الأحد، 28 أبريل 2019

ذاكرة القلب

تأليف : امل شانوحة


الحب الأبديّ

بدأت أعراض الزهايمر تظهر عند الحاج أحمد بعد بلوغه سن السبعين .. لهذا وكّل إبنه بإدارة شركاته , بينما تكفّلت إبنته الإعتناء به بعد ملازمته القصر .. وقد لاحظ من حوله إن حاضره يتلاشى مع الأيام , لكن مازال يتذكّر ماضيه جيداً !

الى ان أتى يوم , نادى فيه ابنته : 
- مريومة !! غنّي لي بصوتك الجميل
ابنته باستغراب : انا زينب يا أبي ! ولا أحسن الغناء 

الا انه منذ تلك اللحظة صار يناديها دائماً بهذا الإسم , وظنّت زينب بأنه نسيّها بسبب المرض .. لكن أخوها الأصغر شعر بأن في الأمر سرّاً , ولهذا سافر في يوم عطلته الى قرية والده التي لطالما حدّثهما عنها ..
***

في القرية .. بعد ان سأل هنا وهناك , وصّل أخيراً الى منزل عجوزٍ من أقارب والده , والتي سألت عن أحواله .. 
فأخبرها بأن والده تزوج في سنٍ متأخرة , وأنجبه هو وأخته قبل وفاة امهما 

وأردف الشاب قائلاً بقهر : 
- رغم حبي الكبير لأبي , الا انه كان قاسياً علينا قبل مرضه ! فقد رفض تزويج اختي من صديقها الجامعيّ , وزوّجها بالغصب لإبن صديقه الذي طلقها بعد سنة .. اما انا , فهدّدني بالطرد من شركته في حال تزوجت الفتاة التي أحببتها من الإنترنت .. ولا أدري ما سبب كره والدي للحب لهذه الدرجة ! 

فتنهّدت العجوز بحزن : ربما يحاول حمايتكما من كسرة القلب , كما حصل معه ومع حبيبته مريم 
الشاب بدهشة : مريومة !
- نعم , هل أخبركما عنها ؟
- لا ! لكن بعد إصابته بالزهايمر صار يردّد إسمها كثيراً , فهل تخبريني المزيد عنها ؟

فأخبرته ان أرض عائلة مريم وأرض جده كانتا متلاصقتين , ويتشاركان بئراً واحداً للسقاية بالتناوب بينهم .. وكان أحمد شاباً يافعاً حين أُغرم بصوت غناء المراهقة مريم أثناء عملها بأرض والدها .. وصارا يلتقيان عند البئر كل يوم قبل الغروب .. وبعد ان شاع حبهما بالقرية , تمّت الخطوبة ..وبعدها بأسابيع , إجتمعت القرية لحضور عرسهما 

الشاب : إذاً تزوج والدي من حبيبته ؟
العجوز بقهر : لا .. فأخوها الأحمق تشاجر مع عمك قبل يوم العرس على سقاية الأرض , وأطلق النار عليه في الحفل 
الشاب بدهشة : لكن ابي أخبرني بأن عمي مات بحادث سير !
- لا , مات مقتولاً .. وبسبب التار بين العائلتين , رفض جدك إتمام الزواج .. وعادت العروس مريم منهارة الى منزل والدها الذي قام بتزويجها لرجلٍ آخر بعد شهور , ممّا قهر والدك الذي سافر الى المدينة ولم يعدّ الى هنا مجدداً

الشاب : وماذا حصل للسيدة مريم ؟
العجوز : تطلّقت من زوجها القاسي بعد سنتين من زواجها , وحرمها من ابنها الوحيد الذي عاش في القرية الثانية مع اعمامه .. هل تريد عنوانها ؟
- نعم , رجاءً
***

وفي منزل مريم .. وما ان عرفت بقصة الحاج , حتى بكت قائلةً : 
- أحمد أصيب بالخرف ؟!
الإبن : ليس بعد , مازال يتذكّرنا .. ويتذكّرك ايضاً 
مريم بحزن : وانا لم أنسه يوماً في حياتي .. (ثم تنهّدت بقهر) .. سامح الله أخي الذي فرّق بيننا , ثم هرب للخارج واختفت أخباره!  

فطلب منها ان تسافر معه للعيش في قصر والده , لكنها خافت من كلام الناس .. الا ان الشاب أقنعها بأن الأمر سيبقى سرّاً بينهما.. 
فقبلت مريم لشدّة شوقها لرؤية حبيبها القديم
***

حين وصلا الى القصر .. كانت زينب تطعم والدها الحساء في شرفة غرفته وهو على الكرسيّ المتحرّك , شارداً بالنظر نحو حديقة قصره
فنادى الأخ أخته لتركهما وحدهما ..

فجلست مريم بجانبه وأمسكت بيده , وهي تتمعّن في تفاصيل وجهه التي هرمت كثيراً عن آخر مرة رأته فيها ! 
وبدأت تحدّثه عن ذكرياتهما سويّاً لأكثر من ساعة , لكنه ظلّ يبتسم وهو يراقب طائراً وقف عند حافّة شرفته وكأنه طفلٌ صغير !

وحين يئست من لفت انتباهه .. نزلت الى الصالة لتخبر إبنه برغبتها العودة الى قريتها , لأنها لا تطيق رؤيته ضعيفاً هكذا ..
فحاول إقناعها بالبقاء أكثر معهم .. 

وهنا تذكّرت زينب بأن والدها في الفترة الأخيرة كان يدنّدن جملة :
((فأتِ أو لا تأتِ , أو فافعل بقلبي ما تشاء)) .. وسألت السيدة مريم عنها ..والتي مسحت دموعها قائلةً : 
- هذه أغنية ((أغداً ألقاك)) لأم كلثوم .. 
ثم أكملت الجملة التي يردّدها أحمد , بغنائها الجهوريّ :
((هكذا أحتملُ العمر نعيماً وعذابا
مُهجةً حُرّى وقلباً مسّه الشوق فذابَ
أغداً ألقاك ؟)) 

وفجأة ! سمعوا صراخ أحمد من غرفته وهو ينادي بحرقةٍ وشوق :
- مريومة !!!! حبيبتي !!!.. انا قادمٌ اليك !!!

فأسرعوا جميعاً الى غرفته , ليجدونه يجرّ كرسيه بكل قوته للوصول الى مصدر الغناء الذي سمعه قبل قليل .. 
فأسرعت مريم اليه وأمسكت يده :
- انا هنا يا أحمد .. انا هنا يا حبيبي المشاغب العنيد
فاحتضنها بقوة , وأغرقا في بكاءٍ مرير .. 
فخرج الولدان من الغرفة ليتركاهما سويّاً ..

وأمضى أحمد مع حبيبته مريومة طيلة النهار وهما يسترجعا الماضي , بعد ان عادت معظم الأحداث الى ذاكرته !
***

حين حلّ المساء .. تفاجأ الأخوان بقرار والدهما بتزويجهما ممّن يحبان 
ابنته بحزن : لكن صديقي تزوج قبل سنة , ولديه طفلة يا ابي..هل نسيت ؟
والدها : لا عليك , سأتكفّل بالموضوع .. وانت بنيّ , إتصل بصديقتك من الإنترنت , واخبرها بأني سأخطبها لك قريباً .. بل سيُعقد قراننا نحن الثلاثة في اليوم ذاته !! 

فنظر الولدان بدهشة الى مريم التي كانت تبتسم بخجل :
- يصرّ على الزواج بي رغم كبر سننا ! 
الحاج أحمد بحزم : لقد قرّرت بأن الحب سينتصر بالنهاية , ولا اريد إعتراضاً من أحد !! 
***

وبالفعل .. تزوّجت زينب من خطيبها القديم كزوجته الثانية , بعد ان وعده الحاج بتوظيفه في إحدى شركاته .. كما زوُّجَ ابنه من حبيبته التي انتظرته طويلاً , لكن بعد إشتراطه : تعين ممرّضة لأبيه وزوجته مريم للإطمئنان على صحتهما في القصر , بعد ذهابه هو وأخته الى بيتهما الزوجيّ المستقلّ
***

وقد أثبت الحاج أحمد للجميع بأن ذاكرة القلب أقوى بكثير من ذاكرة عقله التي بدأت تضعف مع الأيام , نسيّ فيها ولديه لكنه لم ينسى ابداً زوجته مريم التي انتظرت لقاءه نصف قرن , والتي بقيت معه حتى آخر يومٍ في حياته ..

وقد أعطت قصتهما الأمل لكل العشّاق الذين ردّدوا : بأن الله سيجمع المحبيين ولوّ بعد حين , مثل ما حصل مع المرحوم أحمد وحبيبته المخلصة مريومة !  

الأربعاء، 24 أبريل 2019

التفكير الإيجابيّ

تأليف : امل شانوحة

العلاج النفسيّ للطاقة السلبيّة !

عاد مساعد الطبيب الى الفيلا مساءً , بعد تثبيته للشجرة الإصطناعية في الحديقة العامة .. والتي في داخلها : كرسيٌ مريح , ولافتة مكتوبٌ عليها : ((إجلس هنا , لتغير حياتك للأفضل)) 
كما كان في الشجرة : كاميرات داخلية وخارجية موصولة بشاشة مراقبة في مكتب الفيلا القريبة من الحديقة ..
***

بعد خروج المساعد (خبير الكمبيوتر) من المكتب , سأله الطبيب الجالس في الصالة : 
- هل تأكّدت من عمل الكاميرات ؟
المساعد : نعم , كل شيء على ما يرام .. لكني لم أفهم بعد عمل الشجرة ؟
الطبيب : معظم المرضى يرفضون القدوم الى العيادات النفسية خوفاً من كلام الناس , او لرفضهم الإعتراف بمشاكلهم النفسيّة .. لذلك طلبت منك إختراع جهاز على شكل شجرة يقيس طاقاتهم السلبية اثناء مرورهم بجانبها .. وفور جلوسهم على الكرسي , نرُشّ على وجوههم مخدّراً يهدّأ نفوسهم المضطربة  ..لأقوم بعدها بالتكلّم معهم بالميكرفون عن طريق التنويم المغناطيسي ليخبروني بمشاكلهم .. ومن ثم أحاول مساعدتهم قدر الإمكان 

المساعد : لكن ليست كل المشاكل يمكن حلّها .. إفترض لوّ أن أحدهم يشعر بالحنين الى شخصٍ ميت , فكيف نحضره له ؟!
الطبيب : انت لا تعرف قوة التنويم المغناطيسي , فباستطاعتي إيهام المريض بأن صوتي هو صوت الميت .. فيتكلّم معي على إنني والده او حتى امه .. وبعد هذا الحديث , يشعر المريض براحةٍ نفسية لشعوره بأن الميت يراقبه من السماء .. هل فهمت الآن ؟
المساعد : سأفهم أكثر حين أراك تعمل على المرضى , مع اني أشكّ بنجاح التجربة 

وهنا ظهر صوت المنبّه من المكتب.. 
المساعد باستغراب : يبدو ان أحدهم دخل فعلاً الشجرة !
الطبيب : إذاً هيا بنا نساعده 
*** 

وكانت الحالة الأولى : لطفلٍ من اولاد الشوارع , فتحت له الشجرة بابها بعد مروره بجانبها حزيناً ..
وما ان جلس على الكرسي , حتى إنغلق الباب عليه .. وقام المخدّر المرشوش بتهدئة فزعه !

وفي الفيلا .. إستطاع المساعد قياس طاقة الولد السلبية , قائلاً للطبيب :
- انه حزينٌ جداً رغم صغر سنه ! فكيف سنعرف سبب تعاسته ؟
الدكتور : تعاسته واضحة يا بنيّ , الفقر والحاجة .. لكن السؤال الأهم , ماهو حلمه ؟ .. هيا إفتح الميكرفون لأتكلّم معه 
وبدأ الطبيب يحدّثه : 
- ماهو حلمك يا صغير ؟
فأخبره الولد بكلامٍ شبه مفهوم : بأنه يحلم بنوع من الشوكولا ذاقه منذ ايام , بعد ان نسيّه أحدهم فوق مقعد الشاطىء

وحين سمع المساعد حلم الصبي , قال للطبيب : حلمه بسيطٌ جداً !
- لكن بالنسبة له صعبُ المنال 
المساعد : وهل أشتري له ما يريد ؟
الطبيب : لا !! اريده ان يعتمد على نفسه 

ثم قام الدكتور بتكرار عنوان بيته , كيّ يحفظه الصبي ..
وأنهى كلامه قائلاً :
- ستنسى موضوع الشجرة فور خروجك منها .. والآن إستيقظ!!!
وما ان خرج منها , حتى عاد للشحاذة في الطرقات وكأن شيئاً لم يكن !  
***

في صباح اليوم التالي , راقب الطبيب كاميرا مدخل الفيلا .. 
فسأله المساعد : الم يأتي الولد بعد ؟
- سيأتي , انا متأكّد من نجاح خطتي ... آه , هاهو !! إسرع ونفّذ ما قلته لك 

فخرج المساعد ليرى الولد تائهاً قرب الفيلا دون ان يفهم سبب قدومه الى هنا !  
فناداه الشاب : هاى انت !! أتريد شيئاً ؟
الولد بارتباك : لا سيدي , انا آسف ..سأذهب حالاً
- لا انتظر !! هل تستطيع جزّ العشب ؟ فمزارِعنا مريض , وسيأتينا ضيوف على المساء .. 
فأجاب الولد بحماس : بالطبع أستطيع !!

وأدخله المساعد الى حديقة الفيلا .. وعلّمه طريقة استخدام ماكينة القصّ التي عمل عليها لساعات , الى ان أنهى عمله بإتقان .. 

وبعد انتهائه , إقترب منه الشاب وهو يقول :
- هذه أجرتك .. بالإضافة لكيس شوكولا وصلني هدية , وانا لا أحب الحلوى
فقال الصبي وهو يطير فرحاً : انا أحب هذا النوع بالذات !! 
- اذاً هو لك 
فأخذه سعيداً .. وقبل ذهابه ناداه قائلاً :
- على فكرة !! السوبرماركت القريب من هنا يبحث عن اولاد في مثل عمرك للعمل بتوضيب الأغراض بالأكياس .. فإن كان يهمّك الأمر , إذهب اليه الآن .. فالراتب لا بأس به 
الصبي بحماس : أحقاً ! سأذهب اليهم حالاً  

وبالفعل توظّف الولد هناك , وابتعد عن الشحاذة في الطرقات .. وقام الدكتور بالإتفاق مع صاحب السوبرماركت على إكرام الصبي بالحلوى في نهاية كل شهر .. وبذلك حقّق حلمه الطفوليّ
***

في مساء أحد الأيام .. نادى المساعد الطبيب لمعالجة شخصٍ جديد دخل الشجرة .. 
وظهر بالكاميرا : رجلٌ مشرّد , قويّ البنيّة .. والذي أغضبه كثيراً إنغلاق الباب عليه , لكن المخدّر هدّأه قبل ان يكسره ..
ثم سأله الدكتور عن احلامه .. فأخبره المشرّد بعشقه الكبير للملاكمة 

فقام المساعد بالبحث بالإنترنت عن أقرب نادي رياضيّ .. 
ثم اتفق الطبيب مع المدرّب على دفع كافة المصاريف لدروس الملاكمة , التي سيرسلها له فور قدوم المشرّد للتسجيل في ناديه .. 

ومن بعدها .. كرّر الدكتور عنوان النادي على مسامع المشرّد الشبه النائم ..وأقنعه بأن باستطاعته أن يصبح ملاكماً مشهوراً في حال ركّز على أهدافه.. 
ومن ثم أيقظه , ليخرج الرجل مُتناسياً ما حصل له داخل الشجرة! 
***

ولم يتصل المدرّب بالطبيب الا بعد يومين , حين قدم المشرّد لا شعورياً ليسأله عن مبلغ التسجيل
الطبيب باهتمام : وماذا قلت له ؟
المدرب (من الجوّال) : قلت كما طلبت مني , بأني سأدرّبه بالمجّان لحين فوزه بالمباراة الأولى , ثم أشاركه الجائزة .. وهو الآن يتدرّب بنشاطٍ وقوة , فلياقته عالية بالنسبة لحالته البائسة ! 

