الخميس، 29 سبتمبر 2022

الإبوّة المُتأخّرة

تأليف : امل شانوحة 

قائمة الأمنيات


وصل الى مكتب رجل الأعمال الثريّ وليد (الستينيّ) ظرفاً ورقيّاً من امرأة عرفها قديماً : فيه كيسٍ بلاستيكيّ ، بداخله شعرة صغيرة! 

مع رسالة تقول : 

((أعرف انك طلبت من حرسك منعي القدوم الى منزلك وشركتك .. لكني أحتضر ! فإبنك الذي رفضّت الإعتراف به منذ ولادته ، أخذني الإسبوع الفائت بنزهةٍ في سيارته المستعملة.. وللأسف ، حصل لنا حادثٌ مروّع ..أُصبت فيه بنزيفٍ في الرأس ، وعليّ إجراء عمليّةً خطيرة غداً .. وهناك احتمال أن اموت بسبب سيولة الدم التي أعاني منها.. اما ابني لؤيّ ، فأصيب بشللٍ نصفيّ .. وقلبي يتفطّر عليه بعد تخرّجه من كليّة التجارة بدرجة امتياز ، لرغبته التوظّف في شركتك.. والآن تحطّمت احلامه ، ومع هذا يساندني كيّ لا اخاف من عمليّتي الجراحيّة ! ..لهذا ارسلت شعرة من رأسه ، أخذتها اثناء نومه في غرفته المجاورة لي بالمستشفى ، فهو مازال يتلقّى العلاج الفيزيائيّ.. أعرف انك تنكر أبوّتك له .. لكن من خلال شعرته ، يمكنك إجراء فحص (DNA) لتأكّد بأني لم أخنك يوماً ، رغم غضبي من تمزيقك ورقة زواجنا العرفيّ ، وتدميرك علاقتنا الرائعة ! .. لا اريد عتابك ، فربما اموت غداً .. الشيء الوحيد الذي يُحزنني هو ترك ابني المُقعد وحده.. رجاءً قمّ بالفحص سريعاً.. وفي حال تأكّدت أنه ابنك الوحيد ، لا تتخلّى عنه.. فهو شابٌ رائعٌ وطموح ، ويحتاج رعايتك وحنانك .. في امان الله ، يا عزيزي دودي))


وكان هذا لقبه الذي نادته به خلال زواجهما الذي استمرّ اربعة اشهرٍ ، قبل إصرار والده على تطليقها (لأنها من عائلةٍ بسيطة ، التحقت بجامعة ابنه الراقية بسبب منحتها الدراسيّة) وأمره الزواج من ابنة شريكه المدلّلة التي رغم صعوبة طباعها ، إلاّ انه قدّرها بعد تحمّلها عقمه لأكثر من عشرين سنة ، وتسجيلها املاكها بإسمه بعد وفاتها ! 


وكان على وشك رميّ الشعرة بسلّة النفايات .. إلاّ انه فكّر بإجراء فحصٍ ثاني لإرساله لزوجته الأولى ، مع صورة تقريره الطبيّ القديم الذي يُثبت عقمه لكيّ تكفّ عن ازعاجه بنسب ابنها له ، وذلك إشفاقاً على مصيبتهما! 


وبعد انتهاء عمله .. توجّه للمستشفى لإجراء فحص (DNA) مقارنةً مع شعرة الشاب المُعاق .. فأخبروه أن النتيجة ستظهر غداً

***


في اليوم التالي .. ذهب بنفسه الى المستشفى لأخذ التقرير (فهو لا يحب توكيل مساعده بموضوعٍ شخصيّ) ليُصعق بجواب الطبيب :

- هناك تطابق بالجينات

وليد بقلق : ماذا تقصد ؟!

الطبيب : الشاب صاحب الشعرة ، هو ابنك بالفعل

ونزل كلامه كالصاعقة !

وليد بصدمة : دكتور ! هناك خطأ ما .. فأنا أريتك البارحة تقرير عقمي من الفحصيّن الّلذين أجريتهما انا وزوجتي الثانية ، بعد عام من زواجنا .. أيّ منذ 23 عاماً 

- نعم .. واتصلت بطبيبك المتقاعد الذي فور سماعه اسمك ، أخبرني إنك غلطته الوحيدة طوال مسيرته الطبيّة .. فما لا تعرفه ، انه قريب زوجتك التي ترجّته بتبديل التقريريّن 

وليد بارتباك : ماذا يعني ذلك !

- يعني هي العقيمة ، وليس انت 


وكادت قواه تنهار من قوّة الصدمة ! وصرخ غاضباً :

- الملعونة !! حرمتني الخِلفة لسنوات ، مع إشعاري أنّي مدينٌ لها بحياتي !

الطبيب : رجاءً اهدأ ..

وليد بعصبية : وكيف اهدأ ؟! بسببها وصفت زوجتي الأولى بالخائنة ، ورفضتّ نسب ابنها لي ! والذي أصبح مُقعداً بسبب سيارته القديمة ، لسوء احوالهما الماديّة ..وهاهي امه تحضرّ

ونظر لساعته ..

وليد : آسف دكتور ، عليّ الذهاب .. فعمليّتها بعد ساعة .. 

***


وانطلق وليد للمستشفى الموجودة في المدينة المجاورة .. ليجد شاباً يبكي بمرارة على كرسيه المتحرّك ، امام غرفة العمليات .. 

فسأل الممرّضة عنه ، لتخبره أنه تلقّى خبر وفاة امه قبل قليل .. 

فعلم انه ابنه لؤيّ .. وتوجّه اليه وهو يشعر بالخزّي من نفسه ، خاصة لأن الشاب (الذي لم يوافق على رؤيته) يُشبه جده تماماً ! 


وما ان وقف امامه كرسيه المتحرّك .. حتى نظر لؤيّ اليه بعينين دامعتين ، ليعرفه على الفور .. فهو تابع اخباره بالصحف والإنترنت ، كونه رجل اعمالٍ مهمّ بالبلد .. 

فقال بحزن : 

- تأخّرت كثيراً ، فأمي توفيّت قبل قليل 

وليد بحزن : نعم ، أخبروني بذلك.. كيف انت الآن ؟


ومسّد شعره بحنان .. ليزيح لؤيّ يد والده بعنف ، وهو يقول غاضباً: 

- ماذا تريد مني ؟!! أصبحت مُعاقاً كما ترى ..ولن استطيع خدمتك او مساعدتك بعملك ، كما حلمت دوماً.. ولم تعدّ تهمّني انت ولا مالك ، ولا حتى نسب عائلتك المتغطرسة !! 


وجرّ كرسيه مبتعداً.. بينما يراقبه والده بحزنٍ شديد ، اثناء دخوله المصعد! 

***


في اليوم التالي ، توجّه الأب الى منزل زوجته الأولى .. ليجد لؤيّ يبيع مفروشات منزله للجيران ، للإنتقال لسكن الطلّاب وإكمال الماجستير بعد منحةٍ مُقدّمة من جامعته : بسبب تفوّقه ، وتقديراً لحالته المرضيّة .. 


واثناء انشغاله بالبيع .. دخل والده من الباب الثاني للمنزل الأرضيّ القديم ، ليجد خادمة ترتّب اغراض لؤيّ في الصناديق .. فسألته عن هويّته ، فأخبرها انه من اقاربه.. 


وأخذ يراقب غرفة ابنه بأثاثها المُستعمل ! قبل لمحه دفتراً صغيراً ، مكتوباً على غلافه : (دفتر الأحلام) ..حيث دوّن لؤيّ أمنياته العشرة (وحسب التاريخ ، فقد كتبها قبل عام من الحادثة) : 


((الحلم الأول : التوظّف في شركة ابي بعد تخرّجي ، والعمل جاهداً لجعله فخوراً بي  

الحلم الثاني : شراء جيتار ، والتدرّب عليه في معهدٍ موسيقيّ

الحلم الثالث : مقابلة لاعبي المفضّل لكرة القدم ، بفريقي الوطنيّ 

الحلم الرابع : شراء منزلاً كبيراً لأمي ، لتعبها بخياطة الملابس لسنواتٍ طويلة لدفع مصاريفي.. 

الحلم الخامس : السفر يوماً الى سويسرا ، لشراء الشوكولا الفاخرة 

الحلم السادس : القفز من الطائرة بالمظلّة ، ولوّ مرّة بحياتي 

الحلم السابع : تحقيق حلم طفولتي بزيارة ملاهي ديزني

الحلم الثامن : رحلةٌ بحريّة بزورقٍ سريع

الحلم التاسع : إقناع ابي بتثبيت نسبي ، بهويّةٍ رسميّة

الحلم العاشر : الزواج من سهى (زميلتي بالجامعة) وإنجاب الكثير من الأطفال.. وسأكون اباً رائعاً ، بعكس ابي عديم الرحمة !))


فأزال وليد الورقة من الدفتر (دون انتباه الخادمة) ووضعها في جيبه ، وهو يكتم حزنه من جملة ابنه الأخيرة .. حيث شعر بخذلانه له ، بسبب رفضه المتواصل لطلب امه بإجراء فحص الإبوّة !


وهنا سمع صوت ابنه يقول من الخلف :

- من سمح لك بدخول غرفتي ؟

الأب : كنت مارّاً من الحيّ .. 

لؤيّ مقاطعاً وهو يكبت غضبه : رجاءً أخرج بهدوء ، لا اريد أن يسمع الجيران مشاكلنا الشخصيّة 


فعاد الأب الى قصره مهموماً , وهو يفكّر بطريقة لتحقيق اماني ابنه العشرة  

***


حاول الأب جاهداً خلال الشهرين التاليين ، التقرّب من لؤيّ الذي رفض التواصل معه .. 

فاتصل بإدارة الجامعة ، وأخبرهم أنه المسؤول عن مصاريف ابنه .. فطلبوا منه مال الرحلة القادمة ، التي لا يملك لؤيّ ثمنها .. 

فأرسلها لهم عبر الإنترنت .. مما أغضب ابنه الذي قدم الى الشركة في اليوم التالي لإعادة المال اليه ، بعد استلافهم من صديقه ..


وقبل خروجه من المكتب ، أوقفه والده قائلاً :

- لا تحكم عليّ قبل معرفتك الحقيقة

لؤيّ بعصبيّة : لا شيء يمنعك من القيام بفحصٍ بسيط ، لأكثر من عشرين سنة !!


فأخرج والده فحص عقمه (القديم) من الدرج ، وأعطاه ايّاه وهو يقول :

- كلّه بسبب التقرير الذي زوّرته زوجتي السابقة ، دون علمي!  

لؤيّ بغيظ : وهل يهمّ هذا بعد موت امي قهراً بسببك ؟ فأنت حبها الأول والوحيد 

- وانا ايضاً أحببتها ، ونادمٌ جداً على خسارتها .. فرجاءً لا تحرمني  التقرّب منك ، فصعبٌ عليّ إنجاب غيرك بعد تجاوزي الستين 


فسكت لؤيّ مطوّلاً ، قبل أن يقول : 

- بشرط !! أن لا تدفع مصاريفي الجامعيّة .. فأنا اجتهد دوماً ، للحصول على منحٍ دراسيّة

الأب : وهل تنوي إكمال الدكتوراه ام العمل بشركتي ؟

لؤيّ باهتمام : وكيف سأعمل بعد إعاقتي ؟! 

