كما كانوا .. 

بينما رئيس الحكومة : فتفاجأ بوجود إصلاحات في اماكن متعددة من مدينته ، بعد قراراته الجريئة السابقة ! ويبدو ان الرئيس الحقيقي تفاجأ ايضاً برؤية تواقيعه على المشاريع البنّاءة ، كما عقوباته الصارمة على الفاسدين ! فتورّط بإكمالها بعد شعوره للمرة الأولى بمحبة الناس الذين تجمّعوا امام قصره لتأيّده .. على عكس المظاهرات الغاضبة التي اعتاد عليها منذ بداية حكمه .. لهذا خرج اليهم وهو يعدهم بالمزيد من الإصلاحات ، وبأنه سيكون رئيساً جيداً للبلاد !


اما الإبن البارّ ، فركض للمستشفى لرؤية امه .. ليتفاجأ بها توقّع على اوراق خروجها من المستشفى بعد تعافيها تماماً ! 

فحضنها باكياً وهو لا يصدّق عينيه .. ثم ساعدها لركوب سيارته ، وإعادتها الى منزلها

***


بعد اسبوع .. تجمّع الأصدقاء الخمسة في محل العجوز ، لإخباره بما حصل ، بعد اعتذارهم عن عدم الإيفاء بوعدهم بإعادة الإسورة في الوقت المحدّد .. فقال لهم :

- الشخصان الّلذان فازا بالإمتحان : هو من قام بدور رئيس الجمهورية والإبن البارّ : لأنكما اخترتما مصلحة الغير على سعادتكم اللحظيّة ..لهذا وهبتكم الإسورة ما تمنّيتماه بفضلٍ من الله .. اما انتم الثلاثة : فاخترتم انفسكم ..لهذا ستعاقبون بحرمانكم من امانيكم للأبد

- ماذا يعني هذا ؟!


العجوز : يعني لن تصبحوا اثرياء او اصحاب سلطة او مشاهير طوال حياتكم ، لأنكم لا تصلحون لهذه الهبة التي استخدمتوها بطريقةٍ انانيّة وفاسدة !

- لكني أتدرّب على الغناء في المعهد ، للإشتراك بالمسابقة الغنائية القادمة ! 

العجوز : لن تنجح ، فالشهرة لم تُخلق لك 

فقال الآخر بيأس : كلامك يعني انه لا فائدة من تقديمي على وظيفة البنك ؟


العجوز : لوّ ادرت البنك المركزي بشكلٍ صحيح ، وقدّمت تقاريراً عن ثروة الأغنياء لفرض الضرائب عليهم لصالح الشعب ، لأصبحت مدير البنك خلال سنواتٍ قليلة .. لكنك خسرت فرصتك بعد أن أغرتك سبائك الذهب ورزم المال المكدّسة .. اما انت !! فقضيت ليلتك بخيانة خطيبتك ، لهذا ستُحرم منها

- لكن زواجنا بعد شهر !

العجوز : لن تكون لك ، بل ستبيعك لأجل عريسٍ ثريّ .. بينما ستبقى انت موظفاً بسيطاً لآخر عمرك .. والآن انتهى الإمتحان ، يمكنكم العودة الى منازلكم


فخرج ثلاثة منهم حزينين على فشلهم بالإمتحان .. بينما (رئيس الجمهورية) فكان فخوراً بانجازاته التي اصلحت كثيراً من دولته .. اما الأسعد بينهم ، فهو الإبن البارّ بعد تعافي امه من مرضها الخطير 


وهنا ! سمعوا صوت باب المحل الحديديّ يُقفل بقوة..  

فالتفتوا خلفهم ، ليتفاجأوا باختفاء المحل تماماً ! 

مما افزعهم كثيراً ، لدرجة جعلتهم يركضون بأسرع ما يمكنهم باتجاه منازلهم .. بعد أن قدّمت الأساور السحريّة دروساً قاسية ، غيّرت مستقبلهم ومنظورهم للحياة للأبد ! 


الخميس، 25 أغسطس 2022

ورطة مُحقّق

كتابة : امل شانوحة 

 

النوايا المُستترة


وصل المحقّق الجنائي (مرتضى) الى ساحة الجريمة ، ليتفاجأ بأن القتيلة هي طليقته ! والتي يبدو انها استأجرت شقةً جديدة قريبة من الحيّ الذي يسكنه.. 

فأخفى الأمر عن رجال الشرطة المتواجدين هناك .. واتصل بزميله المحقّق (أمير) لاستلام القضية بدلاً منه ، وهو تصرفٌ غير مألوف بالنسبة له ! فهو السبّاق لاستلام القضايا قبل غيره من محققيّ المراكز الأخرى

***


حين وصل أمير الى شقة المغدورة ، أخذه مرتضى جانباً وأخبره عن استخدام الجاني لأدلّه تدينه بمقتل طليقته .. 

أمير باهتمام :

- ماذا تقصد ؟!

مرتضى بقلق : السكينة التي بيدها ، هي نفسها التي استخدمتها بالتخيّيم الكشفيّ

أمير : ولما اختارت سكينتك لقطع عروق معصمها بقصد الإنتحار؟! 

- لا اظن (بسمة) انتحرت .. فالدماء لم تتدفّق بقوة من معصمها ، وهذا يدلّ انها ماتت بسبب الجرح الغائر في جبينها.. وأظن القاتل استغلّ احتضارها ، لجرح معصمها لتظهر كمنتحرة ! 


أمير : وكيف للقاتل ان يعرف انها سكينتك ، أم هي مجرّد صدفة؟! 

- لا ادري ! عقلي مشوّش ، لهذا اريدك أن تستلم القضيّة .. فأنت صديقي ، وتعرف مقدار حبي لها .. ولولا تهديدات المجرمين بإيذائها ، لما طلّقتها ابداً 

أمير : أتظن مجرماً اراد توريطك بالجريمة ؟

- ربما ! فهذه السكين استخدمتها بفترة مراهقتي ، ومستحيل ان يعرف احد انها ملكي ، إلاّ اذا كان قريباً من بسمة 

أمير : او قريبٌ منك

مرتضى باهتمام : ماذا تقصد ؟!


أمير : هل لديك اعداء من اقاربك او اصدقائك ؟

مرتضى : لا ! لا اظن القاتل واحداً منهم .. ما يقلقني الآن هو تقرير الشرطة عن الجريمة .. رجاءً استلم الموضوع ، وابعدني قدر المستطاع عن الشبهات .. فهذه آخر سنة لي بالتحقيق الجنائيّ ، ولا اريد توسيخ سمعتي 

أمير : اذاً سأتجاهل موضوع السكين .. وأظن التقرير الطبّي سيثبت رأيك : بأن ما تسبّب في موتها هو الضربة القوية على مقدّمة رأسها.. يمكنك العودة الى منزلك ، ودعّ الموضوع لي يا صديقي 

***


بعد يومين .. أثبت التقرير الطبّي : ((بأن وفاة بسمة هو بسبب تهشّم جمجمتها بشيءٍ حادّ .. وأظهرت الصور المأخوذة من مسرح الجريمة : وجود دماء على حافّة سريرها .. ويبدو انها تعثّرت او شعرت بالدوّار ، لتسقط بقوّة فوق الزاوية الحادّة للسرير .. مما ادّى لفقدانها الوعيّ بعد نزيفٍ قويّ ، تسبّب بوفاتها بعد دقائق من وقوع الحادثة .. ولم يرجّح التقرير أن يكون إغمائها بسبب جرح معصمها السطحيّ ، فهي لم تخسر الكثير من دماء يدها ! مما يدلّ ان أحدهم قصّ عروقها اثناء احتضارها ، او مباشرةً بعد وفاتها ! وهذا يؤكّد حصول جريمة قتلٍ متعمّدة)) 


التقرير الطبّي أحزن مرتضى كثيراً ، فحبيبته قُتلت عمداً .. فهل كان أحد المجرمين القدامى الذي حُبس بعد تحقيقاته المكثّفة ؟ وكيف عرف بأن السكين تخصّه ؟! وهل ينوي توريطه بجرائم اخرى ؟  


اسئلة كثيرة شغلت تفكير المحقّق مرتضى الذي سهر ليلته وهو يستذكر ماضيه مع بسمة التي حاولت جاهداً العودة اليه ، رغم اصراره على البعاد خوفاً على حياتها .. وهاهي تقتل على بعد امتارٍ من المبنى الذي يعيش فيه ! والأغرب معرفتها لمكان سكنه الجديد ، الذي لا يعرفه سوى القلّة من زملاء عمله..

***


لم تمضي ايام .. حتى اكتُشفت ادلّة جديدة بمسرح الجريمة ، تدين مرتضى بمقتل بسمة ! 

