السبت، 30 نوفمبر 2024

الصامدون الأحرار

تأليف : امل شانوحة 

 

الحرب الغير متكافئة


رفض طبيب وزوجته الممرّضة مغادرة منزلهما بالجنوب بعد اشتداد الحرب على لبنان ، حتى اصبحا الوحيديّن في قريتهما الزراعيّة بعد نزوح معظم السكّان للعاصمة والدول المجاورة .. 

ورغم الإتصالات المُكثّفة من اهاليهما لترك المكان ، لكنهما طمّأنوهم باحتمائهما من الصواريخ داخل ملجئهما الحصين في قبوّ فلّتهما التي تدمّرت جزءاً منها مع بداية الحرب ..


ومن بعدها انقطعت الإتصالات بينهم ، لإنعدام الإنترنت والكهرباء على كل المناطق الجنوبيّة .. ومع ذلك كانا محظوظيّن بوجود بئر ماءٍ قريب من فلّتهما المُحطّمة .. رغم قلقهما من إطالة الحرب أكثر من شهر ، بعد ان اوشكت مُعلّبات الطعام على النفاذ !


وبعد سماعهما بالمذياع : عن تهديد إسرائيل لتفجير القرية المجاورة بالكامل ! اسرعا الى هناك لأخذ ما يمكن الإستفادة منه ، قبل إفناء المنطقة التي خلت من سكّانها قبل ايام .. 

وتوجّها مباشرةً للمزارع التي تُركت قبل حصادها ، لقطف ما يمكنهما اكله بالفترة القادمة..


وبعد وضع صندوقاً مليئاً بالخضار والفاكهة في سيارتهما ، سمعا اصواتاً قادمة من المنازل الخالية التي هرب سكّانها للمناطق الآمنة! 


فتوجها نحوها .. ليجدا معظم نوافذ المنازل مفتوحة ، لحماية الزجاج من التحطّم بالإنفجارات .. رغم نيّة اسرائيل هدم القرية عن بِكرة ابيها ، مع حقولها الزراعيّة !


ليتفاجأ الزوجان بوجود خادمة آسيويّة في إحدى الفلّل ، بعد ان تُركت لحماية منزلهم من السرقات ، رغم خطر موتها الوشيك ! 

فقرّرا أخذها معهما لقبوّ منزلهما بالقرية المجاورة.. 


وقبل تحريك سيارتهما ، أوقفتهما بلغةٍ عربيّةٍ رقيقة :

- هناك اولاد بالمنازل المجاورة لفلّتي ، سمعتهم يبكون ليلة امس  

الطبيب بصدمة : مستحيل ان يتركوا النازحين اولادهم !

الخادمة : احلف انني رأيت أحدهم يلوّح بالمنديل من نافذة بيته ! 


فقرّر الزوجان تفتيش جميع منازل القرية .. لينصدما بوجود اربعة اولاد ، بالإضافة لقطّتين وكلب صغير وقفص فيه عصفوريّن نادريّن! 

فنقلوهم جميعاً لمنزلهما الشبه مُدمّر ، بعد ربط كرسي الولد المتحرّك فوق سطح السيارة !

^^^


وبعد نومهم بالقبو .. تكلّمت الزوجة بصوتٍ منخفض :

- لا اصدّق ان الأهالي تركوا اولادهم يواجهون الموت وحدهم ! يالا قساوة قلوبهم !!

زوجها الطبيب : عدا عن الحيوانات التي كان بإمكانهم إطلاق سراحها ، بدل حبسها في منازلهم التي ستُقصف بأيّةِ لحظة !

زوجته : إن كانوا تركوا ابنائهم ، فهل سيهتمون بالحيوانات ؟!

الطبيب : انت ترين سبب الهجر : فأحدهم منغولي ، والثاني لديه توحدٌ صعب.. والثالث مُعاق عقليّاً وهو مشلول بالكامل.. اما أصغرهم : فلديه فرط نشاطٍ مُستفزّ .. ولولا ابرة المخدّر لما غفى أخيراً ، بعد ان تعبنا جميعاً في تهدأته !

- مهما كانت امراضهم ، لا يستحقون تركهم يواجهون الحرب وحدهم .. فصغيرهم بالسابعة ، وكبيرهم لم يتجاوز 12 سنة ! انت رأيت كيف تناولوا الطعام بنهم من شدّة جوعهم !

- ما يقلقني الآن هو توفير الملابس والحفاضات لهم ، عدا عن طعام الحيوانات

زوجته : الله سيعيننا عليهم .. لنعشّ كل يومٍ بيومه ، الى ان يفرجها الله


وهنا سمعا طرقاً على باب الطابق الأرضيّ ، فتجمّد الزوجان داخل القبوّ المضاء بالشموع !

الزوج بقلق : أيعقل ان اليهود اقتحموا قريتنا برّياً ؟!

زوجته : وهل سيستأذن الملاعين بدخول منزلنا الشبه مهدّم ؟!


ليسمعا صوتاً ينادي من فوق : هل يوجد احدٌ هنا ؟!!

الممرّضة : انه صوت امرأة ! سأصعد لأراها

الزوج : لا !! ابقي مع الأولاد والخادمة.. سأرى من تكون 

- انتبه رجاءً ، فربما يكون كميناً من العدو !

^^^


ليتفاجأ الدكتور بعجوزٍ تناشده الطعام .. والتي أخبرته أن عائلتها تركوها نائمة اثناء نزوحهم للعاصمة ! فأسندها وهو يُنزلها الى القبو


ولم تصدّق زوجته قساوة الإبن الذي هرب مع زوجته واولاده ، تاركاً امه العجوز المريضة بالقلب تواجه الحرب وحدها ! 

الطبيب : لا خالتي ، لا املك دوائك

العجوز : الست طبيباً ؟!

الطبيب : نعم ، لكن ليس لديّ دواء القلب .. سأعطيك مُسكّناً الآن ، وغداً صباحاً ابحث بالصيدليّة المهجورة عن دوائك 

العجوز : مررت بها قبل قليل ، وهي مُهدّمة بالكامل 

الطبيب : بالعادة يوجد مخزن اسفل الأرض للأدوية المهمّة ، سأبحث هناك عمّا تحتاجينه انت والأولاد 


زوجته : هل انت جائعة يا خالة ؟

العجوز : أتضوّر جوعاً

- سأفتح لك علبة تونة

- ان كان لديك برغل او عدس ، استطيع طبخهم لك .. فأنا كنت طبّاخة ماهرة في صبايّ 

الممرّضة : نعم لدينا.. سنطبخها غداً ، عندما يستيقظ الجميع  

فنظرت العجوز للأولاد النائمين : ما شاء الله ، لديكم اربعة ابناء وخادمة

الطبيب بقهر : لا ، ليسوا اولادنا

وأخبرها قصتهم..


العجوز بصدمة : يا الهي ! ماذا حصل للناس ؟! لما قست قلوبهم بهذا الشكل المقزّز؟!

الممرّضة : لا تقلقي يا خالة ، انا وزوجي سنعتني بكم جيداً

***


ومع مرور الأيام .. إستطاع الدكتور وزوجته إيجاد مؤونة كافية من المنازل المفتوحة ، مع بعض الألعاب والحلويات لتسليّة الأولاد بالقبوّ .. بينما تعلّق الصبيّ المتوحّد بالحيوانات ، حتى انه نطق بعض الكلمات ! اما المنغولي : فقد كانت شهيّته مفتوحة دائماً ، مما صعّب الأمر على الزوجيّن لتوفير الطعام له .. اما المعّاق عقليّاً : فاضّطرا لتحفيضه بملاءاتٍ ممزّقة ، يقومان بغسلها على التوالي بعد نفاذ غيّاراته.. وتساعدهما الخادمة بذلك ، بالإضافة لاهتمامها بالولد الذي لديه فرط حركة الذي أتعبهم كثيراً .. لرفضه البقاء بالقبوّ الضيّق ، رغم محاولة المرأة العجوز إشغاله بقصصها الشيّقة. .


بينما جازف الطبيب بحياته للذهاب للعيادة المُدمّرة في محاولة لإيجاد دواء العجوز بين الركام ، والتي تزداد حالتها سوءاً مع كل ضربة عنيفة للعدوّ فوق قريتهم المهجورة !

***


قبل انتهاء الحرب .. توفيّت العجوز بعد توقف قلبها ، عقب إصابة صاروخٍ منزل الطبيب ، وتدمير ما تبقى منه ! بينما كانوا يحتمون بقبوه العميق ، مما جعل الأولاد ينفجرون بكاءً من شدة الرعب .. 

فانشغل الزوجان والخادمة بتهدأتهم ، دون انتباههم لوفاة العجوز الا بعد محاولة الممرّضة إيقاظها.. وبقيّت جثتها معهم طوال الليلة العنيفة .. الى أن هدأ الوضع في الصباح ، ليقوم الطبيب بفتح باب القبو الآخر الموصل للحديقة .. وقام بدفنها هناك ، وهو يتأمّل منزله المُهدّم بحسرةٍ وقهر !

^^^


بعد الدفن .. إستمع مع زوجته للأخبار من المذياع الذي اعلن انتهاء الحرب بالساعة الرابعة صباحاً .. مما يعني ليلةً أخيرة عنيفة ، لمحاولة اسرائيل انهاء اهدافها سريعاً بلبنان !  

لهذا طلب الطبيب من زوجته والخادمة والأولاد ان يكونوا اقوياء لآخر يومٍ لهم في الجحيم ، مع تكثيف الدعاء طوال الليل حتى انتهاء الأزمة الصعبة !

^^^


وبالفعل توالت الإنفجارات فوق القرى الجنوبيّة ، لهدم ما تبقّى من مبانيها ومزارعها .. الى ان انتهت الحرب اخيراً مع تباشير الصباح ، مع إختفاء صوت المُسيّرة التي ازعجت اللبنانيين على مدار شهريّن متواصليّن !


وخرج الطبيب مع اسرته الجديدة من القبّو بحذر ، خوفاً من شظايا الزجاج والحديد المتناثر حول منزله .. ليتفاجأوا بعودة مئات النازحين منذ الصباح ، لرؤية ما تبقى من منازلهم وحقولهم !


ولم يمضي وقتٌ طويل حتى التقوا بأهالي الأولاد الأربعة ومالك الخادمة وابن المرأة العجوز .. 


وكان اول من التقوا به ، هو الإبن العاق الذي عاتبه الطبيب بنبرةٍ حادّة :

- أتبحث عن امك ؟! لوّ كان يهمّك امرها لما تركتها وحدها ، وهي بأمسّ الحاجة لدواء القلب !

الإبن : وهذا هو سبب تركي لها ، فأنا لم استطعّ تأمين الدواء لها .. 

الممرّضة مقاطعة بعصبية : عذرك أقبح من ذنبك !!

الإبن : لا وقت الآن للوم .. اين هي ؟ هل رأيتموها بالجوار ؟

فأشار الطبيب لقبرٍ بجانب منزله..

- هي هناك !! توفيّت وهي تدعو عليك.. هل ارتحت الآن من همّها ؟


فطأطأ الشاب رأسه ، حزناً .. وعاد الى سيارته التي فيها زوجته وابنائه ، مُبتعداً عن المكان بهدوء !

^^^


واثناء مناقشة الدكتور وزوجته ما حصل ، سمع رجلاً يسأله :

- هل بقيّت بالجنوب طوال الحرب ؟

الطبيب : نعم

الرجل : هل رأيت خادمتي الآسيويّة ؟


فخرجت الخادمة من خلف المنزل المهدّم ، وهي تصرخ على الرجل بغضبٍ شديد :

- لما تركتموني وحدي !!

المالك : لم يكن هناك مكان بالسيارة

فأمسك الطبيب ذراع الرجل بعنف :

- كنت ضعها في حضن زوجتك ، بدل تركها وحدها تواجه الموت!!  

الرجل : حسناً ، سنكافئها عندما نصلح احوالنا الماديّة

الخادمة باكية : لا اريد العودة معه يا دكتور ، رجاءً !!

الطبيب : أسمعت !! هي لا تريد الذهاب معك .. وانا بدوري سأوصلها لأقرب مكتب عمالة ، لإعادتها الى بلادها .. هيا اغرب عن وجهي !!

فابتعد الرجل بسيارته عن المكان !

