الثلاثاء، 31 مارس 2020

لغز نفسي

تأليف : امل شانوحة

 
الذاكرة المشوّشة

في ذلك المساء .. إستيقظت الصبية على المقعد , بجانب سائقٍ مجهول ! وأُصيبت بالفزع حين وجدت باب السيارة مقفلاً .. فصرخت برعب : 
- من انت ؟! أخرجني من هنا حالاً .. أنقذوني يا ناس !!
فأجابها الشاب بهدوء : اهدأي نيرمين ! أفي كل مرة عليّ تذكيرك بشريط حياتنا ؟
باستغراب : حياتنا ! انا لا اعرفك

فأوقف السيارة جانباً .. وسألها بعصبية :
- هل أصبتي بالزهايمر ايضاً ؟ .. (ثم تنهّد محاولاً تهدأة اعصابه).. إسمعي عزيزتي .. أحببنا بعضنا في الجامعة , وتزوجنا .. وفي عيد رأس السنة الماضية تضرّر دماغك بسبب حادثٍ مروريّ , أودى بحياة ابننا الوحيد الذي كان ..
مقاطعة : لا اذكر انني أنجبت من قبل !
- صبّرني يارب !!

وفتح درج سيارته ..وأخرج صورة له وهو يحمل طفلاً في الرابعة , واعطاها لها وهو يقول :
- هذه آخر صورة لجوني .. هل تذكّرته الآن ؟

وخافت ان تجيبه بالنفي , فيزداد غضبه .. وسألته :
- كيف مات ؟
- لم يكن ذنبك , السائق الآخر كان مخموراً حين اصطدم بكما .. يبدو انك لم تأخذي دوائك هذا الصباح ؟
- ايّ دواء ؟!
الزوج : جيد انني اشتريت لك عبوةً جديدة 

وأخذ كيساً من المقعد الخلفي .. وأخرج منه زجاجة فيها حبّات دواء , قائلاً لها :
- هذه وصفة طبيبك النفسيّ , ستعيد التوازن لذاكرتك المشوّشة .. وهذه قارورة ماء .. تناوليها الآن , كيّ نعود الى بيتنا سالمين 

وبترددٍ شديد إبتلعت حبة الدواء .. 
وبعد دقائق .. شعرت بدوخة ونعاس , جعلها تستسلم للنوم !
***

في اليوم التالي .. إستيقظت نيرمين في السرير , وحين نظرت حولها :
- هذه ليست غرفة نومي !
ثم أطلّت من النافذة : 
- لا اذكر انني عشت في هذا الحيّ من قبل ! 

بهذه اللحظات , دخل زوجها ومعه صينية الغداء :
- اخيراً استيقظتي !! أضعتي نصف نهارك .. ومع ذلك أعدّدت لك الفطور , فأنت لا تحبين الطعام الدسم على معدةٍ خاوية ..هآ كيف أصبحتي اليوم ؟
- مازلت لا اذكر شيئاً !
- يا الهي ! ان بقيت على هذا الحال , سأحجز موعداً عند الطبيب .. الآن تناولي طعامك .. 
فأكلت لقيمات قليلة لتسدّ جوعها .. 

ثم سألها :
- هل أعجبك البيض ؟ أعددّته كما تحبينه تماماً
نيرمين باستغراب : أحقاً ! لا اذكر انني احب البيض المسلوق 
فردّ بعصبية : نيرمين !! توقفي عن مضايقتي ارجوك 
- آسفة

وبعد وضعه صينية الطعام جانباً , سألها :
- هل مازال ظهرك يؤلمك ؟
- ماذا !
- البارحة أخبرتني بذلك
نيرمين : ظهري بخير , لكني أشعر بوخزٍ مؤلم في يدي !
- أرني
فرأى إحمراراً بأعلى ذراعها..
الزوج : ربما لدغة بعوضٌ سام .. سأدهنه لك بالمطهر
نيرمين بخوف : لا اريد
- دعيني أهتم بك حبيبتي .. هيا تمدّدي على السرير لأدلّك ما يؤلمك بدواء العضلات 
فردّت بعصبية: رجاءً لا تلمسني !! 
- أتخافين من زوجك ؟!
- إسمع يا ..
الزوج بدهشة : هل نسيتي اسمي ايضاً ! حالتك تزداد سوءاً .. اسمي مايكل , حبيبك الوحيد .. الا تذكرين نزهاتنا على البحر ايام الخطوبة ؟

لكنها تجاهلت سؤاله , قائلةً بحزم :
- اريد مكالمة اهلي !! 
الزوج باستغراب : اهلك !
- نعم , مالغريب في الموضوع ؟
- انت يتيمة
نيرمين بدهشة : ماذا !
- تبنّتك مُدرّسة دار الأيتام حين كنت في الثالثة , لكنها توفيت قبل اسبوع من تخرّجك الجامعي .. الا تذكرين ؟!
- غير صحيح !! لديّ ام واب , واخوان على ما اذكر 
الزوج بسخرية : آه نعم , عائلة اندرسون
وما ان سمعت اسم العائلة , حتى صرخت بارتياح :
- اندرسون !! نعم هذا اسمي .. نيرمين اندرسون
- انتظري قليلاً 

وأخذ يبحث بالأدراج .. الى ان أخرج روايةً مطبوعة , وأعطاها لها وهو يقول : 
- كنت تملكين موهبة الكتابة , وألفت هذه القصة .. ونشرتها لك قبل شهر من ولادة ابننا .. إقرأي العنوان..

((وكانت الرواية بعنوان : عائلة اندرسون المثالية .. تأليف : نيرمين ريتشالد))

فقالت باستغراب : ريتشالد !
زوجها : نعم هو عائلة المرأة التي تبنّتك 
- لا أفهم شيئاً !
- طبيبك أخبرني ان عقلك يرفض تقبّل موت جيمي الصغير , لهذا اقتبستِ حياة البطلة في روايتك : كفتاةٍ عزباء وابنة عائلة ثريّة  
فصرخت بغضب : لا اصدّق كلامك ! هيا أخرج من غرفتي فوراً!!  
فقال بعصبية : لم أعد احتمل افعالك المجنونة يا نيرمين 

وأخرج جواله .. واتصل بأحدهم , قائلاً بقلق :
((اهلاً دكتور جاك .. انا زوج نيرمين ريتشالد.. حالتها تزداد سوءاً منذ ليلة امس .. لا ادري ما حصل ! لكنها لا تتذكّرني ابداً .. نعم تناولت الدواء البارحة .. لكنها ترفض أخذه الآن , لأنه يُسبّب لها الدوخة والنعاس , فماذا أفعل ؟ .. هي خائفةٌ مني , رجاءً كلّمها انت))
وأعطاها الجوال..

فردّت قائلةً : الو !
فسمعت صوت رجلٍ رخيم يقول لها : السيدة نيرمين
- نعم 
- انا طبيبك النفسي (جاك فلامينو) .. أعالجك منذ وفاة ابنك قبل ستة اشهر 
- آسفة لا اتذكّرك , ولا اعتقد انني أنجبت من قبل !
- عزيزتي ..ما يحصل معك أمرٌ طبيعي , فعقلك الباطن مازال يلومك على وفاة ابنك .. وسأحاول علاج مشكلتك فور عودتي من المؤتمر الطبّي في الخارج .. الى ذلك الحين , حاولي ان لا تتعبي زوجك فهو يحبك بجنون 

واعادت الجوال لزوجها , وهي مازالت تنظر اليه باستغراب .. فسألها :
- هل صدّقتني الآن ؟
فالتزمت الصمت ..
الزوج : أتدرين ! سأنادي جارتك لتشربا القهوة سوياً 
- جارتي !
- نعم هي من جيلك , وتصادقتما منذ انتقالنا لهذا البيت .. سأناديها الآن
نيرمين بعصبية : لا اريد رؤية احد !!

لكنه خرج من المنزل .. ليعود بعد قليل مع الجارة التي احتضنتها بالصالة , وهي تسألها بقلق : 
- هل انت بخير نيرمين ؟
فابتعدت نيرمين عنها : عفواً ! هل أعرفك ؟!
فنظرت الجارة الى الزوج باستغراب ! والذي برّر لها :
- هي على هذه الحال منذ البارحة .. ارجوك تحدّثي معها , ريثما اعود من الخارج

وبعد ذهابه .. سألتها من جديد :
- ما بك نيرمين ؟ 
فردّت بقلق : انا لا أتذكّر الماضيّ ! 
الجارة : لا بأس عزيزتي , فالحادثة أضرّت كثيراً بذاكرتك .. لكن نحمد الله ان نجّاكِ من الموت بإعجوبة .. 
- كل ما اذكره انني كنت أعيش برفاهية مع عائلةٍ محبّة
الجارة : آه هذه روايتك : عائلة اندرسون .. قرأتها من قبل , وانا من نصحتك بنشرها لأنها جيدة بالفعل 
فانهارت نيرمين بحزن : يا الهي ! مالذي يحصل معي ؟ 
الجارة : ارجوك لا تبكي 
وحضنتها بحنان
***

في هذه الأثناء .. إلتقى الزوج بصديقه في الكافتريا والذي سأله :
- مابك متعبٌ هكذا ؟
الزوج : ضاق صدري من طول الإنتظار , هل تواصلت معه ؟ 
- نعم , وسينفّذ جميع طلباتك 
- ومتى ؟
- الليلة , وهو يُصرّ على المكان الذي حدّده لك
الزوج : لا مشكلة , الاقيه في جهنم ان اراد .. المهم ان ينتهي الموضوع على خير , فقد مرّ الأسبوع ببطءٍ شديد يا رجل
***

اثناء توديعها جارتها عند الباب , لمحت ابن الجارة ينظر من النافذة ! لتفاجأ بصديقتها تُسرع الى بيتها لإبعاد الطفل عن انظار نيرمين ..
فقالت نيرمين في نفسها : ((كأني رأيت الولد من قبل ! هل بدأت أستعيد ذاكرتي ؟! ..ولما ارتبكت المجنونة هكذا ؟))

ثم دخلت المنزل .. وبدأت تتجوّل في داخله , لعلّها تجد شيئاً يذكّرها بماضيها .. 
واول ما لاحظته : هو عدم وجود اوراق رسمية لها في جميع الأدراج !
وأكملت بحثها عنهم في ارجاء البيت , الى ان حلّ المساء .. 
والشيء الذي زاد من حيرتها : هو خلوّ معظم الغرف من المفروشات , كما القبو والعلّية !

وحين سمعت صفق الباب الخارجيّ , صعدت من القبو .. 
فسألها زوجها :
- ماذا كنت تفعلين بالأسفل ؟!
نيرمين : لا شيء , تجوّلت قليلاً في المنزل .. فأنا وحدي طوال النهار
- آسف حبيبتي , التقيت ببعض الأصدقاء .. هيا تعالي لنتناول عشائنا , أحضرت البيتزا التي تحبينها
- بيترا ! أذكر ان عندي حساسية من الجبن ومشتقّات الحليب
- مجرّد اوهام .. هيا تعالي 

فأكلت قطعة واحدة بتردّد , بعد ان استعادت ذاكرتها حادثة حصلت لها في صغرها حين تعرّضت للتسمّم بسبب شطيرة جبن .. لكنها لم ترغب بمجادلة زوجها 
***

بعد انتهاء العشاء , نظر الى ساعته قائلاً :
- حان الوقت
نيرمين : على ماذا ؟
- اصدقائنا جهزوا حفلة عيد ميلادك , وسنذهب اليهم بعد قليل 
- لكن عيد ميلادي في رأس السنة وليس في الصيف !
- لا اريد جرحك حبيبتي .. لكن دار الأيتام سجّلوك بهذا التاريخ الذي يوافق يوم إيجادهم لك على باب الميتم , رغم ان عمرك وقتها تجاوز الستة أشهر 

ففاجأته قائلةً بحزم : أرني هويّتي !! 
الزوج بدهشة : ماذا !
- بحثت كثيراً في ارجاء البيت , ولم اجد اوراقي الرسميّة .. واريد رؤيتهم الآن !!
- سأعطيهم لك فور عودتنا من الحفل .. الآن بدّلي ملابسك لنصل في الموعد المحدّد  
- وماذا البس ؟
الزوج : لديك فستان احمر فخم في الخزانة , سيليق بهذه المناسبة 

فذهبت الى غرفة النوم .. وفور رؤيتها للفستان , تذكّرته على الفور 
((نعم ! اختي أهدتني إيّاه يوم خطبتي من ... آدم ! .. نعم آدم , وليس هذا الرجل)) 

وهنا ناداها من خلف الباب : لما أقفلتي الباب يا نيرمين ؟!!
فأجابته وهي ترتجف : لوّ سمحت , دعني البس على راحتي 
- اذاً استعجلي !! فصديقتك اتصلت لتخبرني أنهم جميعاً في انتظارك 
- حسناً انا قادمة

وهنا وقع نظرها على روايتها المزعومة .. ففتحها لتقرأ بعض سطورها , لتتفاجأ بوقاحة عباراتها !
فقالت في نفسها ((مستحيل ان اكتب هذه القاذورات !))

