تأليف : امل شانوحة
الممثلون الصاعدون
بدأ تصوير المشهد الأخير من فيلم الساحر وهو يحاول فكّ السلّسلة امام جمهور المسرح ، اثناء حبسه داخل حوضٍ مائيّ سميك..
وقبل انتهاء الوقت المحدّد ، طرق بكلتا يديه على الزجاج بفزعٍ شديد ! مما اسعد المخرج ، لإتقانه مشهد الغرق في نهاية الفيلم .. دون علمه بأن الأكسجين الخفيّ الممتدّ خلف الذقن المُستعار للممثل ، مُغلقٌ تماماً ! وأن الممثل الموهوب على وشك الغرق..
وبعد توقف حركته ، وتصوير ردّة فعل جمهوره الصادم (كما كُتب بسيناريو الفيلم) أوقف المخرج التصوير ، مُصّفقاً هو وطاقمه للممثل الذي أتقن الدور جيداً.. ليصعقوا جميعاً بإخراجه ميتاً من الحوض !
وهزّ نبأ مقتله الصحافة والفنانين ، عقب صعوده السريع نحو النجوميّة ! ولاموا المخرج ومسؤولي السلامة على عدم انتباههم لاحتضار الممثل الصاعد..
لاحقاً ، أُغلقت القضيّة بعد تعويضٍ مالي لأهل الفقيد !
***
لم يستفق الجمهور من صدمتهم الأولى ، حتى ماتت ممثلة أخرى برصاصةٍ في قلبها ، أطلقها زميلها في المشهد الأخير من الفيلم ! ويبدو أحدهم استبدل الرصاصة الفارغة برصاصةٍ حقيقية ، أدّت لوفاتها بالحال !
فأنكر المخرج (كما فعل المخرج السابق) مسؤوليته عن الحادث ، او رغبته في أذيّته الممثلة الجميلة ! ولم تعرف الشرطة إن كانت الجريمة مُتعمّدة او خطأً فنّياً ! وأُغلقت القضية بتعويضٍ ماديّ لأهلها
***
في السنة التالية .. مات ممثلٌ آخر إختناقاً ، بعد حجزه داخل كوخٍ يحترق في المشهد الأخير من فيلمه المرعب .. حيث يُفترض هروبه من بابٍ سرّي ، والذي وجده مقفلاً ! ولم يسمع المخرج ومساعديه صرخات الإستغاثة ، حتى تفحّم تماماً مع مفروشات الكوخ
***
اما الحادث الأخير : فقد أحدث ضجّةً مدويّة بعد موت مراهقٍ جذّاب ، نجح في الوصول للنجومية بوسامته اللطيفة .. وذلك بعد فشله بفتح مظلّته الهوائية ، مع إحترافه هذه الرياضة رغم صغر سنه !
ورغم إن هذه هي نهايته المكتوبة في الفيلم ، إلا ان موته الحقيقي جعل طاقم العمل ينهار بكاءً عليه !
***
جميع تفاصيل الحوادث الأربعة أُرسلت لمحققٍ متقاعد ، بعد عجزّ الشرطة عن حلّ ألغازها..
وبعد بحثه بالدلائل والبراهين ، وجد ان طاقم التصوير مختلف في الأفلام الأربعة التي تشترك جميعها بموت البطل بنهاية الفيلم ، والذين قضوا نحبهم بأخطاءٍ تقنيّة !
لكن خبرة المحقق الطويلة جعلته يكتشف الرابط بين الحوادث الدمويّة ، فجميعها من إنتاج ثريّ دخل حديثاً للمجال السينمائي ! وهو حديث النعمة ، بعد ورثه اموال عمه المُغترب ..
***
في قصر الثريّ .. سأله المحقق بضعة اسئلة دقيقة ، جعلته يرتبك وهو يحاول إبعاد الشبهات عنه ، مدّعياً عدم اهتمامه بسيناريو افلامه التي ينتجها ! مُكتفياً بالقول : انه يدفع تلك المبالغ الطائلة ، دعماً للمواهب الشابة
وبسبب ارتباك الثريّ الواضح ، أكمل المحقق بحثه عن ماضي المنتج .. ليعلم بأنه حاول كثيراً في شبابه الإشتراك بأفلامٍ سينمائيّة.. لكن وسامته لم تساعده في الحصول على البطولة ، بل بعض الأدوار الثانوية بسبب تلعثمه بالكلام ..
فبحث المحقق اكثر بماضي المنتج ، ليكتشف إدمانه المخدرات بعد فشله بمهنة التمثيل .. فأصبح مشرّداَ بالشوارع لثلاثة أشهر ، قبل ان يجده محامي عمه الذي اشترط علاجه من الإدمان قبل حصوله على الثروة الطائلة ، كونه الوريث الوحيد
وبعد علاجه ، إمتهن انتاج افلام الآكشن والرعب.. خصوصاً التي تنتهي بموت البطل ! وكان هذا الإكتشاف ، كفيلا للمحقق بالعودة لسؤال الثريّ في مكتبه :
- هل اغتظت من الشباب الموهوبين الذين انشهروا ببداية عملهم الفنّي ، بعكسك .. لهذا خطّطت لقتلهم بنهاية افلامك ؟
فضحك الثريّ بارتباك :
- عليك ان تصبح كاتباً ايها المحقق ، فخيالك واسع
- المخرجون الأربعة أكّدوا إصرارك على رؤية إنجازات الأبطال السابقة ، لتقيّمها قبل انتاجك فيلمهم الأخير .. فهل ضايقك تسليط اضواء الشهرة عليهم باكراً مع دعمٍ كبير من المُعجبين ، دون حصولك على تلك الإمتيازات رغم وسامتك وموهبتك الفنيّة ؟
فسكت الثريّ بضيق..
فأكمل المحقق : يعني لولا ثروة عمك لمُتّ مُشرداً ، بعد فشلك بتحقيق النجوميّة
فضرب الثريّ بقوة على مكتبه ، غاضباً :
- هم ليسوا أفضل مني !! فلما اختاروهم ابطالاً دون إعطائي فرصة واحدة لإثبات براعتي بالتمثيل ، قبل ان تُذهب المخدرات وسامتي وصحتي وتفاؤلي بالحياة ؟!
المحقق بحزم : لك الحقّ في توظيف محامي..
الثري مقاطعاً ، بعد تداركه الموقف :
- لا ! انا لم اعترف بقتلهم
- لقد فضحت نفسك ، وانتهى الأمر .. وبإمكاني بسهولة معرفة من رشوّته من طواقم العمل ، لقتل الممثلين في مشهدهم الأخير
ونادى حارسه الذي دخل المكتب ، لوضع الأصفاد للثريّ الذي ظلّ يعترض غاضباً:
- كانوا مغرورين ومتغطرسين ، رغم صغر سنهم !! أفسدتهم الشهرة الباكرة .. وكان عليّ تأديبهم ، ليكونوا عبرة لبقيّة الممثلين
المحقق : إحتفظ بكلامك للقاضي .. فسعيّك المُستميت للشهرة ، قضى على مستقبلك ايها الحقود الناقم
***
بعد تلك القضية .. حرص الممثلون الصاعدون على اختيار افلامهم بدقّة ، خصوصاً إن كانت مدعومة من مُنتجين جدّد في الساحة الفنّية العريقة !