وعلى الفور !! ارسل الطبيب مبلغ الإشتراك من حسابه , بعد ان اشترط على المدرّب إكمال تدريب المشرّد الى ان يصل لمستوى المحترفين 
***

في الليلة التالية .. ظهرت بالكاميرا : سيدة تبكي بحرقة داخل الشجرة !
وقد أخبرت الطبيب : بأن صديقها يسيطر عليها بشكلٍ دمّر شخصيتها وأحلامها  
فاستمع الدكتور لتفاصيل علاقتها برجلٍ ساديّ يهوى تعذيبها نفسيّاً! 
وحين سألها ان كان لديها أصدقاء آخرين ؟ 
أخبرته عن صديق طفولتها الذي ينصحها دائماً بترك هذا الرجل ..

فقال لها الطبيب بالميكرفون : اريدك ان تتخيلي الآن إنك تزوجتي الرجل السيء .. فكيف ستكون علاقته بأهلك ؟
فأجابت بحزن : سيئة .. فهو يقول دائماً , بأنه سيمنعني من زياراتهم بعد زواجنا 
الطبيب : وكيف تتخيّلين علاقته بأولادك ؟
- سيئة ايضاً , فهو غير حنون على الأطفال 
- وكيف ستكون علاقتكما سويّاً ؟
السيدة بقلق : أحياناً أخاف منه حينما يغضب 
- وهل تظني انه سيضربك يوماً ما ؟
السيدة بقلق : ربما 
- وهل سيخونك ؟
- بالتأكيد !! فهو خانني أكثر من مرة 
صوت الطبيب : وهل في قرارة نفسك تظنين انه شخصٌ سيء ؟ 
السيدة بحزن : نعم 

الطبيب : وماذا عن صديق طفولتك , هل هو رجلٌ جيد ؟
السيدة : نعم جداً , وحنونٌ عليّ ..ويحب اللعب مع الأطفال 
- وهل تظنينه سيكون زوجاً مناسباً لك ؟
فأجابت بتردّد : نعم
- اريدك ان تتخيلي حياتك مع صديق طفولتك .. وكيف ستمضين فترة الأعياد برفقة عائلتكما , والأطفال تلعب من حولكم .. الن تكوني سعيدة ؟
- أظن ذلك 

الطبيب : اذاً بعد قليل .. ستأخذين قراراً حاسماً بالتخلّي عن صديقك الشرير , فنحن لا نعيش في هذه الحياة سوى مرة واحدة .. أتريدين ان تعيشي بشقاء ام بسعادة ؟
- بسعادة طبعاً 
- اذاً في هذه الليلة !! ستختارين الشخص المناسب الذي ستمضين حياتك السعيدة معه ... والآن ستستيقظي بعد العدد 3 , وستنسين كل شيء عن الشجرة فور خروجك منها .. سأبدأ بالعدّ : 1 – 2 – 3 ..إستفيقي !! 

وفور خروجها .. ظهر بالكاميرا الخارجية (المعلّقة بأعلى الشجرة) إنها اتصلت بصديقها السيء وأنهت علاقتها معه , قائلةً بحزم :
- إضحك كما تشاء , فأنا لن أعود اليك ثانيةً 

ثم رآها الطبيب ومساعده وهي تكسر شريحة جوّالها وترميها في حاوية الحديقة , قبل ان تسرع الى سيارتها وهي تبتسم ابتسامةٍ عريضة 

وفي مكتب الفيلا .. سأل المساعد الطبيب : 
- هل برأيك ستذهب الى صديق طفولتها ؟ 
الدكتور : أظن ذلك , فالفرحة واضحة عليها 
- وهل تظنه سيتزوجها ؟ 
الطبيب : على حسب ما ذكرته عن مساندته الدائمة لها , أظنه سيتقرّب منها فور معرفته بتركها للرجل الشرير .. فهي فتاةٌ بريئة وتستحق العيش مع شخصٍ يعرف قيمتها جيداً , تماماً كصديقها القديم .. فدعنا نتأمّل نهايةً سعيدة لقصتها
***

في إحدى الليالي .. أيقظه مساعده بعد ان ارتفع صوت المنبه من المكتب .. ليريا على الشاشة : رجلٌ خمسينيّ يجلس مكتئباً داخل الشجرة .. 
وعلما بعد تخديره : بأنه يملك فكرة عبقرية للعبة أطفال , إحتفظ بها لسنوات ..وبسببها أصيب بأرقٍ جعله يتجوّل بوقتٍ متأخّر في الحديقة 

وهنا قال المساعد للطبيب : فكرته جميلة وتعليمية , وأظنها ستكتسح السوق ! فلما لم يتصرّف حيالها طوال عشر سنوات ؟!
الطبيب : أحياناً ما يوقفنا عن تحقيق حلمنا هو الخوف من الفشل , او سخرية الناس علينا ..او ربما فقط , قلّة همّتنا .. لذا اريد منك تصميم فكرته باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد .. لنرسلها لاحقاً الى شركة تهتم بألعاب الأطفال 
المساعد : بإسمه هو ؟
الطبيب : طبعاً , فنحن لن نسرق فكرته .. ولا تقلق , سأكافئك على مجهودك بالعمل
- لم أقصد هذا سيدي , بل كيف ستصل الشركة اليه ؟ 
- آه ذكّرتني !

ثم سأل الطبيب الرجل عن إيميله واسمه الكامل ؟ 
وبعد ان اعطاه إيّاه وهو تحت تأثير التنويم المغناطيسي .. قام الطبيب بإيقاظه .. ليعود الى بيته دون ان يتذكّر شيء !  
***

وخلال اسبوع .. إستطاع مساعد الطبيب تحويل الفكرة الى لعبةٍ مميزة قام بإرسالها لشركة مختصّة بالألعاب الذكيّة , وأرفق البريد بإيميل الرجل .. 
وفور إعجابهم بالفكرة , أرسلوا طلباً بمقابلة الرجل في مكتبهم .. 
***

وبعد اسبوعين .. وصلت الأخبار للطبيب : بأن الرجل سجّل إختراعه بإسمه , وبأن الشركة ستقوم بطرح اللعبة في السوق قريباً.. 
فقال المساعد للطبيب : انا سعيد بأن اموره المادية تحسّنت كثيراً , لكن ألم يستغرب إتصالهم به ليسألوه عن التصميم الذي قمت انا بصنعه ؟! 

الدكتور : سيفكّر لاحقاً حين يهدأ حماسه .. فدعه الآن سعيداً بتحقيق حلمه القديم .. (ثم تنهد بضيق) .. آه لوّ كل واحدٍ منا يملك الجرأة على تنفيذ حلمه , لما دُفنت أفكارٌ عظيمة مع اصحابها في القبور , ولكانت حياتنا أجمل بكثير 
- معك حق سيدي 
- إذاً دعنا نُكمل حلمنا بمساعدة الآخرين 
***

ومع مرور الأيام .. إزداد عدد الأشخاص الذين دخلوا ارادياً لتجربة الشجرة الغريبة .. وكان منهم شاب تخلّى عن حلم الكتابة للعمل في محل والده المتوفي , فقام الطبيب بمكالمة منتج لقصص اطفال والذي اتفق مع الشاب على سلسلة من القصص , بيعت لاحقاً لعدد كبير من المكاتب والمدارس 

وايضاً كان من بين الحالات : والدٌ قاسي على اولاده .. فعرف الطبيب بعد تنويمه : بأنه عانى ايضاً من قساوة ابيه .. فاستطاع الدكتور إيهامه بأن روح والده تكلّمه للإعتذار عن سوء معاملته له , ولتحذّيره من إرتكاب الخطأ ذاته مع اولاده .. ثم أغدق عليه بالمديح , بعد ان شعر الطبيب ان الرجل بحاجة لسماع ذلك من والده 
وقد التقطت الكاميرا الخارجية : صورة الأب بعد خروجه من الشجرة وهو يشتري مجموعة من البالونات .. ويبدو انه اتخذ قراراً بأن يكون والداً حنوناً لأطفاله , بعد مسامحته لوالده أخيراً 

وايضاً قام الطبيب بإقناع رجلٍ اراد الإنتحار (بسبب خسارته لأمواله بالبورصة) بتمتّعه بالعبقرية التجارية التي تساعده على النجاح .. 
فخرج التاجر من الشجرة وهو متفائل بالحياة , وراغباً بإعادة ثروته من جديد

وكان ايضاً ممّن دخل الشجرة : رجلٌ ثريّ يشعر بالإكتئاب بسبب الملّل ! فهو عاش طفولته بين الخدم والمربّيين لإنشغال والديه بأعمالهما التجارية والخيريّة .. 
فاستطاع الطبيب إقناعه بأن العطاء ومساعدة الآخرين هي أجمل فرحة بالحياة .. وحينها أخبره الثريّ عن حلمه القديم بحفر آبارٍ للفقراء حول العالم .. فشجّعه الطبيب على فكرته .. 
وقد شاهده فور خروجه من الشجرة وهو يتصل بالمطار للحجز على دولةٍ إفريقية فقيرة , وهو في قمّة الحماس !
***

وبعد شهر .. واجه الطبيب ثلاث حالات فريدة من نوعها ..
الحالة الأولى : لشابٍ يعشق الإنحراف ولا يهمّه أحد ! وبعد ان طال حديثه معه , إستطاع الطبيب بصعوبة التوصّل الى شخصٍ واحد يقدّر رأيه , وهو استاذه في المرحلة الإبتدائية .. لهذا أوهمه بالتنويم المغناطيسي ان استاذه يحدّثه : ويلومه على إنحرافه , وعلى خيبة أمله فيه .. فانهار الشاب باكياً وهو يعتذر من استاذه الذي وعده بتنفيذ جميع نصائحه , وأن يعود صالحاً كما كان .. فطالبه الطبيب بإثبات ذلك فور خروجه من الشجرة 

وبالفعل .. رآه الطبيب ومساعده من الكاميرا الخارجية : وهو يتصل بصديقه الجامعي ويطالبه بجميع المحاضرات التي فاتته , بعد ان قرّر متابعة الدراسة وترك شلّة الفاشلين التي ساهمت في انحرافه 
***

اما الحالة الثانية : فهي لرجلٍ يعشق السرقة , مُفتخراً بخفّة يده ! 
فأسرع مساعد الطبيب بالبحث عن سيرك يعلّم ألعاب الخفّة , وحجز مكاناً للشاب .. 
ثم كرّر الطبيب عنوان السيرك , لكيّ يعلق في ذهن الشاب الشبه نائم .. 
لكن بعد خروجه من الشجرة , لم تظهر عليه ردّة فعلٍ واضحة !


وبعد اسبوعين .. أخبرهم مدير السيرك : بأن الشاب تسجّل عندهم , بعد ان قبضت الشرطة على اصدقائه السيئين .. وهو يتعلّم الآن جميع خدع الورق السحريّة التي أجادها بسهولة .. ويشعر بحماسٍ كبير بعد قبولهم مشاركته في عروضاتهم التي ستقام حول العالم 
***

اما الحالة الثالثة فهي أصعب ما مرّ على الطبيب : وكان لرجلٍ غاضب إحتاج لمضاعفة المخدّر لتهدأته من شدة طاقته السلبية ! لإصراره على قتل صديقه بعد سرقته حسابهما المشترك الذي أراد به فتح مطعمه الصغير 

ولم تنجح مساعي الطبيب لإزالة فكرة القتل من دماغه , لهذا اضطر ان يكتب شيكاً بالمبلغ المسروق .. وطلب من مساعده ان يُسرع للحديقة , ويفتح باب الشجرة ويدسّ الشيك بمحفظة الرجل النائم مع رسالةٍ قصيرة ..
وبعد ان قام المساعد بذلك , عاد الى الفيلا التي لا تبعد كثيراً عن الحديقة 

ثم أيقظ الطبيب الرجل وأخبره ان يفتح محفظته .. والذي تفاجأ بمضمون الرسالة التي فيها : 
((آسف يا صديقي لأني أضعت مالك بالقمار .. وقد أعدّت لك كامل المبلغ بعد ان تديّنته من قريبي الطبيب , والذي سأعيده له على دفعات .. وأعتذر لأنني تسلّلت الى بيتك وانت نائم لأضع الشيك في محفظتك , فأنا لا استطيع مواجهتك .. ورجاءً لا تبحث عني لأني سأسافر بعيداً .. كل ما أتمناه هو ان تغفر لي , فقد ظننت حينها بأني سأضاعف مالك بالقمار .. لكني خسرت أغلى شيء , وهو صداقتنا .. أرجوك سامحني))

فخرج الرجل من الشجرة وهو سعيداً باستعادة ماله الذي جمعه لسنوات , وعاد الى عمله بعد إختفاء مؤشراته السلبية التي تؤكّد تخليه عن فكرة القتل أخيراً

وفي الفيلا .. سأل المساعد الطبيب :
- لما جعلتني أعطيه من مالك الخاص ؟
- لأني لم استطع إخراج هاجس الإنتقام من رأسه .. وبالنهاية المال لن يكون أغلى من إنقاذ روحين من الهلاك .. 

وقبل ان يكمل كلامه , اضاءت الماكينة من جديد بعد إقتراب شرطي من الشجرة الإصطناعية ..
فقال المساعد للطبيب بقلق : برأيّ لا تفتح له الباب , فقد يسجننا لأننا لم نأخذ تصريحاً من البلدية لوضع إختراعنا في الحديقة العامة

الطبيب وهو ينظر الى التعابير البائسة على وجه الشرطي من خلال كاميرا مكتبه : 
- لكن طاقته سلبية , ويبدو انه حزينٌ جداً .. فهيا دعنا نعرف قصته .. ولا تقلق , بالنهاية سأنسيه الموضوع بالتنويم المغناطيسي كما فعلت مع الآخرين .. 

وحين قام بتنويم الشرطي .. أخبر الطبيب بأنه يشعر بذنبٍ كبير لقتله صديقه عن طريق الخطأ في عملية قبضه على تجّار مخدرات قبل سنوات .. ولذلك ترك عمله في الشارع وتحوّل للعمل الإداري الذي يشعره بالمللّ 

فاستطاع الطبيب إيهامه بأن الشرطي الميت يكلّمه ويخبره بمسامحته , لأن الوضع كان فوضوياً تلك الليلة بعد حصول تبادل نيران مع المجرمين 
كما أخبره بأنه يعيش حياةً جميلة في الجنة , ويأمره بالعودة سريعاً للعمل في الشارع ..

فنزلت دموع الشرطي وهو نائم ..وصار يتمّتم : 
- حاضر ..سأنفّذ طلبك وأعود لإنقاذ الناس كما كنّا نفعل سويّاً , يا صديقي العزيز
وخرج الشرطي متجهاً نحو سيارته وهو في قمّة النشاط والسعادة , وكأن روحه رُدّت اليه ! 

وحين شاهده مساعد الطبيب من الكاميرا الخارجية : 
- يبدو انه ذاهب لتقديم إستقالته من الوظيفة الإدراية ؟
الدكتور : أظن ذلك , فنحن أرحناه من تأنيب الضمير الذي لازمه لسنواتٍ عديدة

المساعد : ولما فعلت كل ذلك سيدي ؟ لما ساعدتهم جميعاً وبالمجّان .. حتى ان بعضهم دفعت من جيبك لتحقيق حلمهم ؟!