^^^


وفي الوقت الذي كان الطبيب وزوجته يهدّآن الخادمة الغاضبة ، قدم اهالي الأولاد الأربعة بعد سماعهم من النازحين عن البطليّن اللذيّن بقيا في الجنوب طوال الحرب


الطبيب بعصبية : الآن تسألون عن اولادكم ؟!

الأب : لا تلمنا يا دكتور .. فأنا وزوجتي كبيران في السن ، لذا لم نستطع تحمّل ابننا الذي لديه نشاطٌ مفرط

الممرّضة : طالما كبيران بالسن ، يعني ابنكما الوحيد ولن تنجبا غيره .. فكيف تركتماه يواجه الحرب وحده ؟!  

الأب : حاولنا إدخاله السيارة ، لكنه هرب منا .. ولم نستطع اللحاق به ، بعد دويّ انفجارٌ هائل .. فأسرعنا بالهرب ، بنيّة العودة للبحث عنه او جثمانه .. لكننا لم نجده في أيّ مكان ، فاعتقدنا بموته 

الممرّضة : هو عاد لمنزلكما ، كان عليكما البحث هناك اولاً 

- وجدناه خالياً .. اظنه اختبأ بمكانٍ ما .. وبعد رحيلنا ، عاد للمنزل الذي وجدتموه فيه 

الأم باكية : حقاً ظننا بوفاته ! 


الطبيب : وكيف سأثقّ بتسليمه لكما ، بعد ان تركتماه بهذه السهولة ؟!

الأب : نحن سنسافر لأوروبا قريباً ، وسنضعه في مدرسةٍ داخليّة تهتم بمرضه الصعب 

الممرّضة : مدرسةٌ داخليّة ! هذا بدل إدخاله لنادي رياضيّ ، للإستفادة من نشاطه الزائد ؟

الأب : النوادي تحتاج لمتابعة واهتمام ، ونحن لا قدرة لنا على ذلك .. حاولنا معه كثيراً دون فائدة ، سندعّ المختصّون يهتمون به .. هيا إعطنا ايّاه ، فعلينا التوجّه غداً لمطار العاصمة 


ولم يستطع الطبيب منعهم من اخذ ابنهم ، رغم حزنه هو وزوجته على مصير الصغير الذي سيتعقّد نفسيّاً بمدرسته الداخليّة الصارمة !

^^^


اما اهل الولد المتوحّد : فتفاجأوا من رؤيته يلعب بسعادة مع الحيوانات الناجية ، وهو ينطق بعض الكلمات لأوّل مرة في حياته ! مما جعلهم يقرّرون إدخاله لمدرسةٍ خاصّة بالمتوحّدين ، على امل تحسّنه في المستقبل القريب .. 

لكنه لم يقبل الذهاب معهم ، دون كلبه والقطتيّن والعصفوريّن.. فاستأذنوا الطبيب أخذها معهم للشقة التي استأجروها بالشمال ، والتي سيبقون فيها لحين بناء منزلهم بالجنوب من جديد

^^^


اما والدا المنغولي ، فرفضا اخذه ! لأنه عبء عليهما لشهيّته المُفرطة ، خاصة بعد تردّي احوالهما الماديّة بعد الحرب .. 

لكن قبل ذهابهما ، فاجأهما الجدّ (الذي ظلّ كوخه وحقله سليميّن طوال الحرب على الجنوب) بقدومه من القرية المجاورة للإهتمام بحفيده المنغولي الذي سيعلّمه الإعتناء بالحقل كمساعدٍ له !

^^^


اما الولد المُعاق عقليّاً ، فأغلق ابوه الإتصال مع الطبيب بعد رفضه استلامه! 

فقرّر الدكتور وزوجته العقيمة الإهتمام به ، فور إيجادهما منزلاً سليماً في الجنوب لاستئجاره .. وتعاهدا الإعتناء به ، كونه هو وبقيّة الأولاد بركة إلهيّة منعت الصواريخ من إصابتهم طوال الحرب المرعبة .. وذلك بعد إعادة الخادمة سالمة الى بلدها ، عقب تجربتها المريرة في لبنان الجريح ! 

***


ولم تمضي ايام على انتهاء الحرب حتى انشهرت قصة الطبيب والممرّضة اللذيّن أنقذا الأولاد الأربعة والخادمة ، كما اهتمامهما بالعجوز قبل وفاتها 


بينما لام المواطنون الأهالي المهملون الذين هربوا من الإعلام حتى هدوء الوضع المتوتّر بالبلاد ..

ليصبح الزوجان بطليّن بنظر اللبنانيين الذين لقبّوهم ب: الصامدون الأحرار! 


الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

المدينة العنصريّة

تأليف : امل شانوحة 

 

الطبقات الإجتماعيّة


رافق الولد امه وهي تحمل اخاه المولود حديثاً الى المقرّ الأمني في مدينة المنبوذين لوشم ظاهر يده برقمٍ تسلّسلي خاصّ بالفقراء !

وبعد حرق يد الرضيع بالوشم ، بكى بعلوّ صوته من الألم .. فتأثّر اخوه الذي سأل امه في طريق العودة لكوخهم اسفل الأرض :

- لما هذا الظلم يا امي ؟ لما علينا وشم انفسنا بأرقامٍ ، كأننا دواجن ! 

- إخفض صوتك كيّ لا يسمعنا الحرس  

- إخبريني السبب ؟

الأم بحزن : قبل عشرين سنة ، أحتلّ الثريّ المغرور مدينتنا .. مقرّراً بناء قبّةً زجاجيّة مُعتمة تضمّ الأغنياء أمثاله ، بالإضافة لثلاثة انواعٍ آخرين 

- ومن هم ؟


الأم : هو يؤمن أن الثراء لا يأتي إلاّ من ثلاثة مصادر : التجارة والإختراعات والموهبة سواءً فنّية او رياضيّة .. لهذا جمع التجّار والعلماء والموهوبين في مدينته التي تتوفّر فيها كل مستلزمات الحياة المُرفّهة .. اما الموظفون فوضعهم في مدينته الحديديّة : وهي عبارة عن مبنى اسمنتي ضخم ، توجد في طوابقه العليا الإدارات الرسميّة ، بينما الطوابق السفلى لشقق الموظفين .. حيث مُنعوا الخروج من المبنى إلاّ بإذن المسؤولين التابعين للثريّ !

الولد : وماذا عنا ؟

- نحن العمّال والمزارعين ، تمّ نقلنا جبراً تحت تهديد السلاح لمدينةٍ بناها اسفل مبنى الموظفين ! ومنعنا الخروج إلاّ لخدمة المدينتيّن السابقتيّن

- وكيف لم يعترض احد على تقسيمه العنصريّ لشعبنا ؟!

الأم : هناك تعتيم إعلامي وسياسي لما حصل في مدينتنا الصغيرة .. حتى السوّاح والمغامرون لا يسمح لهم إلاّ باستكشاف المدينة الزجاجيّة ، او الذهبيّة كما لقبناها نحن الفقراء .. ويُمنع تصويرهم مدينة الموظفين او المدينة القانونيّة

- سكّان المدينة القانونيّة ليسوا افضل منا ، فنحن اولى العيش فوق الأرض من المجرمين الذي خُصّص لهم مبنى يُشابه مبنى الموظفين ؟! اساساً معظمنا مزارعين ، وحقولنا تحتاج لأشعة الشمس والمطر !

- هو استعان بعلمائه لنقل مزارعنا أسفل الأرض داخل مشاتلٍ صناعيّة ، وبسببها تغيّر طعم الفواكه والخضار عمّا كانت في طفولتي .. (ثم تنهّدت بضيق) .. اعاننا الله على الثريّ الظالم الذي يتفاخر ببنائه المدينة الفاضلة !

- هذه مدينةٌ عنصريّة يا امي ، وقريباً سنهدمها .. اعدك بذلك!! 

***


في المدينة الحديديّة (عمارة الموظفون) صرخ اب على ابنه اثناء عزفه مقطوعة موسيقية صعبة على البيانو :

- ابني ركّز قليلاً !! فغداً موعد امتحان المواهب.. وإن فشلت ، ستعلق مع والديّك في العمارة الكئيبة للأبد !!

ابنه بضيق : الا يوجد حلٌّ ثاني للإنتقال للقبّة الزجاجيّة إلاّ باتقاني العزف على البيانو ؟

- ابن عمك انتقل بعد تفوّقه بالرياضيات في المرحلة الثانويّة .. وابن جيراننا نجح باختراع لعبةٍ الكترونيّة لأبناء الأثرياء المُدلّلين .. فانتقلا معاً الى هناك ، وهما حالياً يساعدان اهلهما براتبهما المُجزّي .. وطالما لم تنجح بالألعاب الرياضيّة بجسمك النحيل ، فليس امامك سوى تطوير موهبتك الفنّية .. هيا بنيّ ، حاول من جديد 

***


وفي المدينة الرابعة والأخيرة المُسماة : المدينة القانونية التي فيها سجن المجرمين ، ودار المسنين والمعاقين ، بالإضافة لجيشيّن : احدهما مكوّن من الأيتام الذين ربّوهم منذ الصغر على أنهم روبوتات ، ودورهم حراسة المدن الأربعة .. اما الجيش المخصّص لقمع الثورات والتظاهرات فهو مكوّن من اعنف القتلة والمجرمين الخاضعين لأوامر الثريّ ، لحماية مدينته الزجاجيّة من الغوغائين (اهالي المدينة الفقراء) ! حيث تواجد كل نوعٍ منهم في طبقة مُخصّصة داخل مبنى ضخم ، قريب من عمارة الموظفين 

***


وذات يوم في مدينة المنبوذين ، تمّ استدعاء سبّاك لحلّ مشكلة بأحد شققّ الموظفين.. فأصرّ ابنه المراهق على مرافقته.. 

- بنيّ ، لن يسمح حرس الأيتام بصعودك الى فوق 

- اخبرهم بأني مساعدك .. اريد رؤية الشمس يا ابي ، اكاد اختنق من رائحة الرطوبة في مدينتنا المُقرفة

- لا تقلّ هذا عن مدينة الفقراء الطيبين .. هيا إحمل العدّة ، والحقني

^^^


في هذا الوقت ، استعدّ ابٌ فقير للصعود الى مدينة الأثرياء لإصلاح عشب ملعبهم الرياضيّ .. فأصرّ ابنه على مساعدته 

فصعدا معاً الى فوق .. وكانت المرة الأولى للصغير التي يرى فيها المدينة الذهبيّة من داخل القبّة الزجاجيّة المُعتمة !

***


اثناء انشغال الأب بتصليح مواسير المياه في مطبخ الموظف ، سمع ابنه عزفاً قادماً من إحدى الغرف ! فتوجه الى هناك ، ليجد صبيّاً يحاول جاهداً العزف على الكمان في غرفته التي تحوي آلة عزف الطبول .. فاستأذنه المراهق الفقير للسماح له بالعزف عليها..

فأجابه ابن الموظف : حاولت العزف على الطبول سابقاً ، لكني فشلت.. فاختار ابي الكمان ، لكني ايضاً اجد صعوبة باتقان نوتاته السريعة !

المراهق : طالما لا تحب العزف ، فلما تضغط على نفسك لتعلمها ؟!

ابن الموظف : جميع اولاد الموظفين مُجبرين على تعلّم موهبةٍ فنّية او رياضيّة او اختراع شيءٍ مُفيد للأثرياء ، لتتاح فرصة الإنتقال للقبّة الزجاجيّة في حال نجحنا في مسابقاتهم الشهريّة الصارمة .. 

الفقير بقهر : اما نحن فممنوع علينا الدراسة او الحصول على تدريباتٍ رياضيّة او حتى لمس الآلات الموسيقية ! ومع ذلك صنعت آلة الطبول من دلاءٍ فارغة مختلفة الحجم ، أتريد سماع عزفي ؟


وبالفعل تمكّن ابن السبّاك من العزف بمهارة على آلة الطبول ، مع دخول والد الصبي الى غرفة .. والذي اقترح عليه التقدّم لإمتحان القبّة الزجاجيّة الذي سيقام بعد يومين .. مما اسعد والد المراهق ، كونها فرصة نادرة لإنتقال ابن منبوذ للمدينة الذهبيّة (المُحرّمة عليهم)

***


في هذه الأثناء ، انشغل الأب المزارع بإصلاع عشب الملعب الضخم .. بينما تسلّى ابنه بإدخال الكرة (التي وجدها هناك) في المرمى بكل براعةٍ وإتقان ، رغم اعتياده اللعب مع اصحابه بكرةٍ مصنوعة من الجوارب الصوفيّة الممزّقة ! دون علمه بمراقبة مدرّب ابناء الأثرياء له من المدرّجات ، والذي اقترح التقدّم للمسابقة الشهريّة للإنضمام الى فريقه .. فعاد الصبي مع والده فرحيّن الى مدينتهما الفقيرة ، لأنها فرصة لا تعوّض!