واثناء إعادة الكتاب لمكانه , سقط الغلاف الخارجيّ ليظهر الكتاب الأصلي بعنوان : علاقةٌ محرّمة , للكاتب : اريك ماثيو 
- ماذا يعني هذا !  

وفكّرت لثواني قبل ان تقول : لابد ان اسمي الحقيقي هو نيرمين اندرسون 
وكان الحاسوب مضاءً فوق المكتب .. فكتبت على صفحة جوجل :
((البحث عن نيرمين اندرسون))

لتُصعق بمقالةٍ صحفية مذكوراً فيها : 
((صرّحت عائلة اندرسون الثرية انها ستستعيد نيرمين قريباً , بعد اتفاقهم مع الخاطف على مبلغ 50 مليون دولار .. ومازال الوالد يرفض تدخل الشرطة , خوفاً على حياة ابنته الصغيرة))
وحين نظرت لصورة العائلة , تذكّرت على الفور والديها واخوها واختها اللذان يكبرانها .. وكادت تسقط من هول الصدمة !
- اللعين خطفني !

وبدأت تستعيد مقتطفات عمّا حصل ليلة الخطف : 
((حفلتها بالبار مع اصدقائها .. تقديم النادل مشروباً مجانيّ لها , والذي كان نفسه الخاطف ! .. شعورها بالدوار في حمام البار .. ومنظر النادل وصديقه وهما يحملانها للخارج من باب الموظفين , ويضعانها في السيارة .. كما تذكّرت ما حصل ليلة البارحة حين استيقظت في منتصف الليل بعد شعورها بوخزٍ في ذراعها , لتلمحه وهو يحقنها بمخدرٍ ما ! الذي هو السبب في هلّوستها وفقدانها المؤقت للذاكرة)) 

فقالت بضيق :
- لابد ان صديقه لعب دور الطبيب النفسي .. آه الآن تذكّرت !! ابن الجارة هو نفسه جيمي الصغير في الصورة .. يبدو انه وعدها بنصيب من مال الفدية ... ولا استبعد انه استأجر هذا البيت لعملية الخطف , لهذا لم يفرش معظم غرفه

بهذه اللحظات .. طرق الباب بقوة , كادت تصيبها بنوبةٍ قلبية :
- هل انتهيتي ؟!! تأخرنا كثيراً على الموعد
فردّت بصوتٍ مرتجف : ثواني فقط !! 

ثم لبست الفستان بسرعة , وفتحت له الباب .. 
فسألها بقلق : 
- مابه وجهك شاحبٌ هكذا ؟
- لا شيء .. دعنا نذهب

ورغم معرفتها إنه خاطفها , لكنها ذهبت معه على أمل ان يُعيدها الى عائلتها , بعد اتفاقه معهم على مال الفدية (كما ذكرت الصحيفة)..
***

في الطريق , سألها :
- لما انت صامتة هكذا ؟ ولما تضغطين بشدّة على معدتك ؟!
- رجاءً قفّ جانباً , أشعر بالغثيان
- لا استطيع , فقد قاربنا على الوصول
- أخبرتك انني اعاني من حساسية الأجبان 

وفجأة تقيأت .. مما جعله يصرخ عليها بغضب :
- اللعنة ايتها ساقطة !! لوّثتي سيارتي
فنظرت اليه بخوف !
فتدارك الموقف , مُعتذراً :
- آسف حبيبتي , لكني غسلت السيارة اليوم .. هيا خذي المناديل وامسحي ملابسك.. 

بعد قليل .. إنحرف نحو شارعٍ فرعيّ ومظلم..
فسألته بقلق : الى اين تأخذني ؟!
- لا تخافي , الحفلة ستكون في الهواء الطلق .. رجاءً تناولي دوائك , فلا اريد حركات مجنونة امامهم 

واعطاها دواءً مجهولاً .. فتظاهرت إنها تناولت الحبة , التي أخفتها داخل جيبها .. 

بعد قليل .. بدأت تتثاءب امامه وهي تقول :
- أكره هذا الدواء فهو يسبّب لي النعاس
- اذاً نامي قليلاً , سأوقظك حينما نصل

فأسدلت غُرّتها على إحدى عينيها التي أبقتها مفتوحة لمراقبة الشارع , بينما أغلقت الثانية متظاهرةً بالنوم 

وبعد تعمّقه في غابةٍ موحشة , وصلا الى جسرٍ خشبيّ قديم .. لتلاحظ نيرمين انوار سيارة متوقفة من بعيد !
وكلما اقتربا منها , تزايدت دقّات قلبها لأنها إحدى سيارت والدها الفخمة .. وكان ينتظرهما بداخلها لوحده ! 
فخافت ان يقتله الخاطف اثناء عملية التبادل .. 

وبعد توقف السيارة .. أخرج الخاطف المسدس من جيبه , ونزل متوجهاً للأب وهو يشهر سلاحه نحوه .. 
فرفع والدها احدى يديه , وهو يحمل بالأخرى حقيبة المال :
- لا داعي للسلاح بنيّ 
الخاطف : هل المبلغ كامل ؟
- بالتأكيد !! فأنا لن اجازف بإبنتي 
- أعطني الحقيبة 
- لحظة ! لما نيرمين نائمة في السيارة ؟ ماذا فعلت بها ؟
- لا تقلق , هي بخير  

الوالد : اذاً دعني أخرجها من سيارتك , قبل تسليمك المال
- لا !! عندي حلٌّ افضل .. أعطني سيارتك , فحلم حياتي ان أمتلك واحدة مثلها 
- حسناً لنتبادل المفاتيح  
ورمى كل شخص مفاتيحه للآخر.. 
ثم اسرع الخاطف نحو سيارته الجديدة وهو في قمّة الفرح لنجاح خطته , حاملاً بيده حقيبة المال .. 

بينما اسرع الأب الى داخل السيارة المهترئة لاحتضان ابنته النائمة التي لم تحرّك ساكناً قبل ابتعاد الخاطف عن المكان
وحين عمّ السكون الأرجاء , إحتضنت والدها وهي تبكي بحرقة ..

فربت على ظهرها مُهدّأً , وهو يعتذر لها :
- سامحيني يا ابنتي .. تأخّرت اسبوعاً عليك , في انتظار انتهاء الخبير من تزوير النقود  
نيرمين بدهشة : هل كل المال الذي أخذه مزوّراً ؟!
- بالتأكيد !!
- الهذا لم تتصل بالشرطة ؟
الأب : بل لأجل هذا

وأخرج جهازاً صغيراً من جيبه وضغط عليه , ليظهر صوت انفجارٍ هائل من داخل الغابة ! .. ثم قال الأب بارتياح : 
- وهآقد تحوّل اللعين الى اشلاء
نيرمين بدهشة وقلق : ألغمت سيارتك ؟!
- نعم 
- وكيف عرفت انه سيتبادلها معك ؟
- لأنه طمّاع ككل الفاسدين .. لهذا اخترت أفخم سيارتي لإغرائه بسرقتها , واقترحت عليه هذا المكان المجهول لتنفيذ خطتي  .. ولوّ أبلّغت الشرطة لكانت اعتقلته , وهذا لن يشفي غليلي 
- انا خائفة يا ابي , فاللعين اعطاني حبوباً وإبر مخدّرة أفقدتني الذاكرة وأصابتني بالهلوسة !
- لا تقلقي حبيبتي , فطبيبي الخاص قادر على إخراج السموم من جسمك .. والآن دعيني أقود هذه الخردة الى قصرنا , فأمك واخوتك وخطيبك آدم ينتظرونك بفارغ الصبر 

وأكملا طريقها الى هناك , وهما يتنفّسان الصعداء لانتهاء الكابوس المفزع 

السبت، 28 مارس 2020

المخيّم الصيفيّ

تأليف : امل شانوحة


دروس في الحياة

وزّع قائد الرحلة اسئلة على المراهقين , بآخر ليلةٍ لهم في المخيّم.. 

وعندما قرأوها , نظروا الى بعضهم باستغراب ! ثم سأل أحدهم :
- ايها القائد !! هذه ليست اسئلة عن رحلتنا او طُرق التخييم ؟!
القائد : أعرف هذا , لكن إجاباتها ستحدّد مستقبلكم .. ابدأوا الكتابة!!

فانكبّ المراهقون على إجابة الأسئلة , وهم يشعرون بالحيرة والإرتباك !

بعد ساعة , جمع القائد الأوراق .. طالباً منهم من العودة الى خيامهم والنوم مُبكراً , إستعداداً للرحيل في صباح الغد 
*** 

داخل خيمة القائد , أخذ يقرأ إجاباتهم .. وكما توقع , اجاب بعضهم بطريقةٍ ساخرة .. والبعض الآخر بطريقةٍ تقليدية.. 

لكن هناك ورقة استوقفته , لمراهقٍ خجول وانطوائي !
حيث اجاب كالتالي : 

- هل انت شخصٌ مهم ؟
من وجهة نظري , نعم !! .. فرأيّ الآخرين لم يهمّني يوماً , طالما انني لا أعصي الله والوالدين 

- هل سيتذكّرك الآخرون بعد رحيلك ؟
لا أريد ان ينتهي عمري كإسمٍ مجهول في ورقة نعوة .. بل سأحرص ان أكون قدّوة طموحة وناجحة , وفردٌ صالح في المجتمع 

- ماهو أرثك ؟
لديّ موهبة في الكتابة ..وسأحاول من خلال قصصي توصيل افكاري للقرّاء , وابداء آرائي حول مشاكل مجتمعنا

- هل ستحقّق حلمك يوماً , ام ستأخذه معك للقبر ؟
اؤمن بأن الله اعطى الأحلام والطموحات للأشخاص المناسبين لتلك المهمّات , لهذا لن اتوقف قبل الفوز المنشود

- هل تتحلّى بالشجاعة لإخبار احدهم أنك تحبه , ام ستدفن مشاعرك في قلبك للأبد ؟
لم اكن يوماً شجاعاً في إظهار مشاعري .. لكن أرجو من الله انه كما وضع الحبيب في طريقي , أن يسمح لنا بإكمال حياتنا سويّاً  

- هل ستصبح قائداً ام تابعاً ؟
قائدٌ في مجال مهنتي , لأساعد به الآخرين  

- هل رأيك يهمّ من حولك ؟
انا أبدي رأيّ بجميع الأحوال , وهم احرار بتقبّله ام لا .. فلست من الأشخاص الذين يتجاهلون المشاكل , دون تقديم الحلول المنطقية من وجهة نظري 

- هل ستُحدث تغيراً في حياة الآخرين بالمستقبل ؟
أسعى لذلك بكل ما أوتيت من قوةٍ وتصميم وارادة .. فأنا خُلقت لحكمة , ولن اموت قبل تحقيقها , وبنجاحٍ يُبهر من حولي بإذن الله تعالى
***

في صباح اليوم الأخير من المخيّم .. طلب القائد من المراهق الطموح قراءة إجاباته امام رفاقه .. 
وبعد انتهائه , صفّق له بفخر .. مما أجبر البقيّة على التصفيق له 

