الخميس، 24 فبراير 2022

السجن الكبير

كتابة : امل شانوحة 

الهروب المستحيل


في وقت الظهيرة ، أُصيب مهندسٌ معماريّ (جي سيونغ) بعد وقوعه من الطابق الثاني على اسياخ البناء التي بترت يده وساقه الأيسريّن .. ليصبح معاقاً ، ممّا يُعدّ وصمة عار في كوريا الشماليّة! 


وبعد علاجه في المستشفى .. قام والداه بتهريبه الى المنزل ، بعد إخباره بطرده من العمل مع تعويضٍ ماليّ بسيط !


وكانوا جميعاً قلقين من وصول خبر إعاقته للحكومة التي ستنقله الى جزيرةٍ نائية مُخصّصة للمعاقين الذين رحّلوا هناك منذ عام 1989 (قبل المؤتمر العالمي للشباب) بأمرٍ من الزعيم لتطهير عاصمته بيونغيانغ من المعاقين العقليين والجسديين عن طريق خداعهم بوجود علاجٍ فعّال في مكانٍ هادىء وخالي من الأمراض .. وتمّ حُشر آلاف الرجال والنساء المعاقين في سفينتين منفصلتين .. وليومنا هذا لا يعلم احد إن كانوا وصلوا بسلام للجزيرة النائية ، ام انهم قتلوا ورميّت جثثهم في البحر ؟ فلا احد منهم عاد لمدينته ، او رأى اهله من جديد !


ولخوف سيونغ على مصيره ، أخبر عائلته بقراره الهرب الى كوريا الجنوبية..

فردّ ابوه بقلق : هل جننت ؟! سيقتلونك حرّاس الحدود .. ثم كيف ستصل هناك ب.. (وسكت)

فأكمل سيونغ : بإعاقتي ؟ سأجد طريقةً ما 

الأم بخوف : لا بنيّ ، هذا تهوّر وجنون !! 


سيونغ : وهل تظنان إن الدولة ستحرّك سفينة لأجلي ؟ أكيد سيقتلونني قبل نقلي للجزيرة المزعومة .. او يرسلوني للمستشفى عسكريّ لإجراء اختبارات طبّية وتشريحيّة غير قانونيّة ، او يجرّبوا عليّ اسلحتهم البيولوجيّة والكيماويّة كما فعلوا مع غيري 

الأم : انت تبالغ ..

سيونغ مقاطعاً بعصبية : كيف ابالغ امي !! الم يحرموا خالتي من طفلها المعاق بعد إعطائه حقنةً قاتلة ؟ ..وانت يا ابي ، أنسيت مجاعة التسعينات حين رفضوا إعطاء عمي الأعمى الطعام بحجّة انه عاطل عن العمل ،  ليموت المسكين جوعاً ؟ .. وماذا عن جارنا القزم الذي ارسلوه للجبال الوعرة بعد تعقيمه ؟ بالتأكيد مات وحيداً دون مساعداتٍ خارجيّة .. لهذا عليّ الهرب من دولتنا المجرمة ..


الأم مقاطعة بقلق : ارجوك بنيّ ، إخفض صوتك وإلاّ قتلونا جميعاً

سيونغ : هذا هو السبب امي !! فأنا ميت بجميع الأحوال ، على الأقل دعوني احاول .. وإن نجحت ، سأجد طريقة لإخراجكما من هذا الجحيم .. أعدكما بذلك

***


في المساء .. خرج سيونغ في وقتٍ متأخر من الليل ، خوفاً أن يروه العسكر ويبلّغوا عنه ، خاصة بعد خروجه من المستشفى دون إذنٍ رسميّ .. وانطلق بعكّازه الى منزل العجوز (مينهو) الذي انتشر صيته بين القلّة من المواطنين ، بتسخير ماله (من بيع محصول ارضه) ودفعها للمهرّبين من اصدقائه الأوفياء .. 


وذلك انتقاماً من الحكومة التي قتلت ابنه الكبير بعد تعثّره في العرض العسكري امام الزعيم كيم ..واعتقلوا ابنه الثاني بعد ضربه جندياً تحرّش بحبيبته ، ومات في المعتقل من شدّة التعذيب .. 

وبعد فقده عائلته ، سخّر نفسه لمساعدة الشباب الشجعان للهرب من جحيم كوريا الشماليّة !

***


حين وصل سيونغ الى منزل مينهو ، وجد عنده 6 آخرين يخطّطون للهرب (صبيتان وعجوزان وشابان) كل واحداً منهم لديه سبباً للإقدام على هذه المجازفة الخطرة ! 


فالشابة يونمي : تنوي الهرب بعد قيام العسكر بقتل والدها والإعتداء على امها حتى الموت ، بتهمة تشجيعهما الجيران على مظاهرات ضدّ الزعيم كيم .. ولخوفها من إنتقام الحكومة ، ارادت الهرب لمنغوليا للعيش مع عمها وعائلته ..


اما سوّ جولي : فكان ابن رجلٌ سياسيّ ، أُتهم ظلماً بالتجسّس لصالح دولة اجنبية ! فتمّ اعدامه ، ليتشرّد هو وامه في الشارع .. 

وبعد قضاء مراهقته متسوّلاً ، ماتت امه لسوء التغذية .. وحين سمع بالصدفة عن العجوز (مينهو) قدِمَ من مسافةٍ طويلة ، أملاً في الهروب لكوريا الجنوبية


اما دونغ : فسُجن بالإعتقال في سن 14 ، لرفضه الذهاب للعمل بالحقول بعد المدرسة .. وتمكّن بعد موت رفيق زنزانته بالأسلاك الكهربائية للبوّابة ، من القفز فوق جثته .. وهو هارب منذ ايام ، ويريد الوصول للصين قبل القبض عليه بتهمة الفرار من السجن


اما هيو ليم : فشهدت عملية إعدام جماعيّ في الملعب التي كانت تتدرّب فيه مع فريقها إستعداداً للأولمبياد .. وشهدت مقتل 11 موسيقيّاً بتهمة حيازتهم لصورٍ غير إخلاقيّة .. وأُجبرت مع زميلاتها على مشاهدة الدبّابات وهي تستحق اجسادهم احياءً ! وبسبب الحادثة أصيبت بالأرق الشديد وفقدان الشهيّة ، لهذا ترغب في الهرب لأيّ مكانٍ خارج بلادها

 

امّا كبار السن فأرادا الهرب بسبب إتهام الأول بسماعه إذاعة كوريا الجنوبية ! اما الثاني فحُكم عليه بالإعدام بعد مسحه طاولة مطعمه بالصحيفة التي عليها صورة الزعيم كيم ! 

وكلاهما تمكّنا الهرب من الجنود ، وقدما لمنزل البطل لتهريبهما خارج البلاد ..


وبعد سماع العجوز (مينهو) لقصصهم الحزينة ، قال لهم :

- انتم تدرون إن مصيري لم يعدّ يهمّني بعد مقتل ولدايّ ، وإني سخّرت مالي لتهريب الشجعان أمثالكم .. لكن كل ما استطيع فعله هو الدفع للمهرّبين ، دون ضمان ما سيحدث لكم لاحقاً 

فردّ الشاب : لا يهم سيدي ، فقد أخرجنا من هنا

مينهو : حسناً ، هناك عشرة طرق للهرب

الجميع بصدمة : عشرة !


مينهو : نعم .. وكل واحدة أصعب من الثانية ، وعليكم الإختيار بينها.. الطريقة الأولى : عبر المنطقة معزولة السلاح بين الكوريتين التي تمتدّ 240 كيلو ، والمزروعة بالألغام والأسلاك الشائكة 

- تقصد طريقٌ برّي ؟!

مينهو : نعم ، وهو طريقٌ طويل ومليء بالمصاعب والأفاعي السامة 

- وماهي الطريقة الثانية ؟


مينهو : البحر الأصفر ، وهو الجزء الشمالي من بحر الصين الشرقي ..وسيكون الهرب عن طريق قوارب الصيد 

- يعني باستخدام التجذيف اليدويّ ؟!

مينهو : صحيح .. فالزعيم منع وجود قوارب بمحرّكات على طول الشاطىء ، بعكس سفن دوريّاته المتطوّرة

- اذاً إحتمالية اللّحاق بنا سهلة ؟

مينهو : بالتأكيد !!

- وما الطريقة الثالثة ؟


مينهو : الهرب الجويّ ، باستخدام إير كوريو

- هذه اسوء طائرات في العالم ! 

مينهو : نعم ..ويمكن للآنستين التقدّم للعمل كمضيفات ..وعندما تصل الطائرة الى الصين او روسيا ، تهربان من الفندق ..الأمر متوقف على ذكائكما ولياقتكما البدنيّة 

- وماذا بشأننا نحن الشباب ؟


مينهو : يمكنكم الهرب عبر الحدود الصينيّة .. (ثم قال بتهكّم) .. مع إن زعيمنا المُبجّل إتفق مُسبقاً مع الحكومة الصينية بإعادة الهاربين او قتلهم إن لزم الأمر !.. اما الطريقة الخامسة : فهي عبر تبادل الطلاّب ، هل سمعتم بها من قبل ؟

- هذه خاصّة بالطلاّب المتفوقين ..أذكر إن زميلي في الدراسة هرب الى قريةٍ صينية اثناء تواجده هناك ، فقتلوا عائلته واقاربه بالكامل .. حينها لم يجرأ احد على تكرار فعلته الجريئة 


مينهو : اذاً لننتقل للطريقة السادسة : وهي عبر بحر اليابان .. حيث يمكنكم الإتفاق مع دوريات جنود الكوريين لأخذكم معهم

- اليست هذه خيانة ؟!

مينهو : أحوالهم المزرية تجعلهم يقبلون المال.. او أن ترضوا بالطريقة السابعة : وهي عبر معسكرات العمل الإجباري بالدول الحليفة كالصين وروسيا

- الا يكفينا إننا عبيد في بلادنا ، حتى نعمل بدولٍ أخرى وبراتبٍ زهيد؟!

مينهو : ليس هذا فحسب ، بل ستعملون بوظائف خطرة كالمعامل النوويّة او المناجم وإزالة الألغام ..


