تأليف : امل شانوحة
في ذلك المساء .. إستيقظت الصبية على المقعد , بجانب سائقٍ مجهول ! وأُصيبت بالفزع حين وجدت باب السيارة مقفلاً .. فصرخت برعب :
- من انت ؟! أخرجني من هنا حالاً .. أنقذوني يا ناس !!
فأجابها الشاب بهدوء : اهدأي نيرمين ! أفي كل مرة عليّ تذكيرك بشريط حياتنا ؟
باستغراب : حياتنا ! انا لا اعرفك
فأوقف السيارة جانباً .. وسألها بعصبية :
- هل أصبتي بالزهايمر ايضاً ؟ .. (ثم تنهّد محاولاً تهدأة اعصابه).. إسمعي عزيزتي .. أحببنا بعضنا في الجامعة , وتزوجنا .. وفي عيد رأس السنة الماضية تضرّر دماغك بسبب حادثٍ مروريّ , أودى بحياة ابننا الوحيد الذي كان ..
مقاطعة : لا اذكر انني أنجبت من قبل !
- صبّرني يارب !!
وفتح درج سيارته ..وأخرج صورة له وهو يحمل طفلاً في الرابعة , واعطاها لها وهو يقول :
- هذه آخر صورة لجوني .. هل تذكّرته الآن ؟
وخافت ان تجيبه بالنفي , فيزداد غضبه .. وسألته :
- كيف مات ؟
- لم يكن ذنبك , السائق الآخر كان مخموراً حين اصطدم بكما .. يبدو انك لم تأخذي دوائك هذا الصباح ؟
- ايّ دواء ؟!
الزوج : جيد انني اشتريت لك عبوةً جديدة
وأخذ كيساً من المقعد الخلفي .. وأخرج منه زجاجة فيها حبّات دواء , قائلاً لها :
- هذه وصفة طبيبك النفسيّ , ستعيد التوازن لذاكرتك المشوّشة .. وهذه قارورة ماء .. تناوليها الآن , كيّ نعود الى بيتنا سالمين
وبترددٍ شديد إبتلعت حبة الدواء ..
وبعد دقائق .. شعرت بدوخة ونعاس , جعلها تستسلم للنوم !
***
في اليوم التالي .. إستيقظت نيرمين في السرير , وحين نظرت حولها :
- هذه ليست غرفة نومي !
ثم أطلّت من النافذة :
- لا اذكر انني عشت في هذا الحيّ من قبل !
بهذه اللحظات , دخل زوجها ومعه صينية الغداء :
- اخيراً استيقظتي !! أضعتي نصف نهارك .. ومع ذلك أعدّدت لك الفطور , فأنت لا تحبين الطعام الدسم على معدةٍ خاوية ..هآ كيف أصبحتي اليوم ؟
- مازلت لا اذكر شيئاً !
- يا الهي ! ان بقيت على هذا الحال , سأحجز موعداً عند الطبيب .. الآن تناولي طعامك ..
فأكلت لقيمات قليلة لتسدّ جوعها ..
ثم سألها :
- هل أعجبك البيض ؟ أعددّته كما تحبينه تماماً
نيرمين باستغراب : أحقاً ! لا اذكر انني احب البيض المسلوق
فردّ بعصبية : نيرمين !! توقفي عن مضايقتي ارجوك
- آسفة
وبعد وضعه صينية الطعام جانباً , سألها :
- هل مازال ظهرك يؤلمك ؟
- ماذا !
- البارحة أخبرتني بذلك
نيرمين : ظهري بخير , لكني أشعر بوخزٍ مؤلم في يدي !
- أرني
فرأى إحمراراً بأعلى ذراعها..
الزوج : ربما لدغة بعوضٌ سام .. سأدهنه لك بالمطهر
نيرمين بخوف : لا اريد
- دعيني أهتم بك حبيبتي .. هيا تمدّدي على السرير لأدلّك ما يؤلمك بدواء العضلات
فردّت بعصبية: رجاءً لا تلمسني !!
- أتخافين من زوجك ؟!
- إسمع يا ..
الزوج بدهشة : هل نسيتي اسمي ايضاً ! حالتك تزداد سوءاً .. اسمي مايكل , حبيبك الوحيد .. الا تذكرين نزهاتنا على البحر ايام الخطوبة ؟
لكنها تجاهلت سؤاله , قائلةً بحزم :
- اريد مكالمة اهلي !!
الزوج باستغراب : اهلك !
- نعم , مالغريب في الموضوع ؟
- انت يتيمة
نيرمين بدهشة : ماذا !
- تبنّتك مُدرّسة دار الأيتام حين كنت في الثالثة , لكنها توفيت قبل اسبوع من تخرّجك الجامعي .. الا تذكرين ؟!
- غير صحيح !! لديّ ام واب , واخوان على ما اذكر
الزوج بسخرية : آه نعم , عائلة اندرسون
وما ان سمعت اسم العائلة , حتى صرخت بارتياح :
- اندرسون !! نعم هذا اسمي .. نيرمين اندرسون
- انتظري قليلاً
وأخذ يبحث بالأدراج .. الى ان أخرج روايةً مطبوعة , وأعطاها لها وهو يقول :
- كنت تملكين موهبة الكتابة , وألفت هذه القصة .. ونشرتها لك قبل شهر من ولادة ابننا .. إقرأي العنوان..