مثل الرسالة التي وجدّت بالصدفة تحت وسادتها ، مكتوباً فيها : 

((خدعتني يا مرتضى .. أخبرتني بأن انفصالنا سيكون لشهورٍ فقط ، لحين انتهاء الخطر .. وهآ انت تتعمّد الهروب مني ! وطلبت من زملائك إبعادي عن مكتبك ! كان بإمكانك حمايتي من المجرمين ، لكنك تخلّيت عني بسهولة .. ومع هذا سأتوصل لطريقة تجبرك على العودة لي ، ولوّ بالقوة !! فلا احد يرفض الفاتنة بسمة !! .. والأيام بيننا يا مرتضى ، إمّا انت او انا!!))


ووصلت الرسالة الى مدير مركز الشرطة ، الذي سأل مرتضى بنبرة عتاب : 

- لما لم تخبرنا أن القتيلة هي طليقتك ؟

مرتضى بارتباك : ولأجل هذا تخلّيت عن القضية 

- انت أخفيت معلومةً مهمة عن تحقيقاتنا ، فهل حصل تواصل بينكما قبل الحادثة ؟

- لا سيدي ! لم ارها منذ طلاقنا العام الماضي .. ورسالتها تؤكّد هجراني لها ، خوفاً أن اكون مراقباً من المجرمين الذين هدّدوني سابقاً بقتلها .. 


المدير : وماذا بشأن الدليل الآخر ؟

- أيّ دليل ؟! (قالها بارتباك ، وهو يدعو الله ان لا يكون أمير اخبره بشأن السكين)

المدير : معطفك

- أيّ معطف ؟!

- وجدنا معطفك في خزانة ملابسها ، وفي جيبه بطاقة ناديك الرياضيّ .. وسألنا مسؤول النادي الذي أخبرنا انك تسجّلت عنده منذ فترةٍ وجيزة ! مما يعني زيارتك لها قبل الحادثة ، فلما تحاول الكذب عليّ؟!!

مرتضى : ولما البس معطفاً في الصيف ؟

- هو معطفٌ ربيعيّ ، سأريك إيّاه

وأخرجه المدير من صندوق الأدلّة..


مرتضى : نعم ! هذا معطفي 

- اذاً تعترف !!

- هو المعطف الذي لبسته في ملاعب الجولف ، والتي توقفت عن لعبها بعد طلاقي .. يمكنك الإتصال بناديّ السابق ، للتأكّد من المعلومة 

المدير : ولما تواجد معطفك في خزانة القتيلة التي انتقلت الى شقتها قبل شهرين من موتها ؟

- ربما احتفظت بأغراضي القديمة

- اذاً كيف تفسّر هذا الشيء ؟

وقرّب المعطف منه ، ليلاحظ مرتضى بأن كمّه ملطّخاً بالدماء !


المدير : المختبر أكّد انها دماء بسمة ، وأن المعطف إتسخ به يوم الجريمة .. فهل كنت تلبسه اثناء قطعك عروق معصمها ؟

- وهل يعقل أن اتركه بخزانتها بعد قتلي لها ؟ اليس الأفضل لوّ تخلّصت من جميع الأدلّة ؟ 

- هو بالفعل خطأ غبيّ ، لا يمكن ارتكابه من محقّقٍ بارعٍ مثلك ! لكن ماذا بشأن الدليل الآخر ؟ فقد وجدنا دفتر مذكراتك في درجها ، مكتوباً في إحدى صفحاته :

((سأقتل كل من يفرّقني عن حبيبتي))


فنظر مرتضى للكلام المكتوب بالدفتر ، قائلاً :  

- نعم هذا دفتري ، وكتبت تلك الجملة قبل اسابيع من طلاقنا .. وكنت أقصد المجرم الذي يُرسل التهديدات بقتلها 

المدير : ولما طلّقتها إن كنت تنوي الدفاع عنها ؟! 

مرتضى : غيّرت رأيّ بعد محاولة خطفها من موقف عمارتنا القديمة .. فقرّرت الإبتعاد عنها ، رغم حبّي الكبير لها


المدير : ونسيت دفتر مذكراتك معها ؟

- بل تركته في شقتنا القديمة ، مع الكثير من اغراضي الخاصّة

المدير : المشكلة اننا وجدنا بآخر صفحة من مذكراتك ، شعرتك المصبوغة بدمائها !  

- وكيف عرفتم انها شعرتي ؟! 

- قارنّاها بشعرةٍ في مشطك المتروك بدرج مكتبك


مرتضى بعصبية : أيعقل سيدي ان اقتلها ، ثم اجلس لكتابة مذكراتي .. وارحل من مسرح الجريمة بعد ترك دفتري في درجها ؟!! 

- اهدأ رجاءً .. انا أخبرك بالأدلّة الوجودة ضدّك في مسرح الجريمة 

مرتضى : ومن كشف تلك الأدلّة ضدّي ؟!


وهنا دخل المحقّق أمير وهو يقول : 

- انا !! بعد صدمتي بكذبتك عليّ 

مرتضى : أيّةِ كذبة ؟!

أمير : السكين التي طلبت مني إخفائها ، أثبت تقرير المختبر الجنائي بوجود بصمتك على قبضتها !

مرتضى بصدمة : مستحيل ! 

المدير باستغراب : وهل كانت سكينتك يا مرتضى ؟!

أمير : نعم !! هو أخبرني بنفسه .. فإيّاك الإنكار يا مرتضى !! 

مرتضى بفزع : هناك خطأ سيدي ، مستحيل ان تكون بصمتي ! فأنا لم اكن اعرف بعنوان شقتها الجديدة 

أمير بحزم : هي بصمتك !! قارنتها مع بصماتك الموجودة في ملفّ عملك .. وإن سمحت لي سيدي ، أخبرك بتوقعاتي عمّا حصل ليلة الجريمة

المدير : تفضّل 


أمير : أظن أن بسمة تمكّنت بطريقةٍ ما من استدراج مرتضى الى بيتها .. وهناك حصلت مجادلة بينهما .. ويبدو انها هدّدته بالإنتحار إن لم يعدّ اليها .. وقطعت معصمها بجرحٍ سطحيّ لإخافته .. واثناء محاولته سحب السكين من يدها ، دفعها عن غير قصد .. فتعثّرت ، وصدمت جبهتها بطرف السرير ، وماتت على الفور .. اليس هذا ما حصل يا مرتضى ؟ 

مرتضى : سيدي !! انا خبير بالأدلّة الجنائيّة ، ومستحيل ان ارتكب تلك الأخطاء الغبيّة !

المدير : جميع الأدلّة ضدّك يا مرتضى ..لذا عليّ إيقافك ، وعرض قضيّتك على المحكمة


مرتضى بخوف : لكن سيدي ! إن وصلت قضيّتي للمحكمة ، ستنتهي مسيرتي المهنيّة وسمعتي بين الناس

المدير : مستحيل أن يمتلك القاتل العديد من أغراضك الخاصّة ، ثم يوزّعها في مسرح الجريمة !

أمير : يبدو انك كبرت بالعمر يا مرتضى ، وفقدّت السيطرة على نفسك تلك الليلة

مرتضى بقهر : أمير ! انا استعنت بك لتخرجني من المصيبة ، لا ان تورّطني فيها

أمير : آسف يا زميلي ، فنزاهني تمنعني من إخفاء الأدلّة على مديري

المدير : أمير ، هل أوكّلك بالتحقيق مع مرتضى ؟ 

أمير : هذا واجبي ، سيدي


وهنا طلب المدير من مرتضى تسليم شارته ومفاتيح مكتبه .. ثم أمر شرطيين لأخذه للحجز ، لحين التحقيق معه .. واقتاداه ، وسط صدمة موظفيّ المركز الذين يعرفون نزاهته وتفانيه بالعمل !

***


بعد شهور من المحاكمة ، حُكم على مرتضى بالسجن 20 عاماً لثبوت الأدلّة ضدّه .. خاصة بعد شهادة حارس العمارة واثنين من جيران بسمة ، بتردّده على شقتها قبل ايام من مقتلها !