ثم قال القائد لهم , بصوتٍ جهوريّ :
- يا شباب المستقبل !! .. النجاح يحتاج الى شجاعة .. والإبداع يحتاج الى تميّز .. والنجومية تحتاج لجهدٍ وعمل.. وتحقيق ذلك ليس سهلاً كما تتوقعون .. ولوّ كان , لامتلأت الأرض بالعلماء والأبطال والناجحين .. لكنه طريقٌ عَسِرْ , مليء بالمطبّات وخيبات الأمل .. فمنذ خطوتك الأولى نحو حلمك , ستُهاجم بآراء المحبطين من حولك , ومحاربة شكوكك الداخلية .. فنجاحك لن يُعجب الجميع ! .. تخيّل نفسك امام إعصار يحمل الأتربة والأخشاب المتطايرة وشظايا الزجاج الحادّ , وعليك العبور من خلاله للضفّة الأخرى : فإمّا ان تقتلك العاصفة , او تُصاب بجروحٍ لا يُمحيها الزمن .. فحياتك أشبه بالوقوف على جبلٍ صغير ! ومهمّتك الوصول لقمّة جبلٍ شاهق , مروراً بواديٍ سحيق الذي عادةً ما تصل اليه مُتعباً في منتصف العمر .. حينها تفاجىء بسيلٍ من المصائب على هيئة اشخاصٍ مُحبطين , وماصّي طاقتك الإيجابية , واصحاب الآراء السلبية , والعاشقين المزيفين , والأصدقاء المضلّلين حتى تصل الى ذرّوة احباطك .. وبعضهم ينتحر في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا 

فسأله أحد المراهقين باهتمامٍ وقلق : ولما يفعل الله بنا ذلك ؟!
القائد : لأنه يعلم تماماً ان نسختك التي أوصلتك الوادي لن تستطيع إكمال طريقها للقمّة , لهذا يُرسل اليك المشاكل الصعبة لقتل نسختك المُهترئة .. عندها تكون امام مفترق طرق : اما ان تستسلم وتعيش في الوادي الكئيب كإنسانٍ عادي حتى نهاية عمرك , او تتخلّى عن نسختك القديمة لإكمال مهمّتك (كفراشةٍ تخرج من شرنقتها) وبشخصيةٍ قوية تجعلك قادر على تسلّق الجبل الشاهق حيث النجومية والثروة والنجاح .. لذا عليك ان تدرك أن كلما تجاوزت مشكلةً صعبة , فهو دليل على تقدّمك خطوة نحو النجاح .. بشرط ان لا تكرّر اخطاءك , كيّ لا تدور في حلقةٍ مُفرغة ..فمصاعب حياتنا اشبه بمراحل العاب الأتاري التي ..

احد المراهقين مقاطعاً : إسمها بلايّ ستيشن !!
القائد مبتسماً : آه صحيح ! المهم ان تدرك بأن الله لن ينقلك للمرحلة التالية قبل تأكّده من اكتسابك الخبرة والدروس من المرحلة السابقة التي جعلتك اكثر صلابة لمواجهة المزيد من الصعوبات وصولاً للقمّة , فلا تستعجل النتائج .. وتأكّد ان حياتك لن تتغير أن واجهت مشاكلك بالطريقة نفسها : كالعودة لأصدقاء السوء , او حبيبك المزيّف .. فالدنيا عبارة عن متاهةٍ كبيرة : إن مشيت في ذات الإتجاه , ستواجه نفس السدّ .. لكن إن غيّرت اتجاهك كل مرة , ستجدّ حتماً الطريق الذي يُخرجك من المتاهة.. وحينها تصبح الحياة سهلة وممتعة بعد حلّك لغزها .. هل كلامي مفهوم ؟

فأومأوا برأسهم إيجاباً , ليُكمل القائد قائلاً : 
- في النهاية اريد كل واحدٍ منكم ان ينظر للحياة بتفاؤل , دون التحجّج بماضيه , وإلقائه اللوم على الآخرين .. فلا يهمّ ان كنت يتيماً او والديك منفصلين او فقيراً او مصاب بأمراضٍ مزمنة او لديك اعاقات جسدية .. فقط دعّ ماضيك خلفك وركّز على مستقبلك واهدافك ... ولوّ قرأت عن حياة المشاهير لوجدتهم جميعاً واجهوا أصعب الظروف وانتصروا عليها .. وهذا ما يجعل النجاح اكثر متعة , فالحياة السهلة مملّة للغاية .. والأفضل ان تحياها كمغامرةٍ جميلة , مثل راكب الأمواج الذي يتحمّس كلما صادفته موجة اكبر وأخطر , فهذا ما يصنع الأبطال .. واسعى دائماً لتحقيق حلمك بكل ما اوتيت من قوة , لتكنّ قدوة حسنة للأجيال من بعدك .. وبهذا الخطاب أُنهي مخيّمنا الصيفيّ , على أمل اللقاء بكم في السنة المقبلة

فالتفّ المراهقون حول قائدهم لتوديعه والدموع في عيونهم , قبل ركوبهم الحافلة متوجّهين الى بيوتهم , بعد ان حفرت نصائحه في عقولهم التي ستغيّر مستقبلهم نحو الأفضل 
******

ملاحظة :
النصائح المكتوبة في القصة تُعبّر عن رأيّ الخاص .. ولا ادري مدى صحتها ! لكن هذا ما علّمتني الحياة , وأردّتُ مشاركته معكم .. أتمنى ان تعجبكم قصتي (رغم قصرها)

الأحد، 22 مارس 2020

المخاطر الطبّية

كتابة : امل شانوحة
حوادث حقيقية في المستشفيات

القصة الأولى :
تجمّع اهالي المريض حول الطبيب (المسؤول المسائي في قسم الطوارئ) ليسألوه بقلق :
- هل حالة والدنا صعبة لهذه الدرجة ؟
الدكتور : نعم , ولابد نقله للعناية المركّزة
- وماذا تنتظرون ؟
- لدينا 6 غرف للحالات الحرجة بالطابق العلويّ , وجميعها مزدحمة بالمرضى
- هل نأخذه الى مستشفى آخر ؟
الدكتور : نحن المستشفى الخيريّ الوحيد في المنطقة .. والعلاج في المستشفيات الخاصة مكلفٌ للغاية .. كما ان حالته لا تسمح بنقله من هنا 
- وما العمل الآن ؟
الطبيب : أبقوا على تواصل مع موظف الإستقبال , وهو سيخبركم في حال فرغ سريرٌ لدينا ..

بعد ذهابه .. سأل الإبن الأكبر موظف الإستقبال عن الموضوع , فأجابه :
- بالحقيقة هناك غرفة مجهزة بكل شيء , لكن برسوم اضافية .. وكلفتها تبقى أقل من المستشفى الخاص
- سأدفعها حالاً !! رجاءً انقلوه اليها , فحالة ابي تزداد سوءاً
- دعني أتصل اولاً بقسم العناية المركّزة  

وابتعد عنه , للإتصال بزميلته الممرّضة ..
((إسمعي يا هند , اريد غرفة لمريض يحتاج لعملية قلب مفتوح.. تصرّفي قبيل الفجر.. أكلّمك لاحقاً))
***

في الطابق العلويّ ..إقتربت الممرّضة هند من الجرّاح (المسؤول المسائي في قسم العناية المركّزة) لتسأله :
- دكتور .. مَن مِن مرضانا ميؤوس من شفائه ؟
- ولما تسألين ؟
- مجرّد سؤال 
الدكتور : العجوز في غرفة 4 , مصاب بنزيفٍ حادّ في المخ .. حتى لوّ نجحت عمليته , سيُشلّ او يصاب بالخرس .. كما ان عمره في السبعينات , وقلبه الضعيف لن يتحمّل عملية كهذه .. كان الله في عون اهله.. سأستريح في غرفتي , نادني ان حصل شيء للمرضى 
- بالطبع دكتور

وبعد ذهابه , انتظرت ساعة اخرى قبل دخولها للغرفة 4 .. 
وبعد تأكدّها من خلوّ الممرّ من الممرضات بحلول الساعة 3 مساءً , ازالت ملقط قياس نبضات القلب من اصبع المريض , ووضعته في اصبعها (كي لا يظهر صوت الصفير المزعج الذي ينبّه ادارة القسم بتوقف قلبه)
ثم أغلقت انبوبة الأكسجين , وأوقفت دواء المصل للوصول لذراعه 

فجأة ! استيقظ المريض من غيبوبته المؤقتة وهو يشير الى قناع انفه , محاولاً التقاط انفاسه بصعوبة.. 
فهمست في اذنه بلؤم : تشاهد يا حاج 
فعلم انها تقتله , لكن لا يملك الطاقة لفعل شيء .. فرفع سبّابته للتشاهد , ودمعته تنساب على وجنته .. قبل ان ينتفض جسمه , وتبيّض عيناه

وبعد تأكّدها من موته , اعادت كل شيء مكانه .. وخرجت من هناك , مع ارتفاع صفير ماكينة القلب .. ليُسرع الفريق الطبي الى غرفته محاولين إنعاشه , دون فائدة ..

فسجّل الطبيب وقت الوفاة في ملفّه الطبّي , طالباً من هند الإتصال بعائلته فور شروق الشمس لإطلاعهم بالخبر .. فأومأت برأسها إيجاباً  

وبعد تغطية وجه المتوفي بالملاءة , خرجت من الغرفة للإتصال بزميلها في قسم الطوارىء : 
((احمد , أنهيت المهمّة .. غداً صباحاً يأخذونه للدفن .. لا ترسل المريض الجديد الى هنا , قبل استلامك المبلغ كاملاً .. ولا تنسى نصيبي من العملية))  
***

بعد شهرين , وقبل ايام من حفل زفافها.. خرجت من ادارة المستشفى بعد حصولها على اذن عطلتها ..
ثم تحدّثت مع زميلها احمد على انفراد , والذي قال لها :
- مبروك يا عروس 
- دعك من هذا الكلام , اريدك ان تنظرني ريثما اعود
احمد : آسف عزيزتي , احتاج للمال الإضافي لدفع اقساط بيتي الجديد 
هند بقلق : ماذا يعني هذا ؟!
- إتفقت البارحة مع رندا للقيام بعملك 
- رندا ممرّضة جديدة , ستفضحنا يا رجل !

احمد : لا تقلقي , والدها يغسل كليتيه كل شهر وتحتاج لمالٍ كثير , لهذا وافقت على القتل الرحيم دون تردّد .. كما انك كسبت من العمليات السابقة ما يكفي لدفع رحلتك الإستجمامية مع حبيب القلب , فلا تكوني طمّاعة
- أخفض صوتك !! لا احد يدري انني دفعت مصاريف شهر العسل 
- انت من اخترتي عامل كهرباء بسيط
هند بعصبية : فقير وأحببته , هل عندك مانع ؟!!
- لا تغضبي هكذا .. إسمعي , سنتقاسم المال نحن الثلاثة بعد عودتك من السفر 
- المهم ان تقوم الغبية بعملها بدقّة وتأنّي , دون توريطنا جميعاً
احمد بسخرية : لا تقلقي , أفهمتها كل شيء .. مبروك مجدداً يا ملاك الرحمة
***

بعد حفلة الزفاف , وفي منزل اهلها .. ودّعت امها وهي تبكي , قبل ذهابها مع العريس الى المطار .. 
هند بقلق : امي , انا خائفة من تركك وحدك في المنزل  
- جارتي تزورني دائماً , انت تعرفين ذلك 
- ارجوك لا تنسي تناول ادويتك كل يوم
الأم : لا تقلقي عليّ , واستمتعي بعطلتك .. مبروك حبيبتي
***

بعد ثلاثة اسابيع .. اتصلت جارتها لتخبرها بالنبأ الحزين :
- لم ارد إفساد شهر عسلك , لكن نقلت امك قبل قليل الى المستشفى
هند بقلق : ماذا حصل لها ؟!
- نوبةٌ قلبية 
- يا الهي ! والى أيّ مشفى أخذتها ؟
- الى مستشفاك طبعاً 
هند بخوف : لا رجاءً !! أنقليها فوراً الى مشفى خاص , سأحوّل المال حالاً 
- حالتها لا تسمح بذلك , فهي بالعناية الفائقة
- مصيبة ! سأعود غداً اليكم 

وبعد انهاء مكالمتها مع الجارة , حاولت الإتصال بزميلها احمد مراراً لتنبيهه على امها (الذي لا يعرف اسمها الكامل) .. لكن جواله معطّل !  
وحين اتصلت بإدارة المستشفى , لم يكن هناك ! ولم تكن تعرف رقم منزله او رقم رندا..  
***

في عصر اليوم التالي .. أوصلها زوجها مباشرةً من المطار الى المستشفى 
فدخلت مسرعة الى غرفة الطوارئ .. لتجد احمد يتكلّم مع اهالي المريض الجديد , ويطمّأنهم بوجود غرفة شاغرة في الطابق العلوي ! 
ولم تستطع التحدّث معه , لوجود الطبيب المعالج بالقرب منه .. 

