تأليف : امل شانوحة
بدأت أعراض الزهايمر تظهر عند الحاج أحمد بعد بلوغه سن السبعين .. لهذا وكّل إبنه بإدارة شركاته , بينما تكفّلت إبنته الإعتناء به بعد ملازمته القصر .. وقد لاحظ من حوله إن حاضره يتلاشى مع الأيام , لكن مازال يتذكّر ماضيه جيداً !
الى ان أتى يوم , نادى فيه ابنته :
- مريومة !! غنّي لي بصوتك الجميل
ابنته باستغراب : انا زينب يا أبي ! ولا أحسن الغناء
الا انه منذ تلك اللحظة صار يناديها دائماً بهذا الإسم , وظنّت زينب بأنه نسيّها بسبب المرض .. لكن أخوها الأصغر شعر بأن في الأمر سرّاً , ولهذا سافر في يوم عطلته الى قرية والده التي لطالما حدّثهما عنها ..
***
في القرية .. بعد ان سأل هنا وهناك , وصّل أخيراً الى منزل عجوزٍ من أقارب والده , والتي سألت عن أحواله ..
فأخبرها بأن والده تزوج في سنٍ متأخرة , وأنجبه هو وأخته قبل وفاة امهما
وأردف الشاب قائلاً بقهر :
- رغم حبي الكبير لأبي , الا انه كان قاسياً علينا قبل مرضه ! فقد رفض تزويج اختي من صديقها الجامعيّ , وزوّجها بالغصب لإبن صديقه الذي طلقها بعد سنة .. اما انا , فهدّدني بالطرد من شركته في حال تزوجت الفتاة التي أحببتها من الإنترنت .. ولا أدري ما سبب كره والدي للحب لهذه الدرجة !
فتنهّدت العجوز بحزن : ربما يحاول حمايتكما من كسرة القلب , كما حصل معه ومع حبيبته مريم
الشاب بدهشة : مريومة !
- نعم , هل أخبركما عنها ؟
- لا ! لكن بعد إصابته بالزهايمر صار يردّد إسمها كثيراً , فهل تخبريني المزيد عنها ؟
فأخبرته ان أرض عائلة مريم وأرض جده كانتا متلاصقتين , ويتشاركان بئراً واحداً للسقاية بالتناوب بينهم .. وكان أحمد شاباً يافعاً حين أُغرم بصوت غناء المراهقة مريم أثناء عملها بأرض والدها .. وصارا يلتقيان عند البئر كل يوم قبل الغروب .. وبعد ان شاع حبهما بالقرية , تمّت الخطوبة ..وبعدها بأسابيع , إجتمعت القرية لحضور عرسهما
الشاب : إذاً تزوج والدي من حبيبته ؟
العجوز بقهر : لا .. فأخوها الأحمق تشاجر مع عمك قبل يوم العرس على سقاية الأرض , وأطلق النار عليه في الحفل
الشاب بدهشة : لكن ابي أخبرني بأن عمي مات بحادث سير !
- لا , مات مقتولاً .. وبسبب التار بين العائلتين , رفض جدك إتمام الزواج .. وعادت العروس مريم منهارة الى منزل والدها الذي قام بتزويجها لرجلٍ آخر بعد شهور , ممّا قهر والدك الذي سافر الى المدينة ولم يعدّ الى هنا مجدداً
الشاب : وماذا حصل للسيدة مريم ؟
العجوز : تطلّقت من زوجها القاسي بعد سنتين من زواجها , وحرمها من ابنها الوحيد الذي عاش في القرية الثانية مع اعمامه .. هل تريد عنوانها ؟
- نعم , رجاءً
***
وفي منزل مريم .. وما ان عرفت بقصة الحاج , حتى بكت قائلةً :
- أحمد أصيب بالخرف ؟!
الإبن : ليس بعد , مازال يتذكّرنا .. ويتذكّرك ايضاً
مريم بحزن : وانا لم أنسه يوماً في حياتي .. (ثم تنهّدت بقهر) .. سامح الله أخي الذي فرّق بيننا , ثم هرب للخارج واختفت أخباره!
فطلب منها ان تسافر معه للعيش في قصر والده , لكنها خافت من كلام الناس .. الا ان الشاب أقنعها بأن الأمر سيبقى سرّاً بينهما..