فسألته الصبيّة : وماذا عني ؟

مينهو : الم تقولي إنك رياضيّة ؟ 

الصبية : نعم ، وحصلت على الكثير من الجوائز

مينهو : اذاً يمكنك الهرب عن طريق البعثات الرياضيّة الى دولٍ متقدّمة ، وهناك حاولي الحصول على لجوءٍ سياسيّ

الصبية بحزن : لسوء الحظّ ، الأولمبياد هذه السنة في الصين ..وأكيد سيعيدونني الى هنا


فسأله سيونغ : أيوجد طرق أخرى يا عم ؟

مينهو : طرق خاصة بالبعثات الدبلوماسيّة 

فردّ الشاب : كان عمي دبلوماسيّاً .. ومنعوا عائلته من السفر معه ، وعاملوهم كرهائن كوسيلة للضغط عليه للرجوع بعد انتهاء مهمّته الخارجيّة .. فإن حاول الهرب ، قتلوهم جميعاً 


مينهو : اذاً ليس امامكم سوى رشوى حرس الحدود ، فرواتبهم زهيدة وسيتغاضون عنكم اثناء هروبكم 

- اهذا رأيك ؟!

مينهو : برأيّ الأفضل إختياركم لطرقٍ مختلفة للهرب .. فإن فشل احدكم ، ينجح الآخر


فأخذوا يتشاورون فيما بينهم .. الى أن قرّرت الفتاتان الهرب بالطرق السهلة : البعثة الرياضيّة ، والعمل كمضيفة طيران .. 

اما الشابان : فقرّرا الهرب عن طريق البرّ .. والعجوزان فضّلا رشوى الجنود .. 

اما سيونغ : فاختار البحر ، لعدم قدرته على السير مسافةٍ طويلة بسبب إعاقته .. 

وبدوره وعدهم (مينهو) بدفع المبالغ الضرورية للمهرّبين غداً مساءً .. فشكروه ، وعادوا لبيوتهم قبل بزوغ الفجر 

***


في الليلة التالية .. ودّعوا بعضهم وهم ويحملون اغراضهم المهمّة في حقائب ظهورهم .. وانطلقوا مع المهرّبين الى اماكن حدوديّة ..


وكان سيونغ متضايقاً من نظرات المهرّب المُشمئزّة ، بسبب بطئه في الحركة بسبب إعاقته .. 

وبعد ركوبهما قارب الصيد ، سأله بضيق : 

- كيف ستساعدني بالتجذيف بيدٍ واحدة ؟ 

سيونغ : سأحاول جهدي ، ونتناوب على ذلك

المهرّب : اساساً لما تهرب ، طالما لن يوظّفك أحد في الخارج ؟ 

- سأسافر لأوروبا ، فهم يحترمون المعاقين ويوفّرون الوظائف المناسبة لحالتنا الصحيّة 

المهرّب بلؤم : هذا إن وصلت حيّاً

وأخذا يجذّفان بصعوبة ، الى ان ابتعدا عن الشاطىء قبل شروق الشمس  

***


في عرض البحر ، غفى سوينغ من شدّة تعبه .. واستيقظ بعد ساعة على صوت محرّك سفينة تقترب منهما .. 

وكاد من خوفه أن يقفز من القارب ! فأوقفه المهرّب :

- لا داعي للقلق 

سيونغ برعب : هذه دوريّة عسكرية كوريّة ، سيقتلوننا يا رجل !!

المهرّب : هذا صديقي .. فأنا ادفع له ، للسماح لي بعبور بحر كوريا الجنوبية

سيونغ باستغراب : أحقاً ! وماذا عن حوادث القتل التي سمعناها ؟! 

- مجرّد إشاعات لتخويف الشعب ، وقد نجحوا بتحويلهم لجبناء بائسين


سيونغ بصدمة : أتقصد أنهم عادةً يسمحون لنا بالفرار ؟! 

- ليس بكل الطرق ، فهذا البحر هادىء.. وفيه دوريتين فقط ، وكلاهما صديقايّ  

- ليتني عرفت هذا السرّ ، لطلبت من البقيّة القدوم معنا

المهرّب مُهدّداً : لا احد سيعرفه وإلاّ قطعت لسانك !! فهما يسمحان بمرور شخصٍ واحد كل عام .. ومن حسن حظك انه دورك هذه المرة .. والآن أصمت ودعني اتفاهم معه على قيمة الرشوى 


وتحدث المهرّب مع الضابط (بعد قفزه الى سفينة الدوريّة).. قبل عودته الى قاربه ، بعد حصوله على إذن المرور  


وأكملا التجذيف ، الى أن أخبره المهرّب بوصولهما لبحر الأمان .. 

فتنفّس سيونغ الصعداء بعد رؤيته دوريّة تابعة لكوريا الجنوبية وهي تقترب منهما ، لنقله الى حدودها .. بينما ودّعه المهرّب للعودة الى كوريا الشمالية مُجبراً لأجل عائلته

***


تمّ استقبال سيونغ بحفاوة ، وهم يهنّئونه على هربه البطوليّ من دولته المستبدّة .. وقدموا له غداءً لذيذاً لم يتناول مثله في حياته التي اقتصرت على الأرز المسلوق فحسب ! 

وبكى وهو يتناول الطعام ، فسأله ضابط كوريا الجنوبية :

- الم يعجبك الطعام ؟!

سيونغ بحزن : بلى كثيراً .. تمنّيت لوّ هرب والدايّ معي ، لكنهما كبيران في السن ولم يردا المجازفة

- لا تقلق ، طلبنا من المهرّب إخبار أهلك أنك وصلت بأمان

- شكراً سيدي ، فهذا سيُهدئ بالهم 


الضابط : والآن إخبرنا ..هل ستبقى في بلدنا ، أم تنوي السفر لبلدٍ أجنبيّ؟

- أتمنى العيش في اوروبا  

- وماذا ستعمل هناك ؟ 

- أيّ شيء

- وماذا عن اللغة ؟

سيونغ : أعرف بعض الإنجليزية ، تعلّمتها من سائحٍ اجنبي قبل إختفائه ! 

- طالما اختفى ، فهذا يعني انهم اعتقلوه او قتلوه .. المهم لا تقلق ، سنرسلك الى سفارة البلد التي تريدها ، وهم سيتكفّلون بأمرك

*** 


ومرّت الأعوام عاش فيها سيونغ بأمان في السويد بعد تعلّمه لغتهم وحصولهم على ذراع وقدمٍ صناعيّة ، سهّلت عمله كمعلّم رياضيات للمرحلة الإبتدائية .. 


كما استطاع نشر كتابه عن مصاعب الحياة بكوريا الشماليّة .. ذكر فيها تجارب رفاقه الذين اجتمع معهم في منزل العجوز الطيب (دون ذكر اسمه خوفاً على حياته) والذين لم يحالفهم الحظ ، حيث تمّ إعتقالهم قبل تجاوزهم الحدود ..منهم من أُطلق النار عليه ، ومنهم من أعادته الصين الى بلاده ليموت تحت التعذيب ..اما الفتاتان ، فتمّ الإعتداء عليهما من قبل الجنود ..فأقدمت إحداهما على الإنتحار .. بينما الثانية أُعيدت لبلادها بعد عيشها سنة في كوريا الجنوبية ، حيث أجبرتها حكومة كيم على الظهور في التلفاز لإخبار الشعب عن بشاعة التحرّر في كوريا الجنوبية ، وإن بلادهم أجمل بكثير !

وبعد عدّة مقابلات ، إختفت هي وعائلتها ! ويبدو انهم قتلوها بعد إتمام غرضهم منها .. 


فعلم سيونغ إنه الوحيد الذي نجح بينهم رغم إعاقته ، حيث استطاع الهرب من الجحيم الذي كلّفه الكثير ، بعد إعدام والديه رمياً بالرصاص امام اهالي قريتهم .. 


اما العجوز (مينهو) فمازال لليوم يدفع ماله للمهرّبين لإنقاذ الشباب ، دون اكتراثه بمصيره .. حيث وصفه سيونغ بنهاية الكتاب :((بالبطل الكوري الصامد في وجه الطغيان الشيطانيّ))

*****

ملاحظة : 

كل القصص والأحداث المذكورة بالقصة صحيحة ، وحصلت فعلاً !

المصادر :

https://elaph.com/Web/News/2014/12/965117.html

https://www.youtube.com/watch?v=rycTPYEPa5Q

https://www.youtube.com/watch?v=TiHvmHP1jDc


الاثنين، 21 فبراير 2022

الحرب القادمة

تأليف : امل شانوحة 

 

كابوس الماضي


في مدينةٍ جبليّة بأوكرانيا ، سأل المراهق جده :

- الن تأتي معنا ؟ فالجوّ بالخارج لطيف ودافىء ، سيكون من الرائع قضائه على الشاطىء ، بعد انتهاء العاصفة التي حجزتنا إسبوعين في المنزل

الجد بقلق : إذهب مع عائلتك .. اريد متابعة الأخبار ، فأزمتنا مع روسيا لا تبشّر بخير !

- لكن الرئيس الروسي وعدنا بالإنسحاب !

- بوتين إنسانٌ ماكر ، ويتصرّف بمبدأ الحرب خدعة


المراهق : برأيّ اميركا ستوقفه عند حدّه

- لا احد يستطيع إيقاف زعيم مُصاب بجنون العظمة ، والتاريخ يشهد بذلك

- تقصد هتلر ونابليون ؟

الجد : والكثير غيرهما

- على كلٍ سنذهب بعد قليل ، وسأتصل بك فور وصولنا للبحر

- حاولوا العودة قبل المساء ، فلا ملاجئ قريبة من الشاطىء 

المراهق : جدي ! لن يحصل حرب ، إطمئن

ثم ذهب مع والديه واخته الصغرى (10 سنوات) لقضاء عطلتهم ..

***


اثناء نزولهم الجبل ، علقوا في زحمة سيرٍ خانقة ! فأهالي الجبال رغبوا في استغلال الجوّ اللطيف والهدوء السياسيّ لقضاء عطلة نهاية الإسبوع


ففكّر الأب بالسير عند حافّة الجبل ، للإبتعاد عن شاحنة تعترض طريقه..ليتفاجأ بسيارة تنحرف باتجاهه .. 

ولتجنّب الإصطدام ، إبتعد عن الطريق ! وكاد يسقط في واديٍ عميق ، وسط صراخ عائلته المرتعبة .. 


لكنه استطاع باللحظة الأخيرة تعديل مساره ، والعودة للطريق الرئيسي الذي أصبح سالكاً .. 

فقال لعائلته التي مازال الرعب واضحاً على وجوههم :

- ارأيتم !! نجحت بالإبتعاد عن زحمة الشارع

فعاتبته زوجته بعصبيّة : إيّاك فعلها ثانيةً ، كدّت تقتلنا جميعاً !!

