الثلاثاء، 16 أبريل 2024

الحب السرّي

كتابة : امل شانوحة 

رئيس الخدم والخانم  


شاهدت بالصدفة الخادمة وهي تخرج مُرتبكة من غرفة كبير الخدم بعد تنظيفها.. 

فسألتها حِراء (زوجة مالك القصر) :

- لما ترتجفين ؟!

الخادمة : سأخبرك ، لكن رجاءً لا تخبري السيد نجيب (كبير الخدم) بالأمر ، وإلا سيطردني


وأخرجت صورة من جيبها ، وهي تقول : 

- يبدو ان السيد نجيب يحتفظ بصورة حماتك وهي صبيّة ، خلف إطار لوحةٍ أوقعتها بالغلط ! ولا اعلم كيف سأصلح زجاج اللوحة التي كسرتها

حِراء : اهدأي.. سأتحدث معه

- لا !! سيغضب حتماً

- عليّ معرفة سبب احتفاظه بصورة حماتي !

***


وبالفعل تحدثت حِراء مع نجيب الذي سحب الصورة من يدها بارتباك : 

- اين وجدتها ؟!

حِراء : لا تقلق ، فقط إخبرني .. هل تحفظ بالصورة منذ ان كانت حماتي صبيّة ؟!


فجلس متثاقلاً على كرسيه ، وهو يتنهد بحزن :

- أحببتها منذ اللحظة الأولى التي قدمت فيها للقصر ، لأجل الوظيفة .. كانت مطلّقة حديثاً ، وزوجك وأخته مازالا يافعيّن .. رجاءً لا تخبريها بذلك

حِراء باستغراب : أخفيت حبك عنها لثلاثين سنة !

- بل اربع وثلاثين سنة ، حتى كبرت في السن وقاربت على التقاعد

- الم تلمح لها ..

نجيب مقاطعاً : انت تعرفين حماتك جيداً ..هي امرأة ثريّة ، من عائلةٍ راقية.. وتترأس جمعية أهم نساء البلد ..وتهتم كثيراً لكلام الناس والصحافة .. فكيف ستحب رئيس خدمها ، ولوّ تفانيّت بخدمتها طوال حياتي ؟


حِراء : انا متفاجئة من محبتك وإخلاصك الشديد لها ، فهي امرأة صلبة وجافة المشاعر !

- رجاءً سيدة حِراء ، لا أتحمّل سماع كلامٍ مسيء عليها

- ألهذه الدرجة تحبها ؟!

نجيب : انت لا تعرفينها مثلي ..هي تبدو صلبة من الخارج ، لكنها امرأة رقيقة للغاية .. إنكسر قلبها بعد خيانة زوجها لها .. وهي من حاربت عائلتها للزواج به ، رغم انه لا يناسب مستواهم.. لهذا طردته من حياتها ، وربّت ابنائها وحدها .. فأنا كثيراً ما رأيتها تبكي وهي تنظر لألبوم الصور بعد أن حطّم قلبها تماماً ، ولم تعد تؤمن بالمشاعر ، لكنها مع ذلك تعشق ابنائها .. لهذا قست عليك ، وعلى زوج ابنتها.. فهي لا تراكما مناسبان لعائلتها .. وتخاف على ولديّها أن يعانيا ، كما حصل معها


حِراء : برأيّ عليك إخبارها بمشاعرك

- مستحيل !! ستطردني بالحال .. وانا اعشق اللحظات التي اراها فيها ، ولوّ لدقائق معدودة كل يوم

- لا اصدق ان هناك حبٌ مخلص كحبك !

نجيب : قلب الرجل لا ينبض إلاّ لإمرأةٍ واحدة ، تجعلنا نتغيّر جذرياً لأجلها .. فالرجل مخلصٌ لحبه الحقيقيّ ، اكثر من المرأة التي ربما تفضّل شخصاً آخراً على حبيبها ان كان أحسن منه مادياً واجتماعياً !

- برأيّ ان تخبرها غداً بعد احتفالنا بعيد ميلادها.. أحضر لها هديةً معنويّة ، ثم فاتحها بالموضوع

- أتظنين ذلك ؟!

حِراء : نعم !! لا تعذّب نفسك اكثر من ذلك

وتركته ، وهو غارقٌ بالتفكير والذكريات

***


في اليوم التالي .. وبعد عودة عفيفة خانم لغرفتها (بعد انتهاء حفل ميلادها بصالة قصرها ، حضره الأقارب والأصدقاء المقرّبين).. طرق نجيب باب غرفتها لتسليم هديّتها ..