فتنهّد الطبيب بحزن وهو يستذكر ماضيه : 
- هذا لأنني مرّرت بجميع تجاربهم .. ففي طفولتي عانيت كثيراً من قساوة والدي .. وفي شبابي , تعرّفت على امرأةٍ سيئة قلبت حياتي جحيماً .. وفي إحدى الليالي تشاجرت معها وطردتها من بيتي , لتقود سيارتها ثملة وتموت بحادث سير .. فشعرت بعدها بتأنيب ضمير قادني للسكر والفشل في دراستي , ممّا أجبرني على العمل كأجير في عدة محلاّت تجارية , مُتخلّياً عن فكرة الطب .. لكن كل شيء تغير بعد ان أهداني صديقي كتاب عن قوة الطاقة الإيجابية أثّر بي كثيراً .. فعدّت لمقاعد الدراسة , وبدأت أنجح في عملي الى ان أصبحت طبيباً مشهوراً .. وكسبت المال الوفير من بيع كتبي النفسيّة , وخاصة كتاب ((كيف تبدأ من الصفر؟)).. ولأنني مررّت بالكثير من التجارب السيئة , لهذا لا اريد ان يمرّ بها غيري .. وسأعمل جاهداً على تغيّر أفكارهم السلبية التي تؤذيهم وتؤذي الناس من حولهم .. فالأمراض النفسية تأتي بعد تخلّينا عن أحلامنا التي ليست من السهل تحقيقها , فهي تحتاج الى مجهود فكريّ وجسديّ والذي مهما كان متعباً فهو مؤقت , اما النجاح والمجد فيدوم طويلاً لنا ولعائلتنا .. فالحلّ إذاً جداً بسيطٌ : غيّر عقليتك , يتغيّر مستقبلك .. وفي اعتقادي الجميع يستحق فرصة ثانية بالحياة  

المساعد : لكن أليس المفترض ان نغيّر مستقبلنا بأنفسنا ؟
الدكتور : نعم , لكن تغير روتين حياتنا هو أصعب قرار يواجهنا .. لذلك يحتاج بعضنا الى دعمٍ ماديّ او معنويّ لتشجيعه على اتخاذ قرارٍ مصيريّ يغير حياته للأبد .. وهذا ما فعلته لأجلهم .. بمساعدتك طبعاً

وهنا ظهر في كاميرا المكتب : إنفتاح باب الشجرة من جديد 
الطبيب : هيا لنعود للعمل , فما زال أمامنا الكثير لنقدّمه للآخرين  

وانغمسا سريعاً بمشاكل المرأة العجوزالنائمة داخل الشجرة , والتي حتماً لن تكون الحالة النفسيّة الأخيرة التي سيعالجانها بمهارةٍ وسرّية ! 

الجمعة، 19 أبريل 2019

اللطف الإلهيّ

كتابة : امل شانوحة

 
حُرّاس الخفاء !

- لن أنتحر اذا تبسّم لي شخصٌ واحد قبل وصولي لآخر الجسر

ردّدها شاب في نفسه وهو ينظر الى أعين الناس المُجتمعة فوق الجسر لمشاهدة الألعاب الناريّة التي سيتمّ إطلاقها مع بداية العام الجديد

وحين وصل الى منتصف الجسر (كاليفورنيا) دون ان يلتفت اليه احد , قال بيأس :
- لا فائدة من إكمال الطريق فأنا مجرّد نكرة , كما يقول ابي دائماً

واقترب من درابزين الجسر مُخترقاً الحشود , في انتظار إنشغالهم ببدء الإحتفالات للقفز سريعاً دون ان يوقفه احد .. 
ثم نظر الى ساعته.. 
- بقيّ نصف ساعة على إطلاق المفرقعات .. لما الوقت بطيءٌ هكذا ؟!

وفي هذه اللحظات ..شدّت فتاةٌ صغيرة طرف قميصه , بعد ابتعادها عن عائلتها القريبة منه .. 
فسألها بضيق :
- ماذا تريدين ؟
فقالت والدموع في عينيها : رجاءً لا تقفز 
فسألها بدهشة : ماذا قلتي ؟!
- الملاك يطلب منك العودة عن قرارك
- وهل ترينه ؟!
- نعم , هو فوقك تماماً
فقال الشاب بحزن : هذا ليس ملاكاً , بل عزرائيل ينتظر أخذ روحي
- لا !! انه ملاكك الحارس .. وهو يقوم الآن باحتضانك بجناحيه , الا تشعر بهما ؟!

فأغمض الشاب عينيه ليشعر بدفءٍ أُحيط به , رغم برودة الطقس! 
الفتاة : هل صدّقت كلامي ؟ 
فسألها باهتمام : وماذا يفعل ملاكي الآن ؟
- يقول لك بأن لا تستسلم , لأن تجاربك ستنجح قريباً .. 
فقال بحماس : أحقاً ! فأنا احاول منذ سنتين إختراع رقاقة إلكترونية صغيرة يمكنها توصيل الإشارات الكهربائية من الدماغ من خلال طرفيّ النخاع الشوكي المقطوع كيّ ... آه آسف , لا اعتقدكِ تفهمين كلامي
الفتاة بابتسامة : بلى !! انت تريد مساعدة المشلولين , كحبيبتك التي تعرّضت لحادث .. اليس كذلك ؟

فأسرع باحتضانها وهو يبكي , بعد تأكّده من وجود ملاكٍ يحميه .. 
فهمست في إذنه :
- ويقول لك بأن لا تخبر أحداً بأحلامك , خاصة للمحبطين من حولك الذين سيغارون غداً من نجاحك المُبهر
الشاب وهو يمسح دموعه : حسناً سأفعل , وسأتابع تجاربي الى ان أنجح في مساعدة حبيبتي , وملايين المرضى حول العالم .. شكراً لك يا صغيرتي

وفي الوقت الذي بدأت فيه الناس فوق الجسر بعدّ الثواني العشرة الأخيرة لبدء العام الجديد , كان الشاب ينطلق عائداً الى بيته وهو في قمّة التفاؤل والأمل بعد ان تخلّى عن فكرة الإنتحار للأبد
***

وفي جهةٍ أخرى من العالم , وفي صحراء إفريقيا .. عاد الأب غاضباً الى خيمته بعد ان رمى ابنته الصغيرة في البئر , بسبب إضاعتها لثلاث عنزات اثناء رعايتها لهم ..

وفي البئر العميق المهجور .. جلست الفتاة (12سنة) ترتجف وتبكي من الخوف وهي تشعر بحركة الثعابين والعقارب من حولها , داخل بئرٍ موحش لا ينيره سوى ضوءٍ خافت قادماً من سطح البئر الذي يبعد عنها 38 متراً !

وازداد خوفها مع حلول المساء بعد انخفاض الحرارة , فتكوّرت لتدفئة نفسها , مُحاولةً حماية وجهها من الحشرات والكائنات المخيفة التي تزحف من حولها بعد ان أصبح صوت الفحيح واضحاً مع سكون الليل ! 
فصارت تدعو الله والدموع على وجنتيها :
- يارب !! حنّن قلب ابي عليّ , ودعه يُعيدني الى الخيمة .. او خذّ روحي وريّحني من هذا العذاب .. فأنا خائفةٌ جداً

وفجأة ! ظهر لها رجلٌ بثيابٍ بيضاءٍ ناصعة وهو يحمل قدحاً من اللبن , ويقول بابتسامةٍ مريحة : 
- إشربيه , ولن تظمأي بعده ابداً
فشربته على عجل من شدة عطشها وجوعها .. 

وما ان أنهته حتى أحسّت بالشبع والإرتواء , وبالنعاس ايضاً ! 
وقبل ان تسأله : من هو ؟ وكيف وصل اليها ؟ .. غفت على فور 
وآخر ما سمعته منه : 
- إصبري , فقريباً ستتغير حياتك للأفضل يا ابنتي

في صباح اليوم التالي .. سمعت اطفالاً يلعبون قرب البئر المهجور , فنادت بعلوّ صوتها :
- أنقذوني !!! انا في البئر

فهرب الأطفال فزعين لخوفهم من ان تكون الجنية التي أخبروهم اهاليهم عنها , كيّ لا يقتربوا من البئر ! 

وقام أحدهم بإبلاغ والده عمّا حصل , فذهب معه ناحية البئر ونادى بعلوّ صوته :  
- هل هناك أحد بالأسفل ؟!! 
فأجابته الفتاة : نعم انا !!
فسألها الرجل بعد ان شعر بالخوف : وهل انت إنسيّة ام جنيّة ؟!
- بل انا ابنة الراعي الفلاني !!
- آه عرفته ! لحظة سأنادي والدك 
الفتاة بخوف : لا تفعل !! فهو من رماني هنا
الرجل بدهشة : أحقاً ! اذاً سأحضر حبلاً وأرميه لك .. إنتظريني

وبعد إنقاذها , ضجّت القرية بالخبر ! ولام الجميع والدها القاسي على عقابه الغير إنسانيّ , ورفضوا عودتها للعيش معه من جديد 
لهذا قرّر ابن عمها الزواج بها , واضّطر والدها للقبول بعد ان ضغط عليه شيخ القبيلة .. 

وبعد يومين.. زُفّت الصبية بعرسٍ كبير حضره الجميع , فيما عادا والدها الذي وكّل رئيس القبيلة بتزويجها , وأخذ خيمته وأغنامه ورحل بعيداً بعد ان أصبح مكروهاً لدى الجميع ..
***

وفي بلدةٍ عربية ... سقطت صبية على الأرض وهي تنزف بغزارة , بعد ان ضربها زوجها العجوز بقسوة دون الإكتراث بحملها .. فوالدها باعها له للستر عليها بعد اعتدائه على ابنته , عقب تطليقه امها ! 

واثناء وقوعها على أرضيّة الصالة (بعد خروج زوجها من البيت وإقفال الباب عليها , رغم توسّلاتها بتوصيلها للمستشفى) أخذت الزوجة الثانية تتشاهد في بركة من الدماء , بعد ان استشعرت بقرب أجلها 

في البيت المجاور .. صرخ طفل لأمه بخوف :
- أمي !! جارتنا تموت 
- ماذا تقول ؟! 
- رأيتها بالمنظار , حتى أنظري بنفسك

وكان والده ضابطاً بالجيش , واستخدم ابنه منظاره العسكريّ للنظر الى بيوت الحارة .. ليرى بالصدفة الصبية من شقّ نافذتها : وهي واقعة على الأرض , وقد تحوّل فستانها الأبيض للون الدماء..

وما ان رأتها ام الطفل من المنظار , حتى أسرعت هي وزوجها الى بيتها .. وكسرا الباب , وآخذاها الى المستشفى .. ليتمّ إنقاذها بصعوبة , دون جنينها الذي أسقطته ..

واستيقظت الصبية في المستشفى , لترى الطبيب المعالج يمسك يدها ويدعي ربه وهو يبكي .. 
فسحبت يدها منه بقلق :
- من انت ؟! 
الطبيب وهو يمسح دموعه : ألم تعرفينني ؟ انا ابن خالك الذي كنّا نلعب سويّاً في صغرنا , قبل طلاق والديك 
- يا الهي ! أهذا انت ؟ لم ارك منذ سنوات
الطبيب بقهرٍ وغضب : والله اني أوشكت على قتل زوجك اللعين بعد ان رأيت آثار الجلد والرضوض على كافة جسمك 

فأجابته بحزن : ماذا أفعل , هذا قدري 
- قدرك سيتغير قريباً , أعدك بذلك
- ماذا تقصد ؟ 
الطبيب : ستصبحين زوجتي غصباً عن زوجك العجوز , ووالدك الحقير الذي أذاكِ في صغرك 
- كيف عرفت ؟
- زوجك أخبرني بكل شيء بعد ان هدّدته بإبلاغ الشرطة عن عنفه معك الذي كاد ان يقتلك .. وقال انه مستعد لطلاقك لإنهاء الموضوع .. وسأتابع الأمر بنفسي , الى ان تحصلي على الطلاق .. وبعد انتهاء العدة , أتزوجك وأعيدك الى بلدتنا لترين امك 

الصبية بدموع الفرح : أحقاً !! فأنا لم ارها منذ طفولتي 
- اهدأي رجاءً .. فأيامك الصعبة انتهت الآن , ومنذ اليوم لن تبكين الا دموع الفرح .. أعدك بذلك عزيزتي
***

في إحدى القرى الزراعية .. إتجه شاب غاضباً الى بيت عمه الذي استولى على مزرعة والده المتوفي , بسبب توكيلٍ قديم بينهما .. 

وقبل وصوله الى بيته , إعترضه عجوز وهو يقول له بحزم :
- لا تفعلها بنيّ !!
فسأله الشاب بغضب : وماذا تريد انت ايضاً ؟!!
العجوز : لا تقتل عمك 

فتجمّد الشاب في مكانه ! حيث كان أخفى المسدس داخل بنطاله , فكيف عرف العجوز بسوء نيّته ؟! والذي أردف قائلاً :
- عمك سيموت قريباً بعد وقوعه تحت عجلات الجرّافة بخطأٍ منه .. وبذلك تعود الأرض لكم , بسبب عقمه ..

الشاب باستغراب : وكيف عرفت إنه سيموت بحادثة ؟! 
- انا رجلٌ ذو بصيرة .. وأرى انك في حال قتلته , ستُسجن لسنواتٍ طويلة , تاركاً اخوتك الصغار دون مُعيل .. أتريد ان تنظّف امك البيوت لتصرف عليهم ؟
الشاب : ان كنت تعلم بالغيبات كما تدّعي , فكم من الوقت عليّ الإنتظار لعودة الأرض الينا ؟ 
- لا يعلم الغيب الا الله , لكن اموركم ستتحسّن قريباً .. فدعّ ربك ينتقم من الظالم بطريقته

فعاد الشاب الى بيته , لتستقبله امه بالأحضان والدموع بعد تراجعه عن قراره المتهوّر .. وبدوره أخبرها بقراره : بالعمل أجيراً في اراضي القرية لإعالة أخوته , لحين تحققّ نبوءة العجوز وعودة أرضهم من جديد 
***

وفي بلدةٍ خليجية ... وقف الناس لمشاهدة تنفيذ القصاص بقاتل , بينما استمرّ اهله بالتوسّل لأبناء القتيل للإعفاء عنه..
الا ان اولاد القتيل الأربعة رفضوا ذلك , بعد ان سألهم الشيخ عن قرارهم الأخير ..

ثم توجّه نحو الإبن الأصغر الذي انتظره القضاء سنتين لحين بلوغه ..
الشيخ : بنيّ .. أصبحت كبيراً الآن , ولك رأيك الخاص .. لهذا لا تقرّر بناءً على ضغوطات أخوتك .. فأنا اسألك انت .. هل تسامح قاتل والدك ؟

فنظر المراهق الى أخوته الكبار الذين أشاروا برؤوسهم بالنفيّ .. 
فأجاب الشيخ بارتباك : لا , أرفض مسامحته
ليعمّ الحزن الجميع , فيما عدا اهل القتيل المتحمّسون لرؤية القصاص ..

واقترب السيّاف من القاتل الجالس على الأرض , بعد ان تبلّلت عصابة عينيه بالدموع , ولسانه يكرّر الشهادة بأنفاسٍ ثقيلة مُتعبة ..

وحين رُفع السيف لتنفيذ حكم الإعدام .. همس شخص في إذن المراهق : 
- سامحه ولك جنة عرضها السموات والأرض
فصرخ المراهق بعلوّ صوته امام الجميع :
- عفوت عنه !!!!

ليتراجع السيّاف الى الوراء , ويكبّر الحاضرون مهلّلون بفرح .. 
وركض أفراد عائلة القاتل لتحضنه بعد حصوله على العفو .. 
بينما انهال اخوة المراهق عليه بالشتمائم واللعن , وهم ينعتونه بالولد العاقّ الذي خذل والده القتيل !