فقبلت مريم لشدّة شوقها لرؤية حبيبها القديم
***
حين وصلا الى القصر .. كانت زينب تطعم والدها الحساء في شرفة غرفته وهو على الكرسيّ المتحرّك , شارداً بالنظر نحو حديقة قصره
فنادى الأخ أخته لتركهما وحدهما ..
فجلست مريم بجانبه وأمسكت بيده , وهي تتمعّن في تفاصيل وجهه التي هرمت كثيراً عن آخر مرة رأته فيها !
وبدأت تحدّثه عن ذكرياتهما سويّاً لأكثر من ساعة , لكنه ظلّ يبتسم وهو يراقب طائراً وقف عند حافّة شرفته وكأنه طفلٌ صغير !
وحين يئست من لفت انتباهه .. نزلت الى الصالة لتخبر إبنه برغبتها العودة الى قريتها , لأنها لا تطيق رؤيته ضعيفاً هكذا ..
فحاول إقناعها بالبقاء أكثر معهم ..
وهنا تذكّرت زينب بأن والدها في الفترة الأخيرة كان يدنّدن جملة :
((فأتِ أو لا تأتِ , أو فافعل بقلبي ما تشاء)) .. وسألت السيدة مريم عنها ..والتي مسحت دموعها قائلةً :
- هذه أغنية ((أغداً ألقاك)) لأم كلثوم ..
ثم أكملت الجملة التي يردّدها أحمد , بغنائها الجهوريّ :
((هكذا أحتملُ العمر نعيماً وعذابا
مُهجةً حُرّى وقلباً مسّه الشوق فذابَ
أغداً ألقاك ؟))
وفجأة ! سمعوا صراخ أحمد من غرفته وهو ينادي بحرقةٍ وشوق :
- مريومة !!!! حبيبتي !!!.. انا قادمٌ اليك !!!
فأسرعوا جميعاً الى غرفته , ليجدونه يجرّ كرسيه بكل قوته للوصول الى مصدر الغناء الذي سمعه قبل قليل ..
فأسرعت مريم اليه وأمسكت يده :
- انا هنا يا أحمد .. انا هنا يا حبيبي المشاغب العنيد
فاحتضنها بقوة , وأغرقا في بكاءٍ مرير ..
فخرج الولدان من الغرفة ليتركاهما سويّاً ..
وأمضى أحمد مع حبيبته مريومة طيلة النهار وهما يسترجعا الماضي , بعد ان عادت معظم الأحداث الى ذاكرته !
***
حين حلّ المساء .. تفاجأ الأخوان بقرار والدهما بتزويجهما ممّن يحبان
ابنته بحزن : لكن صديقي تزوج قبل سنة , ولديه طفلة يا ابي..هل نسيت ؟
والدها : لا عليك , سأتكفّل بالموضوع .. وانت بنيّ , إتصل بصديقتك من الإنترنت , واخبرها بأني سأخطبها لك قريباً .. بل سيُعقد قراننا نحن الثلاثة في اليوم ذاته !!
فنظر الولدان بدهشة الى مريم التي كانت تبتسم بخجل :
- يصرّ على الزواج بي رغم كبر سننا !
الحاج أحمد بحزم : لقد قرّرت بأن الحب سينتصر بالنهاية , ولا اريد إعتراضاً من أحد !!
***
وبالفعل .. تزوّجت زينب من خطيبها القديم كزوجته الثانية , بعد ان وعده الحاج بتوظيفه في إحدى شركاته .. كما زوُّجَ ابنه من حبيبته التي انتظرته طويلاً , لكن بعد إشتراطه : تعين ممرّضة لأبيه وزوجته مريم للإطمئنان على صحتهما في القصر , بعد ذهابه هو وأخته الى بيتهما الزوجيّ المستقلّ
***
وقد أثبت الحاج أحمد للجميع بأن ذاكرة القلب أقوى بكثير من ذاكرة عقله التي بدأت تضعف مع الأيام , نسيّ فيها ولديه لكنه لم ينسى ابداً زوجته مريم التي انتظرت لقاءه نصف قرن , والتي بقيت معه حتى آخر يومٍ في حياته ..
وقد أعطت قصتهما الأمل لكل العشّاق الذين ردّدوا : بأن الله سيجمع المحبيين ولوّ بعد حين , مثل ما حصل مع المرحوم أحمد وحبيبته المخلصة مريومة !