((وكانت الرواية بعنوان : عائلة اندرسون المثالية .. تأليف : نيرمين ريتشالد))
فقالت باستغراب : ريتشالد !
زوجها : نعم هو عائلة المرأة التي تبنّتك
- لا أفهم شيئاً !
- طبيبك أخبرني ان عقلك يرفض تقبّل موت جيمي الصغير , لهذا اقتبستِ حياة البطلة في روايتك : كفتاةٍ عزباء وابنة عائلة ثريّة
فصرخت بغضب : لا اصدّق كلامك ! هيا أخرج من غرفتي فوراً!!
فقال بعصبية : لم أعد احتمل افعالك المجنونة يا نيرمين
وأخرج جواله .. واتصل بأحدهم , قائلاً بقلق :
((اهلاً دكتور جاك .. انا زوج نيرمين ريتشالد.. حالتها تزداد سوءاً منذ ليلة امس .. لا ادري ما حصل ! لكنها لا تتذكّرني ابداً .. نعم تناولت الدواء البارحة .. لكنها ترفض أخذه الآن , لأنه يُسبّب لها الدوخة والنعاس , فماذا أفعل ؟ .. هي خائفةٌ مني , رجاءً كلّمها انت))
وأعطاها الجوال..
فردّت قائلةً : الو !
فسمعت صوت رجلٍ رخيم يقول لها : السيدة نيرمين
- نعم
- انا طبيبك النفسي (جاك فلامينو) .. أعالجك منذ وفاة ابنك قبل ستة اشهر
- آسفة لا اتذكّرك , ولا اعتقد انني أنجبت من قبل !
- عزيزتي ..ما يحصل معك أمرٌ طبيعي , فعقلك الباطن مازال يلومك على وفاة ابنك .. وسأحاول علاج مشكلتك فور عودتي من المؤتمر الطبّي في الخارج .. الى ذلك الحين , حاولي ان لا تتعبي زوجك فهو يحبك بجنون
واعادت الجوال لزوجها , وهي مازالت تنظر اليه باستغراب .. فسألها :
- هل صدّقتني الآن ؟
فالتزمت الصمت ..
الزوج : أتدرين ! سأنادي جارتك لتشربا القهوة سوياً
- جارتي !
- نعم هي من جيلك , وتصادقتما منذ انتقالنا لهذا البيت .. سأناديها الآن
نيرمين بعصبية : لا اريد رؤية احد !!
لكنه خرج من المنزل .. ليعود بعد قليل مع الجارة التي احتضنتها بالصالة , وهي تسألها بقلق :
- هل انت بخير نيرمين ؟
فابتعدت نيرمين عنها : عفواً ! هل أعرفك ؟!
فنظرت الجارة الى الزوج باستغراب ! والذي برّر لها :
- هي على هذه الحال منذ البارحة .. ارجوك تحدّثي معها , ريثما اعود من الخارج
وبعد ذهابه .. سألتها من جديد :
- ما بك نيرمين ؟
فردّت بقلق : انا لا أتذكّر الماضيّ !
الجارة : لا بأس عزيزتي , فالحادثة أضرّت كثيراً بذاكرتك .. لكن نحمد الله ان نجّاكِ من الموت بإعجوبة ..
- كل ما اذكره انني كنت أعيش برفاهية مع عائلةٍ محبّة
الجارة : آه هذه روايتك : عائلة اندرسون .. قرأتها من قبل , وانا من نصحتك بنشرها لأنها جيدة بالفعل
فانهارت نيرمين بحزن : يا الهي ! مالذي يحصل معي ؟
الجارة : ارجوك لا تبكي
وحضنتها بحنان
***
في هذه الأثناء .. إلتقى الزوج بصديقه في الكافتريا والذي سأله :
- مابك متعبٌ هكذا ؟
الزوج : ضاق صدري من طول الإنتظار , هل تواصلت معه ؟
- نعم , وسينفّذ جميع طلباتك
- ومتى ؟
- الليلة , وهو يُصرّ على المكان الذي حدّده لك
الزوج : لا مشكلة , الاقيه في جهنم ان اراد .. المهم ان ينتهي الموضوع على خير , فقد مرّ الأسبوع ببطءٍ شديد يا رجل
***
اثناء توديعها جارتها عند الباب , لمحت ابن الجارة ينظر من النافذة ! لتفاجأ بصديقتها تُسرع الى بيتها لإبعاد الطفل عن انظار نيرمين ..
فقالت نيرمين في نفسها : ((كأني رأيت الولد من قبل ! هل بدأت أستعيد ذاكرتي ؟! ..ولما ارتبكت المجنونة هكذا ؟))
ثم دخلت المنزل .. وبدأت تتجوّل في داخله , لعلّها تجد شيئاً يذكّرها بماضيها ..
واول ما لاحظته : هو عدم وجود اوراق رسمية لها في جميع الأدراج !
وأكملت بحثها عنهم في ارجاء البيت , الى ان حلّ المساء ..
والشيء الذي زاد من حيرتها : هو خلوّ معظم الغرف من المفروشات , كما القبو والعلّية !