وتمّ حبسه في سجنٍ إنفراديّ ، خوفاً على حياته من المجرمين الذي قبض عليهم على مدار ثلاثين سنه من تحقيقاته العبقريّة

***


بعدها بأيام .. وقف المحقّق أمير امام قبر بسمة ، وهو يقول بنفسه بغيظ : 

((قريباً سيتمكّن مجرمٌ من قتل حبيبك التافه .. كم أنا نادم على تعريفك بصديقي الذي سرقك مني ! والذي اخبرته بأنك تركتني لميولي الشاذّة ! وجيد انك أطلقتي إشاعتك الكاذبة وإلاّ لكنت المشتبه الأول في قتلك ، لكوني حبيبك السابق .. ورغم غدرك وسيطرتك النرجسيّة ، الا انني  كتمت حبك طوال سنوات زواجك .. وبعد طلاقك ، حاولت استمالة قلبك بكل الطرق .. لكنك أصرّيت على استعادة الجبان ، وطلبت مني عنوانه الجديد ، بالرغم  من تردّده وخوفه الدائم من رسائل التهديد التي ارسلتهم اليه في الماضي.. وقرّر تطليقك اخيراً ، بعد محاولتي خطفك (بقناعي المخيف).. ولوّ كنت زوجك ، لدافعت عنك حتى الموت .. وما أفقدني صوابي تلك الليلة ، هي رؤيتي لصندوق مقتنياته في خزانتك ! فدفعتك بقوة دون قصدٍ مني.. وحين رأيتك تحتضرين ، جرحتك بسكينته ليبدو كإنتحار .. لكني غيّرت رأيّ بعد وفاتك ، واستخدمت اغراضه القديمة كأدلّة ضدّه ، بعد تلطيخها بدمائك.. وبقيّ عليّ وضع بصمته على السكين لإثبات التهمة عليه .. ومن الجيد انك احتفظتي بكفّه المطبوع على الصلصال الجافّ .. فأسرعت بشراء معجونٍ من المكتبة ، وعدّت لمسرح الجريمة لإلصاقها داخل المُجسّم الأجوف ..ثم أخرجتها برفق ، على امل أن تكون البصمة مطبوعةً فيها.. وغمّستها بدمائك ، وطبعتها على مقبض السكين ..ولإن معظم خطوط اصبعه لم تظهر بوضوح على المعجون ، زوّرت ما خُفيّ منها على حاسوبي .. لتظهر النتيجة النهائية ، مُطابقة لبصمة طليقك .. وبذلك اتممّت مهمّتـي بنشر الأدلّة ضدّه في أرجاء شقتك : ومنها وضع بطاقة ناديه في جيب معطفه القديم التي اعطاها لي لتجديد إشتراكه ، والغبي نسيّ امرها تماماً !.. ولم أكتفي بذلك ، بل رشوت البوّاب وجاريّك للشهادة ضدّه .. كما دفعت هذا الصباح مبلغاً كبيراً لحارس السجن الفاسد ، للسماح لمجرمٍ خطير باقتحام زنزانته المنفردة ، وقتله هذه الليلة .. وهكذا تلتقي روحكما بالجحيم ، وأطوي صفحتك من حياتي تماماً))


ثم رمى باقة الورد فوق قبرها ..وغادر المقبرة وهو فخوراً بقضائه على منافسه مرتضى الذي تفوّق عليه في العمل وبسرقة حبيبته للأبد !


الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

المباراة الحاسمة

تأليف : امل شانوحة 

 

الشطرنج الدموي


في بلدة (خيمكي) على بعد 8 كـم من العاصمة السوفيتيّة ، تمركزت كتيبتان روسيّة وإلمانيّة في خندقين متقابلين .. لحماية جسرٍ فوق قناة موسكو (فولغا) من السيطرة الإلمانية ، مع بداية فصل الشتاء القارص

***


وفي وقت الظهيرة .. توقفت المعركة بين الكتيبتين بعد مقتل العديد من افراد الجيشين الّلذين قرّرا الإستراحة قليلاً ، عقب هطولٍ غزير للأمطار الباردة.. 

وكان من ضمن الأسرى ، طبّاخٌ إلمانيّ .. أمره القائد الروسيّ بإعداد الحساء له .. 


واثناء تقديمه الطعام ، رأى القائد الروسيّ فخوراً بنفسه بعد فوزه على ثلاثة من جنوده بالشطرنج الذي يبرع فيها .. 

فقال له الأسير الإلمانيّ (باللغة الروسيّة التي يتقنها) : 

- أتحدّاك أن تفوز على قائدي ، فهو عبقريّ بهذه اللعبة


ورغم كلامه المستفزّ ، إلاّ انه أثار فضول القائد الروسي لمبارزته .. فهو لم يجد بعد منافساً قويّاً يجعله يستخدم كل حيّله الذكيّة !

وحينها خطرت بباله فكرةً مجنونة ، فبعث رسالة للضابط الإلمانيّ (بجهاز اللاّسلكيّ) قائلاً :

- إن فزت عليّ بلعبة الشطرنج ، أُعلن هزيمة جيشي في المعركة  

فردّ القائد الإلمانيّ :

- بشرط !! أن نلعب على ارض الواقع ، ونقتل كل من يُمثّل أحجارنا على رقعة الشطرنج ..

القائد الروسي بحماس : موافق !!

***  


بحلول العصر ، وبعد توقف المطر .. خرج جنود الكتيبتين من مخبأهما ، ليصّطفوا فوق الرقعة المرسومة على الأرض المُوحلة بين الخندقين !

بينما جلس القائدان امام طاولة التي عليها قطع الشطرنج ، والّلذان يحرّكان الجنود فوق الرقعة الطينيّة بناءً على طريقة لعبهما ! 


حيث وقف 15 جندياً من كلا الطرفين وهم يترقّبون اللعبة بخوف ، فخسارتهم تعني موتهم ! ولأنه ينقصهم جندياً ، وضعوا كلب القائد مكانه !


بينما اصطفّ 4 طباخين (2 من كلا الفريقين) مكان القلعة ..

واصطف 4 مسعفين مكان الفيل

و4 مسؤولين عن اللّاسلكي ، مكان الأحصنة 

اما الوزيران ، فهما الضابطين من كلا الفريقين 

اما الملكان ، فهما نفسهما قائدا الكتيبتين .. وموت احدهما ، يعني فوز الآخر بالمعركة !  


وبذلك اصطفّ كل من بقيّ حيّاً (في الخندقين) بانتظار نتيجة اللعبة الحاسمة بين قائدين مُحترفيّ الشطرنج ..

***


لم تمضي ساعة .. حتى مات جميع جنود الكتيبتين بطلقةٍ بالرأس ، بما فيهم كلب القائد المسؤول عن حراسة المؤن الروسيّة !


وفي النصف الساعة التالية ، قُتل الطبّاخون والأطباء الأربعة ، بما فيهم المراسليّن .. ولم يبقى حيّاً سوى الضابطين والملكين (أيّ القائدين) ومراسلين من كلا الطرفين !


وحاول الضابطين إقناع قائديهما بترك اللعبة ، لكنهما أصرّا على إنهائها !

***


بمرور نصف ساعةٍ أخرى .. لم يتبقّى سوى الملكين الّلذين يلعبان على الطاولة بتركيزٍ شديد ، بينما يراقبهما المراسلان بخوفٍ فوق رقعتهما الطينيّة !


ليتفاجأ القائد الروسي بحركةٍ ذكيّة من القائد الإلماني الذي ابتسم قائلاً :

- كشّ ملك !! 


ثم رفع مسدسه ، وأطلق النار على رأس القائد الورسيّ ! مما أفزع مراسله ، الذي حاول الهرب من المكان .. إلاّ أن المراسل الإلماني ، لحقه وأطلق النار على ظهره ، فأرداه قتيلاً ..

ثم أسرع لاحتضان قائده :

- مبروك سيدي !! لقد فزنا اخيراً .. 


القائد الإلمانيّ : ودفعنا الثمن غالياً

- هل نخبر المركز بفوزنا على الروس ، واحتلالنا الجسر ؟

- ليس قبل مسح الرقعة الطينيّة ، ورميّ الجثث بالخندقين

المراسل الإلماني باستغراب : ولما كل هذا التعب ؟! لنخبرهم بما حصل 

- هل جننت ؟!! أتظن المركز سيسعد بالمهزلة التي حصلت هنا ؟

- ولما يغضبون ، طالما فزنا بنهاية المطاف ؟!

فتنهّد القائد الإلماني بضيق : دعنا نجرّ الجثث ونرميها بالخندقين ، ونخفي آثار الواقعة السخيفة .. ثم أخبرك بما عليك قوله للمركز .. هيا بنا 

***


بعد ساعة .. إنتهيا اخيراً من طمس معالم اللعبة الدمويّة التي حصلت بين الفريقين .. 

ثم قام المراسل بتوصيل قائده بالمركز ، وهو يقول بحماس :

- اريد العودة سريعاً لمعسكرنا ، لإخبار اصدقائي بذكائك الذي جعلنا نفوز بالمعركة

قائده بضيق : يبدو انك ستفضحني


وأخرج مسدسه ، وأطلق النار على رأس مراسله (الذي كان آخر جندياً بالموقع).. ثم مسك الهاتف اللاسلكيّ لإخبار مركزه : عن فوزه بمعركةٍ وحشيّة ، أبادت الجيشين ! وانه الوحيد المتبقي هناك .. فباركوا له على فوزه البطوليّ وثباته بالمعركة ، وأخبروه عن إرسالهم الإمدادات لاستلام الجسر في الصباح الباكر .. 


وبعد إغلاقه المكالمة ، قال القائد الإلمانيّ في نفسه :

((جيد أن جميع الشهود ميتون ، بذلك أحصل على وِسام الشجاعة وترقية برتبتي .. ولا ضرورة لمعرفة احد : أنني لولا مباراة الشطرنج ، لأعلنت استسلام جيشي غداً بعد انتهاء مؤننا الغذائيّة.. وهآ انا بمكري أصبحت بطلاً بنظر قادتي ووطني))


ثم ذهب لخندق الروس للأكل من طعامهم ، والّلبس من ثيابهم السميكة بعد اشتداد البرد مساءً .. بانتظار وصول الجيش الإلماني لاستلام موقعهم الجديد ، الذي يُعدّ أقصى ما وصلت اليه القوات الإلمانية على حدود العاصمة السوفيتيّة في الحرب العالميّة الثانية!  


