تأليف : امل شانوحة
الذاكرة المشوّشة
في ذلك المساء ، إستيقظت دلال بجانب سائقٍ مجهول .. فصرخت برعب وهي تحاول خلع الباب المقفل :
- أنقذوني يا ناس !! انا مخطوفة !!
السائق : مابك يا دلال ؟ انا زوجك ، الا تذكُريني ؟!
- انا لا أعرفك
- حسناً سأذكّرك بماضينا للمرة المليون .. أحببنا بعضنا في الجامعة , وتزوجنا .. وفي عيد رأس السنة الماضية ، تضرّر دماغك بسبب حادثٍ مروريّ ، أودى بحياة ابننا الوحيد الذي كان ..
مقاطعة : لا اذكر انني أنجبت من قبل !
- صبّرني يارب !!
وفتح درج سيارته ..وأخرج صورة له وهو يحمل طفلاً في الرابعة , أعطاها لها وهو يقول :
- هذه آخر صورة لوليد .. هل تذكّرته الآن ؟
فقالت بتردّد : كيف مات الصغير ؟
- اصطدم بكما سائقٌ مخمور.. ألم تأخذي دوائك هذا الصباح ؟
- ايّ دواء ؟!
الزوج : جيد انني اشتريت لك عبوةً جديدة
وأعطاها دواء وقاروة ماء وهو يقول :
- هذه وصفة طبيبك النفسيّ التي ستوازن ذاكرتك المشوّشة .. تناوليها الآن , ولنعدّ لبيتنا سالمين
وبعد دقائق من بلعها الدواء .. شعرت بنعاسٍ مفاجىء , جعلها تغفو من جديد !
***
في اليوم التالي .. إستيقظت دلال في السرير , ونظرت حولها :
- هذه ليست غرفة نومي !
وأطلّت من النافذة :
- لا اذكر انني عشت بهذا الحيّ من قبل !
بهذه اللحظات , دخل زوجها ومعه صينية الغداء :
- اخيراً استيقظتي !! أعدّدت لك الفطور .
فأكلت لقيمات قليلة لسدّ جوعها ..
ثم سألها :
- هل أعجبك البيض ؟ أعددّته كما تحبينه تماماً
دلال باستغراب : لم أحب يوماً البيض المسلوق !
فردّ بعصبية : دلال !! توقفي عن مضايقتي
دلال بخوف : لم اقصد يا ..
- أنسيتي اسمي ايضاً ؟! حالتك تزداد سوءاً .. انا فؤاد , حبيبك الوحيد .. الا تذكرين نزهاتنا ايام الخطوبة ؟
لكنها تجاهلت سؤاله , قائلةً بحزم :
- اريد مكالمة اهلي !!
الزوج باستغراب : اهلك !
- نعم , مالغريب في الموضوع ؟
- انت يتيمة
دلال بدهشة : ماذا !
- تبنّتك مُعلمة بدار الأيتام في سن الثالثة , وتوفيت قبل تخرّجك الجامعي ..
- غير صحيح !! لديّ ام واب واخوة على ما اذكر
الزوج بسخرية : آه ، تقصدين عائلة نجّار ؟
وما ان سمعت اسم العائلة , حتى صرخت بارتياح :
- نجّار !! نعم هذا اسمي .. دلال نجّار
- انتظري قليلاً
وأخرج روايةً مطبوعة من الدرج , أعطاها لها وهو يقول :
- قمتِ بتأليف هذه القصة قبل ولادة ابننا ، إقرأي العنوان..
((وكانت رواية بعنوان : عائلة نجّار المثالية .. تأليف : دلال الحاجّ))
فقالت باستغراب : الحاجّ !
زوجها : نعم ، هي عائلة المعلمة التي تبنّتك
- لا أفهم شيئاً !
- طبيبك أخبرني ان عقلك يرفض تقبّل موت وليد الصغير , لهذا اقتبستِ حياة بطلة روايتك : كفتاةٍ عزباء ، وابنة عائلة ثريّة
فصرخت غاضبة : لا اصدّق كلامك ! هيا أخرج فوراً من الغرفة!!
فقال بعصبية : لم أعد احتمل افعالك المجنونة يا دلال
وأخرج جواله .. واتصل بأحدهم , قائلاً بقلق :
((اهلاً دكتور مروان .. انا زوج دلال الحاجّ .. حالتها تزداد سوءاً منذ ليلة امس ، ولا ادري ماذا حصل ! فهي لا تتذكّر شيئاً .. نعم تناولت الدواء البارحة .. لكنها ترفض أخذه اليوم ، فهو يُسبّب لها الدوخة والنعاس , فماذا أفعل ؟ .. هي خائفةٌ مني , رجاءً كلّمها انت))
وأعطاها الجوال..
