شكر خاص للأستاذ (سامي حسام) على تحويل قصتي الى فيديو باليوتيوب
الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=AGVppR3pLVU
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعرض بين أيديكم مدونتي التي سأكتب فيها أجمل أفكاري , متمنيّةً أن تعجبكم , تحياتي لكم .. صفحتي على فيسبوك : https://www.facebook.com/LonlyWriter-1495276960503244 ... إيميل المدونة : amal_shanouhawriter@hotmail.com
شكر خاص للأستاذ (سامي حسام) على تحويل قصتي الى فيديو باليوتيوب
الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=AGVppR3pLVU
المسابقة المرعبة
في الموعد المحدّد ، تجمّع الرجال الخمسة امام قصرٍ قديمٍ بالغابة .. وقد عُلّق على بوّابته لافتة ، مكتوباً عليها :
((إنتباه !! لا يوجد هنا إنترنت او كهرباء او ماء.. ويُسمح لكم باستخدام ادواتكم لاكتشاف أشباح القصر.. ومن يتمكّن من طرد الأرواح المُزعجة ، سيحصل على مكافأةٍ ماليّةٍ مُجزّية))
فنظروا الى بعضهم باستغراب :
- هل جميعنا مُطاردي أشباح ؟!
العجوز : انا راهب ، أعالج الممّسوسين في الكنيسة .. وأعيش قريباً من هنا .. وأتيت بناءً على اتصالٍ غامض .. وأنتم !! هل قدمتم من المدينة ؟
أحد الرجال : نعم ، ووصلتنا الدّعوة على إيميلاتنا
الشاب بفخر : أما انا ، فمغامرٌ محترف .. أكتشف الأماكن المهجورة ، وأنشر تجربتي على موقعي باليوتيوب الذي يضمّ ملايين المشاهدين حول العالم..
فقال اكبر الرجال الثلاثة : وأنا وزميلايّ من مطاردي الأشباح المعروفين في المدينة ، لكن لكل واحدٍ منا طريقته الخاصّة
ثم سأل الراهب : طالما انت من هنا ، فما قصّة هذا القصر ؟! فمازال لدينا حتى الصباح لربح هذه المسابقة الغريبة
فأخبرهم العجوز عن الإشاعة المنتشرة في قريته : بأن رجلٌ ثريّ قدِمَ من العاصمة لبناء قصره وسط الغابة .. وعندما رفضت زوجته القدوم معه ، طلّقها وتركها مع ابنه .. ثم تزوّج امرأةً حسناء من قريتنا ، أنجبت له ثلاثة فتيات.. وبعد موته ، وهب القصر لبناته ، دوناً عن ابنه المراهق الذي ورث شقته الصغيرة في المدينة (التي يعيش بها مع امه) .. ممّا أغضب طليقته التي اتفقت مع ابنها على إرعاب ضرّتها حتى الموت
الشاب بصدمة : حتى الموت !
العجوز : نعم ، بعد تنكّرها مع ابنها بشخصيّة سفاحٍ يحمل ساطوراً عند باب القصر
الرجل : أتقصد انهما وقفا في حديقة القصر دون حِراك ؟!
العجوز : وهما يلوّحان بالساطور ، كلما أطلّت إحداهنّ من النافذة .. فأمه وقفت طوال النهار ، وهو طوال الليل .. ولأنهما نفس الحجم والطول ، أوهموهنّ بأنهما نفس الشخص ، بعد لبسهما ذات الملابس الجلديّة مع قناع الخيش المرعب.
الشاب : وكم بقيّ الحصار ؟
العجوز : شهران ، حتى انتهى الطعام في مخزن القصر
الرجل : يعني الأشباح العالقة في القصر ، هي لأمٍ وبناتها الثلاثة اللآتي متنّ جوعاً؟
العجوز : بل اربعة اشباح ، مع خادمتهنّ التي تجرّأت على التسلّل ليلاً لإحضار الحليب للطفلة .. ليشاهدوها تُذبح ببطء على يد المراهق عديم الرحمة
الشاب : وطبعاً بعد موتها ، تأكّدت شكوكهنّ بأنه سفاحٌ خطير ! والتزمنّ قصرهن حتى الموت جوعاً ، اليس كذلك ؟
العجوز : بالضبط !! بعد قيام الضرّة المجنونة بإقفال بوّابتيّ القصر الأماميّة والخلفيّة بالسلاسل ، حتى لا تتكرّر محاولة الهرب من جديد .. وحسب تقرير التشريح آنذاك : فقد ماتت الطفلة بعد الخادمة بيومين بسبب الجوع ، وكان اسمها ديانا (سنة ونصف).. ثم الإبنة الكبرى إليزابيث (11 سنة) الموهوبة بالعزف التي ماتت برداً ، بعد انتهاء اخشاب التدفئة من القصر.. ثم الوسطى جورجينا (7 سنوات) التي تعاني من الصرع الذي زادت أعراضه ، لعدم تناولها العشبة المُهدّئة بعد نفاذها من مخزنهنّ .. فماتت قتلاً
الرجل : من قتلها ؟!
العجوز : امها
الجميع بصدمة : ماذا !
العجوز : يبدو انها لم تتحمّل رؤية ابنتها الأخيرة تئنّ من الألم ..فأطبقت الوسادة على وجهها ، وقتلتها خنقاً.. بعدها بساعتين ، شنقت الأم نفسها من تأنيب الضمير !
الشاب : وبذلك نجحت خطّة الزوجة الأولى للحصول على القصر
العجوز : لكن فرحتها لم تدمّ إسبوعين
الرجل : أتقصد أن الأرواح عاقبتها على ذنبها ؟
العجوز : نعم .. وقد حاولت هي وابنها تحمّل الأذى والرعب قدر الإمكان ، الى أن انهارت أعصابهما.. فوضعت إعلاناً لتأجير غرف القصر بسعرٍ معقول.. لكن المستأجرين هربوا من اليوم الثاني ، بعد سماعهم لصرخاتٍ أرعبتهم ! بعدها عرضته للبيع.. وبسبب الإشاعة التي انتشرت بالقرية عن القصر المسكون بالأرواح الغاضبة ، لم يشتره احد.. بالنهاية اضّطر رئيس البلدية لإقفاله بالشمع الأحمر
الشاب : أيّ لم تستفدّ شيئاً من قتل ضرّتها ؟!
العجوز : ولم تنتهي معاناتها هنا .. فاللعنة لاحقتها طوال حياتها ، بعد إفلاسها وبيع أملاكها بالمدينة .. بعدها عملت في مصنعٍ للغسيل ، لحين سقوطها في حوضٍ ساخن .. فاحترق جسمها بالكامل ، وأصيبت بالتهاباتٍ قويّة أنهت حياتها
الشاب : ماذا عن ابنها ؟
العجوز : أصبح شاباً فاشلاً.. وقد علمنا أن لديه ابنٌ غير شرعيّ ، رماه في دار الأيتام لشدّة فقرة.. ثم انقطعت أخباره !
الرجل : ظننت انه هو من دعانا لتطهير قصره من الأرواح الشريرة؟!
العجوز : مستحيل ! فالقصر بُنيّ وهو صغير ، وقد مرّ قرن على بنائه
الشاب : أتظنه الحفيد الغير شرعيّ لمالك القصر ؟
العجوز : ربما ، فنحن لا نعلم شيئاً عنه ! .. وفي حال مازال حيّاً ، فهو من جيلي
الرجل : أعتقد هو ، لأنه المستفيد الوحيد من القصر بعد موت جدته واختفاء والده
العجوز : المهم الآن !! ..عندما ندخل ، دعونا نفترق في طوابق القصر .. هكذا نُنجزّ عملنا بأسرع وقت.. وسأختار اولاً ، بما أنّي أكبركم
الشاب : وماذا ستختار ؟
العجوز : العليّة.. فحسب خبرتي بالأرواح ، هي تفضّل الوجود هناك
الشاب : وانا سأنزل الى مخزن القصر في القبو
أمّا الرجال الثلاثة : فاختار كل واحدٍ منهم إحدى الطوابق الثلاثة للقصر
ودخلوا معاً في تمام الساعة 12 مساءً ، مُستخدمين كشّافات الضوء وهم يحملون أجهزتهم المُخصّصة لهذا الغرض
***
كان اول الواصلين الى مكانه : هو رجل الطابق الأول الذي لاحق ذبذبات الصوت على جهازه : ليسمع دنّدنة بصوت فتاةٍ ، قادمة من الصالة !
وسرعان ما تأكّدت شكوكه ، بعد رؤيته مفاتيح البيانو تعزف وحدها!
فقال بصوتٍ مسموع :
- أظنك الأخت الكبرى الموهوبة .. وبصراحة ، أعجبني عزفك يا إليزابيث
وهنا توقفت الموسيقى !
فبدأ يلاحق الذبذبات حسب جهازه ، ليجدها ترتفع كلما اقترب من الموقد الحجريّ
الرجل : أظنك تشعرين بالبرد ، اليس كذلك ؟
فظهر صوت فتاةٍ على جهازه ، وهي ترتعش من البرد :
- إقترب اكثر
وما أن وقف بجانب فتحة الحطب .. حتى سقط عليه ، رأس الغزال المُحنّط (المُعلّق فوق الموقد) .. لتمزّق إحدى قرنيه قلبه ، ويموت على الفور !
وسط ضحكات شبح الفتاة ، بعد تخلّصها من الدخيل الأول
***
أمّا المتسابق الآخر ، فوصل للطابق الثاني .. مُتوجّهاً حسب جهازه الحراريّ الى غرفة النوم..
وهناك قال بصوتٍ واضح :
- يبدو من حجم السرير انك الإبنة الوسطى جورجينا ، اليس كذلك ؟
فشاهد اللعبة على السرير ، تُحرّك رأسها قليلاً !
الرجل : أعرف انك حزينة ، لأن امك خنقتك بالوسادة .. لكن عليك أن تعذريها ، فهي عجزت عن إحضار الدواء لك .. لهذا رغبت بإراحتك من عذابك
وإذّ بأسلاك جهازه تلتفّ حول عنقه بقوّة ! ..ولم يستطعّ الصراخ طلباً للنجدة ، فمات مُختنقاً فوق السرير
***
أمّا الرجل الأخير ، فوجد بالطابق الثالث : غرفة الطفلة
حيث تحرّك الكرسي الهزّاز (بجانب المهد) لوحده !
فقال : كيف حالك يا دياناً ؟ ..هل تعلمين إنك الوحيدة التي توفيّت جوعاً بين سكّان القصر .. أكنتِ تمشين وقتها ، لتلعبي بالكرسي ؟!
فتأرجح المهد يميناً ويسارا ! وسمع من جهازه صوت بكاء طفلة..
الرجل : أعرف انك جائعة ، لهذا قدمت لتحرير روحك العالقة بالقصر الكئيب.. الآن سأفتح النافذة ، لتطيري بحرّية للخارج.. ستكونين بأمان ، أعدك بذلك ..
لكن ما أن اقترب من الكرسي الهزّاز ! حتى سقطت فوق رأسه ، الثُّريّا الزجاجيّة التي قطعت إحدى شظاياها عِرق عنقه .. فحاول الزحف مُتألّماً لخارج الغرفة .. لكنه شعر وكأن جسد الطفلة تجلس فوق قدميه !
وماهي إلاّ دقائق ، حتى مات غارقاً بدمائه
***
أمّا الراهب العجوز ، فوصل لاهثاً الى العلّية..