الزوج : المهم اننا مرّرنا بسلام ، وسنصل سريعاً للبحر

***


ووصلوا هناك عصراً .. وقبل نزولهم من السيارة ، لاحظوا قوارباً عديدة تسير باتجاه المضيق خلف الجبل !

فقال المراهق باستغراب : أنظر ابي ! جميعهم يلبسون بدلات الغطس ، ترى لماذا ؟!

الأب : لا ادري ، ربما انتشر خبرٌ بينهم عن وجود كنزٍ هناك !


وفجأة ! خرجت من تحت البحر غوّاصةً ضخمة ، صدئة وقديمة كأنها من زمن الحرب العالميّة الأولى 

وسرعان ما طفى الى سطح البحر المزيد من السفن الغارقة المتهالكة المليئة بالطحالب والصدف البحريّة !


وقبل إستيعاب العائلة ما تراه ! إمتلأت السماء بالطائرات الحربيّة ، قديمة الطراز ذات المحرّكين .. ولحقتها طائرات أخرى أحدث منها بقليل


وهنا لفت انتباههم صوت الإبنة الصغرى وهي تعدّ السفن والطائرات

فأسرع اخوها للبحث بجوجل عن عدد الطائرات والسفن التي غرقت بالمضيق (الذي لطالما كان موقع خلاف ومنشأ المعارك بين رؤساء الدول ، لكونه نقطة الوصل بين القارة الآسيويّة والأوروبيّة) لينصدم المراهق بأن عدد ما رأوه يساوي مجموع السفن والطائرات الغارقة في البحر بزمن الحربين العالمية الأولى والثانية معاً !


فسأل المراهق بخوف : ماذا يعني هذا ؟!

الأم : أمعقول إن اشباح الجنود القدامى ظهرت ، ليجتمعوا في مكان موتهم خلف الجبل ؟!


وقبل أن يُبدي الأب رأيه ، سمعوا هدير الدبّابات من خلفهم ! وكان طرازها يعود ايضاً للحربين العالميتين ! 

ومشى بجانبها نوعين من الجنود : احدهم بلباس الحرب العالمية الأولى ، وجنود آخرين بالزيّ العسكري الخاصّ بالحرب العالميّة الثانية ! وكانت وجوههم شاحبة وآثار الرصاص على اجسادهم ، فمنهم من مشى دون قدمه او ذراعه ، او عينه متدليّة بجانب وجهه .. وبعضهم مشوّه تماماً ، كأنهم عادوا للحياة بالهيئة التي ماتوا عليها !


بهذه الأثناء .. قفزت العائلة عن كراسيها بفزعٍ شديد ، بعد أن طرق قائد الجيش على زجاج سيارتهم وهو يشير للسائق بفتح النافذة !

ففتح الأب بيدٍ مرتجفة ، بعد تأكّده بأن الأشباح تراه مع عائلته ! 

ليجد القائد يشير الى صندوق بجانب قدمه ، ويأمرهم بأخذه (بلغة الإشارة دون نطقه بحرف) 

ففهموا أن عليهم لبس الزيّ العسكري الموجود بالصندوق .. ثم ابتعد القائد لإكمال توجيه جنوده ، للوصول بهم للشاطىء خلف الجبل !


وهنا قال الأب لعائلته : 

- الأفضل الإلتزام بأوامر القائد 

فردّت زوجته : هل جننت ؟!! أتريدني أن البس انا وابنتي الصغيرة ثياب الجيش ؟!

الزوج : اكيد لا يوجد بالصندوق سوى زيّ يناسبني انا وابني ..سأفتح وأرى


وخرج من سيارته ، وسط قلق عائلته .. 

وما أن أدخل الصندوق اليهم ، حتى تفاجأوا بوجود زيّ يناسب الجميع حتى الفتاة الصغيرة ! 


وهنا لاحظ الأب القائد يشير له من بعيد : بأن ينظر جيداً الى مرآة سيارته الأماميّة ! 

ليصرخوا جميعاً بصدمة بعد رؤية وجوههم الشاحبة ، التي لا تختلف عن منظر الجنود الأشباح ! 

***


وفي الوقت الذي كان يشاهد فيه الجد الأخبار عن إعلان روسيا بدء الحرب العالمية الثالثة ! كانت عائلة ابنه أدركوا بأن سيارتهم سقطت بالوادي ، وأنهم جميعاً موتى ! وعليهم الإنضمام لأشباح شهداء الحربين الماضيين الذين قررّوا المشاركة في الحرب القادمة التي ستشتعل شرارها في سواحل أوكرانيا الباردة !


السبت، 19 فبراير 2022

السرداب السرّي

تأليف : امل شانوحة 

الحرب العالمية الثالثة


في منطقةٍ روسيّة .. تلقّى خمسة اصدقاء دعوى للغداء في فلّة مُطلّة على غابةٍ موحشة ! 

وعندما وصلوا .. إستقبلهم صديقهم القديم (آرثر) بحفاوة ، والذي أخذهم في جولة داخل منزله الجديد بحماسٍ وغرور ! 


فسأله أحدهم بدهشة : 

- كيف تمكّنت من شراء فلّةٍ فخمة ؟! 

آرثر بفخر : ربحت اعلى جائزة في اليانصيب

- يالك من محظوظ !

آرثر : يبدو الدنيا ابتسمت لي بعد سنواتٍ من الفشل.. واول ما فكّرت به ، هو الإحتفال مع اصدقائي الأعزّاء 


فنظروا لبعضهم باستغراب ! فهم لم يعاملوه جيداً طوال المرحلة الإبتدائيّة ، قبل انتقاله لمدرسةٍ اخرى بعد تدهور صحّته النفسيّة  

وبعد تناولهم الغداء ، أخذهم الى الغابة مشياً على الأقدام ..

 

واثناء توغّلهم في عمق الغابة ، سأله احدهم :

- لما نحن هنا ؟!

آرثر : كنت وجدت قبل ايام سرداباً سرّياً ، واردّت اكتشافه معكم  

- كان عليك سؤالنا ، إن كنّا سنقبل ام لا ! 

آرثر : هيا لا تخافوا ، فالمكان مثير للإهتمام .. وبابه الوحيد مُخبأ تحت الأوراق والأغصان .. فساعدوني لإزالتها لفتح بوّابته السرّية 


فانضمّوا اليه ، لحين ظهور الباب الحديديّ المدفون بالأرض .. فقال أحدهم : 

- ربما هي لتصريف مياه المطر !

آرثر : لا !! فأنا نزلت قبلكم ، ووجدّت أدراجاً وغرفاً متعدّدة في دهليزها الطويل

- الم تقل انك دعوتنا لاكتشافه معاً ؟!

آرثر : كان سرداباً مخيفاً ، فلم اجرأ على اكتشافه بالكامل .. لهذا دعوتكم ، لمعرفتي بحبكم الشديد للمغامرات .. فهيا اضيئوا جوّالاتكم ، والحقوني


فنزلوا خلفه على السلم .. ليجدوا امامهم سرداباً طويلاً ، بالكاد يصل اليه نور الشمس .. وكانت الإشارات المرسومة على جدرانه تدل انه حُفر في زمن الإتحاد السوفيتي ! 


واندمج الأصدقاء باكتشاف الغرف التي تحوي حواسيب قديمة ، وسمّاعات لاسلكي وجهاز المعلومات التلغرافي بشفرة مورس ، كالتي استخدمتها المخابرات والعملاء السرّين السابقين .. 


واثناء انشغالهم بقراءة الملفّات القديمة العفنة داخل الأدراج الصدئة ، سمعوا آرثر يقول(بعد صعوده لخارج بوّابة السرداب دون علمهم) : 

- اراكم في الجحيم ايها الملاعيين !!

وأقفل الباب بسلسلةٍ حديديّة وقفلٍ كبير (كان خبّأهم خلف الشجرة) ليعمّ الظلام المكان !


فأسرعوا بتوجيه جوّالاتهم لمخرج السرداب ، وهم ينادونه بعلوّ صوتهم ليكفّ عن مزاحه الثقيل .. 

فردّ عليهم من الخارج : 

- أتدرون لما دعوتكم لمنزلي ؟ لأنتقم منكم ايها المتنمّرين الأشقياء 

- كنّا اطفالاً يا آرثر ، وطبيعي أن نُضايق الطالب الجديد


آرثر بقهر : أنسيتم كيف حبستموني في غرفة الفئران ؟

- لا يوجد غرفة فئران بالمدرسة ، كانت كذبة من المديرة لتخويف الطلاّب !!

آرثر : وكيف لطفلٍ في السادسة أن يعرف أنها خدعة.. والأسوء انكم عدّتم لمنازلكم ، وتركتموني محبوساً حتى المساء ..قبل تدخل الشرطة لإنقاذي ، بعد أن بحث عني والدايّ في كل مكان.. وبسببكم أصبح لديّ رهاب الظلام والأماكن الضيّقة ..وأصبتُ بالأرق والكوابيس طوال طفولتي .. لهذا اريدكم الشعور بالخوف ، وانتم مسجونين بسردابٍ مهجور 

- نعتذر منك يا آرثر ، رجاءً إفتح الباب !!


آرثر : سأعيد تغطية البوّابة بالأوراق والأغصان ، حتى لا ينقذكم احد

- هل جننت ؟!! هذه جريمة قتل متعمّدة 

آرثر : أعرف هذا ، اريد جعلكم عبرة لكل من يؤذي الضعفاء

ثم عاد الى فلّته ، دون اكتراثه بطرقهم العنيف واستنجاداتهم الخائفة!

***


بعد رحيل آرثر .. سارع الأصدقاء الخمسة بالبحث في الغرف عن شيءٍ حادّ يُمكن به كسر السلسة الحديديّة حول البوّابة ، مُعتمدين على نور جوّالاتهم التي بدأت تخفت مع مرور الوقت .. الى ان انطفأت مع غروب الشمس !

ولم يبقى سوى جوّالٍ واحد مضاء ، بالكاد ينير طريقهم .. 


فقام أحدهم بتمزيق الورق من احدى الملفّات ، ورميها في سلّةٍ حديديّة صدئة ، واشعالها بقدّاحته .. 

وكلما خفتتّ النار ، رمى المزيد من الأوراق فوقها اثناء تنقّلهم لآخر الدهليز ، لعلّهم يجدون باباً آخر يخرجهم من النفق المعتم


وحين وصلوا لنهاية السرداب ..وجدوا سلالم توصلهم للأسفل ، بعكس ما توقعوه ! 