***


وفي يوم الإمتحانات الشهريّة التي حضرها الثريّ وزملائه التجّار لقبول الموهوبين من مدينة الموظفين ، وضمّهم الى مدينتهم الزجاجيّة .. رفض قبول الولديّن الفقيريّن بعد رؤية الوشم على ايديهما .. وطلب من حرس الأيتام إعادتهما لمدينة المنبوذين ، مما اثار غضباً عارماً للفقراء الذين رفضوا هذه العنصريّة اتجاه ابنائهم المحرومين من ايّة فرصة لتحسين حياتهم .. خاصة انه في زمانهم : كانوا مشاهير الرياضة والفن من الطبقة الكادحة .. لهذا اتفقوا على إقامة ثورة ضدّ سكّان المدينة الذهبيّة 

***


وفي اليوم المحدّد .. صعد الأهالي من تحت الأرض بعد ضربهم حرّاس مدينتهم ، وبدأوا برشق المدينة الزجاجيّة بالحجارة والعصيّ.. مما أجبر الثريّ على إرسال جيش الوحوش (من القتلة المحترفين) لإيقافهم .. وحصل بينهم تشابك بالأيدي والعصيّ والقنابل الدخانيّة .. إلى ان تعرّف قائد الوحوش (الذي حُبس سابقاً ، لقتله موظفاً اهان عائلته) على صديقه القديم (قائد الثوّار).. فقرّر وقف الإشتباكات للإستماع الى شكوى الفقراء الذي ينتمي اليهم .. ولم يمضي الوقت حتى اقتنع بكلامهم ، ورفضهم العنصريّة ضدّ ابنائهم .. فأعلن إنضمام جيشه القويّ للثوّار ، والإنقلاب العسكري ضدّ الحاكم الظالم !


لهذا اضّطر الثريّ لإرسال جيش الأيتام لإيقافهم .. لكن جيش الوحوش كان اقوى منهم بكثير ، واستطاع محاصرتهم بالأسلحة التي يمتلكها.. أدّى بالنهاية لاستسلام قائد الأيتام لزعيم الوحوش الذي أصرّ على تحطيم القبّة الزجاجيّة فوق رؤوس الأثرياء العنصريين  


فلم يعد امام الثريّ إلاّ تهريب الأغنياء مع اموالهم عبر طريقٍ سرّي الى مطاره الشخصيّ ، ومنها الى العاصمة .. تاركين العلماء والموهوبين في المدينة الذهبية يواجهون غضب الثوّار .. وسرعان ما استسلموا لمطالبهم العادلة ، وقبول ضمّهم مع الموظفين الى مدينتهم المثاليّة (المليئة بالمحال التجاريّة الفخمة والمطاعم الراقية والجامعة التقنيّة الحديثة) .. كما وعدوا بمنح فرص التعلّم والتدرّب لأبناء الفقراء الذين أثبتوا خلال شهورٍ قليلة تفوّقهم ليس فقط بالرياضة والفنون ، بل ايضاً بالعلوم والمهن الحرفيّة ! 


وقد اثارت المدينة الغامضة فضول الصحفيين الذين اعلنوا عنها للعالم اجمع ، مطالبين برفع قضيّة قانونيّة ضدّ الثريّ الذي ظلم شعبه عشرين سنة !

^^^


وبنهاية السنة ، صدر الحكم القضائي بسجنه عشر سنوات .. لكن قبل القبض عليه ، وجدوه منتحراً في سفينته الفاخرة بطلقٍ ناريّ ! 

وبذلك أُغلقت القضيّة مع قرار إزالة الأوشام عن ايدي الفقراء والمحكومين ، وردم مدينة المنبوذين اسفل الأرض بعد نقل مزارعهم الى مدينتهم الجديدة التي ضمّت جميع الفئات والطبقات الإجتماعية بلا استثناءٍ او عنصريّةٍ حاقدة .. ليحتفل الشعب  باستحقاق المساواة أخيراً في مدينتهم الموحّدة العادلة !


الأحد، 24 نوفمبر 2024

العاشق المجنون

تأليف : امل شانوحة 

العرس المشؤوم


اثناء جلوس العروس على الكوشة وهي تراقب زوجها بفرح وهو يرقص مع اصحابه وسط القاعة ، إقترب منها صبي (ابن احد المعازيم) وبيده قصاصة ورق وهو يقول :

- طلب من رجل إعطاءها لك 

فقرأتها ، لتجدها تهديداً من خطيبها القديم : 

((انتظرك قرب دورة المياه .. إن تأخّرتي ، سأعاقب جميع المعازيم)) 


فانسحبت بهدوء لخارج القاعة (الموجودة بقبو أحد الفنادق) لعلمها بهوسه وجنونه !

وعندما وصلت اليه ، وجدته يضع قناع الأكسجين (كالذي يستخدمه رجال الأطفاء) وبيده قناعاً ثانياً أعطاها لها ، وهو يقول :

- إلبسيه حالاً ، ولا تسأليني عن السبب


فلم تعترض ، لخوفها منها ! وبعد ان لبسته ، سحبها من ذراعها بعنف باتجاه القاعة .. لتجد جميع المعازيم واقعين على الأرض دون حراك !

فصرخت في وجهه ، فزعة :

- هل قتلتهم يا مجنون ؟!!

فأجابها من خلف قناعه :

- لا ، هذا غاز منوّم سريع المفعول .. 

ثم دفعها لداخل القاعة :

- انت ستقرّرين من سيعيش منهم او يموت !! 


ثم رمى ولّاعته فوق اكواب الكحول (الموضوعة على الطاولة القريبة من باب القاعة) التي سرعان ما اشتعلت !

وهو يقول بلؤم :

- اراك في الجحيم يا حبيبتي !!

ثم أقفل باب القاعة من الخارج !


فحاولت جاهدة إبعاد المعازيم النائمين عن النار التي وصلت للستائر الحريريّة وأغطية الطاولات ! وهي تصرخ بعلوّ صوتها ، طلباً للنجدة .. 


لكن يبدو ان خطيبها المهووس دفع مالاً لموظفي الفندق ، حتى لا يقتربوا من القاعة السفليّة لأجل الخصوصيّة (كما أوهمهم) .. 

لهذا لم يسمع صراخها احد ، خاصة بعد تحكّمه بموسيقى القاعة التي رفعها لأعلى مستوى ، حتى كادت تُصمّ وهي تحاول انقاذ اهلها وعائلة عريسها .. كما اضطّرت لتمزيق ذيل فستانها وخلع حذائها ، لتتمكّن من جرّهم بعيداً عن النار .. 


لكنها لم تستطع سحب المعازيم البدناء والحوامل .. لذا حاولت إنقاذ الأطفال النائمين وعريسها ، بالإضافة لأمها التي كانت تسعل بقوة اثناء اغمائها بسبب مرض الربو ، مما اجبر ابنتها (العروس) على وضع قناع الأكسجين لها .. وهذا أفقدها الوعيّ بسبب دخان الحريق الذي امتلأت به القاعة الصغيرة !

***


لتستيقظ في منتصف الليل داخل شاليه خشبيّ على البحر ، وهي تنام فوق سريرٍ كبير ! وبصعوبة نهضت وهي تشعر بالدوّار .. لتجد خطيبها المجنون يخرج من الحمام وهو يلبس الشورت القصير .. مُخرجاً من الدرج ، فستاناً احمراً شفّاف وضعه امامها وهو يقول بدلال :

- هيا إلبسيه يا عروستي الجميلة 

فسألته برعب : مالذي حصل في قاعة العرس ؟!


فأضاء التلفاز على الأخبار التي تنقل مباشرةً ، محاولة اطفاء الحريق الذي شبّ في الطابق السفليّ للفندق بأكمله ! 

- اهلك واهل عريسك واصحابكما تفحّموا جميعاً 

العروس بصدمة : ماذا فعلت يا مجنون ؟!!

وانهارت ببكاءٍ مرير ..


فسألها بتهكّم : ولما انت حزينة ؟! على الأقل تمكّنت من انقاذك من الباب الخلفيّ للفندق .. ولن يعرف احد هويّتي بعد وضعي قناعاً صوفيّاً على وجهي ، وإزالتي للوحة سيارتي .. اما اذا كنت تسألين مكاننا الآن ؟ فنحن على شاطئٍ مُغلق على المصطافين ، بسبب امواجه الهائجة وتيّاراته العنيفة .. ومع ذلك استطعت إرشاء الحارس لوضع الشالية المُتنقّل هنا .. (ثم بدأ بسكب الخمر في كاسيّن) ..ولوّ فرضنا انك حاولتي الهرب ، فلن تتمكّني الخروج من الشاطئ المُغلق بالأسلاك الشائكة من كلا الطرفيّن .. ومهما صرختي ، لن يسمعك احد لعدم وجود طريقٍ مُسفلّت للسيارت قريباً من هنا .. 


العروس برعب : لما تفعل هذا بي ؟!

الخطيب : لأني احببتك بجنون 

- أهذا تصرّف انسانٌ عاقل ؟!

- لوّ عشتي طفولتي ، لأصبحتي شيطاني التوأم .. فأبي سكّيرٌ مقامر ، وامي خائنةٌ فاسقة .. بالتأكيد لن اصبح راهباً رزيناً ! 

- الحقّ عليّ !! كان عليّ سماع نصيحة زملائنا بالإبتعاد عنك ، لأنك غريب الأطوار

- وانا اخبرتك يوم فسخِك خطوبتنا : بأن من تدخل قلبي ، مستحيل ان تخرج منه إلاّ على قبرها !!


ثم أخرج سوطاً جلديّاً من الخزانة..

فسألته بخوف : ماذا ستفعل بي ؟!

فأخذ الفستان الأحمر ورماه في وجهها بلؤم : 

- إن لم تطيعيني ، سأظلّ أجلدك حتى أشوّهك تماماً .. هيا ، البسيه فوراً يا عروس


فحملت الفستان بيدٍ مُرتجفة ، ودخلت الحمام وهي تتمنى إيجاد طريقة للهرب من ذاك المهووس ..

ولأنها لاعبة باليه ، تمكّنت من حشر نفسها من نافذة الحمام الصغيرة للخروج للشاطئ المظلم 


وبدوره اقتحم الحمام ، لعدم ردّها على طرقاته بعد تأخّرها بالداخل !

وحين علم بهروبها .. أسرع للخزانة لإخراج كشّاف ضوء وسكين ، وهو يقول :

- يبدو لن تتعلّمي الأدب إلاّ بالعنف !!


وخرج بحثاً عنها على طول الشاطئ المهجور ، البعيد عشرات الكيلومترات عن اقرب منطقةٍ سكنيّة .. فهل ستتمكّن من الهرب ، ام ستلاقي مصير المعازيم المغدورين ؟!  


الجمعة، 22 نوفمبر 2024

الثقب الأسود

تأليف : امل شانوحة 

القدرات الخارقة


عاد الشباب الخمسة من رحلتهم الفضائيّة بعد تطوّعهم لاكتشاف المرّيخ ، عقب نجاحهم في مسابقة الناسا التي عرضتها على الطلّاب الجامعيين المُتفوّقين بالعلوم الفلكيّة


وفور هبوطّ مكّوكهم ، أخبروا الناسا بامتصاصّ الثقب الأسود لمركبتهم لبضعة دقائق ، قبل عودتهم للأرض !

لكن العلماء رفضوا تدوين ذلك بالتقرير ، واكتفوا بوجود تشويش بالإتصالات قبل لحظات من الهبوط .. كما منعوهم من ذكر ما حصل بالإعلام او للمحيطين بهم !

***


ويبدو ان دخولهم الثقب الأسود اعطاهم قدراتٍ خارقة ! 