الأحد، 21 أغسطس 2022

عقابٌ عادل

تأليف : امل شانوحة 

 

سفّاح النساء


إستيقظت سلوى عصراً وهي مُحتجزة في غرفةٍ ، فيها ادوات ورشة دهانٍ وإعمار ! 

وحين وجدت الباب مُقفلاً من الخارج ! أوشكت على طلب النجدة ، لولا سماعها صرخة إمرأة من الغرفة المجاورة  


فتلصّصت من فتحة الباب .. لتجد رجلاً يجلد سيدة بحزامه ، بعد تقيّد يديها خلف ظهرها ! والتي ترجّته أن يرحمها ، وهي تسأله باكية :

- ماذا تريد مني ؟!

الرجل : اريد تعذيبك حتى الموت

- ولما تفعل ذلك ؟ انا لا اعرفك !

- انا اكره النساء ، واستمتع بسماع صراخهنّ


المرأة : هل كانت امك او زوجة والدك قاسية عليك ؟ أم إن حبيبتك تخلّت عنك ، لتكرهنا جميعاً ؟!

- أتحاولين علاجي ، ايتها الدكتورة الحمقاء ؟!!

- هذا عملي ، فأنا إخصائيّة نفسيّة .. دعني اساعدك

الرجل : لا اريد سماع تحليلاتك التافهة !!

- أعدك أن لا أتفوّه بشيء ، وسأسمعك حتى النهاية

- لا اريد سماع سوى صراخك المتألّم

وانهال ضرباً عليها.. 


وهنا تذكّرت سلوى ما حصل !

((فهذا الرجل هو سائق الأجرة التي ركبت معه ، بعد خروجها من العمل.. وبعد قليل ركبت معهما تلك السيدة ، التي أخبرتهما أن سيارتها تعطّلت وهي في طريقها الى عيادتها النفسيّة !


كما تذكّرت كلام السائق حين ظهر المجمّع السكني (المتميّز بعماراته البرتقاليّة) من بعيد .. شارحاً لهما : بأن الورثة اختلفوا على وصيّة والدهم بإكمال مشروعه الخيريّ بتوزيع الشققّ على العرسان الفقراء بأسعارٍ زهيدة ، لأن أكثريّتهم يريدون بيعها بسعر السوق العقاريّ .. وبسبب المحاكم ، توقف العمل بها حتى أصبحت مهجورةً تماماً.. 


حينها قال السائق بقهر :

- كان عملي هو تركيب وإصلاح المصاعد في المباني العشرة للمشروع .. وظننت أن الحياة ابتسمت لي اخيراً ، فاشتريت العديد من الأشياء بالتقسيط .. وبسبب الورثة الحمقى ، تراكمت عليّ الديون .. فحوّلت سيارتي الى سيارة أجرة ، بعد خسارتي كل شيء 


وبعد إنهاء كلامه .. لبس قناعاً خاصاً بعمّال الدهان ، قبل التفاته اليهما بالمقاعد الخلفيّة ، وهو يقول : 

- نوماً هنيئاً))


وهنا ادركت سلمى انه رشّ مخدّراً من فتحات التكييف ، قبل اخذهما الى مبنى قيد الإنشاء ! 


وتأكّدت سلوى من شكوكها ، بعد إطلالها من نافذة الغرفة .. لتجد انها بالطابق الأخير لإحدى المباني البرتقاليّة في المجمّع السكني المهجور ! الذي يبعد حوالي 2 كيلومتر عن الشارع العام ، ومهما صرخت لن يسمعها أحد !


لكنها عادت لتلصّص من فتحة الباب بعد سماعها صرخة الطبيية الموجعة ، اثناء تسديده عدّة طعنات في جسمها ، وهو يقول :

- سأخبرك قبل موتك عن سبب كرهي للنساء : فبعد وفاة ابي ، رمتني زوجته اللعينة في الميتم بعمر التاسعة ! وهناك قامت المديرة بفرض نظامها على الأيتام من خلال عقابها المتواصل والظالم لي ! اما زوجتي العزيزة وحبّ حياتي ، فخانتني مع أعزّ أصدقائي ، فقتلهما معاً.. وحين استلمت مصاعد المشروع الضخم .. رفعت زوجات الورثة قضيّة لنقض وصيّة عمّهن ، فطُردّت من عملي مع الكثير من العمّال الآخرين ! لذلك اكرة النساء ..وقتلت حتى الآن تسعة نساء ، ممّن ساقهنّ القدر للركوب في سيارتي .. لهذا اعتدّت على طلب الأجرة مُسبقاً ، عدا عن سرقتي ذهبكن ومافي حقائبكن .. والآن موتةً هنيئة.. 


لتعلو صرخة الطبيبة الأخيرة بعد تسديده طعنةً قوية الى قلبها ، وهو يقول: 

- اراك في الجحيم .. الآن سأذهب لقتل الساقطة الأخرى


وحين رأته سلوى يتوجه بسكينته الضخمة التي تقطر دماً الى غرفتها ، أسرعت بوضع سلمٍ صغير (متواجد بغرفتها) اسفل مقبض الباب.. وبينما يحاول القاتل فتح الباب بقوة ، وهو يشتم بقذارة .. أطلّت سلوى من النافذة بعد ملاحظتها لسلكٍ كهربائي يتدلّى من السطح ، ويترنّح قرب نافذتها .. ويبدو انه غير موصول بالكهرباء ، لهذا استخدمته كحبلٍ بعد لفّ يدها حوله .. ثم دعت ربها وهي تتشاهد ، قبل قفزها من النافذة .. ليقوم السلك بنصف إستدارة ، جعلتها تصل لشرفة الشقة المجاورة .. 


في هذه الأثناء .. تمكّن القاتل من خلع باب الغرفة ، ليتفاجأ باختفاء سلوى!

فظنّ انها انتحرت .. وأطلّ من النافذة ، دون عثوره على جثتها بالأسفل كما هو متوقع ! 

فظنّ ان الهواء الرمليّ القويّ ، دفع جثتها المتراخية الى مقدّمة العمارة .. فخاف أن يراها أحد المارّة ، ويتورّط مع الشرطة .. 


بهذا الوقت .. راقبته سلوى من فتحة الباب الرئيسي للشقة المجاورة ، وهو يخرج من شقته باتجاه المصعد الذي وضع فيه مفتاحاً خاصاً (موجود بأعلى الباب الخارجيّ للمصعد) ..ويبدو انه استطاع تشغيل المصعد (فهو اختصاصه القديم) .. 

ثم شاهدته يلعن حظه ، بعد أن علق المفتاح بباب المصعد ! فقال غاضباً: 

- سأدفن الجثة اولاً ، ثم أدهن المفتاح اللعين بالزيت !


وفور نزوله في المصعد .. أسرعت سلوى بالخروج من الشقة المجاورة ، وإدارة المفتاح للجهة المعاكسة.. 

وعلى الفور ! سمعت طرقاته العنيفة على باب المصعد بعد علقه بالداخل 


فعادت الى الشقة التي حُبست فيها ، لتجد جثة الطبيبة غارقة بدمائها .. وجثثاً اخرى مُقطّعة ومتحلّلة بالحمام ! 

فخرجت من الشقة ، بعد أن اصابها الغثيان من الرائحة الكريهة المُعبّقة هناك 


وأسرعت بنزول الأدراج ، لترى في منتصف العمارة : قدما القاتل تظهران من القسم الزجاجيّ الرفيع في منتصف المصعد ، لكنه لم يستطع الخروج بعد أن علق معظم المصعد في الفاصل الإسمنتي بين الطابقين ! حتى لوّ كسر الزجاج بقدمه ، فالمسافة ضيّقة جداً للهروب منها ! 


وأكملت خروجها من المبنى المهجور .. ثم مشت مسافةً طويلة باتجاه الشارع العام ، التي وصلت اليه مع غروب الشمس .. 

ومن حسن حظها انها وجدت سيارة اجرة ، والتي اتفقت معه على اجرةٍ مضاعفة إن اوصلها بيتها .. 


ورغم وسّوستها بالنظافة إلاّ انها وافقت على شرب الماء من قارورة السائق العجوز لشدّة عطشها ..

وحين سألها عن الخوف الواضح بعينيها ، أخبرته انها مشت مسافةٍ طويلة بعد تعطّل سيارتها .. 

***


حين وصلت عمارتها ، استلفت الأجرة من صاحب البقّالة المجاورة الذي قيّدهم في دفتر الديون الشهريّة .. وصعدت الى شقتها وهي تحمد الله بأن زوجها لم يصل بعد من عمله .. ونامت بملابسها فوق كنبة الصالة ، من شدة تعبها 

***


إستفاقت بعد ساعة على صوت زوجها وهو يطمئن عليها ، بعد ان رآها نائمة بملابس العمل ، وهو ليس من عادتها ! 