وما ان نزلوا بضعة ادراج ، حتى سمعوا حركةٍ خفيفة ارعبت كيانهم .. وخافوا أن يكون المكان السفليّ مسكون بالشياطين 

لكن كبيرهم أقنعهم بأنها مجرّد فئران ، وعليهم النزول لاكتشاف المكان الأخير الذي قد يحوي طريقاً سرّياً يعيدهم للغابة !

***


في الأسفل .. وجدوا ثلاثة غرف !

الغرفة الأولى : بها سرير بحالةٍ جيدة ، وثياب تبدو ملبوسة منذ وقتٍ قصير ! 

الغرفة الثانية : كانت بعيدة عنهم ، فقرّروا إكتشافها لاحقاً .. 

ودخلوا الغرفة الثالثة : ليجدوا شقّاً في الجدار يخرج منه الماء الذي يُصبّ في بركةٍ مليئة بالأسماك ! 


فحاول أحدهم شرب الماء ، فأوقفه صديقه : 

- ربما المياه ملوّثة

فردّ عليه : اظن الماء قادم من الجدول الصغير الذي عبرناه قبل وصولنا الى هنا .. أما هذا النوع من السمك ، فيعيش بالأنهار العذبة .. لهذا لا تقلقوا بشأن تلوثه


وبعد ارتشافه الماء ، أكّد لأصحابه إنها نظيفة ..فشربوا منها لشدّة عطشهم

فاقترح أحدهم : 

- في حال بقينا هنا لمدةٍ طويلة ، يمكننا شواء السمك و..  

فقاطعه صوت من خلفهم : 

- السمك لي وحدي !!

 

وارتعبوا جميعاً بعد رؤيتهم لرجلٍ ثمانيني بلحيّةٍ وشعرٍ طويلين ، يلبس ثياباً ممزّقة كأنه مشرّد يعيش في السرداب منذ وقتٍ طويل ! والذي قام بإضاءة اللمبة الصفراء المعلّقة بسقف الغرفة ، وهو يسألهم :

- من سمح لكم باقتحام مسكني ؟

- نعتذر سيدي ، فنحن عالقين هنا .. ونريدك أن تدلّنا على المخرج

العجوز الروسي بلؤم : أخرجوا من حيث دخلتم ايها الفضوليين !!

فأخبروه بما حصل...


العجوز : اظنّي أعرف صديقكم آرثر ، فقد اقتحم سردابي قبل اسبوع .. لكني فضّلت الإختباء ، وتركه يذهب بحال سبيله بعد تفتيشه أغراضي .. لكني حقاً لم أعلم انه خطّط للإنتقام من اصدقائه بحبسهم في منزلي ! 

- أهذا منزلك ؟! أقصد هل انت من حفرته ؟

العجوز : بل الحكومة

- كنا قرأنا بعض الأوراق الموجودة بالملفات والتي تبدو ..

العجوز مقاطعاً بحنق : تقصد التي أحرقتموها ؟

- لم نحرق سوى ملفاً واحداً ، وكنّا مجبرين لتوفير الإضاءة 


العجوز بعصبية : الا تدرون إن كل ملفٍ منها ، قضيت عمراً في كتابته ..فقد وُظّفت بهذه المهمّة لعبقريتي ، رغم كوني بالعشرينات من عمري  

- هل انت جاسوس ؟

العجوز : بل عميل استخباراتي قديم ، وكان عملي هو التنّصت على مكالمات الحكومة الأمريكيّة ، في زمن الرئيس الكينيدي بأزمة الصواريخ الكوبيّة

- كان ذلك بستينات القرن الماضي ! ومرّ وقتٌ طويل على الأزمة ، فلما بقيت هنا بعد انتهاء مهمّتك ؟


العجوز : رغم إن تهيددات الحرب النوويّة بين الدولتين بقيت ل 13 يوم فقط ، إلاّ ان رؤسائي أبقوني لسنوات في السرداب لأعمالٍ ثانويّة ..وعندما خرجت ، وجدّت حبيبتي تزوجت ولديها طفل ، ووالدايّ توفيا بحادث سير .. واصدقائي لم يتعرّفوا عليّ ! .. فلما اعيش في الخارج ، بعد خسارتي كل شيء ، لهذا عدّت الى هنا

- وكيف تعيش ؟

العجوز : قمت بحفر هذه الغرفة الإضافية لإدخال جزءاً من النهر الى نفقي ، والذي وفّر الكثير من الأسماك في الأعوام الماضية 

- لكنه فاتك الكثير يا عم ، فالعالم تطوّر كثيراً في الستين سنة الماضية 

العجوز : نعم ، رأيت مصابيحكم المستطيلة 

- ليست مصابيح ، بل جوّالات

العجوز : ماهي الجوّالات ؟

- أترى غرفة الإتصالات اللاّسلكية في مكتبك بالأعلى ؟ أصبحت الآن بحجم الجيب


فأخذ العجوز يتفحّص جوال أحدهم (الوحيد الذي لم يُطفئ بعد) وهو يسأله: 

- أتقصد إن هذا هاتفٌ صغير ؟!

- وتلفاز وراديو وساعة ، واشياء أخرى كثيرة 

العجوز : لا اصدّق ذلك !

- مازال هناك شحن في جوالي ، وطالما شبكة الإنترنت قويّة في منطقة الفلّل ، سأريك وسائل التواصل الإجتماعي 

العجوز : لحظة ! ماذا يعني إنترنت ؟ 

- يعني العالم كلّه بين يدك ..

وأخذ يريه بعض الفيديوهات ، والتطوّر الحاصل في روسيا 


العجوز بدهشة : يا الهي ! العالم تغيّر كثيراً 

وهنا لفت انتباهه خبر في اليوتيوب عن حرب روسيا القادمة مع أوكرانيا ، والتي مُمكن أن تتحوّل لحربٍ عالميةٍ ثالثة .. فطلب من الشاب فتح الفيديو ، وأخذ يستمع بذهول للأحداث الراهنة !


وبعد انتهاء الفيديو ، سألهم عما يجري في البلاد .. فأخبروه عن الوضع المتوتّر بين روسيا ضدّ اوروبا وامريكا ..

فقال العجوز بعصبية : أفنيت عمري بهذه الوظيفة كيّ أمنع الحرب العالمية ، وهاهم يحضّرون لها من جديد !! أضاع عمري هباءً ؟!

- اهدأ يا عم .. هذه هي السياسة ، وطبيعي أن تحدث حروب بين الدول  

العجوز بحزم : إن كانوا يريدون إقامة مجّزرة عالميّة ، سأحقّق أمنيتهم !!

- ماذا تقصد ؟!


فمدّ العجوز يده وهو يقول : 

- أعطني جوالك ، وسأدلّكم على طريقٍ سرّي آخر يوصلكم للشارع العام .. بشرط أن تعلّموني إستخدام الإنترنت 

- نحتاج اولاً للكهرباء ، فشحنه قليل  

العجوز : لديّ مولّد قديم ، مازال يعمل

- اذاً سأعطيك شاحنه ..

فسأل صديقه : وماذا عن بطاقات التشريج ؟

فأجاب الشاب : انا أشحنه عن طريق حسابي البنكيّ 


العجوز : اذاً علّموني إستخدامه ، ثم إذهبوا بحال سبيلكم .. (ثم هدّدهم قائلاً) ..وإيّاكم إخبار احد عن مكاني ، والا سألحقكم الى بيوتكم وأقطع لسانكم

- وماذا عن ارثر ؟!

العجوز : لا أظنه سيعود بعد جريمته ، حتى لا يتورّط مع الشرطة .. بل سيدعّ جثثكم تتحلّل وحدها ، فهكذا يتصرّف الجبناء .. وأنصحكم أن لا تتواصلوا معه ، كيّ لا يخطّط لقتلكم بطريقةٍ أخرى  

- سنفعل سيدي ، مع اننا لا نرغب بتركك هنا  

العجوز : انا قرّرت الموت في سردابي المهجور ، لكن ليس لوحدي 

- ماذا تقصد ؟!


فلم يجيبهم ! بل أوقد شعلة النار ، وطلب منهم الّلحاق به لبابٍ سرّي موجود في الغرفة الوحيدة التي لم يكتشفوها بعد .. 


وفور خروجهم من باب السرداب ، أقفله العجوز بالمفتاح .. فلم يكن امامهم سوى إكمال طريقهم الى محطّة الباصات ، للعودة الى منازلهم بعد حلول المساء

***  


في السرداب .. أمضى العجوز ليلته وهو يتابع الأخبار ويشاهد الفيديوهات عن الحرب القادمة من الجوّال .. 

***


في الصباح ، ذهب الى مكتب اتصالاته القديم.. وأخرج حاسوبه كبير الحجم ، وبدأ بتشغيل خط التجسّس على الإتصالات الروسيّة المهمّة .. 


وفور سماعه مكالمةً سرّية بين الرئيس بوتين وقائد الجيش ، حتى ابتسم بمكر :

- الأغبياء ! كل تلك السنوات ولم يغيّروا نظامهم القديم للإتصالات العسكريّة .. اذاً لأبدأ العمل !! سأنتقم من القادة القدامى الذين أهدروا حياتي وجهودي في السرداب العفن 


ومن خلال تنصّته على الإتصالات الروسيّة ، إستطاع الوصول الى المخابرات الأمريكيّة والأوروبيّة !

ولإتقانه خمس لغات ، لم يكن صعباً فهم خططهم العسكريّة المستقبليّة .. قائلاً في نفسه :

((يبدو رئيسنا بوتين شخصٌ ماكر ! فهو أعلن للجميع إنسحابه من أوكرانيا ، بينما يُرسل المزيد من جنودنا على عدّة جبهات لمحاصرة العاصمة ! عدا عن بنائه الجسور السرّية ، لاقتحامٍ برّي من شمال أوكرانيا لإشغال جنودهم .. بينما ينوي بالحقيقة إقتحام دولتهم من الجنوب ، لأنها اكثر دفئاً من المستنقعات الشماليّة .. اذاً لأنقل هذه المعلومات للجبهة الأمريكيّة ، ونرى ردّة فعلهم))


وصار ينقل المعلومات بين الدولتين ، حتى أشعل غضبهما بعد فضحه جميع خططهما السرّية .. 