فأسرعت الى قسم العناية المركّزة .. وفور وصولها الى بوّابته , رأت الممرّضة رندا تجرّ سريراً نقّال عليه جثة .. فأوقفتها بقلق !
وقبل كشفها الغطاء عن وجه الميت , حضنتها جارتها من الخلف وهي تبكي : 
- عظّم الله أجركم 
فانهارت هند بالبكاء , صارخةً بعلوّ صوتها :
- لا !!!! قتلت امي 
وسط دهشة الجميع , فيما عدا رندا التي أدركت فداحة جُرمِها !
******

القصة الثانية :
في تلك الليلة .. وصلت حالة جديدة الى قسم الطوارىء , لرجلٍ مشرّد أُغمي عليه امام الأسواق الشعبية .. 
وهناك استردّ وعيه , ليلاحظ تقزّز الطبيب من رائحته العفنة اثناء علاجه 
فابتسم له الرجل بأسنانه الصفراء , قائلاً :
- لما ترتجف هكذا ايها الطبيب ؟ أخائفٌ مني ؟

لكن الدكتور لم يجيبه , وأكمل إدخال الحقنة في وريده .. 
فإذّ بالرجل يُخرجها من ذراعه ويُغرزها في كتف الطبيب الذي وقع على الأرض من هول الصدمة ! وهو يصرخ بخوف , قبل رميه الإبرة بعيداً ..
فضحك المشرّد : 
- تشخيصك خاطىء ايها المبتدئ , أنا لست مدمن مخدرات كما تظن.. 

بهذه اللحظات.. دخل ممرّضان لنقل سريره الى مكانٍ آخر , بينما كان يُكمل كلامه مع الدكتور :
- اهلاً بك في عالم الإيدز .. ليكن هذا درساً لك , كي لا تتقزّز من مرضاك ثانيةً 

وأخرجوه من الغرفة وهو مازال يقهقه بصوتٍ عالي , والطبيب يبكي بهستيريا على الأرض بعد ان انهارت احلامه وطموحاته في ثوانيٍ !
******

القصة الثالثة :
في مشفى امريكي , وبعد انتهاء موعد الزيارات .. خرج الأب من غرفة ابنه الذي تعرّض لحادث سير , وهو يعده بزيارته غداً ..
وبعد خروج جميع الزوّار من المشفى .. عمّ السكون ارجاء المكان , فيما عدا صوت جهاز القلب المتصل بالشاب ..

وفي منتصف الليل .. شعر بأحدهم يراقبه من بعيد , ففتح عينيه بصعوبة ليرى رجلٌ عجوز يتقدّم نحوه !
ورغم انه ليس من الطاقم الطبّي , لكنه نظر باهتمام الى اجهزته الطبية 

وقبل ان يستوعب الشاب ما يحصل ! فاجأه العجوز بإطفاء جهاز القلب , واغلاق انبوبة الأكسجين .. قائلاً عبارةً واحدة :
- لا يحقّ لك العيش 
وخرج من الغرفة !

فشعر الشاب بدوارٍ مفاجىء , وازدادت نبضات قلبه من رعب ما حصل .. فأمسك الجهاز الصغير بيده المرتجفة , لمناداة الممرّضة قبل إغمائه ! 
***

في اليوم التالي ..استيقظ على قبلات والده والدموع في عينيه , فسأله باستغراب :
- ماذا حصل ؟!
الأب : لا شيء ابني , انا سعيد لأنك بخير
الشاب : ومن الرجل المجنون الذي حاول قتلي البارحة ؟
- هل رأيته ؟!
- نعم , من هو ؟

فأخبره والده ان الرجل اختبأ في الحمام حتى منتصف الليل .. ثم مرّ على الغرف لاختيار ضحاياه من الشباب المرضى 
- هل حاول قتل غيري ؟!
الأب : نعم .. فصل الأجهزة عن 5 شباب , انت أحدهم .. واستطاع الممرّضون انقاذ 3 منهم
- وماذا عن الأثنين الآخرين ؟!
- شابٌ دخل في غيبوبة .. والثاني مات
- يا الهي ! واين ذلك المجنون الآن ؟

الأب : من حسن حظنا ان كاميرا الباب الخارجي للمشفى التقطت لوحة سيارته .. وراقبت الشرطة تحرّكها من كاميرات الشوارع , الى ان عرفوا عنوان منزله .. وقبضوا عليه , وسط دهشة جيرانه الذين شهدوا بحسن اخلاقه ! 
- ولما فعل ذلك ابي ؟!
- لأن ابنه مات البارحة في غرفة العناية المركزة , بسبب جرعة زائدة من المخدرات .. فشعر الأب برغبة الإنتقام , وحاول قتل المرضى الذين يتقارب عمرهم مع عمر ابنه .. قائلاً في التحقيق : انه طوال عمره كان رجلاً صالحاً , لهذا اراد القيام بشيءٍ سيء ليلحق بإبنه المدمن الى الجحيم

فأحسّ الشاب بشعورٍ مختلط : أيحقد على الأب المكلوم , ام يشفق على حالته ؟!
لكنه يعلم جيداً انه محظوظ لاستيقاظه في الوقت المناسب .. فلولا ضغطه على جهاز النداء , لمات هو والشباب الأربعة اثناء نومهم 
******

القصة الرابعة :
في ذلك الصباح .. إتصل الراهب على الطوارئ لنقل رجل (مات فجأة داخل الكنيسة اثناء عظة الأحد) الى ثلاجة المشرحة , لحين حضور اقاربه من القرية المجاورة ودفنه..

فأرسلوا له موظفاً متخصّصاً في نقل الموتى .. لكن صادف ان صافرات سيارة الإسعاف معطّلة , ونسي جواله في المستشفى ..  
وحين اقترب من العنوان , تفاجأ برجلٍ مسنّ مستلقي دون حراك في حديقة الكنيسة الخلفية ! 
فاقترب نحوه وهو يحمل الكيس الأسود الكبير , قائلاً في نفسه :
((أرموه هنا ؟! لما لم يبقوه في الكنيسة لحين حضوري ؟!))

وبعد اغلاق السحّاب , حمله لداخل سيارة الإسعاف وانطلق للمستشفى .. وهناك وضعه في ثلاجة الموتى .. ثم ذهب الى غرفته لتناول فطوره ..

بعد ساعة .. نادته موظفة الإستقبال في المستشفى .. 
فذهب لتلقي الإتصال , ليتفاجأ بالراهب يعاتبه على تأخّره في نقل الميت !
فجاوبه باستغراب : هل مات رجلٌ آخر ؟!
وصعق حين عرف بأن الميت مازال موجوداً في الكنيسة !
فأحسّ برعبٍ شديد , ونزل فوراً الى المشرحة .. 

وحين فتح السحّاب عن الجثة .. وجد الميت مُستلقي على إحدى جانبيه , ويده فوق رأسه وكأنه يحاول الخروج من الكيس , والرعب واضحٌ في عينيه المفتوحتين .. وفمه تجمّد اثناء صراخه بالداخل , دون ان يسمعه احد! 

فأدرك انه قتله , فهو بالعادة يضع الجثث في الثلاجة مستلقين على ظهورهم ويديهم على الجنبين !
وحاول بفزع اعادة الجثة الى وضعها الطبيعي كيّ لا يكشف امره , لكن الموضوع مستحيل بعد تصلّب اطرافه ..

فأغلق السحّاب وباب الثلاجة , واسرع للكنيسة لأخذ الجثة الثانية ..
وبعد وضعه في سيارة الإسعاف , أصرّ على الراهب القدوم معه الى المستشفى لتوقيع الأوراق الرسمية ..

وهناك اخبره بما حصل .. وحين عاين الراهب الجثة المجهولة , أخبره انه رجلٌ مشرّد اعتاد النوم في حديقة الكنيسة , ولا اهل لديه .. وهو يعاني من امراضٍ عدةّ .. ويبدو انه غاب عن الوعيّ بسبب نوبة هبوط السكر  

ومع الكثير من التوسّلات من الموظف الشاب , قبل الراهب كتمان الحادثة عن ادارة المستشفى , كي لا يطرد من عمله .. 
ودفنه لاحقاً خلف الكنيسة , دون ان يعلم احد بأنه جُمّد حتى الموت!
******

القصة الخامسة :
إعتاد الطاقم الطبّي في مستشفى صغير على الشارع العام , إستقبال المصابين بحوادث السير .. 
وفي ذلك الشهر .. استقبلوا اصابات بسيطة لسائقيّ الشاحنات , حيث بقوا أياماً معدودة في المشفى قبل عودتهم لعملهم ..

وفي تلك الليلة , لم يتواجد سوى ممرّضتان وموظفة الإستقبال والطبيب المسائي ..

وفي الساعة 2 صباحاً .. دخل رجل من بوّابة المستشفى , متوجهاً نحو موظفة الإستقبال التي استغربت لبسه المعطف الطويل بهذا الجوّ الحار !
وسألها دون النظر الى عينيها , حيث أخفى نصف وجهه بقبعة رعاة البقر:
- اين الطبيب ؟
- سيأتي بعد قليل , انتظره هناك 

واثناء دخوله غرفة الإنتظار , ارتطم شيء حديديّ بالباب 
وحين أمعنت النظر , رأت طرف فأسٍ حادّ يخرج من جيب معطفه!

فذهبت الى غرفة الممرّضتين بهدوء كيّ لا تلفت انتباهه , وسألتهما عن الطبيب .. فأجابت إحداهما : 
- يتجوّل على غرف المرضى , سيأتي بعد قليل .. ماذا هناك ؟ لما ترتجفين هكذا ؟!
- أقفلا الباب عليكما , فهناك قاتل يتجوّل في المستشفى 
الممرضة بخوف : أأنت متأكدة ؟!
الموظفة : اتصلا بالشرطة فوراً , وإيّاكما ان تصدرا صوتاً

ثم عادت الى غرفة الإنتظار وهي تُخفي خوفها , وتقول له بابتسامةٍ مصطنعة :
- الطبيب قادمٌ اليك 
الرجل : الأفضل ان يُسرع , فأنا تعبٌ للغاية
الموظفة : لا تقلق , لن يتأخر .. سأغلق الباب عليك , لتنعم ببرودة المكيف 

وحين أغلقت الباب , أسرعت بإقفاله ..
فجنّ جنونه !! وبدأ يصرخ بهستيريا , مُحطّماً الباب بالفأس ..
فأسرع الطبيب راكضاً الى هناك بفزع :
- ماهذه الضجة ؟!!
ليتفاجأ بما رآه !

الموظفة بخوف : اظنه مدمن مخدرات او مجنون , ما العمل دكتور ؟!!
وهنا اقتربت الممرّضات منهما , وهما تقولان :
- الشرطة في طريقها الى هنا !! 
الطبيب : مركز الشرطة بعيدٌ عنا , يحتاجون ساعة على الأقل للوصول الينا
الممرضة بخوف : يا الهي ! يكون المجنون حطّم الباب وقتلنا جميعاً
الدكتور : اهدأنّ رجاءً .. 