- هل انت خبير بالحاسوب والحسابات ؟ 

- بل ماهرٌ فيهما 

الأب : اذاً تعال معي ، سأريك مكتبك الذي جهّزته لك 

***


ودخلا الى المكتب المجاور ، المُجهّز بأثاثٍ فخم .. ولؤيّ مذهولاً من تحقّق إحدى احلامه بعد طول انتظار ! 

الأب : ستعمل هنا في الفترة الصباحيّة بعد تحويل دراستك للمساء ، فمدير جامعتك لا يعارض ذلك .. ويمكنك دفع تكاليف الماجستير من راتبك.. كل ما عليك فعله الآن هو إدراج المستندات في ملفّ الشركة الإلكترونيّ ، فهل يمكنك فعل ذلك ؟

لؤيّ بحماس : طبعاً !!

الأب : اذاً ابدأ العمل فوراً .. وبعد قليل تسلّمك السكرتيرة اوراق تعيّنك ..أعذرني ، عليّ الذهاب لحضور اجتماعٍ هامّ خارج الشركة .. القاك لاحقاً بنيّ 

***


بعد ساعة .. صُدم لؤيّ من الراتب الضخم المدوّن في عقد وظيفته ، وهو اضعاف ما تمنّاه ! .. فوقع العقد سريعاً ، ليعود لعمله قبل انتهاء دوامه الأول 

***


بمرور الأيام .. قويّت العلاقة بين الأب وابنه بعد عملهما سويّاً على مشاريع تجاريّة .. حيث أُعجب وليد باقتراحات ابنه الذكيّة لتطوير العمل ، وبالمقابل فرح لؤيّ لتأييد والده آرائه المهنيّة .. 


كما لاحظا التشابه في الصفات والطباع بعد تناولهما الغداء كل يوم ، في مطعمٍ قريب من الشركة .. حيث استمع الوالد لذكريات ابنه ، وهو يُخفي قهره بنضوجه دون رعايته وحنانه !

***


وفي عيد ميلاد لؤيّ ، أرسل الأب هديّة الى سكنه الجامعيّ : عبارة عن جيتارٍ غالي ، مع كرت إنتساب لمعهدٍ موسيقيّ للتعلّم العزف عليه ..

وكانت فرحة لؤيّ كبيرة بعد تحقّق حلمه الثاني ، دون علمه بأن والده يحاول جاهداً تحقيق جميع أمانيه بأسرع وقتٍ ممكن !

***


وفي عطلة الإسبوع .. أخذه الى الملعب ، لمشاهدة مباراة كرة قدم لفريقهما الوطنيّ.. ليفاجأ لؤيّ باقتراب لاعبه المفضّل للتصوير معه ! دون معرفته بأن والده دفع مبلغاً كبيرا للاّعب ، كيّ يعطي قميصه الموقّع لإبنه المُقعد 

***


كما أصرّ وليد بنهاية العام ، على سفرهما معاً لأوروبا .. حيث تضمّنت رحلتهما السياحيّة : 

1- نزهةٌ بحريّة بزورقٍ فاخر 

2- القفز من المظلّة 

3- شراء ألذّ انواع الشوكولا من سويسرا 

4- وزيارة ملاهي ديزني 

***


برحلة العودة بطائرة وليد الخاصّة ، شكره لؤيّ على تحقيقه أحلامٍ ظنّها مستحيلة !

الأب : مازال هناك المزيد من المفاجآت ، يا لؤيّ ..

وأعطاه مفتاحاً ..

لؤيّ : ماهذا ؟!

الأب : منزلٌ صغير قُرب جامعتك ، بدل عيشك بغرفةٍ مشتركة 

- لا ! هذا كثير 

- لابد ان يكون لديك منزلاً ، للزواج من حبيبتك سهى

لؤيّ بدهشة : كيف عرفت ؟!


فأخرج ورقة الأماني من جيبه .. 

- آسف بنيّ ، أخذتها دون إذنك .. فبسبب تقصيري معك في طفولتك ومراهقتك ، أردّت تعويضك بأشياء بسيطة

- أتعتبر كل تلك التكاليف الباهظة ، اشياء بسيطة ؟! 

الأب : نعم ، ولن يهدأ بالي قبل رؤيتك عريساً

فتنهّد لؤيّ بحزن : لا تتأمّل كثيراً ، فلا اظن سهى تقبلني بعد الإعاقة .. لهذا قطعت التواصل بها بعد الحادثة 

- وهي حزينة على فراقك


لؤي باستغراب : وما ادراك بذلك ؟!

الأب : أحد أصدقائك دلّني على محل والدها ، وتحدّثت مطوّلاً معه 

- وأكيد رفضني

- ليس بعد رؤيته نتيجة فحوصاتك الأخيرة

- وهل ظهرت النتائج الطبّية ؟

الأب : نعم ، ولله الحمد أخبرني الطبيب أن حبلك الشوكيّ لم يُقطع بالحادثة .. بل تكوّنت جلطات دمويّة اسفل ظهرك ، منعتك من تحريك قدميك.. لهذا لسنا عائديّن للوطن كما تظن ، بل مسافريّن لأميركا لإجراء عمليّة مهمّة لك .. وسنبقى هناك ، لحين إنتهاء علاجك الفيزيائيّ .. لتقف على قدميك اثناء خطبتك حبيبتك التي تنتظرك على أحرّ من الجمرّ .. وإن كنت لا تصدّقني ، أنظر لهذا الفيديو المصوّر..


وشاهد الفيديو من جوّال والده ، لسهى وهي تقول بعينين دامعتين :

((رجاءً لؤيّ .. قمّ بالعمليّة التي ستنجح بإذن الله ، لتعود كما كنت .. أنتظرك بشوقّ ، يا عزيزيّ الغالي))


فمسح لؤيّ دمعته ، وهو يكتم فرحته .. فربت والده على كتفه وهو يقول : 

- تشجّع بنيّ ، فأنا اريد رؤية احفادي 

لؤيّ بتهكّم : أتريد أن تصبح جدّاً ، قبل أن تكون اباً ! 

فقال معاتباً : لما تحرق هداياك ، بنيّ ؟!


وأخرج جواز سفرٍ جديد ، بعد نسبه لعائلته العريقة .. مما جعله ينهار بأحضان والده ، وهو يقول باكياً : 

- كان حلمي الإنتساب اليك ، سيد وليد 

- نادني ابي من اليوم فصاعداً  

لؤيّ : تمنّيت قول (بابا) طوال حياتي 

- وانا حلمت دوماً بإنجاب ولدٍ رائعٍ مثلك 

وحضنه بحنان

***


بعد اسبوع ، نجحت عمليّة لؤيّ في اميركا .. وبعد ثلاثة اشهر من العلاج الفيزيائيّ المُكثّف ، إستطاع المشيّ ثانيةً .. 

وكم كانت فرحته عظيمة باستقبال سهى له بالمطار ، وهي سعيدة بشفائه  

***


بعد سنة من زواجهما ، أنجبا وليد الصغير .. فسلّم جده إدارة الشركة للؤيّ بعد إصراره على عيشهم معه في القصر ، لتعلّقه الشديد بحفيده الأول  

***


وفي أحد الأيام ..وقبل ذهاب لؤيّ للشركة ، وجد والده يلعب بعفويّة من طفله الصغير .. فقال ممازحاً : 

- ستفسده بدلالك يا ابي

- هذا حفيدي الغالي .. وحينما يكبر ، سأشتري له كل الألعاب التي يريدها 

لؤيّ : هكذا سأغار منه

الأب : إذاً تعال اليّ !!


وسحب ذراع لؤيّ ، ليحتضنه بقوةٍ وحنان .. قائلاً :

- انت ابني الوحيد ، وسندي ما حييت

لؤيّ : احبك ابي

وأغرقا بدموع الفرح ، لإلتئام جروح الماضي بعد طول عناء ! 


الاثنين، 26 سبتمبر 2022

المهمّة المعكوسة

تأليف : امل شانوحة 

 

خصام الأزواج 


في ليلةٍ صاخبة ، مليئة بالمفرقعات .. دخل رجلٌ وشاب الى المصعد ، متوجهان نحو السطح (فوق الطابق السابع) حيث يُقام إحتفال رأس السنة مع الموظفين وأهم المساهمين في الشركة التجاريّة ..


وبعد صعودهما الى الطابق الثاني ، تعطّل المصعد ! 

ومن سوء حظهما ، كان مُراقب المصاعد يحتفل مع زملائه في الحفلة السنويّة .. ولا يوجد احد بالمكاتب الموجودة في الطوابق السفليّة ، ليسمع طرقاتهما العنيفة على باب المصعد ..

***


وبعد دقائق من محاولاتهما الفاشلة لتحريك المصعد ، بضغطهما على كافة الأزرار المتواجدة هناك .. 

قال الرجل للشاب :

- توقف عن الصراخ !! لن يسمعونا قبل انتهاء الحفلة

فنظر الشاب الى ساعته :

- مازال هناك ساعة على منتصف الليل ! هل سنبقى محبوسيّن كل هذا الوقت ؟!

- لا شيء آخر نفعله

الشاب : وهل كنت صاعداً للإحتفال معهم ؟

الرجل : كنت اريد التحدّث مع رئيس الشركة بموضوعٍ هامّ 

الشاب مُستفسراً : الم يكن مفترضاً سفره الليلة الى فرنسا ؟! 

- وكيف عرفت بهذا الموضوع ؟!

- سمعته من احد الموظفين.. 

الرجل : لا تهتم لهذه الأمور .. ودعنا نجلس ، فالليلة مازالت في اولها..


وقبل جلوسهما على الأرض ، لاحظ كلاهما المسدس المُخبّأ اسفل معطف الآخر.. ليُسارعا بتوجيه مسدساتهما ضدّ بعضهما ! 

 

الشاب بعصبية : من انت ؟!!

الرجل بحزم : بل انت اخبرني كيف مرّرت من البوّابة الرئيسيّة بسلاحك ، وانت لا تضعّ بطاقة رجل الأمن للشركة ؟! 

الشاب : وأنت ايضاً لا تضعّ بطاقة الموظفين ، فكيف سمحوا لك بإدخال السلاح ؟! 

الرجل : رئيس الشركة أعطاني الإذن بالدخول .. وانت ؟!! 

الشاب : زوجته

الرجل : ماذا تقصد ؟! مالذي تخطّط له ؟ أتريد إثارة الشغب في الحفلة ؟!

- لا طبعاً

- اذاً لماذا انت مُسلّح ؟! 

الشاب : أمرٌ خاصّ ، لا دخل لك به

الرجل بعد تلقيم سلاحه ، بغضب : 

- أحلف انني سأطلق النار على رأسك إن لم تخبرني بمهمّتك السرّية

الشاب بارتباك : إهدأ يا رجل , ودعنا نتحدّث بهدوء.. 