وأول من لاحظ ذلك ، هو الشاب الأول الذي رأى في منامه : صبيّة تحترق في الفرن ! فظن انه كابوس 


وفي الصباح ، ذهب الى المتجر .. واثناء تبضّعه ، سمع صراخ فتاةٍ من الغرفة الداخليّة ، يبدو انها تتألّم بشدّة ! بينما تجمّد المتسوّقون وعمّال المتجر ، لعجزهم عن فهم ما حصل .. 

مما أجبر الشاب على اقتحام المخزن (الخاصّ بالعمّال) لإخراج الصبيّة التي كانت تحترق داخل الفرن الكهربائي الذي انغلق عليها اثناء تنظيفه !

ثم قام بسكب جالونات الماء (الموجودة بالمخزن) فوقها ، لتخفيف آلام حرقها .. وهو ينادي بعلوّ صوته ، طلباً للمساعدة !! 

وسرعان ما قدم العمّال الذين انصدموا برؤيّة الموظفة الجديدة مُحترقة من الدرجة الثانية ! في الوقت الذي كان فيه الشاب يتواصل مع الإسعاف.. 


وما ان وصل الفريق الطبّي ، حتى خرج من المتجر وهو مازال مُنصدماً من تحققّ كابوسه ! لكنه أقنع نفسه أنها صدفة لن تتكرّر ثانيةً 

***


اما الشاب الثاني : فشاهد في منامه ارقاماً ظلّ يُكرّرها حتى بعد استيقاظه ، كأنها علقت في ذاكرته ! 

وفي طريقه الى الجامعة ، شاهد رجلاً في الشارع يبيع اوراق اليانصيب .. فخطر بباله اختيار ذات الأرقام التي شاهدها في الحلم 


ولم يعلم بفوزه بالجائزة الكبرى إلاّ في اليوم التالي ، بعد رؤية ارقامه تُعرض على شاشة القناة الوطنيّة ! 

فسارع الى مكان الحفل ، لنيل الجائزة 

***


اما الشاب الثالث : فكان مُحبّاً للرياضة .. واثناء مشاهدته لمباراة فريقه ، تساءل باستغراب : 

- الم اشاهد هذه المباراة من قبل ؟! 

ثم نظر للتاريخ :

- انها تُعرض الآن ، على الهواء مباشرةً .. لكني متأكّد ان فريقي سيخسر بهدفين مقابل واحد !

وبالفعل انتهت المباراة بذات النتيجة ، دون استيعابه ما حصل !

***


اما الشاب الرابع : فكان ينتظر القطار في المحطّة.. وعندما دخل ، وجد رجلاً يقف عند الباب ، رغم الكراسي الفارغة ! 

وعندما دخلت سيدة وهي تحمل حقيبةً ضخمة .. شعر الشاب بأن الرجل ينوي سرقة الحقيبة ، والهرب من باب القطار قبل ثواني من انغلاقه .. وكأنه شاهد الجريمة من قبل !


وبالفعل إختطف الرجل الحقيبة .. لكن الشاب تمكّن من سحبها منه ، ودفعه بقدمه للخارج .. ليسقط السارق من القطار بعد انغلاق الباب .. ثم اعاد الحقيبة للسيدة ، وسط تصفيق الركّاب على شجاعته !

***


اما الشاب الخامس والأخير : واثناء عودته الى منزله ، رأى اعلاناً لطفلةٍ مفقودة مُعلّقة على شجرة .. فأخذ يتمعّن بصورة الطفلة (الشبه واضحة) وهو يتساءل باستغراب :

- عندما مرّرت قرب الحديقة العامة ، رأيت طفلة تشبهها هناك ! سأعود لأرى ان كانت ما زالت تلعب مع الصغار ..


وصوّر الإعلان ، للإتصال بأهل الطفلة في حال وجدها 

^^^


عندما وصل للحديقة ، وجدها فارغة ! فجلس على الكرسي المواجه لألعاب الأطفال ، وهو ينظر لصورة الطفلة التي التقطها بجواله :

- احلف انني رأيتها من قبل !  


وإذّ بها تلوّح له من فوق الزحليقة !

- يا الهي ! الم تكن الحديقة خالية قبل دقائق ؟ من اين ظهرت فجأة ؟!


وقبل توجّهه نحوها.. شاهد رجلاً عجوزاً يناديها لأخذ الحلوى ! 

فتجمّد الشاب وهو يراقب ما يحصل من بعيد .. 

وما ان اكلت الصغيرة الحلوى ، حتى سقطت مغشيّاً عليها .. فسارع العجوز بحملها .. وقطع الشارع ، مُتوجهاً للغابة القريبة .. فلحقه الشاب ، ليراه يفتح باباً سرّياً في ارضيّة الغابة ، وينزل بالطفلة النائمة الى هناك ! 

فحاول الشاب الإتصال بالشرطة ، لكنه لم يجد ارسالاً في المنطقة .. فأخرج خنجراً صغيراً من جيبه ، واستجمع قواه للنزول الى مخبأ العجوز السرّي .. 


وعندما نزل .. صُدم برؤية هيكلٍ عظميّ لطفلة ، بأسمال فستانها الممزّق التي كانت تلبسه في الحديقة !

- مستحيل ان تكون تحلّلت بهذه السرعة ، وكأن الجريمة حصلت منذ اعوام !

 

وهنا تذكّر قِدَم الإعلان ، حتى انه بالكاد استطاع رؤية صورة البنت بوضوح .. ففتح جوّاله لقراءة تاريخ الإختطاف ، فإذّ هو قبل اربع سنوات!

فلم يفهم كيف رأى تفاصيل جريمة حصلت في الماضي !

وابتعد عن الحديقة لإلتقاط الإرسال لجوّاله .. ثم اتصل بالشرطة لإخبارهم بمواصفات الخاطف العجوز ومكان الجثة .. 


وعندما تجمّعوا هناك .. راقبهم الشاب من بعيد ، وهو حزين على والدايّ الطفلة اللذين انهارا بعد رؤية جثة ابنتهما الضائعة ! 

ولم يقترب من الشرطة خوفاً من التحقيق معه ، بكونه المتهم !


ثم عاد الشاب الى منزله وهو مُشتّت التفكير ، لعدم وجود تفسير منطقي لما حصل !

***


الوحيد الذي انتبه على غرابة تلك الأحداث : هو الشاب الذي يرى الحوادث قبل وقوعها ، بعد إنقاذه ولداً فور وقوعه من الشرفة .. كما ازال جوالاً من جيب مراهق قبل ثواني من انفجاره .. وأنقذ امرأة من ملاحقة النحل لها ، بإدخالها سيارته قبل وصولهم اليها .. وقد تمكّن زوجها (الذي يعمل في شرطة المرور) من كشف ارقام سيارة البطل .. واتصل به لشكره على إنقاذها من الموت ، لأن لديها حساسيّة النحل  

لكن الزوجة لم تكتفي بشكره لفظيّاً ، بل تواصلت مع مذيعةٍ مشهورة لطلب حضوره الى برنامجها ، وشكره امام الجمهور ! 

^^^


وعندما عُرضت الحلقة مباشرةً على القناة المحلّية ، تواصل عدّة اشخاص مع المذيعة لشكر البطل الذي انقذهم ايضاً ! 

مما جعل المذيعة تسأله باستغراب :

- كيف تمكّنت من انقاذهم جميعاً ؟! فكاميرا المول صوّرتك وانت تنقذ الطفلة قبل ان تعلق رجلها تماماً بالسلّم الكهربائي .. وكاميرا الشارع صوّرتك وانت تُبعد الولد عن السيارة المسرعة.. عدا عن الفتاة التي احترقت بالفرن ، وغيرها كثيرون .. فهل حدسك قويّ لهذه الدرجة ؟!


فأخبرها بشكوكه عن اكتسابه قدراتٍ خارقة بعد رحلته الى الفضاء ، دون ذكر الثقب الأسود بسبب تحذيرات الناسا الصارمة له ورفاقه من وصول الخبر للإعلام

^^^


وما عُرض في الحلقة ، جعلت صحفيّاً فضوليّاً يتقصّى الحقائق عن بقيّة الشباب (روّاد الرحلة الفضائيّة الغامضة) ليكتشف ان الشاب الثاني : ربح اليانصيب في عدّة ولاياتٍ امريكيّة ، مما جعله ثريّاً بوقتٍ قصير ! والثالث : ساعد الشرطة في القبض على مجموعة من المجرمين والمشبوهين ، مُدّعياً رؤية جرائمهم قبل حصولها في مناماته ! عدا عن اكتشاف الشاب الرابع لمصير العديد من المفقودين .. اما الأخير : فنجح برهاناته على الكثير من المباريات ، خصوصاً سباق الخيل .. 

ولا يمكن ان تكون جميع مواهبهم الغريبة مجرّد مصادفاتٍ فرديّة ! ومع ذلك أصرّ الشباب على كتمان ما حصل في رحلتهم الفضائيّة ..

***


بعد تخلّصهم من ملاحقات الصحفي البغيض .. إجتمعوا في منزل احدهم ، لمناقشة ما حصل لهم في الشهرين الماضيين : 

- كنت اظن انني الوحيد الذي امتلك قدراتٍ خارقة ؟!

- يبدو ان الثقب الأسود جعلنا نطّلع على احداثٍ مستقبليّة ، كأنه غيّر التوقيت داخل عقولنا !

- صحيح ، فأنا ارى الأرقام الرابحة باليانصيب بكل وضوح !

- وانا اعرف الفريق الرابح بجميع المباريات

- وانا ارى الحوادث قبل وقوعها

- وانا اشاهد الجرائم قبل حدوثها

- وانا اكتشفت العديد من اماكن المفقودين ، واتصلت بالشرطة لإعطائهم المعلومات ، دون ذكر اسمي .. ولوّ عرفوني ، لاتهموني باختطافهم جميعاً !

- هل علينا إخبار الناسا بما حصل ؟

- اخاف ان يجعلونا فئران تجارب 

- برأيّ علينا الهرب من الإعلام قدر المستطاع

- وكيف نفعل ، بعد نشرهم صوّرنا في جميع وسائل التواصل الإجتماعي ؟

- كلّه بسببك !! ما كان عليك ذكر الرحلة الفضائيّة للمذيعة المشهورة

- ظلّت تضغط عليّ لمعرفة قدرتي بانقاذ الضحايا قبل وقوع حوادثهم ، ولم تصدّق رؤيتي لهم بالمنام او حدسي القويّ ! فلم اجد نفسي إلاّ وانا اذكر الرحلة الملعونة !! 

- وما العمل الآن ؟ 

- انا لم يعد يهمّني ما سيحصل ، بعد أن منعوني الإشتراك باليانصيب طوال حياتي !

- وانا ايضاً مُنعت من المراهنة على الفرق الرياضيّة .. ومع ذلك كسبت الكثير من المال ، ويمكنني مساعدتكم بمنع الجرائم ووقف الحوادث المميتة

- أتعني أن علينا تكوين فرقة لإحقاق العدالة ؟

- ربما الثقب الأسود اعطانا هذه المهمّة 

- تقصد العدالة السماويّة ؟ 

- الله اعلم .. هآ ما رأيكم ؟

- حسناً لننقذ الضحايا ونحن نضع القناع على وجوهنا ، كيّ لا تصوّرنا كاميرات المراقبة 

- إتفقنا اذاً !!

***


ورغم تنكّرهم المُتقن ، إلاّ أن ذلك لم ينفعهم كثيراً ! بعد مشاهدة زعيم عصابة لحلقتهم المميزة في تلفاز السجن ، عقب قيام احدهم بكشف مخزنه السرّي للمخدرات ، وإبلاغ الشرطة عنه .. وللإنتقام منهم ، إتصل بقاتلٍ محترف لحلّ المشكلة قبل كشفهم جميع الألغاز البوليسيّة ، وسجن المزيد من رفاقه المجرمين !

***


ولم تمضي اسابيع ، حتى فُجع المجتمع بموت الأبطال الخمسة رمياً بالرصاص بظروفٍ غامضة بعد انقاذهم العديد من الأبرياء ! 


