كتابة : امل شانوحة
المُعتَقل الأخير
قبيل نهاية الحرب العالمية الثانيّة ، وفي سجنٍ مركزيّ على ضواحي العاصمة الإلمانيّة .. إستيقظ الشاب (ألبرت) ظهراً ، في وقتٍ متأخر عن موعد التفتيش الصباحيّ لزنزانات السجناء.. ليُصعق برؤية باب سجنه المُنفرد مُنفتحاً ! (حيث الأبواب تُفتح أوتوماتيكيّاً من مركز السجن)
فمشى بحذر على طول الممرّ الخاصّ بالقبو ، المتواجد فيه وحده بسبب شجاره البارحة مع احد المساجين
***
وصعد الأدراج باتجاه العنبر الأول ، ليجد جميع زنزاناته مفتوحة دون أثرٍ للسجناء والحرّاس !
حيث بدا السجن هادئاً بشكلٍ مرعب ، عكس الإنفجارات التي تُسمع من بعيد .. فهو يعلم بأن جنود الرّوس على وشك إقتحام برلين.. وربما نجحوا في ذلك ، لأن صراخ الناس يرتفع خارج اسوار السجن !
وانتقل ألبرت من عنبرٍ لآخر في الطوابق الثلاثة للسجن المركزيّ ، بعد إفراجهم عن الجميع ، دون إلقائهم نظرة على زنزانته في القبو المُعتم !
***
وحين وصل لساحة السجن ، كان الجوّ مُعبّقاً برائحة البارود ..والطائرات الحربيّة تُحلّق في السماء ..وصوت الإنفجارات والرصاص وهدير الدبّابات تزداد قوّة كل ساعة !
فقال بنفسه بضيق (بعد فشله بفتح البوّابة الرئيسيّة) :
- اللعنة على حظي السيء ..فتحوا جميع الأبواب ، وأقفلوا بوّابة السجن من الخارج ! من الأحمق الذي أمر ذلك ؟ ولما يخشى على سجنٍ رطبٍ وقديم من الجنود السوفيّت ؟!
ثم نظر للسور :
- صحيح لا يوجد قنّاص في البرج ، لكن أسلاكه الشائكة مُكهّربة ..مالعمل الآن ؟ لم آكل شيئاً منذ البارحة ، ولا طاقة لي بتسلّق السور العالي
***
ثم نزل للطابق السفليّ باتجاه مطبخ السجن ، ليجد القليل من المؤونة في مخزنه ! فمدير السجن أخبرهم قبل ايام : ((إن طعامهم ينفذ ، ولا إمدادات قريبة ..خاصة أن الروس يحاصرون العاصمة ، وطائراتهم قصفت أغلبيّة الحقول .. ممّا أجبر الحكومة الإلمانية على تجنيد المزارعين بصفوفها الأماميّة للدفاع عن برلين.. لهذا على المساجين تناول الطعام مرة في اليوم ، بوجبةٍ تكاد تكفي الأطفال !))
ولخوف ألبرت من بقائه عالقاً لأسابيع في السجن المهجور ، إكتفى بتقشير حبتيّ بطاطا.. حيث لا يوجد في المخزن سوى شوالاً من البطاطا والفاصولياء ، وعليه الإقتصاد بهما لحين إيجاده حلاً لأزمته
وبعد قليّهم بالزيت المُستخدم عشرات مرات ، أكلهم ببقايا الخبز الناشف الذي وجده في الثلاّجة الضخمة الشبه فارغة !
***
وهكذا أمضى يومه بالتجوّل في زنازين المساجين ، وهو يبحث بين اغراضهم التي تركوها هناك ، وكأنه أُفرج عنهم على عجل او تمّ تجنيدهم مع صفوف الجيش الإلمانيّ لقلّة الرجال ، بعد موت الملايين تجمّداً في حربهم الأخيرة ضدّ روسيا !
***
وازداد الأمر سوءاً في المساء ، فهو لا يعلم كيف يدير الطاقة الكهربائيّة .. فالظلام الحالك في العنابر أخافه مع صوت تأرجح القضبان بالهواء ، وكأن السجن بات مسكوناً بالأرواح الغاضبة !