وكانت على وشك إطلاعه بما حصل ، لكنها فضّلت الكتمان .. لأن الشرطة إن علمت بالأمر ، ستُخرج السفّاح من المصعد لمحاكمته .. وربما يُسجن لفترة ، قبل خروجه لإكمال جرائمه العنيفة .. 


بينما إن أخفت الموضوع ، سيبقى عالقاً في قبره الحديديّ الضيّق الى أن يموت اختناقاً او من شدةّ الجوع والعطش ، عدا عن الرعب الذي سيعيشه في الظلام الدامس ، وهو عقابٌ عادل على ما فعله بالنساء العشرة

واكتفت بالقول لزوجها : 

- كان يوماً طويلاً ، ونمت من شدةّ تعبي .. لا تقلق عليّ ، انا بخير 


بينما قالت في نفسها : ((ليسامحني اهالي الضحايا ، فهم لن يعرفوا بمصير بناتهم وزوجاتهم إلاّ في حال اكملوا العمل بالمشروع المهجور ! أتمنى بأن موت السفّاح ببطءٍ وقساوة ، يُعطي السلام لروح المفقودات المُعذّبة)) 


ثم حضنت زوجها بقوة ، وهي تخفي دموعها من هول ما عاشته في نهارها المشؤوم !  


السبت، 20 أغسطس 2022

الرحلة المشؤومة

كتابة : امل شانوحة 

الراكب الغامض !


حلّقت الطائرة الصغيرة من مدرّج إحدى الدول العربية باتجاه اوروبا ، وعلى متنها 65 راكباً : منهم علماء ومبدعين عرب ، في طريقهم الى حفلةٍ تكريميّة عن إنجازاتهم الفكريّة والإنسانيّة .. بالإضافة لرجال أعمالٍ أثرياء من عدّة دولٍ عربيّة .. 

***


بعد ساعة من إقلاعها .. أخبرهم الطيّار بالميكروفون : انهم سيواجهون مطبّات هوائيّة ، وعليهم وضع حزام الأمان لحين تجاوزهم التيّارات النّفاثة ! 


ولم تمضي دقائق ، حتى اهتزّت الطائرة بقوّة ! 

ولأن معظم الركّاب من الرجال والشباب ، فقد حاولوا التمساك قدر الإمكان ، وهم يدعون ربهم أن تمرّ الأزمة بسلام

***


بعد خمس دقائق من الرعب المتواصل ، هدأ كل شيءٍ فجأة ! وتنفّس الجميع الصعداء .. وعاد المضيفون الى عملهم بتوزيع الطعام على الركّاب


وحين وصلت المضيفة للمقاعد الخلفيّة .. وجدت رجلاً يجلس بهدوء بجوار راكبٍ عجوزٍ غاضب ، يصرّ على عودته الى مقعده !

فسألته المضيفة عن المشكلة ، فأجابها العجوز بغيظ : 

- حجزت مقعدين ، رغبةً بالجلوس وحدي.. وبعد توقف الإهتزازات وعودة انوار الطائرة ، وجدّت هذا الرجل بجانبي !


فسألت المضيفة الرجل : يا سيد ، اين كنت تجلس في بداية الرحلة ؟

فأجابها بغموض : هذا هو المقعد الوحيد الشاغر بالطائرة 

المضيفة : أعرف إن طائرتنا محجوزة بالكامل .. لكن العم الذي بجانبك حجز مقعداً فارغاً امامه ، لأن لديه فوبيا من الجراثيم ، خاصة بعد أزمة كورونا


فنظر الرجل للعجوز قائلاً : لا تقلق بشأن وسواسك القهريّ ، سيختفي قريباً مع كل احلامك المستقبلية

العجوز بعصبية : ما هذا الهراء ؟!! رجاءً يا آنسة ، أعيدي الرجل المجنون الى مكانه


فتجمّع المضيفون الثلاثة امام الراكبيّن العنيدين ، بعد تأكّدهم أن جميع المقاعد الأخرى محجوزة ! 

وأصرّ الرجل الغامض على ملازمة مكانه ، رغم محاولة رجل الأمن إخراجه من هناك .. لكنه ثبت في مقعده ، كأنه مُلتصقٌ به !

***


توجّه المضيفون الثلاثة مع رجل الأمن الى كابينة الطيّار لإخباره بالمشكلة .. فسأل الكابتن ، أحد المضيفين : 

- هل عددّت الركّاب ؟

- نعم كابتن .. كانوا 65 .. وبوجود الراكب الغامض ، أصبحوا 66!

الكابتن باستغراب : كيف ظهر فجأة ! هل كان مُختبئاً في الحمام ، واستغلّ ارتباكنا بالمطبّات لاحتلال المقعد الفارغ ؟! 

المضيفة : حتى لوّ فرضيّتك صحيحة سيدي ، كيف تجاوز الأجهزة الأمنيّة للمطار ؟!

المضيف : ربما كان من عمّال الصيانة ؟

فردّت اكبر المضيفتين سناً :

- انا اعمل هنا منذ وقتٍ طويل وأعرف جميع الموظفين ، ولم ارى ذلك الرجل من قبل ! وهو يرفض الكلام ، لإفهامنا ما حصل!  


فسأل الكابتن رجل الأمن : هل رأيت جواز سفره ؟

- سألته عنه مراراً ، ولم يجبني !

الكابتن : من الأفضل إحتجازه بمخزن الأمتعة ، لحين وصولنا الى وجهتنا

المضيفة : بقيّ اربع ساعات لنهاية الرحلة ، فكيف سيمضيهم في مخزنٍ دون طعامٍ او استخدامه لدورة مياه ؟ .. ثم كيف نأتمن رجلاً غامضاً على أمتعة الركّاب ، لربما عبث فيهم 

المضيفة الأخرى بخوف : والأسوء إن كان يُخفي حزاماً ناسفاً ! 


فقال الكابتن لرجل الأمن :

- إذهب وقيّده بالأصفاد ، ثم فتشّ حقيبته اليدويّة 

رجل الأمن : لا يحمل أيّةِ حقيبة !

فتكلّم الكابتن مع مساعده : إستلم عني القيادة ، ريثما أكلّم الراكب المزعج 

***


راقب الركّاب الكابتن وهو يتجّه الى مقعد الرجل الغامض ، ليسأله بوجهٍ بشوش :

- مرحباً ، انا كابتن الطائرة .. ما اسمك يا سيد ؟

فأجاب : سولانو

- لا تبدو عربيّاً ! من أيّةِ دولةٍ انت ؟

- انا موجود في كل مكان

الكابتن بحزم : سيد سولانو ، إن كان هذا اسمك الحقيقي .. أعطني لوّ سمحت جواز سفرك  

سولانو : لست بحاجةٍ اليه

- هل تسلّلت الى طائرتي اثناء فحصها من قبل عمّال الصيانة ؟

- لا

الكابتن : اذاً اين اختبأت لأكثر من ساعة ؟ 


إلاّ أن الراكب فضّل الصمت .. فطلب الكابتن من رجل الأمن سؤال برج المراقبة عن اسماء ركّاب الرحلة .. 

***


وبعد دقائق .. سمع الجميع إجابة موظف المطار (عبر اللاّسلكي الخاص لرجل الأمن) وهو ينفي وجود مسافر بإسم سولانو على متن طائرتهم ! 


فعاد الكابتن لسؤال الراكب الغامض ، وهو يحاول كبت غضبه :  

- سيد سولانو .. سأعيد سؤالي من جديد .. اين اختبأت لحظة إقلاعنا ؟ وكيف لم تكشفك كاميرات مراقبة المطار ؟!


لكن سولانو عاد لصمته المزعج ! فأمسك رجل الأمن بياقة قميصه ، وشدّه بعصبية :  

- أجبّ على سؤال الكابتن ، ايها التافه !! هل انت مسلّح ؟ هل تُخفي متفجّرات تحت ملابسك ؟ او إنك بلعت مخدّراتٍ لنقلها الى أوروبا ؟! .. هيا تكلّم !!


فاكتفى الرجل الغامض بابتسامةٍ مُستفزّة ! مما جعل رجل الأمن يقيّد يديه خلف ظهره بالأصفاد الحديديّة .. والغريب إن الرجل لم يقاوم إعتقاله ! 


ثم سأل رجل الأمن ، الطيّار : 

- كابتن ، اين أحتجزه حتى نهاية الرحلة ؟ 

الكابتن : ضعه في كابينتي

- هل انا متأكّد ! أخاف أن يشتّت تركيزك اثناء قيادتك الطائرة

الكابتن : إذاً إغلق فمه بلاصقٍ قويّ او رباطٍ قماشيّ ، وضعه بالكرسي خلف مقعدي ..أظنه سيبقى هادئاً لحين هبوطنا ، اليس كذلك سيد سولانو ؟

فاكتفى الرجل بابتسامةٍ مُبهمة ! 

***


بعد حجزّ الراكب المزعج في كابينة الطيّار ، عاد المضيفون لخدمة الركّاب ..