فقامت كل دولة بتجهيز قنابلها النوويّة (دون النيّة بإطلاقها ، بل وسيلة لإرعاب الطرف الآخر) دون علمهما بأن العجوز العبقري إستطاع سرقة الأرقام السرّية لمحطّتي إطلاق صواريخهما النوويّة  


ليقوم اولاً بإرسال قنبلة نوويّة من روسيا باتجاه إحدى الولايات الأمريكيّة التي دمّرتها عن بكرة ابيها ! 

مما أغضب العالم الذين اتفقوا على إبادة روسيا المدعومة من حكومتيّ كوريا الشمالية والصين


ولم يتوقف العجوز عن إثارة الفتن بين الدول ، إلى أن اختفت بعضها عن الخريطة ! 

لكن تدخلاته الشيطانيّة انتهت بعد سقوط قنبلة نوويّة امريكيّة قرب الغابة الروسية .. ليموت العجوز تحت انقاض سردابه السرّي ، دون علم احد بأنه السبب الرئيسي في اندلاع الحرب العالميّة الثالثة التي ابادت ثلث العالم ، ملوّثةً الجوّ والزرع .. ومهددةً بمجاعةٍ عالميّة قد تُنهي الجنس البشريّ بالكامل !


الاثنين، 14 فبراير 2022

محبوب الجماهير

تأليف : امل شانوحة 

 

العاشق الحزين


صعد نجم نائل في عالم الغناء بوقتٍ قياسيّ ، لعذوبة صوته وصدق مشاعره بالأغاني الرومنسية الحزينة.. حيث تميّز بعينيه الدامعتين اثناء غنائه مقاطع عن غدر الحبيب وآلام القلب بنبرةٍ مُنكسرة لشخصٍ مقهور رغم كونه رجلاً وسيماً حصد العديد من الجوائز في بداية مشواره الفنّي ، وكسب ثروةً ضخمة ، وتزوج من عارضة ازياءٍ مشهورة ، وأنجب منها طفلةً جميلة .. واعتبره الناس محظوظاً على كافة الأصعدة ، لهذا تفاجأوا بخبر طلاقه ، رغم ظهورهما مغرمين في المجلّات والصحافة الإلكترونيّة! 


وبعد حصول زوجته على حضانة ابنته الوحيدة ، رفض الحديث عن حياته الشخصيّة بكافة المقابلات التلفازيّة .. لهذا تردّد بقبول دعوة مذيعة ماهرة بسحب إعترافات المشاهير ..

وبعد اصرارها على مقابلة النجم الصاعد وحبيب الجماهير ، وافق وهو قلق من اسئلتها التي ستُعرض على الهواء مباشرةً..


ومرّت المقابلة بسلام ، الى أن سألته عن إصراره باختيار الأغاني الحزينة ؟ وهل هي بسبب خلافاته السرّية مع طليقته قبل الإنفصال؟

فأجابها بقهر : إخترت الكلمات المناسبة لقصتي مع حبيبتي الأولى

فسألته بصدمة : أيعقل أن هناك من كسرت قلب معشوق النساء ؟!

فتنهّد بضيق : نعم ، واحدة


(( بهذه اللحظة .. عادت ذاكرته للماضي ، ومرّ شريط ذكرياته امام عينيه:

ففي بداية شهرته ، تمّ دعوته للغناء في حفلة ستار أكاديمي .. وبعد مشاهدته عدة حلقات من البرنامج .. لفتّت نظره مشتركة تدعى سلوى بابتسامتها البريئة وخفّة ظلّها .. فوافق على مقابلة النجوم الصاعدة ، وهو يأمل الفوز بعلاقةٍ سريعة مع الفتاة الجميلة


حين وصل الى هناك .. تجمّع الطلبة حوله وهم متحمّسين لرؤية فنانهم المميز الذي انشغل باله لعدم وجود سلوى في الإجتماع ! 

فأخبروه أنها خرجت قبل ساعة لرؤية والدها القادم من السفر .. 

فشعر نائل بخيبة امل ! دون إظهار مشاعره للطلاّب ، خاصة للفتيات المتحمّسات لرؤيته .. 


وبعد قليل ، وصلت سلوى مُعتذرةً عن التأخير .. فأراد المغني حضنها ، كما فعل مع البقيّة .. لكنها أبعدته بأدب ، مُكتفيةً بالسلام باليد .. ثم جلست بعيداً عنه .. 

فأخذ يراقب حركاتها الهادئة ، بعكس الفتيات المجتمعات حوله وهنّ يغنين بصوتٍ مرتفع ، ويرقصن بشكلٍ مغري للفت انظار الشاب الوسيم .. بينما التزمت سلوى بأدبها وابتسامتها الخجولة .. 

فسألها نائل : 

- أخبروني انك تألّفين الأغاني ؟

سلوى بخجل : بعض المقاطع القصيرة

- إسمعيني إحداها


فتوجهت للبيانو لعزف مقطعٍ قصير ، أعجبه على الفور ! فطلب شرائه منها .. فأخبرته أنه هديتها المتواضعة له


وطوال الزيارة ، حاول التقرّب منها .. لكنها تعمّدت الوقوف خلف الطلبة ، بعد ملاحظتها نظرات الغيرة من زميلاتها ..ولأنها لا تحب المشاكل ، أبقت مسافة بينهما

 

بعد انتهاء المقابلة .. نزل نائل الأدراج برفقة المشتركين ، بينما اكتفت سلوى بتوديعه من أعلى السلّم 

فنادها نائل :

- إلبسي معطفك يا سلوى ، فالجوّ بارد خارج الأكاديميّة 

فسألته إحداهن بغيرة : 

- هل ستخرجان في نزهة ؟!

نائل : اريدها أن تُسمع الإدراة مقطعها ، لربما حوّلناه لأغنية في البرايم 

 

وبعد توديع الفنان المشتركين ، خرج برفقة سلوى .. ليوقفها قبل دخولهما مكتب الإدارة ، بمكانٍ لا يوجد فيه كاميرات : 

- كذبت على رفاقك ، اريد إستئذان الإدارة لأخذك للعشاء في مطعمٍ قريب من هنا .. فهل توافقين ؟

سلوى بقلق : بشرط !! حضور المصوّرين معنا 

نائل : أفضّل البقاء وحدنا ، للحديث عن مستقبلك الفنّي

فردّت بارتباك : بصراحة لا أثق.. 

مقاطعاً : لا تثقين بي !

سلوى بإحراج : وجودنا بمفردنا ، سيُغضب عائلتي

نائل بضيق : حسناً ، سأطلب تصويرنا عن بعد ..

فوافقت بتردّد ..

***


في المطعم .. أخبرها انه قدم الأكاديميّة لرؤيتها بعد إعجابه بتصرّفاتها الّلبقة مع زملائها ومعلّميها .. وأخذ يحدّثها عن مشاريعه القادمة .. ويسألها عن ماضيها وأحلامها المستقبليّة ، وهو يراقب تصرّفاتها وطريقة أكلها واسلوب تفكيرها .. لتنجح بعد ساعتين بجميع إختباراته النفسيّة الذكيّة 


وحين سألها ممازحاً بالذهاب معه الى فلّته ؟ 

وقفت للبس معطفها ، وقد بدى الإنزعاج عليها ! قائلةً بعصبية : 

- تأخّر الوقت ، رجاءً أعدني .. 

مقاطعاً : هل أغضبتك ؟

فقالت بضيق : لست من الفتيات الرخيصات اللآتي تضيّع وقتك معهن 

فتضايق من كلامها : 

- إن كنت تريني من النوع اللعوب ، فدعي المصوّرين يعيدوك للأكاديميّة  

سلوى بتحدّي : كما تشاء !!

***


ومرّت ايام على الخلاف بينهما ، وقبل يوم من حفلة البرايم .. تفاجأت سلوى بعقاب الإدراة : بمنعها من المشاركة بالحفلة ، بحجّة طبخها آخر الليل ! 

فلم تردّ مجادلتهم ، لمعرفتها بأن المغني المغرور ضغط عليهم لعقابها بعد رفضها له !

وقد احزنها توزيع اغانيها على زميلاتها بعد تدرّبها عليها طوال الإسبوع ، رغم تفوّقها بالغناء على جميع المشتركين ! 


وبعد نزولهم الحفل ، بقيت وحدها بالأكاديميّة .. فقرّرت تأليف اغنية على البيانو .. 


وخلال ساعتين ، استطاعت تأليف الكلمات والّلحن .. وأخذت تغني الأغنية بطربٍ شديد (واضعةً عصابة حول عينيها ، مُتخيّلةً نفسها تغني اغنيتها الجديدة امام الجماهير) دون علمها بأن الإدارة تنقل عزفها مباشرةً امام الجمهور الذي يراقب نائل وهو يتوجّه اليها ، حاملاً الورود .. والذي اشار للكاميرا بعد إخبارها بوجوده ، رغبةً بسماع أغنيتها الجديدة 


وجلس على الكرسي لمشاهدة عزفها فوق المسرح .. قبل إزالتها العصابة عن عينيها ، بعد سماعها تصفيقه بنهاية الأغنية ! 


وما أن رأته حتى علمت بأن الإدارة دبّرت لقائهما ، بعد موافقتها على طلب نائل بعدم إذاعة حديثهما السرّي ..


واثناء استمرار عرض الحفل للجماهير ، طلب نائل الزواج من سلوى بعد اشتياقه لها في الأيام الماضية ..

فأجابت بارتباك : إن وافق اهلي ، فلا مانع لديّ يا نانو ..

- نانو ! أهذا لقبي الجديد 

فابتسمت بخجل .. وانتهى اللقاء بحضنٍ دافىء قبل وداعهما ..

***


لكن حلمهما انتهى ، بعد رفض والدها الزواج من مغني معروفاً عنه بأنه (زير نساء) .. ورغم تأكيد نائل بعدم خيانة سلوى طوال حياته ، إلاّ أن والدها أصرّ على تركها البرنامج رغم نجاحها الكبير فيه ! 

فودّعت رفاقها والمعلّمين بالدموع ، بعد أن أجبرها والدها على الزواج من ابن صاحبه والسفر معه للخارج !

 

وجاء الخبر صادماً لنائل الذي شعر بغدرها ، لعدم رفضها العريس والدفاع عن حبهما البريء ! 

ومن يومها تحوّلت اغانيه للحزينة البائسة ، رغم نجاحه السابق بالأغاني الرومنسيّة المرحة))  


وهنا عاد نائل للواقع بعد سؤال المذيعة :

- هل كان ستار أكاديمي نقطة تحوّل بحياتك العاطفيّة ؟ 

نائل بحزم : رجاءً غيّري الموضوع 

المذيعة بإصرار : هل سامحتها ؟ 

نائل بألم : لم يعدّ يهم .. 