وتركوه وذهبوا الى بيوتهم .. بينما عاد المراهق مع صديقه , وهو يتمّتم براحة ضمير :
- أعرف يا ابي انك ستسامحني حين نلتقي في الجنة بإذن الله تعالى
***

في السماء السابعة .. إجتمعت الملائكة مع قائدهم لمناقشة المهمّات التي نفّذوها في الدنيا..
فقال أحدهم : قائدي !! لقد قمت بمهمّتي حين لقّنت فتاةً صغيرة ببعض الكلمات لإنقاذ شاب عبقريّ من الإنتحار , والذي باختراعه سينقذ ملايين المعاقين حول العالم , كما ذُكر في كتاب قدره 
ملاك آخر : اما انا .. فقد ساعدت فتاةً مسكينة رماها والدها في البئر , وأشربتها من لبن الجنة ..وهي تعيش الآن سعيدة من ابن عمها الحنون  

- وانا أنقذت صبية من قسوة والدها وزوجها , بعد ان فتحت نافذتها المغلقة وأوحيت لإبن جيرانها بالنظر ناحيتها بالمنظار , وبذلك أنقذت حياتها وجمعتها بحبيب طفولتها الذي ستُنجب منه ثلاثة أطفال
- وانا تجسّدت بهيئة عجوز لإنقاذ شابٍ متهوّر من القتل , والذي سيحّول ارض ابيه الى جنة ومزار للسوّاح بعد إكتسابه للخبرة الزراعيّة من خلال عمله لسنوات كأجير في اراضي القرية 
- اما انا , فأنقذت شخصاً من الإعدام بعد ان همست في أذن أصغر ابناء القتيل بثوابه الكبير في حال عفوه عنه .. وهو ما سيحصل عليه فعلاً لاستقامته وحسن تربيته , بعكس إخوته الحاقدين

فقال قائدهم : أحسنتم جميعاً !! فكل واحدٍ منكم أنقذ روحاً بشريّة بعد ان صدر بحقه اللطف الإلهيّ .. 
ملاك : ليت البشر تعرف بعملنا المُستترّ لحمايتهم من الحوادث ومن سوء قرارتهم المصيريّة

قائد الملائكة : سيعلمون يوماً ما , لكن ليس بحياة الدنيا .. والآن سأذهب الى مجموعةٍ أخرى من الملائكة لإعطائهم مهمّاتهم الجديدة في حماية البشر .. وانتم خذوا إجازةٍ قصيرة , الى ان يحين دوركم من جديد

وطار مبتعداً الى كتيبةٍ أخرى من جنود الله في الخفاء
*******

ملاحظة :
قصة الفتاة التي رميت بالبئر صحيحة وحصلت بالسودان , وتمّ إنقاذها بعد 40 يوماً في البئر , والبعض يقول 33 يوم .. 
اما قصة الصبية التي تزوجت قريبها الطبيب , فهي لفتاةٍ يمينية من طالبات مدرستي المتوسطة في السعودية .. 
وقصة القصاص حصلت في السعودية , وعُرضت كحلقة من مسلسل طاش ما طاش .. 
اما القصة الأولى فهي ما كتبه شاب في رسالة الإنتحار قبل قفزه من فوق الجسر , وهذا ما أحزنني وجعلني أكتب هذه القصة .. أتمنى ان تعجبكم 

وكمثال على وجود الملاك الحارس , أضع هاذين الفيديوهين الغريبين :
1- شخص مجهول ينقذ تركي من شاحنة كادت تقتله



2- ملاك ينقذ صيني من الدهس تحت عجلات شاحنة



اما هذا الفيديو : فبرأيّ ليست لأناس محظوظين , بل لأشخاص حصلوا على اللطف الإلهيّ , وفرصة ثانية بالحياة ..



فسبحان الله الذي سخّر لنا جنوداً في الخفاء لحمايتنا !  

الاثنين، 15 أبريل 2019

الشرطة الفاسدة

تأليف : امل شانوحة


من قتل صديقي ؟! 

في تلك الليلة العصيبة .. 
سأل صديقه بتعبٍ وغثيان : هل لديك كيسٌ ثاني ؟
- ماذا دهاك يا إريك ؟ هذه المرة الثالثة التي تتقيّأ فيها ؟!
- لا أشعر انني بخير يا مايكل !
- ان كنت تشعر بتوتّر من العملية , فدعني أنزلك هنا ..ثم اتصل على سيارة أجرة لتُعيدك الى المنزل 
إريك وهو يمسك معدته بألم : لا سأكون معك , لكن يبدو ان السمك.. 
وعاد للتقيّأ ثانيةً ..

مايكل : ولهذا لا أتناول الطعام قبل ذهابي للمهمّات , فالمعدة تكون متوتّرة بهكذا ظروف 
- انت تعرفني جيداً , لا أفوت عليّ وجبة مجانيّة 
- يالك من بخيل ! 
إريك : المهم لا تقلق عليّ , سأكون بخير بعد قليل 
- المشكلة انني اقتربت كثيراً من مخزن المجرمين .. لهذا سأوقف سيارتي فوق التلّة , وأنزل بمفردي اليهم 
- لا دعني أرافقك 
مايكل بحزم : بل ستبقى مكانك , وهذا أمرّ !! 

ونزل الشرطي المتخفّي مايكل للحاق بالمجرمين الذي انخرط معهم في التجارة الممنوعة منذ سنتين , بهدف القبض عليهم بالجرم المشهود بعد استلامهم لأضخم شحنة مخدرات قادمة عن طريق البرّ , بعد تجاوز شاحنتهم الحدود المكسيكية قبل ساعات , بناءً على معلوماتٍ سرّية للشرطة 

وكان المفترض ان يرافقه إريك ليحمي ظهره , لكنه تعرّض لتسمّم غذائي بالوقت الخاطىء !  

وبعد ان أخفى مايكل مسدسه جيداً , إقترب من عمّال المخزن وسألهم :
- هل وصلت الشاحنة يا رفاق ؟!!
- أخبرنا السائق بأنه على وشك الوصول .. 
***

وبعد عشر دقائق .. ظهرت من بعيد اضواء الشاحنة قادمة من الشارع المعتمّ ..
فصرخ العامل : هاهي وصلت ؟!!
فضغط مايكل على قلادته التي بداخلها ميكروفون صغير كيّ يسمع رجال الشرطة (المتواجدون داخل شاحنتين متوقفتين خلف الجبل القريب من المخزن) لكل ما يحصل .. والقبض على العمّال فور إنتهائهم من تفريغ الشاحنة من بضاعتها المشبوهة ..  

لكن حصل شيءٌ لم يكن بالحسبان ! حين وصلت سيارة حارس رئيس العصابة , ونزل منها وهو يحمل رشّاشاً وجّهه على العمّال , وهو يصرخ غاضباً : 
- من منكم يا ملاعيين تجرّأ على خيانتنا ؟!! هيا تكلّموا والا أطلقت النار عليكم جميعاً !!! 

ورغم ارتباك مايكل ! الا انه استجمع قواه ليسأله :
- ماذا حصل ؟!
فقال الحارس بعصبية : عدّ مكانك يا مايكل !! فأنت ايضاً مشتبه به 
مايكل بإصرار : فقط إخبرنا مالمشكلة ؟
فأجاب : وصلنا خبر بأن هناك تحرّي مُتخفّي بيننا , وسيبلّغ الشرطة عن هذه الحمولة  
***

في هذه الأثناء , وداخل إحدى شاحنتيّ المراقبة .. قال الملازم (المشرف على دوريّة الشرطة) بقلق :
- اللعنة !! لقد انكشفت العملية .. لنُسرع بإنقاذ الضابطين مايكل وإريك 
***

وماهي الا لحظات .. حتى اشتبكت الفرقتان بوابلٍ من الرصاص المتبادل .. واستطاع مايكل الهروب بصعوبة من وسط المعركة , متوجهاً نحو سيارته ..

لكن قبل وصوله للشارع , أحسّ بفوهة الرشّاش تلتصق بظهره ! وصوت حارس رئيس العصابة يقول من الخلف :
- طالما يا جبان هربت دون ان تحارب معنا , فهذا يعني انك انت الخائن الحقير !!

وكانت التلّة مظلمة لا ينيرها سوى ضوء بعيد قادم من إنارة الشارع , فرفع مايكل يداه مستسلماً وهو يقول : 
- دعنا نتفاهم اولاً 

وفجأة ! قفز صديقه إريك على الحارس , وبدءا يتعاركان بعنف على الأرض ..فأسرع مايكل بإخراج مسدسه المخفي , وأطلق النار على رأس الحارس , مُتزامناً مع طلقةٍ ثانية أصابت خاصرة إريك الذي سقط متألماً امام جثة الحارس , وهو يقول لمايكل معاتباً:
- أأطلقت النار عليّ ؟!
مايكل بفزع : لا ! أطلقت على الحارس فقط , أحلف لك !!
إريك بألم : ربما اللعين أصابني قبل مقتله .. هيا خذني الى المستشفى , فالوجع لا يطاق !! 

ثم اتكأ على مايكل الذي وضعه في السيارة ..وانطلق مسرعاً نحو الطوارىء , بعد ان أخبر قائده بإصابة صديقه بالعملية ..
***  

في السيارة .. كان إريك يضغط بالمناديل على الدماء التي تدفّق بغزارة من خاصرته , وهو يأنّ من الألم .. وحين بدأ يشعر بالدوار , صار يوصيه بزوجته وأبنيه .. بينما حاول مايكل تشجيعه على التحمّل وهو يقود بأسرع ما يمكنه لإيصاله الى المستشفى , مُخفياً قلقه الشديد من خسارة صديقه الذي شحب وجهه , وأمال برأسه على النافذة بعد فقده للوعيّ ! 

ورغم ان جسمه كان رخواً وهو يضعه فوق سرير الطوارىء , الا ان مايكل لم يستوعب موته قبل إعلان الطبيب ذلك ! ليشعر بعدها بمرارة فقدانه زميل الدراسة في كلية الشرطة , والذي رافقه في العديد من العمليات السرّية الخطرة .. والأسوأ حين اضطر لإخبار الزوجة بوفاة إريك مقتولاً..
*** 

بعد ساعة .. كان جاك اول الواصلين من أفراد الشرطة الى المستشفى , فهو صديق مايكل وإريك , فالثلاثة من الدفعة ذاتها .. وقد أحزنه كثيراً ما حصل .. وهو من اعاد مايكل الى بيته , لينهار باكياً فوق سريره وهو يستحضر الذكريات , الى ان نام من شدة التعب والحزن مع تباشير الصباح
***

وفي منامه , شاهد كابوساً أفزعه .. حيث رأى إريك يقول :
- إبحث عن قاتلي يا مايكل , وعاقبه بشدّة !! 
واستيقظ مايكل وهو يتصبّب عرقاً , وقد انشغل باله بالمنام الغريب ! فإريك يعلم بأن الحارس هو من أصابه , فلما طلب البحث عن قاتله ؟! وهل هناك شيءٌ غامض بالموضوع ؟
***

في ظهر اليوم التالي .. ظهر تقرير التشريح الجنائي : بأن وفاة إريك كان بسبب رصاصة اخترقت كبده , وتسبّبت بنزيفٍ حادّ أدّت لوفاته 

وفور صدور تقرير المختبر , أمر مدير الشرطة بدفنه عصراً في مراسم تأبين , حضره رجال الشرطة وعائلة الميت .. 
وبعد دفن إريك , سلمّوا زوجته العلم الأمريكي ونيشان الشجاعة , وأطلقوا عيارات ناريّة بالهواء توديعاً للشهيد البطل .. 
***

في المساء ..زار جاك صديقه مايكل الذي لزم بيته بعد انتهاء الجنازة ..
وفي الصالة , سأله بقلق :
- مابك يا مايكل ؟ لما لا تردّ على جوّالك ؟
فأجابه بجزن : دعني بهمّي يا جاك
- أعرف انك حزينٌ على إريك , وجميعنا كذلك
- هو أنقذ حياتي .. (ثم تنهّد بندم) .. كان عليّ إعادته الى بيته بعد ان ساءت حالته الصحيّة
- ماذا تقصد ؟!
مايكل : كان يعاني من تسممّ غذائي , لهذا بقيّ في السيارة .. ورغم تعبه الشديد الا انه أنقذني من الحارس , ليموت برشّاشه اللعين !!  
جاك باستغراب : أقلت رشّاش ؟! مع انه بالعادة لا ينطلق منه رصاصةٍ واحدة 
- معك حق ! لكن يبدو انني قتلت الحارس بعد طلقته الأولى 

جاك : ماذا عسانا ان نقول , هذا قدره .. أعان الله زوجته وطفليه الصغيرين ..(ثم تلفّت حوله) .. وانت ايضاً عليك الإنتباه على نفسك , فبيتك أقرب الى زريبة !
- سأتصل بالخادمة لتنظّفه حين أتفرّغ لذلك
- أخبرتني ذات الجملة الشهر الفائت .. يارجل اهتم بنفسك قليلاً .. ولوّ كنت متزوجاً لكانت اهتمّت.. 
مايكل مقاطعاً بيأس : لكانت ترمّلت كما حصل مع زوجة إريك .. لا يا صديقي , انا لن اتزوج ابداً 
جاك : أرى ان اعصابك مازالت متعبة , لهذا سأتركك ترتاح قليلاً .. والمدير أعطاك إجازةٍ مفتوحة لما عانيته في مهمّتك الأخيرة .. فحاول ان تنام قليلاً , وسألقاك لاحقاً

وبعد ذهابه .. ترامى مايكل بجسده المرهق فوق اكوام الملابس المرمية على سريره , لينام على الفور..
***

وفي المنام : شاهد إريك يقول له وهو يضع يده على خاصرته المثقوبة : 
- خذّ بثأري يا مايكل , فتلك الرصاصة لم تقتلني 

واستيقظ مايكل مرتعباً في منتصف الليل ! 
وعلى الفور فتح حاسوبه وبحث بصور جوجل عن تشريح الإنسان 
وما ان شاهد الصورة , حتى قال بارتياب :
- كيف لم ينتبه احد على الموضوع ؟! الكبد اسفل الرئة , وإريك أُصيب في خاصرته اليسرى .. فلما كذب علينا الطبيب الشرعيّ ؟ أم هو من ضمن شبكة الشرطة الفاسدين الذي أخبرني عنها المحقق العجوز آدم , قبل وفاته بحادثٍ غامض السنة الفائتة ؟! ... الهذا استجعل في إصدار تقرير التشريح ؟ .. ولماذا قرّرت الإدارة دفنه بسرعة ؟! ومالذي ارادوا إخفاءه ؟! .. (ثم فكّر قليلاً) .. يبدو ان روح إريك تحاول إخباري شيئاً , فهل كان القاتل شخصاً آخر ؟!... هيا يا مايكل تذكّر جيداً ما حصل تلك الليلة 

وأغلق عيناه وبدأ يحدّث نفسه بصوتٍ مسموع , وهو يتذكّر التفاصيل :
- اولاً حدث الإشتباك .. ثم صعدّت التلّة .. وقبل وصولي للشارع , أحسست برشّاش الحارس يلامس ظهري .. ثم رأيت إريك يقفز عليه .. واثناء تعاركهما , أخرجت مسدسي الذي ألصقته تحت قميصي ..وأطلقت النار على رأس الحارس الذي كان أسفل جسم إريك .. وأجزم انني قتلته على الفور .. وقد حدث ذلك بعد سماعي لصوت رصاصةٍ أخرى .. آه يا الهي ! تذكّرت الآن .. الطلقة التي اصابت إريك مرّت بجانبي ! يعني أطلقها شخص يقف بعيداً عنا .. فهل كان أحد عمّال المخزن ؟ ام شرطيٌ أحمق أخطأ التصويب ؟... وهناك امرٌ ثاني يحيّرني .. فإصابة إريك كانت جانبية , ولم تكن بهذه الخطورة لتقتله ! فهل مات لأن جسمه كان ضعيفاً بسب التسمّم ؟.. (ثم فكّر قليلاً).. لحظة ! ذلك الطعام وصل مكتبنا قبل ساعة من خروجنا للعملية .. وإريك الوحيد الذي أكل منه .. فهل كان السمك مسموماً بالفعل , ام كانت لديه مشكلة صحيّة ؟ 

وعلى الفور اتصل بزوجة إريك ليسألها ان كان عانى زوجها من حساسية الأسماك .. ورغم استغرابها من سؤاله في مثل هذا الوقت المتأخر ! الا انها أخبرته بأنه يعشق السمك بأنواعه .. فودّعها بعد ان قدّم لها التعازي من جديد .. 

وفكّر مايكل طويلاً قبل ان يتخذ قراراً متهوّراً بإخراج جثة إريك من قبره لإعاده تشريحه , لكن ليس عند الطبيب الشرعيّ المتعاقد مع الشرطة لخوفه من تورّطه بالموضوع .. بل أخذه الى طبيبٍ آخر كان صديق طفولته ..وهو طبيب بيطريّ يعيش في منزلٍ بعيد عن المجمّع السكني 
***

قبيل الفجر .. استيقظ الطبيب على طرقات الباب .. وحين فتحه , وجد مايكل يحمل جثة في كيس اسود بلاستيكي
- مايكل , ماذا معك ؟!
- هل عيادتك مازالت في المنزل ؟
الطبيب بعصبية :  نعم لكني لا ادخل جثث بشريّة الى بيتي ! أتريد ان تقتلني زوجتي ؟
- اذاً افتح عيادتك , فالجثة ثقيلة يا رجل
- تعال معي , ومن دون ان تصدر صوتاً ..