ليجد المكان بارداً للغاية ! وفي زاويته ، سريراً صدِئاً.. وهي الغرفة الوحيدة التي ليس فيها موقداً حجريّاً..
فقال بضيق : هذا ظلم !! الأنك خادمةٌ أفريقيّة ، أعطوك أبرد غرفة في القصر .
فإذّ بأغراض التنظيف الموجودة بركن غرفتها ، تتحرّك وحدها ! كأنه جرح روحها بكلامه..
الراهب : اهدأي رجاءً !! أعرف انك مُتّ تحت التعذيب ، لأن السفّاح المراهق لم يكن لديه خبرة بالقتل .. لهذا رجفت يداه اثناء ذبحك ، ومُتّ بعد خسارتك الكثير من دمائك.. لكنكِ فعلاً بطلة !! .. فديّتِ بنفسك لإنقاذ الطفلة التي ماتت بعدك.. لا ادري إن كنت اجتمعت مع بقيّة الأرواح في القصر ، لكنك حتماً ستجتمعين معهنّ في الجنة إن تحرّرت من هنا.. لهذا سأفتح لك النافذة ، لتنطلقي نحو السماء .. (ثم بنبرة تهديد) ..وإن لم تفعلي !! سأظلّ أتلوّ الإنجيل .. وهذا سيضايقك ، لأنك من ديانةٍ أخرى .. فلا تجعليني أؤذيّك !! إسمعي الكلام ، وارحلي بهدوء
فإذّ بأغراض التنظيف القديمة ، تهجم عليه دفعةً واحدة : كالمكنسة الخشبيّة ، والدلوّ الحديديّ الصدِئ ، ومنفضة الريش وغيرها ..
وظلّت الروح الغاضبة تضربه بهم بعنف ، وهو يحاول الهرب.. الى أن تعثّر بالظلام فوق الأدراج ، ومات بعد دقّ عنقه !
***
في هذه الأثناء .. كان المغامر الشاب في مخزن القبو ، حينما شعر بحركةٍ امام شوالات الخيش الفارغة !
فقال بصوتٍ عالي : هل مازلتي تبحثين عن بقايا القمح والدقيق ، لتطعميها لبناتك ؟
وإذّ بسكينٍ حادّ يُرمى عليه ! ولولا ابتعاده باللحظة المناسبة ، لأصابت عينه ..
الشاب مرتعباً : حسناً اهدأي !! أقدّر خوفك عليهنّ .. اساساً قدمت الى هنا ، لإخبرك الحقيقة كاملة..
فهدأ كل شيء !
فأكمل قائلاً :
- ضرّتك هي السبب !! فهي غضبت بعد امتلاكك القصر ، رغم انها والدة الصبيّ ، الوريث الوحيد حسب رأيها .. لهذا اتفقت مع ابنها على إرعابكنّ حتى الموت .. وهو من ذبح خادمتك .. لكني أبشرّك !! فقد عرفت من بقالةٍ قديمة ، عمل فيها إبن ضرّتك في شبابه : بأنه أطلق النار على نفسه ، بعد سنة من وفاة امه حرقاً.. وهذا يعني إن القدر انتقم لكنّ !! .. وهاهما اللعينان مدفونان بنفس المقبرة
فسمع خربشةً حادّة ! فأدار كشّافه لمصدر الصوت ، ليجد عبارة محفورة على الجدار : ((العنوان))
ففهم انها تريد الإنتقام من ضرّتها وإبنها !
الشاب : هما مدفونان في مقبرة القريّة القديمة
بعدها فتح النافذة العلويّة للقبو ، قائلاً :
- هيا إجمعي ارواح بناتك وخادمتك للذهاب الى هناك ، والإنتقام من الشريرة وابنها !!
وسرعان ما شاهد خمسة خيالاتٍ مضيئة ، تخرج تِباعاً من النافذة !
وما أن خرجنّ ، حتى عادت الإنارة في جميع الطوابق .. وسمع تدفّق المياه في الأنابيب الصدِئة ، وكأن الحياة عادت للقصر !
فعلم بنجاحه بالمسابقة ، بعد تطهيره القصر من ارواحهنّ الغاضبة
***
خرج الشاب من القصر مع شروق الشمس ، ليجد رجلاً ينتظره عند الباب:
- مبروك الفوز بالمسابقة !! حفيد مالك القصر أرسلني ، لتسليمك الجائزة
وكانت عبارة عن عقدٍ مُوقّع من الوريث الوحيد ، لمشاركته ب20 بالمئة من ارباح بيعه القصر ، لشركة تودّ هدمه وبناء مصنع للخشب والورق ، بما أن موقعه وسط الغابة الكثيفة
الشاب : وماذا عن بقيّة المشتركين ؟
الرجل : الحانوتي ورجاله قادمون بعد قليل ، لسحب جثثهم من القصر
الشاب بصدمة : هل ماتوا ؟!
الرجل : طالما لم يخرجوا حتى الآن ، فحتماً قُتلوا بأسوء الطرق .. كما حصل سابقاً مع عشرات المغامرين الذين حاولوا إكتشاف القصر المسكون!
***
بعدها ركب الشاب سيارته .. وقبل عودته للمدينة ، إعتراه الفضول للمرور بجانب المقبرة القديمة للقرية ..
وهناك رأى دخاناً يتصاعد من مقبرة الشاب .. كأن الأرواح أحرقت رُفاته ، رغم مرور خمسين سنة على وفاته !
أمّا قبر امه ، فمحفور حديثاً .. وقد تبعثر عظامها في كل مكان !
فتمّتم الشاب بخوف :
- يا إلهي ! إنتقام النساء مُرعبٌ للغاية
ورغم صعوبة ما مرّ به في ليلته العصيبة ، إلاّ انه سعيد بالثرّوة القادمة اليه.. كما انه مُتحمّس لنشر مغامرته لمتابعيه على قناته باليوتيوب ، للحصول على المزيد من الأرباح الماديّة التي استحقها بسبب جرأته النادرة!
ثلاث أمنيّات !
سقطت طائرةٌ كبيرة في البحر .. ونجا من الحادثة ثمانيّة ركّاب ، وصلوا بأمان لجزيرةٍ نائية : شابان (احدهما مُساعد الطيّار) وثلاث نساء (منهن : طبيبة ومضيفة) وولدان (فتاةٌ في العاشرة ، وصبيّ في الثانية عشر من عمره) ورجلٌ عجوز ..
حاولوا جاهدين إستكتشاف الجزيرة الصغيرة قبل غروب الشمس .. فلم يجدوا فيها سوى القليل من التوت البرّي ، وبعض المياه الصالحة للشرب من مطرٍ تجمّع في فجوّةٍ صخريّة
وقد حاول مساعد الطيّار طمّأنتهم بأن المساعدة في طريقها اليهم ، إِثر تعقّبها الصندوق الأسود للطائرة التي سقطت على بُعد امتارٍ من شاطىء الجزيرة ، والتي راح ضحيّتها ٨٠ راكباً !
***
وكان هناك كهفاً صغيراً اسفل الهضبة ، حشروا أنفسهم داخله للإحتماء من برد المساء
واثناء محاولتهم النوم ، قال الولد بحزن :
- ليت اهلي معي الآن !
الفتاة بشفقة : هل مات والداك بالحادثة ؟
- نعم
- اذاً أمنيّتك صعبٌ تحقيقها
الولد : كم أحسدك لأنك يتيمة منذ طفولتك ، لذلك لا تشعرين بالألم الذي يعتصر قلبي الآن
- كنت في طريقي لعائلة تبنّتني بالإنترنت ، لكني سيئة الحظّ طوال حياتي !
- ألستِ حزينة على وفاة السيدة التي رافقتك بالرحلة ؟
الفتاة : تلك موظفة الميّتم ، لم أرها سوى اليوم صباحاً.. ولم تتكلّم معي طوال الرحلة ، فلما أحزن عليها ؟ برأيّ عليك التفكير بأمورٍ جميلة يُمكنك تحقيقها في المستقبل ، هذا ما قالته مديرة الميّتم للأطفال البؤساء !
فصرخ العجوز بضيق : ألن تسكتا لننام ؟!!
الطبيية : دعهما يُكملان كلامهما ، يا عمّ .. وماذا تتمنّى ايضاً يا صبيّ ؟
الفتاة : حاول إختيار أمنيّةً معقولة هذه المرّة
ففكّر الصبي قليلاً ، قبل ان يقول بحماس :
- لحمٌ مشويّ ، نأكله جميعاً !!
فضحك الكبار..
العجوز : الخِراف ليست حيواناتٍ برّية ، لتعيش بمفردها على جزيرةٍ نائية
وإذّ بهم يسمعون ثُغاء خلف الكهف !
فسارعوا للخارج .. ليُصعقوا برؤية خروفٍ قرب الشاطىء ! وقد تسلّط نور القمر عليه في عتمة الليل..
فأحاطوه بهدوء.. والغريب انه لم يهرب منهم !
وبعد إمساكه.. طلب مساعد الطيّار من الشاب الآخر إحضار حجرٍ حادّ لذبحه وسلخه ، تحضيراً لشوائه..
الشاب باشمئزاز : لا !! انا أقرف من الدماء
الطبيبة : اما انا ، فلا
السيدة باستغراب : أحقاً يمكنك ذبحه ؟!
الطبيبة : انا جرّاحة.. فقط أعطوني حجراً مُسنّناً
فصرخ الولد من بعيد : هل ينفع هذا السكين ؟!!
فنظروا جميعاً اليه بدهشة ، وهو يرفع سكيناً حادّاً !
العجوز باستغراب : اين وجدته ؟!
الولد : قرب الكهف
مساعد الطيّار بقلق : أهذا يعني أن هناك اشخاصاً آخرين على الجزيرة ؟!
الشاب الآخر : هذا مُحال !! نحن فتّشنا كل شبرٍ فيها طوال النهار
العجوز : ربما عاش احدٌ هنا قبل أن تنقذه سفينةً ما !
فسألت الفتاة الصبيّ : هل تمنّيت السكين ايضاً ؟
الصبيّ : لا ، تعثّرت به قبل قليل
السيدة : ربما هي مجرّد صدفة
العجوز بعصبيّة : وهل عثورنا على خروفٍ على جزيرةٍ نائية ، صدفةً ايضاً !!
السيدة : ماذا تقصد ؟!
فاقترب العجوز من الولد :
- أريدك أن تتمنّى شيئاً آخر
فأغمض الصبيّ عيناه ، وهو يقول :
- أتمنى ... شوكولا جوز الهند التي أحبها
فأخرجت المضيفة الشوكولا من جيبها !
ليُسارع الولد بأخذها من يدها ، وهو يقفز فرحاً :
- انها المفضّلة لديّ !! فأمي اشترت صندوقاً منه قبل صعودنا الطائرة ، لكنه غرق مع بقيّة الأمتعة
فسأل مساعد الطيّار المضيفة بحنق :
- هل كنت تُخفينها عنا ، لتأكليها وحدك ؟!
المضيفة بارتباك : لا !! اساساً لم أتذوّق الحلويات منذ عملي كمضيفة ، للحفاظ على رشاقتي .. ولا أعلم كيف وصلت ..
العجوز مقاطعاً : أيُعقل ان أماني الولد تتحقّق جميعها ؟!