وأسرع الى غرفته القريبة .. ليخرج منها وهو يُعبئ ابرةً طبية , قائلاً بصوتٍ منخفض : 
- هذا الدواء كفيل بتنويم فيل
الممرّضة بخوف : دكتور ارجوك , لا تدخل اليه 
الطبيب : هو يريد المخدرات , وانا سأوهمه بتنفيذ طلبه 
الموظفة بقلق : ارجوك لا تدخل , سيقتلك حتماً 
الطبيب بنبرةٍ آمرة : أدخلنّ جميعاً غرفتي , وأقفلنّ الباب على انفسكنّ .. هيا !!

فأسرعت النسوة الثلاثة الى هناك , وهنّ يبكين برعبٍ شديد ..
وسمعنّ من خلف الباب المُقفل , الطبيب وهو يقول له :
- إسمع يا رجل !! معي ابرة مخدّر قوية , ستنعشك تماماً .. الم تأتي الى هنا لأجل ذلك 
صوت الرجل : أمعك هيروين ؟
- بل افضل منه بكثير , ستشعر بنشوة لا مثيل لها .. إبعد الفأس كي ادخل اليك 
وهنا سمع الجميع صوت ارتطام الفأس بالأرض .. 

وبالفعل هدأ الرجل فور رؤيته الإبرة بيد الطبيب , وشمّر عن ساعده 
- هيا أعطني إيّاها , فجسمي يتمزّق من الالم
الطبيب : اذاً اهدأ كي لا تنكسر الإبرة داخل جسمك 
ولم يمضي وقتٌ طويل , حتى سقط الرجل على الأرض مغشياً عليه ..
وبعد دقائق كأنها الدهر , وصلت الشرطة واعتقلته ..

لاحقاً كرّمت إدراة المستشفى الطبيب وموظفة الإستقبال على حسن تصرّفهما في هذا الموقف الصعب 
******

القصة السادسة والأخيرة :
في ليلةٍ باردة في مستشفى امريكي للطوارئ قُرب الحدود المكسيكية , تلقوا اتصالاً عاجلاً لطلب سيارة اسعاف .. فأرسلوها فوراً الى عنوانهم 

وحين وصل الممرّضان مع سائقة السيارة الى هناك , تفاجؤا انها منطقة نائية ليس فيها الا مستودع كبير مهجور !
فدخل الممرّضان الى هناك , صارخاً احدهما بصوتٍ عالي : 
- هل يوجد احدٌ هنا ؟!!!
الممرّض الثاني : أهناك حالة حرجة تحتاج لإسعاف ؟!! 

وفجأة ! سمعا احدهم يصرخ من قبو المستودع :
- عاملٌ مصاب !! انقذونا ارجوكم !!
فأضاءا جوّالهما واسرعا بنزول الأدراج ..

في هذه الأثناء , تقدّمت السائقة الى منتصف المستودع .. لكنها خافت النزول الى القبو المظلم .. 
فإذّ بها تسمع صرخة زميلها يقول لصديقه : 
- عصابة !! اهرب بسرعة !!!

وما ان سمعت ذلك حتى اسرعت للخارج , لكنها لم تركب سيارة الإسعاف لأن نصف السرير النقّال خارج ابوابه المفتوحة , والحقائب الطبية على الأرض .. وستحتاج وقتاً لإعادة كل شيء للداخل , لهذا اختبأت خلف شجرة ضخمة في جانب المستودع 

ومن هناك شاهدت كل شيء ! حيث خرج رجلان من المستودع لمعاينة سيارة الإسعاف , وهما يلبسان بذلتيّ المسعفين الضيقة عليهما , ومعهما اكياسٍ سوداء ..

وبعد قليل .. سمعت أحدهم يقول من داخل السيارة , بعد معاينته الأغراض الطبية بثيابه القذرة ويديه المجرثمتين :
- وجدت برّاد مثلج صغير لنقل الأعضاء

فاتصل الشخص الآخر بزعيم العصابة ليخبره بنجاح الخطة , وانهم حصلوا على سيارة مجهزة بكل ما يحتاجونه لتنفيذ مهمّتم ! قائلاً بالجوال :

((نعم زعيم .. لكن البرّاد الطبي الذي وجدناه لا يكفي جميع القلوب والكلاوي التي بحوذتنا , لذا سننقلهم على دفعات الى المكسيك ..  وبفضل خطتك الذكية لن نقلق بشأن شرطة الحدود .. إخبر طبيبك ان يحفظ اعضاء الممرّضين داخل ثلاجة المشروبات لحين عودتنا.. فاليوم سننقل فقط قلب فتاة ليل , وكليتيّ المشرّد .. نراك لاحقاً سيدي)) 

ثم وضعا الأعضاء (التي كانت بالأكياس) داخل البراد الصغير الطبي , وانطلقا نحو الحدود ..

وبعد هدوء الوضع في محيط المستودع , اخرجت السائقة جوالها بيديها المرتجفتين , وأبلغت الشرطة بكل شيء

بعد ساعة .. وصلت الشرطة الى المكان , لتجد جثتيّ الممرّضين في القبو بعد استئصال اعضائهما الحيّة ! 
ولم يجدوا اثراً للسائقة , سوى جوّالها المحطّم خلف الشجرة !
*********

ملاحظة :
هذه أغرب الحوادث الحقيقية التي قرأتها في الإنترنت والتي تبيّن : اخطاء الأطباء ومخاطر المهنة , دون ان ننسى ما واجهه الفريق الطبّي الصينيّ من عدائية مرضى الكورونا والبصق في وجوههم لنقل العدوى اليهم .. فالعمل في المجال الصحيّ مهنة شاقة وخطرة بالفعل ! 
حمانا الله وإيّاهم من هذا الفيروس الذي قلب حياتنا رأساً على عقب , مُتمنية من الله ان نتغلّب عليه في القريب العاجل 

الثلاثاء، 17 مارس 2020

المستوى التالي

تأليف : امل شانوحة


أفضل نسخة منك

في ذلك الصباح الباكر , كان جيم (اشهر لاعبيّ الباركور) يتدرّب على القفز فوق اسطح مبانيٍ متلاصقة لحيٍّ شعبي فقير.. حين تفاجىء بثلاثة شباب مقنّعين يحملون السكاكين ويركضون خلفه !



فظنهم لصوص لحقوا به الى سطح المبنى ! فاعتراه خوفٌ شديد جعله يتنقّل كالمجنون فوق اسطح المباني القديمة .. والمجرمون يصرّون على ملاحقته , وهم يبتعدون عنه أمتاراً قليلة 
وظلّ يقفز باحترافية من مكانٍ لآخر للنجاة بحياته.. 

الى ان توقف عند حافة المبنى الذي اعتاد على انهاء تمارينه عنده بسبب الشارع الفرعي الذي يفصله عن المباني الأخرى , حيث لم يتجرّأ أحد على القفز الى الجهة المقابلة لبُعد المسافة  

لكن لم يكن امامه خيار سوى المجازفة , فحياته على المحكّ 
وقفز بكل قوته دون تفكير .. وحين وصلت قدماه أرضيّة سطح المبنى المقابل , أسرع بالتدحرج حول نفسه لحماية ركبتيه من انكسارٍ حتميّ 

وما ان وقف سليماً على قديمه , تفاجأ بالرجال الثلاثة يصفقون له من فوق المبنى السابق !

ثم أخرج أحدهم ورقة من جيبه وفتحها , لتظهر كلافتة صغيرة مكتوباً عليها :
((أحسنت يا بطل !! هآقد انتقلت لمستواك التالي))
وابتعدوا عن المكان !

ولم يفهم جيم ما حصل ! لكنه شعر بالفخر لتفوقه على جميع لاعبي الباركور في منطقته  
لكنه تساءل في نفسه : من اولئك الشباب ؟ ولما ارادوا تشجيعه بهذه الطريقة المتطرّفة المرعبة ؟!
***

جاك هو أقوى حرّاس المرمى في بلدته , فطوال 5 سنوات لم يستطع أيّ فريق إدخال هدفٍ في مرماه .. لهذا رُشّح للإنضمام للفريق الوطني لبطولة العالم .. 

الا ان إصابة ركبته بحادث سير , جعلته يتردّد في التقاط الكرات الصعبة مما أخفض مستواه , وجعله يخرج من قائمة المرشحين .. 
ومع ذلك أمل بالعودة للصدارة قبل إعلان اسماء الفريق الرسمية مع نهاية الموسم ..



وفي تلك الليلة الباردة .. أخذ يُدرّب نفسه في الملعب الفارغ , وهو حزين على ضياع مستقبله واحلامه .. 
وقبل انهاء تدريباته .. وصله اتصال من زوجته , تسأله بفزع : 
- هل طفلنا معك ؟!
وأخبرته انها لم تجده في مهده حين استفاقت .. ووجدت رسالته : بأنه أخذه معه الى الملعب

وقبل ان يُجيبها .. أُضيئت الجهة الأخرى من الملعب , لتظهر عربة ابنه داخل المرمى الثاني ! 
ولأنه لم يردّ إخافة زوجته , أجابها : 
- نعم هو معي , أكلّمك لاحقاً

واسرع الى هناك .. ليتفاجأ بالسلاسل الحديدية تلتفّ حول بطانية الطفل والعربة , وتربطهما بعارضتيّ المرمى !
فحاول فكّها بهدوء كيّ لا يوقظ ابنه

فجأة ! بدأت الماكينة برميّ الكرات بقوة في اتجاههما 
فلم يجد نفسه الا وهو يصدّ الكرات الصعبة لإبعادها عن عربة ابنه 

وبعد عشرين كرة انطلقت في جميع الإتجاهات (وكأن احدهم يتحكّم بها عن بعد) توقفت الماكينة ! ليظهر صوت تصفيق شابٍ مقنّع يجلس على المدرّجات , والذي رفع لافتة تقول :
((إصابة ركبتك لم تمنعك من صدّ الكرات , اليس كذلك ؟))
فصرخ جاك بعصبية : 
- من انت ايها اللعين ؟!!

وهنا ظهر شابٌ مقنّع آخر يجلس في المدرّج المقابل , حاملاً كاميرته : 
- سأرسل الفيديو للجنة إختيار اللاعبين , ليروا تفانيك بالتدريبات لدرجة مجازفتك بإبنك

وإذّ بشابٍ مقنّع ثالث يقول من خلفه , وهو يرمي مفاتيح قفل السلاسل باتجاهه :
- خذّ ابنك وعدّ الى بيتك .. وغداً أظهر طاقتك كلها في المباراة 

ثم خرج الشباب الثلاثة من الملعب , تاركين جاك مصدوماً مما حصل !
ليقوم بحضن طفله ويقول :
- سأجعلك فخوراً بوالدك , اعدك بذلك حبيبي
*** 

يُعدّ جورج من أمهر السبّاحين , والمؤهّل الأول للذهاب للأولمبياد الدولية .. لكن غروره ازداد بعد احتلاله المراكز الأولى في جميع المنافسات الوطنية .. وكثرة الإحتفالات والمديح جعلته يتقاعس عن تمريناته اليومية 

لذلك أحسّ باليأس والإحباط بعد انخفاض تصنيفه للمركز العاشر لسبّاحي العالم .. والسبب الأول كان لعدم قدرته على حبس انفاسه مدة طويلة بعد تعوّده على التدخين

ولشدّة غضب مدرّبه من تقاعسه المستمرّ , أمره بإجراء تمرينات اضافية في النادي ولوحده 

وبعد ذهاب المدرّب , لم يردّ جورج إجهاد نفسه .. فوضع السمّاعات في اذنه وأخذ يردّد كلمات الأغنية , وهو يسبح بهدوءٍ واستجمام دون الإكتراث لمستواه الرياضيّ الذي تدنّى كثيراً في الفترة الماضية 


فجأة ! سحب شيءٌ ما قدمه للأسفل 
وحين استقرّ بالقاع , وجد شابان مقنّعان يتنفّسان عبر أنبوبة الأكسجين ببذلتا الغوص .. حيث شدّ أحدهم ذراعيه خلف ظهره بإحكام , بينما قاس الثاني مُدّة حبس انفاسه مستخدماً ساعة التوقيت!

ولم يستطع جورج الإفلات من قبضة الشاب مفتول العضلات , وظنّ أنهما يقتلانه !
لكن هدأ روعه قليلاً , حين رأى من يقيس الزمن يشير له بأصبعيه.. 