الخانم بابتسامة : هديةٌ لي ! لم يكن عليك تكليف نفسك ، يا نجيب

- هي هديّةٌ رمزيّة ، سيدة عفيفة.. أتمنى ان تقبليها مني


وعندما فتحتها .. وجدت صورة لهما في شبابها..

نجيب : أتذكرين هذه الصورة ، سيدة عفيفة ؟

- نعم ، كان طليقي الخائن يلحّ بالعودة الى حياتي .. فطلبت صورةً معك ، لإخباره بأنك خطيبي.. بعدها هاجر للخارج ، وتخلّصت من تدخلاته  بأبنائي.. لكن الم ترسل الصورة اليه ، فكيف ظلّت معك ؟! 

نجيب : كنت طلبت نسختيّن من المصوّر .. واحتفظت بإحداها

الخانم بدهشة : ولماذا ؟!

نجيب بتردّد : لأنه كان اجمل يومٍ بحياتي

الخانم بنبرةٍ حازمة : نجيب !! تعقّل

- آسف سيدة عفيفة .. لكنها الحقيقة


ثم أخبرها بمشاعره الصادقة نحوها .. مما أثار استيائها : 

- هل تعي ما تقوله ؟!! أنسيت من تكون ، ومن انا بالنسبة لك؟!!

نجيب بنبرةٍ منكسرة : رجاءً لا تكملي .. اعرف انني خادمك ، لكني فعلاً مخلصاً بحبي.. 

مقاطعة بعصبية : أظنك ستتقاعد مُبكراً !!

فطأطأ رأسه بحزن : كما تشائين سيدة عفيفة

الخانم : سأتصل بسكرتيري ، لإعطائك تعويض نهاية الخدمة


فخرج مقهوراً من غرفتها .. وحزم امتعته ، ورحل مساءً بصمت دون ان يراه احد وهو منكسر الخاطر

***


في الصباح .. إتصلت الخانم بسكرتيرها ، لدفع مستحقات نجيب ..فأخبرها عن رفضه اخذ المال ، وعودته لمنزله القديم ! فطلبت منه وضع اعلان لطلب رئيس خدمٍ جديد ، دون شعورها بالأسى على نجيب الذي أفنى حياته في قصرها ! 

***


بعد اسابيع.. دخلت كنّتها الى غرفتها ، وهي تقول :

- اعرف بأوامرك الصارمة ، بمنع التحدّث عن السيد نجيب ..

الحماة مقاطعة بعصبية : وهذا يشملك ايضاً !!

حِراء : اعرف.. لكنه اتصل البارحة ليخبرني بمواعيد ادويتك ، وطريقة تحضير شايّ الأعشاب الخاص بك.. وأخبرني بقهره لابتعاده عنك..

الخانم بغضب : قلت كفى !!

- قمت بتسجيل كلامه دون علمه ، وأرسلته الى هاتفك

- ايّاك التصرّف على مزاجك !! هذا قصري ، وأوامري وحدها التي تنفّذ .. وانا لا اريد سماع اسمه ثانيةً .. 

حِراء : فهمت ، اردّت فقط إخبارك بما حصل .. سأترك ترتاحين 

وخرجت من الغرفة ، تاركةً حماتها تتخبّط بمشاعرٍ متعارضة !

***


لم تستطع السيدة عفيفة النوم طوال الليل ، الى ان استمعت للتسجيل .. وكان واضحاً من صوت نجيب شدة قهره وحزنه وهو يخبر حِراء بغلطته التي لا تُغتفر ، بعد بوحه بمشاعره التي كان يفضّل كتمانها حتى وفاته .. فخدمته لحبيبته تكفيه ، دون معرفتها بعشقه الشديد لها!


وبدأت الخانم تستذكر مواقفه القديمة ، ومساندتها بجميع قرارتها .. ومساعدتها بتربية ولديّها واهتمامه بهما .. وامضائه سنوات في خدمتها ، دون شكوى او طلب زودة على معاشه.. كما مواساته لأحزانها وفترات مرضها .. 


فأضاءت نور غرفتها ..وفتحت صندوقاً في درجها ، أخرجت منه صورة عرسها .. مُخاطبةً طليقها بقهر :

- حاربت العالم كلّه لأجل رجلٍ خائن ، تخلّى عني وعن ابنائه بسهولة ! بينما ساندني نجيب في السرّاء الضرّاء ، دون شكره يوماً او إشعاره بأهميّته في حياتي ! كيف سمحت لنفسي بطرده ، بعد افناء شبابه بخدمتي؟!