وحين سمعت صفق الباب الخارجيّ , صعدت من القبو ..
فسألها زوجها :
- ماذا كنت تفعلين بالأسفل ؟!
نيرمين : لا شيء , تجوّلت قليلاً في المنزل .. فأنا وحدي طوال النهار
- آسف حبيبتي , التقيت ببعض الأصدقاء .. هيا تعالي لنتناول عشائنا , أحضرت البيتزا التي تحبينها
- بيترا ! أذكر ان عندي حساسية من الجبن ومشتقّات الحليب
- مجرّد اوهام .. هيا تعالي
فأكلت قطعة واحدة بتردّد , بعد ان استعادت ذاكرتها حادثة حصلت لها في صغرها حين تعرّضت للتسمّم بسبب شطيرة جبن .. لكنها لم ترغب بمجادلة زوجها
***
بعد انتهاء العشاء , نظر الى ساعته قائلاً :
- حان الوقت
نيرمين : على ماذا ؟
- اصدقائنا جهزوا حفلة عيد ميلادك , وسنذهب اليهم بعد قليل
- لكن عيد ميلادي في رأس السنة وليس في الصيف !
- لا اريد جرحك حبيبتي .. لكن دار الأيتام سجّلوك بهذا التاريخ الذي يوافق يوم إيجادهم لك على باب الميتم , رغم ان عمرك وقتها تجاوز الستة أشهر
ففاجأته قائلةً بحزم : أرني هويّتي !!
الزوج بدهشة : ماذا !
- بحثت كثيراً في ارجاء البيت , ولم اجد اوراقي الرسميّة .. واريد رؤيتهم الآن !!
- سأعطيهم لك فور عودتنا من الحفل .. الآن بدّلي ملابسك لنصل في الموعد المحدّد
- وماذا البس ؟
الزوج : لديك فستان احمر فخم في الخزانة , سيليق بهذه المناسبة
فذهبت الى غرفة النوم .. وفور رؤيتها للفستان , تذكّرته على الفور
((نعم ! اختي أهدتني إيّاه يوم خطبتي من ... آدم ! .. نعم آدم , وليس هذا الرجل))
وهنا ناداها من خلف الباب : لما أقفلتي الباب يا نيرمين ؟!!
فأجابته وهي ترتجف : لوّ سمحت , دعني البس على راحتي
- اذاً استعجلي !! فصديقتك اتصلت لتخبرني أنهم جميعاً في انتظارك
- حسناً انا قادمة
وهنا وقع نظرها على روايتها المزعومة .. ففتحها لتقرأ بعض سطورها , لتتفاجأ بوقاحة عباراتها !
فقالت في نفسها ((مستحيل ان اكتب هذه القاذورات !))
واثناء إعادة الكتاب لمكانه , سقط الغلاف الخارجيّ ليظهر الكتاب الأصلي بعنوان : علاقةٌ محرّمة , للكاتب : اريك ماثيو
- ماذا يعني هذا !
وفكّرت لثواني قبل ان تقول : لابد ان اسمي الحقيقي هو نيرمين اندرسون
وكان الحاسوب مضاءً فوق المكتب .. فكتبت على صفحة جوجل :
((البحث عن نيرمين اندرسون))
لتُصعق بمقالةٍ صحفية مذكوراً فيها :
((صرّحت عائلة اندرسون الثرية انها ستستعيد نيرمين قريباً , بعد اتفاقهم مع الخاطف على مبلغ 50 مليون دولار .. ومازال الوالد يرفض تدخل الشرطة , خوفاً على حياة ابنته الصغيرة))
وحين نظرت لصورة العائلة , تذكّرت على الفور والديها واخوها واختها اللذان يكبرانها .. وكادت تسقط من هول الصدمة !
- اللعين خطفني !
وبدأت تستعيد مقتطفات عمّا حصل ليلة الخطف :
((حفلتها بالبار مع اصدقائها .. تقديم النادل مشروباً مجانيّ لها , والذي كان نفسه الخاطف ! .. شعورها بالدوار في حمام البار .. ومنظر النادل وصديقه وهما يحملانها للخارج من باب الموظفين , ويضعانها في السيارة .. كما تذكّرت ما حصل ليلة البارحة حين استيقظت في منتصف الليل بعد شعورها بوخزٍ في ذراعها , لتلمحه وهو يحقنها بمخدرٍ ما ! الذي هو السبب في هلّوستها وفقدانها المؤقت للذاكرة))
فقالت بضيق :
- لابد ان صديقه لعب دور الطبيب النفسي .. آه الآن تذكّرت !! ابن الجارة هو نفسه جيمي الصغير في الصورة .. يبدو انه وعدها بنصيب من مال الفدية ... ولا استبعد انه استأجر هذا البيت لعملية الخطف , لهذا لم يفرش معظم غرفه
بهذه اللحظات .. طرق الباب بقوة , كادت تصيبها بنوبةٍ قلبية :
- هل انتهيتي ؟!! تأخرنا كثيراً على الموعد
فردّت بصوتٍ مرتجف : ثواني فقط !!
ثم لبست الفستان بسرعة , وفتحت له الباب ..