ووافق كلاهما على إعادة المسدّسات مكانها ..

 

الرجل : رئيس الشركة طلب مني مراقبة زوجته ، التي من المفترض إحتفالها في منزلها .. لكني تفاجأت بقدومها الى حفلة الشركة ! وكنت اريد سؤال الزوج عن رغبته بتغيّر الخطة ام لا ، فهو لا يجيب على جوّاله .. لهذا كنت صاعداً الى السطح ، ماذا عنك ؟ 

فضحك الشاب .. فسأله الرجل بضيق : 

- هل تجدّ كلامي مضحكاً ؟! 

الشاب : لا .. لكن زوجته وكّلتني بمراقبته ، لشكّها بخيانته لها ! بسبب خروجه في بعض الليالي ، وعودته مُنهكاً في الصباح .. وكان المفترض أن ألحقه للمطار ، لكنه قاد سيارته الى هنا ! لهذا فكّرت بمراقبته اثناء الحفلة ، إن كان يغازل إحدى موظفات ام لا .. والآن تفاجأت بأن زوجته تحتفل معه ، حسب كلامك ! مع إنها البارحة أكّدت انها ستحتفل برأس السنة مع صديقاتها في المنزل 

- أكلاهما يشكّان بخيانة الآخر ؟! 

- يبدو ذلك !


الرجل : وهل أتيت للحفلة لمراقبة زوجها من بعيد , ام طلبت منك شيئاً آخر ؟

- يبدو لديك معلومات لا اعرفها ! 

- لا تحاول استدراجي بالكلام ، فأنا لا أفضح موكّلي 

الشاب : وانا ايضاً ، خاصةً بعد دفعها مبلغاً كبيراً لي 

- كم ؟

- 200 الف دولار

الرجل بغيظ : ماذا ! هذا ضعف المبلغ الذي أعطاه لي رئيس الشركة ، مع انه طلب أكثر من المراقبة

- أهآ !! فضحت نفسك .. إخبرني بمهمّتك الآن ، وإلاّ لن تخرج من هنا حيّاً !! 

- بل انت اخبرني !! فمستحيل أن تعطيك مبلغاً ضخماً لتصويرك خيانة زوجها فقط 


الشاب بدهشة : يبدو كلانا مُوكّلاً لنفس المهمّة ! 

- لنقلها سويّاً بعد الرقم ثلاثة ..1-2-3 !!  

فقالا معاً : القتل !!

الشاب : كنت متأكّداً من ذلك 

- لكن الزوج لا يريد قتلها ، إلاّ اذا أثبتّ له بالصور خيانتها

- أمّا هي فتريده ميتاً بجميع الأحوال ، يبدو انها تخطّط للإستيلاء على شركته

الرجل : معك حق ، فالنساء كرماء بدفع المال للتخلّص من ازواجهنّ


الشاب : يبدو من كلامك انك قاتلٌ محترفٌ مثلي ! فهل تعمل لعصابةٍ ما ، ام مستقلّ ؟

الرجل : انا تابع لعصابة العقرب ، وانت ؟

- الآن أعمل بشكلٍ مستقل .. فزملائي بعصابة الأفعى ضايقوني كثيراً ، لهذا تركتهم 

- الأفعى ! انتم المنافسين الأقوى لعصابتنا ، كيف حال زعيمكم الأعور ؟

الشاب : لم أعدّ اتابع اخبارهم .. ماذا عن رئيسكم الشاذّ ؟

- قُتل منذ مدة ، وتعيّن ابن عمه مكانه ..وهو أقوى بأضعاف من رئيسنا السابق .. فأنا بهذه المهنة منذ 15 عاماً

الشاب : وانا لي 6 سنوات .. أتدري .. انا سعيد بالتعرّف على زميل عملٍ محترفٍ مثلك 

وسلّما على بعضهما .. 


الرجل : لم تخبرني بعد ، كيف كنت تنوي قتل الزوج ؟

- قبل وصوله للمطار ، بطريقٍ فرعيّ .. ماذا عنك ؟

- في منزلها ، قبل وصول صديقاتها للإحتفال معها برأس السنة 

الشاب : يبدو خطتنا فشلت بعد تغيّر الغبيين مكانهما الذي أخبرانا به سابقاً 

الرجل بمكر : إذاً ما رأيك أن نقوم بشيءٍ يُخالف توقعاتهما ؟

وابتسما بخبث..

***


قبل دقائق من حلول منتصف الليل ، تفاجأ كلا الزوجين برؤية قاتله المأجور ! 

فأخذ كل واحدٍ منهما عميله جانباً , لتحدّث معه بصوتٍ منخفض :

رئيس الشركة : لما أتيت الى هنا ؟!

القاتل الرجل : كنت الاحق زوجتك

- آه صحيح ، انا ايضاً تفاجأت بوجودها بالحفل .. لكنها أخبرتني أن كبيرة المستثمرين عزمتها بنفسها الى هنا ، كما فعلت معي.. لهذا أجّلت سفري للغد 


القاتل : وجيد إن الخطة تغيّرت ، لأني سأتأخر بتنفيذ طلبك

- لماذا ؟!

- رئيس عصابتي يريدني بمهمّةٍ عاجلة , لهذا سأقتل زوجتك بعد اسبوع

الزوج بضيق : اسبوع !

- نعم ، وسأكتفي بمراقبتها في الأيام القادمة لإحضار الصور التي تثبتّ خيانتها ، كما طلبت مني

- المهم أن تنجزّ المهمّة ، فأنا دفعت لك مقدّماً

القاتل الرجل : وأنا لا أخذل موكّلي ابداً.. أترك الموضوع لي


وهنا أعلنت مسؤولة الحفل عن بدء العدّ التنازلي لليلة رأس السنة .. فودّع القاتلان الزوجين ، وتركا الحفل دون انتباه احد لهما 

***


بعد اسبوع...

دخل القاتل المأجور (الرجل) الى مكتب رئيس الشركة ، ورمى صوراً امامه وهو يقول : 

- معك حق.. زوجتك تخونك بالفعل

فأخذ الزوج يتمعّن بصورها ، وهي تعانق عشيقها في السوق.. فقال بغيظ: 

- الملعونة !! تخونني مع السائق ! يالها من وضيعة ..هل قتلتها؟

- قاتلها المأجور أنهى الموضوع قبل قليل

الزوج باستغراب : ماذا تقصد ؟! 

- يبدو إنها شكّت بخيانتك ، فاستأجرت شاباً لقتلك 


ثم رمى صوراً اخرى امامه ، وهو يقول :

- لكنها مخطئة ، فأنت زوجٌ مخلصّ .. أمّا سهرك كل ليلة في المدة السابقة ، فكان لسرقة مخزن الشركة وبيع البضائع لحسابك الخاصّ دون مقاسمة الأرباح مع المساهمين ، كما تُظهر الصور التي التقطّتها لك البارحة  

رئيس الشركة بعصبية : وما دخلك انت بالموضوع ؟!!

- انا وزميلي تبادلنا المهامّ .. مع إني مغتاظ بأن زوجتك دفعت له ضعف المبلغ الذي أعطيتني إيّاه ، لكن يبقى الإتفاق كما هو


ثم أطلق رصاصة (من مسدسه كاتم الصوت) على رأس الزوج ..وخرج من الشركة بهدوء

***


في المساء .. إلتقى القاتلان بالبارّ ، فقال الشاب : 

- عملنا يفضح المشاهير والأثرياء ، فهم رائعون من الخارج وفاسدين من الداخل !

الرجل : المهم اننا تخلّصنا من الزوجين القذرين : الخائنة واللصّ ..(ورفع كأسه) ..في صحّتك يا زميل المهنة


واحتفلا بانتهاء المهمّة بضميرٍ مرتاح !


الجمعة، 23 سبتمبر 2022

العالم الرماديّ

كتابة : امل شانوحة 

 

أهميّة الألوان


في قريةٍ جبليّة ، أُجبر رجالها وشبابها على تعدين الفحم ، بما أنه مورد رزقهم الوحيد 

بينما انشغلت نسائهم بخياطة الملابس من الأقمشة السوداء والرماديّة التي أحضرها رئيس البلديّة بنفسه (مُتحجّجاً بأن الثياب ستصطبغ بجميع الأحوال برماد الفحم) فهو الوحيد المسموح له بالذهاب للقرى المجاورة ! 


وطالما أن الجبل الذي يعيشون فيه أجرد ، فالألوان الوحيدة التي يرونها هي لون الشمس والسماء.. اما بقيّة الأشياء من حولهم ، فهي تدرّجات للون الرماديّ الكئيب !


وكان رئيس بلديّتهم يُجبرهم على العمل دون إجازات ، لأن منجمهم هو الوحيد في دولتهم ويعتبر كنزٌ وطنيّ .. وعليهم إستخراج كميات كبيرة من الفحم ، لتدفئة جميع المواطنين بفصل الشتاء القادم !


وبعد تعرّض كبار السن (العاملون القدامى) لضعفٍ شديد بالنظر بسبب عتمة المناجم ، وموت معظمهم بأمراض الرئة والربو ، عدا عن الذين قتلوا بتفجيرات الأنفاق .. لم يبقى سوى الرجال (متوسطي العمر) وعائلاتهم الذين لم يخرجوا يوماً من قريتهم ، بأوامر من رئيس بلديّتهم (الستيني) الذي حكم بقوانين والده (المرحوم) الصارمة .. لهذا عاش جيلان لا يعرفان بوجود الوانٍ أخرى في العالم ! 

***


وفي أحد الأيام .. تفاجأت صبيّة بوالدها يُحدّث امها ، سعيداً : بأن رئيس بلديّتهم يريد خطبتها لإبنه الوحيد .. 

فدخلت الصالة ، غاضبة :

- ابنه مُعاق عقليّاً ! 

الأب : لكنه الوريث الوحيد لثروة ابيه

ابنته بعصبية : وما يهمّني ماله ، إن كان مجنوناً !! 

الأم : هو يفهم قليلاً ، كل ما عليك فعله هو رعايته وإطعامه حتى..

الصبية مقاطعة بغضب : حتى ماذا يا امي ؟ حتى أموت بحسرتي ، لما تريدون بيعي بالرخيص ؟! 

الأب بحزم : إسمعي يا بنت !! انا اتفقت مع والده ، وانتهى الأمر


ابنته : ولما يريد تزويج ابنه من الأساس ؟ هو لا يفهم شيئاً 

الأم : انت علّميه الأمور المهمّة .. 

ابنتها بعصبية : امي !! انا بالعشرين من عمري .. لما أدفن نفسي بزواجي من أحمق يلوّث ملابسه بعمر الثلاثين ؟ .. لن أتزوجه ، ولوّ وقفتم جميعاً ضدّي !!

الأب وهو يرفع عصا الخيزران ، غاضباً : 

- كبر رأسك كثيراً يا فتاة ، وعليّ تربيّتك من جديد !!

وضربها بعنف ، دون أن تستطعّ امها تخليصها من بين يديه !