فردّت قائلةً : الو !
فسمعت صوت رجلٍ رخيم يقول لها : السيدة دلال
- نعم
- انا طبيبك النفسي (مروان مصطفى) .. أعالجك منذ وفاة ابنك قبل سبعة أشهر
- آسفة لا اتذكّرك , ولا اعتقد انني أنجبت من قبل !
- عزيزتي ..ما يحصل معك أمرٌ طبيعي , فعقلك الباطن مازال يلومك على وفاة ابنك .. سأحاول علاجك بعد عودتي من المؤتمر الطبّي في أوروبا .. الى ذلك الحين , حاولي ان لا تتعبي زوجك ، فهو يحبك بجنون
ثم أعادت الجوال لزوجها , وهي تنظر اليه باستغراب .. فسألها :
- هل صدّقتني الآن ؟
لكنها التزمت الصمت ..
الزوج : أتدرين ! سأنادي جارتك لتشربا القهوة سوياً
دلال بعصبية : لا اريد رؤية احد !!
لكنه خرج من المنزل .. ليعود بعد قليل مع الجارة التي احتضنتها بالصالة , وهي تسألها بقلق :
- هل انت بخير يا دلال ؟
وتركهما الزوج وحدهما وخرج من المنزل ..
وبعد ان اخبرتها دلال بالمشكلة ، قالت الجارة :
- نعم .. انا شجّعتك على نشر روايتك ((عائلة نجّار)) فهي قصة رائعة .. ولا تقلقي ، ستشفين تماماً بعد انهاء رحلتك العلاجية
دلال بحزنٍ شديد : لكني متأكّدة انني عشت الرفاهية مع عائلةٍ محبّة ، ولا أشعر بانتمائي لهذا المكان الموحش ! انا خائفة حقاً
الجارة : ارجوك لا تبكي
وحضنتها بحنان
***
في هذه الأثناء .. إلتقى الزوج بصديقه في الكافتريا والذي سأله :
- مابك متعبٌ هكذا ؟
الزوج : ضاق صدري من طول الإنتظار , هل تواصلت معه ؟
- نعم , وسينفّذ جميع طلباتك
- متى ؟
الصديق : الليلة , وهو يُصرّ على المكان الذي حدّده لك
الزوج بضيق : ألقاه في الجحيم إن أراد ، المهم ان ينتهي الموضوع على خير , فقد مرّ الأسبوع ببطءٍ شديد يا رجل
***
اثناء توديع جارتها عند الباب , لمحت ابن الجارة ينظر من النافذة ! فأسرعت الأم الى بيتها لإبعاده عن انظار دلال التي قالت في نفسها : ((كأني رأيت الولد من قبل ! هل بدأت أستعيد ذاكرتي ؟! ولما ارتبكت المجنونة هكذا ؟!))
***
في المساء .. عاد فؤاد الى منزله ، ونادى زوجته .. وحين قدمت ، سألها :
- اين كنت ؟
- تجوّلت قليلاً في المنزل ، فلما معظم غرفه فارغة !
- لأننا انتقلنا بعد الحادث ، ولم نتفرّغ بعد لتأثيثه ..
ففاجأته بنبرةٍ حازمة : أعطني هويّتي لوّ سمحت ؟
- ماذا !
- بحثت في كل مكان ، ولم اجد اوراقاً رسمية لي
- سأعطيك ما تريدينه بعد تناول البيتزا .. أحضرت نوعك المفضّل
دلال : لكني اعاني من حساسيّة مشتقّات الألبان !
- مجرّد وهم .. هيا لنأكل
***
بعد انتهاء العشاء , نظر الى ساعته قائلاً :
- حان الوقت .. إذهبي وتجهزي ، فأصدقائنا ينتظرونا في حفلة عيد ميلادك
دلال باستغراب : لكن عيد ميلادي في رأس السنة ، وليس في الصيف !
- لا اريد جرحك عزيزتي .. لكن دار الأيتام سجّلتك بتاريخ إيجادك امام بابهم ، رغم تجاوزك الستة اشهر .. سنتحدّث بالأمر لاحقاً .. الآن إلبسي فستانك الأحمر من الخزانة ، قبل تأخّرنا على الحفلة
فذهبت الى غرفة النوم .. وتذكّرت الفستان فور رؤيته :
((نعم ! اختي أهدتني إيّاه يوم خطبتي من ... أحمد ! .. نعم أحمد , وليس هذا الرجل))
وهنا ناداها من خلف الباب : لما أقفلتي الباب يا دلال ؟!!
فأجابته وهي ترتجف : لوّ سمحت , دعني البس على راحتي
- اذاً استعجلي !! فصديقتك إتصلت لتخبرنا أنهم جميعاً في انتظارك
- حسناً ، قادمة
وهنا وقع نظرها على روايتها المزعومة .. ففتحها لتقرأ بعض سطورها , لتتفاجأ بوقاحة عباراتها !