الطبيبة : هل سنظلّ نفكّر بأشياءٍ خرافيّة ؟ هيا ساعدوني لذبح الخروف ، فمازال امامنا تنظيفه وشوائه
ثم قالت للمضيفة : رجاءً أُدخلي الولديّن الى الكهف ، كيّ لا يشاهدا الدماء
***
بعد ساعة .. خرج الولدان من الكهف ، للجلوس حول النار التي أوقدها الشاب بولاّعته .. بينما تقوم السيدة بتنظيف صوف الخروف بمياه البحر .. ثم وضعه فوق الصخرة وهي تقول :
- غداً يجفّ تماماً ، ونستخدمه كغطاء يقينا من برد المساء
الولد : ليت لدينا ثمانية أصواف ، تُدفئنا جميعاً
المضيفة : هكذا نحتاج الى سبعة خِراف
العجوز وهو يتذوّق لقمة من الخروف :
- نضج اللحم أخيراً !!
وبعد أكلهم الخروف بالكامل ، ناموا في الكهف بعد وضع شعلة النار على مدخله لتدفأتهم عقب إنخفاض حرارة المساء
***
في الصباح ، إستيقظوا على صراخ السيدة !
وحين خرجوا اليها ، وجدوا ثمانية اصوافٍ نظيفة فوق الصخرة !
مساعد الطيّار بصدمة : هذا غير منطقي ! هناك حتماً أُناس يعيشون معنا
السيدة : إن وافقنا جدلاً على ذلك ، فكيف عرفوا بحاجتنا للمزيد من الأصواف ؟ هل يعرفون لغتنا ؟ فهذه جزيرةٌ آسيويّة ، ونحن قدمنا من اوروبا..
العجوز : الغريب انها أمنيّة الصبيّ !
ثم ناداه : تعال الى هنا !!
الولد : ماذا تريد يا عمّ ؟
العجوز : تمنّى شيئاً آخر
- لكني تمنّيت وجود والدايّ ، ولم تتحقّق أمنيّتي !
- تمنّى شيئاً معقولاً
ففكّر الولد مُطولاً .. ثم نظر للفتاة مبتسماً ، وهو يقول :
- أتمنى أرجوحة بين شجرتيّن ، نلعب عليها طوال النهار . .
ثم سأل الفتاة :
- ألن يعجبك ذلك ؟
فردّت بحماس : بلى !!
فنظروا حولهم ، دون ظهور شيء !
الشاب : هل جننتم ؟!! أتظنون ان اماني الصبيّ تتحقّق على هذه الجزيرة ؟
المضيفة : ولما هو بالذات ؟! .. تعالي يا صغيرة .. اريدك أن تتمنّي أيّ شيءٍ تحبينه
الفتاة : أتمنى إيجاد دميّةً ألعب بها
فإذّ بالسيدة تأتي من خلف الأشجار ، وهي تقول بقلق :
- كنت أقضي حاجتي .. فوجدت هذه الدميّة بجانبي ، كأنها ظهرت فجأة ! فهل برأيكم ممسوسة بالجن والعفاريت ؟!
فأسرعت الفتاة لأخذ اللعبة ، وهي تقول بسعادة :
- انا تمنّيتها !! تبدو تماماً كما تخيّلتها
العجوز : لا يُعقل هذا ! لما أماني الصغار تتحقّق هنا ؟!
الولد : لا ، هذا غير صحيح !! فأمنيّة الأرجوحة لم تتحقّق لي
مساعد الطيّار :
- لكن تحقّقت لك : أمنيّة الخروف والسكين والشوكولا والأصواف السبعة.. يعني اربعة اماني
الولد : بل ثلاثة !! لأني لم أتمنّى السكين ، بل وجدته صدفة.. اما الأرجوحة فلم تتحقّق بعد !
العجوز : ربما لأنها الأمنيّة الرابعة !
الطبيبة : أتقصد ان لكل طفلٍ ثلاثة أمنيّات ؟!
الشاب : يا صغيرة !! تمنّي أمنيّة أخرى
فأمسك الصبيّ بذراع الفتاة : رجاءً تمنّي الأرجوحة .. سنقضي عليها وقتاً جميلاً ، ونتقاسم الأدوار بيننا
الفتاة : حسناً !! اريد ارجوحة ألعب بها مع صديقي
فإذّ بهم يسمعون صوت حبالٍ من بعيد ! ليُصعقوا برؤية ارجوحة مُعلّقة بين اطول شجرتيّن بالجزيرة فوق التلّ ، والتي ظهرت من العدم !
وركض الصغيران نحوها ، دون اكتراثهما بصراخ الشاب !
الطبيبة : لما تناديهما ؟
الشاب : كنت اريد من الطفلة أن تتمنّى لي علبة دخان .. فقد ضاق صدري بعد نفاذ سجائري
وإذّ به يشعر بحرارة في جيبه ! ليسحب علبة صغيرة مليئة بالسجائر
العجوز بارتياح : هذا يعني إن لكل واحدٍ منا ثلاثة أمنيّات !
السيدة : يبدو انها جزيرة الأحلام !
فابتعد كل واحدٍ عن الآخر ، لطلب أمنيّاته الثلاثة..
***
في المساء .. عادوا مُتخمين من الطعام الفاخر والحلويات اللذيذة التي تمنّوها ، وقد زيّنوا ايديهم بالحليّ الذهبيّة .. اما الشاب ، فقد أمضى وقتاً لطيفاً مع حوريّة البحر التي ظهرت له ، قبل انسحابها لعمق البحر عند غروب الشمس .
***
وفي داخل الكهف .. أخبروا بعضهم بالأماني التي طلبوها ، وكيف قضوا وقتاً ممتعاً..
قبل أن يقول العجوز بضيق :
- يالا غبائنا !!
مساعد الطيّار : ماذا هناك ؟!
العجوز : نسينا طلب سفينة تُخرجنا من مأزقنا !
فبدأ كل واحدٍ يسأل الآخر عن عدد الأمنيّات التي طلبها .. لكنهم جميعاً أنهوا الأمنيات الثلاثة بطلباتهم السخيفة !
السيدة بضيق : للأسف ضيّعنا جميع الأماني ، وفوتّنا فرصتنا الوحيدة للنجاة !
العجوز : تعالي يا صغيرة .. هل طلبت شيئاً آخر ، غير الدميّة والأرجوحة؟
الفتاة : لا
الجميع بارتياح : ممتاز !!
مساعد الطيّار : إذاً أطلبي سفينة تنقذنا من محنتنا
وما أن طلبت ، حتى سمعوا صافرة خارح الكهف ..
فسارعوا للخارج ، ليجدوا نور سفينةٍ من بعيد !
فأخذوا يلوّحون بأوراق الشجر الكبيرة المُحترقة ، وهم يصرخون بعلوّ صوتهم..
الى ان تمّ إنقاذهم (بعد تعاهّدهم بعدم إخبار احد عن جزيرة الأحلام ، بنيّة العودة لها لاحقاً .. على أمل أن تعطيهم ثلاث امنيات جديدة ، يحقّقون بها ثرّوة تكفيهم لبقيّة حياتهم)
***
في عرض البحر .. تفاجأوا بأسهمٍ ناريّة ، تُرمى عليهم من سفينة القراصنة (ذات طرازٍ قديم) التي ظهرت من خلف الضباب !
فاختبأوا بمخزن السفينة ، بينما القبطان والربابِنة يحاولون الدفاع عن سفينتهم بمسدّساتهم !
العجوز بخوف : ماذا يحصل ؟!
الولد باكياً : سامحوني !! انها غلطتي
السيدة : وما دخلك انت ؟!
- انا تمنّيت أن أعيش فيلم القراصنة ، عندما لعبت بالأرجوحة
العجوز : لكنك أنهيت امنياتك الثلاثة على الجزيرة !
فقالت المضيفة بندم : أظنها غلطتي ، لأني كذبت بشأن الشوكولا .. فهي لم تظهر فجأة في جيبي .. بل سرقتها اثناء وجودنا بالطائرة ، بعد سقوطها من الصندوق التي أحضرته له امه.. فهي حلوايّ المفضّلة.. وكنت أنوي أكلها بعد نومكم ! ..ولا ادري لما أظهرت الشوكولا امامكم ، بعد أن تمنّاها الصغير .. وكأن القوّة الغريبة التي تسكن الجزيرة أجبرتني على فضح نفسي ، وإعادتها للصبيّ !
مساعد الطيّار : هذا بالنسبة لأمنيّة الشوكولا ، فماذا عن الأرجوحة ؟!
الولد : كنت تمنّيتها لإسعاد صديقتي .. ربما لذلك لم تتحقّق ، لأنها لم تكن لي !
الشاب بضيق : اذاً انت لم تُنهي أمنيّاتك الثلاثة ! لهذا تحقّقت أمنيّة القراصنة اللعينة!!
العجوز بقلق : والأسوء اننا ابتعدنا كثيراً عن جزيرة الأحلام ، او أيّةِ منطقةٍ مأهولة!
وهنا اهتزّت السفينة ، بعد إصابتها بقنبلة مدفع من سفينة القراصنة !
بعدها بقليل .. أطلّ القبطان برأسه ، وهو يقول فزعاً :
- عليكم الجلوس بقارب النجاة المطاطيّ !! فالقنبلة أصابت مقدّمة السفينة ، وسنغرق بغضون ساعة
^^^
بعد جلوسهم بقاربٍ لوحدهم ، وجلوس القبطان والربابِنة الخمسة في قاربٍ آخر .. إختفت سفينة القراصنة ! وعمّ الضباب الذي أبعد قارب القبطان عنهم .
ليجدوا أنفسهم تائهين وسط البحر دون طعامٍ او شراب بانتظار معجزةٍ تنقذهم ، او مواجهة الموت الحتميّ !
المُتّهم البريء
المحقّق (الأربعينيّ) : يعني لن تعترف ؟
لؤيّ (13 سنة) : أخبرتك بأنني لست قاتل زميلي
- طلاّب فصلك شهدوا بتهديدك له في مشاجرتكما الأخيرة ، قبل إيجادنا جثته في الحديقة العامة
- كنت أُدافع عن صديقي الذي تنمّر عليه كثيراً ، لكني لم أقتله.. اساساً لا يحقّ لك التحقيق معي ، دون وجود اهلي او المحامي.
المحقّق : والداك يمنعانك من الحديث معنا ، لهذا انتظرت ذهابهما..
لؤيّ مقاطعاً بعصبيّة : لتقتحم بيتي دون إذن التفتيش !!
- لا تصدّق كل ما تشاهده بالتلفاز
- انا أُعدّ قاصراً ، ولا يمكنك إرغامي على الإعتراف بشيءٍ لم أفعله
وهنا سمعا صوت مفاتيح الباب ! فأطبق المحقّق يده على فمّ لؤيّ (اثناء استجوابه بالصالة)..
وبعد دخول الأخت الكبرى (بسمة ، 37 سنة) .. همس المحقّق للؤيّ:
- نُكمل تحقيقنا لاحقاً
وتوجّه نحو الباب ، لتستقبله بسمة بالقول :
- من الوسيم الذي عندنا ؟! .. آسفة ! قلت ذلك بصوتٍ مسموع ..هل انت استاذ لؤيّ ؟
فلم يُجبها المحققّ ، فأكملت قائلةً بارتباك :
- هل بإمكانك القدوم الى حفلة الشركة التي أعمل فيها ؟ .. أعرف ان طلبي غريب .. لكن معظم الموظفين مُصاحبين بعضهم ، ويعيّرونني بأنني عانس ! فهل تأتي لعشر دقائق فقط ثم ترحل ، فقد تعبت من تعليقاتهم المسيئة
وهنا خرج لؤيّ من الصالة ، ليجد المحقّق عند الباب :
- أمازلت هنا ؟! هيا أخرج فوراً !!