المذيعة : سؤال اخير .. هل نسيتها ؟  

نائل بنبرةٍ حزينة : ولا يومٍ واحد .. أيمكننا التوقف قليلاً ؟ 

فأعلنت المذيعة للمشاهدين : وقفة مع الإعلان !! 

ليظهر نائل وهو يرتشف الماء بيدٍ مرتجفة ، محاولاً التماسك قدر المستطاع !

***


وانتشر المقطع على وسائل التواصل الإجتماعي ، وتضامن معجبيه مع تجربته الحزينة.. وتمنّوا لوّ باستطاعتهم جمعه مع حبيبته الأولى ، وهم غير واثقين إن كان يقصد سلوى ام غيرها !

***


بعد مرور عام على المقابلة .. وبعد انتهائه من إحياء حفلة زفاف بالفندق ، صعد الى غرفته لتغير ملابسه قبل العودة لمنزله .. 

فسمع طرقاً على بابه ، وظنّ انه مدير اعماله .. 

ليجد سيدة تقول له :

- كيف حالك يا نانو ؟

نائل بصدمة : سلوى ! اهذا انت ؟

- لا الومك لعدم معرفتي ، فقد كبرت عشرين سنة بزواجي من ذلك الوحش

نائل بقلق : هل اذاك ؟!

- كان رجلاً معقّداً نفسيّاً ، عشت معه اسوء سنوات حياتي ..وتطلّقنا قبل شهرين بعد حصوله على وصاية ابني الرضيع

- آسف ! لم اكن اعرف

سلوى : وانا ايضاً تفاجأت بطلاقك ، فقد بدوت سعيداً معها !

- كنّا نمثّل امام الصحافة ، فهي لا يهمّها سوى المال والشهرة


ثم عمّ الصمت بينهما ، فيما عدا نظراتهما الدامعة .. فقطعت السكون  بسؤاله عن مقابلته المشهورة :

- أكنت تقصدني ؟

نائل بقهر : نعم ، من غيرك كسر قلبي

- الم تسامحني بعد ؟!

- انت لم تدافعي عن حبنا !

سلوى : صدّقني ، قاومت لآخر لحظة .. أتعلم انني وقفت على حافّة الشرفة ، مُهدّدة والدي بالإنتحار إن لم اتزوجك ؟ ..لكنه سحبني بعنف ..ولولا وصول العريس واهله ، لما توقف عن ضربي .. رحمه الله ، كان اباً عنيفاً


نائل بصدمة : هل مات ؟!

- قبل عامين ، وللآن لم اسامحه على تدميره حياتي ...

- أتدري انني زرته في عمله لأترجّاه أن يغيّر قراره ، لكنه طردني امام الموظفين !

سلوى بحزن : حسابه عند ربه .. وإن كنت تراني ظالمة ، فالله انتقم لك بزواجي من رجلٍ ساديّ يهوى الضرب والشتائم

- لم اتمنى أذيّتك ابداً


وعمّ الصمت مجدّداً ، الى أن قالت :

- آسفة ..اعرف انك متعب من حفلة العرس ، اتيت فقط لتوديعك

نائل : لحظة لا تذهبي !!

- ماذا تريد ؟!

- طالما كلانا مطلّقين ، فلما لا نتزوج ؟

سلوى بقهر : لم اعد الفتاة المرحة يا نائل ، بل بقايا انسانة محطّمة بعد خسارة طفلي ، وخوفي الدائم من عيشه مع والدٍ متوحش

- لا تقلقي .. المحامي الذي اتعامل معه بارعاً في عمله ، ويستطيع إعادته لك 


سلوى : لوّ كان بارع ، لما خسرت وصاية ابنتك !

- انا اعطيتها لأمها ، لانشغالي بعملي .. وفي حال تزوجنا ، نُربّي طفلينا معاً  

سلوى بتردّد : لكنك مازلت وسيماً ، بينما اصبحت مشوّهة

- ماذا تقصدين ؟!

- كان اللعين يعاقبني بجلد ظهري وجرحي بال..

نائل مقاطعاً : اعرف طبيب تجميل محترف

سلوى بابتسامة حزينة : يبدو لن تتراجع عن قرارك !

- تراجعت في الماضي ، وندمت كثيراً 

- وانا ايضاً


نائل : رجاءً اعطني رقم جوّالك

- اخاف من كلام الناس والصحافة ، فأنا لم اعدّ سلوى التي عرفوها في الماضي 

نائل بإصرار : هذه المرة لا يهمّني احد .. هات الرقم حالاً!! 

سلوى وهي تكتم فرحها : كما تشاء ، عزيزي نانو

***


في البداية تزوجا بحفلٍ عائلي بسيط ، بناءً على طلبها .. وبعد نجاح المحامي بإعادة الولدين لهما .. اعلن نائل زواجه للملأ ، مُحذّراً متابعيه من نقد زوجته التي مازالت حبه الحقيقي .. 

ليتفاجأ الزوجان بردّة فعل المعجبين ! بعد حصولهما على آلاف التعليقات المباركة لعودتهما بعد طوال فراق .. 


وأدّى دعم الجمهور لتحسّن نفسيّة الحبيبن اللّذين اشتركا معاً بعدة اغاني من كلمات وألحان سلوى ، وغناء نائل.. والتي وصلت لملايين المستمعين لكونها اغاني رومنسية مرحة ، أشعلت الحفلات والأعراس .. حيث لاحظ الجميع عودة الإبتسامة لنائل الذي زادت شهرته ، بعد انجابه طفلاً من زوجته سلوى .. لتصبح عائلته المميزة محطّ انظار الجميع ، ومثالاً لانتصار الحب في وجه العوائق والظروف العصيبة ! 


السبت، 12 فبراير 2022

الروح المُحتجزة

تأليف : امل شانوحة 

 

إنتقام المظلوم 


في وقت الظهيرة .. تجوّلت امرأة في ارجاء سوبرماركت أُعيد افتتاحها بعد اجراء تعديلاتٍ عليها ، إثر حريقٍ سابق ..

وحين وصلت للخلفيّة ، سمعت بكاء ولدٍ خلف باب المخزن المُغلق بأكياسٍ مُكدّسة على بابه ! 


فحثّها فضولها وحسّها الإنساني على إزاحة الأغراض ..ودفعت الباب بكتفها عدّة مرات ، حتى فتحته .. لتجد مخزناً فارغاً ، وآثار الحريق واضحة على جدرانه السوداء ..

فأنارت جوّالها ، لترى ولداً (10 سنوات) يقف ووجهه للحائط !


فنادته من بعيد : يا ولد !! تعال لأخرجك من هنا 

وفجأة ! شدّ عامل السوبرماركت ذراعها ، لإخراجها بالقوة من المخزن .. وهو يعاتبها :

- من سمح لك بفتح الباب ؟!!

وقبل إقفاله من جديد ، أوقفته بعصبيّة :

- إنتظر !! هناك ولداً بالداخل 

العامل : انت تتوهمين , لا يوجد احد .. 

مقاطعة بحزم : إن لم تخرجه في الحال ، سأصرخ بعلوّ صوتي !!


فارتبك العامل ، وشقّ الباب قليلاً وهو يقول : 

- أنظري بنفسك , لا يوجد احد بالداخل

فأطلّت من جديد ، لتنصدم باختفاء الصبيّ !

المرأة بدهشة : كان هنا قبل قليل ، اين ذهب ؟! 

 

وفور شعور العامل بتيار هواءٍ بارد يتجه نحوه كزوبعةٍ هائجة ، حاول دفع الباب بكل قوته .. قبل إيقافه من جديد :  

السيدة : لحظة !! جوالي وقع بالداخل 


فدفع الجوال بقدمه نحوها ، قبل إغلاقه الباب والعرق يتصبّب من جبينه ! فقالت بامتعاض : 

- ترميه بقدمك , شكراً لذوقك .. سأبلغ الإدارة عمّا حصل

العامل : غرفة المدير في الطابق العلويّ , وإن اقتربت من المخزن ثانيةً سأضّطر لطردك من المتجر

وأعاد تكديس الأغراض خلف الباب !

 

والصادم أن المدير وافق على تصرّف عامله الغير لائق ! 

ولعدم وجود دليلٍ ضدّهما ، لم تذهب للشرطة ..رغم خوفها على الولد المسجون هناك ! 

***


في المساء ، وقبل نومها .. وصلتها رسالة غريبة على جوالها :

((مازلت عالقاً داخل المخزن , ارجوك ساعديني))

فقرّرت التصرّف في اليوم التالي ..

***


في الصباح .. دخلت الى زقاقٍ ضيّق يطلّ على خلفيّة السوبرماركت .. ووقفت قرب النافذة العلويّة للمخزن المغلق ، مُناديةً الولد بحذر :

- يا ولد !! انا السيدة التي حاولت إنقاذك البارحة  


فظهر من النافذة : نصف وجه الولد ويديه ، بعد وقوفه فوق أحجارٍ وأخشاب جمعها من زوايا المخزن..  

- لا استطيع الصعود اكثر من ذلك 

السيدة : أصمد قليلاً  

وصوّرته بالجوال ليكون دليلاً للشرطة على احتجازهم له ..


ثم عادت غاضبة الى السوبرماركت ، مُحاولةً فتح باب المخزن من جديد .. إلاّ أن العمّال طردوها بأمرٍ من المدير ! 


فأسرعت لمركز الشرطة لتريهم صورة الولد المحتجزّ ، بالإضافة لاستغاثته على جوالها .. 


فأرسلوا دوريّة الى هناك ، مما أربك المدير الذي أمر موظّفه بفتح المخزن للشرطيين اللذين لم يجدا سوى آثار مخزنٍ محترق .. 


وبعد حديثهما مع المدير على انفراد ، طلبا من السيدة التسوّق في مكانٍ آخر ! بعد تأكّدهما من الإشاعة : بموت عامل توصيلات صغير حرقاً قبل سنوات ، لتحتلّ روحه الشريرة المخزن  

ورفضت السيدة تصديق كذبتهم , وأصرّت على نقلهم الولد المُعنّف لمكانٍ آخر .. بعكس الشرطة التي سمعت الإشاعة من قبل !

***  


في تلك الليلة .. نامت السيدة وهي مُغتاظة من إهمال الشرطة .. 

واستيقظت آخر الليل بعد إحساسها ببرودةٍ مفاجئة ، لتنصدم برؤية الولد بجانب سريرها ! 