الحب الأبديّ
بدأت أعراض الزهايمر تظهر عند الحاج أحمد بعد بلوغه سن السبعين .. لهذا وكّل إبنه بإدارة شركاته , بينما تكفّلت إبنته الإعتناء به بعد ملازمته القصر .. وقد لاحظ من حوله إن حاضره يتلاشى مع الأيام , لكن مازال يتذكّر ماضيه جيداً !
الى ان أتى يوم , نادى فيه ابنته :
- مريومة !! غنّي لي بصوتك الجميل
ابنته باستغراب : انا زينب يا أبي ! ولا أحسن الغناء
الا انه منذ تلك اللحظة صار يناديها دائماً بهذا الإسم , وظنّت زينب بأنه نسيّها بسبب المرض .. لكن أخوها الأصغر شعر بأن في الأمر سرّاً , ولهذا سافر في يوم عطلته الى قرية والده التي لطالما حدّثهما عنها ..
***
في القرية .. بعد ان سأل هنا وهناك , وصّل أخيراً الى منزل عجوزٍ من أقارب والده , والتي سألت عن أحواله ..
فأخبرها بأن والده تزوج في سنٍ متأخرة , وأنجبه هو وأخته قبل وفاة امهما
وأردف الشاب قائلاً بقهر :
- رغم حبي الكبير لأبي , الا انه كان قاسياً علينا قبل مرضه ! فقد رفض تزويج اختي من صديقها الجامعيّ , وزوّجها بالغصب لإبن صديقه الذي طلقها بعد سنة .. اما انا , فهدّدني بالطرد من شركته في حال تزوجت الفتاة التي أحببتها من الإنترنت .. ولا أدري ما سبب كره والدي للحب لهذه الدرجة !
فتنهّدت العجوز بحزن : ربما يحاول حمايتكما من كسرة القلب , كما حصل معه ومع حبيبته مريم
الشاب بدهشة : مريومة !
- نعم , هل أخبركما عنها ؟
- لا ! لكن بعد إصابته بالزهايمر صار يردّد إسمها كثيراً , فهل تخبريني المزيد عنها ؟
فأخبرته ان أرض عائلة مريم وأرض جده كانتا متلاصقتين , ويتشاركان بئراً واحداً للسقاية بالتناوب بينهم .. وكان أحمد شاباً يافعاً حين أُغرم بصوت غناء المراهقة مريم أثناء عملها بأرض والدها .. وصارا يلتقيان عند البئر كل يوم قبل الغروب .. وبعد ان شاع حبهما بالقرية , تمّت الخطوبة ..وبعدها بأسابيع , إجتمعت القرية لحضور عرسهما
الشاب : إذاً تزوج والدي من حبيبته ؟
العجوز بقهر : لا .. فأخوها الأحمق تشاجر مع عمك قبل يوم العرس على سقاية الأرض , وأطلق النار عليه في الحفل
الشاب بدهشة : لكن ابي أخبرني بأن عمي مات بحادث سير !
- لا , مات مقتولاً .. وبسبب التار بين العائلتين , رفض جدك إتمام الزواج .. وعادت العروس مريم منهارة الى منزل والدها الذي قام بتزويجها لرجلٍ آخر بعد شهور , ممّا قهر والدك الذي سافر الى المدينة ولم يعدّ الى هنا مجدداً
الشاب : وماذا حصل للسيدة مريم ؟
العجوز : تطلّقت من زوجها القاسي بعد سنتين من زواجها , وحرمها من ابنها الوحيد الذي عاش في القرية الثانية مع اعمامه .. هل تريد عنوانها ؟
- نعم , رجاءً
***
وفي منزل مريم .. وما ان عرفت بقصة الحاج , حتى بكت قائلةً :
- أحمد أصيب بالخرف ؟!
الإبن : ليس بعد , مازال يتذكّرنا .. ويتذكّرك ايضاً
مريم بحزن : وانا لم أنسه يوماً في حياتي .. (ثم تنهّدت بقهر) .. سامح الله أخي الذي فرّق بيننا , ثم هرب للخارج واختفت أخباره!
فطلب منها ان تسافر معه للعيش في قصر والده , لكنها خافت من كلام الناس .. الا ان الشاب أقنعها بأن الأمر سيبقى سرّاً بينهما..