وأخذه الى الكراج الذي فيه عيادته البيطرية الصغيرة .. ووضعا الجثة على السرير القصير , حيث تدلّت قدما إريك خارجه 
الطبيب بقلق بعد ان رأى أثر الرصاصة : هل انت من قتلته ؟
مايكل : لا طبعاً , هذا صديقي إريك .. وقُتل اثناء عمليةٍ سرّية 
- وما كل هذا التراب , هل نبشت قبره ؟!
مايكل : نعم , القصة طويلة .. والتقرير الشرعي يقول : إنه مات بسبب رصاصة أصابت كبده
وحين فحص الطبيب مكان الجرح , قال باستغراب :
- لا طبعاً ! الرصاصة جانبية وغير قاتلة , حتى انها لم تصب كليته
- وهذا ما توقعته ايضاً 
ثم أخبره عن الطعام المسموم ..

فبدأ الطبيب بتشريحه , وما ان رأى المعدة حتى سأله : 
- هل دفنتموه على الفور ؟!
مايكل : نعم , هو قتل البارحة ..كيف عرفت ؟
- لأن عصارة معدته مازالت موجودة ! يبدو ان طبيبكم الشرعيّ غير كفؤ بعمله , فمن مهمّاته الأساسية : تحليل ما بداخل المعدة , حتى لوّ مات الشخص مقتولاً 
مايكل : ولهذا أحضرته اليك , فهناك إشاعة عن وجود شبكة فاسدة داخل مركز الشرطة التي أعمل فيها
الطبيب : حسناً سأحلّل العصارة , وأعطيك النتائج بأسرع وقتٍ ممكن 
***

قبيل الفجر .. قاد مايكل سيارته بسرعة , لإعادة جثة إريك الى المقبرة 
وحين حمله متوجهاً الى غرفة حفّار القبور , تفاجأ بضربةٍ قوية على رأسه من الخلف ! أسقطته مع الجثة على الأرض بعد ان فقد وعيه !
***  

حين استيقظ ..وجد نفسه في البرّية , امام جثة إريك التي بدأت تتحلّل مع أشعة الشمس الحارقة ..
وحين عدّل جلسته , تفاجاً بجاك يخرج من سيارته .. فسأله وهو يشعر بألمٍ في رأسه :
- جاك ! اين نحن ..
وحين رآه يلبس قفازه الجلديّ , سأله بقلق وعصبية : 
- أتريد قتلي يا جاك ؟! هل انت الشرطي الفاسد ؟ أأنت من قتلت صديقنا إريك ؟ .. هيا أجبني !!
وهنا أخرج جاك مسدسه وهو يقول :
- حسناً يا مايكل سأخبرك بالمعلومات التي لا تعرفها وباختصارٍ شديد , لأنك بعد اليوم ستصبح متوّرطاً معنا

((وأخبره انهم لم يستطيعوا ضمّه هو وإريك الى مجموعتهم الفاسدة لأنهم مدعوميّن من الإدارة العليا والتي أخفت عنهم العملية السرّية التي لم تنكشف الا قبل يومين من تلك الليلة , لهذا اتفقوا على التخلّص منهما لإرضاء العصابة التي تدفع لهم مكافئاتٍ شهرية .. وبسبب ما قاله مايكل في جنازة إريك , فقد وصلت شكوكه الى الأدارة العليا التي طالبت بإعادة تشريح الجثة .. لذلك يريده ان يطلق رصاصة من سلاحه على كبد إريك ليتوافق مع تقرير طبيبهم الفاسد .. فلجنة التحقيق بالنهاية لن تشكّك بكلام الطبيب العجوز , كما ليس لديهم خبرة بالأمور الطبّية .. لذلك يكفي لإقناعهم بأن مايكل هو من قتل إريك بالخطأ تلك الليلة , بأن يروا بقايا رصاصته المُستخرجة من الجثة))

وحين انتهى , قال مايكل : 
- يبدو ان رئيسكم الفاسد يريد إنقاذ الشخص المجهول الذي أصاب خاصرة إريك ؟ فمن هو يا جاك ؟
فأجاب بلا مبالاة : لا أعرفه , ولا يهمّني أمره 
مايكل باستغراب : مازلت لا أصدّق ما سمعته منك ! فأين ذهب ضميرك يا جاك ؟
- ذهب مع الديون يا صديقي , فأنت ليس لديك عائلة تُجبرك على دفع مصاريفها التي لا تنتهي ابداً !! 
ثم وضع مسدسه في رأس مايكل وهو يقول :
- هيا إخرج سلاحك واطلق رصاصة واحدة على كبد الجثة .. ودعنا نعود الى بيوتنا , فأنا اراقبك منذ البارحة وأشعر بتعبٍ شديد 

وهنا سمعا صوت سيارة تقترب منهما , فاستغلّ مايكل ارتباك جاك للقفز عليه وسحب سلاحه الذي انطلقت منه رصاصةٌ طائشة , قبل ان يضربه مايكل بقبضة مسدسه على رأسه , أفقدته الوعيّ ... 

وهنا وصلت السيارة قربهما : وكان فيها صبية مع جدتها العجوز اللتان قدمتا للبرّية في نزهة .. وحين رأت الصبية ما حصل امامها , تراجعت للخلف مُسرعةً في الهرب ! 

لكن مايكل أجبرها على الوقوف بعد ان لاحظ إصابة الرصاصة الطائشة لعجلة سيارة جاك .. ممّا اضّطره لحمل الجثة والركوب في الخلف , شاهراً سلاحه في وجه الصبية لإكمال طريقها نحو المقابر .. 

فنفّذت اوامره وهي ترتجف خوفاً , بينما كانت الجدة سعيدة بما يحصل وكأنها تشاهد فيلم آكشن ! 
***

في الطريق الى هناك .. إتصل مايكل بالطبيب البيطريّ وأخبره بما حصل , وبدوره أكّد له موت إريك مسموماً بعد ظهور نتائج التحاليل ..

فأسرع بالإتصال بخادم المركز : ليُخبره بأن الطعام وصل الى مكتب المدير اولاً , قبل ان يطلب منه إرساله الى مكتبه هو وإريك .. فعرف مايكل ان مديره متورّطٌ بالأمر .. 

ثم اتصل بصديقٍ آخر يعمل في المختبر الشرعيّ التابع للشرطة , وطلب منه ارسال الرقم التسلّسلي للرصاصة التي أخرجوها من خاصرة إريك , لمعرفة القاتل الذي اخطأ بالتصويب تلك الليلة .. وبدوره وعده بإرسالها له في أقرب وقتٍ ممكن ..

وبعد انهائه للمكالمات الثلاثة المهمّة , قالت له العجوز بابتسامةٍ عريضة (بعد ان ادارت وجهها له من المقعد الأمامي) : 
- تمثيلك رائع ايها الشاب ! حتى رائحة اللعبة التي تحملها تبدو حقيقية مع ان المُشاهد لن يشمّها , لكني أحب الإتقان بالعمل 
فقالت له الصبية : آسفة يا سيد , لكن جدتي تعشق الأفلام البوليسية 
الجدة بحماس : نعم !! وأعرف حلّ جميع الألغاز , جرّبني ان أردّت 

وربما فقدان مايكل للثقة بمن حوله , هو ما جعله يفضّفض للعجوز ويخبرها بتفاصيل مُبسّطة عن مقتل صديقه الغامض ! 
من بعدها , فاجأته العجوز بسؤالها : 
- وهل لدى مديركم أقارب يعملون في سلك الشرطة ؟
مايكل بدهشة : نعم ! ابنه الوحيد تخرّج من الكلّية قبل سنتين , كيف عرفتي؟!

العجوز : لأنه على حسب خبرتي بهذه الأفلام , فالشرطي لا يصبح فاسداً الا لغرضين : امّا طمعه بمكافأةٍ مالية من المجرمين , او لحماية افراد عائلته .. فهل كان ابنه معكم في العملية السرّية ؟
مايكل : بالحقيقة هو عمل معنا لسنة وبضعة أشهر , قبل ان ينتقل للعمل في مركز شرطة البلدة المجاورة 
العجوز : الا يستطيع السفر اليكم ؟ 
مايكل : هذا ما سأعرفه قريباً .. شكراً لك 
وهنا قالت الصبية لمايكل :
- هآقد وصلنا للمقابر 

وقبل نزوله من السيارة , أصرّت العجوز ان يسجّل رقمها كيّ تساعده بحلّ ألغازٍ أخرى .. وبعد ان نفّذ طلبها , نزل وهو يحمل جثة إريك لإعادة دفنه في المقبرة .. وذلك بعد ان طلب منهما كتمان ما سمعاه من معلوماتٍ مهمّة , لسلامتهما الشخصية  
***

وبسبب خوف مايكل من انتقام جاك بعد ان كشف تورّطه مع الشبكة الفاسدة , ترك منزله ونزل في فندق لحلّ اللغز ..

وبعد ايام واسابيع من البحث المتواصل مع اصدقائه القلائل الموثوق بهم .. وصله أخيراً الرقم التسلّسلي للرصاصة التي جرحت إريك .. وبعد مقارنتها بالملف الوظيفي التابع لمركز شرطة المدينة المجاورة التي يعمل بها ابن المدير , تأكّد بأنها خرجت من مسدسه.. (تماماً كما توقعت العجوز!) 
ثم قام بالإتصال بالمطار الذين أكّدوا له وصول الأبن الى البلدة قبل يومٍ واحد من تلك العملية ! 

فبدأ مايكل يفكّر في نفسه : 
((هل يا ترى أرسله والده للتخلّص مني , بعد معرفته بأنني لم اتناول الطعام المسموم كإريك ؟ ام ان والده لا يعلم اصلاً بذهابه لمهمّتي السرّية؟.. وكيف يمكنني ان أعرف الإجابة ؟))

وبعد تفكيرٍ عميق .. تذكّر سكرتيرة المدير التي فسخت خطوبتها بإبنه قبل فترةٍ وجيزة .. فاتصل معها , واتفق على لقائها في المطعم  
***

وفي صباح اليوم التالي بالمطعم.. سألها عن حبيبها القديم ادوارد , فبدأت تشتمه وتنعته بالمغرور كوالده ..
مايكل : اريدك ان تجيبيني بصدق , هل ارسله والده للحاق بي وبإريك في  تلك المهمة ؟
فإجابته : في ذلك اليوم , عدّت مساءً الى المركز بعد ان نسيت مفاتيح بيتي في درج مكتبي .. وحينها سمعت صراخ ادوارد الغاضب وهو يتحدّث مع والده في مكتبه .. وقد فاجأني قدومه الى البلد ! لأنه أخبرني باتصاله الأخير الذي فسخ فيه علاقتنا : بأنه لن يعود للعمل مع والده المتسلّط ! 

مايكل باهتمام : وهل تذكرين ما قاله لوالده تلك الليلة ؟ 
- كان مغتاظاً جداً لأنه لم يدرج اسمه ضمن الدورية التي ستقبض على المجرمين بالجرم المشهود .. فأجابه : بأنه متخرّج جديد وليس لديه الخبرة الكافية لهكذا عمليات معقدة
- وماذا حصل بعدها ؟
السكرتيرة : سمعت ادوارد يقول له : بأنه سيثبت خطأه .. وخرج غاضباً من الغرفة , حتى انه لم يلقي السلام عليّ رغم صداقتنا التي دامت شهورٌ طويلة .. ياله من لعينٍ مغرور !!
- شكراً لك , فما قلته وضّح لي الصورة أخيراً 
*** 

ثم ذهب عند صديقه البيطريّ , وأخبره بكل المعلومات التي حصل عليها في الأيام السابقة .. فقال له الطبيب : 
- اذاً مديرك المرتشي اراد تسميمك انت وإريك بطلب من تجّار المخدرات , لكنك لم تأكل ذلك الطعام وأكله إريك .. وفي نفس الوقت , توجّه ابنه الى مكان العملية لإثبات جدارته لوالده , لكنه اصاب خاصرة إريك بالخطأ بدلاً من حارس العصابة .. 
- هذا صحيح
- لوّ كنت مكانك لذهبت وتحدّثت مع ادوارد , فربما يكون منهاراً لإعتقاده بإنه قتل شرطياً , وفي أول عملية ميدانية يشارك فيها  

مايكل : وكأنك تقرأ افكاري , فأنا مسافرٌ اليه بعد قليل .. وأظنه سيعترف على والده الذي لطالما أهانه امامنا .. وحتماً سيلومه ان عرف بإخفائه المعلومات الحقيقية عن موت إريك .. وبذلك احصل على اعترافٍ يُثبت تورّط مديري مع تجّار المخدرات ..(ثم نظر الى ساعته).. أوه ! لقد تأخرت على المطار .. الوداع يا صديقي
*** 

وفي المدينة المجاورة .. وما ان فتح ادوارد بابه , ورأى نظرات مايكل الغاضبة , حتى اعترف قائلاً :
- صدّقني !! لم أقصد قتل صديقك , لكني لم أرى جيداً بالظلام 
مايكل : دعني أدخل بيتك اولاً ..

وبعد ان جلسا بالصالة , أخبره مايكل بالتفاصيل التي يجهلها.. 
فقال ادوارد غاضباً :
- ماذا ! أجعلني ابي أعاني كل الأيام الماضية بتأنيب الضمير , وهو من أجبر الطبيب الشرعيّ على تزوير تقريره ؟!.. ما هذا الوالد القاسي ؟!
مايكل : ربما فعل ذلك ليجعلك تحت سلطته 
فقال بحزن : حين رجعت اليه تلك الليلة منهاراً , أخبرني إنه لن يفضحني ان عدّت للعمل تحت ادارته .. لكني رفضت وسافرت الى هنا لأعيش في بيت امي المرحومة , بعد ان تركت الشرطة نهائياً.. وقرّرت إكمال دراستي بالجامعة باختصاص المحاسبة الذي أحبه , والذي أجبرني والدي على التخلّي عنه لدخول كلية الشرطة ! 
- الم يغضبه قرار استقالتك ؟

ادوارد : بلى , لكن لم يعد يهمّني شيء بعد مقتل إريك .. (ثم تنهّد بضيق) .. يا الهي ! لا أصدّق انه فعل بي ذلك .. كان تأنيب الضمير لا يطاق , وبُتّ ليالي أبكي بمرارة كلما تذكّرت صراخ إريك وهو يتلوّى من الألم !
مايكل : اهدأ قليلاً , واخبرني عن تورّط والدك مع العصابة ؟
ادوارد بغضب : بعد الذي فعله بي , سأعترف عليه بكل شيء !!

((وأخبره بأن والده مدمن قمار , وديونه الكثيرة جعلته يتعاقد مع المجرمين لتمرير بضاعتهم من الحدود , مقابل مبلغ من المال يوزّع عليه وعلى شبكة من الشرطة الفاسدين تحت أمرته : ومنهم حرس الحدود والطبيب الشرعيّ))

ثم فاجأه ادوارد بإعطائه شريطاً سجّله لوالده أثناء سكره دون علمه , وفيه اسماء كل الشرطة الفاسدة المتورّطة معه !  
ادوارد بقهر : كنت احتفظ بالشريط للانتقام منه على تربيته القاسية , ولما فعله بأمي المسكينة التي ماتت من سوء المعاملة.. لهذا أطلب منك الإسراع بالقبض عليه وعلى فرقته الفاسدة , فالمكان المناسب لهكذا إنسان هو خلف القضبان

مايكل : أظن بعد شريطك هذا , سترقد روح إريك بسلام 
ادوارد بقلق : وهل سأُسجن معهم ايضاً ؟
- لا ..فكما أخبرتك , رصاصتك كانت جانبية .. وتعاونك معنا يشفع لك .. وأعدك ان آخذ الدليل مباشرةً الى الأدارة العليا .. واريدك ان تتجهّز , لربما طلبك القضاء للإدلاء بشهادتك 
- وانا طوّع أمركم 
***

لكن ما لا يعرفه ادوارد : إن والده كان يضع كاميرا مراقبة في بيت زوجته القديمة , لشكّه الدائم بإخلاصها له ! وبذلك سمع كل الحوار الذي دار بينهما .. فأخبر افراد شبكته الفاسدة للهروب فوراً من البلاد , قبل بدء التحقيقات ضدّهم .. اما هو , فقد سافر في نفس الليلة الى ابنه الذي ارتعب حين شاهده يوجّه مسدسه نحوه ..وهو يقول غاضباً :
- أتعترف على والدك ايها العاقّ ؟!!
ادوارد بخوف : ابي ! اهدأ ودعنا نتفاهم

لكنه اطلق عليه ثلاث رصاصات دون ان يُرفّ جفنه ! ثم أسرع الى سيارته قبل استيقاظ الجيران , مُنطلقاً نحو طائرته الخاصة المتوجهة الى اصدقائه المجرمين في المكسيك..
***

ومن بعدها , ضجّت الصحافة بخبر هروبه بعد إنكشاف افراد شبكته الفاسدة التي عُرضت صورهم واسمائهم على نشرات الأخبار , مما ساهم في القبض عليهم رغم هروبهم الى عدة ولايات امريكية .. 
***

والأغرب ما حصل له بعد شهر.. حين ارسل احدهم للصحافة : صورة مدير الشرطة ميتاً بعد التعذيب .. مع رسالةٍ قصيرة تقول : إنحرقت ورقة هذا الطمّاع , فتخلّصنا منه بطريقتنا 
***

وبعدها بأيام , عصراً .. عاد مايكل الى بيته مع شهادة تقدير حصل عليها من ادارة الشرطة النظيفة الجديدة التي كرّمته على مجهوداته في كشف شبكة الشرطة الفاسدة .. 