وكادت تصرخ .. لولا وضع أصبعه على فمه ، مُطالباً بالهدوء 


فسألته بفزع : كيف وصلت الى هنا ؟!

- تركت الشرطة باب المخزن مفتوحاً .. فاختبأت في سيارتك ، قبل إحتجازهم لي بعد رحيلكِ .. 

السيدة : ولما يحبسونك هناك ؟! 


فلم يجبها على سؤالها ، بل أخذ يتجوّل في غرفة نومها وهو يقول : 

- منزلك جميل ، أتعيشين وحدك هنا ؟

- نعم .. لم تخبرني بعد عن إسمك ؟ وعنوان أهلك ؟ 

الولد : لا يهم اسمي .. ولا أكترث لأهلي ، فهم أجبروني على العمل في سنٍ صغيرة .. كل تفكيري الآن ، هو إيجاد مسكناً جديداً لي .. لهذا اخترت منزلك الجميل

- عليك أن تسألني اولاً إن كنت موافقة ام لا ! 

فاقترب من سريرها ، وهو ينظر بعينيها بلؤم :

- موافقتك لا تهمّني 

 

وفجأة ! سمع الجيران صوت صراخها من داخل الشقة .. واتصلوا بالشرطة التي وصلت بعد فوات الأوان .. ليجدوها شاحبة الوجه في سريرها ، كأنها رأت شبحاً أفزعها حتى الموت !


وانتشر لغز موتها في المنطقة ، خاصة لإيجاد شقتها مقفلة من الداخل ولا أثر لاقتحام اللصوص .. وعجزت الشرطة عن اكتشاف القاتل ! 

***


ورغم أن الجريمة أفزعت الجميع ، إلاّ أنها أفرحت صاحب السوبرماركت الذي علم برحيل الروح الشريرة التي سكنت مخزنه لأكثر من خمس سنوات .. 

لذا قرّر الإستفادة من مخزنه المغلق ، لتوسيع محله .. وبدأ بدهنه وتنظيفه ، وشراء المزيد من الخزائن الحديديّة لوضع البضائع الجديدة بداخله 


في المقابل .. شعر سكّان عمارة المغدورة بأمورٍ خارجة عن الطبيعية ! وانتشرت الإشاعة بينهم : بأن روح القتيلة احتلّت المبنى .. وانتقلوا منه الواحد تلوّ الآخر ، ليخلو المبنى من السكّان قبل نهاية العام 


بعكس السوبرماركت التي ازدهرت ، وأصبحت وجهة الزبائن في المنطقة 

***


وفي احد الأيام ، وقبل ساعة من الإقفال المسائي .. دخلت سيدة لقسم المنظّفات في المخزن , واحتارت بين منتجين .. وعندما رأت صبياً يعمل هناك ، سألته :

- ما سعر هذا المنتج ؟ فأنا نسيت إحضار نظّارتي

فأجابها الصبيّ : لن تحتاجيها بعد اليوم 


وفجأة ! تلاعبت الأنوار في المخزن ، ليعلو صراخ السيدة الهستيريّ .. ولم يستطع العمّال فتح الباب المقفل من الداخل ! 


فأسرع المدير لمتابعة ما يجري من كاميرات المراقبة للمخزن ، ليشاهد السيدة تطير بالهواء وهي ترتطم بأرفّف الخزائن .. وتتناثر دمائها في كل مكان ، الى أن سقطت بقوة على الأرض دون حراك! 

فعلم المدير بعودة روح الصبي الملعونة لمخزنه من جديد  .. 


وبعد الحادثة ، أجبرت الشرطة المدير على إقفال متجره نهائياً.. 

وآخر ما قاله المدير لعمّاله قبل تسريحهم : 

- لندعّ روحه اللعينة تستمتع بالمكان المهجور .. ولوّ باستطاعتي رؤيته لقتلته من جديد 

ثم سافر للعيش في فلّته بإحدى المناطق الساحليّة ..

***


بعد سنتين .. قرّر مراهقان إقتحام المحل المهجور لتصوير الشبح الصغير.. فتسللاً من نافذة المخزن مساءً ، بعد إنارة جوّالاتهما .. حيث شرح أحدهما قصة الشبح اثناء تجوّلهما بين الخزائن الفارغة: 

- القصة باختصار .. ولدٌ في 12 من عمره ، يعمل في ترتيب البضائع بالمخزن .. وفي ذلك اليوم ، رفض مديره إعطائه سلفة لدفع إيجار بيت اهله .. وعندما عاد ، وجد عائلته مرميّة في الشارع بعد طردهم من الشقة مع اغراضهم .. فقرّر الإنتقام من رئيسه ، بحرق بضائع المخزن ..لكن النار علقت بملابسه الشتويّة ..واحترق حتى الموت تحت انظار مديره الذي لم يحاول اطفائه رغم وجود إنبوبة الإطفاء في مكتبه ! ومن وقتها لازمت روح الصبي المكان ، فقرّر المدير عزل المخزن عن بقيّة المتجر 

فأكمل صديقة : إلى أن أتت السيدة الفضوليّة وأطلقت سراحه

- بالضبط !! والآن دعنا نصوّر المخزن المهجور ، ونشره على اليوتيوب لزيادة عدد متابعينا


وفجأة ! شعرا بزوبعة هواءٍ باردة تقترب منهما .. فأسرع أحدهما بالقفز من النافذة العلويّة ، بينما علق الثاني بالداخل !

وفشلت محاولاته لإنقاذ صديقه الذي ظلّ يصرخ في الظلام ، الى أن أختفى تماماً .. لتجده الشرطة بعد ساعة ، غارقاً في بركة دمائه ! حينها أصدر رئيس البلديّة قراراً بهدم المتجر المسكون ..


واجتمعت الناس لمشاهدة عمليّة الردم .. وبعد تسويته بالأرض ، صفّقوا بارتياح بعد انتهاء الكابوس 

*** 


في اليوم التالي ، وفي شرفة فلّته الساحليّة .. إبتسم مدير السوبرماركت وهو يقرأ خبر الردم بالصحيفة ، قائلاً في نفسه :

((اين ستعيش الآن ايها الحقير الصغير))


ثم ارتشف كوب القهوة .. ليبدأ بالسعال القويّ الذي أيقظ زوجته التي أسرعت للشرفة ، لتجده يحلّق فوق كرسيه ! وقبل إمساكها قدمه ، رمته زوبعة الهواء لخارج الشرفة ، وسط دهشة الزوجة المرتعبة !


ورغم تأكيدها مراراً للشرطة والجيران بما حصل ، إلاّ أنهم أصرّوا على انتحاره .. فلم تكترث لهم ، وأخلت الفيلا بعد تيقنها بإحتلالها من روحٍ غاضبة !


وبعد رحيلها ، قال روح الصبي للسيدة الفضوليّة :

- أخبرتك انني سأعوّضك عن شقتك الصغيرة بمكانٍ فخم ، وهآ نحن نعيش بفيلا قرب البحر .. وإن ملّلنا من هنا ، نحتلّ قصراً او ناطحة سحاب او مدينة بأكملها , فالبشر جبناء ويخيفهم وجودنا

روح السيدة : لطالما تمنّيت العيش في مولٍ تجاريّ 

- اذاً إختاري أحدها ، وسنخطّط معاً للإستيلاء عليها  

وابتسما بخبث


الخميس، 10 فبراير 2022

إعترافات المذنبون

تأليف : امل شانوحة 

 

ذكريات قسّيس


بعد بلوغ القسّيس بطرس 90 عاماً ، إستقال من عمله في الكنيسة ..واستقرّ في منزله لتأليف كتاب عن إعترافات المذنبين  

ذاكراً في مقدّمته : ((بعد خمسين سنة من سماعي إعترافات الرعيّة ، استطيع الجزم بأمرين : لا أحد سعيد ، ولا أحد طاهرٌ بيننا ! فجميعنا مذنبين بطريقةٍ او بأخرى .. 

البعض ذنوبهم بسيطة ، لكن ضمائرهم الحيّة تُشعرهم بعظمة الذنب وحاجتهم لتوبةٍ عاجلة .. بعكس اصحاب الذنوب الكبيرة : كالقتل والإغتصاب والقمار وغيرها ، والذين يكتفوا بقراءتي لبعض الآيات لإراحة نفوسهم التي لم تصنّف ذنبهم بالكارثيّ ! 


كما إن الفقراء هم المتميّزون بالضمير الحيّ ، أكثر من الأغنياء والمشاهير ! فأنا استشعرت رجفة قلوبهم من خلف الستار .. 

بينما اولئك الوقحين يتكلّمون بنبرة فخرٍ واعتزاز بجرمهم ، كأنهم قدموا اليّ للفت أنظار الصحافة او ارضاءً لأهلهم وازواجهم ، وليس اقتناعاً منهم!


وفي كتابي سأطلعكم على اسوء الذنوب التي سمعتها ، التي لولا واجبي بكتمان سرّهم لأبلغت الشرطة .. فهم يستحقون العقاب بدءاً من السجن ، ووصولاً للإعدام !))

*** 


ثم قسّم القسّيس كتابه لثلاثة فصول : الذنوب الصغيرة ، الكبيرة ، والشائعة.. وسرد شرحاً ملخّصاً عنهم :  

((معظم مرتكبيّ الذنوب الصغيرة من المراهقين والشباب في مقتبل العمر التي تفاوتت بين : الكذب على الأهل ، وسرقة المصروف اليومي ، وقيادة السيارة دون إذن ذويهم ، والتنمّر على زملائهم ..وصولاً لعلاقات عاطفية بريئة ..


وأكثر الذنوب الشائعة هي من النساء المهوسين بالعلاقات ، وخيانة الزوج ، وصولاً للدعارة !


اما الذنوب الكبيرة فارتكبتها شخصياتٌ فاشلة ، او مهمّة ومشهورة .. وهي عبارة عن سرقات وإدمان الخمور والمخدرات .. وصولاً للخطف والإغتصاب والشواذّ والسحر الأسود والقتل والتعذيب !))


ثم ذكر القسّيس في كتابه لأكثر حادثة أخافته ، لدرجة إن جسمه يقشعرّ كلما تذكّر كلام الرجل ذوّ الصوت الأجشّ وهو يعترف من خلف الستار الخشبيّ قائلاً :

- ابونا ، أتيت للإعتراف بذنبي لكيّ استريح .. فأنا لم أنمّ أكثر من ساعتين ، طوال العشرين سنةً الماضية  

القسّيس باستغراب : ومالذي فعلته ليعاتبك ضميرك بهذا الشكل ؟! 