بسمة : لا تقلّل أدبك مع ضيفنا !
فخرج المحقّق بصمت .. ليسمع من خلف الباب ، لؤيّ وهو يعاتب اخته :
- ألم تجدي غيره لتعزميه على حفلتك السخيفة ؟!!
بسمة : ظننته استاذك ، بما انك مُتغيّب شهراً عن المدرسة
- انه المحقّق ثقيل الدم الذي يصرّ بأنّي قاتل زميلي ! وقدِمَ الى هنا دون إذن اهلنا..
- حسناً اهدأ ، لم أكن أعلم !
وبعد ذهاب اخوها غاضباً الى غرفته.. سمع المحقّق بسمة وهي تكلّم مديرها بالجوّال ، للإعتذار عن ذهابها للحفلة.. لكن يبدو انه أصرّ على وجودها معهم ! فأخبرته بأنها لن تطيل البقاء ، لأن لديها إلتزاماتٍ أخرى
***
في ظهر اليوم التالي.. ومن خلال تحرّياته ، عرف عنوان الشركة التي تعمل فيها..
ودخل الحفلة (المُقامة هناك) ببذلته الرسميّة الفخمة.. ليسمع زميلتها تقول لرفيقها :
- حبيبي ، دعني أعرّفك على بسمة .. زميلتنا العانس التي أخبرتك عنها
صديقها : أتقصدين اخت المشتبه به بجريمة قتل ؟
- نعم هي.. حظّها عاثر ، فبعد تلك المشكلة لن يقترب منها احد
ليُفاجأ المحقّق الجميع باحتضانه بسمة بقوّة ، وهو يقول :
- اشتقت اليك عزيزتي !!
فسألت إحداهن بسمة ، بسخرية :
- هل استأجرتي ممثلاً لإسكاتنا ؟
فنظر المحقّق اليها بنظرةٍ حادة ، أرعبتها ! .. ثم جثا على ركبته ، بجانب كرسي بسمة وهو يقول :
- ستُفني صديقاتك أعمارهنّ مع أشباه الرجال الذين لن يتزوجوهنّ ابداً
فنظرنّ بضيق لزملائهم الذين لم يعارضوا كلامه !
وأكمل المحقّق قائلاً :
- اما انا ، فلا استطيع الإبتعاد عنك بعد اليوم .. هل تتزوجينني؟
فسألته إحدى المتنمّرات :
- إن كنت فعلاً تخطبها ، فأين خاتمك ايها المخادع ؟
فردّ المحقّق :
- بجانب قلبي
وأخرج خاتماً ذهبيّاً من عقده ، ورفعه لبسمة التي مازالت مُنصدمة مما يحصل !
- هذا الخاتم غالي عليّ ، فما هو جوابك ؟
فنظرت لأعين زميلاتها التي اشتعلت حقداً وغيرة ، وأجابته بابتسامةٍ حنونة :
- بالطبع أوافق !!
فوضع الخاتم بأصبعها.. ثم طلب منها الذهاب بنزهةٍ ، بعيداً عنهم
***
وفي السيارة ، سألته :
- يبدو انك محقّقٌ بارع ، لمعرفة عنوان الحفلة .. أمّا الخاتم ، فكان مفاجئةً غريبة ! فهل كان ضمن مُخطّطاتك ؟
المحقّق : قدّمته لكِ ، بعد ان استفزّني كلام زميلتك الحاقدة
بسمة : ولمن الخاتم ؟
- لزوجتي
- انت متزوج ؟!
- ارمل .. فرئيس العصابة الذي رميته بالسجن قبل سنتين ، أمر حارسه بإطلاق النار على بطن زوجتي الحامل ، فتوفيّت هي والجنين .. ومن يومها حلفت ان لا أعشق بحياتي
بسمة بشفقة : آسفة لمصابك الكبير ، وأعانك الله على فراقهما .. (ثم أعطته الخاتم) .. شكراً على ما فعلته معي .. يمكنك إعادة الخاتم مكانه ، فهو غالي على قلبك
المحقّق : إبقِهِ معك هذه الفترة ، كيّ لا تتأكّد شكوكهم بأنها تمثيليّة
- اذاً سأعيده اليك بعد شهر ، بعد اختلاق قصة مُقنعة لفراقنا.. المهم انني أثبتّ لهم بأنني لست منبوذة من الرجال
***
فور نزولها من السيارة امام عمارة اهلها ، إلتقت بلؤيّ العائد من النادي (بعد إيقافه من المدرسة ، لحين صدور الحكم النهائي في قضيّته الغامضة) والذي اقترب من المحقّق غاضباً :
- أمازلت تراقب تحرُّكاتي ؟! ألن تقتنع بأنّي بريء ؟ .. وانتِ !! لما تجلسين معه في السيارة ؟!
فأشارت بسمة الى إصبعها ، لتغيظ أخاها الصغير :
- لأنه خطيبي
وهنا سمعها والدها ، الذي كان واقفاً على شرفة الطابق الأول :
- ماذا قلتِ يا بنت ؟!
فخرج المحقّق من السيارة ، وهو يقول بصوتٍ عالي :
- سيدي !!.. كنت قادماً للتحدّث معك بهذا الموضوع ؟
فسبقهما لؤيّ الى فوق ، لإقناع والده برفض المحقّق الذي أتعبه طوال الشهر الماضي.. لكن والده أدخل العريس الى الصالة !
***
بعد خروج المحقّق من المنزل.. أخبر الأب عائلته بموافقته على الخطوبة التي ربما تكون فرصة بسمة الأخيرة ، بعد اقترابها من سن الأربعين !
فجنّ جنون لؤيّ الذي وصف اهله بعدم اهتمامهم بمشاعره ! وتعهّد بعدم الذهاب الى عرس اخته ، الذي سيُقام بعد شهر حسب طلب العريس
***
يوم الزفاف.. بقيّ لؤيّ في منزل جده الذي استطاع بعد نقاشٍ طويل إقناعه بالذهاب الى العرس.. ليدخل أخوها القاعة بطقمه الرسميّ ، ويحتضن بسمة .. قائلاً بعيونٍ دامعة :
- كنت وعدّتك أن أغني بعرسك
ورغم عدم سلامه على العريس ، إلاّ انه أشعل القاعة بصوته الجميل..
^^^
ولم تمضي ساعة .. حتى سقط لؤيّ جريحاً بين المعازيم ، من طلقةٍ غادرة أصابت خاصرته !
ليُسارع العريس بالّلحاق بالشخص القصير المُلثّم ، الذي لمحه يُطلق النار من باب القاعة !
وأمسك به في اللحظة الأخيرة ، واقتاده الى مركز الشرطة بسيّارته المُزيّنة .. بينما ذهبت العروس وأهلها خلف سيارة الإسعاف !
***
بعد ايام ، زار المحقّق لؤيّ في المستشفى لإخباره بآخر المستجدّات:
- مبروك !! فقد ثبُتتّ براءتك باعتراف القاتل
لؤيّ بحزن : مازلت لا أصدّق أن صديقي الذي تعاركت مع المتنمّر لأجله ، هو القاتل الحقيقي ! وأراد قتلي ايضاً ، لإبعاد الشبهات عنه
المحقّق : كان ينوي إشعال التارّ بين العائلتين بعد توجّه أصابع الإتهام اليه ، كونه اكثر الحاقدين على المتنمّر.. وبالفعل وجدنا في دفتره : خطّةٌ مُحكمة لقتل عدوه ، بعد استغلاله شجارك الأخير مع المجني عليه ! ولهذا سيبقى في السجن لفترةٍ طويلة
لؤيّ : وماذا بشأن اهل القتيل ؟
- أخبرناهم ببراءتك.. واتصلوا على والدك ، للإعتذار عن اتهاماتهم وتهديداتهم ضدّك
لؤيّ : مع هذا مازلت حزيناً
- لماذا ؟!
- لأني أفسدّت عرس اختي.. ليتني بقيت في منزل جدي تلك الليلة
المحقّق العريس : لا تقلق ، سيتحسّن كل شيء .. وغداً يا بطل نُخرجك من المستشفى ، لترى اختك في بيتي
***
بعدها توجّه العريس الى منزله الجديد (الذي لم يدخله بعد العرس) ليجد عروسته ترتب اغراضها بحقيبتها ، وهي تبكي .. فسألها باستغراب :
- ماذا حصل ؟!
بسمة : ظننت أنك لن تأتي ! بما انني عروسٌ شؤم
العريس : أهذا كلام زميلاتك المتنمّرات ؟
- ومعهنّ حقّ ، لهذا أرتّب أغراضي للعودة الى بيتي
- أنا لم أتكلم معك الأيام الفائتة ، لانشغالي بإنهاء ملف أخيك
بسمة : أتعني ان القاضي أصدر براءته اخيراً ؟
- نعم ، ويمكنه العودة للمدرسة فور خروجه من المستشفى .. وهذه مفاجأتي لك ، فأين هديّتك لي ؟
بسمة بسعادة : أطلب ما تشاء !!
فأخرج فستاناً شفافاً من حقيبتها :
- إلبسي هذا الآن
- سأفعل ، إن أخبرتني الحقيقة.. هل تقرّبت مني ، بنيّة مراقبتك اخي عن قرب؟
المحقّق بابتسامة : بل لأنّي أحببتك من النظرة الأولى .. كما أعجبني تناقضك : بين جرأتك بعزيمتي على حفلتك ، وخجلك مني بنفس الوقت ! .. يعني باختصار ، جمعنا القدر .. فهل جوابي مُقنعاً ؟
فأخذت بسمة الفستان الأسود ، وهي تقول بدلال :
- إنتظرني ، لن اتأخّر عليك حبيبي
وفي ذلك اليوم بدأت حياتهما المليئة بالحب والإحترام المتبادل ، والتي ستستمرّ لسنواتٍ طويلة !
الجثث التعليميّة
في غرفة التشريح الخاصّة بجامعة الطبّ .. إنشغل الأستاذ بأمرٍ عائليّ ، فترك طلّابه يُشرّحون الجثة وحدهم ..
وبعد ساعة من البتر والتقطيع ، دخل الطالب مروان بوجهٍ حزينٍ ومتعب
فسأله صديقه وهو يحمل القلب الذي أخرجه من الجثة :
- لما قطعت إجازتك يا مروان ؟
فردّ بيأس : بقائي في سكن الطلّاب يزيد كآبتي ! الأفضل إشغال نفسي بالدراسة
- كما تشاء .. خُذّ المشرط ، واقطع الّلسان.. فالدكتور أمرنا بإزالة جميع الأعضاء من الجثة ، ووضعها في البرّاد .. وهو سيقيّم عملنا غداً
وحين اقترب مروان من وجه الجثة (الذي قام زميله بقلع إحدى عينيها) أُصيب بنوبةٍ هستيريّة ، مُبعثراً الأدوات الطبّية في كل مكان!
ثم صرخ على زملائه بغضبٍ شديد :
- أتشرّحون خطيبتي يا ملاعييين !!!
فتجمّد الطلبة في مكانهم .. حتى أن صديقه أوقع القلب على الأرض بارتباكٍ شديد !
وبصعوبةٍ بالغة استطاعوا تهدأته ، بعد إعادة الجثة مع اعضائها المبتورة الى ثلاّجة الموتى ..
ومن حسن حظهم أن المشرحة في قبو الجامعة ، بعيداً عن الفصول الدراسيّة .. لهذا لم يسمع صراخه أحد من الحرّاس والأساتذة !