فسألها بقلق :
- مابه وجهك شاحبٌ هكذا ؟
- لا شيء .. دعنا نذهب
ورغم معرفتها إنه خاطفها , لكنها ذهبت معه على أمل ان يُعيدها الى عائلتها , بعد اتفاقه معهم على مال الفدية (كما ذكرت الصحيفة)..
***
في الطريق , سألها :
- لما انت صامتة هكذا ؟ ولما تضغطين بشدّة على معدتك ؟!
- رجاءً قفّ جانباً , أشعر بالغثيان
- لا استطيع , فقد قاربنا على الوصول
- أخبرتك انني اعاني من حساسية الأجبان
وفجأة تقيأت .. مما جعله يصرخ عليها بغضب :
- اللعنة ايتها ساقطة !! لوّثتي سيارتي
فنظرت اليه بخوف !
فتدارك الموقف , مُعتذراً :
- آسف حبيبتي , لكني غسلت السيارة اليوم .. هيا خذي المناديل وامسحي ملابسك..
بعد قليل .. إنحرف نحو شارعٍ فرعيّ ومظلم..
فسألته بقلق : الى اين تأخذني ؟!
- لا تخافي , الحفلة ستكون في الهواء الطلق .. رجاءً تناولي دوائك , فلا اريد حركات مجنونة امامهم
واعطاها دواءً مجهولاً .. فتظاهرت إنها تناولت الحبة , التي أخفتها داخل جيبها ..
بعد قليل .. بدأت تتثاءب امامه وهي تقول :
- أكره هذا الدواء فهو يسبّب لي النعاس
- اذاً نامي قليلاً , سأوقظك حينما نصل
فأسدلت غُرّتها على إحدى عينيها التي أبقتها مفتوحة لمراقبة الشارع , بينما أغلقت الثانية متظاهرةً بالنوم
وبعد تعمّقه في غابةٍ موحشة , وصلا الى جسرٍ خشبيّ قديم .. لتلاحظ نيرمين انوار سيارة متوقفة من بعيد !
وكلما اقتربا منها , تزايدت دقّات قلبها لأنها إحدى سيارت والدها الفخمة .. وكان ينتظرهما بداخلها لوحده !
فخافت ان يقتله الخاطف اثناء عملية التبادل ..
وبعد توقف السيارة .. أخرج الخاطف المسدس من جيبه , ونزل متوجهاً للأب وهو يشهر سلاحه نحوه ..
فرفع والدها احدى يديه , وهو يحمل بالأخرى حقيبة المال :
- لا داعي للسلاح بنيّ
الخاطف : هل المبلغ كامل ؟
- بالتأكيد !! فأنا لن اجازف بإبنتي
- أعطني الحقيبة
- لحظة ! لما نيرمين نائمة في السيارة ؟ ماذا فعلت بها ؟
- لا تقلق , هي بخير
الوالد : اذاً دعني أخرجها من سيارتك , قبل تسليمك المال
- لا !! عندي حلٌّ افضل .. أعطني سيارتك , فحلم حياتي ان أمتلك واحدة مثلها
- حسناً لنتبادل المفاتيح
ورمى كل شخص مفاتيحه للآخر..
ثم اسرع الخاطف نحو سيارته الجديدة وهو في قمّة الفرح لنجاح خطته , حاملاً بيده حقيبة المال ..
بينما اسرع الأب الى داخل السيارة المهترئة لاحتضان ابنته النائمة التي لم تحرّك ساكناً قبل ابتعاد الخاطف عن المكان
وحين عمّ السكون الأرجاء , إحتضنت والدها وهي تبكي بحرقة ..
فربت على ظهرها مُهدّأً , وهو يعتذر لها :
- سامحيني يا ابنتي .. تأخّرت اسبوعاً عليك , في انتظار انتهاء الخبير من تزوير النقود
نيرمين بدهشة : هل كل المال الذي أخذه مزوّراً ؟!
- بالتأكيد !!
- الهذا لم تتصل بالشرطة ؟
الأب : بل لأجل هذا
وأخرج جهازاً صغيراً من جيبه وضغط عليه , ليظهر صوت انفجارٍ هائل من داخل الغابة ! .. ثم قال الأب بارتياح :
- وهآقد تحوّل اللعين الى اشلاء
نيرمين بدهشة وقلق : ألغمت سيارتك ؟!
- نعم
- وكيف عرفت انه سيتبادلها معك ؟
- لأنه طمّاع ككل الفاسدين .. لهذا اخترت أفخم سيارتي لإغرائه بسرقتها , واقترحت عليه هذا المكان المجهول لتنفيذ خطتي .. ولوّ أبلّغت الشرطة لكانت اعتقلته , وهذا لن يشفي غليلي
- انا خائفة يا ابي , فاللعين اعطاني حبوباً وإبر مخدّرة أفقدتني الذاكرة وأصابتني بالهلوسة !
- لا تقلقي حبيبتي , فطبيبي الخاص قادر على إخراج السموم من جسمك .. والآن دعيني أقود هذه الخردة الى قصرنا , فأمك واخوتك وخطيبك آدم ينتظرونك بفارغ الصبر
وأكملا طريقها الى هناك , وهما يتنفّسان الصعداء لانتهاء الكابوس المفزع
الذاكرة المشوّشة
في ذلك المساء .. إستيقظت الصبية على المقعد , بجانب سائقٍ مجهول ! وأُصيبت بالفزع حين وجدت باب السيارة مقفلاً .. فصرخت برعب :
- من انت ؟! أخرجني من هنا حالاً .. أنقذوني يا ناس !!