ولم تمرّ ربع ساعة ، حتى سمعوا بالميكروفون :

((مرحباً.. الكابتن سولانو يحيّكم ، ويتمنّى لكم رحلةً سعيدة)) 


فشهقوا جميعاً برعبٍ شديد ! وأسرع المضيفون الثلاثة ومعهم رجل الأمن ، محاولين فتح باب الكابينة المُقفل بإحكامٍ من الداخل ! وهم يصرخون بخوف :

- كابتن !! رجاءً أجبنا .. هل انت بخير ؟!!

المضيفة باكية : ماذا فعل بك ذلك المجنون ؟!!

ليسمعوا جواب سولانو من ميكروفون الطيّار :

- أعتذر منكم .. الكابتن ومساعده الوسيم ، غادرا عالمنا 


فصرخت المضيفتان ، وارتبك الركّاب بعد علمهم بمقتل طيّار الرحلة ومساعده .. ليكمل سولانو قائلاً :

- لا تقلقوا ، أنا خبير بالطيران .. وبما انكم الآن تحت رحمتي ، فعليكم الإلتزام بتعاليمي .. لكن بدايةً ، عليكم الإلتزام .. بالصمت!!!! 


قالها بنبرةٍ مرتفعة وحادّة للغاية ، جعلتهم يتجمّدون في مكانهم ! ليعود قائلاً:

- أحسنتم !! انا اراقبكم من كاميرا الكابينة .. واريدكم ان تلتزموا الهدوء لحين هبوطنا الى موقعنا الذي سنصل اليه بعد نصف ساعة من الآن

 

فقال رجل الأمن وهو ينظر لساعته : مازال امامنا ثلاث ساعات للوصول لبريطانيا ! 

فأجاب سولانو بالميكروفون :

- ومن قال انني ذاهبون الى هناك 

رجل الأمن بخوف : بعد نصف ساعة نكون مازلنا نُحلّق فوق البحر!

صوت سولانو : وهل يوجد شيء أجمل من البحر ؟ 

ليعلو بعدها صراخ الركّاب ، بعد علمهم بنيّة المجنون بإغراقهم جميعاً ! 


وركض الشباب باتجاه الكابينة ، محاولين كسر بابها بكل قوتهم بعد ان استبدّ فيهم اليأس !  

ليسمعو صوت سولانو يقول غاضباً : 

- يبدو أن الذوق لا ينفع معكم .. حسناً ، سأعلّمكم الأدب


وفجأة ! تمايلت الطائرة بقوّة ناحية اليمين .. ليسقط كل من لا يضع حزام الأمان ، ويُصاب برضوضٍ وجروح ، عدا عن فزعهم الشديد بما حصل!  


قبل أن يعدّل سولانو مسار الطائرة من جديد ، وهو يقول بحزم :

- هل عليّ إعادة كلامي مرتين ؟ الكلّ في مكانه !! وضعوا حزام الأمان ، الى أن نصل وجهتنا بعد قليل


فعادوا الى مقاعدهم وهم يبتهلون الى ربهم بأن تمرّ رحلتهم على خير .. لكن آمالهم تبدّدت بعد شعورهم بهبوط الطائرة فوق البحر! 

وتشاهدوا بصوتٍ مرتفع بعد يقينهم بقرب وفاتهم ! والمحزن أن اقاربهم لن يتمكّنوا حتى من دفنهم ! 


وفور هبوط سولانو بانحرافٍ شديد ، أغميّ على الجميع بسبب إختلال ضغط الهواء داخل الطائرة ! 

***


بعد وصول هيكل الطائرة المحطّمة الى اعماق البحر ! 

خرج سولانو من بابها الأماميّ ، وهو يسبح باتجاه قصرٍ زجاجيّ مُحاط بأسماك القرش ! 


وأكمل سباحته اسفل القبّة الزجاجيّة ، وصولاً لعرشٍ ذهبيّ .. ليسجّد اولاً .. ثم يرفع صوته بالسلام على ملك البحار : 

- مرحباً ، سيدي ابليس !! أتممّت مهمّتي الإنتحاريّة

ابليس : هل أغرقت رحلة رقم 666 ؟

سولانو : نعم سيدي ، وجثثهم مُحتجزة داخل حطام الطائرة .. وتتكفّل اسماك القرش بتحويلهم الآن الى هياكل عظميّة 

- جيد 


سولانو : هناك سؤالٌ يحيّرني ، سيدي .. هذه رابع رحلة أُغرقها بذات الطريقة ، وجميعها رحلات برقم ميلادك (666) .. فهل الرقم هو السبب؟! 

ابليس : لا يا غبي .. الماسون يحشرون العلماء والمثقفين والمبدعين العرب الذين لم يستطيعوا إغوائهم بالمال والشهرة داخل طائرةٍ قديمة بغرض التخلّص منهم 

- آه ! تقصد أن مسؤولي المطار يعرفون أن جميع ركّاب الرحلات  ذات الرقم 666 ذاهبون بلا عودة ؟ 

- بالتأكيد !!


سولانو باستغراب : ولما يقبل المفكّرون والمبدعون جمعهم في طائرةٍ واحدة ؟!

- لأننا نخدعهم بمؤتمراتٍ صحفيّة وهميّة وحفلات تسليم جوائزاً ادبيّة وعلميّة ، والتي بسببها تخلّصنا من صفّوة البشر ونخبة العلماء الذين يحلمون دائماً بمساعدة مجتمعاتهم باختراعاتهم وكتبهم النادرة ! فبنواياهم الحسنة يعرقلون خططي لتدمير البشريّة ، لهذا وجب التخلّص منهم


سولانو : وبالتأكيد اولئك المميزين لا يمكن تعويضهم بسهولة ؟

- بالضبط !! بعكس الفاسدين المتواجدين في كل عصرٍ وزمان 

- والى متى سنتابع إغراقهم ؟ 

ابليس : الى ان يتوقف الطيران بأمرٍ من الله ، حين تقوم الموجات المغناطيسية التي تطلقها العواصف الشمسية على تشويش إتصالات الخطوط الجويّة ، بالإضافة لتدميرها الأقمار الصناعيّة .. والى ذلك الحين ، سندفن علمائهم اولاً بأول .. فالجهلاء لا خوف منهم .. 

- اظن رحلات 666 هي فكرتك سيدي ؟ 

فأجاب ابليس بغرور : طبعاً !! .. أتدري ! حتى انا اتفاجأ احياناً من شدةّ دهائي ومكري 


ثم ضحك ضحكةً مجلّجلة ، تردّد صداها بأعماق محيطٍ مليءٍ بأسراره الخفيّة المرعبة ! 


الأربعاء، 17 أغسطس 2022

الموهبة المُختطفة

تأليف : امل شانوحة  

هوس الشهرة


شعر فِراس بالضيق كلما سألته الصحافة عن هوايته ، فهو ابن ممثلٍ عربيّ مشهور ، عُرف بأدواره البطوليّة .. والذي أورث ابنه الوحيد الكثير من الأموال والعقارات .. ليعيش فراس (الشاب الثلاثيني الوسيم الأعزب) برفاهيّة في قصر والده الفخم..


ومع ذلك لم تكفيه ثروته الضخمة وسمعة عائلته الجيدة ، لاشتياقه لأضواء الكاميرات اثناء مرافقته والده المرحوم (بفترة طفولته ومراهقته) لتكريمه في المهرجانات عن اعماله السينمائيّة الخالدة.. 


ورغم محاولات فراس الجادة بالتمثيل ، إلاّ أنه فشل بأدواره الثانويّة في العديد من الأفلام والمسلسلات ، حيث وصفه النقّاد بالمتصنّع عديم المشاعر ! 


لهذا ترك التمثيل ..والتجأ لدروس الغناء والعزف ، سعياً لشهرةٍ عربية وعالميّة .. لكنه فشل ايضاً ! .. بل أصبح أضحوكة بعد طرده من عدّة برامج للمواهب الشابّة ..

 

فتوجّه لكتابة القصص .. ورغم قلّة خبرته الّلغوية وركاكة حبكته القصصيّة إلاّ انه شارك في اكبر مسابقةٍ ادبيّة في بلاده ، والتي جمعت كبار الأدباء من كافة الأعمار .. 


وفي يوم النتائج .. حلّ في المركز الأخير لأخطائه الإملائيّة والإعرابيّة التي لا تُغتفر في مجال الأدب .. بينما حلّت (سلافة) في المركز الأول رغم عدم تجاوزها سن 22 !

 

وقد راقبها فراس عبر الشاشة الضخمة المُعلّقة بالمسرح ، وهي تستلم شهادة التكريم امام الكتّاب والجمهور الذين صفّقوا لها بحماس .. ليلاحظ ارتباكها وتلعثمها اثناء شكرها مُعدّي المسابقة ، مما يدل على ضعف شخصيتها ! 

وهنا خطرت بباله فكرة جهنميّة .. فسلافة قد تكون مفتاحه للوصول للشهرة التي حلم بها دائماً 

***


بعد شهر .. لم تدرك سلافة أن الشاب الوسيم الذي يلاحقها بالجامعة هو نفسه ابن الممثل المشهور .. وبدوره لم يخبرها بذلك ، لأنه يكره تركيز الناس على سيرة والده ، كأنه نكرة من دونه ! 