***


نامت الصبيّة تلك الليلة ، وقلبها يكاد يقف من شدّة الحزن .. وهي تتنصّت على أمها ووالدها وهما يخطّطان لعرسها الذي سيُقام بنهاية الإسبوع

***


لم تستطع الفتاة فعل شيء وهي ترى قريتها تُزيّن بالأنوار ، بانتظار يوم عرسها ..

فنظرت بحزن من نافذتها باتجاه الأفق ، وهي تتساءل :

- ترى ماذا يوجد خلف جبل الفحم ؟ لما لا احد من شبابنا فكّر باكتشاف القرى المجاورة ؟ ولما يمنعنا رئيس البلديّة من رؤية العالم ؟ لما علينا دفن أنفسنا في قريتنا الرماديّة الكئيبة ؟!

 

ولم تنتهي تساؤلاتها ، حتى دخلت النّسوة الى غرفتها لتزيّنها .. 

الفتاة بصدمة : لحظة ! عرسي غداً 

- العريس مُستعجل ، ويريدك الليلة

الفتاة بخوف : لكني لا اريده ! 


امها بحزم : لا تعانديني يا فتاة ، أتريدين أن يطلّقني والدك ؟ 

امرأة أخرى : أصبح الوقت عصراً ، بالكاد نُنهي زيّنتك لحفلة المساء

فقالت الفتاة بارتباك : حسناً سأدخل الحمّام ، ثم أعود اليكنّ

الأم : لا تتأخّري !!

***


ونزلت الصبيّة الى الطابق الأرضيّ ، ودخلت الحمّام .. وفتحت نافذته الصغيرة ، وخرجت منها بصعوبة الى خلفيّة منزلهم .. 


واستغلّت إنشغال الأهالي بتحضير عرس الموسم ، لتصل الى جبل الفحم الخالي من العمّال بعد إجازتهم المُقدّمة من رئيس البلديّة بمناسبة عرس ابنه  


وكانت اول من تجرّأ من اهالي القرية لتسلّق قمّة الجبل ، التي وصلت اليه بصعوبة بسبب احجاره الصغيرة الزلقة ..


وما أن وقفت على القمّة وهي تنظر للأفق ، حتى لمحها ولدٌ صغير .. سارع الى ساحة القرية ، لإخبار الأهالي بوجود صبيّة اعلى الجبل !!


وفور سماع رئيس البلديّة الخبر ، أمر حرّاسه بإحضار الفتاة لعقابها على مخالفتها اوامره ، دون علمه بأنها عروس ابنه

***


وبسرعة البرق إنتشر الخبر بين اهالي القرية الذين سارعوا للتجمّع امام المنجم .. واستطاع الوالدان تميّز ابنتهما الواقفة بذهول في الأعلى ، وهي تراقب ما يوجد خلف الجبل ! 


وقبل صعود حرّاس الرئيس نحوها ، إلتفتت للأهالي (المتجمّعين اسفل الجبل) وهي تصرخ بحماس : 

- الوانٌ رائعة !! .. تعالوا وانظروا بأنفسكم للون البحر ، هو أغمق بقليل من لون السماء .. اما الأشجار فلونها مميزٌ جداً ، لا اعرف اسمه بالضبط ! لكنه يُشعرني بالراحة والتفاؤل .. وهناك أطفال يلعبون في المزارع بملابسهم الزاهية .. الدنيا رائعة خلف الجبل !!


وأشارت للأفق .. وقد أثار كلامها حماس الصغار الذين سارعوا للقمّة لمشاهدة ما تراه.. وسرعان ما قفزوا فرحاً وهم ينادون اهاليهم لرؤية الألوان الزاهية .. 

فتجرّأت النساء على الصعود ، ومن خلفهنّ الرجال .. جميعاً وقفوا مذهولين من جمال منظر السهل الأخضر القريب من البحر !


وكان الموقف مُبهجاً للأهالي .. فيما عدا رئيس البلديّة الذي أمر حرّاسه غاضباً ، بإنزالهم بالقوّة للأسفل !


وبعد نزولهم .. أجبر الأب ابنته (العروس) على ترك قمّة الجبل ، رغم رغبتها برؤية إنعكاس غروب الشمس على البحر 

***


بعد تجمّعهم امام رئيسهم ، نظروا اليه بعتاب .. وكانت العروس الوحيدة التي تجرّأت على سؤاله :  

- لما حرمتانا من رؤية الألوان الزاهية ؟!

الرئيس : اللون الأسود فيه هيبة وقوة ..

العروس مقاطعة : إصعد اولاً لرؤية ما شاهدناه ، ثم إقنع نفسك بأن لونك الكئيب هو الأجمل بين الألوان .. ماذا تنتظر ؟ إصعد للقمّة وشاهد الجمال بعينيك ، قبل حلول المساء 

فصرخ بعصبية : لا استطيع رؤية شيء !!

العروس بصدمة : لماذا ؟!

فأجابها بترددٍ وارتباك :

- لأني ورثت عمى الألوان من ابي


العروس معاتبة : الهذا منعتمونا الخروج من القرية ؟! ..وطبعاً بعد موت كبارنا ، تحكّمت انت ووالدك بجيلين ممّن ولدوا هنا ، بحرماننا رؤية العالم الرائع خلف المنجم !

الرئيس : انت تبالغين ، لا أهميّة للألوان .. بل اللون الرماديّ يزيد من إنتاجيّة العمل .. 

العروس مقاطعة : وما يدريك بأن معلومتك صحيحة ؟ لربما للألوان طاقة تشفينا من الأمراض وتحسّن من نفسيّتنا ، كما حصل عندما رأينا الطبيعة الملوّنة خلف الجبل القاتم 


فصرخ والدها : أصمتي يا بنت !! نحن عمّال منجم ، وهنا رزقنا

ابنته : وما يدريك يا ابي انك لم تُخلق مزارعاً او حطّاباً او حتى استاذاً ؟ لما تجعل رئيسك يحدّد مصيرك ؟

الرئيس بغضب : إن كنت تريدين أن تصبحي كنّتي ، فعليك إطاعة اوامري !!

فردّت بجرأة : ومن قال انني اريد الزواج من ابنك الأحمق ، يا أعمى البصر والبصيرة !!  


ليشهق الجميع بصدمة ، بعد وقوعها على الأرض جثةً هامدة ! عقب إطلاق الرئيس رصاصة على رأسها .. 


وبعد لحظاتٍ من الصمت المتوتّر ، قال لهم :

- العرس إلتغى ، عودوا الى منازلكم .. وغداً تستيقظون باكراً للعمل في المنجم  


فإذّ بأخ العروس الأصغر يقذف حجراً على رأسه ، وهو يصرخ باكياً :

- قتلت اختي ايها اللعين !!


وسرعان ما سانده الصبيّة الصغار برميّ الأحجار عليه ، ولم يستطع الرجال إيقاف زوجاتهنّ من المشاركة .. 


مما أجبر رئيس البلديّة وحرّاسه الخمسة على الهرب والإختباء بمنازلهم ريثما يهدأ غضبهم .. 

في الوقت الذي حزم الأهالي أمتعتهم للرحيل صباحاً من قرية الجبل!

***


ولم تمضي ايام .. حتى تخلّى الحرّاس عن رئيس بلديّتهم ، للبحث عن عملٍ في القرى المجاورة .. 

فاتصل الرئيس بموظف الحكومة لإرسال مجموعة جديدة من العمّال مع عائلاتهم للسكن في المنازل الشاغرة ، برواتبٍ مغريّة!  

***


بعد شهر .. قدِمَت مجموعة جديدة من العرسان الجدّد للعمل في المنجم ، دون علمهم بأن رئيسهم الجديد سيحرمهم رؤية الألوان طوال حياتهم ، بسبب عقدته النفسيّة من مرضه الوراثيّ المُزمن !


الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

المراهنة الدمويّة

تأليف : امل شانوحة 

 

النادي المهجور


في ساحةٍ مسقوفة لناديٍّ رياضيّ مهجور ، إستيقظ الرجال العشرة (بزيّهم البرتقالي المُخصّص للإعدام) على صوت جرسٍ قويّ ، وهم ينظرون لبعضهم باستغراب دون فهم ما حصل ! 


وهنا سمعوا مكبّر الصوت يقول :

- اهلاً بكم في يوم الحساب !!

فسأله أحدهم : من انت ؟! ولماذا جمعتنا هنا ؟

وسأل الآخر : كنت مسجوناً ، فهل أُفرج عني ؟!

فأجابهما الصوت الغامض : 

- دعوني أعرّفكم على بعضكم ..انتم محكومين بالإعدام في عدةّ سجونٍ بولاياتٍ امريكيّة ، بسبب جرائمكم العنيفة .. لهذا قرّرنا إعطائكم فرصةً جديدة 


أحدهم باهتمام : ماذا تقصد ؟!

الصوت : ستلعبون لعبةً خطيرة ، إن نجحتم بتخطّي جميع مراحلها ، يُفرج عنكم بإعطائكم هويّات جديدة وتذكرة سفر لأوروبا ، مع تأمين منزلٍ ووظيفةٍ لائقة لبدء حياةٍ نظيفة ..

- وفي حال فشلنا ؟

الصوت : تموتون على الفور

- هل ستقتلوننا ؟!


الصوت : هذا متوقف على قوتكم البدنيّة والعقليّة لتجاوز مسابقتنا التي فيها 9 مراحل .. ومن يصل لخط النهاية سليماً ، يحصل على حياةٍ رائعة.. اولاً تتناولوا غدائكم من الغرفة التي سنفتحها الآن.. ألقاكم بعد قليل لبدء المسابقة

***


توجّه السجناء نحو الغرفة ، ليجدوا مائدةً كبيرة عليها ما لذّ وطاب ..فهجموا على اللحم والدجاج ، لأنهم لم يتذوّقوا (طوال سنوات سجنهم بانتظار إعدامهم) سوى العصائد المقرفة ! 


ليس هذا فحسب ! بل وجدوا اصنافاً متنوّعة من الحلوى ، يتذوّقه بعضهم لأول مرة في حياته ، لسوء احواله المادية قبل سجنه 

***


بعد الإنتهاء من تناول طعامهم ، ظهر الصوت ثانيةً :

- سنعطيكم ساعة للتّعارف بينكم ، قبل بدء اللعبة

فسأله أحدهم : ولما لا نلعب الآن ، للحصول على حريّتنا سريعاً .. فأنا مشتاق لرؤية عائلتي

الصوت : اولاً من الناحية الصحيّة : خطأ القيام بمجهودٍ بدنيّ بعد وجبةٍ دسمة .. ثانياً : حتى لوّ خرجتم من هنا ، ممنوع رؤية عائلاتكم

- لماذا ؟!


الصوت : لأن الجميع ينتظرون إعدامكم ..ودفعنا مبلغاً كبيراً لإدارة سجونكم ، لنقلكم مُخدّرين الى هنا.. فإن عرف اهالي ضحاياكم بالإفراج عنكم ، ستحدث بلبلة كبيرة في بلداتكم .. لهذا الفائز منكم ، سنسفّره فوراً لخارج اميركا  

- لكني مشتاق الى اولادي ، فأنا لم ارهم منذ 7 سنوات !