وبعد شرب مروان الماء .. إعتذر صديقه عمّا حصل :
- ما يُدرينا أن الجثة المُخصّصة للتعليم ، هي نفسها خطيبتك التي ماتت منذ يومين؟!
مروان وهو يتنفّس بصعوبة : من بالعادة يُحضر النماذج لنا ؟
صديقه : على حدّ علمي .. مدير الجامعة !
مروان وهو يحاول كتم غضبه : إذاً لن نُخبر احداً بما حصل ، وسنذهب ليلاً لدفنها في قبرها .. فأنتم مدينون لي بذلك !!
أحد الطلاّب : وماذا نقول للأستاذ غداً ؟ فهو يريد معاينة الأعضاء ..
مروان مقاطعاً بعصبية : حبيبتي ستُدفن مع جميع اعضائها .. ولا اريد معارضة !! كيّ لا ارتكب جريمة بهذه الجامعة الملعونة
صديقه : اهدأ يا مروان .. سنفعل ما أمرتنا به .. اما الأستاذ ، نُخبره أيّةِ حجّة .. لحين معرفتنا طريقة إحضارهم الجثث الغير قانونيّة..
مروان بحنق : سأكتشف الحقيقة بنفسي !!
***
وفي ذلك المساء .. إستطاعوا القفز فوق اسوار المقبرة المغلقة ، وهم يحملون جثة الصبيّة بكيسٍ اسود ، وأعضائها المقطوعة بكيسٍ آخر ..
واستغلّوا نوم حارس المقبرة ، لدفنها في مقبرة عائلتها ..
ثم دلّهم مروان على الغرفة المخصّصة لمقبرة عائلته ، والتي ينوي إستخدامها للإنتقام من حارس المقبرة ، المُتورّط مع مدير الجامعة ببيع الجثث دون إذن اهلها
***
في مساء اليوم التالي ، أخفى مروان وجهه بقناعٍ صوفيّ.. واختبأ خلف سيارة سكرتير المدير (الذي بالعادة يعود متأخراً الى بيته) ..
وما ان فتح سيارته ، حتى وضع المسدس (اللعبة) في ظهره..
مروان مهدّداً : إرفع يديك !!
السكرتير بخوف : سأعطيك محفظتي ، لكن لا تقتلني !!
- لا اريد مالك .. اريد التأكّد من معلومةٍ سرّية
- ماذا تريد ؟!
مروان : هل مدير الجامعة مشتركاً مع حفّار القبور بشراء الجثث فور دفنها ، لتكون وسيلة تعليّمية لطلّاب الطبّ ؟
فسكت السكرتير بخوف ..
مروان : أخبرتك انني اعرف الحقيقة ، اريد فقط إثباتاً على ذلك .. فإمّا أن تخبرني بما تعرفه .. او أُطلق النار على ظهرك ، لتعيش بقيّة حياتك مشلولاً
- كان المفترض على المدير إستخدام مال الجامعة لشراء الجثث القانونيّة التي توفّرها الدولة : من الموتى الشحاذين والمجرمين ومجهوليّ الهويّة والمدمنين ، او بموافقة اهلهم
مروان : وطبعاً باتفاقه مع حفّار القبور يدفع مبلغاً أقل ، ويسرق الباقي ؟
- هذا صحيح
فأخرج مروان من جيبه دواءً ، وضعه في جيب السكرتير :
- توجد في العلبة حبتيّ دواء : أحدهما منومٌ قويّ ، والآخر يسبّب الهلوسة .. ضعهما في قهوة المدير ، ولا تسألني عن السبب
السكرتير : هو ينوي البقاء غداً الى وقتٍ متأخر من الليل ، لتصنيف ملفّاته في الحاسوب .. سأتصل بك بعد نومه .. رجاءً لا تقتلته ، فهو على وشك التقاعد
- اريد فقط تأديبه .. والآن إذهب الى بيتك .. وايّاك إخبار احد باتفاقنا ، والا سألاحق ابنك من مدرسته
السكرتير بفزع : سأفعل ما تريد ، لكن لا تُدخل عائلتي بالموضوع
- لك ما تشاء .. هيا اذهب !!
وانطلق سريعاً بسيارته ، وهو يرتجف خوفاً
***
في اليوم التالي ، وقبل غروب الشمس.. اختبأ مروان واصدقائه داخل مقبرة عائلته (الغرفة الإسمنتيّة الصغيرة) بعد قيام صديقة خطيبته (المتوفاة) بتشويه اشكالهم بالألوان والسليكون ، فهي محترفة بالمؤثّرات السينمائيّة.. لرغبتها المساعدة في الإنتقام من حفّار القبور الطمّاع الذي شوّه جثة صديقتها !
وظلّوا هناك ، حتى موعد إقفال المقبرة عند 8 مساءً .. وهم يتناولون الطعام والشراب التي في حقائبهم ..
ولم ينتبه حفّار القبور لهم ، لاجتماعه عصراً مع تاجر الأعضاء البشريّة في غرفته الصغيرة بطرف المقبرة
^^^
في المساء ، خرجوا اليه بأشكالهم المخيفة .. حيث بدو كمعاقين بأعينهم التي تتدلّى على وجوههم ، وأيديهم المقطوعة ..وهم يستندون على عكّازٍ ، بدل سيقانهم المفقودة (بعد ان ربطوا اطرافهم خلف ظهرهم) ..
فصرخ الحفّار مرتعباً :
- من انتم ؟!! وماذا تريدون ؟!
مروان : انت بعتنا للمشارح التعليميّة دون علم أهلنا.. شوّهتنا قبل تحللّ اجسادنا.. من سمح لك بذلك ؟!! الا تعرف حُرمة الموتى ؟!
- سامحوني ، كنت بحاجة للمال
- سنظهر لك كل مساء ، لمعاقبتك على ذنبك الكبير .. وسنظهر في احلامك ..ونؤذيك ليل نهار ، عقاباً على تشويه اجسادنا !!
وكانت ردّة فعله أفضل مما توقعوه ، بعد قوله باكياً :
- سأستقيل فوراً !! وأعدكم أن لا أقترب من المقابر .. لكن رجاءً لا تظهروا لي مجدّداً
مروان : إذهب !! فأنت حرٌّ طليق
وسرعان ما دخل الرجل الى غرفته ، لحمل صُرّة ثيابه .. ثم الهرب الى خارج المقبرة ، وهو يعدهم بعدم الإقتراب من الموتى طوال حياته
***
بعد عودتهم الى السيارة :
- ماذا نفعل الآن ؟ هل نمسح المكياج ..
مروان مقاطعاً : لا طبعاً !! سنذهب مباشرةً للجامعة .. فالسكرتير ارسل لي قبل قليل : أن المدير نائم في مكتبه
- تقصد مُخدّراً ؟
مروان : نعم ، وحارسه ذهب باكراً الى منزله
- اذاً دعنا ننهي المهمّة الليلة
***
إستيقظ المدير وهو مُقيّد اليدين في كرسي ، وسط الملعب المظلم لكرة السلّة بالجامعة .. فصرخ غاضباً :
- من يجرأ على تقيّد مدير الجامعة ؟!!
وهنا ظهروا بأشكالهم المخيفة من كل جانبٍ في الملعب .. وأحاطوه وهم يدنّدنون بألحانٍ مخيفة .. ولم يعرفهم لظلمة المكان ، وكثرة المكياج المرعب على وجههم .. بل شعر أنهم اشباحٌ حقيقيون ، بسبب الدواء المُسبّب للهلوسة !
فسألهم بفزع :
- ماذا تريدون مني ؟!
مروان : نحن الجثث التي اشتريتها بسعرٍ بخس ، لمختبر الجامعة
المدير : طلّابنا بحاجة لتشريحكم ، ليصبحوا أطبّاءً أكفّاء
- نحن ابناء عائلاتٍ محترمة .. أتعرف ماذا سيفعلون بك ان علموا بتقطيعك اجساد ابنائهم دون رضاهم ؟
مروان : ستدخل السجن حتماً !! لكن بعد طردك من عملك ، لسرقتك مال الجامعة المُخصّص للجثث القانونيّة
المدير : آسف ، لكني احتجت المال لجمعيّتي الخيريّة
مروان : كاذب !! بل لإرسالها لأولادك المُدلّلين في الخارج .. لذلك سنعاقبك بالظهور دائماً في واقعك والمنام ، حتى تكره حياتك
المدير : أعتذر منكم .. لن أفعل ذلك مجدداً !! أعدكم بذلك
وهنا التفّ مروان خلفه ، واضعاً قماشة المخدّر على انفه .. ليغفو المدير ، بعد توسيخ ملابسه من شدّة الرعب !
مروان : سآخذ مفاتيح سيارته وأعيده الى منزله ، بعد أن لقّناه درساً لن ينساه في حياته
***
إستيقظ المدير صباحاً على صراخ زوجته التي وجدته نائماً في سيارته بحديقة فلّته ، وبجانبه زجاجة خمرٍ فارغة :
- أعدّت للسِكر ثانيةً ؟!!
فنظر المدير للقارورة الفارغة (التي وضعها مروان بجانب مقعده) قائلاً بدهشة :
- لا أذكر انني شرِبتُ مُطلقاً !
ثم تذكّر كابوس الأمس ، فقال مرتعباً :
- أتدرين ؟ كلامك صحيح ، سأتقاعد مبكّراً للعيش مع اولادنا في الخارج
زوجته باستغراب :
- لا ادري ما حصل لك ! لكني سعيدة انك اتخذت القرار السليم .. فحياتنا مملّة دون اولادنا .. هيا ادخل واستحمّ ، قبل ان يراك الخدم مُبلّلاً هكذا
***
في اليوم التالي بكافتريا الجامعة ، إحتفل مروان ورفاقه باستقالة مديرهم :
- نجحت خطتك يا مروان .. فحفّار القبور ترك المقبرة .. ومديرنا الطمّاع استقال من وظيفته .. وبذلك انتقمت لخطيبتك
مروان : المحزن بالموضوع اننا سنتابع تشريح الجثث .. صحيح ستكون قانونيّة ، لكنها بالنهاية لبشرٍ لديهم اهل وأقارب.. فربما مجهوليّ الهويّة مازالت عائلاتهم تبحث عنهم حتى الآن !
صديقه : هذا هو الجانب السيء من كليّة الطبّ.. لنأمل أن يسامحنا الله ، طالما نُشرّحهم بنيّة تعلّم مداواة الأحياء منا
وعمّ الصمت الحزين بينهم !
مغامرة الأطفال
هرب صبيٌّ وسيم (٧ سنوات) من منزله ، وهو يبكي مُتألّماً من ضربٍ عنيف لزوجة والده .. وكان ينوي الوصول الى منزل والدته (المُطلّقة من ابيه) لكنه تاه بالطرقات الى أن وصل للميناء..
وهناك وجد سفينةً مُزيّنة بأنوارٍ ملوّنة ، تبدو كملاهي مُتنقّلة بموسيقاها الراقصة !
واثناء تأمّله جمالها ، سمع ولداً (بعمر ١٣) يناديه من فوق السفينة :
- تعال واركب معنا !!
فسأله باستغراب :
- أيمكنني ذلك دون تذكرة ؟!
- نعم !! فهي مجّانيّة للأطفال .. هيا اركب ، فنحن على وشك الإبحار
^^^
بعد صعوده السفينة ، إنصدم بأن جميع ركّابها من الأولاد والبنات دون سن البلوغ .. ومن بينهم اطفالٌ رضّع يضحكون بعلوّ صوتهم دون الخوف من وجودهم بلا امهاتهم على متن السفينة ، بل كانوا سعداء بألعابهم الصوفيّة التي تحيط بهم من كل جانب !