***


وفي اليوم التالي .. إتصلت الخانم بنجيب الذي تفاجأ بمكالمتها ، وهي تطلب منه العودة .. فلم يصدّق ما سمعه ! وسارع بالرجوع للقصر ، بعد شهرٍ من طرده


وأول ما فعله : هو صنع الشايّ الخاص بها .. ثم دخل غرفتها وهو مُطأطئ الرأس:

- اعدك سيدة عفيفة بأن لا أتعدّى حدودي ثانيةً ..وسأكون خادمك المخلص لآخر عمري


فارتشفت القليل من الشايّ :

- إشتقت لشرابك المميز .. لا احد يعرف ذوقي مثلك 

فابتسم بحزن ، وخرج من غرفتها بهدوء

***


بعد شهرين.. اصابه مرضٌ شديد ، جعله طريح الفراش

وفي المساء.. إستيقظ منصدماً بعد رؤية الخانم تضع الضمّادة الباردة على رأسه ! فنهض من مكانه مرتبكاً : 

- رجاءً سيدة عفيفة ، لا تقتربي مني .. اخاف ان أعديك بمرضي

الخانم : اهدأ نجيب ، واستلقي على فراشك .. فلطالما اهتممت بي ، دعني اهتم بك الليلة

- لكن سيدة..

مقاطعة : عندما نكون وحدنا ، نادني عفيفة فقط .. فأنت صديقي ولست خادمي.. 


فنزلت دموعه وهو يراقبها تهتم به طوال الليل ، وتشاركه الذكريات التي أمضياها معاً بالقصر .. وكأنه يحلم مناماً جميلاً ، لا يريد الإستيقاظ منه ابداً !

***


بعد تلك الليلة .. خصّصت الخانم وقتاً لقضائه مع نجيب في نزهاتٍ لوحدهما .. حيث تحدثا كصديقيّن مقرّبين ، تشاركا حياةً طويلة معاً  


وبسب علاقتهما السرّية بعيداً عن أعين سكّان القصر والصحافة ، تحسّنت علاقتها بكنّتها وصهرها ! بعد شعورها بالحب من جديد ، وفهمها لسبب عناد ولديّها بالزواج ممّن يحبان ، رغم انهما من بيئةٍ بسيطة كصديقها نجيب 


ولا احد فهم سبب تغيّرها مع موظفيها إلاّ حِراء التي راقبت علاقتهما من بعيد ، دون إخبار زوجها بالأمر

***


ورغم المعاملة الجافة من الخانم لكنّتها وصهرها لسنواتٍ عديدة ، إلاّ انها قرّرت القيام بحفلٍ بالقصر ، للمباركة للعرسان بزواجهما ! رغم إنجباهما للأحفاد التي صارت تلاعبهم لأول مرة في حياتهم ، بعد ان انكرت مطوّلاً انتمائهم لعائلتها العريقة !


وبنهاية الحفل ، فاجأت الجميع بخبر خطبتها من نجيب ! مما أغضب ابنها التي سارعت حِراء بأخذه للغرفة لتهدئته ، وأن عليه السماح لأمه العيش بسعادة بعد أن أفنت شبابها بتربيته هو وأخته .. كما أخبرته بحب نجيب المخلص لأمه وتقديره الشديد لها ، وانه غير طامعٍ بثروتها .. 


وبسبب موقف حِراء الداعم لحماتها ، تحسّنت علاقتهما بعد سنوات من التوتر داخل القصر الكبير

***


وبعد اعلان زواج الخانم من نجيب على الملأ .. إنهالت المكالمات عليها من اقاربها ومجتمعها الراقي ، بسبب الضجّة الإعلامية من زواجها بخادمها رغم مكانتها الإجتماعية الكبيرة ! 

مما اغضب ابنها من جديد ، بعد الفضيحة المدويّة .. لكن حِراء استطاعت بحنكتها تهدئة الوضع..وإقناع زوجها بأن الحب اهم من كلام الناس التي ستتكلّم بالسوء بجميع الأحوال ، لغيرتهم من مكانتهم المرموقة


وبسبب موقف حِراء ودفاعها المستميت عن حماتها ، أصبحت صديقتها المقرّبة بعد وثوقها بها .. حتى انها أخبرتها ذات يوم :

- الآن فهمت لما حاربني ابني للزواج بك.. انت فعلاً امرأة رائعة ، كما وصفك دائماً

حِراء : وانا سأساند علاقتك بزوجك المخلص .. فلا شيء اهم من الحب الصادق

فحضنتها حماتها لأول مرة !