الصوت : اساساً لا أحد من اهلكم يتوقع رؤيتكم ، بعد صدور حكم إعدامكم .. وبرأيّ لا تكترث لهم .. فبهويّتك الجديدة ، يمكنك الزواج ثانيةً وإنجاب غيرهم .. هذا في حال فزت بمسابقتنا الصعبة 

- تتكلّم بصيغة الجمع ، فمن انتم ؟


الصوت : لنقلّ .. كبار البلد وأثريائها

- أتراهنون علينا ؟!

الصوت : نعم .. وكل واحدٍ منا ، إختار أحدكم للفوز باللعبة .. تماماً كسباق الخيل .. والثريّ الذي يفوز سجينه ، عليه التكفّل بتغيّر حياته من ماله الخاصّ .. الآن سأترككم تتعرّفون على بعضكم ، قبل أن تقضي المسابقة عليكم الواحد تلوّ الآخر !

ثم اختفى الصوت..


فقال أحدهم بضيق : لا يعجبني معاملتهم لنا بطريقةٍ وضيعة !

- انا لا يهمّني سوى الهجرة لأوروبا 

سجينٌ آخر : معك حق ، أيّ شيء أهون من الإعدام .. ثم لا اظن لعبتهم صعبة علينا .. فنحن اقوياء جسديّاً ونفسيّاً ، ويمكننا تخطّي مراحلها بسهولة

- اوافقك الرأيّ .. 


السجين الأول : حسناً دعونا نتعرّف على بعضنا ، دون ذكر أسامينا .. أنا من ولاية كاليفورنيا ، سفّاح متسلّسل .. قتلت سبعة نساء .. وكنت أنوي الوصول ل30 ضحيّة ، لكن الشرطة قبضت عليّ باكراً !

- وما سبب إختيارك النساء ؟

السجين 1 : قتلت اولاً زوجتي الخائنة .. ثم امها..ثم صديقتها المقرّبة ..اما الأخريات ، فصادفتهنّ بطريقي .. ويبدو أن زوجتي جعلتني أكرههنّ جميعاً .. ماذا عنك ؟


السجين الثاني : انا تاجر اعضاء بشريّة .. خطفت ما يقارب 40 طفلاً من اولاد الشوارع ..وبعت اعضائهم بالسوق السوداء .. ولم يلاحظ أحد إختفائهم .. الى ان اخطأت بخطف طفلٍ عاديّ .. فلاحقني والده المحامي بشراسة ، مُساعداً الشرطة بالقبض عليّ .. كما استطاع إقناع القاضي بالحكم بإعدامي !


السجين الثالث : انا أشبهك نوعاً ما .. الفرق انني تصيّدت المشرّدين المدمنين الذين يشوّهون صورة مدينتي الساحليّة .. قتلتهم بمسدسي كاتم الصوت ، كل مساء أحد .. الى أن التقطت إحدى كاميرات الطرق رقم سيارتي .. وقبضوا عليّ ، بعد قتلي عشرين قذراً لا لزوم لهم بالحياة .. ماذا عنك ؟


السجين الرابع : أكلت حبيبتي

الجميع بصدمة : ماذا !

السجين 4 : إنهار ثلج الجبل فوق سيارتنا .. ولم نستطع فتح الأبواب او تكسير النوافذ.. وبقينا عالقيّن لأيام ، الى أن ماتت من البرد .. فقطّعت أجزاءً من جسدها بالسكين ، وأكلت لحمها نيّئاً .. قبل أن يلمح احد المارّة نور سيارتي الخلفيّة ، ويتصل بالشرطة .. ورغم دفاعي المُستميت بالمحكمة ، قيامي بذلك غصباً عني .. إلاّ أن اهلها أصرّوا على إعدامي ، لجرمي الغير إنسانيّ ! 

- الم تشعر بتأنيب الضمير وأنت تقطّع جسد حبيبتك ؟! 

السجين 4 بحزن : كأني آكل الجمر .. لا أظن أحداً سيتفهّم ما عانيته ، الاّ من اقترب مثلي من الموت .. ماذا عنك ايها العجوز ؟


السجين الخامس : كنت سائق شاحنة ، أنقل البضائع بين المدن .. وفي إحدى الليالي الباردة .. أوقفتني فتاة ليل مخمورة ، لأوصلها بطريقي .. وصارت تستفزّني بدلالها المائع ، الى أن اعتديت عليها .. فهدّدتني بإبلاغ قوادها إن لم ادفع ضعف الثمن ، لعنفي معها .. فخنقتها بيدايّ حتى ماتت .. ومن بعدها لاحقني قوّادها (رجل العصابة) من مكانٍ لآخر ..فاستدرجته لإيقاف سيارته والمشي خلفي الى عمق الغابة ، وقتله هناك .. لأفاجأ بوجود صديقته في سيارته ، التي فرّت قبل إمساكي بها ! ..ومن يومها قتلت كل فتيات الدعارة اللآتي صادفتهنّ بطريقي ، خوفاً أن يكنّ تابعات لنفس العصابة .. حتى وصل عددهنّ الى ثلاثين فاسقة .. الى أن وقعت بالكمين ! وقبضت عليّ شرطية مُتخفيّة ، خبيرة بفنون القتال .. بينما انا رجلٌ عجوز كما ترون .. ماذا عنك ؟ 


السجين السادس : انا تاجر مخدرات ، بعت صنفاً رخيصاً لأولاد المدارس.. فطالب الأهالي بإعدامي ، لإضاعة مستقبل اولادهم المراهقين .. وأظن العشرات منهم مازالوا يتعالجون من الإدمان حتى اليوم


السجين السابع : اما انا ، فمقاولٌ محترم

- أحقاً ! ولما حُكم عليك بالإعدام ؟

السجين 7 : لأني قلّلت كميّة الحديد في أساسات مبنى سكنيّ ، لبيعه لمشروعٍ آخر ..فانهدم البناء بعد سنة من إعماره .. وماتت 7 عائلات تحت الأنقاض .. بينما طالب 6 أحياء من السكّان ، بإعدامي .. وكنت على وشك نقض الحكم الى سجنٍ مؤبّد ، قبل استيقاظي هنا!


السجين الثامن : اما انا ، فقد استفزّني رؤية الشرطة يأكلون في مطعمٍ شعبيّ .. فأخرجت رشّاشي من صندوق سيارتي ، وقلتهم جميعاً ..كانوا ثمانية على ما أذكر !

- ولما تكرههم لهذه الدرجة ؟!

السجين 8 بقهر : لأن اخي الكبير سُجن بعمر المراهقة ، لإشعاله النار في مدرسته التي طُرد منها .. فقام شرطيان بالإعتداء عليه طوال مدّة حبسه.. وعندما أُفرج عنه ، كان أشبه بالميت ..وانا وجدته منتحراً بغرفته ..وهذه الحادثة دمّرتني تماماً ، وجعلتني أكره الشرطة.. ماذا عنك ؟ تبدو رجلاً محترماً !


السجين التاسع : كنت أعمل في شركةٍ تجاريّة .. وبعد زواجي من زميلتي .. أخبرتني بمبلغ التأمين الضخم على حياتها ، المُقدّم من والدها الثريّ.. مما أغراني للتخطيط بقتلها ، بشكلٍ يُبعد الشبهات عني .. لكن والدها وكّل مُحقّقاً جنائيّاً بارعاً ، إستطاع اثبات تورّطي بالجريمة .. كما ضغط على المحلّفين لموافقتهم على إعدامي !.. ماذا عنك ايها الشاب اليافع ؟


السجين العاشر : انا هاكر محترف

- لست قاتلاً ؟!

السجين 10 : لا ابداً .. كل ذنبي انني استطعت إختراق حسابات اثرياء البلد ، وسحب اموالهم للتبرّع بها للجمعيات الخيريّة

- مثل روبن هود ؟

السجين 10 : شيء من هذا القبيل ..ويبدو انني ارعبت الكبار .. ولخوفهم من تكرار فعلتي ، ضغطوا على القاضي لإعدامي الإسبوع القادم .. قبل تورّطي بهذه المسابقة الغريبة !


وهنا قطع كلامه صوت الميكروفون :

- إنتهت الإستراحة !! هيا أخرجوا للساحة ، لبدء لعبتكم الأولى

***


وكانت عبارة عن لعبة الرماية .. فاستسّهلها المجرمون السبعة ، لاستخدامهم المسدسات من قبل .. بينما إستصّعبها المقاول والهاكر وآكل لحم حبيبته ، الذين لا خبرة لهم بالأسلحة .. 

وكان عليهم إصابة الصحن الطائر الذي يُطلق من جانبيّ الملعب .. فإن اصابوه ، ينتقلوا للعبة الثانية.. ولديهم ثلاث محاولات ..


فنجح المجرمون بإصإبة الصحن من المحاولة الأولى والثانية.. بينما نجح الهاكر والمقاول من المحاولة الأخيرة ، بصعوبةٍ بالغة 

ولم يتبقى سوى الرجل (آكل حبيبته) الذي فشل بجميع المحاولات ، وحان وقت عقابه : وعليه الركض بسرعة من اول الملعب حتى آخره ، هرباً من الطلقات العشوائيّة لمسدسٍ إلكترونيّ.. 


ليشهد المتسابقون التسعة مقتله قبل خطوتين من خطّ النهاية ، بعد أن اصابت رأسه رصاصةً طائشة .. 

وهنا ادرك المتسابقون انهم في مسابقةٍ دمويّة ، والمحظوظ من يُنهيها حيّاً دون إعاقةٍ دائمة !

***


بعدها أمرهم الصوت بالإنتقال لقبو الملعب ، لبدء اللعبة الثانية : 

وهي عبارة عن عشرة حفرٍ ، مُغطّاة بقماشٍ اسودٍ سميك ..وعليهم إختيار أحدها للقفز فيها ! جميعها حفراً ترابيّة لا تتعدّى المترين .. ماعدا واحدة ، فيها رؤوساً حادّة كالسكاكين .. والقفز فوقها ، سيمزّق اجسادهم لأشلاء .. 


فتجمّدوا في اماكنهم رعباً .. فأضيئت شاشة القبو ، لعرض صور اولادهم وزوجاتهم .. مع تهديد صوت الميكروفون :

- نحن نعلم عناوين عائلاتكم .. ومن يرفض اللعب في مسابقتنا ، نأمر قتلتنا المحترفين بالتخلّص من احدهم .. لهذا امامكم دقيقة واحدة لاختيار الحفرة التي ستقفزون فيها.. سيبدأ العدّ التنازلي ... الآن !!


وأول من تحرّك منهم ، هو العجوز الذي رمى نفسه في الحفرة الأولى.. ليسمعوا جميعاً صراخه المتألّم ، مما اراحهم .. فهذا يعني ان بقيّة الحفر سليمة .. فسارعوا بالقفز فيها ، قبل انتهاء الوقت .. وقبل قفز آخر متسابقيّن ، سمعوا صرخةً مدويّة للشخص الذي سبقهما !