وقد حاول تمضية وقته بمشاهدة التلفاز واللعب على حاسوبه , لكنه شعر بحاجة للتكلّم مع المرأة العجوز التي كانت السبب في إمساكه لطرف الخيط .. ففتّش عن رقمها في جواله واتصل بها , وأخبرها بموجز ما حصل في القضية .. وبدورها عزمته على بيتها للإحتفال معاً بهذا النصر.. ليتقابل هناك مع حفيدتها التي أبهرته بجمالها بعد عودتها من عرس صديقتها ! والتي تفاجأت بوجوده في منزل جدتها (التي تعيش عندها منذ صغرها بعد وفاة والديها)..
- أهذا انت ؟!

مايكل بدهشة : تبدين مختلفة عن المرة الفائتة !
- كنت حينها شاحبة بعد اقتحامك سيارتي وانت تحمل جثة صديقك !
مايكل : آسف على إخافتك .. لكن القدر جمعني بكما ذلك اليوم , لتقوم جدتك بحلّ لغز القضية !
الحفيدة : لا استغرب ذلك , فهي ماهرة بهذه الأمور  
الجدة بحماس : وان صادفتك جرائم معقدة أخرى , فلا تتوانى عن إخباري بها 
مايكل مبتسماً : سأفعل يا خالتي .. هذا ان التقينا مجدداً
الجدة بفرح : بالتأكيد سنلتقي لأنك ستعيش معنا

حفيدتها معاتبة باستغراب : جدتي !
الجدة : الم تقل انك لست متزوجاً ؟ ومن سابع المستحيلات ان تجد أجمل من حفيديتي جوزفين
حفيدتها بارتباك : جدتي اهدأي , فأنا لا أعرفه جيداً
فوقف مايكل ومدّ يده مصافحاً جوزفين , قائلاً : 
- اذاً دعيني أعرّفك بنفسي .. الضابط مايكل , شاب أعزب وعمري..
جوزفين مقاطعة بعد ان سحبت يدها منه : 
- لحظة لحظة ! الم توجّه سلاحك في وجهنا قبل مدة ؟
الجدة معاتبة : أسكتي يا بنت !! ولا تضيعي العريس الجميل من يديكِ 

فضحك مايكل , بينما شعرت جوزفين بإرتباكٍ وخجل .. 
ثم أكملوا سهرتهم وهو مستمتعٌ بجوّ العائلة الدافىء , وبحماس العجوز وهي تخبره عن أعقد القضايا البوليسية التي شاهدتها بالتلفاز , والتي استطاعت حلّها قبل نهاية الحلقة .. 

وكانت هذه بداية لعدة زيارات متبادلة أدّت لخطوبة مايكل وجوزفين , والتي تكلّلت بعد شهور بالزواج .. ومن ثم انتقل الى بيت الجدة بعد إصرارها على ذلك , ليعيش معهما أجمل سنوات حياته 

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

الزواج المُختلط

فكرة القصة : Foad
كتابة : امل شانوحة

إختلاف الأديان

إستقلّ إبراهيم (24سنة) الطائرة لأول مرة في حياته مُسافراً الى اوروبا بعد حصوله على منحة لإكمال الماجستير بعد تفوقه بقسم الهندسة في بلاده .. وكان شاباً مُتديّناً يُطيل لحيته , ويغضّ البصر عن المضيفات اللآتي لاحظنّ خجله وأدبه .. 

وبعد وقتٍ من التحليق , بدأت الطائرة تهتزّ بعنف بسبب المطبّات الهوائية .. وكردّة فعلٍ منه : رفع صوته مُناجياً ربه بقلقٍ شديد : 
- الله أكبر !! الله أكبر !!

وما ان قال ذلك , حتى هجم عليه أحد الركّاب الذي يعمل شرطياً , مُعتقداً إنه سيُفجّر نفسه ! وألقاه بعنف على الأرض وسط رعب بقيّة الركّاب 

ورغم تأكّده (بعد توازن الطائرة) بأن إبراهيم لا يحمل حزاماً ناسفاً في ملابسه او في حقيبته الشخصية , الا ان الشرطي أصرّ على تسليمه الى أمن المطار فور هبوط الطائرة , والذين قاموا بتفتيشٍ دقيق لحقائبه التي لم يجدوا فيها شيئاً مخالفاً للقانون .. ورفض الشرطي الإعتذار له رغم أهانته امام الركّاب دون سبب , وغادر المطار وكأن شيئاً لم يكن ! 

بينما أعاد إبراهيم أغراضه المُبعثرة الى حقائبه وهو يشعر بظلمٍ شديد , لكنه مُجبر على تقبّل الوضع ! 

وخرج من المطار مُتوجّهاً الى الشقة التي استأجرتها له إدارة الجامعة , والمتواجدة في عمارةٍ قديمة بحيٍّ شعبي 

واول مالاحظه عند وصوله ..هو نظرات الناس له في الحيّ , كما بعض الجيران الذي التقى بهم أثناء صعوده الشقة , والتي تفاوتتّ بين الخوف والإشمئزاز من هيئته المتديّنة ! 

لكنه كان متعباً للغاية بعد رحلة السفر الطويلة , لهذا اكتفى بالسلام على جاره في الشقة المجاورة , والذي ايضاً لم يردّ التحيّة بل أغلق بابه بعنف مُعبّراً عن استيائه من سوء الجيرة ! 

ونام إبراهيم تلك الليلة وهو يشعر بألم الغربة واشتياقه الشديد لأهله واصدقائه ..
***

ولم يكن الوضع أفضل حالاً في الجامعة .. حيث اعتلت نظرات الحيرة والإرتياب وجوه الطلّاب وكأنهم يشاهدون كائناً فضائياً ! لكنه انشغل باختيار المواد التي يريد إكمال الماجستير فيها ..

وبعد ساعتين , أنهى مهمّة التسجيل مع بدء العام الدراسيّ .. 
وأثناء خروجه من الجامعة , سمع أحدهم يقول لصديقه : 
- هذا ما كان ينقص جامعتنا , إرهابيٌّ قذر !!
لكن إبراهيم قرّر تجاهل الحاقدين الذي لا فائدة من مجادلتهم
***

في أثناء عودته الى شقته , إنفجرت عجلة الحافلة .. فشهق الركّاب بخوف بعد ان التفتوا اليه جميعاً .. فابتسم قائلاً :
- لا تقلقوا , لم أفجّر نفسي 
ونزل من الحافلة وهو يقول في نفسه بضيقٍ ويأس : ((على الأقل ليس بعد)) 
***

ومشى الى ان وصل الى المتجر , ودخل للتبضّع ..
وبعد نصف ساعة وقبل محاسبة أغراضه , شاهد سيدة تفتّش حقيبتها بحثاً عن 20 دولار تنقصها لإكمال حسابها ..
فرمى إبراهيم 50 دولار بخفّة تحت قدميها , وناداها :
- يا خالة !! أوقعتِ مالك
- شكراً لك
ودفعتها لإكمال الحساب , ثم حمل عامل التوصيل أغراضها للسيارة .. 
***

عند خروج إبراهيم من السوق , سمع بوق سيارة من خلفه .. 
وحين التفتّ , شاهد السيدة تطلب منه الركوب :
- دعني أوصلك الى بيتك 
إبراهيم : شكراً , لا اريد إزعاجك
لكنه ركب بعد ان أصرّت عليه .. 
***

في السيارة .. أعادت له الباقي : 30 دولار , وهي تقول :
- سأردّ 20 دولار لاحقاً 
- يا خالة , انه مالك
- ما أعرفه عن المسلمين انهم لا يكذبون
فسكت إبراهيم مُحرجاً .. فقالت له بابتسامة :
- كانت حركة جميلة منك .. أشكرك بنيّ لأنك لم تحرجني امامهم .. والآن دلّني على عنوان بيتك
***

وحين وصلا المبنى , قالت بدهشة :
- أأنت جارنا ؟!
إبراهيم : وهل انت ايضاً تسكنين هذا المبنى ؟
السيدة : نعم في الطابق الخامس 
- غريب ! وانا ايضاً .. أظني البارحة التقيت بزوجك , لكنه لم يسلّم عليّ
- زوجي يكره .. أقصد ..
إبراهيم : لا بأس , فهناك الكثيرون يكرهوننا .. وكل هذا بسبب إعلامكم الذي شوّه سمعة المسلمين 
- هل الإعلام هو السبب , ام تفجيراتكم الإرهابية ؟
- صدّقيني يا خالة , تلك مخطّطات مخابراتية أكبر منّا جميعاً 

السيدة : دعنا لا نتطرّق لهذه المواضيع الشائكة .. والآن قلّ لي ..هل أنت طالبٌ مُبتعث ؟
- نعم , في الجامعة القريبة من هنا ..وأدرس ماجستير هندسة معماريّة
السيدة باستغراب : أحقاً ! ابنتي ايضاً تدرس الهندسة , وستتخرّج بعد سنتين .. لكنها طالبة في جامعة المدينة المجاورة , وستزورنا بفترة الأعياد 
- تصل بالسلامة ان شاء الله 
***

حين وصلا المبنى .. أصرّ إبراهيم على حمل أغراضها بالإضافة لأغراضه .. وبعد ان وضع حاجياتها بالمصعد قال لها : 
- إصعدي اولاً , كيّ لا يتضايق زوجك مني 
- حسناً , وسأحضر لك بقيّة المال ..
إبراهيم : لا تحرجيني يا خالة , واعتبريها هديةً بسيطة من جارك 
- كما تشاء بنيّ
*** 

ومرّت الأسابيع .. وإبراهيم يتابع تفوقه على زملائه بالإمتحانات وفي تصاميمه المعمارية المحترفة , ممّا أغاظ طالبٌ مُتنمّر قام بالإتفاق مع اصدقائه لتضيق الخناق على العربي وإرغامه على تغير الجامعة او العودة الى بلاده .. 

فبدأوا بكتابة كلامٍ مُسيء عن الإسلام بأوراقٍ عُلّقت يومياً على خزانته ..ورسومٌ كاريكاتور ساخرة مُلصقة على جدران وردهات الجامعة .. عدا عن سرقتهم لحذائه مرتين وهو يصلّي .. كما تصوير ردّات فعله حين يرى الصور الفاضحة التي تُدسّ بين كتبه , ونشر الفيديو على جوّالات الطلّاب لتشويه سمعته .. وكان أسوء ما فعلوه حين حطّموا تصميمه الهندسيّ في معرض الجامعة , والذي أخذ منه مجهوداً كبيراً ! 
***

وفي أحد الأيام .. إلتقى إبراهيم بالمتنمّر في حمام الجامعة , والذي صرخ عليه باشمئزاز بعد ان رآه يتوضّأ ويغسل قدمه في الحوض:
- يا همجيّ !! نحن نغسل وجوهنا هنا , وانت تغسل قدمك القذرة !!
فسأله إبراهيم وهو يكتم غيظه : وكم مرة تغسل وجهك في اليوم ؟
- ما هذا السؤال السخيف ؟ .. في الصباح طبعاً
فقال ابراهيم بلؤم : يعني مرةً واحدة , اما انا فأغسل قدمي خمس مرات في اليوم .. يعني قدمي أنظف من وجهك 

فأراد المتنمّر تسديد لكمةً له , لكن صديقه أوقفه مُحذّراً :
- لا تتعارك مع هذا الإرهابيّ , فقد يؤذيك
فقال له إبراهيم بحنق : إسمع نصيحة صديقك , قبل أن أفجّر نفسي بكما الآن !! 
فأسرعا بالخروج من الحمام بعد ان أرعبهما كلامه ! بينما أكمل هو وضوؤه مُحاولاً تهدئة أعصابه .. 

ثم ذهب الى غرفةٍ صغيرة فارغة ليصلي فيها , بعد ان سمحت له إدارة الجامعة باستخدامها بعد تزايد المضايقات عليه أثناء الصلاة , فهو من طلابها المتفوقين ..
***

وفي يوم عطلة .. خرج إبراهيم من جامعٍ صغير بالمنطقة (وهو يلبس ثوباً) بعد انتهاء صلاة الجمعة .. ومرّ امام مجموعة من الشباب يلعبون كرة السلّة في ساحة لعبٍ بالشارع ... فتدحّرجت الكرة امامه , فتحدّاه أحدهم قائلاً :
- هل تستطيع ان تدخلها السلّة من مكانك ؟
فحملها إبراهيم وهو يقول في نفسه : ((بسم الله))
ورماها , لتدخل الشبكة بسهولة .. 

وقال الآخر : ما رأيك ان تلعب معنا , ففريقنا ينقصه واحد ؟
فأسرع الثاني بالقول : الا تراه يلبس فستاناً ؟ سيقع حتماً على وجهه 
وضحكوا ساخرين .. لكنهم تفاجأوا به يرفع ثوبه (وهو يلبس بنطالاً تحته) .. ويسرع نحوهم وهو يراوغهم بالكرة , ويخترق صفوفهم الدفاعية الى ان رماها في الشبكة بخفةٍ ومهارة , وسط دهشتهم !
ومن ثم اشتعلت المباراة بينهم , حيث استطاع إبراهيم بسهولة تسجيل اهدافاً متتالية أدّت لفوز فريقه .. 

ثم ودّعهم عائداً الى بيته .. فلحقه أحدهم وسأله :
- لحظة ! الآن تذكّرتك .. ألست الشاب العربي الذي يدرس في جامعتي ؟
- نعم 
- ولما لم تسجّل في النشاط الرياضيّ , طالما انك بارعٌ هكذا ؟
إبراهيم : حاولت في بداية السنة .. لكن يبدو ان المدرّب جيم حاقدٌ عليّ , كما الكثيرون هناك !
- إذاً سجّل في فريقي , فالجامعة لها فريقين كرة السلّة .. ولا أظن مدرّبنا لديه هذه العنصرية , فكل ما يهمّه هو الفوز 
- سأحاول بإذن الله
الشاب : اذاً سأنتظرك غداً بعد انتهاء الحصة الأخيرة , لآخذك الى مدربيّ 
ابراهيم بابتسامة : إتفقنا
***

ورغم قبول المدرّب الثاني تسجيله في الفريق , الا انه وضعه على مقاعد الإحتياط .. ولم يدخله المباراة , الا قبل إنتهائها بدقائق !

وحين نزل إبراهيم الملعب ببنطاله الرياضي (بعد رفضه للشورت) ضحكوا عليه الطلاب في المدرّجات .. لكن سرعان ما تحوّلت ضحكاتهم الساخرة الى تشجيعٍ وتصفيق ضجّ به الملعب , بعد إدخاله لثلاث كرات من خارج خط الوسط , كانت السبب في فوزهم قبل ثوانيٍ من صافرة النهاية التي ما ان ارتفع صوتها , حتى هجم الطلاب الى الملعب ليحملوه على الأكتاف وهم يهتفون بإسمه : إبراهيم !! إبراهيم !!