فأجابها الشاب بهدوء : اهدأي نيرمين ! أفي كل مرة عليّ تذكيرك بشريط حياتنا ؟
باستغراب : حياتنا ! انا لا اعرفك
فأوقف السيارة جانباً .. وسألها بعصبية :
- هل أصبتي بالزهايمر ايضاً ؟ .. (ثم تنهّد محاولاً تهدأة اعصابه).. إسمعي عزيزتي .. أحببنا بعضنا في الجامعة , وتزوجنا .. وفي عيد رأس السنة الماضية تضرّر دماغك بسبب حادثٍ مروريّ , أودى بحياة ابننا الوحيد الذي كان ..
مقاطعة : لا اذكر انني أنجبت من قبل !
- صبّرني يارب !!
وفتح درج سيارته ..وأخرج صورة له وهو يحمل طفلاً في الرابعة , واعطاها لها وهو يقول :
- هذه آخر صورة لجوني .. هل تذكّرته الآن ؟
وخافت ان تجيبه بالنفي , فيزداد غضبه .. وسألته :
- كيف مات ؟
- لم يكن ذنبك , السائق الآخر كان مخموراً حين اصطدم بكما .. يبدو انك لم تأخذي دوائك هذا الصباح ؟
- ايّ دواء ؟!
الزوج : جيد انني اشتريت لك عبوةً جديدة
وأخذ كيساً من المقعد الخلفي .. وأخرج منه زجاجة فيها حبّات دواء , قائلاً لها :
- هذه وصفة طبيبك النفسيّ , ستعيد التوازن لذاكرتك المشوّشة .. وهذه قارورة ماء .. تناوليها الآن , كيّ نعود الى بيتنا سالمين
وبترددٍ شديد إبتلعت حبة الدواء ..
وبعد دقائق .. شعرت بدوخة ونعاس , جعلها تستسلم للنوم !
***
في اليوم التالي .. إستيقظت نيرمين في السرير , وحين نظرت حولها :
- هذه ليست غرفة نومي !
ثم أطلّت من النافذة :
- لا اذكر انني عشت في هذا الحيّ من قبل !
بهذه اللحظات , دخل زوجها ومعه صينية الغداء :
- اخيراً استيقظتي !! أضعتي نصف نهارك .. ومع ذلك أعدّدت لك الفطور , فأنت لا تحبين الطعام الدسم على معدةٍ خاوية ..هآ كيف أصبحتي اليوم ؟
- مازلت لا اذكر شيئاً !
- يا الهي ! ان بقيت على هذا الحال , سأحجز موعداً عند الطبيب .. الآن تناولي طعامك ..
فأكلت لقيمات قليلة لتسدّ جوعها ..
ثم سألها :
- هل أعجبك البيض ؟ أعددّته كما تحبينه تماماً
نيرمين باستغراب : أحقاً ! لا اذكر انني احب البيض المسلوق
فردّ بعصبية : نيرمين !! توقفي عن مضايقتي ارجوك
- آسفة
وبعد وضعه صينية الطعام جانباً , سألها :
- هل مازال ظهرك يؤلمك ؟
- ماذا !
- البارحة أخبرتني بذلك
نيرمين : ظهري بخير , لكني أشعر بوخزٍ مؤلم في يدي !
- أرني
فرأى إحمراراً بأعلى ذراعها..
الزوج : ربما لدغة بعوضٌ سام .. سأدهنه لك بالمطهر
نيرمين بخوف : لا اريد
- دعيني أهتم بك حبيبتي .. هيا تمدّدي على السرير لأدلّك ما يؤلمك بدواء العضلات
فردّت بعصبية: رجاءً لا تلمسني !!
- أتخافين من زوجك ؟!
- إسمع يا ..
الزوج بدهشة : هل نسيتي اسمي ايضاً ! حالتك تزداد سوءاً .. اسمي مايكل , حبيبك الوحيد .. الا تذكرين نزهاتنا على البحر ايام الخطوبة ؟
لكنها تجاهلت سؤاله , قائلةً بحزم :
- اريد مكالمة اهلي !!
الزوج باستغراب : اهلك !
- نعم , مالغريب في الموضوع ؟
- انت يتيمة
نيرمين بدهشة : ماذا !
- تبنّتك مُدرّسة دار الأيتام حين كنت في الثالثة , لكنها توفيت قبل اسبوع من تخرّجك الجامعي .. الا تذكرين ؟!
- غير صحيح !! لديّ ام واب , واخوان على ما اذكر
الزوج بسخرية : آه نعم , عائلة اندرسون
وما ان سمعت اسم العائلة , حتى صرخت بارتياح :
- اندرسون !! نعم هذا اسمي .. نيرمين اندرسون
- انتظري قليلاً
وأخذ يبحث بالأدراج .. الى ان أخرج روايةً مطبوعة , وأعطاها لها وهو يقول :
- كنت تملكين موهبة الكتابة , وألفت هذه القصة .. ونشرتها لك قبل شهر من ولادة ابننا .. إقرأي العنوان..