الرجل بنبرةٍ ساخرة : ضمير ! أظني ولدّت دونه 

- جميعنا لدينا ضمير ، وهو من يؤنّبنا على ذنوبنا وإلاّ لما اتيت اليّ

الرجل بلؤم : هل سمعك ضعيف ايها العجوز ؟ قلت أتيت لتتلو آيات تجعلني انام ، ولا يهمّني موضوع التوبة بتاتاً 


فكتم القسّيس غيظه لوقاحة الرجل ، وأردف قائلاً :

- حسناً ، إخبرني بذنبك .. انا اسمعك جيداً

فتنهّد الرجل تنهيدةً طويلة ، قبل أن يقول :

- اولاً اريد تنبيهك بأن ما سأقوله يبقى سرّاً بيننا .. فما فعلته في حياتي لا يمكنني البوح به لإنسان ، ولا حتى لطبيبي النفسيّ  

القسّيس : تكلّم بنيّ ، فمهمّتي سماع اوجاعكم بسرّيةٍ تامة 

- اذاً سأبدأ من ذنبيّ الأول .. كنت بعمر 13 حين أحرقت منزلنا 


القسّيس بدهشة : أكان عمداً ؟!

- طبعاً !! وكانت امي بالتبنّي وزوجها وطفلهما الصغير نائمين بالداخل

- يا الهي ! هل ماتوا بالحريق ؟

- بالتأكيد ، فأنا خططّت جيداً لإظهار براءتي امام الشرطة  

القسّيس : ولما قتلتهم ؟

- لأن زوج امي يعيّرني دائماً بأني ابن حرام ، فهم وجدوني على باب الميتم التي تعمل فيه امي ، فقرّرت تبنّي لقيطٍ بائسٍ مثلي .. وكانت حنونة عليّ قبل زواجها وإنجابها لأخي الذي لا يكفّ عن البكاء ليل نهار .. فقرّرت التخلّص من عائلتي الكئيبة


القسّيس : واين عشت بعدها ؟

- عدّتُ لدار الأيتام  

- الم يكن أفضل لوّ بقيت مع عائلتك ؟

الرجل : انا أكره الناس منذ صغري ، ولا تهمّني العائلة .. اساساً هربت من الدار بعمر 15.. وتشرّدت عاماً في الشوارع ، قبل تعرّفي على عصابة لسرقة السيارات التي اكتشفت براعتي الإجراميّة .. وصرت أترقّى بينهم ، حتى أصبحت معاون الرئيس الذي اعطاني مهمّة جديدة

- وماهي ؟

- خطف الأطفال


القسّيس بقلق : وهل خطفتهم بالفعل ؟!

- بعد تجاوز العدد 70 ، لم أعد أعدّهم .. معظمهم من اولاد الشوارع والشحاذين .. لكني ايضاً خطفت اولاداً مميزين

- ماذا تقصد ؟!

الرجل : الزوهريّن ، الم تسمع عنهم ؟

- تقصد اصحاب الدماء الفاتحة الذين يستخدمون كقرابين لإبليس ؟

- ليس هذا فحسب .. بل دمائهم النادرة قادرة على تجديد البشرة ، لدرجة إعادتك شاباً .. والإبرة الواحدة تكلّفك آلاف الدولارات ، بعنا الكثير منها للمشاهير والأثرياء .. الم تلاحظ بعض الممثلين والمغنيّن الذين لا يكبرون بالعمر ؟ اولئك زبائني الدائمين 


القسّيس بخوف : وماذا تفعل بالأطفال ؟ أتسحب دمائهم حتى الموت؟

- الى آخر قطرة .. لكن بعد إخافتهم لعدّة ايام 

- ومن اين عرفت بهذه المعلومة الغريبة ؟

الرجل : ابليس بنفسه أخبر رئيس المحفل بخصائص دمائهم النادرة ، وهم وكّلني بمهمّة توفير الحقن المسماة (بإكسير الشباب) للشخصيات الكبيرة في البلد  

- وكيف تخيفون الأطفال ؟ 


الرجل : بعدّة وسائل : نضربهم بقسوة .. نعتدي عليهم مراراً .. نرميهم بالغابة ليلاً ..او نحبسهم في غرفة الفئران .. او داخل اقفاصٍ حديديّة وحولهم الكلاب المسعورة ، ليصلوا لأعلى مشاعر الخوف .. عدا عن رمينا الأطفال الزوهريين في بئرٍ مظلم ، لنعود ونستخرجهم بعد ايام ، ونسارع بسحب دمائهم قبل موتهم .. 

القسّيس باشمئزاز : أشعر كأني أحدّث شيطاناً ! 

- الشياطين لا تعترف بذنوبها يا ابتي ، بل تفتخر بها

- وانا أشعر باعتزازك بنفسك ! 


الرجل : كنت كذلك في السابق ، لكن بعد مشاهدتي مئات الأطفال يتعذّبون بأبشع الطرق ، لم أعدّ باستطاعتي النوم ! فصراخهم عالقٌ في رأسي 

- وهل تظنّ بأن قراءتي آيات الإنجيل ، سيُريح ضميرك لتنام ؟

الرجل : بل اريد تعويذة قوية تجعلني أغفو لساعاتٍ متواصلة

القسّيس بعصبية : تعويذة ! أتظنني مشعوذاً ؟ إذهب لإبليسك ، ودعه يسلّط عليك المزيد من شياطينه !!


وإذّ بالمجرم يفتح الستار الفاصل بينهما ، ويمسك بخناف القسيس مُهدّداً :

- إسمع ايها العجوز الخرف !! بإمكاني قتلك بسهولة ، خاصة بعد رؤيتك وجهي .. فكنّ مطيعاً واستجب لطلبي ، وإلاّ سأخطف اطفال اقاربك ..وأرسل لك فيديوهات تعذيبهم التي سأشرف عليها بنفسي !!

القسّيس بخوف : ليس لديّ اقارب 

الرجل بامتعاض : رجل دين وتكذب ! 


ثم أخرج جوّاله ، ليُري القسّيس صورة لشابة تحمل طفلاً ، وهو يسأله :  

- اليست هذه حفيدة اخيك وطفلها ؟

القسّيس بخوفٍ وغضب : إيّاك الإقتراب منهما ؟!!

- اذاً ابدأ بترتيل شعوذاتك ، ودعني انام الليلة .. وإلاّ سأجعلك تعيش في جحيمٍ متواصل


فأُجبر القسّيس على الرضوخ لطلبه .. ووضع يده فوق رأس المجرم ، وهو يتلو بعض آيات الإنجيل .. 


وبعد انتهائه ، قال للرجل :

- مهما كانت ذنوبك كبيرة فالربّ يغفر لك ، بشرط توقفك النهائي عنها

الرجل : أتوقف ! أتظنني غبيّ لرفض مليون دولار عن كل طفلٍ يخطفه رجالي .. لا طبعا !! انا فقط اريد النوم بسلام .. وفي حال لم أغفو الليلة ، ستنام قريبتك وطفلها في قبرهما قريباً .. أعدك بذلك  


وخرج من الكنيسة ، تاركاً القسّيس يرتجف بخوفٍ شديد .. والذي سارع بالإتصال بقريبته لتحذيرها ، ومنعها من إرسال طفلها للمدرسة في الأيام القادمة  

***


في اليوم التالي ..وجد القسّيس رسالة على جواله من مجهول ، يقول فيها :

((بوركت يا ابتي ، هذه اول مرة انام براحة منذ سنوات .. يبدو أن الربّ يحبك ! وطالما هديتني ليلةً مريحة ، لن أقترب من عائلتك.. أعدك بذلك!!))


ولم يرى القسّيس المجرم ثانيةً إلاّ في كوابيسه المتكرّرة ، بعد شعوره بالذنب لعدم إبلاغه الشرطة عن هذا المجرم الخطير الذي يهدّد حياة الأطفال الأبرياء ! 

*** 


وبعد ثلاثين سنة من تلك الحادثة ، طبع القسّيس كتابه .. وجلس في المكتبة لتوقيع للقرّاء ، بعد بيعه عدداً من النسخ .. 

وكان سعيداً بالإحتفال المقام له ، إلى أن تغيّرت معالم وجهه فور رؤيته المجرم الذي أصبح عجوزاً ! والذي اقترب من طاولته ، واضعاً الكتاب امامه لتوقيعه ، هامساً بصوته المزعج :

- لا ادري إن كان ذكرك لقصتي أسعدني أم أغضبني ، بعد فضحك سرّي 


القسّيس بخوف : انا لم اكتب اسمك !

- لأنك لا تعرفه

- لا !! كل الإعترافات المذكورة في كتابي لم اكتب اسمائهم ، رغم تميّزي لصوت بعضهم .. 

المجرم : حسناً ، لا بأس .. وقّع الكتاب لوّ سمحت


واثناء توقيع القسّيس للكتاب ، قال للمجرم :

- مرّت سنوات على آخر مرة رأيتك فيها ، أظنّك تخلّيت عن عملك السابق ؟

فهمس بفخر : بل أصبحت رئيس أكبر عصابة في العالم ، ولديّ مخزن يحوي آلاف الحقن السحريّة .. أتفهم ما قلت ؟ ..آلاف !!! 


القسّيس بامتعاض : كان عليّ الإبلاغ عنك منذ مدة طويلة 

- لوّ فعلت ، لأنقذت مليون طفل

القسّيس بصدمة : مليون !

- على أقل تقدير ، فرجالي منتشرون في معظم الدول الفقيرة .. آه على فكرة .. مبروك !! عرفت إن قريبك أنجب فتاةٍ زوهريّة 

القسّيس بخوف : من قال ذلك ؟!

- ممرّضة في حضّانة المستشفى تعمل لصالحي ، إكتشفت ذلك بعد فحصها لكفّها الصغير .. اردّت فقط تحذيرك 

- إن اقتربت منها ..


المجرم مقاطعاً : لا تهددّني ايها الخرف !! فأنا وعدّتك سابقاً بعدم أذيّتهم .. لكني أردّت تحذيرك ، فهناك عصابة منافسة لي .. لذا انصحك بإبعاد الطفلة عن الغرباء قدر المستطاع .. 

ثم حمل الكتاب الموقّع ، وهو يقول :

- شكراً على التوقيع يا ابتي المبجّل


وخرج من المكتبة تاركاً القسّيس يرتجف خوفاً على اقاربه ، وعلى اطفال العالم من عصابة المجرم الذي لن يتوب ابداً !


مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...