ففهم جورج ان عليه البقاء لدقيقتين تحت الماء ..
وأغمض عيناه مُستسلماً لمصيره , وهو يدعو ربه ان لا يموت قبل انتهاء المدة ..

فجأة ! أفلته الشاب .. ليُسرع جورج الى السطح وهو يتنفّس الصعداء بعد اقترابه من الإختناق المميت 

وهناك رأى شاباً ثالثاً مقنّعاً يقف عند حافة المسبح , ويصفّق له ويقول :
- ثلاثة دقائق , أحسنت !!
جورج بدهشة : هذا مستحيل ! انا لا استطيع كتم انفاسي اكثر من دقيقتين وعشر ثواني
- اذاً هو رقمك القياسي الجديد .. يبدو ستعود للوطن ومعك ميدالية اولمبية ذهبية

وهنا خرج الشابان من تحت الماء للإنضمام لرفيقهم الثالث , قبل خروجهم سويّاً من النادي .. تاركين جورج سعيداً بانتصاره الجديد الذي اعطاه دفعة من النشاط لإكمال تمريناته , وهو مصمّم على الفوز بلقبٍ عالميّ لجعل مدرّبه فخوراً به
*** 

كان آدم (البطل السابق لرفع الأثقال) يتدرّب وحده في الجيم دون أدنى حماسة , فاقترابه من سن الأربعين جعله لا يزيد الأوزان خوفاً على صحته 



واثناء استلقائه على ظهره لتمارين البنش وهو يرفع وزنه المعتاد السهل , تفاجأ بالشباب الثلاثة المقنّعين يقفون خلفه .. حيث قام أحدهم بتصفيد يديه بالبار الحديدي (حامل الأوزان) ! 
بينما قام الآخران بإضافة الأوزان على كلتا الجهتين

فصرخ آدم بخوف : ماذا تفعلون ؟!! ستحطّم الأثقال صدري ..ارجوكم لا تقتلوني !!! 
فردّ احدهم بتهكّم : لن يحصل شيء , فقط ارفع البار الى مكانه
آدم بفزع : لا استطيع !! اكاد اختنق

فهمس الشاب المقنّع مفتول العضلات في اذنه : 
- إسمعني جيداً !! منزلك في الشارع المقابل للنادي حيث تسكن زوجتك الجميلة .. وإن لم ترفعها خلال عشر دقائق , نذهب الى هناك للتعرّف عليها عن قرّب

وتسبّب هذا التهديد برفع الأدرينالين في دمه , مما جعله يرفع الأثقال بكل ما أوتيّ من قوة , ويثبّتها أخيراً في مكانها 
وحين التفت لم يرهم خلفه , فظن انهم في طريقهم الى بيته 

فأسرع نحو بوّابة الجيم , ليرى لافتة كبيرة مكتوباً عليها :
((احسنت يا آدم !! يمكنك العودة الى المسابقات الدولية بعد تحطيمك الرقم القياسيّ لبطل العام الماضي))

وهنا انتبه آدم على الأوزان التي حملها , وهي ضعف ما حمله في ذرّوة قوته وشبابه !

فعلم انهم استفزّوه لإعطائه دافعاً لإكمال مسيرته الرياضية .. 
لهذا عاد الى الماكينات الرياضية للتدرّب من جديد , وكله تصميم على الفوز بالمسابقة القادمة
*** 

يُعدّ اريك من ابطال صعود الجدار الذي يحاكي تسلّق الجبال.. 
ورغم فوزه بالعديد من المسابقات في الصالات المغلقة , الا انه فشل بتسلّق قمّة اعلى جدران النادي الذي افتتح حديثاً 

ولهذا استغلّ اغلاق جزءٌ من النادي لتصليحات , للتدرّب وحده بعيداً عن منافسيه .. 
وبعد عدّة محاولاتٍ فاشلة , قرّر عدم المشاركة بمسابقة الغد 



وقبل خروجه من هناك , سمع صرخة ابنه (4 سنوات) من اعلى القمّة ! ليجده بين ذراعيّ شاب مقنّع (يبدو انه دخل مع الصبي من النافذة العلوية الموجودة فوق الجدار) 

وقبل ان يفهم اريك ما حصل , وكيف خطفه من المدرسة ؟!
قام الشاب المجهول بإدلاء الصبي للأسفل بعد ربطه بحبلٍ قصير .. ثم اخرج سكيناً من جيبه وصرخ مهدّداً :
- اريك !! معك خمس دقائق لإنقاذ ابنك , والا سأقطع الحبل

فلم يجد الأب نفسه الا وهو ينطلق بكل قوته للوصول للقمّة , دون ربطه حبل الأمان حول نفسه !

ولأول مرة وصل لأعلى نقطة في الجدار , ليكتشف هروب الشاب من النافذة.. 
فأسرع برفع ابنه الذي كان يضحك بسعادة , ظاناً بأن والده يلاعبه.. فحضنه وجسده مازال يرتجف بقوة من شدة الخوف 

وهنا أُضيئت الشاشةٌ العملاقة لعرض تصوير تسلّقه السريع نحو القمّة , مع ظهور التوقيت اسفل الشاشة .. 
ثم ظهرت العبارة :
((ستكون حتماً الفائز في مسابقة الغد , وبرقمٍ قياسيّ))

ومشاهدة اريك لسرعته الخيالية في الفيديو صدمته كثيراً ! وفي نفس الوقت رفعت ثقته بنفسه .. فابتسم لإبنه قائلاً : 
- غداً أُهديك ميداليتي الذهبية  
***

في إحدى الشقق الرخيصة المتواجدة بأطراف المدينة .. جلس الشباب الثلاثة على الكنبة لمشاهدة الألعاب الأولمبية وهم يتناولون البيتزا .. 
حيث قال أحدهم :
- أرأيتما كيف يتلفّتون حولهم بخوف ؟ يبدو ان خطتنا ارعبتهم بحقّ 
- سيشكرونا لاحقاً .. فنحن لم نجد من يشجّعنا لإكمال حلمنا , اما هم وبفضلنا حصلوا على الميداليات الذهبية
- وهل سنتابع خطتنا مع بقية ابطالنا المحلّيين ؟ 
- فقط المتخاذلين منهم .. (ثم تنهّد بحزن) .. مازلت لليوم الوم نفسي على ترك المنحة الرياضية كأفضل لاعب بيسبول على مستوى الجامعات
- وانا بسبب حماقتي وتسرّعي بالزواج , خرجت من قائمة المرشحين للاعبيّ الجمباز الوطنية
- وانا لولا اصابة ذراعي اثناء التخييم الصيفي لكنت لاعب تنس محترف أقبض ملايين الدولارات , بدل عملي في المصنع براتبٍ زهيد
- نحن اصدقاء جمعنا القدر لقلّة حظنا وخيبات املنا المتكررة  
- بل قلّ : ضعف حماسنا ومجهودنا , أضاع مستقبلنا 
- صحيح .. توقفنا قبل وصولنا لأفضل نسخة منا بسبب إنشغالنا بالمقارنة بيننا وبين اللاعبين المميزين , مما احبط عزيمتنا .. ولهذا لن نسمح لأبطالنا بأن يخذلونا ..وسندفعهم ولوّ بأنذل الطرق  للوصول الى ..
وأكملوا الجملة سوياً : مستواهم التالي !!

ثم ضحكوا وهم يتابعون مشاهدة المسابقات الرياضية باهتمامٍ وتركيز , كاتمين الحسرة والخذلان في قلوبهم المحطّمة ! 

الأربعاء، 11 مارس 2020

كورونا

كتابة : امل شانوحة

نشرت القصة في موقع كابوس 
https://www.kabbos.com/index.php?darck=8316
الوباء القاتل

في مدينة ووهان الصينية .. قام اخصائي استشاري في المختبرات الطبية بإعطاء فني المختبر (المتوظّف حديثاً) كيساً مختوماً لرميه في حاوية النفايات الموجودة خارج المختبر..
فاعتراه الفضول , وحين فتح الكيس قال بسعادة :
- انه وطواطٌ كبير ! سعره لا يقلّ عن 100 دولار .. سأبيعه بسوق السمك والحيوانات البرّية ..

وعرضه في السوق الشعبيّ القريب من المختبر البيولوجي .. 
وبأقل من ساعة , باعه بمبلغٍ جيد ..
***

في عصر ذلك اليوم .. تناولت عائلة صينية الوطواط المسلوق دون علمهم إنه محقون بعقار تجريبي لوباءٍ فتّاك !

ولم تبدو عليهم الأعراض الا بعد اسبوعين .. حيث أُصيبت الأم اولاً , ثم زوجها اللذان توفيا سريعاً بسبب امراضهما المزمنة 

اما ابنهما الشاب فقد رجّح الأطباء تعرّضه لمرض السارس .. لكن ساورتهم الشكوك بعد علمهم ان صحة العائلة ساءت بعد تناولهم الخفّاش 
ورغم محاولتهم علاجه بكافّة الطرق , الا انه مات بعد سلسلة من السعال الحادّ !

ولأن في بادىء الأمر لم يعلموا إنه مرض معدي , فقد ظهرت نفس الأعراض على طبيبه المعالج والممرضتين خلال اسبوعين , مما عرّض عائلاتهم للعدوى  

وبدأت الإشاعات في مدينة ووهان تنتشر عن وجود مرضٍ غامض يفتك بضحاياه في وقتٍ قياسي 

وكل هذا حصل قبل رأس السنة القمرية , لهذا أخفت الحكومة الصينية شكوكها خوفاً من إفساد الإحتفالات العام الجديد على الشعب الصيني .. وكان قرارهم متهوراً , حيث سافر العديد من الصينيين برحلاتٍ سياحية بعطلتهم الرسمية , مما ادى لانتشار المرض في معظم دول العالم 
***

إتخذت السلطات الصينية اجراءات صارمة بعد اعلانها بمؤتمرٍ صحفي عن اعراض المرض الذي اسموه بكورونا , محاولةً وقف تفشّي المرض بطرقٍ تعسّفية طالت جميع سكّان الصين , خصوصاً مقاطعة ووهان التي بدأت فيها المشكلة 

وقد أمرت الحكومة الصينية جميع المطاعم والمحلات إغلاق ابوابها , وقطع حركة الملاحة الجويّة والبحريّة من والى الصين .. كما أوقفت الدراسة في المدارس والجامعات .. وأغلقت جميع المصانع , لتتوقف معها حركة الصادرات والواردات للبضائع والبترول , مما أثّر سلباً على الإقتصاد البلد بشكلٍ عام .. وكان من تداعياتها ايضاً ان شهدت البورصة العالمية انهيارات لأسهم أهم الشركات الأجنبية .. وانخفضت ثروة الأغنياء حول العالم بشكلٍ لم يسبق له مثيل !
***

في مدينةٍ صناعية صينية , وبذلك الصباح الكئيب .. علمت إحدى الأمهات بوجود مخزنٍ للطعام في قبو مبنى قديم سيفتح ابوابه للناس لشراء ما يلزمهم بسرّية تامة , كيّ لا تلاحظ الشرطة الصينية ذلك .. فطلبت من ابنها المراهق الإهتمام بأخته الصغيرة (8 سنوات) لحين عودتها .. وفي حال تأخرت , يذهبان الى جارتها 
***

حين وصلت الى المخزن .. تفاجأت بازدحامٍ شديد , وعراك بين الزبائن على اكياس الأرز والطحين كالمجانين , وكأنهم بين يومٍ وليلة تحوّلوا الى حيواناتٍ مفترسة ! 

وأكثر ما اخافها حين رفض صاحب المخزن أخذ بضائع من تاجرٍ مريض الذي جنّ جنونه وبدأ بتحطيم بضاعته امام بوّابة المخزن بهستيريا , قبل رحيله وهو يطلق شتائمه الغاضبة !