فنظرا لكاميرا السقف بغضب :

- الم تقل إن السكاكين موجودة في حفرةٍ واحدة ، ايها الكاذب؟!!

فأجابهما الصوت : المتسابق العجوز لوى قدمه بعد سقوطه بالحفرة الفارغة ، ونحن نعالجه الآن.. اما تاجر المخدرات (لأولاد مدارس) فقد قفز فوق السكاكين .. وهاهو ينزف حتى الموت .. يمكنكنا القفز في حفرتكما بأمان


ولم يكن امامهما سوى تصديقه.. وبالفعل وجدا حفرتهما فارغة ..ومشيا في سردابٍ طويل ..الى ان تجمّعا مع بقيّة الفائزين في غرفةٍ ثانية .. قبل انضمام العجوز اليهم وهو يعرج ، بعد معالجة قدمه برباطٍ طبّي .. فعاتبه السفّاح :

- ايها اللعين !! صراخك جعلنا نقفز دون التروّي باختيار الحفرة ، جيد اننا لم نُقتل بسبب التواء قدمك !

العجوز : لا يمكننا التفكير في هذه المسابقة ، نحن مجرّد فئران تجارب


فظهر الصوت ليقول : 

- بلى !! توجد ضمن مسابقتنا العاب ذكاء ، فلا تستعجلوا ..الآن ستبدأ اللعبة الثالثة

***


وفُتح بابٌ جديد ! ليجدوا بداخل الغرفة : ثمانية آلات رياضيّة مُخصّصة للمشي ..

قائلاً الصوت :

- عليكم الإستمرار بالسير عليها ، مهما زدنا سرعتها .. ومن يتعب منكم ، يجد حقنة مغروزة في مؤخرته ، فيها سمٌّ يقتل حصان بثواني .. هيا إصعدوا عليها ، ونحن سنتحكّم بحركتها ..

العجوز بخوف : وكيف سأنجح بهذه اللعبة اللعينة ، وانا أكبرهم سناً ورجلي ملتويّة ؟! 

الصوت : إمّا أن تجرّب حظّك ، او نقتل ابنك الوحيد الذي يعمل الآن في ورشته  

العجوز بغضب : اللعنة عليكم !!


وصعد وهو يستند على طرفيّ الماكينة ، قائلاً بصوتٍ منخفض وهو يكتم دموعه : 

- انا ميت بجميع الأحوال


ثم بدأت الماكينات بالتحرّك ببطء .. سرعان مازادت سرعتها .. ليلاحظوا ابرة حادّة تقترب من مؤخّراتهم ! 

مما جعل العجوز يتعثّر خوفاً ، لتنغرز الإبرة في رقبته ! 


وهنا توقفت جميع الماكينات الرياضيّة ، ليشاهدوا إنتفاضات العجوز المرعبة ، قبل تسليمه الروح !

فقال الصوت : ارأيتم !! لم تكن اللعبة صعبة ، فالعجوز اختصرها لعشر دقائق فقط .. لهذا تجهّزوا للعبة القادمة التي ستجدونها بالقاعة المجاورة

***


ودخلوا الى هناك ، ليشاهدوا اسلاكاً شائكة على طول قاعة الجمباز المهجورة ! 

قائلاً الصوت :

- عليكم تجاوز المتاهة للوصول لبوّابة القاعة الثانية.. مع العلم بأن اسلاكها مُكهّربة ايضاً .. لهذا انتبهوا اثناء مروركم من طرقاتها الضيّقة.. وعليكم الوصول لخطّ النهاية خلال 5 دقائق .. الوقت يبدأ .. الآن !!


فاختار كل واحدٍ منهم ، طريقاً متشعّباً للمتاهة .. وهم يتوخّون الحذر من لمس اسلاكها المُكهّربة .. وأول الواصلين : هو الهاكر بخلال دقيقتين فقط .. بينما انتشر البقيّة في طرقاتها المتفرّعة .. الى ان وصلوا جميعاً للبوّابة الثانية ، قبل انتهاء الوقت بقليل .. 


فيماعدا سفّاح النساء الذي كان بديناً ، فعلقت ملابسه بإحدى الأسلاك .. وأثناء تحرير نفسه ، لمس السلك المُكهّرب .. ليسمعوه من بعيد وهو يُصعق حتى الموت !  

وهنا قال الصوت : 

- موظفونا سيسحبون جثته بعد قليل.. الآن إدخلوا للغرفة التي امامكم ، لبدء اللعبة التالية

***


ووجدوا بالداخل منصّةً صغيرة ، عليهم الوقوف عليها للإجابة على عشر اسئلة تفضح اسرار حياتهم ! قبل قيام ذراعين إلكترونيين بلفّ القماش السميك حولهم كالمومياء ، لكتم أنفاسهم حتى الموت ! 


وبدأ الهاكر اولاً ، فليس لديه ما يخجل منه .. فهو كان متفوّقاً بدراسته ، ومواطنٌ شريف يحب مساعدة الفقراء .. لهذا اجاب على الأسئلة العشرة بسرعة ، ليتوقف دوران القماش عند خصره .. 


لكن الأمر لم يكن سهلاً على بقيّة المتسابقين الذين تفاجأوا بنوعيّة الأسئلة التي تتعلّق بطفولتهم وعلاقتهم مع الجنس الآخر ، ولم يفهموا كيف حصل المراهنون الأثرياء على اسرارهم الخاصّة ! 


وكان الخاسر الوحيد بينهم : قاتل المشرّدين الذي كان فقيراً طوال طفولته ومراهقته .. وبدل شعوره بمعاناة البؤساء ، كرههم بعد تيّسر احواله الماديّة ! والذي حاول بصعوبة التنفّس اسفل القماش السميك الذي غطّى كامل وجهه ، الى أن توقف عن الحِراك .. ليموت واقفاً كالمومياء ، امام أعين زملائه !

***


ثم صعدوا مجدّداً للساحة (حسب اوامر الصوت) لبدء اللعبة التالية : ليجدوا حوضاً زجاجيّاً عاموديّاً ! عليهم النزول فيه ، بعد تقيّد الموظف المُقنّع (المُسلّح) اقدامهم بسلاسل مربوطة بأسفل الحوض .. وإعطائهم حلقة فيها ثلاثين مفتاحاً .. عليهم إيجاد المفتاح المناسب لفتح القفل ، اثناء ملء الحوض بالماء .. فإمّا أن ينجوا ، او يموتون غرقاً ! 



وفاز الجميع قبل انقطاع أنفاسهم .. فيماعدا قاتل اولاد الشوارع الذي لديه رهاب الغرق ، فهو لم يسبح في حياته .. لهذا لم تستطعّ يداه المرتجفتان إيجاد المفتاح في الوقت المتاح له ! 

وأمضى دقيقته الأخيرة بالطرق على الجدران الزجاجيّة ، برعبٍ شديد .. مما أشعر الهاكر بالشفقة عليه ، فصرخ قائلاً : 

- المفتاح الصدىء ، هو مفتاح السلّسلة !! 

لكن الرعب الذي انتاب المتسابق ، أدّى لموته غرقاً !  


فقال الصوت بحزم : الغشّ ممنوع !! في المرة القادمة ، نقتل من يساعد غيره من المتسابقين .. هل كلامي مفهوم ؟!! 

فسكت الجميع من رهبة الموقف ، فأكمل الصوت قائلاً : 

- الآن انتقلوا للغرفة المجاورة ، لبدء اللعبة الجديدة 

***


وكان عليهم اولاً : صعود السلّم الموصول بجسرٍ خشبيّ متأرجح ، يوصلهم للجهة المقابلة .. بعد قيام الموظف المُقنّع برشّ البنزين على ملابسهم ، وإشعال بركة النار اسفل الجسر ! فإن سقطوا بداخلها ، يحترقون فوراً ..


ولأن الجسر لا يتعدّى ثلاثة امتار ، استطاعوا جميعاً تجاوزه .. ماعدا قاتل زوجته (للحصول على التأمين) الذي يعاني من حولٍ في عينيه ، جعله يسقط بعد خطوتين ! 

ليسمع الجميع صراخه المتألّم وهو يحترق حتى الموت..


ثم نادى الميكروفون : الآن توجّهوا للقبو ثانيةً ، فالموظفون غيّروا ديكوراته للعبتكم الجديدة

*** 


وفي القبو .. وجدوا خزانة مليئة بالدبابيس الحادّة على جانبيها ، وعليهم الوقوف بداخلها .. وامامهم شاشة حاسوب : تظهر عليه صور حيوانات ، ثم تختفي سريعاً .. وعليهم إيجاد الصورتين المتطابقتين خلال 10 ثواني ، وإلاّ سيقترب طرفيّ الخزانة الحديديّة من اجسادهم !

ومن يخطئ بالمحاولة الخامسة ، تنغرز الدبابيس الحادّة بكافة جسمه حتى الموت !


واستطاعوا جميعاً الإجابة ، فيماعدا قاتل الشرطة الذي يعاني من ضعفٍ في الذاكرة .. لهذا وقبل إجابته السؤال الأخير (بعد اقتراب المسامير كثيراً من جسده) قال لهم بحزن : 

- إخبروا عائلتي انني انتقمت لأخي الكبير ، الذي أتمنى رؤيته في العالم الآخر.. 


ثم ودّعهم ، قبل ضغطه على الإجابة الخاطئة .. ليشاهدوا إنطباق الخزانة على جسده ، ويسمعوا صرخته الأخيرة المؤلمة ! 


ليظهر صوت الميكروفون : 

- هآ نحن اقتربنا من نهاية المسابقة.. مبروك للفائزيّن !! مازال امامكما لعبةً أخيرة ، تجدونها بساحة الملعب.. إصعدا الى فوق 

***


والرابحان هما : المقاول والهاكر ، اللذيّن ربطهما الموظف بعدّة حبالٍ رفيعة .. ثم رفعهما لسقف الملعب ، المرتفع 8 امتار عن الأرض.. 

وعليهما الإجابة على اسئلةٍ ثقافيّة .. ومن لا يجبّ : تُقطع إحدى حباله العشرة المُعلّق فيها !


وكان كلاهما يملكان الثقافة العامة ، لكن الهاكر الأسرع بالإجابة ..مما جعل المقاول مربوطاً بحبلٍ واحد ، بينما الهاكر مربوطاً بستة ..فترجّاه المقاول بخوف :

- رجاءً دعني أجيب قبلك ، فأنت مازلت بأمان .. على الأقل نافسني حينما تصل لحبلين فقط .. فأنا لديّ طفلٌ صغير ، اريد رؤيته .. وانت شابٌ صالح تحب المساكين ، فرجاءً ساعدني 


فشعر الهاكر بالذنب ، ولم يجب على الأسئلة التالية التي يعرف إجاباتها .. الى أن اصبح مربوطاً بحبلٍ واحد مثل المقاول ! 

وبقيّ سؤالٌ فاصل بينهما .. من يجيب اولاً ، يربح المسابقة .. ويموت الآخر ، بوقوعه على رأسه من ارتفاعٍ شاهق ! 