عدا عن المائدة الضخمة المليئة بشتّى انواع الحلوى اللذيذة .. بالإضافة لمسبحٍ صغير على سطح السفينة ، بعمقٍ يناسب اعمارهم!
وظلّ الصبي يراقب ما حوله بذهول ! الى ان اقترب منه قائد السفينة وهو يقول :
- انا المسؤول عن السفينة ، بما أنّي أكبركم .. وأسمح لك باللعب وتناول ما تشاء ، فالسفينة مُلكٌ للأطفال فقط
وسرعان ما توجّه الصبيّ نحو طاولة الطعام لإشباع نفسه ، بعد اعتياد زوجة ابيه على تجويعه كل يوم !
وكان بجواره فتاةٍ تراقبه ، وهو يشرب ابريق العصير كاملاً :
- تبدو عطِشاً ؟!
الصبيّ : أشعر بجفاف حلقي من كثرة الملح الذي تناولته الأيام السابقة .. ولا تسأليني عن السبب ، فأنا احاول النسيان ما عشته مع تلك الشيطانة
- جيد انك هربت منها بالوقت المناسب .. (ثم تمعّنت فيه) .. تبدو وسيماً للغاية
- مع أن زوجة ابي تراني مُتوحشاً وبلا تربيّة !
الفتاة : هذا لأنها لا ترى روحك الجميلة ..
الصبيّ وهو يضع صحنه الفارغ : الآن شبعت !!
- إذاً دعنا نلعب معاً بالملاهي
وأمضى يومه باللعب والضحك ، كأن جميع احلامه تحقّقت دفعةً واحدة !
***
عندما أصبحت رحلتهم في عرض البحر ، بدأوا يعيشون مغامراتٍ جديدة تُشبه ما شاهدوه بالرسوم المتحرّكة : بدّءاً بتسابق الحيتان مع سفينتهم.. ثم ظهور اخطبوطٌ ضخم كاد يقلب السفينة بأذرعه الكبيرة ، فتمسّكوا بقوّة لحين إفلاتهم من قبضته
وفي المساء .. ظهرت حوريّات البحر المضيئة اللآتي تبادلنّ الحديث اللطيف معهم ، قبل غوصهّن لإعماق البحر .. بالإضافة للحظاتٍ مثيرة عاشها الأطفال بعد مصادفتهم لإعصارٍ بحريّ ، وزوبعة كبيرة كادت تبتلعهم ..
كما وقوفهم بعدّة محطّاتٍ منها : جزيرة مهجورة ! حفروا في كهفها وتحت اشجارها ، مُستخرجين العديد من كنوزها التي خبّأوها في مخزن السفينة
ويبدو ان سفينة القراصنة شاهدتهم من بعيد ، فلحقوهم على الفور .. لتحدث معركة بالسيوف والمدافع .. انتهت بانتصار الأطفال الذين لم يصبّ منهم أحد !
بينما أجبر قائد الأولاد ، أسراه القراصنة على النزول في جزيرةٍ أخرى مليئة بالعمالقة والأقزام ..
عدا عن اكتشافهم منارةً مهجورة ، مسكونة بالجن والعفاريت .. قبل إبحارهم بعيداً عنها ..
ورغم المخاطر التي عاشوها في الشهر الماضي .. لكنهم سعداء بتجربة مغامراتٍ جميلة ، أشعرتهم بذكائهم وقوتهم .. حتى أن بعضهم كتبها في دفتر مذكّراته لتحويلها لاحقاً لقصةٍ خياليّة
***
وفي أحد الأيام .. تطوّع الصبيّ لمساعدة الفتيات على إطعام الأطفال الرضّع النائمين بسرائرهم الصغيرة في الغرفة السفليّة بالسفينة ..
وانزوى بعيداً عنهنّ مع طفلٍ جميل ، رضع زجاجة الحليب بسهولة ودون متاعب ..
وخلال ثوانيٍ ، بدأ الطفل يهزل شيئاً فشيئاً ! وشحب وجهه واسودّ اسفل عينيه ، كأنه تحوّل لمومياء بين يديّ الصبي .. قبل نطق الرضيع :
- انا ضحيّة المشاهير والأثرياء الذين يحقنون أنفسهم بدمائي ، ليزدادوا شباباً
وكاد الطفل يسقط من يد الصبيّ الذي سارع فزعاً لسطح السفينة !
ليُصدم برؤية القائد وزملائه تحوّلوا لوجوهٍ شاحبة ، واجسامٍ هزيلة مليئة بالكسور والرضوض المُزّرقة ، وبعضهم فقد اطرافه وعينيه!
وأوشك الصبيّ على القفز في البحر من شدّة رعبه ، قبل سماعه القبطان الصغير يقول :
- أنظر الى نفسك بالمرآة ، يا موسى !!
فصعق برؤية جسمه مليئاً بالرضوض ايضاً !
موسى بفزع : اولاً كيف عرفت إسمي ؟ فأنا لم أخبركم بشيءٍ عن حياتي!
الفتاة : أنت أصبحت مشهوراً في العراق ، وجميع الشعب تعاطف معك
موسى باستغراب : تعاطفوا على ماذا ؟! مالذي حصل لنا ، واين اختفى جمالنا ؟
فاقتربت طفلة وهي تنزف من بطنها ، قائلةً بحزن :
- اسمي لين من لبنان .. خالي اعتدى عليّ .. وامي وجدايّ تستّرا على جرمه ، وتركوني أنزف حتى الموت !
ثم قال ولدٌ يستند على عكّازه ، واضعاً العصبة على عينه اليمنى :
- لم أولد مُعاقاً .. لكني وقعت ضحيّة عصابة لبيع الأعضاء
ولدٌ آخر : وأنا ريّان من المغرب .. رُميت في البئر كقربان للشيطان!
موسى : سمعت عنك بالإعلام
القبطان : اما انا !! فضحيّة زوجة ابي التي تُجبرني على الدعارة مع الرجال ، للصرف على اولادها .. وعندما رفضّت ، هاجمتني بالسكين .. جيد انها فعلت قبل بلوغي ، حتى لا أصبح عاصيّاً لله
موسى : ولما اجتمعنا هنا ؟!
القبطان : لأننا ضحايا الكبار
موسى بقلق : ضحايا !
فأمسكت فتاةٌ يده : ألم تفهم بعد ؟ .. جميعنا موتى يا موسى
موسى بفزعٍ وعصبية : كاذبون !! أخبرتموني أن السفينة ذاهبة لعالم الأحلام
القبطان : ونحن بالفعل ذاهبين الى هناك .. لكن ليس على شاطىء إحدى البلدان .. بل الى فوق !!
وأشار للغيوم التي تجمّعت فوق سفينتهم .. ليظهر نورٌ اخترق السماء ، قبل نزول ادراج مضيئة باتجاههم ..
وحين نظروا للأعلى ، شاهدوا بوّابةً مُذهّبة ! وأطفالٌ بلباسٍ أخضر يلوّحون لهم بأجنحتهم ..
موسى بدهشة : المزيد من الأولاد ؟!
القائد : هم ايضاً ماتوا بعمرٍ صغير ، لكن بشكلٍ طبيعيّ .. او بسبب اخطائهم ، كعبورهم الشارع وحدهم .. او غرقهم اثناء لعبهم بالمسابح دون اذن اهلهم .. او افتعالهم لحريقٍ قضى عليهم .. اما نحن !! فمتنا تحت التعذيب ، لهذا مكانتنا أعلى منهم .. لكننا نُعدّ جميعاً من طيور الجنة .. فهيا نصعد اليهم ، لامتلاك أجنحة نطير بها بين طبقات الجنة ..
موسى : ومتى نجتمع مع احبابنا ؟
القائد : يوم الحساب ، بعد عقاب أهالينا وأقاربنا الذين تسبّبوا بموتنا .. فنحن أشبه بثمارٍ قُطفت قبل أوانها
لين بحزن : كنّا سنرفع رؤوسهم لوّ تركونا نعيش !
القائد : هذا صحيح ! إمتلكنا مواهب وشخصيّات رائعة ، لكنهم لم يسمحوا لنا بإظهارها .. (ثم قال بغيط).. هم الخاسرون .. والآن لنصعد الأدراج يا رفاق !!
موسى : ماذا بشأن سفينتنا ؟
القائد : ستعود للميناء لنقل المزيد من الأولاد الذين لقوا حتفهم بالتعذيب والإهمال ، فالأشرار سيتواجدون في كل زمانٍ ومكان .. الآن دعونا نذهب لحياةٍ سعيدة خالية من الجوع والألم والخوف
وانطلق الأولاد خلف قائدهم باتجاه السماء ، وكلّهم أمل بتعويضٍ إلهيٍّ عادل عن صبرهم على حياةٍ شاقّة تجاوزت براءتهم وأعمارهم اليافعة بأشواطٍ عديدة !
معاً للأبد
ضجّ سجن النساء بخبر هروب السجينة (هيام) المحكوم عليها بالإعدام ، بجرم قتل زوجها.. وحصل ذلك اثناء وجودها بعيادة السجن التي صادف أن كاميرتها بالإضافة لكاميرات الممرّ الطويل الموصل للباب الرئيسيّ مُطفأة جميعاً ذاك المساء ، ممّا سهّل هروبها !
والأغرب ان ابواب العنابر والممرّات لا تُفتح إلاّ ببطاقةٍ إلكترونيّة ، ممّا يؤكّد تورّط إحدى حارسات السجن بتهريبها..
وهذا الحدث ضايق اهل القتيل الذين طالبوا بالبحث عنها ، وتنفيذ حكم المحكمة دون تأجيل..
***
بعودة الأحداث الى الوراء .. وفي آخر جلسة من محاكمتها التي صدر فيها حكم الإعدام ، بعد ضغطٍ هائل من المحامي التابع لعائلة الزوج الذي ينتمي للطبقة المخمليّة في البلد .. عقب تأجيل القاضي الحكم لعدّة جلسات ، لحين حصول المتهمة على حقّ الإستئناف والتميّز ، مع ثبوت الجرم عليها بعد قتل زوجها في شقتها الصغيرة .. رغم امتلاك المجني عليه لعدّة قصورٍ خصّصها لعشيقاته بدل زوجته التي اعترفت بآخر جلسة : انها تحمّلت أذاه لأجل ابنتها المراهقة التي انتحرت بعد رفضه تزويجها زميلها الجامعيّ ! وطلبت منه الطلاق فور انتهاء العزاء..
لكنه استفزّها : بأنه اشتراها كخادمة من والدها ، ودفع ثمنها مُسبقاً ! ممّا أفقدها صوابها .. فلم تستوعب ما فعلته ، إلاّ بعد إفراغ الرصاصات في جسمه ، من المسدس التي اشترته دفاعاً عن نفسها
حتى انها لم تقاوم الشرطة اثناء اعتقالها ، بعد بلاغ الجيران عن صوت إطلاق نارٍ في الجوار..
فهي تحمّلت الكثير خلال ٣٠ سنة من زواجها برجلٍ ساديّ .. حيث أثبت محاميها من خلال التقارير الطبّية عن دخولها المتكرّر للمستشفى ، بسبب الكسور والرضوض القويّة من زوجها المخمور الذي يكبرها بعشرين سنة!