- شكراً لك ، يا ابنتي 

وقد عنت هذه الكلمة الكثير لحِراء !

***


وفي المساء .. هدّأت حِراء زوجها الذي مازال متضايقاً من فضيحة أمه التي ستؤثّر على عمله التجاريّ ، وأخبرته القصة منذ البداية

زوجها معاتباً : اذاً انت من نصحت نجيب بإعلان مشاعره لأمي ؟!

حِراء : نعم .. فبعد شعورها بالحب ، تفهّمت أخيراً علاقتي بك .. وكما ترى ، قلّت المشاكل بيننا اخيراً  

- يالك من داهية ! أوقعت السيدة عفيفة بشراك الحب ، لتعيشي بسلامٍ معي

- بل لنعيش جميعاً بوئامٍ ومحبّة في قصرنا الجميل


ففكّر مطوّلاً ، قبل أن يقول : 

- بجميع الأحوال .. العم نجيب يعيش معنا منذ سنوات ، وهو بمثابة ابٍ لي 

حِراء بارتياح : اذاً قبلت زواجهما ؟!

- لا اريد حرمان امي من مشاعر المحبّة التي أشعر بها كل يوم وانت بجانبي.

حِراء : الجميع يستحق الحب

- هذا صحيح ، عزيزتي .. شكراً لوجودك بحياتنا

وحضنها بامتنان


هناك 10 تعليقات:

  1. هذه القصة مستوحاة من المسلسل التركي (الأسيرة) .. حيث لمّحوا لمحبة رئيس الخدم لسيدة القصر ، لكنهم لم يكملوا الفكرة ! فأكملتها انا .. لا ادري ان كانت احداث المسلسل ستطرق لنفس فكرتي بالمستقبل ، لأن المسلسل مازال يعرض للآن .. على كلٍ ، هذا ما تخيّلته .. لهذا كتبت كتابة امل شانوحة ، وليس تأليفي .. لأنه مستوحاة من احداث مسلسل تركي .. اتمنى ان تعجبكم فكرتي

    ردحذف
  2. قبل ان اكتب او اقرء تعليك شعرت انها تركي هههه ابدعني استاذه امل نتظر جديدك رغم انها خياليه واقعيه ابدعتي النهائيه نتظر جديدك مع جاكلين وجاك استاذه سلمي على استاذه اسمي نريد كروحي بالجوار

    ردحذف
  3. ياسلاااام سلم ...ومن في البشر بقلب حراء تلك ...في الواقع إن الدراما التركي غريبه ...
    وعليه فإننا نطالب بعودة ريم ولكن بلا مروان حتى لا انشل 😭 ...
    كانت معكم أمل تحدثكم 📣 من المدينه الفاضله ...
    عوده حميده أمل ...
    فلا غبتم ولا افتقدتمونا أيضا 😭 ...دعاءا وليس تقريرا ...


    ردحذف
    الردود
    1. اساساً انت تضع صورة بطليّن تركيّن.. انصحك بمشاهدة الموسم الأول لمسلسل الأسيرة التركي ، كله عنف وتعذيب .. ومسلسل تل الرياح .. اجمل مسلسلين من ناحية الحوار والحبكة والإخراج والتناغم بين البطليّن

      حذف
  4. نو ...ابسلوتلي خالص علفكره ..تلك صورتي ايام الشباب 😭 وتيكم احدى المعجبات ...اذ اصرت والحت على التقاط صوره معي ...
    عموما بقى يعني ...سأحاول مشاهدة الاسيره وتل الرياح ...
    ونحملكم مسءولية سلامتي الصحيه والعقليه والنفسيه والملوخيه ...

    ردحذف
    الردود
    1. يعني لوّ لم اشاهد الممثل بمسلسل فريحة ، لصدقتك .. على كلٍ لا بأس من الأحلام ..ربما يوماً ما تصبح مشهوراً ، وتلاحق المعجبات .. لا شيء مستحيل في هذه الدنيا

      حذف
    2. يكفي ان تشاهد صور البطليّن للمسلسليّن التركيّن ، وستتابعهما على الفور

      حذف
    3. على اي قناه يعرضون الان ؟

      حذف
    4. انا اشاهدهما على التيك توك ..يمكنك ان تجد مسلسل الاسيرة مترجم على اليوتيوب ، خاصة موسميه الاول والثاني

      حذف

لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...