تأليف : امل شانوحة
العمارة المسكونة
ضجّ ملجأ العمارة (من ستة طوابق) بالسكّان الغاضبين ، بعد حضور مالك المبنى لإجتماعٍ طارئ بخصوص الأحداث المرعبة التي حصلت داخل المصعد !
المالك بصوتٍ عالي : لن أفهمكم بهذه الطريقة ، ليتكلّم كل واحدٍ على حدة!!
فوقف المستأجر العجوز قائلاً :
- في بداية الشهر .. عندما دخلت المصعد .. صعد بشكلٍ سريع للطابق الأخير الذي أسكن فيه .. ثم توقف قبل لحظات من ارتطامه بسطح المبنى ! وكدّتُ أُصاب بنوبةٍ قلبيّة ، عدا عن تلويث ملابسي من شدّة الرعب.. مما أحرجني امام أحفادي !
اما الجارّ الثاني : فاشتكى بأن ابنه علق بالمصعد بعد عودته من المدرسة ، مما سيؤثّر على نفسيّته طوال حياته .. خاصة بعد انطفاء أنواره لساعتين دون سماع أحد صراخه ، كأن ابواب المصعد كاتمةً للصوت !
اما الجارة الصبيّة : فكانت أشد غضباً بسبب المصعد الذي صعد ونزل بشكلٍ عشوائيّ ، أدّى لإسقاط جنينها الأول .. حيث طالبت المالك بتعويضٍ ماديّ عن الضررّ النفسي الذي تعرّضت له
بينما قصة الجارّ الشاب ، ارعبت الجميع : بعد تأكيده رؤية ذات الولد (تسع سنوات) ينظر اليه من الفتحة الزجاجيّة للمصعد اكثر من مرة .. حيث يستحيل تواجده في كل الطوابق بنفس الوقت ، وتنقّله على السلالم بهذه السرعة !
بينما أصرّت سيدة بملاحقتها من قبل شخصٍ مُقنّعٍ قصير القامة اثناء نزولها بالمصعد بعد ركضه بسرعةٍ خياليّة على الأدراج ، وهو يتوّعد بقتلها .. مُحاولاً فتح باب المصعد (المُتحرّك) في كل طابق .. مما ارعبها كثيراً ، جعلها تركض كالمجنونة لخارج المبنى !
ثم وقف مراهق ، وهو يقول غاضباً :
- ما حصل معي ، اسوء منكم جميعاً !! فقد أُغلق باب المصعد على قدمي التي كُسرت بعد ان سحبتها بقوّة من فتحة بابه الحديديّ ، قبل ثواني من وصول المصعد للطابق الثاني ..وإلاّ لكانت بُترت ، لأصبح معاقاً طوال حياتي !
صبيّة : اما انا !! فقد انطفأ نور المصعد اثناء صعودي الى منزلي .. حينها ظهرت شموعٌ مُضاءة على أرضيّته على شكل نجمة المشعوذين ! وعندما التفتّ لمرآة المصعد ، تغيّر شكلي لشبح ولدٍ بعينين بيضاويّن ووجهٍ شاحبٍ مخيف ! وقد وجدني ابي مُغمى عليّ داخل المصعد الذي لن اصعد فيه ثانيةً مهما حصل !!
رجل ستينيّ : اما انا !! فأحسسّت بضبابيّة في عينايّ .. وحين أعدّت نظارتي بعد مسحها ، تحوّل لمصعدٍ قديم أوصلني للطابق العاشر الغير موجود في مبنانا ! ففتحت بابه اليدويّ النحاسيّ ، لأرى ردهةً مظلمة بسجادٍ مُهترئ تبدو كأنها ممرّ في فندقٍ مهجور ! فعدّت للمصعد ، وانا أضغطّ باستمرار على ازراره القديمة برعبٍ شديد .. الى أن اعادني للأسفل ، بعد سماعي موسيقى كلاسيكيّة تُعزف في إحدى غرف الفندق المجهول ! وقد أفزعني الحادث ، لدرجة استخدامي السلالم رغم وجود شقتي بالطابق الخامس مع كبر سني
فتنهّد المالك بضيق : يبدو عليّ إغلاق المصعد نهائيّاً
الجار العجوز : لا داعي لإغلاقه ، فقط غيّره
المالك : هذا ثالث مصعد أغيّره ، بعد خسارتي سكّان المبنى طوال السنوات الماضية
الشاب : ومالسبب ؟!