مما احزن الناسا التي كانت تلاحقهم ، لإجراء المزيد من التجارب عليهم ..ولهذا السبب عرضت مسابقة جديدة على الطلّاب المتفوقين لاكتشاف الفضاء ، مُخفيةً عليهم نيّتها بتوجيه مكّوكهم مباشرةً نحو الثقب الأسود .. على امل دراسة قدراتهم الخارقة بعد عودتهم للأرض .. دون إدراك العلماء بأن المغامرين العشرة سيعودون بقدراتٍ معاكسة شريرة ، ستساهم بإفناء البشريّة بأسوء الطرق الوحشيّة التي حصلت بالتاريخ ! 


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

المنطقة المستهدفة

تأليف : امل شانوحة 

التفجير العشوائي


في ذلك العصر ، قرّر حسين النوم بعد عودته من العمل .. واستيقظ بعد ساعة على رنين جوّاله .. ليجد إعلاناً من اسرائيل على إستهداف محيط عمارته ، لاشتباههم بوجود صواريخ للمقاومة قريبة منها !


فنهض من فراشه مُرتعباً ، وهو يدرك انه لا يملك وقتاً كافياً لأخذ ما يريد ! فاكتفى بحقيبة ظهرٍ وضع فيها : اوراقه الرسميّة وشهاداته ، وبعض العملات النقديّة ، وصورة والديّه المتوفيّن..


ثم اسرع للشرفة ، مُحرّراً جميع عصافيره التي رعاها منذ صغرها.. 

ثم ودّع أسماكه بحوضه الكبير في الصالة ، بعينين دامعتيّن :

- اعتذر منكم ، لا يمكنني إنقاذكم


ثم حمل قطّته النائمة ..وأسرع بنزول الأدراج ، خوفاً من تعطّل كهرباء المصعد .. ليجد سيارته الوحيدة في الموقف ، التي قادها مُبتعداً عن مكان الإستهداف 

***


والغريب لم يكن هناك زحام في الشارع ، فقد وصل سريعاً للجسر المُطلّ على المجمّع السكني الذي فيه مبناه القديم ! 

ووقف قرب السّور وهو يحمل قطته ، مُراقباً عمارته من بعيد بحزنٍ وقهر 


وبعد دقائق.. دوّى انفجارٌ ضخم ، مُحدثاً اهتزازاً عنيفاً تسبّب بانهيار ثلاثة مباني من المجمّع السكني ، بما فيها عمارته .. ومع الركام المُتناثر ، مرّ شريط حياته امام عينيه .. ففي تلك العمارة القديمة عاش طفولته وشبابه ، وفيها توفيّ والديّه اللذيّن تركا الشقة إرثاً له .. وهاهي تختفي مع كل ذكرياته واحلامه ومستقبله !


ثم نظر لقطته التي راقبت الحدث معه بصمت ، بعد ان أخافها صوت الإنفجار الضخم !

حسين بحزن : تُرى هل تمكّنت من إنقاذ عصافيري ؟ فقلبهم الرقيق لن يتحمّل الإنفجار الضخم ، اليس كذلك يا بوسي ؟


وإذّ بأحد طيوره الزرقاء يقف على كتفه !

حسين باستغراب : يا الهي ! فرفور ، أهذا انت ؟!

فحاول العصفور التغريد ، رغم انفاسه المُتسارعة من الحادثة المرعبة !  

فأخذ يمسح ريشه بحنان ، لتهدئة روعه..

- اعلم ان الصاروخ ارعبك كثيراً ، لكني سعيد بنجاتك انت وبوسي 

وأخذهما الى سيارته الذي تساءل داخلها : 

- لا ادري الى اين اذهب ! فمعظم اقاربي هاجروا للعراق وإفريقيا.. (ثم ادار المحرّك).. حسناً لأبحث عن ملجأ ، قبل حلول المساء 

***


وفي طريقه لأحد المدارس التي فتحوها للنازحين ، شعر بنعاسٍ شديد مع غروب الشمس ! 

- يبدو انني مازلت مُتعباً ! سأغفو قليلاً ، قبل إكمال بحثي عن مكانٍ يأويني 


ثم نظر لبوسي :

- اعرف انك جائعة ، لكن حاولي ان لا تأكلي فرفور.. فغداً أوفّر لكما الطعام او أُطلق سراحكما ، والله يتكفّل بمصيركما ! 

ثم مسح رأس قطته التي استلقت في حضنه :  

- قبل شهور أنقذتك من قطٍّ شرس ، وأسكنتك بيتي .. والآن اعيش معك في الشارع .. يالها من حياةٍ بائسة ! 

ثم أرجع مقعده للخلف ، ونام مهموماً !

***


ليستيقظ في كهفٍ مُعتم ، امام شعلة النار !

حسين بصدمة : اين انا ؟!


وإذّ بصبيّةٍ جميلة تتوجّه نحوه ، وهي تحمل صينيّة مليئة باللحم والفواكه .. يرافقها صبيّ صغير يحمل ابريق الماء ! وهي تقول بابتسامة :

- لا تخفّ ، انت بأمان في بيتي

حسين بقلق : هل هذا حلم ؟!

- لا .. انا بوسي ، وهذا فرفور.. (وأشارت للصبيّ) 

حسين بخوف : لا افهم شيئاً !

- كنت جنّية فضوليّة ، اردّت اكتشاف عالمكم .. فخرجت بهيئة قطّة .. ولم امشي بضعة خطوات ، حتى تفاجأت بقطٍّ شرس لاحقني من شارعٍ لآخر ! لولا إنقاذك لي ، وأخذي الى منزلك الجميل .. والآن أردّ لك الديّن  

- تقصدين انني في عالم الجن ؟!

بوسي : نعم ، وتحديداً تحت عمارتك المُهدّمة


حسين بارتباك : قصتك صعبة التصديق !.. ماذا عنه ؟  

وأشار الى الصبيّ الذي اجابه : 

- انا ايضاً جني ، من عمّار البيت.. سكنت مع اهلي في زوايا منزلكم ، منذ ان اشتراه والدك قبل زواجه .. وكبرت معك .. لكني ملّلت البقاء في سقف منزلكم ، لهذا تجسّدت احد طيورك الجميلة 

حسين : الآن فهمت لما عصافيري تموت خلال شهرين ، ما عداك ! فأنت معي منذ سنتيّن تقريباً ! 

فرفور : سنتيّن وثلاثة اشهر .. لهذا انا الوحيد الذي نجوّت من الإنفجار ، بعد موت اهلي وأقاربي المتواجدين بشقق العمارات الثلاثة المُهدّمة

بوسي : ليت الأمر توقف عند هذا الحدّ .. فالعديد من العمّار (قبيلة من الجنّ) ماتوا في هذه الحرب العبثيّة ، لسرعة إنهيار المباني قبل هربهم منها ! لكن ارواحهم عادت الى هنا .. يمكنك النظر بنفسك


فخرج حسين من الكهف ، ليجد اسفل منه وادٍ سحيق مليء بالنسور! 

بوسي : ألقيت تعويذة اثناء نومك لتراهم بهيئة طير ، فأنت لن تتحمّل شكل الجن المرعب .. حتى انا سأظلّ صبيةً فاتنة ، الى ان تتعوّد على حياتنا

حسين بقلق : ولما صوت النسور عالي ، كأنها تنوي على الشرّ ؟! 

فرفور : همّ يخطّطون للإنتقام من العدوّ الذي دمّر منازلهم في عالم البشر 

حسين بتهكّم : وهل ستتمكّن الجن من محاربة اسرائيل بصورايخها المُدمّرة؟!

بوسي : لا تستهين بقوتنا .. (ثم قرّبت الصينيّة منه).. كلّ طعامك !! فأنت ستبقى في ضيافتي ، لحين تنفيذ إنتقامنا بالعدوّ .. حينها تقرّر مصيرك

***


واعتكف حسين في الكهف ، خوفاً من الجن المتواجدين في الوادي المظلم اسفل منه! 

الى أن اتى يوم ، قدمت فيه بوسي وهي تحمل مذياعاً قديماً :

- حسين استيقظ !! 

- ماذا هناك ؟! 

- إسمع الخبر بنفسك .. لقد انتقمنا لكم ، بدل الدول العربيّة التي تنام في سباتٍ عميق


فسمع الخبر بالمذياع : عن خسفٍ كبير حصل تحت مدرّج الطيران العسكري الإسرائيلي ، ادّى لاختفاء عشرات الطيّارات والمسيّرات غالية الثمن .. وفي المقابل لم يُرجّح الكيان الصهيوني ان يكون بفعلٍ ارهابيّ ، بسبب الخسف الذي يمتدّ لكيلومتريّن اسفل الأرض !


حسين بارتياح : أهذا يعني انتهاء الحرب على لبنان ؟!

بوسي : وعلى الدول المجاورة ، فهم يحتاجون وقتاً طويلاً لتعويض خسائرهم الماديّة ..

- إذاً أعيديني الى فوق ، فقد اشتقت لنور الشمس

- يمكنك العودة كقطّ او طير فقط

حسين بقلق : لم افهم قصدك !

بوسي : هل تظن نفسك حيّاً لترانا ؟

- ماذا تعنين ؟!

- بسبب نومك تلك الليلة ، كنت آخر من تلقّى إنذار التفجير بعد هروب جميع جيرانك.. ألم تلاحظ هدوء المبنى اثناء نزولك الأدراج ، عدا عن الموقف الخالي من سياراتهم ؟ 

حسين بقلق : وضّحي أكثر !

بوسي : بسبب تأخّرك بالهرب ، لم تتمكّن الخروج من المبنى الذي انهار فوقك .. لكني استطعت نقل روحك بمساعدة فرفور الى هنا ، قبل صعودها للسماء مع الضحايا الذين توفّوا ذلك العصر ! 


حسين بخوف : يعني انا الآن حيّ ام ميت ؟! 

- الموت عادةً يتأخّر في عالمنا .. فلوّ قرّرت البقاء هنا ، ستعيش قرن او قرنين ، وربما اكثر .. وإن أصرّيت على العودة لعالمك ، فهذا سيتوقف على عمرك كقطّ او طير ! 

حسين : بالتأكيد لن ابقى في هذه العتمة للأبد ، اكاد اموت من الملّل داخل الكهف 

- عالمنا كبيرٌ جداً ، ويمتدّ آلاف الكيلومترات اسفل عالمكم .. فإن وافقت على البقاء هنا .. سأهديك عينيّ القطط ، لترى في الظلام دون الحاجة لشعلات النار .. كما سأطلب من فرفور إهدائك جناحيّن ، لتطير كما تشاء داخل عالمنا .. وبذلك تتمكّن من استكشاف الأنفاق البشريّة والأخاديد الحجريّة ، كما سراديب المقاومين 

- وهل استطيع مساعدتهم في الحرب ؟ 

- لا طبعاً ، فأنت روحٌ خفيّة .. 


مقاطعاً : تقصدين شبح ؟ 

- بالتأكيد لن تصبح جنّياً ، فنحن في بُعدٍ كونيّ مختلف عن البشر 

حسين بحزم : اذاً أقرّر العودة الى بلدي كقطّ شوارع !! 

- كما تشاء .. لكني لن اجازف بخسارتك تحت وطأة الصواريخ ، لهذا ستصعد فور هدوء الوضع .. (ثم سكتت قليلاً).. رغم إحتماليّة ان تعاني بلادك من أزمةٍ اقتصاديّة بعد انتهاء الحرب ، حينها سيكون صعباً إيجاد من يتكفّل بك ويرعاك .. 

حسين مقاطعاً : انا مصرّ على قراري !!

- حسناً اهدأ ، ستتحرّر قريباً .. الى ذلك الحين ، يمكنك اكتشاف عالمنا منذ هذه اللحظة 


وألقت تعويذة عليه .. جعلته يمتلك عيوناً خارقة وجناحيّن ، حلّق بهما بحريّة اسفل بلدٍ لم يعرف الحرّية مُطلقا !


الجمعة، 15 نوفمبر 2024

الجريمة الوحشيّة

تأليف : امل شانوحة 

الإتصال المخيف 


صوت طفلة : مرحبا

موظف خدمة الطوارئ : انت تتصلين بالشرطة ، يا صغيرة 

- امي وابي واخي الكبير لايستيقظون !