وكان السؤال عن الحرب العالمية الثانية التي يحفظها الهاكر منذ صغره ، فأجاب بسرعة .. ليسقط المقاول بغضون ثوانيٍ على الأرض ، مُخلّفاً بركة من الدماء !

 

ثم أنزل الموظف الهاكر من فوق ، مُتزامناً مع الموسيقى الصاخبة التي تُعلن فوزه بالمسابقة الدمويّة !


صوت الميكروفون : 

- مبروك الفوز يا بطل !! فأنا راهنت عليك منذ البداية لأنك لست مجرماً مثلهم ، بل شابٌ عبقريّ .. وبدل أن تستفيد الدولة من ذكائك ، حكموا عليك بالإعدام ! .. لهذا سنسلّمك جواز سفرٍ ، بهويّتك الجديدة .. وسيستقبلك موظفنا في مطار فرنسا ، لإيصالك الى منزلك.. وبعدها بأيام تستلم وظيفتك المكتبيّة ، لتعيش حياةً نظيفة بعيداً عن أعين الشرطة والمحقّقين .. أحسنت يا ديفيد !!  

***


بعد ساعة ، تمّ تسفير ديفيد (الهاكر) الى مطار فرنسا في طائرةٍ خاصة  

***


في مكانٍ آخر .. إجتمع المراهنون العشرة ، قائلاً احدهم بقلق :

- ليته لم ينجح

المراهن الفائز : أمازلت مغتاظاً لأني راهنت على الأمهر بينهم ؟

فأجابه بعصبية : لا يا ذكي !! ديفيد هاكر محترف ، وربما مستقبلاً يتلاعب بحساباتنا البنكيّة ! 

المراهن الفائز : ولهذا نقلته الى فرنسا ، فتهكير حسابات أثرياهم لن يضرّنا

- بل أظنه سينتقم منا ، لأننا جعلناه يعيش اوقاتاً صعبة.. فنحن أخبرناه ببداية اللعبة ، اننا اثرياء بلدته 


مراهن آخر : وماذا تقترح ؟ 

- لا اريد المخاطرة بأموالي .. لهذا سآمر الموظف الذي سيستقبله بالمطار الفرنسي أن يقتله بمكانٍ نائي ويتخلّص من جثته ، كيّ لا يفضح مراهناتنا السرّية الغير قانونية

المراهن الفائز مُعترضاً : لكنهم لعبوا في ناديٍّ مهجور ، بعيداً عن أعين الشرطة .. كما خدّرنا ديفيد قبل نقله لطائرتي الخاصة .. فهو لا يعرف مكان مسابقتنا الدمويّة ! 

- قلت لك !! لن اراهن بتعبي وشقائي امام خبير كمبيوتر ، يدّعي الإنسانيّة والنزاهة 


مراهن آخر : وانا اوافقك الرأيّ ، لنقتل روبن هود المخادع

المراهن الفائز : لكنّا وعدناه بالجائزة ؟!

- سنحقّق وعدنا مع مساجين جدّد ، لكن ليس ديفيد المحترف .. والأفضل أن نختار في المرة القادمة مجرمين حمقى ، لنتخلّص منهم بسهولة 


ففكّر المراهن الفائز قليلاً ، قبل أن يقول : 

- حسناً موافق ، لكن بشرط !! نجعل العابنا القادمة أكثر دمويّة ورعباً 

- الأمر متروكاً لك ، فأنت عقلنا المدبّر ايها الشيطان الماكر

وابتسموا بخبث !


الاثنين، 19 سبتمبر 2022

المُصعد المُراقب

كتابة : امل شانوحة 

 

إنتقام الماضي


في ليلةٍ باردة ، عند الساعة الثامنة مساءً .. جلس العجوز جاك في غرفة المراقبة ، لمتابعة حركة المصاعد الستة لناطحة سحاب (فهي سنته الأخيرة قبل التقاعد)  

وارتشف قهوته وهو يراقب كاميرات المصاعد الداخليّة ، لإصلاح أيّ عطلٍ طارىء .. 


فجأة ! تشوّشت إحدى الشاشات .. ليشاهد من خلالها فيديو لرجلٍ مُقنّع يلوّح بسكينته ، امام مهد حفيدته في بيته ! 

قبل عودة الشاشة لتصوير المصعد الفارغ .. 


فترك جاك عمله ، مُسرعاً الى منزله الذي يعيش فيه مع ابنته المطلّقة وطفلتها..

***


حين وصل ..وجد ابنته مُقيّدة بالحبال في سريرها ، ومُكمّمة الفم بلاصقٍ قويّ .. ما أن ازاله ، حتى صرخت باكية :

- أنقذ ابنتي ، يا ابي !!!


فأسرع الى غرفة حفيده ، ليجد مهدها خالياً ! ورسالة داخل سريرها ، مكتوباً فيها :

((هل تتذكّرني ايها اللعين ؟!!))

***


بعد قليل ، وصلت الشرطة.. وبحثوا في أرجاء المنزل ، دون إيجادهم أثراً للدخيل الذي لم يسرق من المنزل سوى الطفلة الصغيرة !


لتمرّ الليلة بصعوبة على الجدّ وابنته ، وهما يبكيان على الطفلة المفقودة 

***


في منتصف الليل ، وبعد نوم الأم بصعوبة .. تهالك العجوز على سريره بعينيه الدامعتين ، مُحاولاً تذكّر ماضيه .. فالخاطف يبدو لديه ثأراً قديماً معه ! مع انه لم يعادي أحداً في حياته ، فهو موظفٌ مجتهد ، ولديه العديد من الأصدقاء ، وسمعته طيبة في العمل وبين جيرانه .. فمن ذلك المقنّع الذي ارسل تهديده الى مكان عمله ؟ وهل يعرفه شخصيّاً ؟!

***


قبيل الفجر ، إستيقظ جاك للذهاب لدورة المياه ..وعندما عاد ، وجد فيديو مُرسل على جواله من مجهول :

((حيث رفع المقنّع صورة امام الكاميرا ، لولدٍ في السابعة من العمر .. وهو يسأله : 

- هل تذكّرتني الآن يا جاك ؟ 

وانتهى الفيديو !))


وأوشك جاك على إرسال الفيديو للشرطة ، لكنه رغب في معرفة الصبيّ اولاً.. فأخذ يتمعّن في صورته لدقائق ، الى أن تذكّره .. 

فهو عمل سابقاً بمراقبة مصعدٍ في مبنى سكنيّ ، قبل انتقاله للعمل في ناطحة السحاب.. 


فقد كان هذا الولد مُشاغباً للغاية ، يُحب الضغط على جميع ازرار المصعد بعد عودته من المدرسة .. مما يطيل إنتظار الجيران الذين يعودون من عملهم بنفس الوقت ، والذين اشتكوا لجاك بطء حركة المصعد


ليراجع جاك الكاميرات ، ويتعرّف على المشاغب الصغير .. لكنه فضّل عدم إخبار اهله بأفعاله ، رغبةً بتأديبه بنفسه..

^^^


وفي اليوم التالي ، إنتظر عودته من المدرسة .. وقبل وصول الولد الى طابقه .. قطع جاك الكهرباء عن المصعد .. ليس هذا فحسب ، بل تلاعب به صعوداً ونزولاً ، كيّ لا يتسنّى للصبيّ الطرق على باب المصعد للإستنجاد بالجيران .. كما اطفأ الأنوار الداخليّة للمصعد لإرعابه ، لدرجة جعلته يلوّث ملابسه !


وبعد ساعة من تعذيبه النفسي للصغير ، تحدّث معه بميكروفون المصعد : مُهدّداً بعقابه إن لعب بالأزرار ثانيةً .. فوعده الصبيّ باكياً ، بعدم استخدام المصعد طوال حياته

^^^


حتى عندما شكى الصبيّ لأهله ما حصل ، أنكر جاك كلامه وأخبرهم انه انشغل طوال النهار بإصلاح عطل المصعد ، لهذا لم يصدّقه والداه .. فجاك معروفاً بنزاهته وأخلاقه الرفيعة بين سكّان المبنى.. 

^^^


ولم يشفق جاك على الصغير وهو يراه يحمل حقيبته الثقيلة ، صاعداً الى الطابق الخامس يومياً على السلالم ، بعد معاناته من رهاب الأماكن الضيّقة والمظلمة بسبب حادثة المصعد !

***


بعد ساعة .. إتصل المقنّع من جديد ، ليقول جاك بندم :

- انا آسف

المقنّع : على ماذا ؟

- تذكّرت ما فعلته بك .. لم يكن من حقّي إخافة صبيّاً صغيراً 

- ذاكرتك جيدة ايها العجوز .. لكن ليس هذا ما جعلني أخطف حفيدتك

جاك : اذاً لماذا ؟


المقنّع : لطالما أحببت العمل في المطافىء ، وكنت جيداً بإطفاء الحرائق .. وفي يوم وصلنا إتصال عن اولادٍ يلعبون في منزلٍ آيلٍ للسقوط .. فذهبت وحدي لاكتشاف المكان ، فانهارت الأرضيّة الخشبيّة تحت قدمايّ .. ووقعت في قبو المنزل المظلم قرابة ساعة ، قبل أن يصل فريق العمل ويسحبني من هناك .. وكنت منهاراً تماماً بسبب رهابي من الأماكن الضيّقة والمظلمة ، لما فعلته بي بالمصعد .. فاستقلت فوراً .. وهآقد مرّت سنةٌ كاملة وانا عاطلٌ عن العمل .. لهذا بحثت عنك لشهور ، الى أن عرفت عنوان عملك الجديد ومنزلك ..وراقبت ابنتك مُطوّلاً ، لخطف طفلتها الجميلة

جاك بعصبية : وأين حفيدتي الآن ؟!!

- سأريك إيّاها بعد قليل


وأغلق المكالمة .. وبعد دقيقتين ، ارسل فيديو جديد : للطفلة وهي نائمة فوق أرضيّة مصعدٍ ما !


ثم اتصل المقنّع قائلاً :

- حفيدتك عالقة في إحدى مصاعد نيويورك .. ربما داخل مبنى سكنيّ ، او شركةٌ تجاريّة او ناطحة سحاب او مول ، او حتى مبنى مهجور .. الأفضل إيجادها قبل نفاذ الأكسجين او موتها جوعاً ، ايهما أسرع.. الآن سأودّعك ، فطائرتي ستقلع بعد قليل ، على أمل إيجاد عملٍ في الخارج .. القاك في الجحيم ، ايها العجوز الخرِف


وأنهى المكالمة بضحكاتٍ ساخرة ، تاركاً العجوز في خوفٍ شديد على مصير حفيدته الوحيدة !


السبت، 17 سبتمبر 2022

السجن المهجور

كتابة : امل شانوحة 

 

المُعتَقل الأخير 


قبيل نهاية الحرب العالمية الثانيّة ، وفي سجنٍ مركزيّ على ضواحي العاصمة الإلمانيّة .. إستيقظ الشاب (ألبرت) ظهراً ، في وقتٍ متأخر عن موعد التفتيش الصباحيّ لزنزانات السجناء.. ليُصعق برؤية باب سجنه المُنفرد مُنفتحاً ! (حيث الأبواب تُفتح أوتوماتيكيّاً من مركز السجن) 

فمشى بحذر على طول الممرّ الخاصّ بالقبو ، المتواجد فيه وحده بسبب شجاره البارحة مع احد المساجين 

***


وصعد الأدراج باتجاه العنبر الأول ، ليجد جميع زنزاناته مفتوحة دون أثرٍ للسجناء والحرّاس !