فقالت في نفسها ((مستحيل ان اكتب هذه القاذورات !))
واثناء إعادة الكتاب مكانه , سقط الغلاف الخارجيّ ليظهر الكتاب الأصلي بعنوان : ((علاقةٌ محرّمة , للكاتب : عادل فوزي))
- ماذا يعني هذا !
وفكّرت لثواني ، قبل ان تقول : لابد ان اسمي الحقيقي هو دلال نجّار
وكان الحاسوب مضاءً فوق المكتب .. فكتبت على جوجل :
((البحث عن دلال نجّار))
لتُصعق بمقالةٍ صحفية مذكوراً فيها :
((صرّحت عائلة نجّار الثرية انهم سيستعيدون دلال قريباً , بعد اتفاقهم مع الخاطف على مبلغ 50 مليون دولار .. ومازال الوالد يرفض تدخل الشرطة , خوفاً على حياة ابنته الصغرى))
وحين نظرت لصورة العائلة في المقال : تذكّرت على الفور والديها واخيها واختها اللذان يكبرانها .. وكادت تفقد وعيها من هول الصدمة!
- اللعين خطفني بالفعل !
وبدأت تستعيد مقتطفات لما حصل ليلة الخطف :
((حفلتها بالمطعم مع اصدقائها .. تقديم النادل مشروباً مجانيّاً لها , والذي هو نفسه الخاطف ! .. شعورها بالدوّار في حمام المطعم .. منظر النادل وصديقه يحملانها من باب الموظفين للخارج , ويضعانها في السيارة .. كما تذكّرت ليلة البارحة حين استيقظت في منتصف الليل بعد شعورها بوخزٍ في ذراعها , لتلمحه وهو يحقنها بمخدرٍ ما ! يسبّب لها الدوخة وفقدانٌ مؤقت للذاكرة))
فقالت بضيق :
- لابد ان صديقه لعب دور الطبيب النفسي .. آه تذكّرت ! ابن الجارة هو نفسه وليد الصغير في الصورة .. يبدو انه وعدها بنصيب من مال الفدية ... ولا أستبعد انه استأجر هذا البيت لعملية الخطف , لهذا لم يفرش معظم غرفه
بهذه اللحظات .. طرق فؤاد الباب بقوة , كادت تصيبها بنوبةٍ قلبية :
- هل انتهيتي ؟!! تأخرنا كثيراً على الموعد
فردّت بصوتٍ مرتجف : ثواني فقط !!
ولبست الفستان على عجل , وفتحت له الباب ..
فسألها بقلق :
- لما وجهك شاحبٌ هكذا ؟
- لا شيء .. دعنا نذهب
ورغم خوفها منه ، الا انها ذهبت معه على أمل ان يعيدها الى اهلها بعد حصوله على مال الفدية
***
في الطريق , سألها :
- لما تضغطين بشدّة على معدتك ؟!
دلال بألم : رجاءً قفّ جانباً , أشعر بالغثيان
فؤاد : تحمّلي قليلاً ، قاربنا على الوصول
- أخبرتك انني اعاني من حساسية الجبن
وفجأة تقيأت .. فصرخ عليها غاضباً :
- اللعنة عليك !! وسّختي سيارتي
فنظرت اليه بخوف !
فتدارك الموقف , مُعتذراً :
- آسف حبيبتي , غسلت السيارة اليوم .. هيا خذي المناديل وامسحي ملابسك..
بعد قليل .. إنحرف الى شارعٍ فرعيّ ومظلم..
فسألته بقلق : الى اين تأخذني ؟!
- لا تخافي , الحفلة في الهواء الطلق .. رجاءً تناولي دوائك , فلا اريد تصرّفات مجنونة امام اصدقائنا
وأعطاها دواءً مجهولاً .. فتظاهرت ببلع الحبة ..
وبعد قليل .. بدأت تتثاءب امامه وهي تقول :
- أكره هذا الدواء ، فهو يسبّب لي النعاس
- نامي قليلاً , سأوقظك حينما نصل
فأسدلت غُرّتها على إحدى عينيها التي أبقتها مفتوحة لمراقبة الشارع , بينما أغلقت الثانية متظاهرةً بالنوم
وبعد تعمّقه في غابةٍ موحشة , وصلا الى جسرٍ خشبيّ قديم .. لتلاحظ دلال انوار سيارة متوقفة من بعيد !
وكلما اقتربا منها .. تزايدت نبضات قلبها لأنها إحدى سيارت والدها الفخمة ، الذي كان ينتظرهما وحده !