وبعد هدوء الوضع .. سألت الأم عن اللحوم , فأخبرها العامل أن الحكومة قضت على ملايين الدجاج خوفاً من انفلونزا الطيور , كما آلاف الخنازير 
الأم بخوف : اللعنة ! لا مطاعم مفتوحة ولا مواد غذائية , يعني إن لم يقتلنا المرض مُتنا من الجوع  
العامل : لا شيء نفعله سوى الدعاء 

واثناء تجوّلها سمعت الزبائن يتحدثون عن تعرّض المخزن لمحاولات اقتحام وسرقة من الناس الجائعة , لهذا يفرغونه من البضائع 

وبصعوبةٍ بالغة تمكّنت الأم من الحصول على كيلو من الطحين والأرز يكفي عائلتها لأيامٍ معدودة 
وخرجت مسرعة من المخزن مع بقية الزبائن بعد سماعهم صافرات الشرطة تقترب من المكان , إثر الضجّة التي أحدثها التاجر المريض 
***

في هذه الاثناء .. صرخت ابنتها بخوف من الشرفة وهي تنادي بعلوّ صوتها :
- جارتنا تموت !! ارجوكم ساعدونا 
وحين سمعها إحدى المارة إتصل بالشرطة , وليته لم يفعل !
***

حين وصلت الأم الى العمارة , صُعقت بما رأته ! حيث قامت الشرطة بتلحيم الباب الخارجي الحديديّ ليعلق سكّان المبنى بالداخل , بعد ان قاموا بإخراج جثة جارتها .. وسماحهم لرجلٍ اوروبي بالتوجه مع زوجته الصينية وولديه الى سفارته ..

فحاولت الأم سؤالهم بخوف : ماذا يحصل هنا ؟!
الشرطي بقسوة : ابتعدي يا امرأة !! فهناك اكثر من مصاب بالداخل , وسيارة الإسعاف لا تكفيهم جميعاً.. خاصة بعد ان رفض معظمهم فتح باب شققهم لأخذ حرارتهم ... وعقاباً لعنادهم , حجزناهم بالداخل كي لا ينشروا المرض.. وسننقل اثنين منهم للمشفى , فهل انت من سكّان العمارة ؟

فردّت بخوف : لا , منزلي على بعد شارعين من هنا
الشرطي : اذاً إلزمي منزلك , وبعد قليل نصل اليك لفحصك مع عائلتك

وركب سيارته .. في الوقت الذي كان فيه الممرّضين يدخلون الجار الخمسيني الى سيارة الإسعاف , والذي قاومهم بشراسة مما إضّطرهم لضربه بقوة قبل ربطه بالنقّالة .. بينما انقاد الجار الشاب مستسلماً بعد ان أصفرّ لونه ! 

وبعد ذهابهم .. أسرعت الأم الى منزل اختها في الشارع المجاور وهي تبكي وتنوح :
- لقد حبسوا ولدايّ داخل المبنى , ولم استطع انقاذهما 
وانهارات بين احضان اختها , ليُسرع زوج الأخت بإبعادهما عن بعضهما معاتباً :
- هل جننتما ؟!! ممنوع الأحضان والقبلات في هذا الوقت العصيب
الأم باكية : ماذا حصل لشعب الصين العظيم ؟ أبيومٍ وليلة خسرنا إنسانيتنا؟! 
- اختي اهدأي , ابنك سيهتم بأخته لحين فكّ الحصار عنهم 
الزوج : لا تقلقي ..هي اجراءات وقائية , وقريباً سيتنهي هذا الكابوس
***

اثناء توجّه سيارة الإسعاف الى المستشفى الجديد الذي بُنيّ في عشرة ايام , عبروا الجسر الكبير الخالي من السيارات .. مروراً بالمناطق التجارية بمحلّاتها المقفلة.. وصولاً الى ساحةٍ كبيرة صُفّت على ارضيتها مئات النقالات التي تحمل العجائز المرضى وهم يحاولون جاهداً التقاط انفاسهم .. ليشاهد الشاب تصفيتهم من قبل العسكر الذين أطلقوا النار على رؤوسهم مباشرة غير آبهين بتوسّلاتهم وبكائهم .. كما سمع القائد يأمر جنوده بحرق الجثث ! 

فسأل الشاب المرتعب الممرّض (داخل سيارة الإسعاف) :
- لربما كانوا مصابون بإنفلونزا عادية ؟
- علاجهم يُكلّف الحكومة كثيراً .. والآن حاول تنشّق الأوكسجين دون كلام 
***

وصلت سيارة الإسعاف الى المستشفى المزدحم بالمرضى , حيث ضجّت الأروقة بصوت السعال الحادّ المؤلم , وكأنها ارواح تصارع الخروج من الأجساد !

فجلس الشاب على الأرض بانتظار دوره .. وظلّ على هذه الحال الى ان مرّت بجانبه ممرضة تبدو عليها الإنفعال , حيث تركت قربه نقّالة عليها جثة رجل , واسرعت لداخل الغرفة .. 

فسمعها الشاب وهي تبكي وتشكي همّها لصديقتها :
- لم أعد أحتمل !! انا اعمل منذ ايام بشكلٍ متواصل , اكاد انهار من شدة التعب ..اريد العودة الى بيتي !!
- أتظنين عملك مع البالغين صعباً ؟ .. انا في قسم الأطفال , وقبل قليل أُصيب طفل بالكورونا بعد ساعة من ولادته.. اكاد اجن وانا اراهم يحاولون ازالة الكمّامات الضيقة عن انوفهم الصغيرة ,  ورغبتهم الشديدة باللعب رغم ضعف جسمهم .. 
- انا لست امرأة خارقة , وطاقتي محدودة 
- أعرف هذا , لكنهم لن يسمحوا لنا بالخروج كي لا نعدي عائلاتنا ..  فأنت لاحظتي عدوانية المرضى ومحاولتهم البصق علينا ! 
- انا لن اعدي احداً , فأهلي مزارعون في التبت ولم يصبهم شيء حتى الآن , واريد الذهاب اليهم .. 
- انت ممرّضة , ولست راعية مواشي  
- كل ما اريده هو العيش !! فمازلت في العشرينات من عمري , وليس عدلاً ان اموت الآن  
- إسمعيني جيداً !! إن خرجتي من هنا , سيقتلك الجنود .. تماسكي ارجوكِ 

وهنا صرخ عليهم رئيس الممرضين :
- انتما الأثنان !! كفاكما ثرثرة , وعودا فوراً للعمل
فقالت الممّرضة في نفسها , وهي تمسح دموعها : ((سأخرج من هذا الجحيم مهما كلّفني الأمر))

في هذه الأثناء .. استغلّ الشاب خلوّ الممرّ من الفريق الطبّي للإختباء اسفل النقالة المتحرّكة , بعد إسداله الشرشف من فوقه
وبعد قليل تحرّكت النقالة نحو المشرحة ..

وفور تأكّد الشاب من ذهاب الممرّض , خرج من مخبئه (اسفل الجثة) ليتفاجأ باكتظاظ المشرحة بالجثث ! 
ومن حسن حظه ان وجد بينهم طبيبٌ ميت ! فأخذ ردائه الأبيض الذي كان في جيبه كمّامة تخفي معظم وجهه .. وخرج من هناك متوجّهاً للمصاعد  

واثناء صعوده الى فوق , لم يجد نفسه الا وهو يبصق على ازرار المصعد وهو يقول : 
- لن اموت وحدي , اللعنة للجميع !!

واتجه للسطح , لعلمه بصعوبة مغادرة المشفى مع وجود الفريق العسكري على بوّابته.. 
ومن هناك , أخذ يتأمّل الشوارع الفارغة التي كانت قبل شهور مزدحمة بالمارّة والباعة المتجوّلين والعمّال الذين فقدوا وظائفهم بعد إغلاق المصانع والتي أدّت الى صفاء السماء الخالية من الأدخنة السامة ..
- يا الهي ! منذ صغري لم ارى الشمس ساطعة هكذا .. للأسف انها ستكون آخر مرة

وهنا ناداه الحارس من خلفه , وهو يوجّه المسدس نحوه : 
- ماذا تفعل ايها الطبيب ؟!! أتحاول الهرب من واجبك ؟
ويبدو انه رآه من كاميرات مراقبة .. ففاجأه الشاب بردّة فعله حين رمى الكمامة وبصق على الأرض وهو يقول :
- اتمنى ان تصابوا جميعاً بالمرض !!

ورمى نفسه للأسفل منتحراً..
لتقع جثته قرب الممرّضة التي تمكّنت الهرب من المستشفى بصعوبة 
فعلمت ان دمائه التي تناثرت على وجهها ستصيبها بالعدوى , لكنها لم ترد العودة للداخل وفضّلت الموت في بيتها .. 

وقد توفيت بالفعل تلك الليلة بعد ان قطعت شراينها داخل حوض الإستحمام , لعلمها بأن جيرانها سيتصلون حتماً بالشرطة بعد سماعهم لسعالها الحادّ المتواصل التي حاولت كتمه دون فائدة
*** 

مع صباح اليوم التالي .. كان الأوروبي ما يزال عالقاً في المطار بعد رفض دولته إدخال زوجته الصينية وولديه الى بلاده .. 
ومع الكثير من الإتصالات والوسائط قبلوا استقبالهم بشرط ان يبقوا جميعاً في الحجر الطبّي لأسبوعين على الأقل منذ لحظة وصولهم ..

فوافق الأب على طلبهم .. لكن قبل دقائق من صعودهم الى الطائرة الشراعية , ارتفعت حرارة ابنهم الصغير وبدأ بالسعال المتواصل .. وجاءت النتيجة صادمة بإصابته بالمرض ... فاضطّر الأب لاتخاذ قراراً صعباً بالتخلّي عن ابنه في محاولة لإنقاذ زوجته وابنته الكبرى اللتان انهارتا بعد نقله الى خارج المطار .. وركبوا الطائرة وقلبهم ينزف حزناً , لعلمهم بأنهم لن يروه ثانيةً !

وحين اراد الأب ان يشكو همّه لأخيه الذي يعمل داخل سفينة سياحية , تفاجأ بخبر حجر السفينة قبالة اليابان لشكّ السلطات بانتشار المرض بين ركابها .. فانهار كليهما بالبكاء وهما يتحدثان بالجوال ويودّعان بعضهما على امل ان تنتهي الأزمة على خير !
***

داخل المبنى المُقفل من الخارج .. كان احدهم يحتضر , وزوجته تصرخ طالبة النجدة , الا ان الجيران فضّلوا البقاء في شققهم خوفاً من العدوى .. 

فيما عدا جارها العجوز الذي عمل في مختبراتٍ طبية قبل تقاعده .. والذي دخل منزلها وبيده حقنة لأخذ بعضاً من دماء المريض الملوّثة 
فسألته الزوجة : أهذا دواء ؟!
الجار : لا , اريد اجراء تجارب طبيّة عليها
فردّت بعصبية : هذا بدل ان تنقذ حياته !! 
- ان لم افعل ذلك , سنموت جميعاً .. 
***

بعد ساعتين , توفي المريض .. فتبّرع جارين بحمله داخل شرشف , مع وضعهما الكمّامات الواقية , لدفنه في قبو المبنى بعد كسرهم بلاط ارضيتها 
***

بهذه الأثناء .. التقى العجوز اثناء صعوده الى شقته بالفتاة الصغيرة تلعب مع الهامستر الخاص بها على الدرج , فسألها بتهكّم :
- لما انت سعيدة هكذا ؟
- شاهدت مناماً البارحة أنني سألتقي بأمي ثانيةً , فهي ذهبت لشراء الطعام ولم تعد بعد
- لا تصدّقي المنامات , فحين كنت بعمرك شاهدت نفسي أُكرّم بجائزة نوبل
- وماهذه ؟
- جائزة تعطى للأطباء المهمّين 
- وهل انت طبيب ؟
- طبيب مخبري 
فقالت بفرحٍ وارتياح : اذاً انت ستجد علاج الكورونا !!