((وكانت الرواية بعنوان : عائلة اندرسون المثالية .. تأليف : نيرمين ريتشالد))
فقالت باستغراب : ريتشالد !
زوجها : نعم هو عائلة المرأة التي تبنّتك
- لا أفهم شيئاً !
- طبيبك أخبرني ان عقلك يرفض تقبّل موت جيمي الصغير , لهذا اقتبستِ حياة البطلة في روايتك : كفتاةٍ عزباء وابنة عائلة ثريّة
فصرخت بغضب : لا اصدّق كلامك ! هيا أخرج من غرفتي فوراً!!
فقال بعصبية : لم أعد احتمل افعالك المجنونة يا نيرمين
وأخرج جواله .. واتصل بأحدهم , قائلاً بقلق :
((اهلاً دكتور جاك .. انا زوج نيرمين ريتشالد.. حالتها تزداد سوءاً منذ ليلة امس .. لا ادري ما حصل ! لكنها لا تتذكّرني ابداً .. نعم تناولت الدواء البارحة .. لكنها ترفض أخذه الآن , لأنه يُسبّب لها الدوخة والنعاس , فماذا أفعل ؟ .. هي خائفةٌ مني , رجاءً كلّمها انت))
وأعطاها الجوال..
فردّت قائلةً : الو !
فسمعت صوت رجلٍ رخيم يقول لها : السيدة نيرمين
- نعم
- انا طبيبك النفسي (جاك فلامينو) .. أعالجك منذ وفاة ابنك قبل ستة اشهر
- آسفة لا اتذكّرك , ولا اعتقد انني أنجبت من قبل !
- عزيزتي ..ما يحصل معك أمرٌ طبيعي , فعقلك الباطن مازال يلومك على وفاة ابنك .. وسأحاول علاج مشكلتك فور عودتي من المؤتمر الطبّي في الخارج .. الى ذلك الحين , حاولي ان لا تتعبي زوجك فهو يحبك بجنون
واعادت الجوال لزوجها , وهي مازالت تنظر اليه باستغراب .. فسألها :
- هل صدّقتني الآن ؟
فالتزمت الصمت ..
الزوج : أتدرين ! سأنادي جارتك لتشربا القهوة سوياً
- جارتي !
- نعم هي من جيلك , وتصادقتما منذ انتقالنا لهذا البيت .. سأناديها الآن
نيرمين بعصبية : لا اريد رؤية احد !!
لكنه خرج من المنزل .. ليعود بعد قليل مع الجارة التي احتضنتها بالصالة , وهي تسألها بقلق :
- هل انت بخير نيرمين ؟
فابتعدت نيرمين عنها : عفواً ! هل أعرفك ؟!
فنظرت الجارة الى الزوج باستغراب ! والذي برّر لها :
- هي على هذه الحال منذ البارحة .. ارجوك تحدّثي معها , ريثما اعود من الخارج
وبعد ذهابه .. سألتها من جديد :
- ما بك نيرمين ؟
فردّت بقلق : انا لا أتذكّر الماضيّ !
الجارة : لا بأس عزيزتي , فالحادثة أضرّت كثيراً بذاكرتك .. لكن نحمد الله ان نجّاكِ من الموت بإعجوبة ..
- كل ما اذكره انني كنت أعيش برفاهية مع عائلةٍ محبّة
الجارة : آه هذه روايتك : عائلة اندرسون .. قرأتها من قبل , وانا من نصحتك بنشرها لأنها جيدة بالفعل
فانهارت نيرمين بحزن : يا الهي ! مالذي يحصل معي ؟
الجارة : ارجوك لا تبكي
وحضنتها بحنان
***
في هذه الأثناء .. إلتقى الزوج بصديقه في الكافتريا والذي سأله :
- مابك متعبٌ هكذا ؟
الزوج : ضاق صدري من طول الإنتظار , هل تواصلت معه ؟
- نعم , وسينفّذ جميع طلباتك
- ومتى ؟
- الليلة , وهو يُصرّ على المكان الذي حدّده لك
الزوج : لا مشكلة , الاقيه في جهنم ان اراد .. المهم ان ينتهي الموضوع على خير , فقد مرّ الأسبوع ببطءٍ شديد يا رجل
***
اثناء توديعها جارتها عند الباب , لمحت ابن الجارة ينظر من النافذة ! لتفاجأ بصديقتها تُسرع الى بيتها لإبعاد الطفل عن انظار نيرمين ..
فقالت نيرمين في نفسها : ((كأني رأيت الولد من قبل ! هل بدأت أستعيد ذاكرتي ؟! ..ولما ارتبكت المجنونة هكذا ؟))
ثم دخلت المنزل .. وبدأت تتجوّل في داخله , لعلّها تجد شيئاً يذكّرها بماضيها ..
واول ما لاحظته : هو عدم وجود اوراق رسمية لها في جميع الأدراج !
وأكملت بحثها عنهم في ارجاء البيت , الى ان حلّ المساء ..
والشيء الذي زاد من حيرتها : هو خلوّ معظم الغرف من المفروشات , كما القبو والعلّية !