واختلق بعض الأكاذيب لإثارة اهتمامها : بكونه خرّيج هندسة ، ويدرس الماجستير في جامعتها .. في الوقت الذي تدرس فيه الأدب العربي بسنتها الأخيرة .. 


كما ناقشها بقصصها المنشورة في مدونتها التي قرأها على الدوام ، بعد إعجابه ببساطة سردها وتنوّع افكارها ، مما قوّى علاقتهما .. خاصة بعد  وعده بالزواج ، فور تخرّجها الجامعيّ.. 


وحين سألته بخجل : 

- هل يمكنني إخبار اهلي بشأنك ؟ 

اجابها بارتباك :

- إنتظري ريثما أخبر عائلتي اولاً 

***


مرّت 4 شهور ، حاول فيها فراس التهرّب من التزامه بالعلاقة او مقابلة اهلها ، بحجّة انشغالهما بالدراسة.. فلم تضغط عليه ، بعد تعلّقها الشديد به .. حيث بدى كرجلٍ محترم من خلال تصرّفاته الّلبقة : كانتظارها خارج القاعة لحين انتهاء محاضرتها .. او شرائه غدائها من كافتريا الجامعة مع رفضه مشاركتها المصاريف ، كونه المسؤول عنها مستقبلاً ! 

***


وقبل ايام من بدء امتحاناتها النهائيّة .. أصرّ على توصيلها منزلها ، لمعرفة عنوانه ، كيّ يخطبها فور نجاحها .. فوافقت بخجل

***


لتستيقظ مساءً في غرفةٍ ضيّقة (فيها سرير وخزانة ، وطاولة عليها دفاتر فارغة) مع دورة مياهٍ صغيرة ! 

وقبل إستيعابها ما حصل ! فتح فراس قفل الغرفة .. ليدخل حاملاً صينيّة الطعام ، وهو يقول بسخرية : 

- اخيراً استيقظتِ يا عروس


فسألته بخوف : فراس ! اين انا ؟!

- في علّية قصري

- ماذا تقصد ؟!

- أمعقول أن كاتبة ذكيّة مثلك ، لم تفهم الموضوع ! لقد خطفتك يا عزيزتي 

فصرخت بصدمةٍ وعصبية : ولما فعلت ذلك ؟! وماذا تريد مني ؟!!

- لا تقلقي لن ألمسك ، فأنت لستِ نوعي المفضّل .. كل ما اريده ، هو قصصك الأدبيّة

- لم افهم شيئاً !

- حسناً ، الموضوع باختصار


((وأخبرها انه رشّ الزهرة (التي اهداها لها بالسيارة) بالمخدّر .. وبعد نومها ، حملها الى غرفة قصره العلويّة (مُستغلّاً عطلة خدمه) .. وأنه اثناء غيابها عن الوعيّ : نسخ جميع قصصها ، قبل قفل مدونتها نهائياً بمساعدة صديقه الهاكر ! رغبةً بإضافتهم الى مدونته التي افتتحها حديثاً ، بعد تغيّر عناوينهم .. اما قصصها القادمة ، فسينشرهم بإسمه .. وسيستخدم معارف والده ، لتحويل افضل قصصها لأفلامٍ من تأليفه .. وبذلك يمتلك موهبةً كتابيّة ، توصله لشهرةٍ مضاعفة عن شهرة والده !))


سلافة وهي تحاول كتم غضبها : وماذا ستفعل إن رفضّت الكتابة ؟

- سأتنوّع بعقابك : من حرمانك الأكل ، وصولاً للضرب والتعنيف .. فأنت عبدتي ، وعليك تنفيذ اوامري

- حرامٌ عليك يا فراس ..الإمتحانات ستبدأ بعد يومين ، لا تحرمني التخرّج مع اصدقائي 

فراس بلؤم : لا تهمّني شهادتك

- وماذا عن اهلي ؟ اكيد سيبلّغون الشرطة عن إختفائي 

- وكيف سيعرفون بشأني ، وانت لم تخبريهم عن عريس المستقبل ؟

سلافة باكية : أهذا ذنبي لأني أحببتك ؟!

- لا تلومينني على جفافك العاطفيّ 


ثم اشار للخزانة وهو يقول : 

- وضعت فيها بعض الغيارات المناسبة لجسمك الضئيل ، وسأحرص على إطعامك بأوقاتٍ محدّدة .. كل ما عليك فعله هو تعبئة تلك الدفاتر بقصصك الجميلة  

سلافة : بالعادة أطبعهم.. 

مقاطعاً : لن اجازف بإعطائك حاسوباً ، فقد تتمكّنين بطريقةٍ ما من توصيله بإنترنت القصر ، فتبلّغين اهلك او الشرطة عن مكان احتجازك ... لهذا سأقوم بطباعتهم على حاسوبي ، لنشرهم بإسمي .. وطالما سأقرأ كل ما تكتبينه ، فلا تحاولي التلميح عمّا حصل معك ، كيّ لا أعاقبك بقسّوة .. آه ! قبل ان أنسى ، لا تصرخي او تطلّي من النافذة .. لأني منعت الخدم من الصعود لمكتبي في العلّية ، وهدّدتهم بالطرد إن ازعجوني اثناء كتابتي القصص .. فلا تحاولي لفت انتباههم ، وإلاّ سترين طباعي القاسية  


سلافة بقلق : والى متى ستحبسني ؟!

- لحين شهرتي

- قد يأخد الأمر سنواتٍ طويلة !

فراس : يا عزيزتي ، كل مشاكل الحياة تُحلّ بالمال .. وبثروة والدي سأنتج افضل قصصك ، لأعجّل من شهرتي ..

- ولما كل هذا ! الم يكن أفضل لو تزوّجنا ، وقمت انا بتأليف القصص وانت بإنتاجهم ، وانشهرنا معاً ؟!

فراس : لا يوجد شيء اسمه موهبة الإنتاج .. وانا اريد موهبةً خاصة ، تسلّط الأضواء عليّ .. لذا الأفضل أن تبدأي بكتابة قصتي الأولى


ثم خرج من الغرفة التي أقفل بابها بإحكام .. لتنهار سلافة باكية ، بعد أن تحوّل حبّ حياتها لوحشٍ دمّر احلامها المستقبليّة !

***


مرّت سنة على اختفاء سلافة ، دون إيجاد الشرطة اثراً لها ! 

في هذه الأثناء .. انشغل فراس بإنتاج فيلمه الأول ، بعد حملةٍ إعلانيّة واسعة ، كلّفته الكثير من المال .. 

فترقّب النقّاد فيلمه باهتمام ، بعد قراءتهم بعض قصصه المنشورة حديثاً بمدونته (دون علمهم بأنها مسروقة)..

***


وبالفعل حصل فيلمه البوليسيّ على ثنائهم ، لحواره الذكيّ وحبكته القصصيّة المميزة ، مما اثار دهشتهم ! 


وسرعان ما أعلن فراس في مؤتمره الصحفيّ عن انتاجه لفيلمٍ جديد ، سيُعرض قبل نهاية العام ! 

فسأله احد الصحفيين : 

- اليس غريباً أن تتفجّر موهبتك الكتابيّة دفعةً واحدة ؟

فراس : ماذا تقصد ؟!

- يعني كيف تمكّنت من تأليف 100 قصة بعد شهورٍ قليلة من فتحك المدونة ؟!

- انا اكتب منذ المراهقة ، لكني احتفظت بقصصي في ملفٍ بحاسوبي .. وبعد فشلي بالتمثيل والغناء ، قرّرت مشاركة افكاري مع القرّاء


الصحفي : وماذا كان رأيّ والدك بموهبتك الكتابيّة ؟

- لم اعرضهم عليه ، وانا نادمٌ على ذلك .. لكان مثّل إحداها قبل وفاته 

- لكن حسب معلوماتي ، بأنك فشلت في المسابقة الأدبيّة .. 

فراس مقاطعاً بارتباك :

- ليس بسبب سوء فكرتي ، بل لأخطائي الإملائيّة والإعرابيّة .. لهذا تعلّمت في الشهور الماضية في منزل دكتورٍ جامعيّ محترف ، طريقة الكتابة السليمة وأصول النحو والصرف ، وكل ما يفيدني بتطوير موهبتي .. وبعدها انشغلت بتصحيح قصصي القديمة ، قبل نشرها في مدونتي 

الصحفي ساخراً : أحقاً ! اذاً إعرب لي الجملة التالية .. 

فراس مقاطعاً بعصبية : توقف عن هذه المهزلة !! إن لم يعجبك فيلمي ، فلا تتابع اعمالي ثانيةً 


ووقف وهو يلمّلم اوراقه .. فحاولت الصحفيّة منعه من الرحيل : 

- اهدأ سيد فراس ، فالمقابلة الصحفيّة لم تنتهي بعد

فراس غاضباً : هذه مشكلة البلاد العربية !! بدل مدحكم المبدعين ، تنتقدونهم بتعليقاتكم الساخرة .. (ثم تنهّد بضيق).. آخر ما اريد قوله : إن فيلمي البوليسي هو نجاحي الأول ، لكنه حتماً لن يكون الأخير .. فأنا اكتب بجميع مجالات الأدب .. فتوقعوا أن تكون جائزتي القادمة عن فيلمي الدراميّ او الرومنسي او المخيف ، فخيالي لا حدود له .. وسأثبت موهبتي للجميع بالسنوات القادمة !!