فحمل فراشه للنوم في الساحة المُضاءة بنور القمر والنجوم ، وهو أهون من النوم بالداخل ..
وتغّطى بثلاث لحافات لشدّة البرد .. وهو يتمنى أن يعثر عليه احد في الصباح الباكر
***
مرّ اسبوعان على بقائه وحده في السجن ! دون سماع المارّة لصراخه من الخارج .. كما نفذ شوال البطاطا البارحة ..ولم يبقى امامه سوى سلق الفاصولياء التي ظلّت حبّاتها قاسية ! فهو لا يعلم طريقة طبخها ، لهذا توّعكت معدته .. والأسوء أن الماء انقطع عن الصنابير .. وعليه الحفاظ على الجالون الأخير للماء الصالح للشرب ، الموجود في المطبخ ..
في هذا الوقت ..انتهى من تفتيش جميع الزنازين ، دون عثوره على شيءٍ يساعده بحلّ مشكلته .. الى أن وصل لسجنٍ مُخصّص لأسيرٍ يابانيّ خائن (إتفق مع الروس ضدّ النازيّة) وتمّ شنقه قبل شهرين ..
وبعد بحثه في زنزانة الأسير ..إكتشف بالصدفة رسمة على الحائط ، تبدو لمكانٍ سرّي !
وظلّ يتمعّن بالصورة ، الى أن استوعب وجود نفقٍ محفور اسفل السرير الذي جرّه بعيداً .. ليجد حفرة تمتدّ للأسفل ، بالكاد تكفي شخصاً هزيلاً !
ولشدّة إحباطه نزل فيها ، رغم قلقه أن يعلق فيها حتى الموت داخل السجن المهجور !
وظلّ يزحف في السرداب الضيّق الذي امتد مسافةً طويلة ، الى أن وصل لسدٍّ ترابيّ .. فلعن حظه لأنه لا يعلم كيف يعود أدراجه في حفرةٍ بالكاد اتسع فيها ! لهذا لم يكن امامه سوى إكمال الحفر ..
***
بعد حفره قرابه ساعة ، صرخ فرحاً بعد رؤيته النور !
فرفع رأسه من الفتحة الصغيرة ، ليجد نفسه خارج اسوار السجن
فأكمل الحفر ، الى ان أخرج جسمه بالكامل .. وحمد ربّه على تحرّره وهو يشعر بالشفقة على الأسير الذي أمضى شهوراً بالحفر ، ليتمّ شنقه قبل موعد هروبه !
***
بعد خروجه من السجن .. أكمل سيره باتجاه العاصمة التي وجدها مُدمّرة بالكامل ، وخالية من السكّان !
فتساءل بقلق :
- اين ذهب الجميع ؟!
ومن حسن حظه انه وجد درّاجةً ناريّة متوقفة على الرصيف .. ولأنه لصّ محترف ، إستطاع إدارتها دون مفتاح ..وقادها باتجاه كوخه المتواجد في ضواحي المدينة ..
***
حين وصل .. وجد كوخه كما تركه ، بعكس بقيّة المنازل المحترقة والمهدّمة بالقصف الجويّ
فدخل منزله الذي كان خالياً من امه وزوجته وابنته المراهقة !
فبحث فزعاً داخل الغرف ، الى أن سمع صوتاً قادماً من الحظيرة .. فأسرع الى هناك ، ليجد امه تُحرّك كرسيها المتحرّك بصعوبة وهي تُطعم الدجاج .. والتي ما أن رأته ، حتى احتضنته باكية .. وكلاهما لا يصدّق بأن الآخر بخير !
***
بعد هدوء الوضع ، سألها عن زوجته وابنته .. فأردات تغيّر الموضوع بإطعامه اولاً .. لكنه أصرّ على معرفة ما حصل
فقالت بحزن :
- خسرنا المعركة الحاسمة يا بنيّ ، بعد انتحار قائدنا هتلر..