وحين سمعت صفق الباب الخارجيّ , صعدت من القبو ..
فسألها زوجها :
- ماذا كنت تفعلين بالأسفل ؟!
نيرمين : لا شيء , تجوّلت قليلاً في المنزل .. فأنا وحدي طوال النهار
- آسف حبيبتي , التقيت ببعض الأصدقاء .. هيا تعالي لنتناول عشائنا , أحضرت البيتزا التي تحبينها
- بيترا ! أذكر ان عندي حساسية من الجبن ومشتقّات الحليب
- مجرّد اوهام .. هيا تعالي
فأكلت قطعة واحدة بتردّد , بعد ان استعادت ذاكرتها حادثة حصلت لها في صغرها حين تعرّضت للتسمّم بسبب شطيرة جبن .. لكنها لم ترغب بمجادلة زوجها
***
بعد انتهاء العشاء , نظر الى ساعته قائلاً :
- حان الوقت
نيرمين : على ماذا ؟
- اصدقائنا جهزوا حفلة عيد ميلادك , وسنذهب اليهم بعد قليل
- لكن عيد ميلادي في رأس السنة وليس في الصيف !
- لا اريد جرحك حبيبتي .. لكن دار الأيتام سجّلوك بهذا التاريخ الذي يوافق يوم إيجادهم لك على باب الميتم , رغم ان عمرك وقتها تجاوز الستة أشهر
ففاجأته قائلةً بحزم : أرني هويّتي !!
الزوج بدهشة : ماذا !
- بحثت كثيراً في ارجاء البيت , ولم اجد اوراقي الرسميّة .. واريد رؤيتهم الآن !!
- سأعطيهم لك فور عودتنا من الحفل .. الآن بدّلي ملابسك لنصل في الموعد المحدّد
- وماذا البس ؟
الزوج : لديك فستان احمر فخم في الخزانة , سيليق بهذه المناسبة
فذهبت الى غرفة النوم .. وفور رؤيتها للفستان , تذكّرته على الفور
((نعم ! اختي أهدتني إيّاه يوم خطبتي من ... آدم ! .. نعم آدم , وليس هذا الرجل))
وهنا ناداها من خلف الباب : لما أقفلتي الباب يا نيرمين ؟!!
فأجابته وهي ترتجف : لوّ سمحت , دعني البس على راحتي
- اذاً استعجلي !! فصديقتك اتصلت لتخبرني أنهم جميعاً في انتظارك
- حسناً انا قادمة
وهنا وقع نظرها على روايتها المزعومة .. ففتحها لتقرأ بعض سطورها , لتتفاجأ بوقاحة عباراتها !
فقالت في نفسها ((مستحيل ان اكتب هذه القاذورات !))
واثناء إعادة الكتاب لمكانه , سقط الغلاف الخارجيّ ليظهر الكتاب الأصلي بعنوان : علاقةٌ محرّمة , للكاتب : اريك ماثيو
- ماذا يعني هذا !
وفكّرت لثواني قبل ان تقول : لابد ان اسمي الحقيقي هو نيرمين اندرسون
وكان الحاسوب مضاءً فوق المكتب .. فكتبت على صفحة جوجل :
((البحث عن نيرمين اندرسون))
لتُصعق بمقالةٍ صحفية مذكوراً فيها :
((صرّحت عائلة اندرسون الثرية انها ستستعيد نيرمين قريباً , بعد اتفاقهم مع الخاطف على مبلغ 50 مليون دولار .. ومازال الوالد يرفض تدخل الشرطة , خوفاً على حياة ابنته الصغيرة))
وحين نظرت لصورة العائلة , تذكّرت على الفور والديها واخوها واختها اللذان يكبرانها .. وكادت تسقط من هول الصدمة !
- اللعين خطفني !
وبدأت تستعيد مقتطفات عمّا حصل ليلة الخطف :
((حفلتها بالبار مع اصدقائها .. تقديم النادل مشروباً مجانيّ لها , والذي كان نفسه الخاطف ! .. شعورها بالدوار في حمام البار .. ومنظر النادل وصديقه وهما يحملانها للخارج من باب الموظفين , ويضعانها في السيارة .. كما تذكّرت ما حصل ليلة البارحة حين استيقظت في منتصف الليل بعد شعورها بوخزٍ في ذراعها , لتلمحه وهو يحقنها بمخدرٍ ما ! الذي هو السبب في هلّوستها وفقدانها المؤقت للذاكرة))
فقالت بضيق :
- لابد ان صديقه لعب دور الطبيب النفسي .. آه الآن تذكّرت !! ابن الجارة هو نفسه جيمي الصغير في الصورة .. يبدو انه وعدها بنصيب من مال الفدية ... ولا استبعد انه استأجر هذا البيت لعملية الخطف , لهذا لم يفرش معظم غرفه
بهذه اللحظات .. طرق الباب بقوة , كادت تصيبها بنوبةٍ قلبية :
- هل انتهيتي ؟!! تأخرنا كثيراً على الموعد
فردّت بصوتٍ مرتجف : ثواني فقط !!
ثم لبست الفستان بسرعة , وفتحت له الباب ..