فقبلت مريم لشدّة شوقها لرؤية حبيبها القديم
***
حين وصلا الى القصر .. كانت زينب تطعم والدها الحساء في شرفة غرفته وهو على الكرسيّ المتحرّك , شارداً بالنظر نحو حديقة قصره
فنادى الأخ أخته لتركهما وحدهما ..
فجلست مريم بجانبه وأمسكت بيده , وهي تتمعّن في تفاصيل وجهه التي هرمت كثيراً عن آخر مرة رأته فيها !
وبدأت تحدّثه عن ذكرياتهما سويّاً لأكثر من ساعة , لكنه ظلّ يبتسم وهو يراقب طائراً وقف عند حافّة شرفته وكأنه طفلٌ صغير !
وحين يئست من لفت انتباهه .. نزلت الى الصالة لتخبر إبنه برغبتها العودة الى قريتها , لأنها لا تطيق رؤيته ضعيفاً هكذا ..
فحاول إقناعها بالبقاء أكثر معهم ..
وهنا تذكّرت زينب بأن والدها في الفترة الأخيرة كان يدنّدن جملة :
((فأتِ أو لا تأتِ , أو فافعل بقلبي ما تشاء)) .. وسألت السيدة مريم عنها ..والتي مسحت دموعها قائلةً :
- هذه أغنية ((أغداً ألقاك)) لأم كلثوم ..
ثم أكملت الجملة التي يردّدها أحمد , بغنائها الجهوريّ :
((هكذا أحتملُ العمر نعيماً وعذابا
مُهجةً حُرّى وقلباً مسّه الشوق فذابَ
أغداً ألقاك ؟))
وفجأة ! سمعوا صراخ أحمد من غرفته وهو ينادي بحرقةٍ وشوق :
- مريومة !!!! حبيبتي !!!.. انا قادمٌ اليك !!!
فأسرعوا جميعاً الى غرفته , ليجدونه يجرّ كرسيه بكل قوته للوصول الى مصدر الغناء الذي سمعه قبل قليل ..
فأسرعت مريم اليه وأمسكت يده :
- انا هنا يا أحمد .. انا هنا يا حبيبي المشاغب العنيد
فاحتضنها بقوة , وأغرقا في بكاءٍ مرير ..
فخرج الولدان من الغرفة ليتركاهما سويّاً ..
وأمضى أحمد مع حبيبته مريومة طيلة النهار وهما يسترجعا الماضي , بعد ان عادت معظم الأحداث الى ذاكرته !
***
حين حلّ المساء .. تفاجأ الأخوان بقرار والدهما بتزويجهما ممّن يحبان
ابنته بحزن : لكن صديقي تزوج قبل سنة , ولديه طفلة يا ابي..هل نسيت ؟
والدها : لا عليك , سأتكفّل بالموضوع .. وانت بنيّ , إتصل بصديقتك من الإنترنت , واخبرها بأني سأخطبها لك قريباً .. بل سيُعقد قراننا نحن الثلاثة في اليوم ذاته !!
فنظر الولدان بدهشة الى مريم التي كانت تبتسم بخجل :
- يصرّ على الزواج بي رغم كبر سننا !
الحاج أحمد بحزم : لقد قرّرت بأن الحب سينتصر بالنهاية , ولا اريد إعتراضاً من أحد !!
***
وبالفعل .. تزوّجت زينب من خطيبها القديم كزوجته الثانية , بعد ان وعده الحاج بتوظيفه في إحدى شركاته .. كما زوُّجَ ابنه من حبيبته التي انتظرته طويلاً , لكن بعد إشتراطه : تعين ممرّضة لأبيه وزوجته مريم للإطمئنان على صحتهما في القصر , بعد ذهابه هو وأخته الى بيتهما الزوجيّ المستقلّ
***
وقد أثبت الحاج أحمد للجميع بأن ذاكرة القلب أقوى بكثير من ذاكرة عقله التي بدأت تضعف مع الأيام , نسيّ فيها ولديه لكنه لم ينسى ابداً زوجته مريم التي انتظرت لقاءه نصف قرن , والتي بقيت معه حتى آخر يومٍ في حياته ..
وقد أعطت قصتهما الأمل لكل العشّاق الذين ردّدوا : بأن الله سيجمع المحبيين ولوّ بعد حين , مثل ما حصل مع المرحوم أحمد وحبيبته المخلصة مريومة !