وخافت ان يقتله الخاطف اثناء عملية التبادل ..
وبعد توقف السيارة .. نزل الخاطف وهو يُشهر سلاحه بوجه الأب الذي رفع إحدى يديه ، وحمل بالأخرى حقيبة المال :
- بنيّ ، لا داعي للسلاح
الخاطف : هل المبلغ كامل ؟
- بالتأكيد !! لن اجازف بإبنتي
- أعطني الحقيبة
- لحظة ! لما دلال نائمة في السيارة ؟ ماذا فعلت بها ؟
- لا تقلق , هي بخير
الوالد : اذاً دعني أخرجها من سيارتك , قبل تسليمك المال
الخاطف : لا !! عندي حلٌّ افضل .. أعطني سيارتك ، فأنا أحلم دائماً بامتلاك واحدة مثلها
- حسناً لنتبادل المفاتيح
ورمى كل شخص مفاتيحه للآخر..
ليسرع الخاطف نحو سيارته الجديدة وهو في قمّة الفرح بعد نجاح خطته , حاملاً بيده حقيبة المال ..
بينما ركب الأب السيارة المهترئة لاحتضان ابنته النائمة التي لم تُحرّك ساكناً قبل ابتعاد الخاطف عن المكان
وحين عمّ السكون الأرجاء , إحتضنت والدها وهي تبكي بحرقة ..
فربت على ظهرها مُهدِّئاً , وهو يعتذر لها :
- سامحيني يا ابنتي .. تأخّرت اسبوعاً عليك ، في انتظار انتهاء الخبير من تزوير النقود
دلال بدهشة : هل كل المال الذي أخذه مزوّراً ؟!
- بالتأكيد !!
- الهذا لم تتصل بالشرطة ؟
الأب : بل لأجل هذا
وأخرج جهازاً صغيراً من جيبه وضغط عليه , ليظهر صوت انفجارٍ هائل من داخل الغابة !
ثم قال الأب بارتياح :
- هآقد تحوّل اللعين الى اشلاء
دلال بدهشة وقلق : ألغمت سيارتك ؟!
- نعم
- وكيف عرفت انه سيتبادلها معك ؟
- لأنه طمّاع ككل الفاسدين .. لهذا اخترت أفخم سيارتي لإغرائه بسرقتها , واقترحت عليه هذا المكان المجهول لتنفيذ خطتي .. ولوّ أبلّغت الشرطة لاعتقلته , وهذا لن يشفي غليلي
- انا خائفة يا ابي , فاللعين أعطاني حبوباً وإبر مخدّرة أفقدتني الذاكرة وأصابتني بالهلوسة !
الأب : لا تقلقي حبيبتي , فطبيبي الخاص قادر على إخراج السموم من جسمك .. الآن دعيني أقود هذه الخردة الى قصرنا , فأمك واخوتك وخطيبك احمد ينتظرونك بفارغ الصبر
وأكملا طريقها الى هناك , وهما يتنفّسان الصعداء لانتهاء الكابوس المفزع
قصة مشوقة حقا ... عموما ان من اكثر ما يعجبني بالكتابات في هذه المدونة كونك تتقصدين غالبا ان تكون النهاية بعيدة عن التوقع الاعتيادي ... كأن يقتنع القارئ بحبكة ما و يتوقع نهاية متوافقة معها ... ثم يصدم فجأة ببضع معطيات تقلب النهاية في اخر بضع سطور ... و لا يقتصر الأمر على النهايات بل حتى بدايات معظم قصص المدونة تكون غامضة غالبا مما يدفع القارئ للاتمام لفضوله حول المعلومات ... عموما بانتظار المزيد من قصص المدونة ان شاء الله.
ردحذفصراحة أنتِ مبدعة.. ويا أختي عندي أقتراح.. أتمنى أن تغيرين قالب اللمدونة الخاصة بك إلى قالب سهل التصفح وعصري.. أنظري إلى هذا القالب في مدونتي التجريبية https://risala4.blogspot.com/
ردحذفإن كنتي تريدين فتواصلي معي
وعندي مئات القوالب الجميلة
وكله بالمجان
البريد: a7medreda@yandex.com
وهذا حساب إنستجرام https://www.instagram.com/_a7medr
حاولت مرة تغير قالب المدونة , فالتغت جميع تعليقات القرّاء السابقة ,كما لم يعد رابط مدونتي بموقع كابوس يعمل , لهذا لم اعد اغير شكل المدونة .. لكن شكراً على اقتراحك
حذفالقصه جميله
ردحذفلكن ليست مذهله ..الفكره بسيطه جدا
اتعلمين اشعر بأنك لو بذلتي جهد اكبر بالتفكير ، سوف تكتبين اروع القصص التي لن ولن تنسى.
وتحياتي