فابتسم لها وأكمل صعوده لشقته , الا ان كلامها أشغل تفكيره لدرجة انه تابع صعوده لشقة الأرملة التي مازالت منهارة في البكاء..قائلاً لها :
- اعرف انه ليس الوقت المناسب للسؤال .. لكني لاحظت رائحة اعشاب عطرية تخرج من اكياس الخيش المصفوفة في صالتك 
- زوجي عطّار .. وحين أمرتنا الحكومة بإغلاق المحل , خاف من سرقة بضاعته فأحضرهم الى هنا 
العجوز بارتياح : بضائع من محل عطارة ؟! ارجوك احتاج لرؤيتها جميعاً
الأرملة بسخرية : الأجل دوائك الوهميّ ؟
- سيدتي .. عملت طوال حياتي في تركيب الدواء , فلا تستهيني بي
- اذاً خذّ ما شئت وانقذ حياتنا 
***

وبعد أخذه مجموعة من الأعشاب , اسرع نحو شقته لإخراج ادواته المخبرية ومجهره المخبّأ منذ سنوات في صناديق فوق خزانته , مبتدئاً اولاً في فحص دماء الجثة الملوّثة 
***

بحلول المساء .. سمع الجميع صوت جارتهم الطباخة تناديهم لعشاءٍ جماعيّ , ليتفاجؤا بسفرةٍ طويلة عليها اصناف الطعام ! وأكلوا بنهمّ , لأن معظمهم لم يتناول شيئاً منذ ايام .. 
وبعد ان شبعوا , سألوها عن مصدر الطعام ؟!

فأخبرتهم أن اختها تعيش في ووهان , وهي من حذّرتها من تفشّي مرضٌ غامض يفتك بهم قبيل رأس السنة القمرية رغم التعتيم الإعلامي , ونصحتها بالتموين لبيتها .. لهذا قامت بشراء شوالات من الأرز والطحين والمواد الرئيسية .. وبما انها تعيش وحدها , فقد قرّرت مشاركتهم طعامها .. وختمت قولها : ((إما ان نخرج من هنا احياءً , او نموت سوياً)) 

وهنا قال المراهق : وانا ايضاً ساعدتها بالطبخ 
فردّت بابتسامة : نعم , قرّرت الإنتباه عليه وعلى اخته لحين عودة امهما بالسلامة
فقال لها العجوز : بوركت سيدتي , لن ننسى عطائك ابداً 

وشكروها ثم عادوا لشققهم وهم يتنفّسون الصعداء بعد توفّر الطعام لهم للأيام القادمة  
***

بمرور عدة ايام من البحث المتواصل .. توصّل العجوز اخيراً لخلطة اعشاب تُضعف الفيروس وتحدّ من انتشاره , لكن كان عليه تجربته اولاً على حيوانٍ ما .. فتذكّر الهامستر .. ونزل الى شقة الطباخة , طالباً من الطفلة (التي تسكن هناك) اعطائه حيوانها الأليف لحقنه بالدواء 

الفتاة وهي تمسك قفص الهامستر بخوف : وهل ستعيده اليّ حياً ؟
العجوز : لا استطيع وعدك بذلك عزيزتي
- اذاً انت ستقتله !
- في حال نجى من التجربة , فهذا يعني اننا سنعيش جميعاً 
فربتتّ الطباخة على ظهر الصغيرة وهي تقول : 
- ليس هذا فحسب , بل الصين والعالم سيشكرونك على هذه التضحية , وسيصبح هذا الهامستر بطلاً قومياً

الفتاة وهي تبكي : لكنه صديقي العزيز , فهو من يؤنس وحدتي بغياب امي
العجوز : لا نملك حلاً آخر , فلا احد من الجيران يملك حيواناً اليفاً سواك حبيبتي .. كما ان جينات القوارض تُشبه كثيراً البشر , لذا عليّ حقنه بالدواء اولاً , قبل تجربته على سكّان العمارة 
فسلّمته قفص الهامستر وهو تبكي بحرقة
***

قام العجوز تلك الليلة بحقن الهامستر بالمرض اولاً (المأخوذ من دم الجثة) .. ووضعه في القفص بانتظار ظهور اعراض الكورونا عليه .. 

وبعد اسبوع , مرض الفأر مرضاً شديداً .. وحين اوشك على الموت , حقنه بالدواء .. 
ولم يظهر التحسّن عليه مباشرةً بسبب فشل إحدى كليتيّ الهامستر  

وبعد ايام من الترقّب الشديد , ظهرت عليه بوادر التعافي حين عاد لتناول طعامه من جديد .. فهلّل العجوز فرحاً بنجاح تجربته.. 
***

ولاحقاً عقد اجتماع مع سكّان العمارة لإطلاعهم على الخبر السعيد..
فسأله احدهم : هل انت متأكّد ان خلطتك العشبية لن تضرّ بنا ؟
فأراهم الهامستر الذي كان يلعب بدولاب قفصه بنشاطٍ وصحة , قائلاً لهم: 
- انظروا بأنفسكم , هو بخير كما ترون  
ثم اعطى القفص للفتاة التي كانت سعيدة ببقائه حياً.. وأردف قائلاً: 
- والآن من يريد ان أحقنه بالدواء ؟
فردّ أحدهم بتهكّم : ولما لا تبدأ بنفسك ؟ 
الطبيب العجوز : لأنه في حال مرضت فلن تستطيعوا علاجي , بينما يمكنني مساعدكم بعد اكتشافي لطريقة عمل الفيروس 

فخاف معظمهم , الا ان امرأة عجوز اقتربت منه وهي تقول :
- حرارتي ارتفعت البارحة وأخاف ان يتطوّر الأمر , لهذا سأجازف اولاً
وكان واضحاً عليها الإعياء , فراقبه الجميع وهو يحقنها بالدواء 
فسألته العجوز : متى برأيك سأتحسّن ؟
- خلال ايام 
- وهل هناك احتمال ان تسوء حالتي ؟
الطبيب : لا اظن الحقنة ستضرّك , فهي عبارة عن خليط من الأعشاب المفيدة الخالية من الكيماويات 
فقال له الجار الآخر : في حال خفّت حرارتها , سأحضر جميع افراد عائلتي الى شقتك لحقننا بدوائك المعجزة
ووافق الجميع على اقتراحه ..
***

انتظر الجيران بفارغ الصبر نتيجة الحقنة , لتظهر بعد يومين جليّة على وجه المرأة العجوز التي استردّت عافيتها , وعادت شهيتها لتناول العشاء الجماعي معهم !
وحين فحص الطبيب العجوز حرارتها , قال بارتياح :
- لقد انخفضت تماماً !
فقالت له : بل حتى آلام عظامي انخفضت بشكلٍ ملحوظ
الطبيب بارتياح : ممتاز !! اذاً نجح العقار .. 

فسأله أحدهم : وهل لديك حقن تكفينا جميعاً ؟ 
فأجابه : من الجيد انني احتفظ بحقنةٍ حديدية , اشتريتها من متحف للحرب العالمية 
- ماذا تقصد ؟!
- انها حقنة أُستخدمت سابقاً في الحروب , وهي تُعقّم بالماء الساخن مع كل استخدام 
- وماذا لوّ نقلت المرض بيننا ؟ 
الطبيب : لا تخافوا , فهذه الحقن أثبتت فعاليتها اكثر من الحقن البلاستيكية .. والآن من يريد الحقنة ؟
- انا !!
- وانا ايضاً 
جارته : وانا سأوقظ اطفالي لإحضارهم اليك 

ثم اصطفّ الجميع امام شقته لأخذ الحقنة الوقائية , وهم يراقبونه اثناء تعقيمه لها بعد كل شخص .. على أمل ان تحميهم من الكورونا الذي مازال يفتك بالصينيين خارج المبنى المحتجز !
***

بعد شهر .. قدمت فرقة من افراد الشرطة لإخراج الجثث من المبنى , وصعقوا كثيراً حين سمعوا ضحكات صادرة من إحدى الشقق , ليتفاجؤا بالجيران يتناولون غدائهم سوياً !

وما ان رأتهم الطباخة يقتحمون شقتها , حتى قالت لهم بسخرية :
- آه ! جيد انكم اتيتم , فقد نفذ مدخولنا من الطعام .. هيا تفضلوا وشاركونا 
قائد الشرطة : كيف لم تموتوا الى الآن ؟!
الفتاة الصغيرة وهي تشير للطبيب العجوز : جدي وجد لنا العلاج!!
الشرطي باستغراب : أحقاً ؟!
العجوز : نعم وسأخبركم به حين تأخذوني لأهم مركز ابحاث طبية في البلد
***

انتشرت هذه القصة سريعاً بين الصينيين حتى وصلت لأسماع رئيس الجمهورية الذي طلب إحضار الطبيب العجوز اليه شخصياً والذي اخبره بالقصة كاملةً , فأعطاه كامل السلطة والحرية لعمل وصفته الطبّية , التي تمّ اختبارها لاحقاً على فئران التجارب .. ومن بعدها على المرضى الميؤوس منهم , قبل نشرها بجميع العيادات والمستشفيات الصينية التي اصطفّ الناس فيها طوابير لتلقي العلاج الوقائي 

ومن الصين انتشر العلاج الى كل العالم , ليتم القضاء على هذا الفيروس قبل نهاية العام المشؤوم !

وبعد تطهير المعامل والمصانع أُعيد إفتتاحها , لتعود التجارة الصينية ببطء , قبل تعافيها من جديد

لكن كل هذا لم يُطفئ غضب الرئيس الصيني , خاصة بعد ان أكّدت له مخابراته السرّية بأن الفيروس مُستحدث من قبل ستة اطباء مخبريين من الخونة المتواطئين مع اميركا .. لهذا أعلن الحرب عليها بإطلاقه صاروخ نووي دمّر إحدى ولايات اميركا بالكامل .. لتقوم واشنطن بالرد السريع مُعلنةً حرباً نووية شاملة ومدمّرة

في هذا الوقت .. جنّد الجيش الصيني الشباب لحربٍ عالمية ثالثة .. وكان من بينهم المراهق الذي لم يتجاوز عمره 15 سنة , والذي وصّى جاره الطبيب العجوز بالإهتمام بإخته الصغرى , بعد موت امه وخالته بالمرض 
***

وبعد اسابيع من الحرب البريّة بين الصين واميركا , بمشاركة من دولٍ أخرى تضرّرت سياحتها واقتصادها بالكورونا , جلس العجوز قرب الفتاة التي كانت تشاهد شوارع منطقتها الصينية من النافذة 
قائلاً لها بحزن : ليتني لم اكتشف علاج الكورونا
- لماذا تقول ذلك جدي ؟! فأنت أنقذت الملايين
- لأن رئيسنا كان مشغولاً بعلاج المرض , والآن إنفجر الوضع .. وستقضي الحرب النووية على اضعاف عدد ضحايا الكورونا ! 

وهنا رأيا طائرةً حربية امريكية تحلّق في سماء الصين ..
الفتاة بخوف : رمت قنبلة علينا !

وفجأة ! ظهر نور من بعيد يخطف الأبصار , وصوت إنفجار يصمّ الأذان 
فصرخ العجوز وهو يغمض عينيه : نهاية العالم !!!
لتختفي مدينتهم من الخارطة للأبد !  
******

ملاحظة :
1- الأحداث التي ذكرتها بالقصة مأخوذة من فيلمٍ وثائقي عن كورونا
الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=fCmtA9IYD8k

2- الأعشاب المفيدة تقوي مناعة الجسم لكنها لا تقضي على الكورونا فهو فيروس إنتقل من الحيوان الى الأنسان (خفاش حدوة الفرس , آكلات النمل الحرشفي المالايو) .. ومنظمة الصحة العالمية ترجّح ان اللقاح يحتاج على الأقل سنة كاملة ليصبح متوفراً في الصيدليات .. والى ذلك الحين , هل سيتمكّن الأطباء من الحدّ من انتشار المرض ؟ ام سيكون مثل مرض الإنفلونزا الإسبانية الذي أصاب ثلث سكان العالم ؟! الله وحده أعلم 

3- كما لم تثبت الدراسات ان الصيف كفيل بالقضاء على كورونا بعد ظهوره بمناطق حارة مثل : الكاميرون وسنغفورة واستراليا !

4- اما عن كونه فيروس مُستحدث بمؤامرةٍ دولية فهو لم يثبت حتى الآن .. بالنهاية قصتي خيالية مبنية على احداث حقيقية , أتمنى ان تعجبكم 

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...