وكانت المرة الأولى التي يشعر فيها بفرحةٍ غامرة أنسته قساوة الغربة .. لكن ما حصل له ضايق الحاقدون بعد مراقبة إنخراطه في اللعب ولفت الإنتباه الى مهارته في التصويب ممّا زاد حنقهم عليه !!! 
*** 

وأتتّ الظروف مُساعدة لنواياهم الشريرة , بعد ان ضجّت البلاد بخبر تفجيرٍ إنتحاريّ (شابٌ عربي) امام إدارةٍ حكومية أوقعت العديد من الضحايا والمصابين ! 

فعاد الوضع اسوء من ذيّ قبل على إبراهيم بعد تجنّبه من قبل الطلاب والأساتذة الذين راقبوه بنظراتٍ غاضبة , كما تعليقاتهم الجارحة كلما مرّ بجانبهم ..لهذا لم يتفاجأ بقرار المدرّب بطرده من فريق السلّة .. فبقيّ وحيداً في الكافتريا والمكتبة التي أمضى فيها جلّ وقته للدراسة 

بل حتى جيران مبناه صاروا يرمون القاذورات والبيض على باب شقته وهم يشتمون العرب ويلعنونهم .. فكان على إبراهيم تنظيف مدخل شقته كل يوم , ومسح العبارات المسيئة للإسلام التي كتبوها على بابه !
***

وفي يوم ..واثناء تنظيفه لمدخل شقته من بقايا البيض , فتحت الجارة بابها وهي تقول بشفقة :
- قريباً سينسون جريمة التفجير , فاصبر قليلاً يا إبراهيم 
وهنا صرخ زوجها من الداخل : 
- إغلقي الباب حالاً , ولا تتكلّمي مع العربي الإرهابيّ !!
فقالت له الجارة بارتباك : عليّ الذهاب , إنتبه على نفسك  
وأغلقت الباب..
***

وليت الأمر توقف عند هذا الحدّ , بل قام أحد سكّان الحيّ بتبليغ الشرطة عن إبراهيم بأنه إرهابيٌّ مُتخفيّ .. وادعى كذباً وافتراءً بأنه سمعه بالصدفة وهو يخطّط مع صديقه لعمليةٍ تفجيريّةٍ ضخمة ستحصل قريباً ! 

فقامت المخابرات بالقبض عليه في وضح النهار وامام الجميع .. وقاموا بالتحقيق معه لثلاثة ايام , قبل ان يتأكّدوا بأنه دخل البلاد بمنحةٍ دراسية  

ورغم انهم أفرجوا عنه الا انهم عيّنوا شخصاً لمراقبة تحرّكاته , والذي قدّم تقريره بعد شهرين : بأنه شاب لا يخرج من بيته الا لأماكن محدّدة : كالمسجد والسوق والجامعة , وأحياناً يقرأ في الحديقة العامة .. كما ذكر بأنه رآه أكثر من مرة يساعد المشردين والشحاذين بتقديم الطعام والمال لهم .. حتى انه أنقذ ولداً من ضرب المتنمّرين له في الشارع .. وبعد هذا التقرير , رفعت الشرطة الرقابة عنه بعد تأكّدهم من حسن سلوكه ! 

وبالفعل تناسى الناس حادثة التفجير مع إقتراب موعد الأعياد والعطل الرسميّة .. 
***

وفي عصر إحدى الأيام .. سمع إبراهيم ضجّة خارج شقته , فرأى بالمنظار : ابنة الجيران تقبّل والديها بعد قدومها لزيارتهم بفرصة الأعياد 
فعاد لإكمال تصميمه الهندسي للمشروع الذي سيقدّمه بعد انتهاء العطلة , وبقيّ مُكبّاً عليه حتى تباشير الصباح..

وقبل ذهابه للنوم .. سمع صراخاً من الخارج ..
وحين فتح باب شقته , عرف انها صرخات ابنة الجيران .. فأسرع بطرق بابهم ..ففتحت الأم وعلامات الفزع على وجهها , فسألها بقلق : 
- ماذا هناك يا خالة ؟!
- لا ادري ما بها ابنتي ! تقول ان لها فترة تشاهد الجن والشياطين تخنقها في المنام .. وذهب والدها لإحضار القسيس 
إبراهيم : هل باستطاعتي رؤيتها ؟
- أخاف ان يتضايق زوجي ان رآك عندنا 
- أظنّ بإمكاني مساعدتها .. وأعدك ان أذهب قبل عودته
***

وحين أدخلته غرفة ابنتها .. وجدها تتلّوى في سريرها وهي تصرخ باكية من الألم :
- امي !! أبعديهم عني , إنهم يخيفونني 
فجلس إبراهيم على الكرسي القريب منها , وأخفض رأسه وهو يتلو عليها التعويذات وبعض آيات القرآن بصوتٍ عذب .. وظلّ يقرأ الى ان هدأ روعها وبدأت تستمع اليه بذهول ! 

وبعد إنهائه الرقية الشرعية , إرتفع صوت شخيرها المتعب 
الأم بدهشة : لقد نامت أخيراً !
- دعينا نتكلّم في الخارج 

وفي الصالة ..أخبرها بأن ابنتها تعاني من مسٍّ شيطانيّ بسبب السحر
فسألته بدهشة : ومن يريد أذيّة ابنتي ؟!
- هل هي من المتفوقات بالدراسة ؟
- نعم , الأولى دائماً على الدفعة 
إبراهيم : ربما إحدى الحاقدات .. تفضلي , هذا رقم جوالي .. ان شئتِ , إبعثي رقمك كيّ أرسل لك فيديوهات عن الرقية الشرعيّة ..ولتستمع ابنتك اليها كل مساء , فالشياطين تهرب من القرآن
- لا أدري بنيّ ..فنحن مسيحيون , ودينكم لا يناسب ..

بهذه اللحظة ..دخل القسيس مع زوجها الذي غضب من رؤية إبراهيم في بيته ..
- ماذا تفعل هنا ؟!!
فأجابت الزوجة : لقد قرأ آيات على ديانا , ونامت على الفور
القسيس بعصبية : السور القرآنية تؤذيها !!
الأم : لكنها ارتاحت يا أبتي !
الزوج بغضب : لا تعارضي القسيس.. وانت !! إيّاك ان تقترب من ابنتي مجدداً , هل فهمت ؟!!
إبراهيم بهدوء : كما تشاء 

وخرج من البيت وهو يتمّتم : فعلت ما عليّ فعله , وقرار علاجها بأيديهم 
***

بعد ايام .. إلتقت ديانا بإبراهيم امام مصعد المبنى , وسألته :
- ألست جارنا الذي قرأ عليّ تلك الليلة ؟ 
إبراهيم : نعم , هل أصبحت بخير ؟ 
- نعم , شعرت بتحسّنٍ كبير فور سماعي لصوتك الهادىء..
- كنت أعطيت امك رقم جوالي , لكنها ..
فأسرعت بكتابة رقمها على قصاصة ورق وأعطته إيّاه : 
- تفضّل , هذا رقم جوالي .. راسلني متى تشاء , فربما نصبح صديقين 
إبراهيم : عفواً لا أصاحب الفتيات , لكني سأرسل كل ما يساعدكِ على الشفاء من السحر .. ورجاءً إنتبهي من أصدقائك , فالأذى عادةً يأتي من أقرب الناس الينا ..

فنادته قائلة : لحظة قبل ان تذهب !! هل مستوى الهندسة في جامعتك جيد ؟ فأمي أخبرتني انك تدرس نفس اختصاصي
إبراهيم : الأساتذة محترفون , فلما تسألين ؟ 
- لأني كنت دائماً أرغب بالدراسة هناك , لكن ابي أصرّ على ذهابي لجامعة المدينة المجاورة .. وهآ أنا أعاني من السحر بسبب طلاّبها الحقودين ! 
- اذاً إنتقلي الى جامعتي , وسأساعدك بالموضوع 
ديانا بفرح : أحقاً !! اذاً لن أخبر ابي قبل نقل ملفّي الرسميّ , وبذلك أضعه تحت الأمر الواقع .. ما رأيك ؟
- هذا قرارك , وانا سأكون في الخدمة
***

وبالفعل !! خلال اسبوع , إنتقلت ديانا الى جامعة إبراهيم رغم اعتراض والدها الذي يرى الجامعة الثانية أقوى في مستواها الدراسيّ , لكن امها كانت سعيدة بعودة ابنتها الوحيدة الى المنزل 
***

وفي أحد الأيام .. جلست ديانا بجواره في كافتريا الجامعة وهي تقول : 
- انا جديدة هنا وليس لي اصدقاء , فهل تمانع ؟
ابراهيم : لا ابداً .. بل أفضّل ذهابنا سويّاً الى العمارة , فشارعنا فيه الكثير من الرجال السيئين
ديانا : ممتاز !! وأريدك بخدمةٍ ثانية .. هل تستطيع مساعدتي بحلّ هذه المسألة الرياضية , فمنذ البارحة وانا أعمل عليها
- أريني إيّاها

وجلس يساعدها ويعلّمها , دون الإكتراث بتعليقات المتنمّر واصدقائه الذين استهزئوا من مصاحبة شابٌ مُتديّن لفتاة .. لكن حين تمادى المتنمّر باحتقار ديانا : 
- ألم تجدي غير هذا الإرهابيّ لتصاحبيه يا ساقطة ؟ 
صُعق الجميع حين رأوا إبراهيم يقفز على المتنمّر ويخنقه بكلتا يديه بغضبٍ شديد !!! ولولا تدخل أصدقاء المتنمّر لإبعاده عنه , لكان مات مُختنقاً ..

وبعد سقوطه على الأرض مُحاولاً إلتقاط انفاسه , قال له إبراهيم صارخاً :
- قلّ عنّي ما شئت , فرأيك لا يهمّني .. لكن ان تنعت أختي بالساقطة , فلن أسمح لك ابداً .. هل فهمت ؟!!!
فارتبكت ديانا كثيراً , وأسرعت بالخروج من الكافتريا ..ولحقها ابراهيم لكنه لم يجدها !
***

وبعد ايام .. إلتقى بديانا في المكتبة , فسألها : 
- هل أخفتك ذلك اليوم ؟ ..انا آسف , لكنه أغضبني بالفعل
- لا بالعكس , انت دافعت عنّي .. لكن نظرات الطلاّب لي , أربكتني كثيراً ! .. هيا إجلس , فهناك مسألة رياضية أخرى أريدك ان تعلّمني طريقة حلّها 
فقال مُمازحاً : كانت امك أخبرتني بأنك الأولى على الدفعة , بصراحة بدأت أشكّ بالموضوع  
- انا ذكية لكني لست عبقرية , وطبيعي ان أجد صعوبة بحلّ بعض المسائل .. وإن كنت لا تريد تعليمي , فيمكنك ..
مقاطعاً : لم أقصد .. هيّا أرني المسألة 

ويبدو ان المشكلة التي حصلت بالكافتريا جعلت الجميع يتوقف عن إبداء تعليقاتهم المُسيئة حول صداقة ابراهيم بديانا والتي كانت تقوى كل يوم !  

كما ان تفوّق إبراهيم المستمرّ بدراسته أجبرت زملائه على إحترامه ..واعتبروه الأساتذة طالبهم المثاليّ 
***

ذات صباح واثناء دخول إبراهيم الجامعة .. شاهد والد المتنمّر (الضابط بالجيش) يهزّأ ابنه في السيارة .. وكان يهدّده بعدم دفع الأقساط في حال رسب هذه السنة ايضاً ..

وبعد ساعة .. إلتقى به في ساحة الجامعة , فسأله إبراهيم :
- أتريد ان أعلّمك الدروس التي ما لم تفهمها ؟ 
المتنمّر بغضب : أتستهزأ مني ؟!!
إبراهيم : لا ابداً ! ان أردّت ذلك , ستجدني في المكتبة  
***  

وبعد ساعتين .. كان إبراهيم على وشك الخروج من المكتبة , حين وقف المتنمّر خلفه ! فسحب له كرسياً ليجلس بجانبه .. وعلى الفور بدأ بتعليمه , والإجابة على اسئلته حول المنهج .. ثم ودّعه ابراهيم وذهب
***

بعد ايام .. عاد والتقى به في الكافتريا , فاقترب المتنمّر من طاولته ورمى له لوح شوكولا وهو يقول :
- نجحت بالمادة , شكراً لك 
وخرج سريعاً من الكافتريا ..

بعد قليل .. دخلت ديانا وجلست بجانبه , وهي تقول بدهشة :
- أتاكل من طعامنا ؟! اليس المفترض ان يكون حلالاً ؟
ابراهيم : انه لحمٌ بقريّ وليس خنزير .. ومسموح في ديننا ان نأكل طعام النصارى واليهود
ديانا بدهشة : اليهود ايضاً , رغم العداوة التي بينكم ! يبدو ان هناك الكثير من المعلومات التي أجهلها عن دينكم 
- وهل يهمّك معرفة تعاليم الإسلام الصحيحة ؟
- نعم
ابراهيم وهو يكتم سعادته : اذاً نلتقي بعد انتهاء الجامعة 
***

وقبيل العصر .. أخذها إبراهيم الى المكتبة الإسلامية , قائلاً لها :
- هنا تجدين الكثير من الكتب التي تخبرك عن الدين الإسلامي كما علّمنا إيّاه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام , وهي باللغتين العربية والإنجليزية

فبدأت تقرأ عناوين الكتب , الى ان سحبت كتاب بعنوان : ((هل يدخل المسيحي النار؟))..فسألته :
- إبراهيم ! عن ماذا يتكلّم هذا الكتاب ؟
فأجاب : عن التشابه والإختلاف بين الرسالتين .. وكما هو مكتوب بالمقدمة : فإن الكاتب إستعان بالقرآن وآيات من الكتاب المقدّس للمقارنة بينهما .. وأظنك ستجدين كل الإجابات التي ترغبين بمعرفتها 
- اذاً سآخذه .. وحين اقرأه , أجادلك بمحتواه
فأجاب بابتسامة : وانا موافق

في هذه الأثناء .. إرتفع اذآن صلاة العصر
- أعجبني صوت المؤذّن 
إبراهيم : أتريدين رؤية الجامع من الداخل ؟
- وهل يسمحون لي ؟!
- نعم لكن عليك لبس الحجاب , ستجدينه في مصلّى النساء في المسجد
***

وأخذها الى الجامع المجاور للمكتبة الإسلامية .. 
وهناك خلعت حذائها , وصعدت الأدراج نحو مصلّى النساء ..وبعد ان لبست ثياب الصلاة , جلست تراقب النساء وهنّ يُصلينّ بانتظام خلف الإمام .. فلم تجد نفسها الا وهي تقلّد حركاتهنّ !

وحين خرجا من الجامع , سألها :
- ما رأيك بصلاتنا ؟
ديانا : شعرت بطمأنينة كبيرة حين سجدّت , ولا ادري لماذا ؟!
إبراهيم : هذا لأن العلماء إكتشفوا حديثاً ان السجود يؤدي الى تفريغ الشحنات الزائدة وتنشيط الدورة الدموية وزيادة التركيز , وايضاً تدريب للإنسان على الصبر والهدوء .. ستفهمين ما أقصده حين أرسل لك فيديوهات عن الإعجاز العلمي للدين الإسلامي 
- نعم رجاءً , أحتاج لمعرفة المزيد عن هذا الدين .. (ثم نظرت الى ساعتها) ..اوه ! لقد تأخّر الوقت 
إبراهيم : اذاً لنعود الى عمارتنا .. ولتصعدي اولاً , كيّ لا يتضايق والدك من رؤيتي

ثم دخلت بيتها وهي تخفي الكتاب الإسلاميّ , خوفاً من والدها المسيحيّ المتشددّ الذي يرغمها منذ صغرها على حضور قدّاس يوم الأحد 
***

ومرّت الأسابيع .. شاهدت فيها ديانا الكثير من الفيديوهات الإسلامية التي ارسلها لها إبراهيم على جوّالها .. وداومت على الذهاب معه الى مكتبة الإسلامية لقراءة المزيد من الكتب .. كما انها تعوّدت على وضع السمّاعات في أذنها قبل النوم للإستماع الى الرقية الشرعيّة التي أبعدت عنها كوابيس الجن والشياطين تماماً ! وكل ذلك دون ان يشعر والداها بقربها كل يوم من الدين الإسلامي
***

وحين حلّ شهر رمضان , أصرّت ديانا على تقليد إبراهيم بصيام ولوّ يومٍ واحد معه .. 