ثم خرج ، وهو يكتم سعادته بتسليط الكاميرات عليه !

***


وبالفعل ! في السنوات الخمسة اللاحقة .. نجحت افلامه السبعة التي انتجها بنفسه ، والتي أعجبت ملايين المشاهدين الذين تحمّسوا لأفلامه القادمة

***


في علّيه القصر .. وبعد مشاهدة سلافة للفيلم الأخير على حاسوب فراس الذي سألها : 

- هل أعجبك فيلمي ؟ 

فردّت بتهكّم : فيلمك !

فراس بعصبية : هذا بدل أن تشكريني لتحويل فكرتك السخيفة الى فيلمٍ محترف ؟ الا تدرين كم كلّفني لكيّ يظهر بهذه الجودة ؟ فأنا بمجهودي خلّدت كلماتك بالسينما العربية

فقالت بحزن :

- وما الفائدة بعد سرقتك افكاري ! 

- يا غبية !! ارباحك محفوظة بالبنك ، وسأدفعهم لك بعد خروجك من هنا 


سلافة باستنكار : وهل حقاً ستطلق سراحي ؟ 

- انا أتعلّم طريقة الكتابة من معلّمي الخاصّ ، ومن خلال مراقبتي لأسلوب قصصك .. وبعد حصولي على الشهرة ، سأكمل طريقي وحدي 

سلافة بسخرية : كأنه بإمكانك الكتابة مثلي

فصفعها بغضب ..

- لا تظني إنني بحاجتك ، ايتها التافهة !! فأنا موهوب اكثر منك ، ولولا توجيهاتي الإبداعيّة للمخرج ، لما ظهر الفيلم بهذه الروعة .. فلولايّ ، لبقيت قصصك حبراً على ورق !!


سلافة بعصبية : حسناً إكمل الطريق دوني طالما متأكّد من موهبتك ، ودعني اعود لأهلي.. الا يكفي انك حرمتني من التخرّج ؟!

- سأفرج عنك بالوقت المناسب .. الآن تابعي كتابة المشهد الأخير لفيلمي القادم

وخرج من الغرفة ، تاركاً سلافة في اكتئابٍ شديد

***


لم يلاحظ الجمهور كذبه وألاعيبه ، الى أن شاهد أحد متابعين سلافة القدامى فيلماً لفراس .. فشعر بتشابه اسلوبه مع كاتبته المفضلّة التي اختفت فجأة عن جميع وسائل التواصل الإجتماعيّ ، بعد إقفال مدونتها دون توديع قرّائها ، وهو شيءٌ مُخالف لطبيعتها اللّبقة واخلاقها الرفيعة التي عوّدتهم عليها !

مما جعله يقرأ المزيد من القصص المنشورة بمدونة فراس .. ليكتشف سرقته لقصةٍ كان قرأها سابقاً لسلافة (بعد تغيّره عنوانها)! 


وهذا أثار ريبته ! فبحث عن عنوان اهلها ، حتى وجدهم .. ليتفاجأ بخبر اختفائها قبل 6 سنوات ، بعد فشل الشرطة بإيجادها !

فأخبرهم بشكوكه التي نقلوها للمحقّق الذي أصدر مذكّرة تفتيش لقصر فراس .. 

***


وفي المساء ، أُرسلت دوريّة شرطة الى هناك .. وبعد بحثهم بجميع الغرف ، لم يجدوا أثراً لسلافة .. خاصة بعد نكران الخدم لوجود سيدة بالقصر ! 


وقبل ابتعاد سيارة الشرطة عن موقف القصر ، لاحظ أحد الشرطييّن يداً تلوّح بغطاء الوسادة من بين قضبان نافذة العُلّية (بعد أن رأت سلافة انوارهم الحمراء والزرقاء تسطع في غرفتها المظلمة ، دون صراخها كيّ لا تلفت انتباه خاطفها)

 

ليسارع احدهما بالقبض على فراس ، بينما ركض الآخر للطابق العلويّ .. ليتمّ نقل سلافة الى المستشفى ، حيث أظهر التقرير الطبّي كدماتٍ قديمة على وجهها وجسمها بعد تعرّضها للعنف ، بسبب رفضها الكتابة من وقتٍ لآخر ! 

***


وفي مركز الشرطة .. حققّوا مع رئيس الخدم الذي أنكر معرفته بالمخطوفة الذي أحضرها سيده بعطلة الخدم السنويّة ! 

وحين سأله المحقّق :

- الم تشكّ من صعود فراس المتكرّر للعليّة ؟

- هو أخبرنا انه وضع مكتبه هناك ، وهدّدنا بالطرد إن ازعجناه اثناء عمله ! 

- الم تسمع اصواتاً من الغرفة العلويّة ؟ 

رئيس الخدم : سألته يوماً عن صوت بكاءٍ خافتٍ لفتاة .. فأخبرني انه ترك حاسوبه مضاءً على فيلمٍ دراميّ ، يستلهم منه قصته التالية!

- وماذا عن طعام المخطوفة ؟

- لاحظ الطبّاخ مضاعفة السيد لكميّة طعامه ! لكنه برّر جوعه الزائد ، بسبب تفكيره المستمرّ بالكتابة .. وحقاً لا تدري كم صدمتي به كبيرة ! فأنا اعرفه منذ الصغر .. ووالده كان مثالاً للأخلاق الرفيعة ، ولم أتصوّر أن ينجب شيطاناً خبيثاً مثله ! 

المحقّق : حسناً انتهى التقرير ، يمكنك العودة لمنزلك 

***


وبعد قفل ملف التحقيق .. أخبرت الشرطة عائلة سلافة بوجودها في المستشفى ، التي وضعوا لها مصلاً لسوء التغذية بجسمها الهزيل .. ليسارع اهلها الى هناك.. وينهاروا بالبكاء وهم يحتضنونها ، بعد أن فقدوا الأمل بإيجادها حيّة .. كما تنفّسوا الصعداء بعد أن اخبرتهم الطبيبة بأنه لم يتمّ الإعتداء عليها طوال سنوات اختفائها ! (فتركيز الخاطف إنصبّ فقط على أفكارها الإبداعية التي أدّت لشهرته الزائفة) 

***


اما مصير فراس ، فكان السجن لعشر سنوات بتهمة الخطف .. عدا عن فضيحته المدويّة امام مجتمعه الراقي ، وامام جمهوره ومتابعيه .. كما رفع النقّاد دعوى ضدّ سرقته الأدبيّة .. وطالبوا بنسب اعماله الثمانية السابقة لسلافة ، وتسليمها جوائزه الأدبيّة .. عدا عن حقوقها الماليّة من ارباح افلامه السينمائيّة

***


وبعد شهرين على هدوء الوضع ، إمتحنت سلافة مع طلّاب السنة الأخيرة بالجامعة 


وفور تخرّجها ، وقّعت عقوداً مع أهم المخرجين العرب الذين ارادوا تحويل قصصها القادمة لأفلامٍ سينمائيّة .. 

حيث نصحها أحد المنتجين بتحويل حادثة إختطافها ، لقصةٍ مخيفة ..فوافقت على اقتراحه .. ليحصد فيلمها أعلى نسبة مشاهدة بدور السينما ! مما جعلها من اهم الكتّاب العرب .. 


كما تطوّع منتجٌ ثريّ بدفع تكاليف ترجمة فيلمها الأخير الى عدّة لغات .. لتحصل على جائزة مهرجان (كان) السينمائي ، عن فئة القصص الأجنبية 

***


اثناء صعود سلافة الى المسرح لاستلام كأسها الذهبيّ من مهرجان كان ، وسط تصفيق النقّاد والممثلين الأجانب .. تابع فراس الحدث (مباشرةً عبر التلفاز الموجود في استراحة السجن) باهتمامٍ وتركيز ، قبل أن يقاطعه زعيم المساجين بكلامه الساخر : 

- هل انتهيتِ من مشاهدة الأخبار الفنّية ، يا سوسو الفاتنة .. الآن حوّلي الى قناة الأغاني ، نريد مشاهدة رقصكِ المثير .. فالرقص هي موهبتك الفريدة .. 


وفور ارتفاع صوت الموسيقى ، لفّ مساعد الزعيم غطاء المائدة حول خصر فراس ، بعد أن أوقفه وسط الصالة ! 

لترتفع اصوات التصفيق والصفير من المساجين الذين تابعوا رقصه الشرقيّ بنظراتهم الشاذّة ، بينما يحاول فراس جاهداً كتم دموعه المقهورة على مصيره المُخزي والمُشين الذي دمّر به سمعة والده العظيمة !


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...