كما شهد جيرانها وصديقاتها عدّة شجاراتٍ عنيفة بسبب نرجسيّته المفرطة ، عدا عن بخله معها رغم ثروته الطائلة..
***
وفي الحكم النهائيّ ، قال القاضي لها :
- لوّ أبلغت الشرطة عن قساوته ، مع أدلّة التعنيف التي تملكينها .. لكنت أجبرته على تطليقك ، مع دفعه كامل مستحقاتك ونفقتك حسب حالته الماديّة المتيّسرة.. لكنك اعترفتي بجرمك ! لهذا موقفك ضعيف.. والقانون واضح بهذا الشأن.. لذلك حكمت عليك بالإعدام شنقاً ، في نهاية هذا الشهر
ورغم توقّع الجميع لهذا الحكم ، إلاّ ان الصدمة كانت واضحة على وجه المتهمة التي بكت بصمت ، بعد تسمّر عينيها الدامعتيّن في وجه القاضي اثناء سحبها من قبل الحارستيّن الى خارج القاعة ، لحين نقلها لزنزانتها في العنبر المخصّص للمحكوم عليهنّ بالإعدام
***
بالعودة لليلة هروبها من السجن :
إستيقظت هيام مساءً ، وهي مُكبّلة القدميّن في سريرٍ طبّي.. وبجوارها امرأة سمينة قبيحة ، تبدو الممرّضة التي اقتربت وهي تقول :
- هل عرفتني ؟
ورغم عدم إسترداد هيام لكامل وعيها ، لكنها صُدمت برؤية القاضي الذي حلق شاربه ولحيته ، للتنكّر بصورة ممرّضة بالغت في وضع مكياجها الرديء !
هيام بدهشة : لا افهم شيئاً !
القاضي : طلبت من خادمة السجن أن تضع المخدّر في عشائك .. وبعد إغمائك أحضروك الى هنا ، لكيّ اساعدك على الهرب
- وماذا بشأن الكاميرات ؟
- طلبت من ساعي العسّكر الدخول الى غرفة المراقبة لإطفاء كاميرا العيادة وممرّ الخروج ، وسرقة بطاقة لأحد الحرّاس إلكترونيّة.. فالدنيا علّمتني أن أثقّ فقط بالبسطاء.. فكل طلبات الخادمة والساعي هو حصول اولادهما على الإعفاء من التجنيد الإجباريّ..
هيام : ولما تخاطر بعملك وسمعتك ، يا حسام ؟
- أنسيتي وعدي لك في الجامعة ؟ بأنّي سأحميك ، وأقف بجانبك لنهاية العمر
ثم قام بإشارة بيده ، تعني : ((معاً للأبد)) وهي نفسها التي قامت بها هيام فور رؤيتها زميلها القاضي بأول جلسة محاكمة..
ثم تنهّد القاضي بضيق : كلّه من والدك الذي فضّل تزويجك من ثريّ يكبرك بجيليّن لأجل المال ! مع اني ترجّيته أن ينتظرني لحين تخرّجي ، وإيجادي عملاً لخطبتك .. حتى إنني أسمعته شهادات الجيران والموظفين التي سجّلتها ، وهم يصفون تصرّفات خطيبك الطائشة التي لا تناسب عمره .. لكنه لم يأبه إلاّ لمهرك الغالي ، وباعك للحقير الذي كسر قلبينا للأبد !
هيام بشفقة : ألهذا لم تتزوج الى الآن ؟
- كيف أفعل وأنت حبي الأول والأخير.. فالرجل يضعف امام امرأة واحدة تملك قلبه وروحه ، وهي الوحيدة التي باستطاعتها تغيره إمّا للأفضل او الأسوء ..
- كم تمنّيت تخرّجي معك من قسم الحقوق.. لكن ابي زوّجني في سنتي الأخيرة لرجلٍ يتلذّذ بتعذيبي !
القاضي بغيظ : كنت أمسك دموعي اثناء رؤيتي صور أشعّتك الطبّية ، لكسورك ورضوضك المتعدّدة.. حينها حلفت انني سأنقذك ، ولوّ كلّفني ذلك حياتي !!
ثم فتح قفل أصفاد قدميها من السرير ، وهو يسألها :
- هل تستطيعين الوقوف ، أمّ مازلتي تشعرين بالدوّار من المخدّر ؟
هيام بقلق : وكيف سأهرب بملابس المجرمات ؟
فأخرج كيساً اسوداً من تحت سريرها :
- هذا زيّ حارسة الأمن.. الخادمة أعطتني إيّاه من غرفة الغسيل ، وهو يناسب مقاسك.. إلبسيه خلف الستارة.. من بعدها أخرجك من هذا الجحيم
^^^
وبالفعل مشيا بهدوءٍ وثقة على طول الممرّ ، دون لفت انظار الحرس .. حيث أخفى القاضي معظم وجه بالحجاب وكمّامته الطبّية ، اثناء فتحه الأبواب ببطاقته الإلكترونيّة المسروقة.. بينما مشت بجانبه الحارسة النحيلة (هيام) التي التزمت الصمت لحين خروجهما من البوّابة الرئيسيّة باتجاه سيارةٍ استأجرها القاضي ، كيّ لا تلتقط الكاميرا الخارجيّة ارقام سيارته الأصليّة
***
بعد اسبوع من اختبائها في قبوّ فلّة القاضي .. أخبرها بأن هويّتها الجديدة التي زوّرها مجرمٌ متقاعد (مقابل مبلغٍ ضخم) أصبحت جاهزة.. كما اتفق مع صديقه الذي يملك يختاً لإيصالها للبلدة المجاورة..
فجهّزت اغراضها (التي اشتراها لها في الأيام الماضية) وهي تشعر بالقلق من المجازفة القادمة !
***
في آخر الليل ، قاد القاضي سيارته نحو الشاطئ .. وقبل تحرّك السفينة ، أمسكت يده بحنان :
- عزيزي حسام .. إنتظرت ثلاثين سنة لأراك ، فتعال نعيش معاً بقيّة عمرنا
القاضي : ربما نلتقي قريباً ، فأنا على وشك التقاعد
- المهم ان لا تجعلني أنتظرك ٣٠ سنة أخرى
فقبّل يدها ، وعيونه مُغروّرقة بالدموع :
- أتمنى أن يجمعنا القدر بنهاية المطاف
ثم لوّح مُودّعاً حبيبته المسافرة في بحرٍ مظلم ، نحو حياةٍ جديدة مُفعمة بالإستقرار والأمل !
شكر خاصّ للأخ (أحمد محمد سنان) ورفاقه على تسجيلهم قصّة صوتيّة من قصصّ المدونة
الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=8r2Gv7eFY2A&t=1928s
رحلة الثقة
في اليابان ، وبدون سابق انذار.. وضعها والدها في قصرٍ ضخم ، ورحل ! لم تفهم ما حصل إلاّ بعد قدوم الرجل الثريّ (الأربعينيّ) الذي أخبرها بأنها ستصبح عشيقته بموافقة والدها الصينيّ !
فحاولت الصبيّة (17 سنة) الهرب ، لكن رجاله قيّدوها وحبسوها في غرفة نوم سيّدهم !
***
ومرّت ٣ سنوات وهي تعاني من تجاهل السيّد الذي تراه مرتين في الشهر ، فهو مشغول بعشيقاته الأخريات ، وبعمله السرّي الذي لا تعرف عنه شيئاً..
وفي يوم استغلّت إنشغال الحرّاس بمهمّةٍ خارج القصر للنزول الى القبو الذي منعها الإقتراب منه ، لتنصدم بصناديق مُحمّلة بحبوب الهلوسة وبودرة المخدرات !
وقبل هروبها من هناك ، أمسكها شريك زوجها الذي جاء لنقل البضاعة للميناء.. واتصل بسيّدها الذي قدِمَ على عجل ، وصفعها بقوّة لمخالفة اوامره .. فطلب منه شريكه تصفيتها لأنها كشفت سرّهم ، قائلاً بلؤم :
- هي إحدى عشيقاتك ، فلا تخبرني انك أُغرمت بالصينيّة الفقيرة ؟
فكان وضع السيّد مُحرجاً :
- حسناً فهمت ، سأطلب من رجالي التخلّص منها
ولم يهتم ببكائها وتوسّلاتها .. وطلب من حارسيّه قتلها في الغابة ، وإرسال صورة جثتها الى جواله قبل دفنها..
***
قبل غروب الشمس .. أوقفاها بجانب النهر ، وهما يتجادلان بشأنها :
- طالما ستموت بجميع الأحوال ، لما لا نتسلّى بها قليلاً ؟
الحارس الثاني : السيّد ينتظر صورة جثتها ، ولا نستطيع التأخّر عليه.. كما سيعاقبنا إن لمسنا عشيقته
واثناء جدالهما .. قفزت في النهر وهي مقيّدة اليدين بالأصفاد .. لكن احدهما استطاع اطلاق رصاصةٍ أصابت ظهرها ، قبل أن تجرفها مياه النهر .. ولم يستطيعا الّلحاق بها ، لسرعة تدفقهِ !
^^^
عادا للقصر لإخبار السيّد بما حصل ، فضربهما بالسوّط بعصبيّة ..
الحارس : سيدي .. هي حتماً توفيّت ، فأنا أصبتها قبل سقوطها بالنهر ..
الحارس الثاني : وإن لم تقتلها الرصاصة ، سيُفدغ رأسها بالأحجار الحادّة على جانبيّ النهر
السيّد بغضب : إبحثا عنها حالاً !! فلا اريد للشرطة العثور على جثتها.. هيا اغربا عن وجهي !!!
فاتفق الحارسان على تأجيل البحث للصباح ، فهما لن يجداها بعتمة الليل..
***
في اليوم التالي ، إستيقظت الصبيّة في كوخٍ صغير .. وحينما ادارت جنبها ، رأت عجوزاً يقول :
- على مهلك ، حتى لا يُفكّ قطب جرحك .. فمن حسن حظك إن الرصاصة لم تصبّ كليّتك
- هل انت طبيب ؟
العجوز : كنت في شبابي
- وكيف تتدبّر امورك وحدك ؟
- أعتاش على صيد السمك والتوت البرّي.. (وقرّب كرسيه من الكنبة المُستلقيّة عليها) .. سأهتم بك يا ابنتي حتى شفائك ..لكن اخبريني قصتك ، فلغتك اليابانيّة ليست جيدة !
فأخبرته بما حصل..
العجوز : عليّ إجراء مكالمةٍ ضروريّة ، وسأعود بعد قليل
^^^
وبعد عودته ، قال لها :
- آسف ، كان عليّ محادثة صديقي .. أمّا بشأن قصتك ، فأظنّ والدك ضحّى بك لدفع ديون القمار او المخدرات .. فالسيّد يُتاجر بالإثنين
الصبيّة باستنكار : لا مستحيل !! ابي لا دخل له بهذه الأمور
- اذاً باعك لزوجك ، فالسيّد يُفضّل المراهقات العذّراوات .. على كلٍ ، إنسيه.. فهو لا يستحق لقب الإبوّة
فسكتت قليلاً وهي منصدمة بوالدها ! ثم مسحت دموعها وهي تسأله:
- كيف تعرف بشأن سيّد القصر ؟!
- من الصحف وأقاويل الناس .. فهو أقوى زعيم عصابة في بلدنا ، حتى الشرطة تخاف منه !