المالك : قبل اعوام .. وبعد تركيبه لأوّل مرة ، اثناء إعمار المبنى .. إختبأ احد الأولاد داخله خلال لعبه الغميّضة مع اصحابه ، في الشارع القريب من العمارة .. ويبدو انه علق بالداخل ، لأن المصعد لم يكن موصولاً بعد بالكهرباء ! ولم يعثر العمّال عليه ، إلاّ بعد تحلّل جثته ! ويبدو ان روحه تنتقم من سكّان عمارتي في كل مرّة ، ولا اعرف متى سيهدأ غضبه !
السيدة بقلق : وما الحلّ ؟!
المالك : إستخدموا السلالم هذه الفترة ، لحين بناء مصعدٍ آخر بمكانٍ مختلف من المبنى .. اما المصعد المسكون ، فسأغلقه نهائيّاً
***
وبالفعل استخدموا الأدراج مُرغمين .. مما أتعب سكّان الطوابق العليا الذين فضّلوا ترك العمارة ، خاصة لوجود اطفال وكبار السن في عائلاتهم ..
لكن الشبح الغاضب لم يترك بقيّة السكّان في حالهم ، بعد انزلاق اكثر من جارّ على السلالم .. وهم يحلفون بوجود مادةٍ زلقة عليه ، إختفت بعد سقوطهم وتكسّر اطرافهم!
اما الأولاد (من سكّان العمارة) فأكّدوا باستبدال السلالم بزحليقةٍ طويلة أوصلتهم للاسفل ، مما أسعدهم كثيراً .. لكنها اختفت بعد عودتهم من المدرسة !
بينما حلفت الجارة العجوز انها لم تجد الأدراج من الأساس ، بل فتحة عميقة الى آخر طابق ، مما أفزعها كثيراً !
وبسبب تلك الأحداث المتكرّرة ، ذاع صيت أن المبنى مسكون بروحٍ شريرة ! مما ادّى لإخلاء السكّان لشققهم .. ليصبح بعد شهور ، مبناً مهجوراً بسبب روح الولد الغاضبة الذي مات ببطءٍ شديد داخل المصعد المظلم .. لكن يبدو ان انتقامه لم ينتهي بعد !
***
فبعد عام من إغلاق المبنى بالشمع الأحمر من قبل البلديّة ، زار المالك عمارته وهو يتأملّ شققها المهجورة من الخارج بحزنٍ شديد .. فهو بناها بكل ما جمعه من اموال طوال حياته !
وقبل قيادة سيارته مُبتعداً ، سمع صوت امه تناديه من مدخل العمارة!
ودون وعيٍّ منه ، أزاح الشريط الأصفر الخاصّ بالشرطة (التي وضعته حول المبنى المهجور بعد إصابة عدّة مُغامرين بكسور ، اثناء محاولتهم اكتشاف المصعد المسكون) ليتفاجأ بأمه داخل المصعد وهي تشير بالصعود معها الى فوق !
فإذا به يدخل المصعد طواعيةً .. لينغلق الباب عليه ، مع انطفاء الأنوار .. وسرعان ما بدأ المصعد بالتأرجح صعوداً ونزولاً بسرعةٍ مخيفة .. ليصرخ المالك برعبٍ شديد :
- رجاءً لا تقتلني !!
وفجأة ! ظهر إنعكاس شبح الولد في مرآة المصعد بوجهه الشاحب ، وهو يحمل الكرة ..قائلاً بحنق :
- أبسبب كسر كرتي للزجاج ، تقتلني ايها اللعين !!
- لم يكن مجرّد زجاح مصفوف خارج المبنى .. فعمّالي كانوا سيركّبونها في إحدى الشقق .. وبسببك ، خسرت ثمانية نوافذ !