حيث بدا السجن هادئاً بشكلٍ مرعب ، عكس الإنفجارات التي تُسمع من بعيد .. فهو يعلم بأن جنود الرّوس على وشك إقتحام برلين.. وربما نجحوا في ذلك ، لأن صراخ الناس يرتفع خارج اسوار السجن !


وانتقل ألبرت من عنبرٍ لآخر في الطوابق الثلاثة للسجن المركزيّ ، بعد إفراجهم عن الجميع ، دون إلقائهم نظرة على زنزانته في القبو المُعتم ! 

***


وحين وصل لساحة السجن ، كان الجوّ مُعبّقاً برائحة البارود ..والطائرات الحربيّة تُحلّق في السماء ..وصوت الإنفجارات والرصاص وهدير الدبّابات تزداد قوّة كل ساعة !

 

فقال بنفسه بضيق (بعد فشله بفتح البوّابة الرئيسيّة) :

- اللعنة على حظي السيء ..فتحوا جميع الأبواب ، وأقفلوا بوّابة السجن من الخارج ! من الأحمق الذي أمر ذلك ؟ ولما يخشى على سجنٍ رطبٍ وقديم من الجنود السوفيّت ؟!


ثم نظر للسور :

- صحيح لا يوجد قنّاص في البرج ، لكن أسلاكه الشائكة مُكهّربة ..مالعمل الآن ؟ لم آكل شيئاً منذ البارحة ، ولا طاقة لي بتسلّق السور العالي 

***


ثم نزل للطابق السفليّ باتجاه مطبخ السجن ، ليجد القليل من المؤونة في مخزنه ! فمدير السجن أخبرهم قبل ايام : ((إن طعامهم ينفذ ، ولا إمدادات قريبة ..خاصة أن الروس يحاصرون العاصمة ، وطائراتهم قصفت أغلبيّة الحقول .. ممّا أجبر الحكومة الإلمانية على تجنيد المزارعين بصفوفها الأماميّة للدفاع عن برلين.. لهذا على المساجين تناول الطعام مرة في اليوم ، بوجبةٍ تكاد تكفي الأطفال !))


ولخوف ألبرت من بقائه عالقاً لأسابيع في السجن المهجور ، إكتفى بتقشير حبتيّ بطاطا.. حيث لا يوجد في المخزن سوى شوالاً من البطاطا والفاصولياء ، وعليه الإقتصاد بهما لحين إيجاده حلاً لأزمته 


وبعد قليّهم بالزيت المُستخدم عشرات مرات ، أكلهم ببقايا الخبز الناشف الذي وجده في الثلاّجة الضخمة الشبه فارغة !

***


وهكذا أمضى يومه بالتجوّل في زنازين المساجين ، وهو يبحث بين اغراضهم التي تركوها هناك ، وكأنه أُفرج عنهم على عجل او تمّ تجنيدهم مع صفوف الجيش الإلمانيّ لقلّة الرجال ، بعد موت الملايين تجمّداً في حربهم الأخيرة ضدّ روسيا !

***


وازداد الأمر سوءاً في المساء ، فهو لا يعلم كيف يدير الطاقة الكهربائيّة .. فالظلام الحالك في العنابر أخافه مع صوت تأرجح القضبان بالهواء ، وكأن السجن بات مسكوناً بالأرواح الغاضبة ! 


فحمل فراشه للنوم في الساحة المُضاءة بنور القمر والنجوم ، وهو أهون من النوم بالداخل .. 

وتغّطى بثلاث لحافات لشدّة البرد .. وهو يتمنى أن يعثر عليه احد في الصباح الباكر

***


مرّ اسبوعان على بقائه وحده في السجن ! دون سماع المارّة لصراخه من الخارج .. كما نفذ شوال البطاطا البارحة ..ولم يبقى امامه سوى سلق الفاصولياء التي ظلّت حبّاتها قاسية ! فهو لا يعلم طريقة طبخها ، لهذا توّعكت معدته .. والأسوء أن الماء انقطع عن الصنابير .. وعليه الحفاظ على الجالون الأخير للماء الصالح للشرب ، الموجود في المطبخ .. 


في هذا الوقت ..انتهى من تفتيش جميع الزنازين ، دون عثوره على شيءٍ يساعده بحلّ مشكلته .. الى أن وصل لسجنٍ مُخصّص لأسيرٍ يابانيّ خائن (إتفق مع الروس ضدّ النازيّة) وتمّ شنقه قبل شهرين ..

 

وبعد بحثه في زنزانة الأسير ..إكتشف بالصدفة رسمة على الحائط ، تبدو لمكانٍ سرّي !

وظلّ يتمعّن بالصورة ، الى أن استوعب وجود نفقٍ محفور اسفل السرير الذي جرّه بعيداً .. ليجد حفرة تمتدّ للأسفل ، بالكاد تكفي شخصاً هزيلاً !

 

ولشدّة إحباطه نزل فيها ، رغم قلقه أن يعلق فيها حتى الموت داخل السجن المهجور !  

 

وظلّ يزحف في السرداب الضيّق الذي امتد مسافةً طويلة ، الى أن وصل لسدٍّ ترابيّ .. فلعن حظه لأنه لا يعلم كيف يعود أدراجه في حفرةٍ بالكاد اتسع فيها ! لهذا لم يكن امامه سوى إكمال الحفر ..

***


بعد حفره قرابه ساعة ، صرخ فرحاً بعد رؤيته النور ! 

فرفع رأسه من الفتحة الصغيرة ، ليجد نفسه خارج اسوار السجن 

 

فأكمل الحفر ، الى ان أخرج جسمه بالكامل .. وحمد ربّه على تحرّره وهو يشعر بالشفقة على الأسير الذي أمضى شهوراً بالحفر ، ليتمّ شنقه قبل موعد هروبه ! 

***


بعد خروجه من السجن .. أكمل سيره باتجاه العاصمة التي وجدها مُدمّرة بالكامل ، وخالية من السكّان ! 

فتساءل بقلق :  

- اين ذهب الجميع ؟! 


ومن حسن حظه انه وجد درّاجةً ناريّة متوقفة على الرصيف .. ولأنه لصّ محترف ، إستطاع إدارتها دون مفتاح ..وقادها باتجاه كوخه المتواجد في ضواحي المدينة .. 

***


حين وصل .. وجد كوخه كما تركه ، بعكس بقيّة المنازل المحترقة والمهدّمة بالقصف الجويّ 

فدخل منزله الذي كان خالياً من امه وزوجته وابنته المراهقة !


فبحث فزعاً داخل الغرف ، الى أن سمع صوتاً قادماً من الحظيرة .. فأسرع الى هناك ، ليجد امه تُحرّك كرسيها المتحرّك بصعوبة وهي تُطعم الدجاج .. والتي ما أن رأته ، حتى احتضنته باكية .. وكلاهما لا يصدّق بأن الآخر بخير ! 

***


بعد هدوء الوضع ، سألها عن زوجته وابنته .. فأردات تغيّر الموضوع بإطعامه اولاً .. لكنه أصرّ على معرفة ما حصل 

فقالت بحزن :

- خسرنا المعركة الحاسمة يا بنيّ ، بعد انتحار قائدنا هتلر.. 

مقاطعاً بعصبية : لا يهمّني أمر اللعين الذي قتلنا جميعاً .. اين زوجتي وابنتي ؟

الأم : دعني أكمل كلامي .. بعد هزيمتنا ، هجم الروس علينا .. ولأننا دون رجال ، بعد مقتل آخر كتيبة تدافع على الحدود .. إغتصبوا نسائنا .. ولولا انني سيدة عجوز ومُقعدة ، لما رحموني 


ألبرت بخوف : وهل أذوا زوجتي وابنتي ؟

- زوجتك بطلة ، دافعت ببسالة عن شرفها .. لكنها لم تستطع حماية  ابنتك من الجنود الثلاثة الذين يغتصبونها.. فظلّت تضربهم على رأسهم بالعصا لتحرير ابنتها ، حتى أطلقوا النار عليها 

- ماتت ماريا ؟

- نعم ..للأسف 

ألبرت بحزن : واين شارلوت ؟ 

- ابنتك أصابها اكتئابٌ حادّ بعد تعرّضها المتكرّر للإغتصاب .. وقد حاولت جاهدة مواساتها ، لكنها بالنهاية .... انتحرت 

ألبرت بصدمة : ماذا !


الأم بقهر : شنقت نفسها بالزريبة .. ولم يكن هذا قرارها وحدها ، فالكثير من الشريفات اللآتي أُعتديّ عليهن ، إنتحرنّ ايضاً بعد قتل اولادهن .. وبذلك خلت قريتنا من الأهالي ، ولم يبقى سوايّ .. ومن الجيد أن الروس لم يسرقوا دجاجاتي ، لأني عشت على البيض طوال المدة الماضية 

فانهار ألبرت باكياً ..


الأم : رجاءً لا تبكي ، فهذا قدرنا .. واحمد ربّك أن خرجت سالماً من ذلك السجن .. وعليك استرداد قوتك سريعاً ، لمساعدة النساء بعملهنّ الشاقّ

- أساعدهنّ بماذا بعد انهيار الدولة ؟

الأم : هناك مجموعة من النساء يقمنّ بإزالة الركام من الشوارع بنيّة إعمار المانيا من جديد ، بعد عودة الروس الى بلادهم .. وبما أن القلّة من الرجال المتواجدين في البلد من العجائز والمعاقين ، فهنّ حتماً بحاجةٍ اليك .. إرتحّ اولاً ، ثم قمّ بواجبك اتجاه وطنك  

***


بعد ايام ، وفي وسط العاصمة .. فرحت النساء بتطوّع ألبرت لمساعدتهنّ ، وسلّموه قيادة الجرّار لإزاحة الأحجار الكبيرة عن الشوارع .. بعد إختلاقه كذبة : بأنه من الجنود القلائل الذين نجوا بأعجوبة من المعركة الأخيرة !

***


وخلال السنوات اللاحقة .. تطوّع ألبرت بالعديد من الأعمال الخيريّة ، جعلته مثال للمواطن الصالح .. وتابع حياته بزواجه من امرأةٍ مناضلة ، أنجبت له خمسة اولاد .. دون أن يعرف أحد قصة هروبه من السجن سوى امه التي كتمت سرّه ، حتى وفاتها.. ليتمّ تكريمه لاحقاً ، كأحد أبطال المخلصين للوطن !


كيك المستقبل

كتابة : امل شانوحة توأم الروح إعتاد شاب (في الثلاثين من عمره ، والمُتخرّج من معهد الكمبيوتر) على الإستيقاظ ظهراً بعد انتقاله لشقته الصغيرة ،...