الصبيّة : ظننت اليابانيين مُلتزمين بالقوانين ؟
- هذا ما نُريه للأعلام ، لكن لدينا مافيا خطيرة تُسمى (الياكوزا) وأظن السياسيين متورّطين معهم ، لهذا يتركوهم على راحتهم ! .. المهم الآن !! عليك أن تتعافي سريعاً ، فالسيّد لن يرتاح قبل رؤيته جثتك.. لهذا اريدك ان تشربي الحساء دون اعتراض ، ففيه عشبةٌ برّية تُساعد في التئام جرحك
***
بعد يومين ، قدِمَ الحارسان لتفتيش كوخه بقوّة السلاح (فهو المنزل الوحيد قرب النهر) .. ولحسن حظّها ان العجوز لمحهما قبل وصولهما اليه ! فسارع بتخبأتها بالقبو ، بعد إزالة آثار علاجها من الصالة..
وحينما فتشا منزله ، لم يجدا غيره .. فخرجا دون الإعتذار عن إزعاجه !
***
في ذلك المساء .. إقترح العجوز عودتها الى الصين ، دون الرجوع لعائلة والدها (المتورّط مع العصابة)..
فأخبرته بقرار عيشها في منزل امها المتوفاة ، والمُغلق منذ طفولتها..
فوعدها أن يوصلها الى الميناء بعد تأكّده من شفائها. .
وانه سيعطيها عملةً صينيّة ، تستعملها في بلادها .. فشكرته على لطفه معها
***
في نهاية الإسبوع .. أوصلها مساءً الى الميناء ، بعد إعطاها كلمة سرّ :
- لا تتحرّكي من مكانك إلاّ بعد قدوم ربّان يُخبرك بهذه الكلمة ، فهو صديقٌ لي.. وهو سيوصلك الى الشاطىء الصينيّ عن طريق التهريب ، طالما زوجك يحتفظ بأوراقك الرسميّة
وأجلسها على كرسي مواجه للبحر ، بعد أن ألبسها قناعاً لوجه امرأة عجوز .. خوفاً من رجال العصابة المنتشرين هناك ..
^^^
لم تنتظر اكثر من ١٠ دقائق ، حتى سمعت احدهم يهمس بكلمة السرّ من خلفها ..فإذّ هو شابٌ يابانيّ وسيم ، أمرها بالّلحاق به الى سفينته الصغيرة..
وأخبرها بأن العجوز هو صديق والده.. ووعدها بإيصالها سالمة الى بلادها..
وقبل ابتعادهما عن المياه الأقليميّة لليابان ، لحقهم قاربٌ كهربائيّ !
الشاب بقلق : إلبسي قناعك بسرعة ، واختبئي في الغرفة السفليّة.. وفي حال وجدوك ، إخبريهم انك والدتي
الصبيّة بخوف : هل هم رجال السيّد ام الشرطة ؟!
- لا ادري ! فالعصابة منتشرة على طول الميناء ، وهم أقوى من الشرطة بكثير
ومن حسن حظّها انهم لم يتعبوا أنفسهم بالنزول للأسفل ، وسمحوا له بإكمال رحلة الصيد (كما أوهمهم)
***
في الصباح الباكر ، أيقظها بعد ربط حبال سفينته بميناءٍ آخر..
الصبيّة بدهشة : هل وصلنا للصين بهذه السرعة ؟!
الشاب : لا ، مازلنا في اليابان .. ستنتظرين في ذلك المطعم ، لحين قدوم صديقي لنقلك بطائرته الشراعيّة.. فقد أخفتني البارحة ، بعد معاناتكِ من دوّار البحر طوال الليل .. فبمعدتك الحسّاسة ، لن تستطيعي إكمال رحلتنا الطويلة .. المهم ان تُبقي على قناعك حتى إقلاع الطائرة ، فرجال السيّد منتشرين في كل مكان .. وأكيد أرسل لهم صورتك .. لهذا انتبهي ، رجاءً!!
فشكرته على لطفه :
- سلّم لي على الطبيب العجوز ، واخبره انه كان أحنّ عليّ من ابي !
***
بعد دخولها دورة المياه في مطعم الميناء.. أزالت قناع العجوزة (الذي بدى حقيقيّاً لدقّة صنعه) ووضعته في كيسٍ اسود ، وهي تقول:
- أكاد أختنق من شدّة الحر ! لا اظن احد سيعرفني هنا
وكم كانت مُخطئة بعد أن أطبقت قماشة المخدّر على انفها ، قبل خروجها من المطعم الذي يملكه احد شركاء العصابة !
***
لتستيقظ بمستودعٍ كبير وهي مقيّدة في كرسي ، بجانب الربّان الشاب ..الذي ما أن أزال الرجل المُقنّع الّلصقة عن فمه ، حتى عاتبها بعصبيّة :
- ألم أخبرك ان تُبقي على قناعك ؟!!
الصبيّة : لم أتوقّع ان رجاله يملكون المطعم !
الشاب بغضب : هآ نحن سنموت معاً !!
وهنا وصل اتصال للمقنّع ، الذي خرج من المستودع للتكلّم مع زعيم العصابة (السيّد) والتفاوض معه على جائزة إيجاده لعشيقته الهاربة
^^^
بهذه الأثناء .. أخرج الشاب مشرطاً صغيراً من جيب بنطاله ، وقصّ حبالها اولاً
وقبل تمكّنه من تحرير نفسه ، سمع صوت المقنّع يقترب من باب المستودع:
- هيا اهربي بسرعة !!
الصبيّة بقلق : وأنت ؟!
- لا وقت للنقاش .. هيا اهربي !!
لكنها لم تقفز من النافذة المفتوحة (كما طلب منها) بل اختبأت خلف الصناديق الموجودة بزاوية المستودع ..
ومن حسن حظها انها وجدت بندقيّة مُعلّقة على الحائط ، فيها رصاصتين ! سرعان ما وجهّتها نحو المقنّع (من خلف الصناديق) الذي انهال ضرباً على الشاب الذي أخسره مكافئةً ماليّة ضخمة
عندما لمح الشاب البندقيّة في يدها ! علم أنها لن تجرؤ على إطلاق النار .. فقال بصوتٍ عالي :
((الحياة لعبة ماكرة ، علينا إتقانها))
وهي عبارة ردّدها الطبيب العجوز كثيراً !
مما أعطاها القوّة للضغط على الزناد ، وإصابة رأس الخاطف الذي قُتل على الفور
وكانت منهارة بالبكاء وهي تفكّ الحبال عن الشاب :
- لا أصدّق بأنني قاتلة !
- رجاءً تماسكي ، فرجال السيّد في طريقهم الى هنا
ثم أمسك يدها اثناء خروجهما من المستودع .. ليجدا مفتاح سيارة الخاطف مازالت بداخلها ! وانطلقا مبتعديّن عن المكان
***
وفي وسط البحر ، بعد ركوبها سفينته .. كانت ما تزال منصدمة من ارتكابها جريمة قتلٍ لأول مرة في حياتها !
وحاولت تبرير فعلتها :
- لولا قولك جملة العجوز ، لما تجرّأت الضغط على الزناد .. فكيف عرفتها ؟ هل ردّدها امامك ؟ وهل هو فعلاً صديق والدك ، ام أنقذك من العصابة كما فعل معي ؟!
لكنه لم يجبّها على سؤالها ، بل قال ببرود :
- سأصنع شطيرتيّن لنا
ونزل للمطبخ في الأسفل ..
***
بعد دقائق .. صعد الطبيب العجوز الذي ركضت لاحتضانه ، وهي متفاجئة من وجوده بالقارب !
- هل سترافقني الى الصين ؟!
وهنا لاحظت جروح يديه (من أثر رباط الحبل)
وقبل ان تسأله ، ازال قناعه وهو يقول :
- هوايتي الحقيقية هي صنع الأقنعة السينمائيّة ، لكن والدي أجبرني على امتهان الطبّ
وكانت مندهشة أن الشاب هو نفسه الطبيب ! الذي أكمل قائلاً :
- أعترف انني كنت طمّاعاً ، وأردّت الغنى بسرعة .. لهذا عملت كطبيب العصابة.. واقتصر عملي على تقطيب جروحهم من معاركهم مع العصابات الأخرى.. وفي يوم ، مرضت العشيقة المفضّلة للسيّد.. وكانت بحاجة ماسّة لعمليةٍ جراحيّة ، لكنه رفض إرسالها للمشفى ! فماتت بين يديّ.. فأمر رجاله بقتلي.. لكني استطعت الهرب منهم في الغابة..
الصبيّة : وهناك صنعت قناعك للإختباء منهم ؟!
- نعم .. وكنت أضعه كلما خرجت من الكوخ ، وعلى مدى سبع سنوات.. أتدرين كم كان صعباً لبسه طوال اسبوع مرضك ، بهذا الطقس الحارّ ؟
الصبيّة مُبتسمة : اذاً لا تلومني على إزالة قناعي بعد اختناقي به
ثم تفحّصت قناع الطبيب ، وهي تقول باستغراب :
- كأنه حقيقيّ ! أظن بإمكانك إيجاد عملٍ بالسينما بموهبتك الفريدة.. إلاّ اذا كنت تريد إكمال مهنة الطبّ
الشاب بضيق : لا !! لم أعدّ ارغب برؤية الدماء بعد اليوم
- اذاً عشّ في الصين ، فربما نعمل سوياً .. فأنا أهوى كتابة القصص ، وقد نصنع فيلماً معاً
ففكّر قليلاً ، قبل أن يقول :
- اساساً حياتي باليابان أصبحت جحيماً ، بعد مطاردتي من رجال العصابة
الصبيّة بفرح : أهذا يعني انك ستكمل الرحلة معي ؟
- بشرط !! أن نتزوج .. فهل توافقين ؟
- أتسألني بعد إنقاذك حياتي مرتين ؟ بالطبع اوافق !! ايها العجوز الماكر
فحضنها بحنان .. وهو يحمد الربّ انها لم تنتبه على نقطةٍ مهمّة :
فكيف قابلها كربّان دون قناعه ، طالما رجال العصابة (المنتشرين في الميناء) يعرفون أنه الطبيب الهارب ؟
فما لا تعرفه الصبيّة : إن السيّد اضّطر لقتلها ، مُراضاةً لشريكه.. وعندما علم بأن حارسيّه لم يستطيعا قتلها ، أخفى فرحته.. وعندما تلقّى اتصالاً من الطبيب الهارب (الذي عرف قصّتها بالكوخ) تفاوض معه على إعادتها اليه ، بشرط إبلاغ رجاله إلغائه لقرار قتله!
فالسيّد ينوي الزواج بها سرّاً ، بعيداً عن افراد عصابته.. وهذا يعني حبسها في منزله بجنوب اليابان ، بدل قصره في الشمال الذي يعرفه الجميع..
اما الرجل الذي قتلته ، فهو شريكه الطمّاع الذي كان ينوي التخلّص منه ، لهذا لم يهتمّ لموته..
وبشأن تفتيش سفينة الشاب وسجنه معها في المستودع وعرض زواجه منها ، كلّه تمثيليّة لزيادة ثقتها بالطبيب الذي يعمل سرّاً لمصلحة السيّد !
وعندما تكتشف ذلك ! ستكون صدمتها بوالدها سهلة ، مُقارنةً بصدمتها بحبيبها الذي باعها مقابل حصوله على الأمان الذي طال انتظاره ، والذي سيوصلها لعدوّها الذي أُغرم بها بعد رحيلها !
تأليف : امل شانوحة الإتفاقيّة المرعبة نجا بعض المسافرين من غرق سفينتهم في الخليج العربي .. وأخذوا يجذّفون بقوة في قوارب الطوارئ المطاطيّة ،...