فسألها بقلق :
- مابه وجهك شاحبٌ هكذا ؟
- لا شيء .. دعنا نذهب
ورغم معرفتها إنه خاطفها , لكنها ذهبت معه على أمل ان يُعيدها الى عائلتها , بعد اتفاقه معهم على مال الفدية (كما ذكرت الصحيفة)..
***
في الطريق , سألها :
- لما انت صامتة هكذا ؟ ولما تضغطين بشدّة على معدتك ؟!
- رجاءً قفّ جانباً , أشعر بالغثيان
- لا استطيع , فقد قاربنا على الوصول
- أخبرتك انني اعاني من حساسية الأجبان
وفجأة تقيأت .. مما جعله يصرخ عليها بغضب :
- اللعنة ايتها ساقطة !! لوّثتي سيارتي
فنظرت اليه بخوف !
فتدارك الموقف , مُعتذراً :
- آسف حبيبتي , لكني غسلت السيارة اليوم .. هيا خذي المناديل وامسحي ملابسك..
بعد قليل .. إنحرف نحو شارعٍ فرعيّ ومظلم..
فسألته بقلق : الى اين تأخذني ؟!
- لا تخافي , الحفلة ستكون في الهواء الطلق .. رجاءً تناولي دوائك , فلا اريد حركات مجنونة امامهم
واعطاها دواءً مجهولاً .. فتظاهرت إنها تناولت الحبة , التي أخفتها داخل جيبها ..
بعد قليل .. بدأت تتثاءب امامه وهي تقول :
- أكره هذا الدواء فهو يسبّب لي النعاس
- اذاً نامي قليلاً , سأوقظك حينما نصل
فأسدلت غُرّتها على إحدى عينيها التي أبقتها مفتوحة لمراقبة الشارع , بينما أغلقت الثانية متظاهرةً بالنوم
وبعد تعمّقه في غابةٍ موحشة , وصلا الى جسرٍ خشبيّ قديم .. لتلاحظ نيرمين انوار سيارة متوقفة من بعيد !
وكلما اقتربا منها , تزايدت دقّات قلبها لأنها إحدى سيارت والدها الفخمة .. وكان ينتظرهما بداخلها لوحده !
فخافت ان يقتله الخاطف اثناء عملية التبادل ..
وبعد توقف السيارة .. أخرج الخاطف المسدس من جيبه , ونزل متوجهاً للأب وهو يشهر سلاحه نحوه ..
فرفع والدها احدى يديه , وهو يحمل بالأخرى حقيبة المال :
- لا داعي للسلاح بنيّ
الخاطف : هل المبلغ كامل ؟
- بالتأكيد !! فأنا لن اجازف بإبنتي
- أعطني الحقيبة
- لحظة ! لما نيرمين نائمة في السيارة ؟ ماذا فعلت بها ؟
- لا تقلق , هي بخير
الوالد : اذاً دعني أخرجها من سيارتك , قبل تسليمك المال
- لا !! عندي حلٌّ افضل .. أعطني سيارتك , فحلم حياتي ان أمتلك واحدة مثلها
- حسناً لنتبادل المفاتيح
ورمى كل شخص مفاتيحه للآخر..
ثم اسرع الخاطف نحو سيارته الجديدة وهو في قمّة الفرح لنجاح خطته , حاملاً بيده حقيبة المال ..
بينما اسرع الأب الى داخل السيارة المهترئة لاحتضان ابنته النائمة التي لم تحرّك ساكناً قبل ابتعاد الخاطف عن المكان
وحين عمّ السكون الأرجاء , إحتضنت والدها وهي تبكي بحرقة ..
فربت على ظهرها مُهدّأً , وهو يعتذر لها :
- سامحيني يا ابنتي .. تأخّرت اسبوعاً عليك , في انتظار انتهاء الخبير من تزوير النقود
نيرمين بدهشة : هل كل المال الذي أخذه مزوّراً ؟!
- بالتأكيد !!
- الهذا لم تتصل بالشرطة ؟
الأب : بل لأجل هذا
وأخرج جهازاً صغيراً من جيبه وضغط عليه , ليظهر صوت انفجارٍ هائل من داخل الغابة ! .. ثم قال الأب بارتياح :
- وهآقد تحوّل اللعين الى اشلاء
نيرمين بدهشة وقلق : ألغمت سيارتك ؟!
- نعم
- وكيف عرفت انه سيتبادلها معك ؟
- لأنه طمّاع ككل الفاسدين .. لهذا اخترت أفخم سيارتي لإغرائه بسرقتها , واقترحت عليه هذا المكان المجهول لتنفيذ خطتي .. ولوّ أبلّغت الشرطة لكانت اعتقلته , وهذا لن يشفي غليلي
- انا خائفة يا ابي , فاللعين اعطاني حبوباً وإبر مخدّرة أفقدتني الذاكرة وأصابتني بالهلوسة !
- لا تقلقي حبيبتي , فطبيبي الخاص قادر على إخراج السموم من جسمك .. والآن دعيني أقود هذه الخردة الى قصرنا , فأمك واخوتك وخطيبك آدم ينتظرونك بفارغ الصبر
وأكملا طريقها الى هناك , وهما يتنفّسان الصعداء لانتهاء الكابوس المفزع