وفي إحدى ايام الشهر الفضيل , إلتقت به عصراً في الجامعة ..وسألته بتعب :
- كم بقيّ على أذان المغرب ؟
فضحك قائلاً : لست مضّطرة للصيام يا ديانا ! 
- لا !! سأكمل التحدّي حتى النهاية 
- كما تشائين .. بقيّ ساعتين على الإفطار , أكون أنهيت فيها آخر حصتين لهذا اليوم  
***

في القاعة .. وفور غياب الشمس , فاجأه الإستاذ قائلاً امام الطلاّب:
- إبراهيم !! يمكنك الذهاب للكافتريا للإفطار
إبراهيم باستغراب : شكرا دكتور ! 
***

وذهب الى الكافتريا .. ليجد ديانا في انتظاره , وهي تقول بحماس :
- هل نفطر الآن ؟!!
فابتسم قائلاً : دعينا نختار طعامنا اولاً 

وبعد ان جلسا على الطاولة , فتح جواله على تطبيقٍ خاص برمضان قائلاً لها :
- إنتظري , بقيت دقيقةٌ واحدة

وبعد قليل , قال : 
- أذّن الآن .. والأفضل ان تفطري على تمرة لتنشيط الكبد ثم شربة ماء , ومن بعدها نأكل .. تفضلي , أحضرت التمر من المركز الإسلامي 

وبعد ان انتهت من تناول شطيرتها : 
- يا له من شعورٍ لا يوصف !
- هل أتعبك الصيام ؟
ديانا : في بداية النهار , شعرت ببعض الخمول .. لكن قبل الإفطار , عاد نشاطي من جديد ! ..وكان إرسالك للفيديو الذي يتكلّم عن الفوائد الطبّية للصيام , هو ما شجّعني على إكمال التجربة .. أتدري يا إبراهيم .. أشعر ان حماسي لهذا الدين يزداد كل يوم !
ابراهيم : أتمنى ان تكون هدايتك على يدي يا ديانا
ديانا : بمشيئة الربّ
*** 

قبل اسبوع من حفلة التخرّج .. إستيقظ سكّان المبنى على رائحة حريق قادمة من منزل ديانا التي يبدو انها نسيت شاحن جوالها في الكهرباء , ممّا سبّب إنفجاره قرب الستارة باندلاع الحريق 
وكان إبراهيم الوحيد الذي تشجّع على كسر بابهم , حيث قام بإخراج الوالدين اولاً .. ثم إقتحم غرفة ديانا بعد ان غطّى نفسه بلحافٍ مُبللّ , وأخرجها من بين النيران الى خارج الشقة .. 
ثم نزلوا جميعاً لأسفل العمارة , حيث تجمّع بقية الجيران الذين صفقوا له بفخر بعد رؤيته مع عائلة ديانا التي أنقذها لوحده ! 
***

بعد قدوم سيارة الإطفاء وإخماد النيران في شقة ديانا (المتضررة الوحيدة بين الشقق) إقترح عليهم إبراهيم المبيت في بيته , وهو سينام عند صديقه .. فقبل الأب مُرغماً 
***

وبطولة ابراهيم تلك الليلة جعلت مكانته تكبر عند الجيران , لكن رأيّ والد ديانا لم يتغير اتجاهه ! بل أسرع في اليوم التالي للبحث عن منزلٍ مستقلّ صغير ..ووجده بعد يومين , وانتقل اليه مع عائلته ..ممّا أحزن ابراهيم وديانا التي تخشى ان لا تراه ثانيةً بعد تخرّجه 
***

في يوم التخرّج .. امتلأت القاعة بأهالي الطلّاب , الاّ أهل إبراهيم لصعوبة قدومهم اليه .. لهذا تفاجأ حين سمع تصفيقاً حارّاً عند تسلّمه شهادته مع مرتبة الشرف ! وغمرته السعادة حين رأى ديانا تلوّح له من المقاعد العلويّة , بعد ان حضرت الحفل رغماً عن والدها ! 
***

بعد انتهاء الحفلة .. أخبرته بأنها اشتاقت اليه كثيراً بعد إنتقالهم لبيتهم الجديد
فسألها مُمازحاً : والى أيّ درجة اشتقتِ اليّ ؟
- لدرجة انني مُستعدّة لتقبّل دينك 
وكاد إبراهيم يطير فرحاً , فهي حبه الأول والوحيد ..لكنه يُدرك بأنه قراراً ليس سهلاً عليها , فسألها بقلق :
- وماذا عن والدك ؟
- هل يمكن ان نُبقي إتباع دينك سرّاً لبعض الوقت ؟

إبراهيم : طبعاً .. اساساً الدعوة الإسلامية بدأت سرّاً لثلاث سنوات , قبل ظهورها للعلن ..المهم ان ترغبي عن قناعةٍ تامّة تغير إسلوب حياتك كلّها بعيداً عن أيّةِ رغبةٍ آنية , ويكون دخولك لدين الإسلام هو إرضاء الخالق واتباع اوامره ونواهيه , وليس من أجلي فقط 
ديانا : وانا مقتنعة بتعاليم دينكم منذ مدةً طويلة يا إبراهيم 
- إذاً لنذهب غداً عند شيخ الجامع الذي سيُلقّنك الشهادتين , وبها تكوني مسلمة
ديانا بحماس : وانا متشوقة لذلك 
***

وفي اليوم التالي بالجامع , وقبل صلاة الظهر .. ردّدت ديانا الشهادة خلف الإمام بصوتٍ متهدّج , لترتفع بعدها التهليلات والتكبيرات من المصلّين التي جعلت الدموع تنساب على وجنتيها من شدة الفرح .. بل انها أصرّت على لبس الحجاب في اليوم ذاته!
***

بعد خروجها مع ابراهيم من المسجد , سألها بقلق :
- كيف ستخفين إسلامك عن والدك بعد ان تحجّبتي ؟ أخاف ان يقتلك , فهو عصبيٌ جداً !
- اذاً إحميني منه يا ابراهيم
- ماذا تقصدين ؟!

فسكتت قليلاً , قبل ان تقول بتردّد وخجل : 
- هو لن يستطيع فعل شيء ان كنت زوجتك
فسألها بدهشة وحماس : وهل تقبلين الزواج بي ؟!
- أمازلت تسأل يا إبراهيم ! بالطبع أقبل
إبراهيم بحماس وفرح : اذاً لنعود الى الجامع , ونجعل الشيخ يزوّجنا في الحال 
فقالت بارتباك : تقصد الآن ؟!
- نعم , هل هناك مانع ؟
ديانا : لا ابداً .. (ثم فكّرت قليلاً , قبل ان تقول بابتسامة) .. ليكن هذا اليوم مميزاً لنا : يوم إسلامي , ويوم زواجي من حبيبي 

وعادا الى الجامع ليشهد المصلّون على إتمام عقد القران بينهما
*** 

وقف إبراهيم بجوار زوجته ديانا المحجّبة التي كانت تطرق باب منزل والدها بثقةٍ وثبات !
وحين فتحت الأم , كاد يُغمى عليها بعد رؤية ابنتها بالحجاب ! 
فسألتها ديانا : هل ابي بالداخل ؟ 
الأم بحزن وخيبة أمل : ابنتي !.. ماذا فعلتي ؟!
- دعينا ندخل يا امي , وسأخبركم بكل شيء
***

وبالداخل ..كانت نظرات الأب تشعّ شراراً وغضباً بعد معرفته بأن إبراهيم أصبح صهره .. وأمسك أعصابه الى ان انتهت ابنته من الكلام , ثم قال لهما بحزمٍ وقسوة :
- طالما انك تركتِ ديننا , فأنت ميتة بالنسبة لي ..هيا أخرجي من بيتي ولا تعودي الى هنا ابداً !!
الأم وهي تبكي : ارجوك لا تقسى عليها , فهي ابنتك الوحيدة !
فصرخ الأب غاضباً في وجه زوجته : 
- لا إبنة لي بعد اليوم !! وان وقفتِ معها , سينتهي زواجنا للأبد .. هل كلامي مفهوم ؟!!

فخرجت ديانا من البيت وهي منهارة بالبكاء , بينما يحاول إبراهيم قدر المستطاع التخفيف عنها 
***

ومن شقته الخاصة , بدأت حياتهما سويّاً .. 
ومع الأيام , إعتادت ديانا على حياتها الجديدة .. واستطاع إبراهيم إيجاد وظيفة في شركة للهندسة المعماريّة .. اما هي , فأكملت سنتها الأخيرة بالجامعة بمساعدة زوجها
*** 

وبعد تخرّجها .. إتصل إبراهيم بأهله ليخبرهم بزواجه , فكان ردّة فعلهم صادمة ! حيث رفضوا زواجه من أجنبية ..لكنه أخبرهم بأنه لن يتخلّى عنها بعد ان تركت دينها من أجله , وعليهم الرضوخ للأمر ..ممّا تسبب بمشاكل مع والديه اللذان كانا ينتظران عودته لتزويجه من ابنة عمه , لكنه لطالما رفض تلك التقاليد ..وأكمل حياته في الغربة , بعد ان وعدهم بزيارتهم فور تحسّن أوضاعه المادية 
***

بعد سنتين .. سافر إبراهيم مع زوجته (في الشهور الأخيرة من الحمل) الى بلاده , واستقبلوها اهله بجفاء ..لكن معاملتهم لها تغيّرت بعد ولادة حفيدهم الجميل .. وبدأوا بتعليمها تقاليد وأعراف بلادهم  
***

بعد انتهاء العطلة , عاد ابراهيم مع زوجته وطفله الى الغربة لإكمال عمله ..لكن فور وصولهم , تفاجأت ديانا بخبر وفاة والدها! 

فذهبت الى منزل امها للمشاركة بالعزاء ..
وفي البداية رفضت الأم السلام عليها ! لكن فور دخول إبراهيم وهو يحمل طفله , حتى أسرعت الجدة تلقائياً بحمل حفيدها .. وهي تقول بسعادة لأقاربها من المعزيين : 
- انظروا الى حفيدي !! انه يشبه ديانا كثيراً , اليس كذلك ؟ 
لكن وجوههم ظلّت مُكفهرة غاضبة , لأنهم مازالوا متضايقون من إسلامها ومن زوجها المتديّن !  

وهنا سلّم ايراهيم على حماته بعد ان قدّم لها التعازي , وسألها : 
- كيف حالك يا خالة ؟
فقالت حماته بصوتٍ منخفض , كيّ لا يسمعها المعزّون : 
- أتدري يا ابراهيم ..رغم انني غاضبة منك لأنك سرقت ديانا منّا , لكني لم أنسى يوماً ما فعلته معي في السوق 
- كانت مجرّد 50 دولار ! 
حماته : بل كانت أكثر من ذلك , فالشهامة نادرة هذه الأيام .. (ثم فكّرت قليلاً) .. ما رأيكما لوّ تعيشان معي ؟ فالمنزل سيكون فارغاً بعد وفاة زوجي 

وقد أسعد إقتراحها ديانا كثيراً والتي سألت زوجها : 
- ما رأيك يا إبراهيم ؟
فأجابها : أقبل لأنني لا أرضى ان تعيش حماتي لوحدها , فهي ايضاً بحاجة لرجلٍ يحميها ويلبّي إحتياجات المنزل  
الأم : اذاً بعد انتهاء العزاء , تعيشون في غرفة ديانا القديمة 
ابراهيم بابتسامةٍ حنونة : كما تشائين خالتي

ثم رفعت حماته صوتها لتقول امام الجميع : 
- قريباً !! سينتقل صهري إبراهيم وعائلته الى بيتي 
فخرج بعضهم غاضباً من منزلها بعد ان ضايقهم قرارها , لكنها لم تأبه لرأيهم فهي تريد ابنتها وحفيدها بجانبها !
***

وبعد اسبوع .. إنتقل ابراهيم وعائلته الى منزل حماته .. لتبدأ حياةٌ سعيدة بعد تعلّق الجدة بحفيدها الصغير المشاغب  
***

مرّت السنوات .. وأصبح عمر الحفيد (آدم) 12 سنة , وأصاب جدته مرضٌ شديد جعلها تحتضر في المنزل بعد رفضها الموت في المستشفى ..
فسأل امه غاضباً : هل ستتركين جدتي تذهب الى جهنم ؟!!
ديانا بحزن : صدّقني بنيّ , حاولت كثيراً وبكل الطرق انا ووالدك ان نهديها للإسلام , لكنها رفضت التخلّي عن دينها وهذا يُؤلم قلبي لكن ليس باليدّ حيلة , فالهداية من عند الله 
فقال آدم بحزم : اذاً سأحاول بنفسي
وصعد الى غرفة جدته غير آبه بتحذيرات والديه ..

وبقيّ عندها ساعتين , قبل ان يصرخ لهما :
- امي !! ابي !! إسرعا الى هنا 

فصعد والداه الى فوق , ليشاهدا الجدة في لحظاتها الأخيرة..
فأمسك آدم يدها وهو يقول : هيا جدتي !! أسمعيهم ما قلته لي , ارجوك
فقالت الجدة بصعوبة وبصوتٍ متقطّع : أشهد ان لا اله ..
وأكملت الشهادة بصوتٍ ضعيف .. بينما كانت الدموع تنهمر من عينيّ ابنتها التي تكاد لا تصدّق ما تسمعه ! 
وبعد انتهائها من الشهادة , أسلمت الروح .. 
فانكبّت ديانا على حضنها باكيةً وهي تقول :
- ألقاكِ بإذن الله في الجنة يا امي
***

بعد انتهاء العزاء الذي أُقيم على الطريقة الإسلامية .. حضن ابراهيم ابنه بفخر وهو يقول له : 
- سبحان الله ! لم يكتب الله لي ولأمك هداية جدتك , وفزت أنت بالأجر  
آدم : وهل كُتبت لي الحسنات لفعل ذلك ؟
- بالطبع بنيّ !! انت ولدٌ صالح , وانا فخورٌ بك 
آدم : كما انني نويت أن أختم القرآن لجدتي في رمضان القادم
إبراهيم : وانا ايضاً قرّرت الحجّ عنها , طالما اني حججّتُ عن نفسي سابقاً 
ديانا : أهذا يعني انك ستذهب الى الحج هذه السنة ؟
زوجها : نعم وسآخذك انت وآدم معي , لكن عليك يا بنيّ ان تُعيدها حين تكبر فأنت مازلت صغيراً
الولد بفرح : لا بأس ابي , فأنا مُتحمّس لرؤية الكعبة 

زوجته وهي تمسح دموعها : سبحان الله ! عاشت امي كل عمرها مسيحية , ولم تسجد لربها سجدةً واحدة ..وهاهي تحصل على ختمة قرآن وثواب الحجّ , وكأن الحسنات تلحقها الى قبرها .. فالحمد الله الذي جمعني بك يا إبراهيم لتنقذني انا وامي من النار
زوجها : بل انا المحظوظ بك , يا عزيزتي ديانا
وقبّل رأسها .. 
آدم بغيرة : وماذا عنّي ؟!!
وحضناه والداه بفخرٍ وحنان ..
*******

ملاحظة :
هذه القصة بناءً على طلب أحد القرّاء الذي أرادني ان أكتب قصة رومنسية تجمع بين شخصين مُختلفيّ الديانة ..(وسامحني يا فؤاد ان غيّرت قليلاً في فكرتك) .. 

وأريد التنوية بأنني لم أردّ بقصتي مضايقة القرّاء المسيحيين , انما قمت بدمج عدة تجارب حقيقية حصلت لبعض المبتعثين والمغتربين العرب .. كما كنت قرأت سابقاً عن قصة إسلام زميلة ابراهيم في الجامعة من الإنترنت ..وأعتقد ان الشاب الذي أسميته ابراهيم كان إمّا جزائرياً او مغربياً (لا أذكر بالضبط !) 

اما عن رأيّ الشخصي من الزواج المختلط (وأقصد زواج الرجل المسلم من نصرانية او يهودية , لأن المرأة المسلمة لا يجوز لها الزواج الا من مسلم) : فأنا أرى انه سيضرّ بنفسيّة الأطفال في المستقبل لاختلاف العقيدة واسلوب التربية بين الوالدين , ممّا سيشوّش إنتمائهم الدينيّ .. لذا أُفضّل ان يتزوج كلاً من ديانته .. لكن بالنهاية كلّه مقدّرٌ ومكتوب ! 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...