- ماذا تقصدين ؟

- بطانيّاتهم مُلطّخة بلونٍ احمر ، أظنها دماء ! انا خائفةٌ جداً

- رجاءً لا تبكي .. إخبريني بإسمك ؟

- ديانا

- وكم عمرك ؟

- ثماني سنوات

- وكم عمر اخيك ؟

- هو مراهق ، أظنه تعدّى 16 .. لا ادري بالضبط

- هل يوجد احدٌ غيرك في المنزل استطيع التحدّث معه ؟

- لا ، انا وحدي هنا.. وقد حاولت إيقاظهم ، لكنهم لم يتحرّكوا رغم صراخي بعلوّ صوتي .. لحظة ، سأكشف الغطاء عن ابي 

وفجأة ! سمع موظف الطوارئ صراخها المرعب :

- تكلّمي يا ديانا !! ماذا حصل ؟

فردّت بصوتٍ مرتجف ، وهي منهارة بالبكاء :

- وجه ابي مُشوّهاً تماماً !!

- إهدأي رجاءً .. الشرطة في طريقها اليك ..لا تقفلي الخط ، إبقي معي

^^^


وبعد دقائق .. سمع الموظف صوت افراد الشرطة وهم يقتحمون المنزل ، بعد كسرهم الباب الخارجيّ المُقفل بإحكام ! ليجدوا الفتاة ترتجف رعباً امام جثث اهلها الذين قتلوا بالرصاص .. بينما الأب مطعوناً في وجهه ورقبته ، بالإضافة لرصاصة في خاصرته !


وتمّ نقل ديانا الى مركز الشرطة ، للتحقيق بمجريّات الجريمة الغامضة لعدم عثورهم على سلاح الجريمة الذي يبدو انه كاتم الصوت ، لعدم سماع الجيران او ديانا طلقات الرصاص اثناء نومها داخل خزانة غرفتها !

***


وفي المركز ، سألها المحقّق :

- ولما تنامين داخل خزانة ملابسك ؟! 

فأجابت ديانا وهي تمسح دموعها : حلمت بكابوسٍ مخيف ، واختبأت بالخزانة .. ويبدو انني غفوت هناك !

- ولما لم تذهبي لغرفة والديك ، طالما ارعبك الكابوس ؟

- كنت اذهب اليهما سابقاً .. لكن ابي منعني ، لأنني ايقظه دائماً .. وهو لديه عملٌ في الصباح  

المحقق : واثناء نومك بالخزانة ، الم تسمعي صوت رصاص ؟

- لا

- ولا صراخ اهلك ؟

- لا

المحقق : ولم تسمعي اصوات غريبة ؟

- مثل ماذا ؟!

- صوت لصّ يقتحم المنزل ؟

ديانا : لم استيقظ إلاّ صباحاً ، بعد تأخّري عن المدرسة !


ثم انهارت بالبكاء ، وهي تسأله :

- هل ماتوا جميعاً ؟!!

المحقق : للأسف نعم

- وماذا سيحصل لي ؟

- علمنا ان لديك عمّ .. فهو قدِمَ للمركز قبل قليل ، بعد أن اخبروه الجيران بوجود سيارات شرطة قرب منزل والدك

ديانا : وهل سأرافقه الى منزله ؟

- ليس قبل سؤالنا عنه .. الى ذلك الحين ، ستذهبين مع الإخصّائيّة الإجتماعيّة

- هل ستضعونني في الميتم ؟!

المحقق : لوقتٍ قصير ، لحين بتّ المحكمة في امرك

- وهل ستمسكوا القاتل ؟

- نحن نعمل على ذلك ، يا صغيرتي

***


ورغم مرور الوقت إلاّ أن فريق البحث الجنائي لم يجدوا بصماتٍ غريبة في غرف القتلى ! كما لا أثر لاقتحام المنزل ، رغم شكّ المحقّق بالعم الذي رفع قضيّة ضدّ اخيه في بداية السنة ، للحصول على نصيبه من ميراث والده الذي كتب كل املاكه بإسم ابنه الكبير (والد ديانا) ..لكن كاميرا الشارع القريبة من منزله ، تُثبت بقائه هناك طوال ليلة الجريمة ! 

كما لم تقترب سيارة غريبة من منزل ديانا ليلاً ، حسب الكاميرا الخارجيّة للمتجر المقابل لهم ، مما يزيد الأمر تعقيداً !

***


بعد اسبوعين .. تمّ القبض على رجلٍ حاول خطف ديانا من الميتم ، لولا صراخ الفتاة (التي بجانب سريرها) بعد رؤيتها للرجل الملثّم وهو يحمل ديانا (بعد تخديرها) مما ايقظ بقيّة الأولاد .. وهذا ارعب الخاطف الذي حاول القفز من فوق سور الميتم .. ليسقط بقوّة على الأرض ، ويكسر قدمه!

***


وبعد التحقيق معه .. إعترف بأن العم دفع ثمن الخطف ، كيّ لا تبقى في الميتم بعد رفض المحكمة حضانته ، عقب شهادة زملائه بإدمانه القمار ! مما زاد شكّ المحقّق على إنه قاتل اخيه .. للحصول على الميراث ، ودفع ديون القمار التي تراكمت عليه.. لكن طالما هو مديون ، فلما يريد زيادة مسؤوليّاته بتبنّي ابنة أخيه ؟! 


وبعد رفض العم الإجابة على تساؤلات المحقّق ، كثّف الأخير بحثه : ليعلم بأن الجد خصّص قصره لحفيدته المفضّلة التي ستحصل عليه بعد بلوغها سن ١٨.. وربما لهذا لم تُقتل مع بقيّة عائلتها ، مما يؤكّد تورّط العم بالجريمة .. والذي تمّ توقيفه على ذمّة التحقيق ، ليوم المحاكمة

***


وفي المحكمة .. رفض العم عقوبة السجن لعشرين سنة بتهمة قتل اخيه وعائلته ، صارخاً باعتراض :

- حاسبوني فقط على محاولة خطف ديانا من الميتم .. فهي من قتلت عائلتها ، وليس انا !!

لتقف ديانا وهي تقول :

- انت من علّمتني إستخدام السلاح الذي أعطيتني ايّاه لارتكاب الجريمة !!


وجاء كلامها صادماً لكل من تواجد بقاعة المحكمة ، بمن فيهم موظف خدمة الطوارئ الذي كان ينوي تبنّيها مع زوجته العقيمة (بعد ان أشفق على حالتها من يوم اتصالها به) 

 

وبسبب ذلك ، أجّل القاضي الحكم النهائي لحين إكمال التحقيقات مع المجرمة الصغيرة التي اعترفت بقتلها اهلها بسبب كرهها لهم ، بعد رفضهم ان يكون لديها حبيب كبقيّة زميلاتها ! 

(فديانا من عائلةٍ عربيّة تعيش في الغربة ، لهذا يرفضون تقليدها للعادات الغربيّة)


اما العم : فاعترف بشجاره مع اخيه لنيل حصّته من الميراث ، بعد رفض والدهما توريثه ، عقب معرفته بتورّطه بالقمار.. 

واثناء خروجه من منزل اخيه غاضباً (بعد طرده) سمع ديانا تُحدّث صديقتها بالجوّال في الحديقة : وهي تتمنّى موت عائلتها للحصول على حرّيتها ! 


فصار يقابلها بعد المدرسة ، ويهديها الألعاب والحلويات ..الى أن أحبّت عمها الذي وعدها بالعيش معه ، وإعطائها الحرّية المُطلقة بعد موت اهلها! 


كما شجّعها على الهرب من المدرسة ، لتدريبها بالغابة على استخدام السلاح (كاتم الصوت) الذي عليها التخلّص منه بعد انتهاء الجريمة ، عن طريق رميّه في البئر المهجور الموجود خلف منزلهم (وقد فعلت ذلك بعد خروجها من باب المطبخ ، لهذا لم تظهر في كاميرا المتجر المواجهة لحديقتهم الأماميّة) 

ثم أخبرها العم بضرورة إعادة قفل الباب من الداخل ، والإتصال بالشرطة ..مُدّعيةً نومها بالخزانة ، وعدم سماعها صراخهم !

^^^


وفي التحقيقات .. أخبرت خادمة المنزل (التي تأتي يوماً واحداً بالإسبوع) عن وجود كاميرا في المطبخ ، لمراقبة السيدة عملها .. 

ولم يكن الفريق الجنائي على علم بوجودها ! وبعد النظر للشريط يوم الجريمة : ظهرت ديانا وهي تُسرع بسحب سكين المطبخ الكبير ، واضعةً القفّازات الصوفيّة بيديها ! .. كما أظهر وقت خروجها بالسلاح من باب المطبخ ، وعودتها للمنزل بعد ربع ساعة من دونه! 


لتعترف لاحقاً ، بأن الرصاص انتهى قبل موت والدها التي أجهزت عليه بطعنه في وجهه ورقبته حتى الموت !

***


بنهاية الشهر .. حُوكم العم بتهمة التحريض على القتل ، وإعطائه السلاح لطفلة ..والذي وجدوه لاحقاً بقعر البئر الجافّ ! 


بينما حُوكمت الطفلة ببقائها في مستشفى الأمراض العقليّة .. على ان تُعالج بشكلٍ مُكثّف من قِبل اطبّاء أكفّاء ، وتحت حراسةٍ مُشدّدة .. 

فإن شُفيّت بعد بلوغها ، تُنقل لمجتمعٍ آخر بهويّةٍ مُغايرة .. وإلاّ ستبقى مع المجانين لأجلٍ غير مُسمّى ، بسبب وحشيّة جريمتها التي هزّت المجتمع الغربي بأكمله ! 


الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

توبة فنّان

تأليف : امل شانوحة 

القطّ الموهوب


جلس عازف بيانو مشهور في حديقة فيلّته بعد قرار إعتزاله ، عقب موت زوجته وولده بحادث سير .. فهو يلوم نفسه على انشغاله الدائم بإحياء حفلاتٍ في عدّة الدول ، مُهملاً عائلته التي خسرها للأبد .. لهذا قرّر التوبة ، سماعاً لنصيحة امه المُتديّنة التي تدعو في صلاتها : بأن يفتح الله له باب رزقٍ حلال


واثناء جلوسه في الحديقة ، شاهد قطّة بيضاء حامل تنظر اليه من بعيد ! فصار يشكو اليها همّه ، بيأسٍ وحزن  : 

- البيانو هو كل شيءٍ أتقنه في الحياة .. فماذا أعمل دون امتلاكي شهادةٍ جامعيّة ، وكرهي للوظائف الروتينيّة ؟! 

فاقتربت منه ببطء ، كأنها تعاني من ولادةٍ مُتعسّرة .. لتجيبه بصوتٍ انثويّ مُرهق :

- خذني لطبيبٍ بيطريّ ، وسأدلّك على ابواب رزقٍ كثيرة


وكاد يُغمى عليه بعد سماع صوتها ! وأسرع هارباً لداخل فيلّته ، مُقفلاً الباب الخارجيّ وهو يرتجف خوفاً.. مُتسائلاً في نفسه :

((هل كانت جنيّة ؟! .. هل ستؤذينني لاحقاً ؟!))


وبعد دقائق .. سمع مواءً متواصلاً ! فعرف بولادتها وهي تعاني من آلامٍ حادّة .. قبل اختفاء صوتها تماماً ! 

فنظر من النافذة ، ليراها مُستلقيّة دون حِراك .. وامامها هرٌّ أسودٌ صغير ، يحاول الرضاعة منها !


فخرج بحذر لرؤية ما حصل.. ومن منظر عينيها المفتوحتيّن ، ولسانها خارج فمها عرف بوفاتها .. ويبدو ان القطّ الأسود هو الوحيد الذي أنجبته من بين صغارها الذين علقوا بداخلها !


فأسرع بدفنها ، خوفاً ان تلاحقه روحها الشريرة .. وكادّ يدفن ابنها حيّاً ، إلاّ ان منظره الجائع أحزنه كثيراً .. فذهب لمتجرٍ قريب ، لشراء رضّاعة صغيرة خاصّة بالحيوانات .. وملأها بالحليب الذي شربها القطّ بنهمّ لشدّة جوعه !  

ومن يومها صار يعتني به ، كونه يبدو كقطٍ عاديّ

***


بعد سنة .. اوشك العازف على عرض فلّته للبيع عقب إفلاسه ، بعد فشله بإيجاد عملٍ آخر !

وبينما هو يكتب إعلانه في موقعٍ مُخصّصٍ بالإنترنت (على جوّاله) سمع لحناً غريباً من الصالة ! 