مقاطعاً بعصبية : لا يهمّني أمر اللعين الذي قتلنا جميعاً .. اين زوجتي وابنتي ؟
الأم : دعني أكمل كلامي .. بعد هزيمتنا ، هجم الروس علينا .. ولأننا دون رجال ، بعد مقتل آخر كتيبة تدافع على الحدود .. إغتصبوا نسائنا .. ولولا انني سيدة عجوز ومُقعدة ، لما رحموني
ألبرت بخوف : وهل أذوا زوجتي وابنتي ؟
- زوجتك بطلة ، دافعت ببسالة عن شرفها .. لكنها لم تستطع حماية ابنتك من الجنود الثلاثة الذين يغتصبونها.. فظلّت تضربهم على رأسهم بالعصا لتحرير ابنتها ، حتى أطلقوا النار عليها
- ماتت ماريا ؟
- نعم ..للأسف
ألبرت بحزن : واين شارلوت ؟
- ابنتك أصابها اكتئابٌ حادّ بعد تعرّضها المتكرّر للإغتصاب .. وقد حاولت جاهدة مواساتها ، لكنها بالنهاية .... انتحرت
ألبرت بصدمة : ماذا !
الأم بقهر : شنقت نفسها بالزريبة .. ولم يكن هذا قرارها وحدها ، فالكثير من الشريفات اللآتي أُعتديّ عليهن ، إنتحرنّ ايضاً بعد قتل اولادهن .. وبذلك خلت قريتنا من الأهالي ، ولم يبقى سوايّ .. ومن الجيد أن الروس لم يسرقوا دجاجاتي ، لأني عشت على البيض طوال المدة الماضية
فانهار ألبرت باكياً ..
الأم : رجاءً لا تبكي ، فهذا قدرنا .. واحمد ربّك أن خرجت سالماً من ذلك السجن .. وعليك استرداد قوتك سريعاً ، لمساعدة النساء بعملهنّ الشاقّ
- أساعدهنّ بماذا بعد انهيار الدولة ؟
الأم : هناك مجموعة من النساء يقمنّ بإزالة الركام من الشوارع بنيّة إعمار المانيا من جديد ، بعد عودة الروس الى بلادهم .. وبما أن القلّة من الرجال المتواجدين في البلد من العجائز والمعاقين ، فهنّ حتماً بحاجةٍ اليك .. إرتحّ اولاً ، ثم قمّ بواجبك اتجاه وطنك
***
بعد ايام ، وفي وسط العاصمة .. فرحت النساء بتطوّع ألبرت لمساعدتهنّ ، وسلّموه قيادة الجرّار لإزاحة الأحجار الكبيرة عن الشوارع .. بعد إختلاقه كذبة : بأنه من الجنود القلائل الذين نجوا بأعجوبة من المعركة الأخيرة !
***
وخلال السنوات اللاحقة .. تطوّع ألبرت بالعديد من الأعمال الخيريّة ، جعلته مثال للمواطن الصالح .. وتابع حياته بزواجه من امرأةٍ مناضلة ، أنجبت له خمسة اولاد .. دون أن يعرف أحد قصة هروبه من السجن سوى امه التي كتمت سرّه ، حتى وفاتها.. ليتمّ تكريمه لاحقاً ، كأحد أبطال المخلصين للوطن !
اجمل ما في الحروب وخاصة الحروب العالمية الاولي والثانية وعقبال الثالثة . انها تقير في تركيب المجتمع . من كان برجوازي يصبح برتوراليي . ومن كان وضيع يصبح عزيز. ومن كان مجرم يصبح مواطن شريف
ردحذفقصة شيقة كالعادة من قصصك الشيقة عندي طلب أستاذة امل ان تؤلفي قصة رعب عن سلسلة افلام الجمعة الثالثة عشر عن السفاح جايسون الذي يعود من الموت ويقتل المراهقين اتمنى ان يلهمك ذكائك بقصة شيقة عن ذلك
ردحذفكُتب عن السفّاح جايسون بما فيه الكفاية ! لا احب أن تكون قصصي تقليد لأفلام مشهورة ، أفضّل ان تكون الفكرة مبتكرة .. ربما عن سفّاح جديد وخياليّ .. لنتركها للأيام
حذفلافيكيا سنيورا
ردحذفلافيكيا سنيورا