الشبح : أكان سبباً كافياً لحبسي داخل المصعد المُعطّل ؟!
المالك : لم يكن مُعطّلاً ، بل حديث التركيب
- الا يكفي انك حبستني في مصعدٍ ضيّقٍ ومظلم ، تركتني ايضاً لأسبوعين كاملين ؟!
- كنت أنوي تأديبك ، بحبسك لساعةٍ واحدة .. لحين عودة العمّال من فرصة الغداء ، والذين حتماً سيخرجونك بعد سماع صراخك .. ما كان يدريني ان العدوّ سيبدأ الحرب ، وقصف الأماكن القريبة من عمارتي قبل عودتهم !
الشبح : الم يصلك خبر تعطّل اعمال البناء في عمارتك بعد سفرك للقرية ؟
فتنهّد المالك بضيق ، وهو يتذكّر الماضي :
- بعد حبسك بدقائق ، وصلني خبر وفاة امي .. فأسرعت بقيادة سيارتي للقرية ، للحاق بالدفن .. ونسيتك تماماً طوال فترة العزاء .. وبعد ايام إتصلت بالمقاول الذي أخبرني عن توقف العمل بالعمارة لحين انتهاء الحرب .. ولم أستطع سؤاله عنك ، لأن هذا سيفضحني ويورّطني مع القضاء !
الشبح بعصبيّة : ولم يكفيك انتظارك لنهاية الإسبوع الثاني لحين فتحهم الطرقات ، واكتشاف جثتي المُحلّلة .. بل وكذبت ايضاً على الشرطة : برؤيتي ألعب الغميّضة مع اصدقائي قرب مبناك ، واحتمال انني اختبأت داخل مصعدك قبل بدء الحرب ذلك اليوم !
- كنت محظوظاً ان الشرطة لم تعرف انك ابن زوجتي المرحومة ، وإلاّ لشكّوا بقتلي لك
- امي وصّتك عليّ قبل موتها بالسرطان ، وانت ماذا فعلت ؟ تركتني اموت اختناقاً وجوعاً .. لهذا سأنتقم منك اليوم !!
وعاد المصعد للصعود والنزول بسرعة ، مع التلاعب بالأنوار .. الى ان انهار المالك وهو يعتذر من الولد باكياً ..
ليقول الشبح بهدوء :
- حسناً ، يكفي هذا القدر من التعذيب .. يمكنك الخروج من مصعدي الآن
وانفتح باب المصعد .. وفور إخراج المالك جزءاً من جسده للخارج ، عاد المصعد للصعود بسرعة .. قاسماً جسمه الى نصفين !
وهنا ظهر شبح الولد داخل المصعد ، وهو ينظر لما تبقّى من زوج امه :
- هذا هو إنتقامي بالدنيا .. اراك بالجحيم ايها اللعين !!
وطاف بجسمه فوق بقايا الجثة ، الى خارج المبنى .. ثم رمى بكرته في الشارع .. وانطلق باتجاه السماء ، لملاقاة امه بعد ان نال زوجها العقاب العادل !
ما اقبح من الظلم الا الكفر.. والكفر ايضا اشد انواع الظلم ..والحقد ظلم والحسد ظلم ..وهما اول خطيءه بني ادم ..واشدهما دمارا وخرابا ومهلكه ونتيجه ..فياتی بالشاۃ الجلحاء فيقتص لها من الشاۃ القرناء ..جزاءا وفاقا ..
ردحذفولو كان كافرا وتاب فغفر له ..ما سقط عنه حق المظلوم ..حتی يقضی ..
وفي العزله السلامه من كل اذی ..
الا ان يبتلی كجريج ..
إذا ماتت الرحمه بقلوب البشر فانها تظل موجودة بقلوب الجن ، ومن مات مغلوب ومظلوم وقلوب البشر لم تتحرك فان قلوب الجن تتاثر لدرجة انها تظل تظهر بصورته لتحاكي قلوب البشر الميته
ردحذف