فذهب الى هناك ، ليجد القطّ يلعب فوق مفاتيح البيانو .. فقال له ، مبتسماً :

- أتدري انك عزفت مقدّمة لحنٍ رائعة ! هل يمكنك إعادتها من جديد؟! 


وإذّ بالقطّ يقفز على ذات المفاتيح العشرة ، مُظهراً إفتتاحيّة معزوفةٍ فريدةٍ من نوعها بلحنٍ غامضٍ ومخيف بعض الشيء ... وعلى الفور استطاع العازف إكمال اللحن ببراعة ، وكأن النوتة تُعزف كاملةً في اذنه ! 


وبعد إنهائها ، التفتّ للقطّ الذي جلس فوق المكتب الذي بجانبه :

- هذا اللحن سيُعيد لي شهرتي .. ليتني سجّلته ، لأني نسيت بعض مقاطعه 


ليجد القطّ يرمي الجوّال على الأرض (الذي كان موضوعاً بجانب البيانو)

العازف مُعاتباً : الم أمنعك اللعب فيه ؟!! 


ثم نظر للجهاز ، ليرى برنامج التسجيل الصوتي مفتوحاً ! 

فأعاد ما سجلّه القطّ عن طريق الصدفة ، ليجد اللحن موجوداً بالكامل!

فحضن القطّ ، وهو يمسح على رأسه بحنان :

- احسنت !! سجّلت المعزوفة التي ألفّت مقدّمتها بنفسك ! انت بالفعل قطٌ موهوب ، وانا محظوظ بوجودك معي 


ثم سارع بالإتصال بمنتجه القديم الذي تفاجأ برغبته العودة للسّاحة الفنّية ، بعد ان فشل لشهورٍ عدّة بإقناعه ذلك !


وسرعان ما انتشر اللحن الغامض في كل مكان ! جعل المنتج يطالبه بلحنٍ جديد ، مما اربك الفنّان الذي لا يعلم ان كان باستطاعته تأليف معزوفة بنفس جودّة اللحن الغامض 

***


وقد حاول على مدى اسبوعين ، تأليف معزوفة جديدة دون جدوى ! 

وعندما رأى القطّ الأسود يحوم حوله ، حمله ووضعه فوق البيانو..

- هل بإمكانك تأليف مقدّمة لحنٍ جديد ؟ .. هيا رجاءً !! أقفز على مفاتيح البيانو .. وانا سأغمض عينيّ ، مُتخيّلاً بقيّة المعزوفة


وبالفعل قفز على عشرة مفاتيح بطريقةٍ شبه إحترافيّة ! جعلت الفنان يُكمل اللحن حتى النهاية.. وعندما فتح عينيّه بعد إندماجه بالعزف ، قال بضيق :

- يا الهي ! نسيت للمرّة الثانية تسجيل اللحن

فإذّ بالقطّ يلعب بجوّاله !  

الفنان بصدمة : لا ! لا تقلّ انك سجّلته مجدّداً


وبالفعل كان برنامج التسجيل مُضاءً ، واللحن موجوداً بالكامل !

فنظر للقطّ برعب :

- هل انت جني كأمك ؟! .. (ثم حمله ، وهو يصرخ عليه غاضباً).. هيا أجبني ، ايها اللعين !!!!

لكن القطّ تصرّف كأيّ قطٍ عادي !

الفنان : آسف لصراخي عليك ، فتصرّفاتك الغريبة تُرعبني بالفعل ! 

ثم مسح رأسه بلطف :

- حسناً ايها القطّ الموهوب ، لنؤلّف معاً اجمل الألحان ..لكني لن أُخبر احداً عنك ، كيّ لا يخطفوك مني او يعدّونني مجنوناً .. إتفقنا !!

***


وبسبب الحان القطّ الغريبة .. عاد للسّاحة الفنيّة بقوّة ، بالحانٍ مُغايرة عمّا اعتاد تأليفه في الماضي ، والتي تميّزت برومنسيّةٍ ناعمة تناسب المطاعم والحفلات الكلاسيكيّة .. أمّا هذه المرّة فألحانه اتسمت بالغرابة والرعب ، لتُعجب جميع الأعمار خصوصاً المراهقين !


وعودته للفن ضايقت والدته الصالحة كثيراً ، والتي أعلنت تبرّؤها منه .. وأمرته بعدم زيارة قبرها وحضور عزائها ! 

وهذا ما حصل فعلاً ، بعد منع الأقارب حضور دفنها حسب وصيّتها ! مما احزنه كثيراً ، جعله مع الوقت يُدمن القمار والخمور والنساء الرخيصات بعد خسارته عائلته اولاً ، ثم رضا امه ! 


وكلما زادت شهرته ، زاد فسوقه وعربدته .. الى ان خسر كل شيء بالقمار حتى فلّته ! كما خسر جمهوره بعد شتمه شخصيّةً مُحبّبة سياسيّة في مقابلةٍ تلفزيونيّة ، جعلت الجميع يقاطع حفلاته ! 

***


وفي إحدى الليالي الباردة .. وأثناء شربه الخمر في الحديقة المُطلّة على فلّته بالشارع المقابل ، قال في نفسه بحزن :

((كلامك صحيح يا امي ، فنهاية الفن عذابٌ في الدنيا والآخرة ! ليتني التزمت بتوبتي ، كما وعدّتك))


وهنا قفز على قدميه ، قطّه الاسود الذي لم يره منذ اسابيع ! 

فأخذ يربت عليه بشوقٍ كبير :

- إشتقت اليك ، يا قطيّ الموهوب !! انت الوحيد الذي بقيّت مُخلصاً لي ، بعد ان تخلّى الجميع عني ! ما رأيك لوّ نؤلّف لحناً جديداً ينشلنا من فقرنا المُدقع .. لكني احتاج الى بيانو آخر بعد بيع آلتي مع فيلتي المفروشة .. لكن لا تقلق ، يوجد العديد من المطاعم التي لديها بيانو .. سنعزف عليه ، لإثارة حماس الجمهور من جديد.. وإن اردّت ، أُخبر الجميع بأنها الحانك .. ستكون قصة غريبة ، تزيد من شهرتنا .. هآ ، ما رأيك ؟


ليجد القطّ يرفع يده ويضعها على صدر الفنان الذي سقط من كرسي الحديقة فوق العشب ، وهو يشعر بضيقٍ شديد في التنفّس ! ليقترب القطّ من وجهه ، وهو يقول:

- كلّها الحاني !! فأنا من جعلتك تسمع بقيّة المعزوفة في اذنك بوضوح ، لتظن انك ألّفتها بنفسك بعد حركاتي العشوائيّة على مفاتيح البيانو ، ايها الفاشل !!

فتلعثم الفنان برعب ، وهو يشعر بشللٍ مُفاجئ بأطرافه : 

- انت جني كأمك ؟!


القط : لا !! انا نصفي شيطان بعد زواجها من ابي الذي حوّلها لقطة ، عقاباً على محاولتها الهرب من عالمه المخيف.. فهي ليست شريرةً مثله .. وكانت ستساعدك بالفعل لإيجاد وظيفةٍ حلال ، لوّ ساعدتها بولادتها المُتعسّرة.. أتدري لما كانت مُتعسّرة ؟ لأني قتلت جميع اخوتي الذين يشبهوننا داخل بطنها .. لأخرج وحدي ، بعد تأكّدي من ان النزيف سيقضي عليها.. وهآ انا نجحت بإعادتك لطريق الضلال.. حتى كلامك عن السياسي الذي قضى على مسيرتك الفنيّة حصل بعد تجسّدي لسانك ، لإنتهاء دوري معك .. امّا لماذا تكلّمت الليلة بعد سنوات من تمثيلي دور القطّة ؟ فهو بسبب قرب أجلك ، فملك الموت ينزل من السماء باتجاهك الآن ..وقريباً سيصل اليك ، لأخذ روحك


فحاول الفنّان بصعوبة رفع اصبعه للتشهّد الأخير ، رغم الشللّ الذي أصاب جسمه.. ليُفاجأ بالقطّ يعضّ اصبعه .. ثم الجلوس على وجهه ، لكتم انفه وفمه ، ومنعه من نطق الشهادة .. ولم يبتعد عنه ، حتى تأكّد من موته ! 


ثم وقف القطّ قرب الشجرة ، قائلاً بفخر : 

- الآن سأعود لعالم الشياطين ، لإخبار ابي بإنجازي .. علّه ينسبني اليه بعد اثبات إختلافي عن طباع امي البريئة ، وشبهي الكبير به


وفجأة ! اختفى من الحديقة .. تاركاً جثّة الفنّان التي سيجدها عامل النظافة غداً ، ليصبح موته المُشين حديث الناس والصحافة ، كمثالٍ لسوء الخاتمة !


الأحد، 10 نوفمبر 2024

الجزيرة المخفية

تأليف : امل شانوحة 

الإتفاقيّة المرعبة


نجا بعض المسافرين من غرق سفينتهم في الخليج العربي .. وأخذوا يجذّفون بقوة في قوارب الطوارئ المطاطيّة ، لتخطّي الأمواج الهائجة.. لا شيء يُضيء مسارهم في تلك الليلة المظلمة الباردة ، سوى نور القمر !


وكانوا مجموعة من الرجال والنساء مع اطفالهم ، لا يتعدّى عددهم العشرين شخصاً.. وعندما وصلوا لجزيرةٍ صغيرة ، أشعل أحدهم (باستخدام ولاّعته) الحشائش واوراق الشجر التي وضعوها قرب الشاطىء لتدفئتهم


بينما قام شبابهم الثلاثة باستكشاف المكان ، بعد أن وعدوا اهلهم بعدم الإبتعاد كثيراً عن المجموعة.. وحملوا شعلات النار ، للبحث عن أناسٍ آخرين يسكون الجزيرة المجهولة

^^^


ليعودوا بعد ساعة وهم يهلّلون فرحاً بعد اكتشافهم منزلاً خشبيّاً ضخماً ، مبني فوق شجرةً عملاقة وسط الغابة ! كما وجدوا كهفاً عميقاً في جوف هضبةٍ مرتفعة ، لكنهم أجّلوا اكتشافه للصباح .. خاصة بعد اشتمامهم رائحة شواء ، وخروج دخانها من فتحة الكهف ! ممّا يؤكّد وجود بشرٍ غيرهم على الجزيرة دون معرفة جنسيّتهم او لغتهم او عددهم ، وإن كانوا مسالمين او يكرهون الغرباء .. لكنهم حتماً سيلتقون بهم اثناء تواجدهم على الجزيرة 


واستلقى الشباب قرب النار للإستراحة بعد إنتهاء مهمّتهم .. بينما حاول رجلان إصطياد السمك القريب من الشاطىء برمحيّهما ، بعد أن سنّا طرف غصنيّن طويليّن بحجرٍ حادّ.. لكنهما فشلا بذلك !


ورغم جوعهم وخوفهم من وجود حيواناتٍ مفترسة قريبةٍ منهم ، إلاّ انهم لم يتجرّأوا على النوم في كوخ الشجرة الذي أكّد شبابهم أنه مهجور ، خوفاً ان يكون ملكاً لأحد القبائل الهمجيّة على الجزيرة ! لذلك فضّلوا النوم قرب شعلة النار حتى الصباح

^^^


وقبل غفوهم بقليل ، تفاجأوا بثلاثة رجال بزيّهم البدائيّ يقتربون منهم ! إثنين منهم يحملون سيخاً فيه لحمٌ مشويّ .. 

حيث نظر الناجون اليهم برعب ، بسبب هيئتهم الغريبة : بشعورهم وذقنهم الطويلة ، وقصر طولهم وجسمهم المُشعرّ ! 

وقد طلب الزعيم من حارسيّه ، وضع اللحم امام الناجين .. ويبدو الوحيد الذي يتحدّث العربيّة بلغةٍ رقيقة ، قائلاً وهو يُشير للذبيحة المشويّة : 

- هذا ترحيبنا بوجودكم على جزيرتنا.. آمل ان يعجبكم الطعام .. بالهناء والعافية


فسأله احد الناجين عن بيت الشجرة .. فأجاب الزعيم :

- لم نعدّ نستخدمه بعد انتقالنا لكهف الهضبة ، فهو عميق بالداخل ويوفّر الدفء لأفراد قبيلتي .. فالجوّ لطيفٌ الآن في فصل الخريف ، لكن شتاء الجزيرة قارصٌ للغاية .. إن أردتّم ، يمكنكم الإنتقال لكوخ الشجرة .. (ثم نظر للسماء وهو يرفع اصبعه لمعرفة الطقس).. فهو سيحميكم من المطر الذي سيهطل خلال اليومين القادمين ..


ثم ابتعد الزعيم مع أحد رجاله .. تاركاً حارسه الآخر يقف بعيداً عن الناجين ، كأنه ينتظر شيئاً ! 


وما ان ابتعدا .. حتى هجم الناجون على اللحم ، رغم ملوحته الزائدة! 

^^^


بعد إنتهائهم من الطعام .. تفاجأوا بالرجل الثالث يقترب منهم لأخذ العظام ، والذي صعد به نحو كهف الهضبة !

فتساءل احد الناجين بقلق : لما جمع العظام ؟ هل يستخدمونه في السحر والشعوذة ؟! 


وهنا وقف مراهق (الذي امتنع عن الطعام بعد لقمته الثالثة) وبدأ بعدّ الناجين فور ابتعاد الحارس المريب عن الشاطئ :

- 19 ! .. كنت متأكداً ان هناك نقص في عددنا !!

- من تقصد ؟

فرفع سنّاً نحوهم ، وهو يقول فزعاً :

- وجدته باللحم ، وهو ضرسٌ بشريّ .. من المؤكّد انهم ذبحوا أحدنا ، وقاموا بشوائه .. لكني لا أتذكّر من هو المفقود ؟!


وقد أفزعهم حديثه ! وصار كل واحدٍ يتفحّص البقيّة ، لمعرفة الضائع بينهم 

الى ان قال ولدٌ صغير : 

- عرفته !! الصبيّ الحزين الذي كان معنا ، فهو غير موجودٍ الآن !

امه : من تقصد ، بنيّ ؟

- الولد الذي غرقت عائلته بالسفينة ، والذي لم يتحدّث مع احد منذ قفزه الى إحدى قواربنا المطاطيّة  

- ربما ضاع اليتيم في الغابة ، دعونا نبحث عنه

المراهق بعصبية : بل أكلتموه جميعاً !! فأثناء انشغالكم بالوليمة ، راقبت الرجال الثلاثة .. وجميعهم لا ظلال لهم ، رغم سطوع نور القمر وشعلة النار ! 

رجل : لا اصدّق انه كانت لحماً بشريّاً

المراهق : الم تتساءلوا لما هو مالحٌ هكذا ؟ هذا ما قاله سفّاحٌ امريكيّ أكل ضحاياه : بأن اللحم البشري مالحٌ بعض الشيء ! 


فانهارت إحدى النساء خوفاً : علينا الهرب من هنا فوراً ، لا أريد ان نعلق مع قبيلةٍ همجيّة تأكل البشر !

وهنا صرخ ولدٌ قائلاً :  

- هناك نورٌ في البحر !!


فالتفت الجميع للجهة التي أشار اليها.. فإذّ بسفينةٍ تمرّ على مقربة من الشاطئ ! فأسرعوا بحمل اوراق الشجر المُشتعلة ، ولوّحوا بها وهم يصرخون بكل قوتهم.. لكن السفينة أكملت طريقها دون رؤيتهم ! وعلى الفور دبّ اليأس في نفوسهم ، كونهم ضحايا مُحتملين للقبيلة المتوحشة  

***


وفي الأيام التالية .. فشل الناجون ببناء سفينةٍ خشبيّة من اغصان الشجر ، بعد تحطّمها بالأحجار المُسنّنة القريبة من الشطّ بفعل الأمواج القويّة ! 

كما مرّت عدّة سفن كبيرة وصغيرة دون سماع صراخهم صباحاً ، او رؤية شعلاتهم الناريّة مساءً ! 

^^^


وبعد اشتداد البرد بنهاية الإسبوع الثاني (الّلذان مرّا دون رؤيتهم أحدٍ من افراد القبيلة المجهولة) اضّطروا للإنتقال لبيت الشجرة ، عقب هجوم ذئبٍ ضخم (خرج من الغابة) لافتراس أحد الناجين (من كبار السن) الذي كان نائماً وحده ، ظهراً قرب الشاطئ .. مما أصاب النساء بانهيارٍ عصبيّ ، بينما بكى الأولاد لوقتٍ طويل بعد ان ارعبهم مقتله الوحشيّ .. ونام الجميع بصعوبة فوق الشجرة بعد يومهم العصيب !

***


وفي مساء اليوم التالي.. سمعوا من اسفل الشجرة ، صراخ زعيم القبيلة وهو يلومهم على تركهم إحدى نسائهم تقتحم كهفهم مع ولدها .. وعقاباً لها ، أحرقوها حتى الموت .. بينما أجبروا ابنها على خدمتهم لآخر يومٍ في حياته ! 


ثم اشار الزعيم بإصبعه مُهدّداً : اما انتم !! فسيكون عقابكم .. 

فقاطعه قائد المجموعة (الناجون) : 

- ابنها مُصاب بمرضٍ يجعله لا يتحمّل الشمس .. وهي اعتادت عصب عينيه بقماشةٍ سوداء طوال النهار ، لحمايته من الضوء .. لكن ظهر البارحة هجم ذئب على عجوزٍ منا ، وقتله بوحشيّة .. فأزال الصبيّ عصابته ، لفهم ما حصل بعد سماعه صراخنا .. فأحرقت الشمس إحدى عينيه ، ولم يهدأ بكائه المتألّم طوال ليلة امس .. ويبدو انها ذهبت فجراً الى كهفكم المظلم ، لحماية ابنها الذي رفض لبس العصابة من جديد .. ونفّذت قرارها اثناء نومنا ، فلا تأكلونا بخطئِها المتهوّر ! .. رجاء !!

الزعيم بدهشة : آه ! يبدو انكم عرفتم سرّنا.. لكننا بالحقيقة لسنا قبيلة آكليّ البشر

فسأله بخوف : ومن انتم ؟!  

الزعيم : ستعرفون حالاً !!


وصفّق بيديه ، ليظهر رجال ونساء واطفال قبيلته من تحت الأرض .. حتى أوشك الناجون على الإغماء من المشهد المرعب ! خاصة بعد ظهورهم بأشكالهم الحقيقيّة : كأقزام بأرجل تشبه الماعز والأحصنة ، واجسام مُشعرّة وقرونٍ طويلة !

الزعيم : نحن الشياطين المسؤولين عن حماية الذهب الذي يحضره الجن ، بعد سرقتهم للكنور البشريّة المدفونة بأرجاء العالم ..والتي نستخدمها كمكافئات للمشعوذين البشريين او لقادتكم الفاسدين ، او اجور للجن الذين نجحوا بمهمّاتهم الصعبة .. كما هناك معلومة لا تعرفونها : فأنتم عالقون في جزيرةٍ مخفيّة بعد إلقائنا تعويذةً قويّة على طول الشاطئ ، تمنع السفن من رؤيتكم.. فهي غير موجودة على الخارطة ، ولا تظهر على اجهزتكم الإلكترونيّة السخيفة .. ومع هذا نُفاجأ من وقتٍ لآخر بناجين امثالكم ، او بعض المغامرين التافهين ! 

- وماذا تفعلون بهم ؟


الزعيم : نقتلهم في حال لم ينفّذوا الإتفاقية

- ايّة إتفاقيّة ؟!

الزعيم : ان نتقاسم الجزيرة بيننا ، لكم النهار ولنا الليل.. لهذا يُمنع على اطفالكم اللعب بعد غروب الشمس ، كيّ لا يضايقنا صراخهم وضحكاتهم المزعجة 

- ومالشرط الثاني ؟

الزعيم : لكم الحرّية باصطياد الحيوانات البرّية .. بشرط !! اللحم لكم ، والعظام لنا فهو طعامنا المفضّل 

- وما شرطكم الثالث ؟

الزعيم : أخبرتكم به سابقاً .. يُمنع منعاً باتاً الإقتراب من كهفنا المليء بالذهب ، وإلاّ مصيركم الموت.. (وأخذ يصفّ الذهب والمجوهرات في كهفه بإسهاب ، قبل ان يقول ).. والآن نوماً هانئاً!!


واختفى مع قبيلته اسفل الأرض !

 

ورغم رعب ما سمعوه (بعد تأكيد زعيم الشياطين ببقائهم على الجزيرة لنهاية عمرهم) إلاّ انهم حاولوا إقناع نفسهم بشروطه العادلة ! دون علمهم بأن حديثه عن كهفه الذهبيّ أثار حماس الشباب الثلاثة الذين سهروا ليلتهم وهم يخطّطون لسرقة بعض الكنوز الذهبيّة في النهار ، خلال نوم الشياطين! 

***


ليُفجع الأهالي في صباح اليوم الثاني .. بعودة أحد الشباب (الضائعين ليومٍ كامل) بعد رجوعه باكياً لكوخ الشجرة ..وثيابه مليئة بالدماء ، بعد ان علق هو وزملائه بالأسر .. فهم لم يعلموا بوجود حارسيّن نهاريين للكهف من الجن ، والذين امسكوا بهم .. ليقوم الشياطين بضربهم طوال الليل داخل زنانينهم الحديديّة ، ادّى لموت شابيّن .. بينما هرب الثالث الذي كان محظوظاً بعد قيام الخادم البشري (الولد المريض) بإخراجه من السجن !

^^^


حتى عندما سأل الحرس (الشياطين) الأهالي عن الشاب الهارب (اسفل شجرتهم) انكروا رؤيته بعد ان خبّأه والده داخل جزع الشجرة المُجوّف ، والذي كتم بكائه بعد سماعه بمصير الولد البطل الذي انقذه .. بعد قرار الشياطين بشوائه حيّاً كأمه ، لخيانته العهد معهم !

*** 


في الأسابيع التالية .. بنى الناجون سفينةً اخرى في محاولة اخيرة للهرب من الجزيرة الملعونة ، مُستغلّين نوم الشياطين في النهار (فهم لا يخرجون من كهفهم الا مساءً) 


وهذه المرّة ، نجحوا في اجتياز الأمواج العاتية القريبة من الشاطئ .. ليصلوا اخيراً الى منتصف البحر الهادئ ، مُبتعدين عن جزيرة الشياطين الذين سيتفاجأون بهروبهم بعد استيقاظهم مساءً .. 


وهلّلوا فرحين لنجاتهم من الموت للمرّة الثانية ، رغم وجودهم في بحرٍ لا نهاية له .. ومع إحتمال كبير بأن لا تكفيهم الفواكه التي قطفوها من الغابة ، والماء الذي جمعوه من الشلّال (داخل قشور جوز الهند) لحين مصادفتهم سفينةً تنقذهم ، او يصلوا لشطّ دولةٍ ما ! ومع ذلك كانوا سعداء ، لابتعادهم عن قبيلة الشياطين المرعبة.. 

وقد اتفقوا على عدم إخبار احد بالجزيرة المخفيّة ، كيّ لا يموت المزيد من المغامرين او تلاحقهم ارواح الشياطين الى بيوتهم ! 

^^^


وعند غروب الشمس .. غفى الجميع في سفينتهم الخشبيّة بعد انتهاء الأزمة ، ماعدا المراهقة التي كتمت سرّها طوال الشهرين الفائتيّن (مدّة بقائهم على الجزيرة) عمّا حصل معها بعد ساعة من وصولهم للجزيرة .. حين تعرّفت على شاب وسيم في الغابة ، وبدأت بينهما علاقةً سرّية .. دون علمها بأنه احد الشياطين الذي تمثّل لها كبشري (مُدّعياً انه مغامر قديم) والذي تحجّج بانطوائيّته ، لهذا رفض التعرّف على الناجين الآخرين ! 

^^^


وقريباً سيتم إنقاذ المراهقة مع الباقين من قِبل سفينة نقل ، تنقلهم الى دولتهم .. لتصل الفتاة الى منزلها وهي حامل بطفلٍ نصفه شيطان .. 

ليس هذا فحسب ، بل سيكون مُشوّهاً بعينٍ واحدة .. وسيكبر ليصبح بلاءً عليها وعلى البشريّة جمعاء ، بعد أن يُعرفه الجميع بإسم : الأعور الدجّال !


العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...